"يلجأ الكومبارس نوح الرحيمي إلى حيلة يتسلل عبرها إلى بار ليالينا الذي يقتصر رواده على نخبة من المثقفين؛ أملا في أن يفهم عبر محاكاتهم، السر الذي جعله مجرد رجل أحمق محدود القدرات وحوَّلهم إلى أشخاص فائقي الذكاء، فيتنكر في شخصية منتج سينمائي ثري. عندما تنكشف حقيقته تقرر جماعة بار ليالينا طرده، لكنه يرفض المغادرة فيقررون التسلي بخداعه عبر حيلة تمنعه من الرجوع إلى البار وتحوِّله إلى مزحة يتندرون بها. بعد عشرين عاما يقرر نوح العودة للانتقام".
أحمد الفَخْراني (الإسكندرية، 1981) روائيّ وصحفيّ مصريّ. تخرّج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية، غير أنّ شغفه بالكتابة دفعه إلى العمل الصحفي منذ 2007، فكتب تحقيقاته ومقالاته في صحف ومواقع ثقافية عدّة، منها «البديل»، «أخبار الأدب»، «الشروق»، «المصري اليوم»، «دوت مصر»، «المنصة»، «مدى مصر» و«الأخبار اللبنانية». أسّس المنصّة الرقمية المستقلة «قُل»، ويشغل حاليًّا منصب مدير تحرير برامج الديجيتال في «العربي تيوب»، كما شارك في تأليف حلقات من برنامجي «الدحيح» و«في الحضارة».
أصدر الأعمال الآتية: • «ديكورات بسيطة» (شعر، 2007) • «في كل قلب حكاية» (بورتريهات، 2009) • «مملكة من عصير التفاح» (مجموعة قصصية، 2011) • «ماندورلا» (رواية، 2013) • «سيرة سيد الباشا» (رواية، 2016) • «عائلة جادو» (رواية، 2017) • «بياصة الشوام» (رواية، 2019) – تُرجمت إلى الإنجليزية بقلم نانسي روبرتس، ومن المنتظر صدور طبعتها الدولية قريبًا. • «إخضاع الكلب» (رواية، 2021) • «بار ليالينا» (رواية، 2022) • «كل ما يجب أن تعرفه عن "ش"» (مجموعة قصصية، 2024)
نال الفخراني عدّة جوائز أدبية، أبرزها: • جائزة ساويرس الثقافية (المركز الثاني – فرع شباب الأدباء) عن «ماندورلا»، 2016 • جائزة ساويرس الثقافية (المركز الأول – فرع شباب الأدباء) عن «بياصة الشوام»، 2020 • ترشُّح «بار ليالينا» للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، 2023
دايماً في الويكاند بحب أقرأ مجموعات قصصية أو كتب خفيفة.. ومعني كتاب خفيف إنه مش صعب، حجمه مش كبير،مش محتاج تركيز جامد بس لازم يكون مكتوب حلو و في فكرة حتي لو بسيطة... وبار ليالينا كان للأسف الكتاب اللي اختارته الأسبوع دة... الكتاب بمنتهي الأمانة..تافه و سطحي جداً و علي الرغم أن حجمه مش كبير إلا انه كان مستحيل أخلصه و بجد ندمانة إني قرأت ٧٠٪ منه! طبعاً مش حكتب هو بيتكلم عن ايه و لا حضيع وقتي أكتر من كدة في كلام علي هذا الكتاب... سئ....جداً...
عدة فصول قصيرة لنوفيلا سردية عناوينها هي استعارة لأفلام مصرية قديمة من زمن الستينات و السبعينات و أبطالها من مشاهير بنوا شهرتهم على ادعاء الثقافة حينا و محاربة الحمقى حينا أخر و الظهور بمظهر الأبطال في كل حين و لكن الحكاية لن تكتمل إلا بوجود الحمقى. بار ليالينا هو البطل الحقيقي للأحداث و هو الذي يشهد المناقشات العبثية عن تسطح الأرض و كرويتها و أصالة الماس و تفرده أم زيفه و أيضا المناوشات و المناغشات بين الحمق و الذكاء و بين عقد الصفقات في العلن و الخفاء و بين الحقيقة و مرآة الحقيقة و أخيرا بين الأحلام و الوقوع في الخراء. قصة عبثية و لكنها في الوقت نفسه شديدة الواقعية.
القراءة السادسة ضمن قائمة الكتب التي ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربيّة 2023م.
"بار ليالينا" | زبف المثقفين وسطحية الواقع وحماقته.
(يا للحماقة) بهذه الكلمة التي ينتهي بها النص في آخر صفحة من صفحاته ، والتي أعدتها على نفسي بعد أن قضيت وقتاً لا بأس به في قراءة الرواية ومحاولة فهم ماقرأته من سطور مغرقة في السطحية أحياناً ، وفي العمق أخرى ، عن أزمة رجل أحمق إكتشف حماقته أثناء محاولته تحقيق ذاته ، وانتزاع إعتراف الآخرين بموهبته ، التي كان يعتقد أن أصحاب الأفكار والمثقفيّن يمتصونها ليستمدوا عبقريتهم وثقافتهم منها.
اللافت للنظر والمثير حقاً في هذه الرواية أنها اتخذت رمزيّات متعددة لبنائها بإستخدام اسماء أفلام سينمائية مثل فيلم "اغتيال مدرسة" لنجمة مصر الأولى الفنانة الرائعة نبيلة عبيد ، وأماكن شهيرة ومعروفة مثل "مقهى بعرة" بتاريخه الممتد لثمانون عاماً في شارع الفنانين والذي اجتمع فيه العديد من عمالقة الفن في الزمن الجميل ، وكذلك شخصيّات تاريخيّة زُجّ بها عبثاً دون معنى مثل شخصيّة المفكر الكواكبي صاحب كتاب "طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد" ، وصوت وردة الجزائرية في أغنية "ليالينا".
أزعم حسب قرائتي ، أن الرواية تحاول كشف ذلك القناع المزيّف الذي يرتديه بعض الموهبين او المثقفيّن ليخفوّن حماقتهم وجهلهم ، الذي أضطر بسببه بطل الرواية نوح أن يعيش حياتين أحدها ظاهره كاذب يعيش بشخصيّة المثقف والصحفي والمولع بالفنون ، كما يكتشف الكنوز ، ويزدريّ الحمقى الذين ينتمي لهم.
والحياة الأخرى حقيقية تُظهره محض أحمق يؤمن بالفن الهابط ، وسطحيّة الأرض ، يتمنى الخلاص من خلال رحلة ذهاب بلا عودة الى أحد الكواكب الأخرى ، لأن الكائنات الفضائية ستهاجم الأرض باليوفو ، ولن ينجو إلآ مجموعة منتقاة من البشر بمواصفات خاصة ، لكي يُستفاد منهم في الكواكب الأخرى.
ايضاً هنا سأكتفي بالقول يكفي ترشّحها للقائمة الطويلة ، وبالتوفيق للكاتب الذي أقرءه لأول مرة للأسف.
ما الذي يحدث عندما يسعى الكومبارس للبطولة؟ يكتشف ان المجتمع الذي عرفه ككومبارس، كشخص من الصفوف الخلفية لا يسمح له بالقفز الى الصف الأول، فكل واحد له دور مرسوم له وغير مسموح له بأداء دور غيره في مجتمع هرمي يقدس الفوارق بين طبقاته. هذه هي القاعدة، والنادر أن ينجح أحد في كسرها... يسعى نوح العاشق للتمثيل في صيد دور أكبر يضعه في مكانته الحقيقية مع النجوم الكبار بشتى الطرق ولكنه لا ينجح، فيقرر أن يقوم بأداء تمثيلي واقعي يفتح به عيون نديم الذي سخر منه، ومجموعته الصحفية من جريدة باب الحقيقة كمحاولة أخيرة لنيل قبول العالم به كشيء اكبر من مجرد كومبارس صامت. ليدخل في دور تمثيلي يستغرق باقي حياته...
الرواية تنطبق على المهمشين في كل نواحي الحياة مش بس كومبارسات الفن، الناس اللي ليهم دور أساسي ومهم في مسرح الحياة ، لكن مش متشافين علشان الضوء مسلط على مجموعة صغيرة من النجوم في كل مجال. الناس دي بيبقى حلمها انها تتشاف وتتقدر من المجتمع، وشايفين ان وسيلتهم الوحيدة هي خطف الاضواء لأن المجتمع بينظر بس داخل دائرة الضوء، هل يا ترى لو كان فيه تقدير لابطال الظل والصفوف الخلفية كان هيبقى حلم الناس انها تكون دايما النجم؟
امثلة كثيرة تحضرني من الحياة زي بالظبط افيش الفيلم اللي بيبقى ساعات عبارة عن صورة للبطل الرئيسي وبس بدون ذكر لأي حد تاني في العمل، لا ابطال تانيين ولا مخرج ولا مؤلف ولا حد خالص، يعني هو اللي بيمثل كل الادوار، وهو طاقم العمل لوحده؟ يعني مجرد انه نجم العمل دا بيضمن النجاح بغض النظر مين الطاقم اللي معاه؟ ليه أي عمل ممكن الدعاية والنجاح بتوعه يكونو قايمين بس على شخص واحد مهما كان هو عنصر الجذب او محرك النجاح؟ في ناس تانية معاه تعبت واجتهدت علشان العمل يخرج في صورته النهائية، فلازم كل واحد ياخد نصيبه من التقدير والنجاح
الكتاب متوفر ورقيا في مكتبات الشروق وجميع المكتبات الكبرى وإلكترونيا على جوجل بلاي وأمازون كيندل وأبجد وصوتيا على منصة اقرأ لي حوار مع أحمد الفخراني المرشح للقائمة الطويلة على موقع جائزة البوكر http://bit.ly/3KJmPpI مقال الروائي إبراهيم فرغلي عن رواية بار ليالينا: «بار ليالينا».. «دون كيشوت» الجديد.. ممثل مغمور يواجه مجتمعًا زائفًا https://www.dostor.org/4146299 مقال الناقدة د. شيرين أبو النجا في كرنفال أحمد الفخراني يسخر "الكبار" من الكواكبي | اندبندنت عربية https://cutt.ly/xVIEMD0 مقال الناقد محمود عبد الشكور «بار ليالينا».. في هجاء الرجال الصغار https://cutt.ly/9VIRuzj مقال الناقد السوري عزت عمر:بار ليالينا: صراع وجودى فى الهوامش shorturl.at/aBPU0 الروائي أشرف العشماوي عن بار ليالينا shorturl.at/dkpsv مقال الكاتب السوري محمد سامي الكيال في جريدة القدس العربي:«بار ليالينا» لأحمد الفخراني: هل نجح «الرجل الصغير» بإعادة ابتكار الطوفان؟ https://bit.ly/3frtS8J الكاتب حسام علي: مراجعة طويلة جدا لرواية بديعة جدا https://bit.ly/3UoGJYz تقرير رويترز عن الرواية: بار ليالينا..سرد أدبي بإيقاع سينمائي عن أزمة رجل أحمق https://bit.ly/3VgpkTq جريدة النهار اللبنانية"بار ليالينا"... روايةٌ بين ضفتيّ الأدب والسّينما https://bit.ly/3hxQVA0
{حاول اختراق الزجاج ولكنّه فشل، أدرك ان الشيء الذي يحول بينه وبين النجاة هو قبول صورته كما عرضتها المرآة}
بتلك الكلمات يمكننا ان نُلخص الغرض من هذه الرواية الرمزية، نصٌ ظاهريٌ ونص مخفي، مُلغز، يحمل في طيّاته العديد الاسقاطات لواقعٍ مُعاش يملؤه النفاق ويحمل وجهين مختلفين.
على الرغم من عدم تقبلي للعديد من المشاهد نظرًا للمبالغة فيها إلا أنها ستصبح شيئًا مقبولاً إذا نُظِر إليها من زاوية مختلفة.
أحببت المشهد الأخير كثيرًا..أحب هذه المشاهد السريالية التي يمتزج فيها الواقع بالخيال بصورة لا يمكن الفصل بينهما.
عمل استطيع ان اقول فيه: بأنه كان بالإمكان أفضل ممّا كان
رواية ملهمة في سلاستها وقدرتها على استخدام التيمات القديمة الشهيرة للانتقام كأنها تحية للأفلام الهابطة التي شكلت جزء من وعينا في مراهقتنا، تمامًا كأفلام تارنتينو التي لولا رؤيته الفنية لصارت مجرد فيلمًا هابطًا، استطاع فخراني بذكاء شديد أن يستخدم تيمات تبدو هابطة لصنع حكاية متقنة للغاية وزرع أفكار شديدة الثراء داخل الحكايات المسلية، رواية لن تمل للحظة أثناء قراءتها وبمجرد أن تنتهي منها ستود أن تبدأ قرأتها مرة أخرى، عمل آخر ممتاز لأحد الروائيين المفضلين لي
بار ليالينا.. لدينا مَثل شعبي في تونس "إلّي سمّاك غناكْ" ينطبق تم��مًا على "بار ليالينا" لأحمد الفخراني. تصدرت صور الكتاب كلّ المنصّات و احتفى به القرّاء و النقّاد و الحال أنّه مجرّد هراء. استحضرت العديد من الصور و التشبيهات أثناء قراءتي هذه. شريط فرنسي شهير " Le dîner de cons" و فيه تعوّدت شلّة دعوة أحد الحمقى على العشاء كل فترة. كلّ الأعمال التي تناولت بالنقد ما نسميه "النخبة المثقفة" و زيف مبادئها و قناعاتها و لكن التنفيذ جاء سطحيًّا جدًّا للأسف. فالسرد يتعثّر و يتخبّط في التفاصيل و التمطيط و المباشرتية. الشخصيات كاريكاتورية للغاية. و قصة الانتقام و الغرام في الفصل الأخير كانت أشبه بأفلام شركة "الصمت الرهيب" ( من قرأ الرواية سيفهمني). آسفة جدًّا للوقت الثمين من عطلتي الثمينة الذي أهدرته في "بار ليالينا"..
ثورة الهامش على المتن في بار الفخراني "بين الحقيقة والطوفان"
من يقرا لأحمد الفخراني، الذي أعدّه أحد أهم الكتاب المصريين المعاصرين، يتوجّب عليه أن يدرك أنه أمام نصّين، أولهما ظاهر ومباشر هو الحكاية المروية، وثانيهما النص المتواري خلف الطبقة المعلن عنها من السرد، وإن كانت حكاية رواية الفخراني الصادرة حديثًا عن دار الشروق في ١٥٢ صفحة، تتمحور حول حكاية الكومبارس الصامت نوح الرحيمي، وسعيه الحثيث بغية الخروج من الظل إلى النور ولعب دور البطولة، سواء تم ذلك على الشاشة الفضية، أو فوق مسرح الحياة، فالحكاية تنطوي على ابعاد أكثر عمقًا، وأعظم قدرة على كشف الستار عن واقع مجتمع المديوكرز الذي بات يتصدر المشهد الثقافي والفني حسب أحداث الرواية التي يمتد بعدها الزمني من مطلع القرن الحالي حتى الزمن الراهن.
النوستالجيا وسينما/زمن الهبوط والتردّي
حالة النوستالجيا حاضرة بقوة في هذا النص، بداية من العنوان الذي يمهد لهوس أحد الأبطال بوردة وأغنياتها، وبائع الروبابيكيا ومقهى بعرة، وعدة تفاصيل أخرى تحيل القارئ إلى غرف مغلقة في ذاكرته. أما أسماء الفصول، فإذا تتبعنا عناوين الأفلام السينمائية التي عنون بها الكاتب الفصول الفرعية داخل فصول رئيسة ثلاثة، سنجد أنها تعكس ما أراده الكاتب من رصد دقيق لحالة التردّي التي سيطرت على الفن في فترة رواج هذه الأفلام، كما أن عنونة الفصول بهذه الطريقة تضع القارئ على مقعد خشبي متهالك في إحدى سينمات الترسو، أو السينمات الصيفية، أو اي من دور العرض الشعبية من ذوات البروجرام ثلاثي الافلام. أراد الكاتب بهذه الطريقة إذن أن يهيئ للقارئ مسرحًا مكانيًّا متخيّلاً يقصّر المسافة بينه وبين عوالم النص الذي تتمحور حكايته الظاهرة حول كومبارس صامت، وباستثناء استخدامه لعنوان فيلم "عفوًا أيها القانون"، وإن كان مناسبًا للإطار الحكائي، فقد كانت كل عناوين الأفلام المستخدمة قادرة على ترسيخ حالة الارتباط بين النص الظاهر ودلالاته الضمنيّة، فيكفي أن يقف القارئ على عناوين أفلام ممنوعة مثل "ذئاب لا تأكل اللحم، و"سيدة الأقمار السوداء"، حتى يدرك براعة الإسقاط المقصود بهذه العنونة.
رقصة استربتيز متباينة الجودة والإيقاع
بتقنية تتفاوت درجاتها بين السذاجة المفرطة والذكاء الحاد، يعرّي الفخراني مجتمع المثقفين من خلال شخصية نوح الرحيمي، ذلك الكومبارس الصامت الذي وضعته الصدفة على أفيش فيلم مشهور، فيعقد العزم على أن يجرب أدوارًا تعرف لغة غير الصمت الرهيب، ليصطدم عكس ذلك بسطوة سادة لا يسمحون للهامش بالتعدّي على متونهم، ولا للفراغ الذي يمثله نوح بالتوغّل في عوالمهم ذات الأطر البرّاقة اللامعة، بيد أن نوح الذي يعرف المذلة على أيادي هؤلاء السادة الذين قرر هو أن يجعل منهم سادة الثقافة والفنون، يعود بعد عقود ليعرّي هذا المجتمع الزائف، دون أن تشغله فكرة تعرية نفسه التي تلذذ هؤلاء بتعريتها منذ زمن، فيمارس عرض استربتيز جماعي، عرض قسري يجبر فيه سادة مجتمع المديوكرز على التعري أمام مرآة حقيقته، وعلى مرأى القراء جميعًا. هكذا، ومن خلال شخوص تم اختيارهم بعناية فائقة، الصحفي والكاتب والقاص والمصور والحقوقية والرسام وصاحبة البار وزوجها المتصالح مع الحياة في ظل زوجته، ليعكس كل منهم شريحة محددة من أوساط المثقفين والفنانين، فيعرف القارئ أن الفارق بين الهامش والمتن جد ضئيل، وأننا لم يعد لدينا في أوساطنا هذه متون حقيقية صادقة؛ إذ هو زمن المديوكرز! ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن للأسماء دلالات قوية تتراوح بين الواقع المفضوح والإيهام، لكن اختيار اسم نوح، مع مشهدية النهاية، يوحي بالكثير، وهو ما سأشير إليه لاحقًا في هذه القراءة الانطباعية غير النقدية.
ثيمة البحث عن الحقيقة بعينيّ رجل صغير
منذ بداية الهزة النفسيّة التي أصابت نوح الرحيمي عقب تعثره في محاولات العبور من هامش الحياة وظلها إلى متون البطولة حيث الضوء ساطع لا يخفت حسب ظنه، تشغله مرآة عتيقة يسميها مرآة الحقيقة، إذ أنها لا تعكس على زجاجها صورة الشخص الواقف أمامها بقدر ما تصوّر له الحقيقة، ولأن نوحًا كأي إنسان ترعبه مواجهة حقيقته، يتخلّص من المرآة بذات الطريقة التي حصل عليها بها. عقب ذلك ينجذب نوح إلى جماعة مجلة "باب الحقيقة"، وهي مجلة محدودة الانتشار تواجه صعوبات في التمويل ولا تستمر كثيرًا. اعتقد نوح أن باب الحقيقية هي بوابته السحرية للعبور من الهامش إلى متن الحياة، لكنه، ولفرط سذاجته آنذاك، لم يعرف أنه يطرق بابًا لا يقبع وراءه إلا الزيف والخداع وتزاوج المصالح، وعندما يلج إلى محرابهم مخفيّا حقيقته كمؤسس وممول لجماعة الصمت الرهيب -تلك الثلة من الكومبارسات الذين تصورا بإيعاز من نوح أنهم يمتلكون فرصة الظهور والاشتهار- تلطمه جماعة باب الحقيقة بكشفهم لهويته، لتطعنه الحقيقة بخنحر هوان لا يمّحي ولا يمكن نسيانه إلا بثأر عظيم. وفي هذا الصدد، لا يفوتني أن أشير إلى اعجاب نوح بما يكتبه رئيس تحرير المجلة من نصوص يعرض من خلالها مقاطع من كتاب "خطاب إلى الرجل الصغير" لعالم النفس النمساوي فيلهلم رايش، وما ينطوي عليه ذلك من ثنائية ضدية تضع الاعتراف بالضآلة في مواجهة مع الرغبة في التحرر من ظلها الثقيل. وفي النهاية، حين تحين لحظة الانتقام والتعري وفضح المستور كله، تظهر مرآة الحقيقة التي استعادها نوح بعد سنوات العناء وتقييد الحرية مرورًا بسنوات الانطلاق والثراء والتخطيط للانتقام، لتكون المرآة بمثابة بطلة جديرة بوضع بصمتها على مشهد الفينالة.
وظيفة الأدب وتوظيفه
في بار ليالينا، كان البحث عن التحقق والحقيقة ساريًا وراء الحدث الظاهر بطول الرواية، وكما كان بحث هارون بطل "إخضاع الكلب" عن ذاته وإخضاعها ينساب برويّة في ما وراء السطور، تتكرر لدينا ذات الحالة السردية التي يتقنها الفخراني، فيبحث نوح وغيره من المنتسبين إلى أوساط المديوكرز عن حقيقية ما، بيد أن الحقائق الزائفة أو المختلقة تنهار الواحدة تلو الأخرى أمام مرآة الحقيقة. ولأن وظيفة الأدب معنيّة بطرح الأسئلة وسبر الغور المكنون في النفس البشرية وتقصّي أثر الزمان والمكان على وجدان البشر، فإن رواية بار ليالينا كانت نموذجًا للأدب الجاد المهموم بالقضايا الكبرى، علاوة على براعة باتت معتادة من الكاتب في فن التكثيف والإيجاز بطريقة تخرج بها سرديته في أقل عدد ممكن من الكلمات، وأكثر حشد وارد من الأفكار. على سبيل المثال، نحن نعرف أن لنوح الرحيمي زوجة وأبناء (لاحظ عزيزي القارئ ما يتم تمريره هنا عن فوضى الكراكيب وشجاعة التخلي في بيت نوح)، ونعرف وظيفته الأساسية كموظف في شركة أدوية حكومية فاسدة الإدارة (هنا يتأكد القارئ أن نوحًا لا تحركه أية مبادئ ولا تسوقه غير رغبته في الانتقال من الهامش إلى المتن)، ونعرف أنه قضى سنوات في السجن، بيد إن ما يقدمه الفخراني حيال هذه المنعطفات والمكونات الرئيسة لشخصية نوح، لا يتعدى حيز الومضة الكاشفة الموجزة، التي تبلغ القارئ بالمعلومة ليكمل الصورة في رأسه، قبل أن يجذبه إلى حكاية نوح الكومبارس ومحاولات عبور مخاضه إلى نور الحقيقة، من دون أن يشعر القارئ أن ثمّة أمر منقوص في حكاية نوح.
الدلالات والتأويلات، بين واقعية سحريّة وواقعية لصيقة بالأرض
هكذا، وعلى الرغم من هذا القدر من الحشد والتكثيف للأفكار ونماذج الشخوص التي لا تحوي في أغلب أعمال الكاتب شخصًا يقترب من مدارات المثالية، فقد قرر الفخراني أن يطرز حكايته بحيل تقنية عبر المراوحة بين الواقعية اللصيقة بالأرض -وأعني هنا عوالم الكومبارس والبارات والبعد المكاني الذي اتخذ من القاهرة مسرحًا للحكاية، ثم جعل من البار بؤرة الحدث المختارة كمثل دوامة تجتذب الداخل إليها فلا يقو على الخروج منها- والواقعية السحرية التي مهد لها في الفصل الأول، قبل أن تعود بكثافة طاغية في مشهد الختام، الذي يكرر فيه نوح حكاية الطوفان العظيم، لكنه في هذه المرة كان طوفانًا من مياه الصرف العامرة بالخراء، قبل أن يتبع ذلك بمواجهة الشخوص لذواتهم أمام مرآة الحقيقة.
كنت قد أشرت سابقًا إلى اختيار اسم النبي نوح، وتشابه سيرته مع سيرة الكومبارس من حيث تلقي الإساءة والاستهزاء من الجميع قبل أن يهيه الله معجزته وطوفانه، ومع اختلاف الموعِز والموعَز إليه، يظل التشابه واضحًا من البداية حتى النهاية. الأهم هنا هو أن الفخراني نجح في خلق هذا المزيج السردي ببراعة أحالتني إلى روايته بياصة الشوام. كذلك، فقد ابتدأت رحلة الخديعة التي وقع فيها نوح من ضريح الكواكبي، وهذه دلالة أخرى واضحة عن امتداد أثر الاستبداد بعد كل هذه القرون، أما عن بقية التأويلات والإسقاطات والتفاسير والدلالات، فحدث ولا حرج، إذ يكفي أن أشير إلى أن هذا الرواية عرضت في ما يشبه شريطً وثائقيًا قصيرًا، وقائع تاريخية هامة بداية من حادثة الكوين بوت، مرورًا بثورة يناير، وصولاً إلى رصد آثارها من خلال رحلات صعود المديوكرز، واستحواذ فئة بعينها على منصات الضوء والاشتهار.
ختام
رواية فلسفية صادمة وجريئة، تقدم هجاءً محتد النبرات إلى أوساط المثقفين والفنانين، وترصد قاهرة انسحب منها سكانها إلى قبو اختياري يمارسون فيه حياة بديلة، حياة زائفة تجعل من أنصاف الموهوبين أبطالًا لمتون الحياة وصحف أخبارها، ولا تترك لمن فُرضت عليه الهوامش موضع قدم، كما أنها تنطوي على نبرة تحريضيّة خفيضة تدعو ساكني الهامش إلى العبور من الظل إلى النور، بيد أن شدّ من يلفت النظر حيال هذا النص، عقب قراءته، هو اختزال الهوة بين الهامش والمتن في دروب الحياة، وكأن هذا النص يصرخ أمام مرآة حقيقتنا؛ كلنا زائفون، كلنا كاذبون، على غرار المشهد الخالد لأحمد ذكي في فيلم ضد الحكومة، حين قال "كلنا فاسدون". تنتهي الرواية إذن وقد تساوت الرؤوس واتضحت الصورة الحقيقية لهذه العينة المنتقاة من هذه الأوساط المسماة بالنخبة، لا فارق جليّ بين الصحفي ونوح، ولا بين نعمات والناشطة الحقوقية، ولا بين التشكيلي الذي ينكر أبوته لابنة من صلبه، وزوج نعمات صاحبة البار المستقيل طواعية من وظائفه الذكورية، فكل الرؤوس سواسية، مغمسة في قذارة الواقع الذي تعكسه مرآة حقيقتنا.
اقرأوا لأحمد الفخراني، فهو كاتب مصري ينبغي أن نقدر كتابته، ونحتفي بها ونباهي.
ملحوظة ١: كنت أتمنى ألا يكشف الغلاف الخلفي للرواية عن عودة البطل للانتقام عقب عشرين سنة، فقد كان ذلك ليوسّع من مساحات التشويق والتخيّل لدى قارئ يتعرف على أدب الفخراني للمرة الأولى.
ملحوظة ٢: الغلاف المدرج هنا هو بتصرف من كاتب هذه الكلمات مع كامل التقدير للغلاف الأساسي والعاملين عليه.
• لكل داء دواءٌ يستطب بـــــــه إلا الحماقة أعيت من يداويها
• لولا أن بقالي فترة متابع أحمد الفخراني على الميديا وحبيت حسه الفكاهي القوي، ولولا أن لسا شايف فيلم Triangle of Sadness من أيام واللي فيه مشهد سيريالي شبيه بمشهد النهاية في الرواية، ولولا إني شايف قريب فيلم X اللي بيناقش شخصية مستميتة من أجل دخول دائرة الضوء والنجاح والشهرة، كنت قيمتها بنجمة واحدة مع عدم رضا تام.
• هي رواية تحمل عمق في الفكرة، ولكن تنفيذ الفكرة تضمن فقرات غارقة في السطحية وعدم المنطقية، لكن بنظرة أوقع هنلاقي أن الرواية مليئة بالخيال، وأنها رواية تعتمد على الرمزية، لذلك يمكن تقبُّل أي شيء طالما أنه في سياق يخدم الفكرة.
• باختصار ما أراه هو أن فئة المهمشين المقهورين في أي مجال وفي أي مجتمع، سواء كانوا الفقراء، أو الأقليات، أو عامة الناس، أو أبطال هذه الرواية ( الكومبارسات)، إذا لم يكن لهم مكان، إذا لم يجد المجتمع والسلطة آلية لإزالة الفوارق، وهدم فكرة الهرمية والطبقات، فإن هذا المجتمع سيغرق حتمًا وبأشد أشكال القذارة والانحطاط.
• أكثر فكرة أعجبتني هي فكرة خواء الطبقة التي تعتبر نفسها مثقفة ومتحضرة، حالة من الهشاشة التي لا تحتاج إلا لشخص أحمق يمتلك المال حتى يعريها أمام نفسها والناس.
• أسلوب الكتابة والقدرة الأدبية عند الكاتب في منتهى الجمال، كاتب فاهم جدًا شخصياته، وعنده خبرة نفسية واجتماعية قوية، وحسيت أنه أسقط مواقف على أفكار سياسية معاصرة بطريقة ذكية لم أفهمها، لكن في المجمل هو استفاد من معطيات كتير واقعية في جانب السياسة والمجتمع قدر من خلالها ينسج خيوط روايته.
• الرواية غارقة في التأثر بالسينما، يعني حسيت في المجمل إني اتفرجت على فيلم مهرجانات، الأفلام التقيلة اللي كلها رمزيات، ولا تعنى كثيرًا بتاريخ شخصياتها أو منطقية الأحداث أد ما بتحاول تقول فكرة بطريقة ذكية، يعني بطريقة مباشرة القصة عن كومبارس بيحارب جوا عالم صناعة السينما.
• في عناوين فصول تحمل أسماء أفلام مصرية بصراحة لم أفهم رمزيتها وحسيتها مقحمة، زي ذئاب لا تأكل اللحم وسيدة الأقمار السوداء وحافية على جسر الذهب، فكرة تغيير المكياچ والتنكر، وأداء العروض المسرحية، والمرآة المسحورة، والأفلام القصيرة، وبوسترات الأفلام، وشاشات العرض الكبيرة، كلها توحي بتأثر عميق بالسينما بشكل عام.
• تجربة جيدة، كان يمكن أن تكون أفضل من ذلك بكثير، لولا بعض الكسل في النصف الثاني من الرواية، وتستحق أن تكون في القايمة الطويلة للبوكر.
• "على الشاشة الكبيرة اللامعة، أحب أفلام بروس لي وأميتاب باتشان وتوحد معهما، ثم تطور الأمر، تمنى لو حل في كل شيء، فصار الشجاع والحبيبة، القاتل والقتيل، الخير والشر، الظالم والمظلوم، البطل وصديقه، القطار والركاب، السماء والأرض، السكون والحركة، لقد شرب العالم داخل نفسه. لقد أحب نوح كل شيء في العالم، الجمال تحديدًا، الذي كان يكتشفه حتى في أكثر الأشياء قبحًا. كان يدرك عبر حاسة متوهجة ويقظة في روحه، الخيط الناظم الخفي الذي يعقد كل الموجودات معًا. وفي تلك النقطة، يمكنك اتهامه بالرومانسية المفرطة، لا الحماقة."
• "استعان نوح بقصة توماس إديسون الذي لم يفشل قط، بل اكتشف عشرة آلاف طريقة لا يعمل بها المصباح، القصة التي طالما بثها أباؤنا ومعلمونا في صلب أرواحنا كي يؤهلونا - على عكس كل ما آلت إليه حيواتهم - ألا نستسلم أبدًا. كرر القصة لنفسه آلاف المرات، كعزاء لرغباته المستحيلة وطموحاته التي لم تتنازل عن عناق السماء، لكن أليست الحكايات، كل الحكايات، هي عزاء طويل لفشل الإنسانية الممتد والعميق؟"
• "لو أنه فقط يجيد أن يشرح ما يدور بذهنه، القيظ يتسع كل عام، الجحيم يرتفع من حولنا، والليالي الباردة تقل، أتعرفون تلك الليالي؟ التي تروج روح المرء بالصقيع والهشاشة، التي ينكشف فيها لنفسه الضعف كأزل، الوجود كمحنة، البقاء كنعمة، قد ترق العينان بدموع ومشاعر، تعيد الحسابات إلى الدرجة صفر، لكن القيظ يبتلع تلك الليالي، يتسع فلا يعرف المرء إن كان يدفع ثمن ذوبان القطبين وطمع الإنسان، أم أن تلك الصحراء تنبع من داخله. انتبهوا أيها السادة نحن نهلك، وقلوبنا تزداد قسوة وتكلسًا، نتوحد مع الجدب والصحراء، نتبع السراب."
• "يا لعنجهية الأمريكان وغرورهم الكاذب، طالما صوروا لنا أن الكائنات الفضائية لا تهبط إلا فوق أرضهم، لكن مصر أم الدنيا، مهما تآمروا عليها، لقد اختارنا المريخيون لأننا أصل الحضارة، خير جنود الأرض وفي رباط إلى يوم الدين."
رواية أخرى ممتعة للكاتب أحمد الفخراني.. الفخراني الذي أثرى العقول بعوالمه الغرائبية وأحداثها العجيبة، ابتعد عنها نحو الواقعية بشكل ما في روايته السابقة " إخضاع الكلب"، واستمر هنا في المنحى الواقعي المشوب بغرائبية الشخوص وبعض الأحداث المشبعة بالواقعية السحرية كعادته.. هنا المكان هو البطل، وفقًا لعنوان الرواية "بار ليالينا"، ورغم أنها رواية مكان، إلا أن الشخصيات المميزة مهمة بقدر أهمية المكان، والمكان مهم بقدر أهمية الشخصيات، ليمتزجا سويًا وينتجا لنا هذا النص العجيب في ذاته وفي أفكاره.. .. شخصية نوح الرحيمي، الكومبارس الفاشل الذي نعجز عن تحديد ما إذا كان موهوبًا ظلمه الجميع، أم فاشلًا ظلم نفسه بنفسه، ومن هنا تبدأ رحلته السيزيفية حول البحث عن ذاته، ذاته التي يعجز هو شخصيًا عن تحديدها من كثرة تلونه واتخاذه للشخصيات المختلفة طبقًا لمسيرته المهنية ورغبات موهبته الخاصة.. احتكاك نوح الرحيمي برواد بار ليالينا، ينتج عنه شرارات العبث والزيف، برغبته المحمومة في نيل اعجابهم والتقرب إليهم، رغم تشابه هؤلاء الرواد في فشلهم الذاتي مع نوح مهما بدا في الظاهر خلاف ذلك... الجميع مشتت، الجميع يكافح من أجل اللاشئ، في مسرحية ساخرة عبثية يظن كل فرد فيها أنه بطلها، لتنتهي الرواية بنهاية مليئة بالغرابة كأغلبية صفحات هذا النص، ولا نملك معها إلا أن نرثى تلك الشخصيات ونقول ما قاله يسري الحلو في أخر سطور الرواية.. .. بالنهاية، أعجز عن إيجاد الوصف الكافي لإظهار إعجابي بالشخصيات المكتوبة باحترافية تامة، شخصيات يمكن ايجادها في واقعنا بسهولة، ولكن كذلك تمتلك جوانبها الخيالية القادمة من تلافيف دماغ أحمد الفخراني... دمت مُبدعًا..
بار ليالينا رواية عن الفن والفنانين، والمثقفين. رواية مربكة في التفاعل معها، لأنها بتقع في منطقة بين كليشيه الانتقام المبتذل، وبين اعادة استخدام الكليشيه بشكل مبتكر، ساخر من الواقع الثقافي.
أظن أن الكاتب وفق في كتير من المواضع أنه يهرب من الشكل المبتذل، ويستخدم حسه الساخر، بداية من أول صفحة، لما وصف الدنيا "إن كانت تربة خصبة سيكون شجرة، وإن كانت خراء سيصير كنيفا"، لحد آخر الرواية - الفينالة في مشهد الخراء السابح. رغم أن أحيانا كان في استسهال، بالأخص في رسم شخصيات باب الحقيقة، لكن دا بشكل ما يتماشى مع فكرة الكليشيه، بس مش ديما كنت مستسيغه كجزء من صورة كبيرة ساخرة.
أظن أن الرواية كان فيها تكرار للفكرة - المضمون وهي السخرية من الوسط الثقافي والفني، وشخوصه والمدعين، والمخدوعين ببريق هذا الوسط، ولكن بيتم تقديمه في إطار - حدث غير متكرر. ودا كان المهرب بالنسبة لي من الوقوع في الملل، بالإضافة لصغر حجم الرواية، وأظن أنها لو طالت، أو تم البعد عن صياغة تحولات الشخصيات والأحداث بشكل سحري، واستبدالها بصياغة واقعية منمقة، دا كان هيضرب الرواية في مقتل. وأظن أن عالم الواقعية السحرية دا ملعب الفخراني بامتياز.
في أوقات كتير جدا في الرواية كنت مستني أسمع فيها الصوت الأول، صوت نوح الرحيمي وهو بيتكلم عن نفسه وعن هلاوسه بالفن، ورؤيته للبريق الأخاذ للمثقفين والفنانين وأوساطهم، وليه هو شايف أنه لازم ياخد منهم الشيء الأشبه برخصة التحقق والإنوجاد. عكس الصوت الثالث للراوي العليم، إللي كان بيطغى على صوت نوح وبيخسر من سذاجته وانخداعه.
عنصر المجهول في الرواية كان ضعيف، ودا يمكن بسبب العلم المسبق بكل الأحداث، والجهل فقط بطريقة عرضها، ودا برده مقبول جدا في سياق الاستخدام المبتكر للكليشيه، وأعتقد أنه كان مقصود بتدليل من الجزء التعريفي المكتوب على ظهر غلاف الرواية، الذي يحكي الصورة العامة للأحداث بشكل كامل.
عجبني جدا استخدام أسماء الفصول بأسماء أفلام متماشية مع تيمة الكليشيه، والرداءة. وكذلك مشهد عرض الفخ الساخر لنوح الرحيمي، بخلطه بين الأسى والضحك، والسذاجة، والتعاطف. وأيضا حديثه مع مرآة الحقيقة، ومشهد الفينالة، والجمل الساخرة الأشبه بالأقوال المأثورة.
أخيرا لازال، بعد قراءتي للعمل الثالث، بعد بياصة الشوام، وإخضاع الكلب، أحمد الفخراني محافظ على النسق العالي في جودة الكتابة، قوة السرد والحفاظ عليه من الترهل والحشو، واللغة المميزة، اختيار مفردات مناسبة جدا للسياق العام للنص. الاعتماد على تكنيك مختلف في كل مرة لعرض أفكاره.
لازلت أطمح في أفكار أكثر تميز، تتلائم مع التميز والتمكن من باقي الأدوات.
نال الكومبارس "نوح الرحيمي" دورًا أكبر مِمّا آمِل، أطول مِن أي فيلم آخر، وبكثيرٍ مِن المشاهدين، لقد ناب عَن الحَمقى والآملين، الطامحين إلى النّظر إلى أبعد نقطة ممكنة، بينما هم يَقفون على الهواء، ويسقطون في فخهم كضحايا للحماقة، مَ��ّل هذا الدَّور لسنواتٍ بلا انقطار أو استراحة، وفي لحظاتٍ يَهبها القَدر، أو لا يهبها، أمتلك فرصة للانتقام، لَكن هل الانتقام يٌنسيك أن هناك مَن غَفّلك واستغل حماقتك وسعيك وراء ما لا يُشترى حَتى أوقعك في بلاعة خراء؟
رواية تمُثّل: فبالرغمِ من أنّ الحكاية ليست سينمائيّة تمامًا، لَكن المونولوجات التي تبدّلت على لسانِ بَطل الرواية وباقي الشخصيات، وحَتّى الراوي، وضعتنا في جو سينمائي سَهل حركة موتيفات الرواية أمامي أثناء القراءة، ربّما الخيال في هذه الرواية -وعلى عكس ما قرأته للفخراني- خيال عَكسي، لا تقع الشخصيات في الغرابة أو الخيال الشديد، إ�� أنّها رواية واقعية جدًا، لكن الخيال هنا خيالاً عَكسيًا، مِمّا يُشكك في جودة الواقع المرسوم في خطوط الرواية من الأصل، تقرأ أنت وتقع في الغرابة، تبدأ رأسك برسمِ بار ليالينا، ورسم صورة للشارع الضيق المشجر الذي يَقع فيه، قهوة بعرة ومقر شركة الصمت الرهيب للانتاج السينمائي ... إلخ، كل هذه الأماكن والمشاهد التي تبدو واقعية على الورق، هناك في نقطة ما في رأسك أثناء القراءة، يشتعل الخيال وتتحسس الغرابة في الحكاية.
أحببت نوح في دور كمال الطاروطي، وخليل مكاري، أحببت نوح الأحمق، وأحببت نوح الذي أغرق الجميع في طوفانه، انتصار نوح يَعنى انتصار الحَمقى في العالم كله على مُدَعيّ الذكاء والتحضّر الفارغين تمامًا من الداخل، الذين يَملكون حَق الوصايا، ويَردمون التراب فوق فضلاتهم ليل نهار كَي لا يصرخ أي كان بأنّ لهم فضلات كما باقي بني آدم!
رواية حسيت بأنها روايتين مختلفتين ومش لايقين على بعض.
الجزء الأول منها بيتابع الكومبارس نوح اللي شايف في نفسه موهبة حقيقية وذكاء محدش من اللي حواليه مقدره، وبيشوف في نفسه أحقية أنهيروح بار اسمه ليالينا عشان ينضم لنخبة المثقفين اللي بيروحوه، وهم شلة من الكتاب والمصورين و"المثقفين"، وبينتهي الأمر بإحراج وإهانة شديدة ليه. الجزء الثاني بنشوف شكل انتقامه للإحراج اللي بيحصل، وبيتخلل ده مشاهد لبعض الشخصيات من شلة المثقفين تلك.
أنا أصلا بكره تجسيد "المثقفين المصريين" في الأدب، لأنهم دايما بيكونوا شخصيات منافقة ومدعية وكرتونية جدا، وده بصراحة مشابه للحقيقة فمفيش اختلاف كبير بين الخيال والواقع، وقعدات "وسط البلد" وإدعاء الثقافة في كل جنب، بس كان عندي أمل أن نوح الكومبارس يكشف ده كله بشكل ساخر، بس حسيت أن فيه إهانة كبيرة لذكائي وأنا بقرأ. الرواية فيها أسلوب كتابة حلو وفيها تلميحات ذكية كتيرة وحسيت فيها استعارات أدبية كتيرة زي فكرة العودة للانتقام، بس الجزء التاني منها كان عبثي أوي وكرتوني شوية بشكل خلاني مش قادرة أتعامل معاها بجدية خالص.
نوح الرحيمي ..كومبارس سينما، فاشل ولكنه يحمل آمالاً وطموحات غير عادية، يقوده القدر إلى عالم بار ليالينا، بمن فيه المثقفين، والكتاب والصحفيين، عالم يبدو ثريًا كما هو واضح، ورواية تعد بالكثير من مجرد طرح فكرتها، ولكن الفخراني يضرب بكل ذلك عرض الحائط، ويقدم رؤية مغايرة تمامًا، الذين قرؤوا للفخراني من قبل سيرة سيد الباشا وعائلة جادو يعرفون جيدًا كيف يلعب الفخراني، هو هنا يقدم اللعبة بأدوات أكثر كلاسيكية فيما يبدو، ولكنه يصر في النهاية على أن يقدم طبخته الخاصة ، كنت أتمنى أن يتم اللعب بالشخصيات أكثر، لاسيما أنها تحمل ثراءً ربما لم يتوفر لشخصيات رواياته السابقة،
فيه ملاحظة مهمة، النبذة الموضوعة عن الرواية بتحرق جزء مهم من الأحداث، أتمنى يتم تدارك هذا الأمر . في النهاية شكرًا لأحمد على هذه التجربة المختلفة
(الحقيقة) .. خلينا نقول انها تيمة الرواية انه طول الوقت بيحط الشخصيات قدام نفسهم و تعرية النفس البشرية بكل قذارتها و جمالها في نفس الوقت. رواية ملييئة بالرموز تكاد تجعلني اعيد قراءتي لها مرة اخرى.. نوح.. الطوفان.. النجاة في ان تتقبل الحقيقة. ممكن يكون اسلوب العرض و الفكرة صادم للبعض و لكن لا ينفي رقي الفكرة و انها رواية تترك غصة لا تزول بسهولة و هو المطلوب.
ايه اللي انا قرأته ده 😅 النص الأول كان كويس بعدين قلب ع هبل .. معلش ف الكلمة يعني ، ده حتى الافلام الهندي نهايتها هتكون احسن من كده جو الانتقام بتاع فيلم الصرخة ل نور الشريف.. يجمع اللي ضايقوه ف اوضة.. ويملأها مياه مجاري.. من وجهة نظري هما مضيقهوش اوي كده يعني للأفورة دي والتنكر كل شويه بشخصيات تانيه .. احنا فين هنا 😂ف مسرحية لمحمد صبحي بيلعب كل الشخصيات ولا ايه !!!!
واحدة من الروايات اللى صعب تقييمها او الكلام عنها كدة وبس انا اتكلمت عنها بشكل عفوي جدا و بعد انتهاء القراءة مباشرة ف حلقة ع اليوتيوب https://youtu.be/rIdjPNs-Ngg
رواية تنتقد بسخرية المجتمعات المبنية على المظاهر والمكابرة والأنانية...فالبار هو المجتمع المتفكك المنفصلين أفراده عن الواقع وعن وقائعهم تحديدًا... فنوح الكومبارس الفاشل قد تحول في بار ليالينا الصادرة عن دار الشروق (ط.١. 2022) استفاد من خساراته وفشله في تحقيق طموحاته السينمائية بشكل مستقيم منطلق من قدراته المحدودة ومن ثم التنمر عليه من نديم الصحفي والمثقف المدعي وباقي المترددّين على بار ليالينا ليغدو واحدا من النصابين المنحرفين الذين صاغوا شخصيتهم انطلاقا من شخصية اثرت به وهي الفنان فؤاد المنهدس الذي ادى دور كمال في مسرحية سيدتي الجميلة... الملامح الموجزة لهذا السياق تؤكد أن الكاتب قد رسم الشخصيات انطلاقا من عوارض نفسية وسلوكيات اجتماعية بدت طاغية على مجتمعاتنا وتكاد تكون جزءًا سلبيا من تربية اجيالنا المقبلة...فالادعاء والانتحال الصفتان اللتان تنطبقان على معظم الشخصيات حتى نعمات العامل المعاكس لمساعي نوح وقبله نديم في ترسيخ نفسها واحتلال مكانة اجتماعية تبرزها ظاهرتان اجتماعيتان ستغدوان تقليديتين بعد فترة من الزمن...لكن المفارقة وعنصر التغيير في النسق المضموني النصي تكمن من خلال تقنيتين:
الأولى الكوميديا التي تجسدت في تصرفات نوح وصفة الحماقة التي لازمته شكلت تناصا روائيا مع رواية حب وقمامة لإيڤان كليما...حيث صارت هذه الصفة حكما بعد ان كانت خصما بليدا لنوح ...حولها الفخراني الى حكم بين نعمات ومجتمعها المزيف اي رواد البار من جهة ونوح الذي ينتصر بالغش والنصب والكارما على الجميع من جهة ثانية.
الثانية المونولوج التي حرضت الشخصية على كشف دواخلها واكتشاف ما فيها والتي تجسدت عند نوح الذي بادر الى طرح اسئلة فلسفية لم يكترث لها نتيجة خيبته بذاته فضلا عن انها كانت سببا في تحول شخصيته كالسؤال عن قشرة الموز وتزحلق الرجل والحيرة بين الملهاة والمأساة...او التساؤل عن الفعل وفاعل (أيّهما أسبق: العفن أم صانعه " ص.٢٠). فالحوار الداخلي هو واحد من الأدوات النفسية التي تملأ اللاوعي بالأفكار وتجعل الفرد يسقط ما اختزنه...
انطلاقا من هاتين التقنتين جدد الفخراني تصوير المجتمع الذي يعيد نفسه واخطاءه بفعل تكرار التعلق الفردي بالظواهر السلبية والرغبة في تسلق قمم الصدارة اي اننا امام وجه اخر للأنا.
قدم أحمد الفخراني بار ليالينا على انه مجتمع متحلل تتكاثر فيه القيم والوحدات الاجتماعية المنهارة بأسلوب كوميدي ناقد... لكن تعدد الثيمات وتشعب التفاصيل وتعدد الحكايات لا سيما الفردية وعدم ارتباطها ببعضها كاد أن يقفل النص امام المتلقي ويثير ملله لولا يقظة الكاتب وربطه لانهيار رواد بار ليالينا...
نص يستحق القراءة لكن سيصعب اكتشاف الملامح التجديدية.
بار ليالينا لأحمد الفخراني واول تجربة قراءة له في الحقيقة هي رواية قد تمل منها وقد تشعر لوهلة أثناء القراءة بأنها سيئة وتتخذ قرار بعدم استكمالها ليس لشئ إلا لأنها قد تكون غير مفهومة في أغلب أحداثها وتصرفات ابطالها غير منطقية أيضاً بدون تفسير واضح لكن لا أنكر بأنها كانت تجربة مميزة في الحقيقة، حبكتها مختلفة، قصتها حلوة حتي وان كنت غير مشدود لها في البداية، اسلوب الكاتب والسرد هم من اجبروني لاستكمالها للنهاية فكان الأسلوب سلس ورائع وجذاب وبسيط أيضا بلا تكليف ولا تعقيد، القصة هنا عن الانتقام عن إثبات الموهبة عن عدم اليأس فممثل كومبارس يسخر منه صحفي علي أفلام قصيرة ليوصفها بأنها ليس هناك اسوأ مما مثله في هذه الأفلام ليثير غضب الكومبارس نوح الرحيمي ويثبت له ولشلته بأنه ممثل بارع بطريقة مختلفة ويسعي لإثبات موهبته ويدور السجال بينهم طوال أحداث الرواية.
• لكـــــل داءٍ دواءٌ يُستطب به إلا الحماقةَ أعيت مـن يداويها
• لولا أن بقالي فترة متابع أحمد الفخراني على الميديا وحبيت حسه الفكاهي القوي، ولولا إني لسا شايف فيلم Triangle of Sadness من أيام، واللي فيه مشهد سيريالي شبيه بمشهد النهاية في الرواية، ولولا إني شايف قريب فيلم X اللي بيناقش شخصية مضطربة ومستميتة من أجل دخول دائرة الضوء والنجاح والشهرة، كنت قيمتها بنجمة واحدة مع عدم رضا تام.
• هي رواية تحمل عمق في الفكرة، ولكن تنفيذ الفكرة تضمن فقرات غارقة في السطحية وعدم المنطقية، لكن بنظرة أوقع هنلاقي أن الرواية مليئة بالخيال، وأنها رواية تعتمد على الرمزية، لذلك يمكن تقبُّل أي شيء طالما أنه في سياق يخدم الفكرة.
• باختصار ما أراه هو أن فئة المهمشين المقهورين في أي مجال وفي أي مجتمع، سواء كانوا الفقراء أو الأقليات، أو عامة الناس، أو أبطال هذه الرواية (الكومبارسات)، إذا لم يكن لهم مكان، إذا لم يجد المجتمع والسلطة آلية لإزالة الفوارق، وهدم فكرة الهرمية والطبقات، فإن هذا المجتمع سيغرق حتمًا وبأشد أشكال القذارة والانحطاط.
• أكثر فكرة أعجبتني هي فكرة خواء الطبقة التي تعتبر نفسها مثقفة ومتحضرة، حالة من الهشاشة التي لا تحتاج إلا لشخص أحمق يمتلك المال حتى يعريها أمام نفسها والناس.
• أسلوب الكتابة والقدرة الأدبية عند الكاتب في منتهى الجمال، كاتب فاهم جدًا شخصياته، وعنده خبرة نفسية واجتماعية قوية، وحسيت أنه أسقط مواقف على أفكار سياسية معاصرة بطريقة ذكية لم أفهمها، لكن في المجمل هو استفاد من معطيات كتير واقعية في جانب السياسة والمجتمع قدر من خلالها ينسج خيوط روايته.
• الرواية غارقة في التأثر بالسينما، يعني حسيت في المجمل إني اتفرجت على فيلم مهرجانات، الأفلام التقيلة اللي كلها رمزيات، ولا تُعنى كثيرًا بتاريخ شخصياتها أو منطقية الأحداث أد ما بتحاول تقول فكرة بطريقة ذكية، يعني بطريقة مباشرة القصة عن كومبارس بيحارب جوا عالم صناعة السينما.
• في عناوين فصول تحمل أسماء أفلام مصرية بصراحة لم أفهم رمزيتها وحسيتها مقحمة، زي ذئاب لا تأكل اللحم وسيدة الأقمار السوداء وحافية على جسر الذهب، فكرة تغيير المكياچ والتنكر، وأداء العروض المسرحية، والمرآة المسحورة، والأفلام القصيرة، وبوسترات الأفلام، وشاشات العرض الكبيرة، كلها توحي بتأثر عميق بالسينما بشكل عام.
• تجربة جيدة، كان يمكن أن تكون أفضل من ذلك بكثير، لولا بعض الكسل في النصف الثاني من الرواية، وتستحق أن تكون في القايمة الطويلة للبوكر.
• "على الشاشة الكبيرة اللامعة أحب أفلام بروس لي وأميتاب باتشان وتوحد معهما، ثم تطور الأمر، تمنى لو حل في كل شيء، فصار الشجاع والحبيبة، القاتل والقتيل، الخير والشر، الظالم والمظلوم، البطل وصديقه، القطار والركاب، السماء والأرض، السكون والحركة، لقد شرب العالم داخل نفسه. لقد أحب نوح كل شيء في العالم، الجمال تحديدًا، الذي كان يكتشفه حتى في أكثر الأشياء قبحًا. كان يدرك عبر حاسة متوهجة ويقظة في روحه، الخيط الناظم الخفي الذي يعقد كل الموجودات معًا. وفي تلك النقطة، يمكن اتهامه بالرومانسية المفرطة، لا الحماقة."
• "استعان نوح بقصة توماس إديسون الذي لم يفشل قط، بل اكتشف عشرة آلاف طريقة لا يعمل بها المصباح، القصة التي طالما بثها أباؤنا ومعلمونا في صلب أرواحنا كي يؤهلونا - على عكس كل ما آلت إليه حيواتهم - ألا نستسلم أبدًا. كرر القصة لنفسه آلاف المرات، كعزاء لرغباته المستحيلة وطموحاته التي لم تتنازل عن عناق السماء، لكن أليست الحكايات، كل الحكايات، هي عزاء طويل لفشل الإنسانية الممتد والعميق؟"
• "لو أنه فقط يجيد أن يشرح ما يدور بذهنه، القيظ يتسع كل عام، الجحيم يرتفع من حولنا، والليالي الباردة تقل، أتعرفون تلك الليالي؟ التي تروج روح المرء بالصقيع والهشاشة، التي ينكشف فيها لنفسه الضعف كأزل، الوجود كمحنة، البقاء كنعمة، قد ترق العينان بدموع ومشاعر، تعيد الحسابات إلى الدرجة صفر، لكن القيظ يبتلع تلك الليالي، يتسع فلا يعرف المرء إن كان يدفع ثمن ذوبان القطبين وطمع الإنسان، أم أن تلك الصحراء تنبع من داخله. انتبهوا أيها السادة نحن نهلك، وقلوبنا تزداد قسوة وتكلسًا، نتوحد مع الجدب والصحراء، نتبع السراب."
• "يا لعنجهية الأمريكان وغرورهم الكاذب، طالما صوروا لنا أن الكائنات الفضائية لا تهبط إلا فوق أرضهم، لكن مصر أم الدنيا، مهما تآمروا عليها، لقد اختارنا المريخيون لأننا أصل الحضارة، خير جنود الأرض وفي رباط إلى يوم الدين."
حكاية نوح الرحيمي. كومبارس السينما أو " الرجل الصغير" كما يراه يسرى الحلو ومثقفى المدينة. أم حكاية نوح الرحيمي الرجل الذي يعشق السينما ويرى في تأسيس شركته " الصمت الرهيب" مع أصدقائه الكومبارسات الذي رأوا أن " التعثر الدائم" هو الطريق الوحيد لبلوغ الحظ. حكاية يسرى الحلو الذي يحتقر الرجال الصغار _ على حد تعبيره_ ويرى في حماقتهم عدوى. أم حكاية " يسرى الحلو" الذي يحب أن يحاط بالأذكياء ليمتص مواهبهم بينما هو في الأصل أكثرا شبها مع نوح.
هل تصديق الإنسان نفسه كأحمق كي يبقى في دائرة الضوء أفضل؟ أم التحايل على تزييف حماقته بنصف ثقافة أو لنقل ثقافة هشة تتعايش بإزدارء الحمقى والتقليل من شأنهم كنمير أشد حماقة لذا يضمن بقاء الأضواء حوله بشكل أقوي؟
هل حقا " الرجال الصغار " فئران وتأثيرهم كالطاعون على حد وصف يسرى الحلو رئيس تحرير مجلة باب الحقيقة أم أن لولا هؤلاء الرجال الصغار لما تباهى الأذكياء بتميزهم.
ما الفرق بين الرومانسية المفرطة والحماقة ..ذلك سؤال الرواية الأكبر في اعتقادي الشخصي.
الفرق في أن تحاول برومانسية مبالغة في الوصول لحلمك، رغباتك، ما تحبه وما ترى فيه نفسك، و بين أن يكون كل ذلك السعي مجرد حماقة، لأنك في حقيقة الأمر محض رجل صغير أغلب الظن وفي أكثر الأحوال تفاؤلا قد يقودك تعثرك الدائم إلى بوابة الحظ. أجاب أحمد الفخراني على ذلك السؤال بكتابته
" لقد أحب نوح كل شيء في العالم، الجمال تحديدًا، الذي كان يكتشفه حتى في أكثر الأشياء قبحًا كان يدرك عبر حاسة متوهجة ويقظة في روحه، الخيط الناظم الخفي الذي يعقد كل الموجودات معًا وفي تلك النقطة، يمكنك اتهامه بالرومانسية المفرطة، لا الحماقة❝
رواية " بار ليالينا" لأحمد الفخراني صدرت حديثا عن دار الشروق.
رواية بار ليالينا للكاتب أحمد الفخراني . من إصدار دار الشروق للنشر و التوزيع .
رحلة جديدة و عمل أدبي يحتاج كثير من التأني في القراءة فمع بداية صفحاته الأولي ستظن أنه عن المهمشين ، محدودي الفكر و القدرات ، رغم ذلك هم يؤمنون بإمتلاك الموهبة بشدة حد الحماقة ، لنبدأ مع نوح الرحيمي بطل الرواية محاولته لاكتشاف ذاته الحقيقية دون أقنعة و ذلك بالتقرب من جماعة باب الحقيقة و التي يرى فيها صفوة موهوبي المدينة ؛ علها تحمله من ضلالة الحماقة إلى نور الذكاء . لكنك و بنهاية الرواية ستكتشف أننا جميعًا حمقى غير أن بعضنا أكثر فهمًا للعبة من الآخر ، فهكذا الدنيا نجوم و كومبارسات ، قد تصبح عرابًا رغم فراغ رأسك من أي أفكار ، و قد تصير أضحوكة بإراداتك كي تصبح جزءًا مرغوبًا فيه في ذلك العالم.
عمل مربك عن حياة صارت تحمل الكثير من الزيف حتى في من ظننا فيهم أنهم باب الحقيقة.
❞ لا شيء سوى العفونة والهشاشة. وهو الأمر الذي يعمل الجميع على إخفائه، بادعاء الحركة، بالشراسة والعنف، التشبث بأمل تحويل أكثر المعارك تفاهة ورخصًا إلى ملاحم قد تطول لسنوات وهو ما ينتهي بالفشل ❝
أكثر ما يثير ضيقي هو أن أشعر بالحماسة في بداية عمل ما وأجد نفسي منجذبة إليه بقوة وسقف توقعاتي يصل لمنتهاه، قبل أن ينهار كل شئ، ليس بغتة، بل رويدًا رويدًا حتى يسقط كل شيء ولا يتبقى سوى رماد فكرة جيدة.
هذا ما حدث لي مع بار ليالينا، حيث نوح الكومبارس الفاشل الطموح، الذي يصبو نحو النجاح والشهرة والأضواء بأي طريقة حتى لو كان ذلك عن طريق إهدار الكرامة ولبس ثوب المهرج الأبله، للترويح عن نفوس ذليلة في بار بائس.
الرواية كانت تسير بشكل جيد قبل أن تتحول الصفحات لاحقًا إلى محض عبث وهراء، لتتحول الرواية إلى مادة مختلفة تمامًا عما كانت عليه في البداية.
شعرت وكأن ما قرأته في النصف الثاني من الرواية ليس له علاقة بالأول، من حيث الجودة الأدبية وتسلسل الأفكار، شعرت بالتعجل فيما قرأته وكأن قلم الكاتب توقف عن العمل فجأة في منتصف عمله، ليلجأ الكاتب إلى استعارة قلم آخر ولكنه سئ.
ملهاة الميديوكرز والأنصاف. صراع رديء بين الأنصاف مدعي الفن ومدعي الثقافة وذوي العقول الخالية وعديمي الموهبة، خراء يختم الرواية يغرق فيه الجميع حرفيًا. من أقل ما قرأت للكاتب حتى الآن، لا خلاف أنها عمل جيد لكنها لاتقارن بعائلة جادو وإخضاع الكلب، الفكرة عظيمة لكن التنفيذ كان ينقصه الكثير كان يمكن بناء تشعبات أكثر وثقل أكبر للشخصيات والأحداث.
**كنت أعرف يقينًا أني خدعت، بل إن كل ذرة فيَّ كانت تؤمن أني أستحق ما حل بي، فلا شيء يحمي المغفلين، لا القانون ولا الشفقة ولا ذاتي الحمقاء التي كلما جاهدت في نفسي لم أتمكن أبدًا من مقاومته كان يدفعني لأن أنتظر الحظ والقبول في الليلة الموعودة أمل بائس أن تكون الكذبة الكبرى التي عشتها محض كابوس، تمنيت لو أني كنت من ارتكبت الخطأ الذي بسببه رُفضت هديتي ولُعنت لا أنتم فلو لم تكن كلماتكم هي الحقيقة، فما الحقي��ة إذن؟ إن كان ما عرفته قبلكم زيفًا وإن كان ما فهمته عنكم أيضًا محض زيف، فأين أضع قدمي، لم يعد لديَّ طريق سوى الانتحار أو الجنون **
هل توجد سفينة نجاة بلا نوح حتى وان كان نوح هو صعلوك السفينة؟
كان نوح الرحيمي مقتنعا ان عباءة الكومبارس ضيقة جدا عليه ولا تلائمه ولكي يبحث لنفسه عن عباءة تناسبه او دور أكبر في تلك المسرحية الهزلية كان عليه أن يخوض تلك الرحلة العبثية مع المجتمع او مع رواد بار ليالينا فحتى العبث والهزل يجب أن يكون منتصر ومهزوم، فاعل ومفعول، مثقف وصعلوك
احمد الفخراني ودعني اغير مصطلح رواية واقول انها مغامرة جديدة يجرب فيها الكاتب قدراته الكتابية وموهبته وخياله بشكل مختلف عن تجاربه السابقة كنوع من انواع التجريب والتحدي بينه وبين نفسه وبينه وبين القراء
نستطيع أن نقول ان بار ليالينا مستوحاة من الكونت دي مونتي كريستو ( فكرة العائد المنتقم) ولكن بالرغم من تكرر التيمة الدرامية ولكن استطاع الكاتب احمد الفخراني ان يقدمها بشكل مختلف خاص به عبثي ولا يخلو من الشق الفانتازي ( المتكرر دائما في كتاباته بنسب متفاوتة) و حتى الشق الفلسفي المتواجد دائما بقوة في أفكار وكلمات شخصياته الرئيسية حتى وان كانت بشكل مبسط مثل شخصية نوح في ذلك العمل
الرواية في اجوائها مع اختلاف الفلسفات والأحداث التي تتناولها ذكرتني بعمل سابق لنفس الكاتب واعتبره افضل اعماله حتى الآن( بياصة الشوام)... رحلة لا تتوقف ولا تنتهي يصحبنا فيها الكاتب احمد فخراني ليمتعنا كما يفعل دائما وهذة المرة لا تختلف كثيرا عن التجارب السابقة في شق المتعة
تجربة ليست اصيلة في فكرتها ولكن مختلفة ومميزة في طريقة عرضها مما يجعلنا نتأكد انه احيانا ليس من المهم ما نقوله ولكن الأهم هو كيف نقوله؟...
يقدم احمد الفخراني في روايته الجديدة (بار ليالينا) نموذجا تشريحا لنماذج من طبقة المثقفين لكن هذه المرة في بار و هي مقاربة تشبه الي حد كبير رواية اللص والكلاب. يربط الفخراني بذكاء شديد ما تقوم به جماعات المثقفين و محاولاتهم من أجل خلق سرديات حقيقية كما ظهر في اعداد (مجلة الحقيقة) والتي حفظها عن ظهر قلب نوح للدخول في اوساطهم ليس هذا فحسب بل نجد انفسنا داخل كتاب (خطاب الي الرجل الصغير) لكاتبه (فيلهلم رايش) والذي اتي استخدامه موفقا و ملائما.
نستطيع أن نري بوضوح تام محاولات الفخراني من أجل نقد جماعات المثقفين و ادوارهم داخل المجتمع و كيف يتفاعلون فيما بينهم و انعكاس هذا التفاعل علي طريقتهم في إدارة شئونهم الخاصة.
اللغة التي ينسجها الفخراني جذابة ويستطيع ان يطوعها من اجل شخصياته فمثلا نجد لغة نوح مهما حاول الادعاء تميل الي الصراحة الفظة بينما لغة المثقفين تميل الي الانعكاسية تصبح الحقيقة في مواجهة الكذب سيان و تصبح السرقة فعلا محمودا حتى ولو كانت سرقة من كتاب مشهور.
ترسم كتابة الفخراني مجتمعا للمثقفين في مواجهة الغوغاء لكن الحقيقة المقدمة الينا ان هؤلاء الغوغاء ما هم إلا صدي لتوجهات المثقفين.
لطالما حمل مثقفين بلدنا الشعب باعتباره سبب تخلفنا بممارساته و أخلاقه لكنهم يتناسون في اوقات كثيرة انهم يعيشون في برجهم العاجي ينظرون علينا ويحملون حقدا دفينا لمحاولات الآخرين من أجل النجاح وهو ما ظهر بوضوح في احدي شخصيات الرواية.
هناك ملمح مستمر في كتابات الفخراني انه يمزج بين الاسطورة و الغرابة و الوقع في ترابط يخدم نصوصه كبياصة الشوام و اخضاع الكلب.