في هذا الكتاب محاولة لمقاربة الأزمة العالمية الراهنة، بأسمائها المتعددة وصعدها المختلفة، عبر تناوله قضايا ومشكلات تتعلق بمفردات الوجود وعناوينه كالحداثة والديمقراطية، أو الأمن والحرية، أو الأصولية والهوية، أو الشراكة والتنمية، فضلاً عن مسألة باتت تحتل أولوية قصوى هي الحياة المشتركة: كيف تُصنع وتُبنى أو تُدار وتُساس؟ وهذا هو السؤال: كيف يُدار الشأن المشترك؟
يعتبر الكاتب أن الأزمة في عالمنا الحديث هي "أزمة مركبة ومتجددة، بقدر ما هي عالمية ومعولمة، كما تشهد الانهيارات المالية والكوارث البيئية والفظائع الإرهابية.
من هنا ما عادت تجدي إدارة الكوكب ومعالجة أزماته الدورية، بما هو سائد من العقليات والأنماط والنماذج والنظريات التي لا تحل أزمة أو تحقق مصلحة (...).
إن الرهان، وسط كل هذه المخاوف والمخاطر والكوارث المحدقة بالمصائر، هو كيف نصنع حياة سوية ومشتركة؟ كيف ندير مصلحة عمومية؟
قد يبدع الواحد قصيدة أو رواية أو نظرية أو عملاً فنياً، وقد يشنّ حرباً ظافرة، لكي يمارس نجوميته ونرجسيته وتألهه، وربما بربريته، ولكن المحك هو كيف نتدبر أمر العيش سوياً؟ كيف نخلق لغة مشتركة أو وسطاً للمداولة أو مساحة للمبادلة في هذا المجال أو ذاك؟
وذلك يحتاج إلى تغيير يطال الأفكار والأدوار والمهمات وصور الحياة وأساليب العيش وقواعد المعاملة، بحيث يجري تجاوز مقولات الأصل والصفاء والأحادية والقداسة والتأله والنخبة والبطولة والاحتكار والقوقعة والمعسكر... نحو مفاهيم جديدة كالوسيط، والاعتراف، والتعدد، والتهجين، والموجة، والنسبية، والحيوية، والشبكة، والمداولة، والشراكة، والقوة الناعمة... ويحتاج قبل ذلك إلى ممارسة التقى، بالتخلي عن ادعاءات التأله والقبض التي تحيل الشعارات والنصوص إلى أصنام تعبد، أو إلى أقانيم تقدس، أو إلى تنانين فكرية تولد الاستبداد والفساد أو تنتج التوحش والخراب. فنحن أدنى شأناً مما ندعي، من حيث علاقتنا بالمعنى والقيمة أو بالحقيقة والعدالة. مثل هذا الاعتراف يشكل شرطاً لقبول الآخر كشطر وجودي، والتعامل معه كشريك فاعل في إدارة المصالح وصنع المصائر، بقدر ما يفتح الإمكان لتشكيل مساحات مشتركة للتواصل المجتمعي والتبادل البشري.
هذا هو التحدي الكبير: كيف نجعل الحياة على الأرض وبين الناس أقل بؤساً وفقراً وأقل توتراً وعنفاً، لتكون أكثر أمناً ويسراً وأكثر تواصلاً وتضامناً، سواء على مستوى جماعة أو دولة، أو على مستوى المعمورة؟
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات والمداخلات للدكتور علي حرب , جمعها في هذا الكتاب وأضاف عليها ..
تدور حول العنوان الرئيس : المصالح والمصائر المشتركة ..
راقني منه 3 عناوين :
- البشرية في فخ عجزها - كي لا يلغي المؤمن المواطن - التركيب البناء والتحويل الخلاق
فهي جميلة ومذهلة
يعيب الكتاب تكرار الأفكار ؛ وذلك نظرا لأنها مجموعة من محافل شتى ..
المهم أني أخذت تصور عن فكرة حرب حول الحداثة والدين والعالم والأزمة المالية والمصالح المشتركة وبعض العناوين الأخرى .. وأوجد لي مخزون معرفي ومصطلحات أغنتني ومفاهيم راقت لي وطرق جيدية للتعامل مع الأحداث والنصوص والوقائع ..
قطوف من كتاب ' المصالح والمصائر .. صناعة الحياة المشتركة ' لـ علي حرب
¶ انه لا توجد ،كالعرب، جماعة أو هوية يتحكم ماضيها بعقولها وأجسادها؛ والحصيلة هي تخريب الحاضر وتدمير المستقبل، أو على الأقل العجز عن التفكير الحي والخلاق على سبيل التقدير والتدبير.
¶ وإذا كانت الحضارات القديمة نشأت وازدهرت تحت يافطات القداسة والألوهة والتعالي، فإنه من الصعب اليوم أن ينمو مجتمع أو يزدهر بمثل هذه المفردات، لأن صناعة التنمية تحتاح إلى فرد قادر وفاعل، يشارك في بناء مجتمعه، بالعمل والإنتاج والابتكار، بقدر ما يمارس استقلاليته الفكرية وحيويته الوجودية بكل أبعادها المعرفية والسياسية والخلقية والعشقية.
¶ لا شيء أكثر من العقل الدغمائي يقتل حيوية الفكر ويحول دون تجدد الأفكار، كما لا شيء يخشاه ويحاربه أصحاب العقول الدغمائية، المتحجرة الصدئة، أكثر من العقل النقدي الذي يشتغل صاحبه بالمسائلة والمراجعة والمحاسبة، بما يعنيه ذلك من الوعي الضدي المفتوح على الآخر والحدث، أو على الفكر الإشكالي الذي يتجدد بكسر القواقع الفكرية الخانقة، كما يتغذى من النظرة النسبية إلى النتاج الفكري أو العلمي.
¶ ان العاقل الدي يحسن التفكير والتقدير والتدبير، هو من يعترف بنسبية آرائه ويقر بأخطائه ويعالج إخفاقاته.
¶ الرجل لا يحسن سوى نقض حجته. فهو يصف المرأة بأنها ناقصة عقل، ثم يتهمها بأنها تغوي الرجال وتتلاعب بعقولهم لكي تجرّهم إلى ارتكاب المعاصي والآثام. وتلك هي فضيحة العقل الذكوري.
¶ الأصولي لا يمارس فعل التفكير الحيّ والخلاّق، أي لا يتفكّر ولا يتعقّل، لأنه لا يقيم مسافة نقدية، لا مع الذات ولا مع الغير. إنه يفكّر بصورة مغلقة أو أحادية، بقدر ما تتحكّم بتفكيره المقدسات والمسلّمات والمسبقات. فهو إذاً ليس ذاتاً مفكّرة، بل مجرّد جهاز إيدولوجي أو آلة فكرية، بقدر ما يعتبر أن هناك مَن فكّر عنه وما عليه إلا الامتثال والطاعة، وتلك هي عقلية الحشد والقطيع.
¶ ان الثابت والمطلق والمتعالي والكامل والواحد، لا يمكن ترجمته إلا انتهاكات وفضائح أو مآسي وكوارث، على أرض الواقع الحي، حيث لا يوجد سوى النسبي والمتعدد والناقص والمتحول والعابر أو الزائل…
¶ وهذا شأن كل من يتعامل مع ذاته بمفردات الألوهة والقداسة والوحدانية: أن يتحوّل إلى فاشي أو عنصري بقدر ما يتعصّب وينغلق ويتطرّف، أو أن يتصرف على شاكلة نيرون أو الحجاج أو هولاكو. بهذا المعنى لا أحد يعْرى من ميْل أصولي أو منزع فاشي.
¶ ان الديمقراطية، ليست مجرّد أرقام، ولا هي مجرّد موسم انتخابي، وإنما هي ثقافة وعقلية ونمط وجود يترجم، أقله، بالاعتراف بالمختلف والمعارض.
¶ القراءة الخصبة والخارقة هي التي تتعاطى مع النصوص كمساحات للتأويل، نقرأ فيها ما لا يُقرأ من قبل، من أجل تجديد المعنى وإعادة بناء الذات، على نحوٍ أغنى وأقوى، وإلا تحوّلت إلى متاريس عقائدية وخنادق رمزية.
¶ ان أقلّ ما نحتاج إليه هو الدعوة والوعظ والتبشير، وأكثر ما نحتاج إليه هو إنشاء مراكز للبحث العلمي والفحص العقلي والدرس المعرفي، لتشريح أمراضنا الثقافية والدينية، على سبيل الفهم والتشخيص. بهذا المعنى فإن غير المتدين، الذي يشتغل على النصوص والممارسات الدينية لتجديد الأفكار والمفاهيم والقيم، إنما يمارس دوراً إيجابياً وبنّاءً في مجتمعه وعالمه أكثر بكثير من المؤمن المتعصب الذي ينصب الحواجز والخنادق بين المذاهب والطوائف.
¶ ان الأصل لدى البشر ليس العقل أو التعقل، بل الميل والهوى أو النعرة والعصبية. فالإنسان هو شهواته ونزواته وهواجسه وخرافاته وقلقه وتوتراته والتباساته ومفارقاته، أي كل ما يجعله ينتهك دوماً ما يدعو إليه أو يمارس ما يعلن الحرب عليه. من هنا حاجته الدائمة إلى نقد الذات، بتعهدها وسوسها بالدربة والمراس أو بالجهد والاجتهاد. إنه وعي مضاد بالهوية، ومسافة نقدية من الذات، واشتغال دائم على الأفكار والمؤسسات والسلطات، للتخفيف من المنازع النرجسية والاصطفائية والمركزية، إذ هي الداء الأعظم الذي يولّد ما نفاجأ به من الدمار والهلاك، للبشر والطبيعة والحجر… بما أسميه "تواطؤ الأضداد على صناعة الخراب".
¶ لا عدالة تُطبّق ولا حقوق تُحترَم، من غير اعتراف متبادل يتجاوز مفهوم التسامح الخادع الذي يُلغّم الوحدات والهويات.
¶ ومن لا يحسن أن يتغير تهمشه المتغيرات أو تنتقم منه الوقائع.
¶ المواطن الفاعل لا يعيش في قوقعة انتمائه الوحيدة، وإنما يمارس هوية مفتوحة متعددة الانتماءات: الأسرة، الديانة، الأمة، المهنة، النقابة، الندوة، الهيئات الإقليمية أو الدولية.
¶ التغيير ،أياً كان شكله، يحتاج إلى الانفتاح على ما يستبعد من الأفكار والمفاهيم أو العوالم والذوات.
علي حرب مفكر غريب، تشعر أنه لا يجتهد ولا يتعب، ويكرر حتى نفس الفكرة، لكنه يستطيع أن يدخلك في مزاج من التبديل الفكري والتجديد. أسلوبه كأنه يجعلك تلتقط الفكرة وتصدقها بسبب التكرار. لكن يبقى سؤال: هل هو يكرر في الكتاب الواحد، أم إن كل كتبه هي الشيء نفسه؟ بعض كتبه مميزة في طرحها، لكنه يكرر المقولات. ومع ذلك، على مستوى المشروع والدعوة، أعتقد أن أطروحة علي حرب مهمة جداً ومختلفة عن أطروحات المثقفين العرب، وتُعد جديدة. هو وزكي نجيب ومصطفى حجازي أحببتهم بسبب التحليل الجذري، وإن كان علي حرب يحلل على مستوى مختلف، وهو مستوى كشف التناقضات داخل الأفكار وكشف النهايات، كونه يرى أن كل مقولة تخلق نقيضها وتخلق عدوانيتها، وتصنع نسقاً مغلقاً وشعارات مستهلكة.
وقد أختلف مع منطق علي حرب وقسوته ضد المثقف؛ فالمثقف إنتاجه هو الكتب، وقليل من يقرأ إنتاجهم أساساً حتى يتألموا فوق طاقتهم. أنا ألومهم على ضعفهم في توظيف الشاشة وعدم الاعتراف بقيمتها الكبيرة في المنافسة على الحوار ونشر الأفكار. المثقف يتعامل مع الورق بفاعلية كبيرة، وعندما يكون على الشاشة يعاملها ببلاغة الكتاب، مما صنع في خطابه نوعاً من الرتابة، وتشعر أنهم لا يريدون إظهار جمال فكرهم. من المفكرين القلائل الذين استطاعوا توظيف الشاشة ونشر الفكر هو عبد الله الغذامي. وأعتقد أن هناك نقصاً في بلاغة الخطابة وجمالية توصيل الأفكار عبر الشاشة. ولهذا لا أستطيع أن أقول إن أفكار المثقف عديمة الجدوى، أو اتهام الوجودية عند سارتر أو الماركسية بالفشل ولا أحد يعترف بهما. لكن نقده للدين ممكن وصحيح، فخطاب الدين مكرر ولا يولّد إلا العنف—إلا لو قصد علي حرب أولئك الذين يمسكون بالمشاعر السياسية وينظمون الجمهرة، فهنا أتفق معه. لكن هذا لا يبدو ما يقصده علي حرب في مشروعه الفكري.
هو يمارس نقد المثقف بقسوة ليجعلهم الوجه الآخر لرجال الدين، وهذه مبالغة منه، كأنه هدفه البلاغة لا أكثر. وأنا أتفق معه طبعاً أن المثقف يمارس نوعاً من الفوقية واعتقاد نفسه صاحب الكلمة، وفي الوقت نفسه يعيب على رجل الدين فوقيته. فالمثقف يخفي داخل خطابه استحقار رجل الدين، وبالتالي يستحقر تخصصه. ولكن بسبب عنف رجل الدين ينتقم منه بأسلوب الرمز والحرية، وهو لا يقصده بشكل مباشر. فعندما تمارس تجربتك في تخصصك سترى من المثقف أقسى أنواع الاستحقار والفوقية.
تذكرت أن زكي نجيب كان يرى أن المثقف يجب أن يكون فوق، ويتعلم منه الآخرون. وكانت له وجهة نظر؛ فالموضوع معقد بين الخضوع لسلطة المثقف أو الاعتراف بتخصصات الآخرين وبالتالي التواضع والنزول، وبين المساواة الفكرية والخطاب المفتوح. أعتقد أن علي حرب يقترح حلاً وسطاً عندما يقترح فضاءً نتبادل فيه الخبرات والأفكار ونمتنع فيه عن التعصب الفكري والتحقير بالهويات والمراكز الأكاديمية.
أعتقد أن المثقف إلى اليوم يمارس عنفه الرمزي ونخبويته، لكن إعادة ممارسته لهذه النخبويّة لا تعني أن مشاريعه فشلت، بل إن خطابه أو طريقة توصيل فكره هي التي بنت حاجزاً بين الناس، وأصبحت أفكاره غير متداولة. والغريب أن أشخاصاً مثل نيتشه وفرويد وديستوفسكي تُتداول خطاباتهم أكثر من خطابات المثقفين العرب. هل السبب عدم مهارة المثقف العربي في خلق وابتكار صيغ فكرية قابلة للتداول، أو عدم ملامسة الواقع، أو اعتماده على البناء المنطقي الصلب؟
ربما عبد الله القصيمي هو الوحيد الذي نجح في توليد صيغ وجمل فكرية تصبح متداولة بين الملحدين على الأقل. والشعراء أيضاً على الطرف الثاني مبدعون في صيغهم الفكرية وإنتاجها. إذاً الفكر يحتاج إلى لغة رمزية يمكن تداولها بسهولة وتؤثر في نفوس الناس، مع طبعاً توسيع نشر الفكر بدلاً من الاعتماد على الكتاب والمحاضرة. فالمقابلات التلفزيونية، في شكلها التقليدي، أسلوب من يريد أن يظهر نفسه كأنه المرشد والنبي. أما توسيع وسائل نشر الأفكار، والخروج من منطق النص إلى مساحات جديدة للنقاش، فهو ما يجعل الفكر قابلاً للانتشار والحياة.
الكتاب يتناول قضايا حاسمة و مهمة تهم المواطن العربي بشكل عام لدي ملاحظة واحدة هنا أنه تناول مسألة أسلمة العلم - إن صح التعبير - أو القول بأن بعض الاكتشافات العلمية لها صلة ببعض النصوص القرآنية و الدينية دون أن يتحدث عن هذا الجانب بموضوعية ،بالطبع ربط كل المنجزات العلمية الحديثة بالنص الديني ليست موضوعية و منطقية أحيان و لكن بعض المنجزات توجد لها إشارات في النصوص القرآنية و أحاديث السنة النبوية . و هناك الكثير من الكتب تتحدث عن الاعجاز العلمي في القرآن الكريم مثلا و هي بحاجة لدراسة و نقد حتما فهي ليست كاملة و لكنها ليست مرفوضة بالمطلع فالإعجاز العلمي موجود و لكن طريقة ربط بعض علماء الدين و المفكرين للنص بالمخترعات فيها إشكاليات عديدة من حيث كيفية استدالهم و اثباتهم لذلك ( أي الرابط الحقيقي بين النص الديني و المنجز الحديث ) . فمثلا في القرآن الكريم تم ذكر مراحل نمو و تطور الجنين و لكن هذا لا يعني أن اكتشاف جهاز السونار شي غير جديد و لا يعتبر مخترعا حديثا !! هنا من الصعب الربط بين الاختراع و النص .