What do you think?
Rate this book
الأفق الأعلى
تموت الزوجة، فيُدرك الرجل قدرته على بناء البيوت.
«يتعرّف سليمان على الحُبّ متأخّرًا في حياته، تغادره والدتُه، ثمّ زوجتُه، فلا يبقى منهما سوى ظلالهما التي تأمره بألّا ينسى باب الشرفة مفتوحًا، ولكنّه يغفل عن وصاياهما وينسى باب الشرفة مفتوحًا، ليجد الحُبّ على هيئة ظلٍّ لطيفٍ في الشرفة المقابلة. غير أنّ الموت، الذي وهب سليمان فرصةً جديدةً لبناء بيوت الكبريت الّتي ظلّ محرومًا منها منذ صباه، هو الذي يروي لنا قصّته في هدمها الواحد تلو الآخر، من أفقه الأعلى، ساخرًا من الإنسان ودأبه في حياةٍ هي في الحقيقة لعبٌ ولهو.
تكمن قيمة هذا العمل في احتفائه بالتفاصيل الإنسانيّة البسيطة، التفاصيل اليوميّة التي يعيشها الإنسان وتُشكّل ملامحه وإنسانيّته بعيدًا عن المفاهيم الكُليّة، وليس الرّاوي فيه وهو الموت سوى كاميرا تنتقل بين الأمكنة لتنقل لنا ما يحدث كلّ يوم. فهل يحتاج القارئ حقًّا، إلى رنين القضايا الكُبرى أو قناع التاريخ؟ ألا يمكن فهم جانبٍ من الحياة بالتعرّف على رجلٍ وحيدٍ في شرفة، كلّما رحلت امرأةٌ من حياته أشرق؟».
- الناشر
«يتعرّف سليمان على الحُبّ متأخّرًا في حياته، تغادره والدتُه، ثمّ زوجتُه، فلا يبقى منهما سوى ظلالهما التي تأمره بألّا ينسى باب الشرفة مفتوحًا، ولكنّه يغفل عن وصاياهما وينسى باب الشرفة مفتوحًا، ليجد الحُبّ على هيئة ظلٍّ لطيفٍ في الشرفة المقابلة. غير أنّ الموت، الذي وهب سليمان فرصةً جديدةً لبناء بيوت الكبريت الّتي ظلّ محرومًا منها منذ صباه، هو الذي يروي لنا قصّته في هدمها الواحد تلو الآخر، من أفقه الأعلى، ساخرًا من الإنسان ودأبه في حياةٍ هي في الحقيقة لعبٌ ولهو.
تكمن قيمة هذا العمل في احتفائه بالتفاصيل الإنسانيّة البسيطة، التفاصيل اليوميّة التي يعيشها الإنسان وتُشكّل ملامحه وإنسانيّته بعيدًا عن المفاهيم الكُليّة، وليس الرّاوي فيه وهو الموت سوى كاميرا تنتقل بين الأمكنة لتنقل لنا ما يحدث كلّ يوم. فهل يحتاج القارئ حقًّا، إلى رنين القضايا الكُبرى أو قناع التاريخ؟ ألا يمكن فهم جانبٍ من الحياة بالتعرّف على رجلٍ وحيدٍ في شرفة، كلّما رحلت امرأةٌ من حياته أشرق؟».
- الناشر
229 pages, Paperback
First published June 1, 2022
24 people are currently reading
1237 people want to read
Ratings & Reviews
Friends & Following
Create a free account to discover what your friends think of this book!
Community Reviews
Displaying 1 - 30 of 171 reviews
November 3, 2025
كلنا بنخاف منه..ومع ذلك لا مفر من لقاء سيجمعنا به ذات يوم...
كلنا بنحاول نتجاهله ومع ذلك كل خطوة نخطوها في حياتنا ستكون دائماً باتجاهه..
ينظر إلينا من الأفق الأعلي ..يرانا نقاط صغيرة تتحرّكُ ببطءٍ كالعميان في رحلة الحياة..
لمْ يُخلق للتّردُّدِ، أو الشّكِّ، أو الاسْتئذان و زيارته دايماً بتكون مفاجأة..
بس الغريب إنه حيكون معانا في كل صفحات الرواية..حتحس إنك خايف و إنت بتقرأ..
حتحسه جنبك ..قريب منك..بيكلمك ..عارف إنت بتفكر إزاي كإنه شايفك من جوة...
استعد للتعرف علي ملك الموت ..الرواي العليم في هذه التحفة الأدبية😍
تدور أحداث الرواية حول سليمان الرجل الذي تزوج في الثالثة عشر من عمره من فتاة تكبره بأحد عشر عاماً ..كانت أمه تجبره أن يترك لعب الكرة ليدخل فراش زوجته و يفعل كما يفعل الرجال و كانت زوجته مُجبرةً أيضاً على لمسِهِ في كلِّ مكانٍ ليُصبِحَ رجُلًا و حتي بعد أن رزقوا ب٣ أولاد ظلت تلقنه ما يصح وما لايصح و كانت تعامله كأمه إلي أن توفيت فجأة و هو في الخمسين من عمره و استغل ملك الموت وفاتها ليتعقب أثارها في بيتها لنتعرف علي حياة زوجها و أولادها...
اللغة في الرواية كانت ساحرة...تشبيهات بديعة...حتقف قدامها مستمتع..حتقرأ الجمل والصفحات يمكن أكتر من مرتين أو تلاتة أحياناً من جمال الأسلوب...
السرد كان فيه تنقل مذهل سواء بين الشخصيات أو حتي الأزمنة المختلفة والغريب إنه معمول بإحترافية وإتقان غير عادي ...اه ..في لحظات حتحس بإرتباك..بس إرتباك لذيذ ..لثواني معدودة و لما تفهم إنت فين حتبقي مش مصدق إزاي الكاتبة متمكنة من أدواتها كدة!
الرواية حجمها مش كبير -٢٣٠ صفحة فقط -ومع ذلك الكاتبة إتكلمت فيهم علي مواضيع كتير مثل الموت،الحب،العلاقات الزوجية ،الخيانة ،زواج الأطفال الذكور في سن مبكر و يمكن روايات من ٦٠٠ صفحة متقدرش تتكلم عن كل دة و مظنش في كاتب يعرف يكتب نص ثري و بمنتهي السلاسة زي ما عملت فاطمة عبد الحميد هنا ...
رواية رائعة..تستحق أكتر من ٥ نجوم و أتمني تفوز بالبوكر هذا العام...بس سواء الكاتبة كسبت الجائزة أو لأ ...كفاية إنها كسبتنا كقراء ودخلت قلوبنا من أول صفحة و حتخلينا ندور علي كل أعمالها و نستني أي عمل جديد ليها كمان و أعتقد يعني دة أحلي من مليون جايزة:)
Chapeau bigad❤️
كلنا بنحاول نتجاهله ومع ذلك كل خطوة نخطوها في حياتنا ستكون دائماً باتجاهه..
ينظر إلينا من الأفق الأعلي ..يرانا نقاط صغيرة تتحرّكُ ببطءٍ كالعميان في رحلة الحياة..
لمْ يُخلق للتّردُّدِ، أو الشّكِّ، أو الاسْتئذان و زيارته دايماً بتكون مفاجأة..
بس الغريب إنه حيكون معانا في كل صفحات الرواية..حتحس إنك خايف و إنت بتقرأ..
حتحسه جنبك ..قريب منك..بيكلمك ..عارف إنت بتفكر إزاي كإنه شايفك من جوة...
استعد للتعرف علي ملك الموت ..الرواي العليم في هذه التحفة الأدبية😍
تدور أحداث الرواية حول سليمان الرجل الذي تزوج في الثالثة عشر من عمره من فتاة تكبره بأحد عشر عاماً ..كانت أمه تجبره أن يترك لعب الكرة ليدخل فراش زوجته و يفعل كما يفعل الرجال و كانت زوجته مُجبرةً أيضاً على لمسِهِ في كلِّ مكانٍ ليُصبِحَ رجُلًا و حتي بعد أن رزقوا ب٣ أولاد ظلت تلقنه ما يصح وما لايصح و كانت تعامله كأمه إلي أن توفيت فجأة و هو في الخمسين من عمره و استغل ملك الموت وفاتها ليتعقب أثارها في بيتها لنتعرف علي حياة زوجها و أولادها...
اللغة في الرواية كانت ساحرة...تشبيهات بديعة...حتقف قدامها مستمتع..حتقرأ الجمل والصفحات يمكن أكتر من مرتين أو تلاتة أحياناً من جمال الأسلوب...
السرد كان فيه تنقل مذهل سواء بين الشخصيات أو حتي الأزمنة المختلفة والغريب إنه معمول بإحترافية وإتقان غير عادي ...اه ..في لحظات حتحس بإرتباك..بس إرتباك لذيذ ..لثواني معدودة و لما تفهم إنت فين حتبقي مش مصدق إزاي الكاتبة متمكنة من أدواتها كدة!
الرواية حجمها مش كبير -٢٣٠ صفحة فقط -ومع ذلك الكاتبة إتكلمت فيهم علي مواضيع كتير مثل الموت،الحب،العلاقات الزوجية ،الخيانة ،زواج الأطفال الذكور في سن مبكر و يمكن روايات من ٦٠٠ صفحة متقدرش تتكلم عن كل دة و مظنش في كاتب يعرف يكتب نص ثري و بمنتهي السلاسة زي ما عملت فاطمة عبد الحميد هنا ...
رواية رائعة..تستحق أكتر من ٥ نجوم و أتمني تفوز بالبوكر هذا العام...بس سواء الكاتبة كسبت الجائزة أو لأ ...كفاية إنها كسبتنا كقراء ودخلت قلوبنا من أول صفحة و حتخلينا ندور علي كل أعمالها و نستني أي عمل جديد ليها كمان و أعتقد يعني دة أحلي من مليون جايزة:)
Chapeau bigad❤️
January 14, 2025
الأفق الأعلى
فاطمة عبد الحميد
اختيار خاطف
صدقني يا عزيزي، لا العنوان ولا اسم الكاتبة جذباني في البداية. لم أتوقع اقتناء الكتاب، وأقل من ذلك توقعت أن أندهش. لكنني، أَصْدقك القول، قارئ له نزوات. أختار أحياناً بناءً على ترشيح عابر، شكل الغلاف ولونه، مراجعة أقنعتني... في بعض الأحيان أقتل العنوان تمحيصاً قبل الإقدام على قراءته، وفي أحيانٍ أخرى تحركني جنية القراءة دون الكثير من التروي.
ثق بأنني استمتعت بهذه النزوة، وأنني اندهشت أيضاً. أحياناً تؤتي النزوات بثمار غير الندم.
سرد خالٍ من الشوائب
لاحظ يا صديقي أننا كقراء، من السهل أن نتقمص مزاج الكهل المتقاعد. لا يعجبنا هذا العنصر أو ذاك، نجد علة في التفاصيل أو نقتنص عيباً ما حتى نردد مقولة درويش الخالدة: لا شيء يعجبني! أنصت إلى جيداً وأنا أخبرك بأن الرواية أتعبتني كي أُمسك عليها زلة. السرد سلس متدفق على الرغم من كونه غير خطي. يزخر النص بالتنقلات في الزمان والشخصيات، ومع ذلك لم أتعثر في خطواتي البتة. هناك مقدمات مقنعة، مفاجآت سارّة وأخرى مفزعة، أحداث يومية ومونولوجات فلسفية. القبطان فاطمة بارعٌ في الإبحار، فلم أشعر بلطمات أمواج ولا بدوار البحر وأنا في معيتها.
شخصيات وحكايات
حتى أنا يا صديقي توقعت الشيء نفسه! رواية تقع في أقل من مائتين وخمسين صفحة، لا بد أنها تقدم عدداً قليلاً من الشخصيات وتكاد تخلو من التشعبات القصصية. أنت مخطئ! هناك كوكبة من الشخصيات المتنوعة من حيث العمر والجنس والميول والسمات الشخصية. أغلبها مقنع. تريث قليلاً لأزيدك من الشعر بيتاً، لكل شخصية قصتها الخاصة، معضلة من نوع مختلف وتأخذك في رحلة باتجاه آخر.
الحب والموت، وجهان لعملة واحدة؟
أعرف ما ستقول، الرواية تناقش ثيمة الموت، وكون ملك الموت هو الراوي أكسبها عمقاً فلسفياً ونبرة وجودية لا تخطئها العين. لا أنكر ذلك! ولكن اسمعني قبل أن تحكم. صحيح أن الموت يحوم حول النص كنسر متربص، إلا أنك لو نظرت عن كثب لوجدت المساحة الكبرى من النص مخصصة للعلاقات بين شخوصها. هذا محبط، وهذا راغب، هذه كسيرة الفؤاد وتلك تبادل الحب بمشاعر جليدية. هذا يحلم وهذا ينتقم، هذه تندب والأخرى تكتئب. هل فهمت ما أعنيه؟ الحب يذيقنا الخيبات أثناء حياتنا ثم يأتي ملك الموت ليذيقنا آخر وأعظم خيبة في النهاية. أعتذر إذا أعطيتك انطباعاً سلبيا، لم أقل بأنها رواية مرحة على أية حال.
من أين لكِ هذه اللغة؟
هلّا سألنا المؤلفة يا عزيزي من أي نبع اغترفت هذه اللغة؟ العبارات جزلة دون تكلف، والحوارات طبيعية، والتشبيهات خيالية. لا شك أن جودة اللغة شكّلت رافعة أساسية للنص، الذي قد تبدو بعض أجزاءه عادية، ألا تتفق معي في ذلك؟
كادت أن تصيب الخماسية
إذا سألتني عن عيوب الرواية فليست لدي سوى تحفظات متناهية الصغر بخصوص الأفق الأعلى. ربما استقصدت الكاتبة ألّا تذكر شيئاً عن الزمان والمكان، وهذا قد يكون مفهوماً لو كانت الثيمة عن الموت فقط. غير أن الحبكة مليئة بالتفاصيل عن العلاقات المحكومة بالتقاليد، لذا أعتقد أنه كان حرياً به إضافة بعض التفاصيل عن البلد والحقبة. من ناحية أخرى، توقعت أن تكون النهاية أكثر إدهاشاً، فطوال الرواية بدا لي وكأن النص يبني نفسه بناءً متيناً لتقديم لحظة تنوير تحبس الأنفاس. النهاية كانت جيدة، ولكنها عادية.
أتمنى فوز الرواية بالبوكر يا صديقي. قد نختلف حول بعض التفاصيل ولكن كلانا يرى بأنها تستحق الفوز أكثر من غيرها، أليس كذلك؟
فاطمة عبد الحميد
اختيار خاطف
صدقني يا عزيزي، لا العنوان ولا اسم الكاتبة جذباني في البداية. لم أتوقع اقتناء الكتاب، وأقل من ذلك توقعت أن أندهش. لكنني، أَصْدقك القول، قارئ له نزوات. أختار أحياناً بناءً على ترشيح عابر، شكل الغلاف ولونه، مراجعة أقنعتني... في بعض الأحيان أقتل العنوان تمحيصاً قبل الإقدام على قراءته، وفي أحيانٍ أخرى تحركني جنية القراءة دون الكثير من التروي.
ثق بأنني استمتعت بهذه النزوة، وأنني اندهشت أيضاً. أحياناً تؤتي النزوات بثمار غير الندم.
سرد خالٍ من الشوائب
لاحظ يا صديقي أننا كقراء، من السهل أن نتقمص مزاج الكهل المتقاعد. لا يعجبنا هذا العنصر أو ذاك، نجد علة في التفاصيل أو نقتنص عيباً ما حتى نردد مقولة درويش الخالدة: لا شيء يعجبني! أنصت إلى جيداً وأنا أخبرك بأن الرواية أتعبتني كي أُمسك عليها زلة. السرد سلس متدفق على الرغم من كونه غير خطي. يزخر النص بالتنقلات في الزمان والشخصيات، ومع ذلك لم أتعثر في خطواتي البتة. هناك مقدمات مقنعة، مفاجآت سارّة وأخرى مفزعة، أحداث يومية ومونولوجات فلسفية. القبطان فاطمة بارعٌ في الإبحار، فلم أشعر بلطمات أمواج ولا بدوار البحر وأنا في معيتها.
شخصيات وحكايات
حتى أنا يا صديقي توقعت الشيء نفسه! رواية تقع في أقل من مائتين وخمسين صفحة، لا بد أنها تقدم عدداً قليلاً من الشخصيات وتكاد تخلو من التشعبات القصصية. أنت مخطئ! هناك كوكبة من الشخصيات المتنوعة من حيث العمر والجنس والميول والسمات الشخصية. أغلبها مقنع. تريث قليلاً لأزيدك من الشعر بيتاً، لكل شخصية قصتها الخاصة، معضلة من نوع مختلف وتأخذك في رحلة باتجاه آخر.
الحب والموت، وجهان لعملة واحدة؟
أعرف ما ستقول، الرواية تناقش ثيمة الموت، وكون ملك الموت هو الراوي أكسبها عمقاً فلسفياً ونبرة وجودية لا تخطئها العين. لا أنكر ذلك! ولكن اسمعني قبل أن تحكم. صحيح أن الموت يحوم حول النص كنسر متربص، إلا أنك لو نظرت عن كثب لوجدت المساحة الكبرى من النص مخصصة للعلاقات بين شخوصها. هذا محبط، وهذا راغب، هذه كسيرة الفؤاد وتلك تبادل الحب بمشاعر جليدية. هذا يحلم وهذا ينتقم، هذه تندب والأخرى تكتئب. هل فهمت ما أعنيه؟ الحب يذيقنا الخيبات أثناء حياتنا ثم يأتي ملك الموت ليذيقنا آخر وأعظم خيبة في النهاية. أعتذر إذا أعطيتك انطباعاً سلبيا، لم أقل بأنها رواية مرحة على أية حال.
من أين لكِ هذه اللغة؟
هلّا سألنا المؤلفة يا عزيزي من أي نبع اغترفت هذه اللغة؟ العبارات جزلة دون تكلف، والحوارات طبيعية، والتشبيهات خيالية. لا شك أن جودة اللغة شكّلت رافعة أساسية للنص، الذي قد تبدو بعض أجزاءه عادية، ألا تتفق معي في ذلك؟
كادت أن تصيب الخماسية
إذا سألتني عن عيوب الرواية فليست لدي سوى تحفظات متناهية الصغر بخصوص الأفق الأعلى. ربما استقصدت الكاتبة ألّا تذكر شيئاً عن الزمان والمكان، وهذا قد يكون مفهوماً لو كانت الثيمة عن الموت فقط. غير أن الحبكة مليئة بالتفاصيل عن العلاقات المحكومة بالتقاليد، لذا أعتقد أنه كان حرياً به إضافة بعض التفاصيل عن البلد والحقبة. من ناحية أخرى، توقعت أن تكون النهاية أكثر إدهاشاً، فطوال الرواية بدا لي وكأن النص يبني نفسه بناءً متيناً لتقديم لحظة تنوير تحبس الأنفاس. النهاية كانت جيدة، ولكنها عادية.
أتمنى فوز الرواية بالبوكر يا صديقي. قد نختلف حول بعض التفاصيل ولكن كلانا يرى بأنها تستحق الفوز أكثر من غيرها، أليس كذلك؟
June 29, 2023
الأفق الأعلى.. البساطة على مذبح الوجود!
تبدأ رواية الأفق الأعلى بإقتباس لأمبروز بيرس "هذا الذي يدعونه الموت، ليس إلا الألم الأخيرفحسب"، وتبدأ الرواية بضمير المخاطب، الراوي يكلّمك كقارئ بشكلٍ مباشر، تحتار في هذه الثقة التي منحها الراوي لنفسه او النص لذاته، فتسايره لتعرفه، فلا يلبث ان ينكشف الستر وتعرف ان مخاطبك أقرب منك إليك، تعرفه ويعرفك، تنتظره او ينتظرك، انه الموت يحدثّك.. وسيروي عليك قصصه!
اذن فالموت هو الراوي العليم في هذه الرواية (بإشتباك مع الوعي حول ماهيته)، يروي لك رواية أساسية دون الإلتزام بالخط الزمني للأحداث، فتراه يبدأ من لحظة قبض روح "نبيلة" ليذهب بك الى دفنها وردّات فعل عائلتها جاعلًا من زوجها "سليمان" محورًا للسرد، سليمان الذي زوّجته أمّه صغيرًا من فتاة تكبره بإحدى عشرة سنة، وعاش في كنف أمّ بيولوجية وأخرى تربوية ولو كان اسمها زوجة، ليقضي ثمانية وثلاثين عامًا في اغترابه عن ذاته قبل ان يفتح الموت نافذةً له ليحيا بضعة أشهر بعد ان امضى عمره في العيش! الموت يأخذك الى قصص اخرى عديدة، من واقع مهمته، وعلى المسارح المتعددة التي تجري اخر تمثيليات الحياة عليها!
النص فكرته بسيطة، لكنه مكتوب بحرفية، أسلوبًا ولغةً وبناءً، تتواتر الذروات فيه تبعًا لمزاج الموت في القصّ، وهذا المزاج يكون مفجعًا حينًا ومضحكًا حينًا آخر. من هنا تأتي المتعة في قراءة هذا النص وتتبع مسارات شخصياته، ما يعصف بهم من احداث وتغيّرات تعلّمنا ان الحياة صيرورة في أحيان وسيرورة عادية في أحايين اخرى.
تعددت الثيمات في النص، الموت، الحب، العشق، الخيانة، الزواج (انواع عديدة من العلاقات الزوجية)، الألم، الفقد، اليتم، التعدي على الطفولة (او اغتصابها)، العائلة، الصحة، الملل... وغيرها. لكن المميز في هذا الثيمات انها كانت مصهورة في بوتقة واحدة، واحدة تؤدي الى اخرى (مع استفاضة الموت في أوقات)، تسببها او تعللها في حياة عوائل بسيطة في حيّ بسيط.
رواية ممتعة، تقرأ في جلسةٍ واحدة، وقد تخرج منها والموت قد أضحى صديقك المقرّب!!
وقت المراجعة: (11:38)
"لا تنظر الى ساعتك، وكأن أثر الوقت يهمك الى هذا الحد، فأنت تعيش معظمه حسب العادة... ولم تكن في يوم تتحاشى الخطأ من أجل الصواب، لأن الخطأ ببساطة لا يستغرق وقتًا طويلًا كالصواب، فلا تأس على نفسك الفانية، إن ادركتك قبل ان تدركه... وهوّن عليك، فالأمر معي أقل تعقيدًا، إذ لا أحد في السماء يملك دافعًا لتدميرك، لكن الفطرة الأرضية هي التي رسّخت فيك الظن بأن كل ربح لأحدهم، هو خسارةٌ لآخر."
تبدأ رواية الأفق الأعلى بإقتباس لأمبروز بيرس "هذا الذي يدعونه الموت، ليس إلا الألم الأخيرفحسب"، وتبدأ الرواية بضمير المخاطب، الراوي يكلّمك كقارئ بشكلٍ مباشر، تحتار في هذه الثقة التي منحها الراوي لنفسه او النص لذاته، فتسايره لتعرفه، فلا يلبث ان ينكشف الستر وتعرف ان مخاطبك أقرب منك إليك، تعرفه ويعرفك، تنتظره او ينتظرك، انه الموت يحدثّك.. وسيروي عليك قصصه!
اذن فالموت هو الراوي العليم في هذه الرواية (بإشتباك مع الوعي حول ماهيته)، يروي لك رواية أساسية دون الإلتزام بالخط الزمني للأحداث، فتراه يبدأ من لحظة قبض روح "نبيلة" ليذهب بك الى دفنها وردّات فعل عائلتها جاعلًا من زوجها "سليمان" محورًا للسرد، سليمان الذي زوّجته أمّه صغيرًا من فتاة تكبره بإحدى عشرة سنة، وعاش في كنف أمّ بيولوجية وأخرى تربوية ولو كان اسمها زوجة، ليقضي ثمانية وثلاثين عامًا في اغترابه عن ذاته قبل ان يفتح الموت نافذةً له ليحيا بضعة أشهر بعد ان امضى عمره في العيش! الموت يأخذك الى قصص اخرى عديدة، من واقع مهمته، وعلى المسارح المتعددة التي تجري اخر تمثيليات الحياة عليها!
النص فكرته بسيطة، لكنه مكتوب بحرفية، أسلوبًا ولغةً وبناءً، تتواتر الذروات فيه تبعًا لمزاج الموت في القصّ، وهذا المزاج يكون مفجعًا حينًا ومضحكًا حينًا آخر. من هنا تأتي المتعة في قراءة هذا النص وتتبع مسارات شخصياته، ما يعصف بهم من احداث وتغيّرات تعلّمنا ان الحياة صيرورة في أحيان وسيرورة عادية في أحايين اخرى.
"وأنت واقف بين جدران مقبرة، عليك ألا تسأل عن جدوى الحياة، بينما ترى الدود يرث كلّ من أحببت."
تعددت الثيمات في النص، الموت، الحب، العشق، الخيانة، الزواج (انواع عديدة من العلاقات الزوجية)، الألم، الفقد، اليتم، التعدي على الطفولة (او اغتصابها)، العائلة، الصحة، الملل... وغيرها. لكن المميز في هذا الثيمات انها كانت مصهورة في بوتقة واحدة، واحدة تؤدي الى اخرى (مع استفاضة الموت في أوقات)، تسببها او تعللها في حياة عوائل بسيطة في حيّ بسيط.
ليس ثمّة نهايات سعيدة في حياةٍ تقف على ساق واحدة
رواية ممتعة، تقرأ في جلسةٍ واحدة، وقد تخرج منها والموت قد أضحى صديقك المقرّب!!
وقت المراجعة: (11:38)
February 14, 2023
القراءة الثامنة ضمن قائمة الكتب التي ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربيّة 2023م.
"الأفق الأعلى " | حين يرّوي الموت للإنسان.
ينتهي كل شئ برؤيته ، الرواية عبارة عن حفلة من الموت ، منذ الإستهلال الصادم للرواية ، تعرفً أن من يتحدث معك هو "ملك الموت" ، والذي يراقب كل شيء من موقعه في الأعلى ، ويعرف تصرّفات البشر ونواياهم.
بلغة تراجيديّة تخفّف من وقع المأساة ، بقول الموت للإنسان ، "كل ماعليك أن تدركه ، هو أنني اللمسة الأخيرة على ألمك المزمن".
الموت واحد مهما اختلفت الوجوه ، ومهما تغيّرت الإتجاهات ، فحين نحاول الهرب منه نهرب اليه ، حينما يأتي عازماً على إنهاء مسيرة وتاريخ أحدهم في لحظة مقرّرة مسبقاً فلن يكون هناك تراجع أبداً ، حين يتجسد وينظر إليك بعينيه ، فإنها ستكون آخر ماترى عيناك .
أتسأل منذ عنوان الرواية لماذا "الأفق الأعلى" فهو المكان الذي يبزغ منه الضوء وينبلج الفجر ، فكيف يكون عنواناً للموت ، فهل قصدت الكاتبة إن يكون الموت اعلان انتهاء حياة ، وإنبلاج حياة جديدة هي الحياة الحقيقية.
اللغة عذّبة جميلة ومتماسكة ، رغم سوداويتها ، قد يصيبك بعض التشتت أثناء القراءة فالفصول مترابطة يفصلها عدة نجوم فقط ، مما قد يجبرك العودة الى الوراء لتستوعب عن من يدور الحديث .
اعتقد أن ترشحها للقائمة الطويلة وهي الرواية الثالثة للكاتبة فقط فذلك إنجاز ، بالنسبة لي هذه القراءة الأولى للكاتبة السعودية فاطمة عبدالمجيد ولن تكون الأخيرة ، تمنياتي لها بكل التوفيق.
"الأفق الأعلى " | حين يرّوي الموت للإنسان.
ينتهي كل شئ برؤيته ، الرواية عبارة عن حفلة من الموت ، منذ الإستهلال الصادم للرواية ، تعرفً أن من يتحدث معك هو "ملك الموت" ، والذي يراقب كل شيء من موقعه في الأعلى ، ويعرف تصرّفات البشر ونواياهم.
بلغة تراجيديّة تخفّف من وقع المأساة ، بقول الموت للإنسان ، "كل ماعليك أن تدركه ، هو أنني اللمسة الأخيرة على ألمك المزمن".
الموت واحد مهما اختلفت الوجوه ، ومهما تغيّرت الإتجاهات ، فحين نحاول الهرب منه نهرب اليه ، حينما يأتي عازماً على إنهاء مسيرة وتاريخ أحدهم في لحظة مقرّرة مسبقاً فلن يكون هناك تراجع أبداً ، حين يتجسد وينظر إليك بعينيه ، فإنها ستكون آخر ماترى عيناك .
أتسأل منذ عنوان الرواية لماذا "الأفق الأعلى" فهو المكان الذي يبزغ منه الضوء وينبلج الفجر ، فكيف يكون عنواناً للموت ، فهل قصدت الكاتبة إن يكون الموت اعلان انتهاء حياة ، وإنبلاج حياة جديدة هي الحياة الحقيقية.
اللغة عذّبة جميلة ومتماسكة ، رغم سوداويتها ، قد يصيبك بعض التشتت أثناء القراءة فالفصول مترابطة يفصلها عدة نجوم فقط ، مما قد يجبرك العودة الى الوراء لتستوعب عن من يدور الحديث .
اعتقد أن ترشحها للقائمة الطويلة وهي الرواية الثالثة للكاتبة فقط فذلك إنجاز ، بالنسبة لي هذه القراءة الأولى للكاتبة السعودية فاطمة عبدالمجيد ولن تكون الأخيرة ، تمنياتي لها بكل التوفيق.
December 5, 2025
"وفي الحقيقة، يُقدم الموت للمرء خدمة جليلة، تُحسب لصالحي في هذه الحالة، إذ يُحرره من أكبر آلامه، بدفن أقرب الناس إلى قلبه، ليصبح بعد ذلك قادراً على مواجهة أي حزن يُخبئه له القدر، لأن الحزن الأكبر صار خلفه."
كلنا نهاب الموت، نخشاه، نقضي حياتنا يوماً وراء يوم، ونحن نتجاهله، ننساه عمداً، ننشغل بالحياة وتقلباتها، وينظر إلينا الموت من الأفق الأعلى، ضاحكاً وساخراً، كم أن البشر يعيشون في كُل هذه التفاهات، ومصيرهم يتجه إليه، مهما حدنا وبعدنا، مهما شعرنا أننا مُحصنون منه، ونجونا بأعجوبة مرات عديدة، ولكن لكل أجل كتاب، سيلاقينا هذا الكائن المُرعب، حتماً سيُلاقينا.
تبدأ رواية "الأفق الأعلى" للكاتبة السعودية "فاطمة عبدالحميد"، بفصل مُفاجئ، وصادم، هذا الموت يُحدثكم، يحكي لكم حكاياته، الراوي العليم بالأفق الأعلى، الذي ربما من الملل فقط قرر أن يُشركنا في حكاية "سليمان" الطفل الذي وجد نفسه زوجاً، وأولاده، وكُل تلك السجون التي قُيد بداخلها، حرمانه من اللعب، والطعام، وزواجه لمن تكبره بإحدى عشر عاماً، -أظن أنها المرة الأولى التي أقرأ عن زواج القاصرين ويكون المعني بها ذكراً!- بل ويجب عليه أن يُشاركها فعلاً جنسياً لم يتشكل بعد بداخله، ولا يفقهه، إنه يريد لعب الكرة، فلماذا لا يتحقق له ذلك؟
بالطبع الرواية موضوعها الأساسي هو الموت، بأشكاله العديدة، من خلال حكايات جانبية يقطف بها الموت أرواحاً ويعود سريعاً إلى حكايتنا الأساسية، وحتى تلك الحكايات الجانبية بُذل فيها جهداً لتكون قريبة من الأحداث الرئيسية والشخصيات، مروا بهم أو عملوا معهم، أو يعرفوهم، لتلك الحكاية الأساسية وتطوراتها المجنونة والسعيدة والحزينة، الذي يجعل الموت ينظر للأحداث وشخصياتها المُتناسين وجوده، ولكن مرت الرواية بمواضيع عديدة، مواضيع من كثرة تشابكها وتعددها، تكاد تُجن أن كل تلك المواضيع ذُكرت فقط في رواية مكونة من عدد صفحات أقل من 250! وهنا تبرع الكاتبة التي غزلت كل تلك الحكايات تحت ضفيرة واحدة مُتماسكة، ولكن عندما تنظر إلى كل شعرة واحدة من الضفيرة بمُفردها تجدها جميلة ومُمتعة بمفردها.
نظن أننا نعرف أنفسنا، نظن أننا نفهم الحياة، نظن أن الحياة ستكون برتم مُعين ونمط مُحدد سابقاً، ولكننا نتفاجئ بكل تلك الأشياء المخفية بداخلنا، التي تظهر عندما تختفي قيوداً كُنا مُكبلين بها، قيود يضعها المجتمع والناس والعمل والدولة وإلخ.. وعند سقوط أول قيد، تجد نفسك شخصاً يتصرف بطريقة لا تعرفها، ولكن في نفس الوقت، تظن دائماً أن هذا الشخص هو أنت، الذي ظل كامناً ومختفياً، ينتظر فرصة لينقض.
ختاماً..
كانت رواية "الأفق الأعلى" بمثابة مفاجأة جميلة، لم أكن أتوقع أنها بهذا المستوى من الثقل والأبعاد الفلسفية المُتشابكة، والشخصيات المرسومة بدقة، وذات أحداث غنية، وسرد أكثر من رائع، مهيب يليق براوي كالموت، لتصبح هذه الرواية من أفضل ما قرأت في الأدب العربي مؤخراً، أو بشكل عام. بكل تأكيد يُنصح بها.
May 3, 2025
التقييم ⭐⭐⭐⭐
❞ فكلُّ خطوةٍ تخطُوها، ستكونُ دائمًا باتّجاهي مَهْما بالغتَ في الحذرِ أو الخوفِ، لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلك فكلانا على الطريق نفسه وإن كنا في اتجاهين متعاكسين❝
بعد الانتهاء من الرواية توقفت فجأة عن القراءة حتى لم استطيع كتابة مراجعة لها بسبب كتلة المشاعر العميقة التي ترسخت داخلي ، هذه الرواية لو كانت فازت بالبوكر فهي تستحق بجدارة ❤️❤️
قرأت العديد من الروايات ، تلك التي تدور أحداثها على لسان الراوي ، أو على لسان الزمن ، أو على لسان الطفل ، ولكن لأول مرة أقرأ عمل يكون الراوي هو الموت 💔نعم الموت ، الذي نخافه جميعًا ، الموت الذي ندرك أنه قريب من كل منا طفل كان أو كهل ، الموت الذي سلب من كل بيت ومن كل عائلة شخص عزيز ، الموت الذي سلب مني زهرة حياتي أمي الغالية ❤️❤️
تدور الرواية حول الطفل سليمان الذي أكبر طموحاته أن تتركه أمه يلعب كرة القدم مع اصدقائه ، تزوجه أمه وهو في الثالثة عشر من عمره بفتاة تكبره بأعوام كثيرة وتاخذه أمه عنوة من وسط أصحابه كي يذهب لزوجته ويفعل كما يفعل الرجال!! حتى رزق بثلاث أولاد ولكن يظل سليمان طفل الثالثة عشر
وتموت الزوجة، فيُدرك الرجل قدرته على بناء البيوت.ويحكي لنا ملك الموت عن تفاصيل بيت سليمان
وفي الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ. لكنْ، هل يُعدُّ موتُ نبيلة أكبرَ أحزانِ سليمانَ حَقًّا؟
«يتعرّف سليمان على الحُبّ متأخّرًا في حياته، تغادره والدتُه، ثمّ زوجتُه، فلا يبقى منهما سوى ظلالهما التي تأمره بألّا ينسى باب الشرفة مفتوحًا، ولكنّه يغفل عن وصاياهما وينسى باب الشرفة مفتوحًا، ليجد الحُبّ على هيئة ظلٍّ لطيفٍ في الشرفة المقابلة. غير أنّ الموت، الذي وهب سليمان فرصةً جديدةً لبناء بيوت الكبريت الّتي ظلّ محرومًا منها منذ صباه، هو الذي يروي لنا قصّته في هدمها الواحد تلو الآخر، من أفقه الأعلى، ساخرًا من الإنسان ودأبه في حياةٍ هي في الحقيقة لعبٌ ولهو.
الرائع في هذه الرواية هي التفاصيل والتنقل بين الأحداث، تأثرت بكل المشاهد ، تعاطفت مع سلميان يُعتبر ضحية 💔
شكراً للكاتبة على هذا العمل ونتمنى المزيد من الأعمال ❤️
تمّت 28/5/2023
❞ فكلُّ خطوةٍ تخطُوها، ستكونُ دائمًا باتّجاهي مَهْما بالغتَ في الحذرِ أو الخوفِ، لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلك فكلانا على الطريق نفسه وإن كنا في اتجاهين متعاكسين❝
بعد الانتهاء من الرواية توقفت فجأة عن القراءة حتى لم استطيع كتابة مراجعة لها بسبب كتلة المشاعر العميقة التي ترسخت داخلي ، هذه الرواية لو كانت فازت بالبوكر فهي تستحق بجدارة ❤️❤️
قرأت العديد من الروايات ، تلك التي تدور أحداثها على لسان الراوي ، أو على لسان الزمن ، أو على لسان الطفل ، ولكن لأول مرة أقرأ عمل يكون الراوي هو الموت 💔نعم الموت ، الذي نخافه جميعًا ، الموت الذي ندرك أنه قريب من كل منا طفل كان أو كهل ، الموت الذي سلب من كل بيت ومن كل عائلة شخص عزيز ، الموت الذي سلب مني زهرة حياتي أمي الغالية ❤️❤️
تدور الرواية حول الطفل سليمان الذي أكبر طموحاته أن تتركه أمه يلعب كرة القدم مع اصدقائه ، تزوجه أمه وهو في الثالثة عشر من عمره بفتاة تكبره بأعوام كثيرة وتاخذه أمه عنوة من وسط أصحابه كي يذهب لزوجته ويفعل كما يفعل الرجال!! حتى رزق بثلاث أولاد ولكن يظل سليمان طفل الثالثة عشر
وتموت الزوجة، فيُدرك الرجل قدرته على بناء البيوت.ويحكي لنا ملك الموت عن تفاصيل بيت سليمان
وفي الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ. لكنْ، هل يُعدُّ موتُ نبيلة أكبرَ أحزانِ سليمانَ حَقًّا؟
«يتعرّف سليمان على الحُبّ متأخّرًا في حياته، تغادره والدتُه، ثمّ زوجتُه، فلا يبقى منهما سوى ظلالهما التي تأمره بألّا ينسى باب الشرفة مفتوحًا، ولكنّه يغفل عن وصاياهما وينسى باب الشرفة مفتوحًا، ليجد الحُبّ على هيئة ظلٍّ لطيفٍ في الشرفة المقابلة. غير أنّ الموت، الذي وهب سليمان فرصةً جديدةً لبناء بيوت الكبريت الّتي ظلّ محرومًا منها منذ صباه، هو الذي يروي لنا قصّته في هدمها الواحد تلو الآخر، من أفقه الأعلى، ساخرًا من الإنسان ودأبه في حياةٍ هي في الحقيقة لعبٌ ولهو.
الرائع في هذه الرواية هي التفاصيل والتنقل بين الأحداث، تأثرت بكل المشاهد ، تعاطفت مع سلميان يُعتبر ضحية 💔
شكراً للكاتبة على هذا العمل ونتمنى المزيد من الأعمال ❤️
تمّت 28/5/2023
January 21, 2024
" لقدْ أرادوا لهُ أنْ يكونَ رجلًا وهو في الثّالثة عشرةَ، فأرادَ اليومَ، وهو في بدايةِ الخمسيناتِ مِنْ عُمْره، أنْ يكونَ طفلًا "
من الأفق الأعلى نظر الينا الموت نحن الفانيين السائرون فى رحاب الدنيا و قرر أن يلهو معنا قليلًا و قد وقع الاختيار على شخصية سليمان ليرصد لنا حياته و مصيره لكنه شصكان يتركه لحظات قليلة ليخطف روح جاء أجلها فى عمله الروتيني الممل فى نظره فلا يوجد تحدي او مفاجأة به فعندما تأتي الساعة ياتي معها فلا يمكنك الفرار منه و لا مصير أمامك إلا ان تستقبله كصديق لك جاء ليأخذ الأمانة .
طالما تجذبني الروايات التي تدور حول الموت او الشيطان فهم الحقيقة التى نحاول جاهدًا الفرار من مخالبهم أحدهم لا يتركك أبدًا لكنك تستطيع الفرار منه و الاخر هو نهاية حتمية لا فرار منها و هنا كان الموت ليس مجازيًا يعبر من خلال الشخصيات كما كان فى رواية السقا مات ليوسف السباعي بل كان هو الراوي فى معظم أوقات الرواية و منها نري رؤيته للبشر و تناقضتهم فكانت المواجهة بين الموت و الحب هم المحرك الرئيسي لهذا العمل بجانب أشياء كثيرة أخري لم تغفل الكاتبة عن دمجها بالعمل مثل العائلة و الفقد و الحزن و الخيانة و أهمهم الطفولة الضائعة التي كانت محرك رئيسي كما الموت و الحب فى حياة سليمان.
أولى تجاربي مع الأدب السعودي كانت تجربة موفقة و إن كانت متأخرة لاكتشاف هذا العالم لكن أن تأتي متأخرًا خيرًا من أن لا تأتي، رواية فى حين كان الموت يرسم طريقها بأنامله كانت العلاقات البشرية بها أهم ما يميزها، عندنا زواج القاصر و هنا لاول مرة أراه من ناحية الذكر فنتج عنه تشويه فى طفولة أصبح معه حتي أخر أيامه يبحث عن سليمان الطفل فهل سوف يجب طريقه؟، العلاقات المتشابكة و الحب فى علاقات كخيوط العنكبوت تتشابك لكنها معقدة لابعد حد، الفقد و الغرور لهم دورهم المتاصل فى كل البشر و هو ما لم يفهمه الموت و آخرًا المجتمع و قيوده الثيمة التي لاقت نجاحًا مؤخرًا فى كل الأعمال الادبية بسبب القيود التي فرضها المجتمع فأنتجت مجتمع شخصياته مشوهة أصبحت اللامنطقية هى سبيل نجاتهم .
رواية جيدة عانيت من بعض التشتت فى أحداثها لكن وصلني إحساس شخصياته و فرحت لافراحهم و سعادتهم لكن فى رواية يغلفها الموت و رأويها الموت لا يمكن توقع سعادة دائمة .
July 18, 2025
❞ وأنتَ واقفٌ بينَ جُدرانِ مقبرةٍ، عليكَ ألّا تسألَ عنْ جدوى الحياةِ، بينما ترى الدّودَ يرثُ كلَّ منْ أحببتَ. ❝"
اليوم، وهو غير كل يوم، اليوم أنا أقرب للموت من الحياة. أصبحت اعمل بين طرقات الموت، هارباً من طرقات الحياة، بعد إستلام عملي مؤخرا في مستشفيات القصر العيني، وبشكل خاص في الرعاية المركزة لوحدة الحالات الحرجة، أصبحت أشعر بثقل الأفق الأعلى في كل صباح وفي كل ليل، وها أنا أكتب تلك الكلمات ومصاباً بالحمى، ثم سأخلد إلى النوم استعدادا للذهاب إلى طرقات الموت غداً. فالموت أصبح واقعي والحياة أهرب إليها كلما أستطعت.
واليوم تحديداً بعدما أصيبت بعدوى من الرعاية، جعلتني طريح الفراش ليومين وكنت أعلم إني سأتعافى منها على كل حال، وجدت ذاك الثقل الذي تركته في المستشفى خلفي، هنا معي بأرتفاع غرفتي كلها.
❞ لا توجد في الموت أيُّ مصادفةٍ، هكذا هو الأمرُ، فما يأتي إليكَ، يأتي إليكَ باسمِكَ ❝
وما أثقل الموت يا رفاق، إذا حضر لا يتركنا كما كنا، وإذا حضر يباغتنا ولا يستأذنا، ولا يتمهل في مهمته، ولا يتأخر عنها ولو قليلاً ولا تأخذه بينا الرحمة أو الشفقة ابداً.
قد ينتزع الرضيع من حضن أمه دون تمهل، ويقبض امانته من جسد اب مسن يجلس في انتظار خروجه على باب الرعاية ابناء في سن الطفولة.
ما أثقل حضوره وهو لا يتركنا كما كنا ابدا إذا جاء. يجب أن ينقصنا واحد أو اكثر بعدها . فهوحاضر على الدوام حتى وإن كان يبدو غائباً قليلاً.
❞ نعم! أنا أسوأُ مخاوفِكَ، وأنا كاتمٌ سِرَّ زيارتِي المباغتةِ لكَ، وهذا ما لنْ يحبَّهُ كلُّ مَنْ يهتمُّ بأمْرِك ولتعلَمْ فحَسْب، أنّه لا فرقَ بيْنَ أن تُولِّيَ وجهَكَ شطْرَ الحائطِ لحظةَ وصُولي أو أن تُولِّيَ له ظهْركَ، ففي كلتا الحالتينِ لنْ تستطيعَ منِّي إفْلاتًا. لأنّني سأكونُ حِينَها أضْخَمَ نفُوذٍ يسْتَولي عَليْكَ. ❝
نعم هو اسوأ مخاوفنا، هو الحقيقة التي ندركها منذ يوم ميلادنا الأول، نحن اموات سائرون عابرون بين الأرصفة والطرقات، نحن نفنى في كل يوم نسيره، نسير فانيين متمهلين متقربين من قدرنا، ويرانا من أفقه الأعلى الموت، ويضحك على تعثراتنا الصغيرة، ويتعجب لأحزاننا الكبيرة على أمور قد تفنى في دقائق، يتعجب لوعدنا بالعودة بعد قليل وهو نعلم أننا لا نملك حتى أن نعود،
وعدت نبيلة في الرواية ابنائها بالأحتفال بالعام القادم، قائله لا يزال أمامنا أيام كثيرة، وهي لم تكن تعلم أنه ينتظرها في نهاية هذا الطريق، في نهايته بعد خطوات معدودة، فاجئها مقبلاً غير مدبراً، متمم كلمة الله على عباده.
❞ أنتم تتجاهلونَنِي، لأنّني غيرُ مرئيّ. تقولونَ في سذاجةٍ ليستْ غريبَةً عنكمْ: ما دُمنا لا نراهُ، فهو أيضًا لا يرانا، لذا تتجرّؤونَ على نِسْيانِ حقِيقةِ أنّني سأطفئُكم في أيِّ لحظةٍ، ولولا هذِهِ القدرةُ على التّجاهلِ، لما اسْتَطعتُمْ العيْشَ لحظةً واحِدَة. ❝
ولكن ماذا نملك نحن الفانيون من الحياة، الفانية ايضاً، لا نملك شيئاً والله، فالموت يحاوطنا مهما طال الزمان، وأنا ارفض تماماً أن أقول عن الموت إنه نهاية المصير فقط، بل هو المصير بأكلمه، هو الطريق كله، الطريق كله موت، والحياة حائط باهت اللون على الضفاف، الموت هو النهر، والحياة شاطئ متقطع نأخد أنفاسنا قليلا عليه، عائدين إلى النهر في أقرب فرصة ممكنة.
❞ وفي الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ. لكنْ، هل يُعدُّ موتُ نبيلة أكبرَ أحزانِ سليمانَ حَقًّا؟ ❝
هكذا كانت رواية الأفق الأعلى، كالحياة تماماً، تحمل بين صفحاتها موتتنا الصغرى وهي الحب، وموتتنا الكبرى وهو عزرائيل. الرواي هو الموت، والبطل هو الحب، والضيوف هم البشر، والمكان هو الزمان ايضاً. والايام تتعاقب دون تمهل تاركة الحب يثأر قليلاً ويحضرنا لصديقه الوفي الموت الذي لن يتأخر.
وأختار الموت أن يروى لنا قصة سليمان، ذاك المسن الشاب، أصبح رجلاً في الثالثة عشر من عمره، وأصبح طفلا بعد الخمسين، وبعدما شعر بطفولته لمرة أخرى ومنشودة في حياته، ذكره الموت بأنه قادم لا محالة فلا تبتئس عما مضى. ولا تحلم بما هو آت، فأنا القادم والأخر، فأنا الحاضر والعتمة الابدية القادمة.
" لقدْ أرادوا لهُ أنْ يكونَ رجلًا وهو في الثّالثة عشرةَ، فأرادَ اليومَ، وهو في بدايةِ الخمسيناتِ مِنْ عُمْره، أنْ يكونَ طفلًا "
في بداية الأمر، لم أحب الرواية كثيراً، حتى حملتني بعذوبة سردها، وبمشاعرها البشرية الواضحة، المتخللة والمتداخلة بمشاعر الموت الخالدة، على لسان ملك الفناء، ومع تزامن الأحداث وتعاقبها، وتداخل الأبطال والشخصيات رغم صغر صفحات الرواية، أصبحت من أكبر وأكثر المعجبين بالرواية بلا شك.
رائعة فاطمة عبدالحميد، حتى وأنا متحفز للرواية لأجد فيها بعض الأخطاء لأبرر عدم حبي الأول ليها، لم أجد.
حتى وأنا أبحث كالكهل بين صفحاتها معترضاً ناقداً غير راضياً بأي شيء، لم أجد إلا القليل، سحقتني الرواية، وأهلكت قلبي بموتها، وجعلتني أقرب خطوة إلى الموت من الحياة.
❞ لكنْ مَهْما يُطُلْ وقتُكَ، ومهما تَطُلْ أغصانُكَ، ومهما يمتدّ ظلُّكَ… ها إنّي أقُول لكَ في لهجةٍ مليئةٍ بالاعتذارِ: ستجدُنِي يومًا مّا أنتظرُكَ أمامَ البابِ الخلفيِّ، لأعيدَكَ إلى باطن الأرضِ ❝
على مدار عشرة أيام قراءة منهم ثمانية أيام عمل في طرقات المستشفى مودع أكثر من 15 حالة، ويومين مرض، حملتني فاطمة عبد الحميد بقلمها برحلة إلى الموت أقرب مما أعيشه في الواقع، وهنا تكمن عبقريتها، وهنا تكمن الرواية، وهنا أدركت مدى جودة ما اقرأه حقاً.
❞ وكلّما أرهقتها الذّاكرةُ، اتّكأتْ على جذعِ شجرةٍ متينٍ، فلا تفكّرُ إلّا في جذورِها الّتي ترحلُ عميقًا في باطنِ الأرضِ، حيثُ يسكنُ حبيبُها… فهي أيضًا ستمدُّ جذورَها تحتَ التّرابِ، باحثةً عنْ سببٍ يبقيها على قيدِ الحياة. ❝
يتركنا الموت لذكريات تأكلنا أحياء، جميعنا نعرف دود باطن الارض الذي يجعلنا رفاتا، فماذا عن دود السطح الذي يتركنا خواءً؟ يتركنا فارغين منهكين مجوفين القلب. أهي الذكريات سلاح الموت الفاني في أرضنا؟ فالحزن مكروهاً بيننا عن الموت، والموت يهاجمنا ويباغتنا كلما اشتاق إلينا بالذكريات، يذكرنا إنه هنا.
❞ لا أستطيعُ إقناع الحزن، صاحبِ الموهبةِ الفطريّةِ في تمزيقِ القلوبِ، بأنّهُ مرفوضٌ أكثرَ منّي بين بني البشر. فقد أكونُ أنا مَطلوبًا في أوساطِ المنتحرينَ واليائسينَ، وأصحابِ الأمراضِ المزمنةِ، أمّا الحزنُ… فمَنْ ذا الّذي يتمنّاهُ أو يحتاجُ إليه؟ ❝
لا يحتاج الموت لنرى حادث أو ندخل طرقات المستشفيات ، يكفي أن يحمل ذاكرتك إلى الماضي قليلاً، أو بعيداً، تذهب لجد راحل، أو صديق فنى، أو شهيد مقتول، يكفي أن تذهب إلى التلفاز لترى أفلام لرجال أصبحوا رماداً وتراباً حتى عظامهم قد لا نعرفها الأن،
الموت والماضي صورتان ووجهان لعملة واحدة، كلاهما يتمم الأخر، الموت يملك سلاحه القوي وهي الذكرى، حتى تفنى الذكرى ونصبح نحن من الذكريات، فاللهم أرحمنا حين تحين ذكرانا.
"❞ - الآخرونَ يذْهبُونَ، ونحنُ نُعاني.
ثمّ ابتسمتْ بسكينةٍ:
- لا أعرفُ كيف مازلتُ أنجُو منْ كلِّ هذا يا جار؟ ❝"
ودعوني أعترف لكم بكل ما أحمل من شجن، أنا أكره الذكرى وأعشق النسيان، أنا لا أحب أن اذكر حتى لو كانوا أحبابي هم الراحلون، ليتني أنسى كل ما رحل، وتركت خلفي بقاع الآفلين والهالكين، وأصبحب عالقاً دائما مع الحاضرين، أنا أكره أن استذكر وليتني لا أذكر، فالفناء خير وسيلة للنسيان، فـ ليتنا ننفى ونحن لا نذكر شيئاً.
اترككم مع الأقتباس الأخير والأقرب لقلبي من الرواية، وإن كان أصبح واحد من أقرب الاقتباسات لقلبي في العموم:
{{ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ والأرضَ، سيعرِفُكم واحِدًا واحِدًا. حتّى أنا سأقفُ أمامَهُ، في صمْتٍ تأمُّليٍّ عمِيقٍ، فوقَ ربوةٍ لكَوْنٍ فَنِيَ كلُّ مَنْ عليْه. لكنّ الأبديّةَ لهُ ولكم، فأنتُم منْ روحِهِ، أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا، عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد، عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد. }}
تمت. 4 أغسطس - 2024
November 3, 2023
"نعم! أنا أسوأ مخاوفك، و أنا كاتم سر زيارتي المباغتة لك."
من بداية الرواية يرحب بك.. تحاول تخمين ماهيته لكنه يخبرك إنك لم تراه من قبل.. يهدئ من روعك فأنت تعرفه و إن لم يحن موعد لقائه بك بعد.. فهو مشغول عنك في مهماته العديدة يقبض روح أحدهم، و يعطي الآخر فرصة ثانية.. و لكنه سيلقاك في موعد حتمي الله وحده يعلمه.
يروي ملك الموت من الأفق الأعلى حياة عائلة سليمان. يراقبهم و يتربص بهم بعد أن قبض روح زوجة سليمان "نبيلة". يحكي عن سليمان و زوجته و أمه و ابنائه و جارته سمر. يحكي و يحكي ثم يتوقف لأداء أحد مهماته التي وكل بها، ثم يواصل السرد و معه تستمر حياة شخصيات الرواية.
موضوع الرواية جديد بالنسبة لي و خصوصا في المجتمعات العربية. فكرة زواج القصر و هنا القاصر كان "سليمان" بطل الرواية، و حرمانه من طفولته التي ظل يبحث عنها حتي سنواته الأخيرة. فجأة حرم سليمان من لعب الكرة و مخالطة الصبيان ليقضي الوقت مع عروسه التي تكبره بعقد من الزمن.
-" لا تلمهم .. هل يمكن لأحد أن ينتبه لشئ لم يكن موجودًا بالأساس؟"
"كانت ترمي بكلام ملغز كهذا ظنًا منها أن سليمان، و إن سمعه بوضوح، لن يفهمه، فهو لم يكن سوي طفل في حاجة دائمة إلي معونتها، و مهما كبر في عمره، سيظل في نظرها، ذلك الفتي ذي الثلاثة عشر عامًا، القادم من ماضٍ تجاهد كثيرًا كي لا تنظر إليه."
عاني سليمان من التهميش و اعتباره تابع و انتقاله من كنف أمه و تسلطها لزوجته التي واصلت معاملته كأم تلقنه و تعلمه الأصول و اللياقة و حسن التصرف.
لم تكتفِ زوجته برسم حياتها معه، بل حاولت رسم حياة أبنائها علي نفس الشاكلة و اختيار زوجاتهم.
الكاتبة ناقشت فكرة أن تكون الأم وصية علي ابناءها متسلطة تختار لهم، فترسم رجال بلا شخصية تُبّع..
فهل الزوجة القوية تلغي شخصية زوجها بتسيّرها أمور حياتهم؟ أم تجعل منه شخص اعتمادي؟
ظلت "نبيلة" تفكر في سليمان حتي لحظة لقائها بملك الموت و ترجته ليمنح سليمان إحدي عشر سنة بعد وفاتها، فهل طلبها بدافع أمومي أم هي أنانية ليموت في نفس عمرها وقت وفاتها؟ و هل تعوض إحدي عشر سنة سنوات طفولته و صباه؟
ظل سليمان يحلم بلعب الكرة حتي بعد بلوغه الخمسين. ظن أنه تحرر من زوجته بوفاتها. حاول ممارسة كل ما حرم منه و تعويض طفولته و مراهقته. فهل يمنحه ملك الموت الفرصة لتعويض ما فاته؟
طرحت الكاتبة مواضيع أخري مختلفة منها المشاكل الزوجية، الخيانة، العلاقات المتشابكة مع تنوع في الشخصيات و ثراء في التفاصيل.
الرواية عيبها إنها كئيبة و بها بعض التشتت و إن كانت طرحت موضوعات مفيدة و عبرت عن أحساس الأبطال و مشاعرهم بسلاسة بلغة رائعة جزلة.
March 15, 2025
قراءات القائمة الطويلة لبوكر ٢٠٢٣
❞ لقدْ أرادوا لهُ أنْ يكونَ رجلًا وهو في الثّالثة عشرةَ، فأرادَ اليومَ، وهو في بدايةِ الخمسيناتِ مِنْ عُمْره، أنْ يكونَ طفلًا ❝
هذه الجملة التي كانت في الفصل الأخير من الكتاب تلخص قصة سليمان كلها في سطرين...
الرحلة هذه المرة الى السعودية ويعرض الكتاب هذه المرة المرة لمشكلة زواج الأطفال، دايما الواحد بيسمع عن مشكلة تزويج البنات في سن الطفولة، لكن القصة دي عن العكس، طفل صغير لا يعرف عن الحياة شيئا بعد، ولا يعرف حب غير حب لعب الكرة مع أقرانه، ولكن أمه تقرر تزويجه من امرأه شابة في العشرينيات من عمره، وبدون أي مقدمات يجد سليمان نفسه انسحب عنوة من عالم الطفولة ليجبر على دخول عالم الرجال بدون أي إعداد أو تأهيل، يضطر سليمان يتيم الأب لخوض هذا العالم بدون مرشد يعوضه عن افتقاد الخبرة والتجربة، ليظل عالقا في مرحلة الطفولة لمدة تقرب من ٤٠ سنه أنجب خلالها ٣ من الأولاد، نتقابل مع سليمان وهو في بداية الخمسينيات وأولاده قد كبروا وتزوجوا بدورهم وأنجبوا له أحفادا، وهو لا يزال طفلا مع وقف التنفيذ...
تبدأ القصة بوفاة الزوجة، وليبدأ سليمان مرحلة جديدة من حياته، أو بالأصح ليستكمل ما فاته من مرحلة المراهقة التي تزوج وهو على أعتابها، فأول ما حدث له هو بعد وفاة زوجته هو قالب الوقوع في قصة حب وغرام مع بنت الجيران، ولكن بما أنه رجل خمسيني، فكان تكون بنت الجيران هي امرأه اربعينية تسكن في العمارة المقابلة والتي لايفصل بين شبابي مطابخ الشقتين سوى مسافة امتار قليلة سمحت بتقارب القلوب ولكن بدون التقاء، فهو طفل في جسد رجل، وهي متزوجة ولكنه زواج عاطل بدون حب والزوج غير موجود تاركا فراغ ملأته الززجة بمغامرة مع شاب صيدلي لتخرج منها بدخول سليمان لحياتها...
تتوالى الأحداث ليشرب سليمان من كأس الخيانة بافتضاح علاقة سمر بالصيدلي، وينتهي أي أمل في حبه الأول بعودة الزوج الى المشهد مقررا تمسكه بسمر بعد سنوات الهجر.
تنتهي حياة سليمان في لقطة درامية معبرة عن حياته التي ضاعت منه عندما سحبته أمه من أذنه خارج ملعب الكرة وهو في الثالثة عشر، وعندما قرر أن يعود ليبدأ حياته من جديد من نفس اللحظة بإحياء حبه لكرة القدم، يأتي الموت ليسحبه من داخل الملعب، فكأنما هو إعلان بأن حياته انتهت وهو في الثالثة عشر، وماكان طوال الأربعين عام الماضيه هو وقت ضائع لم يحتسب....
راوي القصة هو الموت نفسه الذي اتخذ موقع الشاهد على الحياة، مذكرا الجميع بأنه معنا وفي انتظارنا من الميلاد وحتى لحظة لقاءه وفراق الأحبة، هو معنا وبجانبنا طول الوقت، فالإنسان لا يفر من الموت ولا ينجو من الموت بأعجوبة ولا يكتب له عمر جديد عندما ينجو من حادث، ولكنه فقط لم يكن وقت اللقاء.
اتوقع وصولها للقائمة القصيرة
MiM
❞ لقدْ أرادوا لهُ أنْ يكونَ رجلًا وهو في الثّالثة عشرةَ، فأرادَ اليومَ، وهو في بدايةِ الخمسيناتِ مِنْ عُمْره، أنْ يكونَ طفلًا ❝
هذه الجملة التي كانت في الفصل الأخير من الكتاب تلخص قصة سليمان كلها في سطرين...
الرحلة هذه المرة الى السعودية ويعرض الكتاب هذه المرة المرة لمشكلة زواج الأطفال، دايما الواحد بيسمع عن مشكلة تزويج البنات في سن الطفولة، لكن القصة دي عن العكس، طفل صغير لا يعرف عن الحياة شيئا بعد، ولا يعرف حب غير حب لعب الكرة مع أقرانه، ولكن أمه تقرر تزويجه من امرأه شابة في العشرينيات من عمره، وبدون أي مقدمات يجد سليمان نفسه انسحب عنوة من عالم الطفولة ليجبر على دخول عالم الرجال بدون أي إعداد أو تأهيل، يضطر سليمان يتيم الأب لخوض هذا العالم بدون مرشد يعوضه عن افتقاد الخبرة والتجربة، ليظل عالقا في مرحلة الطفولة لمدة تقرب من ٤٠ سنه أنجب خلالها ٣ من الأولاد، نتقابل مع سليمان وهو في بداية الخمسينيات وأولاده قد كبروا وتزوجوا بدورهم وأنجبوا له أحفادا، وهو لا يزال طفلا مع وقف التنفيذ...
تبدأ القصة بوفاة الزوجة، وليبدأ سليمان مرحلة جديدة من حياته، أو بالأصح ليستكمل ما فاته من مرحلة المراهقة التي تزوج وهو على أعتابها، فأول ما حدث له هو بعد وفاة زوجته هو قالب الوقوع في قصة حب وغرام مع بنت الجيران، ولكن بما أنه رجل خمسيني، فكان تكون بنت الجيران هي امرأه اربعينية تسكن في العمارة المقابلة والتي لايفصل بين شبابي مطابخ الشقتين سوى مسافة امتار قليلة سمحت بتقارب القلوب ولكن بدون التقاء، فهو طفل في جسد رجل، وهي متزوجة ولكنه زواج عاطل بدون حب والزوج غير موجود تاركا فراغ ملأته الززجة بمغامرة مع شاب صيدلي لتخرج منها بدخول سليمان لحياتها...
تتوالى الأحداث ليشرب سليمان من كأس الخيانة بافتضاح علاقة سمر بالصيدلي، وينتهي أي أمل في حبه الأول بعودة الزوج الى المشهد مقررا تمسكه بسمر بعد سنوات الهجر.
تنتهي حياة سليمان في لقطة درامية معبرة عن حياته التي ضاعت منه عندما سحبته أمه من أذنه خارج ملعب الكرة وهو في الثالثة عشر، وعندما قرر أن يعود ليبدأ حياته من جديد من نفس اللحظة بإحياء حبه لكرة القدم، يأتي الموت ليسحبه من داخل الملعب، فكأنما هو إعلان بأن حياته انتهت وهو في الثالثة عشر، وماكان طوال الأربعين عام الماضيه هو وقت ضائع لم يحتسب....
راوي القصة هو الموت نفسه الذي اتخذ موقع الشاهد على الحياة، مذكرا الجميع بأنه معنا وفي انتظارنا من الميلاد وحتى لحظة لقاءه وفراق الأحبة، هو معنا وبجانبنا طول الوقت، فالإنسان لا يفر من الموت ولا ينجو من الموت بأعجوبة ولا يكتب له عمر جديد عندما ينجو من حادث، ولكنه فقط لم يكن وقت اللقاء.
اتوقع وصولها للقائمة القصيرة
MiM
February 21, 2025
فقدت القدرة على كتابة المراجعات منذ فترة لذا سأضيف بعض الاقتباسات وكلمة صغيرة .
الرواية كما رواية سارقة الكتب جاءت على لسان الموت .. اسلوب الرواية رائع .. الصفحات الأخيرة خاصة وحديث الموت فيها كان مميز واقتباساتي منه والنجمة الرابعة ايضا بسببه .
فكلُّ خطوةٍ تخطُوها، ستكونُ دائمًا باتّجاهي مَهْما بالغتَ في الحذرِ أو الخوفِ، لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلك فكلانا على الطريق نفسه وإن كنا في اتجاهين متعاكسين ... كلانا ماض إلى الوجهة ذاتها ، ولا مفر من لقاء سيجمعنا ذات يوم ."
______
" وانت واقف بين جدران مقبرة ، عليك ألا تسأل عن جدوى الحياة بينما ترى الدود يرثُ كل من احببت ."
________
"طقس العزاء هذا بٌرمتِه غباء ! أشعر بأن كل هؤلاء الناس جراد يتغذى على وقتنا وحٌزننا ! لم لا أحزن وحدي ، ثم أتلقى التعازي حين ألتقيهم صدفة..هؤلاء الناس الذين قد لا ألتقيهم مرة أخرى في حياتي ؟
_________
" اذا انتهت بك الحال واقفاً على تراب مقبرة ، فلا تهلع ، فالدفن فعل طبيعي يرافق حتى الأحياء منكم . استبطن نفسك مثلاً ! ... أخبرني الآن، كم قبراً وجدت في داخلك ، وكم اسراراً دفنت ؟
______
نعم عزيزى الموت كم من مدافن توجد بداخلنا، وكم من أشياء ماتت بداخلنا وقمنا بدفنها والحداد عليها بمفردنا دون ان يعلم بها أحد.
وكم من غالي فقدناه في الحياة ووقفنا أمام مقبرته لا نصدق انه لم يعد بيننا .
وكم من شخص تمنى الموت لنفسه فأصبحت انت امنيته الوحيدة في الحياة !!
يالها من مفارقة غريبة أن يصبح الموت هو الأمنية الوحيدة في الحياة . الأمنية التي لا تستطيع الاجتهاد والمثابرة للحصول عليها ولا نملك سوى انتظارها .
١٤ / ١٠ / ٢٠٢٤
الرواية كما رواية سارقة الكتب جاءت على لسان الموت .. اسلوب الرواية رائع .. الصفحات الأخيرة خاصة وحديث الموت فيها كان مميز واقتباساتي منه والنجمة الرابعة ايضا بسببه .
فكلُّ خطوةٍ تخطُوها، ستكونُ دائمًا باتّجاهي مَهْما بالغتَ في الحذرِ أو الخوفِ، لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلك فكلانا على الطريق نفسه وإن كنا في اتجاهين متعاكسين ... كلانا ماض إلى الوجهة ذاتها ، ولا مفر من لقاء سيجمعنا ذات يوم ."
______
" وانت واقف بين جدران مقبرة ، عليك ألا تسأل عن جدوى الحياة بينما ترى الدود يرثُ كل من احببت ."
________
"طقس العزاء هذا بٌرمتِه غباء ! أشعر بأن كل هؤلاء الناس جراد يتغذى على وقتنا وحٌزننا ! لم لا أحزن وحدي ، ثم أتلقى التعازي حين ألتقيهم صدفة..هؤلاء الناس الذين قد لا ألتقيهم مرة أخرى في حياتي ؟
_________
" اذا انتهت بك الحال واقفاً على تراب مقبرة ، فلا تهلع ، فالدفن فعل طبيعي يرافق حتى الأحياء منكم . استبطن نفسك مثلاً ! ... أخبرني الآن، كم قبراً وجدت في داخلك ، وكم اسراراً دفنت ؟
______
نعم عزيزى الموت كم من مدافن توجد بداخلنا، وكم من أشياء ماتت بداخلنا وقمنا بدفنها والحداد عليها بمفردنا دون ان يعلم بها أحد.
وكم من غالي فقدناه في الحياة ووقفنا أمام مقبرته لا نصدق انه لم يعد بيننا .
وكم من شخص تمنى الموت لنفسه فأصبحت انت امنيته الوحيدة في الحياة !!
يالها من مفارقة غريبة أن يصبح الموت هو الأمنية الوحيدة في الحياة . الأمنية التي لا تستطيع الاجتهاد والمثابرة للحصول عليها ولا نملك سوى انتظارها .
١٤ / ١٠ / ٢٠٢٤
January 28, 2024
وأنت واقف بين جدران مقبرة، عليك ألا تسأل عن جدوي الحياة، بينما تري الدود يرث كل من أحببت.
January 7, 2025
قراءات عام 2023
❞ لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلكَ، فكلانَا على الطّريقِ نفسه، وإنْ كنّا في اتّجاهيْن مُتعاكسين، كلانا ماضٍ إلى الوجهةِ ذاتها، ولا مفرَّ منْ لقاءٍ سيجمعُنا ذات يوم. ❝
ينظر إليكَ من علٍ، من مكانٍ بعيد، من رُكنٍ قصيّ سحيق، ينظر إليك من بعيد وهو الأقرب إليك من طرفة عينك، يراقبك ويتابع كافة خطواتك، يعدّ أنفاسك وحركاتك وسَكناتك، ينظر في دفتر مهامه اليوم ليرى هل روْحك من ضمنها أم أنها مؤجلة لحين إشعار آخر، والحقيقة أن هذا الإشعار لا يفصل بينك وبينه سوى لحظات، مهما طالت وامتدت إلى أيام أو شهور أو سنوات، تظل في النهاية لحظات، يسخر منك ومن لهاثك من أجل دنيا ما هي إلا ساعةً من نهار، ومن هروبك منه بينما كل خطوة تخطوها في حياتك هي ناحيته وفي اتجاهه.
❞ وكُلُّ ما عليكَ أنْ تُدركه هو أنّني اللّمْسَةُ الأخِيرةُ، اللّمسة التي تمرّ على ألمِكَ المزمِنِ، بعْدَ صِراعٍ طويلٍ مع المرضِ، فتَجْعَلك تسأل نفسَكَ: أين ذهبَ فجأةً كلُّ ذاك الوجع؟ إنّني مصْدرُ غَريزةِ الخوفِ بداخِلِك مُذْ كنتَ جنينًا، وأؤكّدُ لكَ أنّ تناسي وجودي حل لن ينقذك ❝
نقرأ كثيراً كتابات الإنسان عن الموت، نرى كيف يروي ابن آدم عن الموت، كيف يحكي البشر نظرتهم للموت وآرائهم في الموت، قصص عن الموت، حكايات عن مواجهة الموت، وقائع عن آلام الموت على الأحياء الباقين يتجرعون مرارة موت أحبائهم ووخز الفراق، نسمع ونعيش فجائع فقدان الموت، ولكن هل جربتم من قبل معرفة كيف يكون الموت هو الراوي؟ هو صاحب القصة والحكاية وراويها وحاكيها؟ تُرى كيف يرى الموت الإنسان؟ لا كيف يرى الإنسان الموت.
❞ لا توجد في الموت أيُّ مصادفةٍ، هكذا هو الأمرُ، فما يأتي إليكَ، يأتي إليكَ باسمِكَ شخصيًّا، لكنَّ النّاسَ يأبَوْنَ التّصْديقَ، إذْ يرفُضُ الجميعُ هذا النّوعَ مِنَ الألمِ، ألمِ وضْعِ النّقطةِ الدّاكنةِ في نهايةِ السّطرِ الأخيرِ منْ حياةِ أحدِهم، ويصعُبُ عليهم ❝
لا أعلم ماذا أكتب عن هذا العمل، أكثر رواية توقفت أمامها عاجزة عن كتابة أي شئ، كان موضوعها بالنسبة لي شخصياً قاتلاً للحروف، وائِداً للكلمات، خانقاً للتعبيرات، اختبَرت بكل شكل كيف أن الموت أقرب مما يتصور أي شخص، اختطف الموت بكافة أشكاله أحبائي وأقرب الناس لقلبي، جلّ ما أخشاه طوال حياتي هو موت مَن أحبهم، وأكثر ما مررت به هو موت أكثر وأغلى مَن أحبهم بالفعل! أعلم كيف يكون الرحيل المفاجئ الصادم المُفجِع في ثوان دون أي تمهيد.
❞ وفي الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ ❝
يكون رحيلاً أكبر وأقوى من استيعاب العقل البشري، رحيل ليس له تفسير سوى أن الله تعالى اختار نهاية أجَل في هذه الساعة بالضبط وبتلك الطريقة بالضبط وله في ذلك حكمة، ولكن من رحمته سبحانه أنه لا يعطي علمها لأحد، في العام الماضي عرِفتُ كيف أن الموت يكاد يكون ملتصقاً بنا من شدة قربه، وربما سيأتي في أكثر وقت لا نتخيله ويقبض روح أهم وأغلى شخص في حياتنا، وواجهتُ أنا نفسي وأواجه كشخص الموت مرات عدّة ولأسباب وبطرق مختلفة، وأعلم تمام العلم كيف أن "يعود الإنسان من الموت"، وكيف أنه في لحظةٍ ما يُضحي كل شئ لا يزن مثقال ذرة، ويصبح البرزخ هو الحقيقة الوحيدة القادمة.
❞ فقدْ مرّتْ عليّ أوقاتٌ، تمنّيتُ فيها لو كُنْتُ قادِرًا على إعادَةِ مَيِّتٍ إلى أهْلِهِ، والتّراُجعِ عنِ الطّريقِ الوعْرِ الّذي بدَأْتُه. فبعضُهم يمحُو الحياةَ بعْدَهُ، ويترُكُ خلفَهُ ناسَهُ وقدِ انشغَلُوا بهِ كثيرًا، وأفرغُوا حياتَهم مِنْ كلِّ شَيْءٍ عَداه ❝
يحكي لنا ملك الموت من أفقه الأعلى عن "سليمان"، طفل شغوف بكرة القدم واللعب مع الأطفال ويهوى بناء البيوت بأعواد الكبريت، تزوجه والدته قسراً وهو بعمر الثالثة عشر من قريبتها التي تكبره بإحدى عشرة عاماً إرضاء لرغبة جنونية بداخلها في الحصول على حفيد بأسرع ما يمكن، كانت تأخذه أمه عنوة من مباريات الكرة مع أطفال الحي وتجبره على العودة إلى البيت لزوجته صارخةً فيه: افعل ما يفعله الرجال! يبكي الصغير وهو لا يدري كيف يكون رجلاً ولماذا يعيش حياة الرجال ولا يعيش طفولته البِكر، لماذا تُفرض عليه نسخة منه ليست هو، وينتظر منه الجم��ع ما ليس بإمكانه؟!
❞ لقد أصْبَحتَ رجُلًا، والرّجُلُ يصْنَعُ بيوتًا حقيقِيّةً، لا بيوتًا مِنْ أعْوادِ الكبريت. ❝
يظل سليمان هكذا يتأرجح بين طفولة لم يعشها ورجولة يجبره قدره أن يكونها، ثم ترجح كفة الحياة المجبور عليها، يعيش فيما بعد كزوج وينجب مع الوقت أولاداً، ينجب أولاداً ليكون زوجاً وأباً، وإبناً وطفلاً لزوجته مع أبنائه في نفس الوقت، لم تستطع رؤيته إلا هكذا ولم يستطع هو الاستقلال عن سلطتها فكيف وهي من علمته كل شئ منذ تزوجها طفلاً وظل تحت رعايتها؟
❞ ليسَ ثمّةَ شيءٌ على الأرضِ، يمكنُ أنْ يُقالَ عنْهُ إنّهُ مِلكٌ خالِصٌ للسّيّدةِ نبيلة، سِوى زوجِها وأولادِها الثّلاثةِ، ولكنْ، لو أُتيحَ لها أنْ تُطلَّ لحظةً مِنْ عَليائِها، لأضَافتْ إليْهِ يوْمَ جنازتِها المهِيب. ❝
تشمله سيطرة أمه وزوجته ثم سيطرة ورعاية زوجته بعد رحيل أمه، ثم وعلى حين غُرة تموت الزوجة وهو بعمر الخمسين بعد أن استقل أبنائه بحيواتهم، جاء دورها عند ملك الموت، كُتب اسمها على لوح المقبوضين في هذه الساعة، ويبقى سليمان وحده ليواجه الحياة لأول مرة وتبدأ أحداث الرواية الحقيقية، رجلاً كهلاً في خارجه.. طفلاً ضائعاً في داخله، ومن هنا تبدأ رحلة أخرى وقصة حب مصادفة لا تعلم ماذا ينتظرها من مصير، وجد سليمان الحب مت��خراً كرجل ناضج ولكنه لا زال يريد أن يبني بيوتاً من أعواد الكبريت، ويلعب كرة القدم!
❞ لقدِ اسْتَحْوذَتْ على كلِّ أحاسيسِهِ، إلى دَرجةٍ جعَلتْهُ عاجزًا عن صرف نظره إلى سواها! وتملّكَهُ يقينٌ من أنَّ ما يشعر به هو الحبّ.. هذا الّذي ينمُو بسُرعةٍ، كما تنمُو بَذْرةٌ في فيلمٍ وثائقيٍّ مُسرّعٍ، لتُصْبِحَ نبْتةً في ثوانٍ ❝
❞ كان يشعر بالغربة كلّما عاد إلى وَطنِه، فيعجّل بالرّجوع إليها ❝
يا الله! لم أقرأ شيئاً من قبل مثل هذا وبفكرة مثل هذه! أن يكون ملك الموت هو الراوي وبهذا التمكّن وهذه الحوارات والتأملات؟ يا له من جنون مُربِك أستاذة فاطمة ولكنه جنون في موضعه، كيف تمكنتِ من مزج هذه الخلطة؟ الفكرة الجبارة مع اللغة الفاخرة مع الأسلوب الرائع مع السرد الفريد للرواية رغم تشعّب وتشابك خيوطها وانفراط عقدها أحياناً قبل العودة لتجمعه مرة أخرى؟ وما هذه الاقتباسات بالله عليكِ ما هذا الجمال؟!
❞ أمّا أنتَ، فإذا انتهتْ بكَ الحالُ واقفًا على ترابِ مقبرةٍ، فلا تهلع! فالدّفنُ فعلٌ طبيعيٌّ يرافقُ حتّى الأحياءَ مِنكم استبطنْ نفْسَكَ مثَلًا! أخبرني الآن، كمْ قبرًا وجدتَ في داخِلكَ، وكمْ أسرارًا دفنتَ؟ إنَّ صخبًا كثيرًا يمورُ في مقابرِكَ السّرّيّةِ، بلا ريب ❝
❞ كانَ على الأبِ وابنه البِكرِ الخوضُ في نقاشاتٍ لا تهُمُّهما، لا لشيءٍ إلّا لحمايةِ عُزلَةِ الألمِ في غُرفٍ مُظلمةٍ داخل رُوحَيْهما، في مكانٍ سحيق لا تصلُ إليهِ الدُّمُوع ❝
بمرور الوقت واتضاح المزيد عن ذائقتي القرائية أتأكد كم أحب روايات الصراع النفسي الإنساني للبطل والنظرة الفردية في الأدب، وهنا تحقق ذلك بأكثر من شكل وبطريقة مبتكرة، بل تحقق مع الراوي ملك الموت أيضاً، هل تعلم معنى أن تغوص الكاتبة في شخصية مَهيبة مثل هذه بواقعية وإبداع؟ أحببت سليمان وحزنت عليه وبكيت من أجله، وتملكتني الرهبة من ملك الموت ورواياته طوال القراءة، في رأيي هذا عمل كان يستحق الفوز بالبوكر، عمل أدبي متكامل لا أرى أي نقص فيه، عمل خلاب أسرني لأيام قليلة وجعلني أتوقف مراراً أمام الكثير من الجُمل والفقرات وأعيد قراءتها وأنا أتساءل: لماذا ليس كل كُتّاب الأدب العربي المعاصر بهذا الثراء؟
الخاتمة بواحد من أجمل اقتباسات الرواية ومن أروع الاقتباسات التي قرأتها في حياتي:
❞ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ والأرضَ، سيعرِفُكم واحِدًا واحِدًا. حتّى أنا سأقفُ أمامَهُ، في صمْتٍ تأمُّليٍّ عمِيقٍ، فوقَ ربوةٍ لكَوْنٍ فَنِيَ كلُّ مَنْ عليْه. لكنّ الأبديّةَ لهُ ولكم، فأنتُم منْ روحِهِ، أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا، عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد، عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد. ❝
تمت - 16 مايو 2023
❞ لذلك عليكَ أنْ تتعجّل في سيرٍ يشبهُ القفزَ، عليكَ أن تضعَ حبكةً مثيرةً لقصّتك، حتّى إن لمْ تكنْ مُتقنةً، فلا وقتَ أمامَك للإعادةِ، وتصحيحِ الأخطاءِ، مهْمَا تبجّحتَ بخلافِ ذلكَ، فكلانَا على الطّريقِ نفسه، وإنْ كنّا في اتّجاهيْن مُتعاكسين، كلانا ماضٍ إلى الوجهةِ ذاتها، ولا مفرَّ منْ لقاءٍ سيجمعُنا ذات يوم. ❝
ينظر إليكَ من علٍ، من مكانٍ بعيد، من رُكنٍ قصيّ سحيق، ينظر إليك من بعيد وهو الأقرب إليك من طرفة عينك، يراقبك ويتابع كافة خطواتك، يعدّ أنفاسك وحركاتك وسَكناتك، ينظر في دفتر مهامه اليوم ليرى هل روْحك من ضمنها أم أنها مؤجلة لحين إشعار آخر، والحقيقة أن هذا الإشعار لا يفصل بينك وبينه سوى لحظات، مهما طالت وامتدت إلى أيام أو شهور أو سنوات، تظل في النهاية لحظات، يسخر منك ومن لهاثك من أجل دنيا ما هي إلا ساعةً من نهار، ومن هروبك منه بينما كل خطوة تخطوها في حياتك هي ناحيته وفي اتجاهه.
❞ وكُلُّ ما عليكَ أنْ تُدركه هو أنّني اللّمْسَةُ الأخِيرةُ، اللّمسة التي تمرّ على ألمِكَ المزمِنِ، بعْدَ صِراعٍ طويلٍ مع المرضِ، فتَجْعَلك تسأل نفسَكَ: أين ذهبَ فجأةً كلُّ ذاك الوجع؟ إنّني مصْدرُ غَريزةِ الخوفِ بداخِلِك مُذْ كنتَ جنينًا، وأؤكّدُ لكَ أنّ تناسي وجودي حل لن ينقذك ❝
نقرأ كثيراً كتابات الإنسان عن الموت، نرى كيف يروي ابن آدم عن الموت، كيف يحكي البشر نظرتهم للموت وآرائهم في الموت، قصص عن الموت، حكايات عن مواجهة الموت، وقائع عن آلام الموت على الأحياء الباقين يتجرعون مرارة موت أحبائهم ووخز الفراق، نسمع ونعيش فجائع فقدان الموت، ولكن هل جربتم من قبل معرفة كيف يكون الموت هو الراوي؟ هو صاحب القصة والحكاية وراويها وحاكيها؟ تُرى كيف يرى الموت الإنسان؟ لا كيف يرى الإنسان الموت.
❞ لا توجد في الموت أيُّ مصادفةٍ، هكذا هو الأمرُ، فما يأتي إليكَ، يأتي إليكَ باسمِكَ شخصيًّا، لكنَّ النّاسَ يأبَوْنَ التّصْديقَ، إذْ يرفُضُ الجميعُ هذا النّوعَ مِنَ الألمِ، ألمِ وضْعِ النّقطةِ الدّاكنةِ في نهايةِ السّطرِ الأخيرِ منْ حياةِ أحدِهم، ويصعُبُ عليهم ❝
لا أعلم ماذا أكتب عن هذا العمل، أكثر رواية توقفت أمامها عاجزة عن كتابة أي شئ، كان موضوعها بالنسبة لي شخصياً قاتلاً للحروف، وائِداً للكلمات، خانقاً للتعبيرات، اختبَرت بكل شكل كيف أن الموت أقرب مما يتصور أي شخص، اختطف الموت بكافة أشكاله أحبائي وأقرب الناس لقلبي، جلّ ما أخشاه طوال حياتي هو موت مَن أحبهم، وأكثر ما مررت به هو موت أكثر وأغلى مَن أحبهم بالفعل! أعلم كيف يكون الرحيل المفاجئ الصادم المُفجِع في ثوان دون أي تمهيد.
❞ وفي الحقِيقَةِ، يُقدِّمُ الموْتُ للمَرءِ خِدْمةً جَليلةً، تُحسَبُ لصالحي في هذِهِ الحالةِ، إذْ يُحرّرهُ مِنْ أكبرِ آلامِهِ، بدفْنِ أقربِ النّاسِ إلى قلبهِ، ليصْبِحَ بعدَ ذلكَ قادرًا على مواجهةِ أيِّ حزنٍ يخبّئُهُ لهُ القدرُ، لأنّ الحزنَ الأكبرَ صارَ خلفَهُ ❝
يكون رحيلاً أكبر وأقوى من استيعاب العقل البشري، رحيل ليس له تفسير سوى أن الله تعالى اختار نهاية أجَل في هذه الساعة بالضبط وبتلك الطريقة بالضبط وله في ذلك حكمة، ولكن من رحمته سبحانه أنه لا يعطي علمها لأحد، في العام الماضي عرِفتُ كيف أن الموت يكاد يكون ملتصقاً بنا من شدة قربه، وربما سيأتي في أكثر وقت لا نتخيله ويقبض روح أهم وأغلى شخص في حياتنا، وواجهتُ أنا نفسي وأواجه كشخص الموت مرات عدّة ولأسباب وبطرق مختلفة، وأعلم تمام العلم كيف أن "يعود الإنسان من الموت"، وكيف أنه في لحظةٍ ما يُضحي كل شئ لا يزن مثقال ذرة، ويصبح البرزخ هو الحقيقة الوحيدة القادمة.
❞ فقدْ مرّتْ عليّ أوقاتٌ، تمنّيتُ فيها لو كُنْتُ قادِرًا على إعادَةِ مَيِّتٍ إلى أهْلِهِ، والتّراُجعِ عنِ الطّريقِ الوعْرِ الّذي بدَأْتُه. فبعضُهم يمحُو الحياةَ بعْدَهُ، ويترُكُ خلفَهُ ناسَهُ وقدِ انشغَلُوا بهِ كثيرًا، وأفرغُوا حياتَهم مِنْ كلِّ شَيْءٍ عَداه ❝
يحكي لنا ملك الموت من أفقه الأعلى عن "سليمان"، طفل شغوف بكرة القدم واللعب مع الأطفال ويهوى بناء البيوت بأعواد الكبريت، تزوجه والدته قسراً وهو بعمر الثالثة عشر من قريبتها التي تكبره بإحدى عشرة عاماً إرضاء لرغبة جنونية بداخلها في الحصول على حفيد بأسرع ما يمكن، كانت تأخذه أمه عنوة من مباريات الكرة مع أطفال الحي وتجبره على العودة إلى البيت لزوجته صارخةً فيه: افعل ما يفعله الرجال! يبكي الصغير وهو لا يدري كيف يكون رجلاً ولماذا يعيش حياة الرجال ولا يعيش طفولته البِكر، لماذا تُفرض عليه نسخة منه ليست هو، وينتظر منه الجم��ع ما ليس بإمكانه؟!
❞ لقد أصْبَحتَ رجُلًا، والرّجُلُ يصْنَعُ بيوتًا حقيقِيّةً، لا بيوتًا مِنْ أعْوادِ الكبريت. ❝
يظل سليمان هكذا يتأرجح بين طفولة لم يعشها ورجولة يجبره قدره أن يكونها، ثم ترجح كفة الحياة المجبور عليها، يعيش فيما بعد كزوج وينجب مع الوقت أولاداً، ينجب أولاداً ليكون زوجاً وأباً، وإبناً وطفلاً لزوجته مع أبنائه في نفس الوقت، لم تستطع رؤيته إلا هكذا ولم يستطع هو الاستقلال عن سلطتها فكيف وهي من علمته كل شئ منذ تزوجها طفلاً وظل تحت رعايتها؟
❞ ليسَ ثمّةَ شيءٌ على الأرضِ، يمكنُ أنْ يُقالَ عنْهُ إنّهُ مِلكٌ خالِصٌ للسّيّدةِ نبيلة، سِوى زوجِها وأولادِها الثّلاثةِ، ولكنْ، لو أُتيحَ لها أنْ تُطلَّ لحظةً مِنْ عَليائِها، لأضَافتْ إليْهِ يوْمَ جنازتِها المهِيب. ❝
تشمله سيطرة أمه وزوجته ثم سيطرة ورعاية زوجته بعد رحيل أمه، ثم وعلى حين غُرة تموت الزوجة وهو بعمر الخمسين بعد أن استقل أبنائه بحيواتهم، جاء دورها عند ملك الموت، كُتب اسمها على لوح المقبوضين في هذه الساعة، ويبقى سليمان وحده ليواجه الحياة لأول مرة وتبدأ أحداث الرواية الحقيقية، رجلاً كهلاً في خارجه.. طفلاً ضائعاً في داخله، ومن هنا تبدأ رحلة أخرى وقصة حب مصادفة لا تعلم ماذا ينتظرها من مصير، وجد سليمان الحب مت��خراً كرجل ناضج ولكنه لا زال يريد أن يبني بيوتاً من أعواد الكبريت، ويلعب كرة القدم!
❞ لقدِ اسْتَحْوذَتْ على كلِّ أحاسيسِهِ، إلى دَرجةٍ جعَلتْهُ عاجزًا عن صرف نظره إلى سواها! وتملّكَهُ يقينٌ من أنَّ ما يشعر به هو الحبّ.. هذا الّذي ينمُو بسُرعةٍ، كما تنمُو بَذْرةٌ في فيلمٍ وثائقيٍّ مُسرّعٍ، لتُصْبِحَ نبْتةً في ثوانٍ ❝
❞ كان يشعر بالغربة كلّما عاد إلى وَطنِه، فيعجّل بالرّجوع إليها ❝
يا الله! لم أقرأ شيئاً من قبل مثل هذا وبفكرة مثل هذه! أن يكون ملك الموت هو الراوي وبهذا التمكّن وهذه الحوارات والتأملات؟ يا له من جنون مُربِك أستاذة فاطمة ولكنه جنون في موضعه، كيف تمكنتِ من مزج هذه الخلطة؟ الفكرة الجبارة مع اللغة الفاخرة مع الأسلوب الرائع مع السرد الفريد للرواية رغم تشعّب وتشابك خيوطها وانفراط عقدها أحياناً قبل العودة لتجمعه مرة أخرى؟ وما هذه الاقتباسات بالله عليكِ ما هذا الجمال؟!
❞ أمّا أنتَ، فإذا انتهتْ بكَ الحالُ واقفًا على ترابِ مقبرةٍ، فلا تهلع! فالدّفنُ فعلٌ طبيعيٌّ يرافقُ حتّى الأحياءَ مِنكم استبطنْ نفْسَكَ مثَلًا! أخبرني الآن، كمْ قبرًا وجدتَ في داخِلكَ، وكمْ أسرارًا دفنتَ؟ إنَّ صخبًا كثيرًا يمورُ في مقابرِكَ السّرّيّةِ، بلا ريب ❝
❞ كانَ على الأبِ وابنه البِكرِ الخوضُ في نقاشاتٍ لا تهُمُّهما، لا لشيءٍ إلّا لحمايةِ عُزلَةِ الألمِ في غُرفٍ مُظلمةٍ داخل رُوحَيْهما، في مكانٍ سحيق لا تصلُ إليهِ الدُّمُوع ❝
بمرور الوقت واتضاح المزيد عن ذائقتي القرائية أتأكد كم أحب روايات الصراع النفسي الإنساني للبطل والنظرة الفردية في الأدب، وهنا تحقق ذلك بأكثر من شكل وبطريقة مبتكرة، بل تحقق مع الراوي ملك الموت أيضاً، هل تعلم معنى أن تغوص الكاتبة في شخصية مَهيبة مثل هذه بواقعية وإبداع؟ أحببت سليمان وحزنت عليه وبكيت من أجله، وتملكتني الرهبة من ملك الموت ورواياته طوال القراءة، في رأيي هذا عمل كان يستحق الفوز بالبوكر، عمل أدبي متكامل لا أرى أي نقص فيه، عمل خلاب أسرني لأيام قليلة وجعلني أتوقف مراراً أمام الكثير من الجُمل والفقرات وأعيد قراءتها وأنا أتساءل: لماذا ليس كل كُتّاب الأدب العربي المعاصر بهذا الثراء؟
الخاتمة بواحد من أجمل اقتباسات الرواية ومن أروع الاقتباسات التي قرأتها في حياتي:
❞ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ والأرضَ، سيعرِفُكم واحِدًا واحِدًا. حتّى أنا سأقفُ أمامَهُ، في صمْتٍ تأمُّليٍّ عمِيقٍ، فوقَ ربوةٍ لكَوْنٍ فَنِيَ كلُّ مَنْ عليْه. لكنّ الأبديّةَ لهُ ولكم، فأنتُم منْ روحِهِ، أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا، عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد، عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد. ❝
تمت - 16 مايو 2023
May 7, 2024
هذه الرواية مرعبة بالمعنى الحرفي لكلمة مرعبة فعلا؛ لكنها أيضا بديعة بشكل خاص ولا تنسى بسهولة خصوصا حوارات السارد الفلسفية(ملاك الموت هو الراوي العليم هنا)! زواج الذكور القصر يحدث رغم ندرته حقًا! هذه فكرة تسترعي الانتباه حقا والكتابة عنها. برافووو
July 20, 2022
عمل فاتن حول أناس اكتشفوا أنهم لم يعثروا على الحياة الكامنة في العيش، وكل منهم اختار مواجهة هذه الحقيقة بطريقةٍ ما، بما فيهم الشخصيات الجانبية.
October 6, 2024
نجمة للغة الجميلة ونجمة ثانية للعنوان ولاختيار الراوي العليم في الرواية: الموت. فكرة جديدة عليّ طبعًا ومخيفة شوية. لكن غير كدا الرواية بالنسبة لي تقييمها مفيش من مفيش. مملة ومزعجة وسطحية للأسف مقدرتش أحبها.
"إن جميع من على هذا الكوكب، خط متعرج من التناقضات. فهم يبجلون النور، ويهربون منه أحيانًا، لأنه يكشف سوءاتهم. وتجذبهم العتمة، ويهابونها في آنٍ واحد، والأدهى أنهم يريدون المزيد من الحياة، وهم غير مؤهلين للعيش فيها، ما دام السؤال الذي يشغلهم هو: ماذا نفعل للخروج من حياتنا بأقل الخسائر؟ وهذا ما يجعلني أتساءل أنا نفسي أحيانًا: ألا أكون، حين أحمل أحدكم، طوق نجاة؟"
"إن جميع من على هذا الكوكب، خط متعرج من التناقضات. فهم يبجلون النور، ويهربون منه أحيانًا، لأنه يكشف سوءاتهم. وتجذبهم العتمة، ويهابونها في آنٍ واحد، والأدهى أنهم يريدون المزيد من الحياة، وهم غير مؤهلين للعيش فيها، ما دام السؤال الذي يشغلهم هو: ماذا نفعل للخروج من حياتنا بأقل الخسائر؟ وهذا ما يجعلني أتساءل أنا نفسي أحيانًا: ألا أكون، حين أحمل أحدكم، طوق نجاة؟"
February 19, 2024
"الحب، لا شيء يمحُوه، بل إن كل ما يحدث وما لا يحدث يكون سبباً في إحيائه"
December 8, 2022
الأفق الأعلى... ومحاولات التسديد تجاه مرمى الحياة
ماذا لو كان الموت هو الراوي لحكاية تلخص معاناة البشر حيال التسديد في مرمى الحياة، وتسلط الضوء على وهن البيوت المثقلة بإحباط ساكنيها، وتوجز عبر ومضات كاشفة حقيقة الالتباس الذكوري في تعريف المرأة وتصنيفها، من خلال الخلط المدمر بين مختلف أدوارها فوق مسرح الحياة؛ كأمٍ وكزوجةٍ وكعشيقة؟
الموت طيفٌ يسبح فوق رؤوس الشخوص، حقيقة دامغة تراوغ الظهور بالتخفّي، لكنه يظل على ضبابيّته السارد الأكثر صدقًا والشاهد الأكثر عدلاً على وقائع حياتنا. ومن خلال هذه الزاوية المختلفة لالتقاط المشاهد، والمنظور السماويّ المحايد لتحليل تعامل البشر مع مفردة الحياة، ترتكز رواية "الأفق الأعلى" للروائية السعوديّة فاطمة عبد الحميد على بنيان سردي مغاير للشائع والرائج في تقنيًات الكتابة، لتُنتج حكاية بهيّة تُعارض عُصارتها كآبة الموت المشهرة من صفحاتها، حدّ أن الموت نفسه يفقد قسمًا غير يسير من هيبته عقب قراءة هذه الرواية، أو أنه على أقل تقدير؛ يخرج منها وقد بات أقرب إلى قلب القارئ عن ذي قبل.
لا سليمان... ولا ريّس!
لم يكن لـ "سليمان الريّس" من اسمه ثمّة حظ أو نصيب، أو كما أفاد الموت نفسه؛ الحظ أو النصيب هو الكلمة التي يستخدمها البشر حين يعجزون عن فهم قرارات القدر، إذ أن سليمانًا لم يرث من اسم النبي قدرات الأنبياء الإعجازيّة، فلا هو كلم الطير ولا الهدهد التفت يومًا تجاهه، كما أنه لم يمارس دور "الريّس" طيلة حياته القصيرة نسبيًّا، إذ ظل مسلوب الطفولة في الصغر، منبوذًا من مرابع الرجولة حين تسنّى له الاضطلاع بالدور الذي رفضه طفلاً. من هنا فإن اختيار اسم الشخصيّة الرئيسة في هذه الرواية يعكس بطريقة ما خطأ التصور الإنساني الدائم بالتفوق الزائف، بل إنه ربما يسخر من الشعور الفطري لدى كل إنسان بالتفوق على أقرانه، فالموت هنا معطف وحيد تتبادله أجساد العابرين من هذه الحياة.
طفولة مبتورة، ورجولة مؤجلة...
يموت الأب، فيجد سليمان ابن الثالثة عشر نفسه في مواجهة غير متكافئة مع أمه "حمدة"، بغية الاضطلاع بمهام التخصيب في مزرعة الأسرة، وفي ذات الوقت، نتعرف إلى فتاة لطّخ القدر وجهها بوحمة ألقتها بعيدًا عن مدارات راغبي الزواج، ولأن سليمانًا هو ابن حمدة، ولأن الفتاة "نبيلة" هي ابنة خالتها؛ يعقد قران الصبي سليمان على الشابة نبيلة، بينما هو في الثالثة عشر وهي في الرابعة والعشرين، وبينهما إحدى عشر سنة وأم عنيدة كالجبال، وحياة فرضت على الطفل، وأخرى ارتضت بها فتاة ترفض الشعور بالنقصان. كان زواجًا ثلاثيّ الأطراف، قدمت من خلاله الكاتبة نموذجًا معاكسًا لما شاعت كتابته عن زواج القاصرات، فالضحية هنا صبي لا صبية، والجانية امرأة لا رجل، لكن الرواية تنساب بحرفيّة تنأى بها عن ترسيخ أكاليل الذنوب فوق رأس طرف من دون الآخر، فالكل يحاول التسديد في المرمى الذي شُبّه له، والكل في رهان خاسرٍ مع حياة لا توزع الأنصبة والفرص وفق علوم الرياضيّات.
ويحلق الموت في فضاء فسيح تتضاءل فيه الأرض أمام ناظريه، يلفّها بإصبعه حول محورها فتأتمر له، لتتراكم فوق أعمار الشخوص ثمانية وثلاثين سنة، فها هو سليمان رجلاً في الحادية والخمسين، أب لثلاثة شبان، وها هي زوجته نبيلة تلتقي باسمة ملك الموت وهي في الثانية والستين، فتهمس في أذنه برجاء أخير "لا تقبض روح سليمان قبل إحدى عشرة سنة أخرى"، كأنها تريده أن يعيش من السنين ما عاشته، لا أكثر ولا أقل، مواصلة دورها الأمومي السلطويّ الذي قبلت به مُذ كان سليمان يهرب من فراش الزوجية ليلعب الكرة مع أقرانه، فتعيده أمه "حمدة" جارّة إياه من أذنيه إلى فراش نبيلة. يجد سليمان نفسه في خواء عظيم، يستقر في برزخ من عدمٍ لا يكاد يميز فيه ملامحه، غاب ظل نبيلة ومن قبلها أمه، فامتلك لأول مرة حرية التصرف واتخاذ القرار، فهل يستعيد شبح طفولة هاربة، أم يمارس منفردًا دور الرجل من دون عبارة أمه الراسخة في أذنيه الكبيرتين "افعل مع عروسك ما يفعله الرجال"؟
بيوت من أعواد الثقاب...
لماذا كان على الطفل أن يفعل ما يفعله الرجال بينما جلّ انشغاله منصبّ على لعب الكرة وتشييد البيوت من أعواد الثقاب؟ كانت هذه الثيمة الحاضرة بقوة في الرواية شديدة التفرّد والخصوصيّة، فسليمان يحب أن يشيد البيوت من أعواد الكبريت والغراء، أحبّ ذلك طفلًا يطارده زجر أمه، ثم أحبه أبًا يشارك أولاده هوايته، بيد أن نهر الأم كان يتسرّب إلى مسامعه طوال الوقت، حتى عزف عن هوايته لسنوات، قبل أن يستعيدها بوفاة زوجته. تجسد هذه الصور المتراكمة بين فصول الرواية أكثر من سؤالٍ هام، فهي تتساءل عن مفهوم البساطة؛ فلماذا لا تكون حياتنا بمثل هذه البساطة؟ لماذا لا نُمنح الحق في السعادة ولو كانت مجانيّة؟ الإجابة تدين المنطق الأبويّ الذي يحدد لكل منا الدور الذي يتوجب عليه القيام به، حتى لو لم يناسبه، وهو ذاته المنطق الذي يجعل كل سعادة وكل هواية مشروطة بقبول وارتضاء العقل البطريركي القابع في جمجمة كل أبوين.
في الوقت ذاته، وإذا ناظرنا الأمر من منظور الموت -الذي يمرر بين الفصول قيامه بمهامه الروتينية في قبض الأرواح حتى يغدو الموت في عيني القارئ أمرًا بديهيًّا معتادًا يمهّد للأحداث المؤجلة- فإن كل البيوت التي سكنها شخوص الرواية كانت من أعواد الثقاب، كلها هشة مهما أثقلها ساكنوها بالغراء، فعلى سبيل المثال، ابنيّ سليمان؛ باسم وقصيّ، يعيشان في قصور من رمال، أو في بيوت من عيدان كبريت سريعة التآكل، باسم لا يشعر بالرضا مع زوجة محبّة، ويبحث عن حب عاصف يرضي روحه القلقة، بينما قصيّ ناسك يتعبّد في هيكل زوجته المقدس، والزوجتان هنا على النقيض، فمنال زوجة باسم تصرّ على التمسك به فتضع على أعواد الثقاب المزيد من غراء الأجنة، فتنجب له ثلاثة أولاد تظن أنهم سيطيلون الوقت الفاصل بين بناء البيت وانهياره، أما أسماء زوجة قصيّ فهي تحبّه بطريقة باتت شائعة في السنوات الأخيرة، إذ يظل قصيّ في نظرها شيئًا مسلّمًا به، عاشق يمنحها الشعور بالتفرّد ولا تكلّف نفسها عناء مبادلته القبل والكلمات، تظن أنه امتلكته حتى تفقده فتقدر أهمية الحيّز الذي عاش يشغله. كذلك الحال مع الجارة سمر وزوجها فاضل، وهكذا دواليك. تتجلّى هنا حالة الالتباس لدى الرجل أمام بهاء المرأة وهيبتها، فسليمان أراد طفولة فحصل على زوجة وأم بديلة، وباسم حصل على زوجة محبة فأراد عشيقة تسكن شرفات الخيال، وقصيّ حصل على زوجة لكنه أرادها أمًّا تحتوي وعشيقة تهدهد وتتلو من ورائه ترانيم الغرام، وأمجد يبحث عن حياة تخلو من مفردات حياة أبيه سليمان، أما فاضل فقد تمسّك بطفولته، محتفظًا بسمر كنُزلٍ قديم يلجأ إليه عندما تقتضي الحاجة.
إذن؛ كل العلاقات هنا شديدة الواقعية بعيوبها، فكل حبٍّ آيل للفقد، وكل حبيب عرضة للهجران، كل سائر يترنح من دون عكّاز، وكل عكّاز قادر على خيانة صاحبه، لأن العكاكيز كلها مصنوعة من أعواد الثقاب.
لفافة موتٍ تحوي نطفة حياة....
كان موت نبيلة هو هدية القدر إلى سليمان، لم يرجُ هذا ولا تمناه، إذ كانت هي الأم التي تعلّم وتحمي وتوجّه، والزوجة التي تمتلك الجسد الذي ينبت الثمرات، وعلى الرغم من أنها لم تقم يومًأ بدور الحبيبة، فإن سليمانًا لم يكرهها كما هو ميثاق الطفولة تجاه الأمهات، لكنه انزياح ظلها الثقيل يمنحه شعورًا بالوجود لم يختبره من قبل. النافذة المطلة إلى مطبخه تنقل له نبضات وأصوات وأغنيات تبث البهجة وتصلها بالوعود، وامرأة أربعينية أسكرتها الحياة حتى تخبطت في جدرانها تطل على عالمه بوجه صبوح يكنس التعب والضجر من شرفتيهما، يكتشف سليمان قدرته على الحب منفردًا من دون وصاية، يتعرف على ملامحه في وجه سمر وصوتها وعاطفتها المتنامية، يعاود بناء بيوت الكبريت فتبهرها دقتها، يجد أخيرًا من يثني على صنيعته، فيسير لأول مرة ومن ورائه يمضي ظل واحد، لا ظلين ولا ثلاثة كما اعتاد. يقرر سليمان مصيره، لكنه كأي طفل حديث العهد بالحياة، تنتابه حالات من التلعثم تُعرقل تصرفاته وبعض عباراته، لكن الجارة سمر لا تبالي، وسليمانًا يتحسس خطاه حتى يتقن المشي على حبل الغرام، حتى تستجد أمور وتقع الجارة في المحظور، فتنفرط حبّات المسبحة قبل أن تلتم في خيط وحيد.
ونطفة الحياة تحوي بذرة موت مؤجل..
هكذا هي دورة الحياة التي ننكرها، الموت، حديث الصباح والمساء كما قال العم محفوظ، هو النهاية المؤجلة التي نجاهد لتفاديها كأن الأمر جائز أو قابل للتحقق، وكم هو عجيب ما نفعله نحن البشر بين صرخة الولادة وشهقة الرحيل، هكذا فكّرت وأنا أطوي الصفحة الأخيرة للرواية عقب القراءة الثانية لها، فكل هذه النماذج التي مرّت في الحكاية تتصرّف، مثلي ومثل قارئ كلماتي الآن، كأن الموت فرضيّة لا حقيقة راسخة، وكأن الموت يقبل التفاوض ويقرّ التأجيل والتسويف. بلن يلتزم الموت بوصيّة نبيلة، وإن ظل يتابع حياة سليمان وأسرته في إثر وصيّتها التي حيّرته، ستفارق الأحداث بين سليمان وسمر، لن يشعر القارئ أن سليمانًا قد شرخ قله حتى الفصل ما قبل الأخير، إذ أن الرجل الخمسيني سيواصل حياته ويتقرب من أبناء وقفت السيدة نبيلة عائقًا بينه وبين التعرف عليهم لكثرة وصاياها وتدخلاتها حد اختيارها لزوجتي باسم وقصي، سيتقرب أكثر من أمجد، العازب الوحيد بين أبنائه الذي يود لو يتخلص من أذنيّ أبيه الضخمتين المحرِجتين، سَيُسّران إلى يعضهما بما لن تكشف عنه الرواية، كما سيكون أمجد العارف الوحيد بحكاية الغرام بين سمر وسليمان.
يقرر الأب استكمال مباراة اختطف منها منذ ثمانية وثلاثين سنة، يشاركه الأبناء والأصدقاء والأحفاد، يحاول أن يعوض ما فاته، أن يمارس الشيء الذي أراد ممارسته كالرجال، كرة القدم، يتألق الخمسينيّ في المباراة، يراوغ ويسدّد، يراقص الكرة كمن يراقص معشوقة عادت من سفر طويل، يرتقي ليسدد الكرة بضربة هوائية، يُسكن الكرة الشباك، وقبل أن يسقط أرضًا، يحتضنه راوي الحكاية.
ختام
حكاية تبدو بسيطة لو قرأت في عجالة، لكنها تأخذ القارئ إلى أبعاد فسيحة من التأمل والتفكر لو منحها الوقت والانتباه، فهي حكاية عن عبثيّة إقامة حياة على أعواد الثقاب، عن عبثيّة البشر في محاولاتهم للقفز خارج قوسي الميلاد والموت، عن عبثيّة المنطق الأبوي إذ يفرض الكبير على الصغير ما لم يختره، عن تلعثم الرجل والمرأة على حد سواء حيال تحديد المسارات، ورغبتهما الدائمة في الاستحواذ على كائن شامل يؤدي كل الأدوار من دون عيوب، حكاية تكشف عن هزلية محاولاتنا الدائمة للتسديد في مرمى الحياة، والاحتفال بالأهداف التي نتصوّر أننا أحرزناها في مرمى القدر، فواقع الأمر أن المرمى من الحراسة خالٍ، قوائمه من كبريت، والكرة كمشة من تراب.
مرة أخرى تفاجئني مسكيليانى برواية مبهرة تقدم لي من خلالها اسمًا روائيًّا سأحرص على متابعته في ما بعد، فهذه رواية أتوقع وصولها إلى منصات التكريم.
شكرًا للكاتبة فاطمة عبد الحميد على هذه الجرعة الفلسفية، والمتعة السردية، فقليلة هي الأعمال التي تزاوج بين الأمرين.
دار مسكيليانى للنشر Masciliana Editions
#محمد_سمير_ندا
القراءة الانطباعية على مدونتي:
https://mohamedsamirnada.wordpress.co...
للمزيد من القراءات الانطباعية عن الأعمال الروائية:
https://mohamedsamirnada.wordpress.com/
ماذا لو كان الموت هو الراوي لحكاية تلخص معاناة البشر حيال التسديد في مرمى الحياة، وتسلط الضوء على وهن البيوت المثقلة بإحباط ساكنيها، وتوجز عبر ومضات كاشفة حقيقة الالتباس الذكوري في تعريف المرأة وتصنيفها، من خلال الخلط المدمر بين مختلف أدوارها فوق مسرح الحياة؛ كأمٍ وكزوجةٍ وكعشيقة؟
الموت طيفٌ يسبح فوق رؤوس الشخوص، حقيقة دامغة تراوغ الظهور بالتخفّي، لكنه يظل على ضبابيّته السارد الأكثر صدقًا والشاهد الأكثر عدلاً على وقائع حياتنا. ومن خلال هذه الزاوية المختلفة لالتقاط المشاهد، والمنظور السماويّ المحايد لتحليل تعامل البشر مع مفردة الحياة، ترتكز رواية "الأفق الأعلى" للروائية السعوديّة فاطمة عبد الحميد على بنيان سردي مغاير للشائع والرائج في تقنيًات الكتابة، لتُنتج حكاية بهيّة تُعارض عُصارتها كآبة الموت المشهرة من صفحاتها، حدّ أن الموت نفسه يفقد قسمًا غير يسير من هيبته عقب قراءة هذه الرواية، أو أنه على أقل تقدير؛ يخرج منها وقد بات أقرب إلى قلب القارئ عن ذي قبل.
لا سليمان... ولا ريّس!
لم يكن لـ "سليمان الريّس" من اسمه ثمّة حظ أو نصيب، أو كما أفاد الموت نفسه؛ الحظ أو النصيب هو الكلمة التي يستخدمها البشر حين يعجزون عن فهم قرارات القدر، إذ أن سليمانًا لم يرث من اسم النبي قدرات الأنبياء الإعجازيّة، فلا هو كلم الطير ولا الهدهد التفت يومًا تجاهه، كما أنه لم يمارس دور "الريّس" طيلة حياته القصيرة نسبيًّا، إذ ظل مسلوب الطفولة في الصغر، منبوذًا من مرابع الرجولة حين تسنّى له الاضطلاع بالدور الذي رفضه طفلاً. من هنا فإن اختيار اسم الشخصيّة الرئيسة في هذه الرواية يعكس بطريقة ما خطأ التصور الإنساني الدائم بالتفوق الزائف، بل إنه ربما يسخر من الشعور الفطري لدى كل إنسان بالتفوق على أقرانه، فالموت هنا معطف وحيد تتبادله أجساد العابرين من هذه الحياة.
طفولة مبتورة، ورجولة مؤجلة...
يموت الأب، فيجد سليمان ابن الثالثة عشر نفسه في مواجهة غير متكافئة مع أمه "حمدة"، بغية الاضطلاع بمهام التخصيب في مزرعة الأسرة، وفي ذات الوقت، نتعرف إلى فتاة لطّخ القدر وجهها بوحمة ألقتها بعيدًا عن مدارات راغبي الزواج، ولأن سليمانًا هو ابن حمدة، ولأن الفتاة "نبيلة" هي ابنة خالتها؛ يعقد قران الصبي سليمان على الشابة نبيلة، بينما هو في الثالثة عشر وهي في الرابعة والعشرين، وبينهما إحدى عشر سنة وأم عنيدة كالجبال، وحياة فرضت على الطفل، وأخرى ارتضت بها فتاة ترفض الشعور بالنقصان. كان زواجًا ثلاثيّ الأطراف، قدمت من خلاله الكاتبة نموذجًا معاكسًا لما شاعت كتابته عن زواج القاصرات، فالضحية هنا صبي لا صبية، والجانية امرأة لا رجل، لكن الرواية تنساب بحرفيّة تنأى بها عن ترسيخ أكاليل الذنوب فوق رأس طرف من دون الآخر، فالكل يحاول التسديد في المرمى الذي شُبّه له، والكل في رهان خاسرٍ مع حياة لا توزع الأنصبة والفرص وفق علوم الرياضيّات.
ويحلق الموت في فضاء فسيح تتضاءل فيه الأرض أمام ناظريه، يلفّها بإصبعه حول محورها فتأتمر له، لتتراكم فوق أعمار الشخوص ثمانية وثلاثين سنة، فها هو سليمان رجلاً في الحادية والخمسين، أب لثلاثة شبان، وها هي زوجته نبيلة تلتقي باسمة ملك الموت وهي في الثانية والستين، فتهمس في أذنه برجاء أخير "لا تقبض روح سليمان قبل إحدى عشرة سنة أخرى"، كأنها تريده أن يعيش من السنين ما عاشته، لا أكثر ولا أقل، مواصلة دورها الأمومي السلطويّ الذي قبلت به مُذ كان سليمان يهرب من فراش الزوجية ليلعب الكرة مع أقرانه، فتعيده أمه "حمدة" جارّة إياه من أذنيه إلى فراش نبيلة. يجد سليمان نفسه في خواء عظيم، يستقر في برزخ من عدمٍ لا يكاد يميز فيه ملامحه، غاب ظل نبيلة ومن قبلها أمه، فامتلك لأول مرة حرية التصرف واتخاذ القرار، فهل يستعيد شبح طفولة هاربة، أم يمارس منفردًا دور الرجل من دون عبارة أمه الراسخة في أذنيه الكبيرتين "افعل مع عروسك ما يفعله الرجال"؟
بيوت من أعواد الثقاب...
لماذا كان على الطفل أن يفعل ما يفعله الرجال بينما جلّ انشغاله منصبّ على لعب الكرة وتشييد البيوت من أعواد الثقاب؟ كانت هذه الثيمة الحاضرة بقوة في الرواية شديدة التفرّد والخصوصيّة، فسليمان يحب أن يشيد البيوت من أعواد الكبريت والغراء، أحبّ ذلك طفلًا يطارده زجر أمه، ثم أحبه أبًا يشارك أولاده هوايته، بيد أن نهر الأم كان يتسرّب إلى مسامعه طوال الوقت، حتى عزف عن هوايته لسنوات، قبل أن يستعيدها بوفاة زوجته. تجسد هذه الصور المتراكمة بين فصول الرواية أكثر من سؤالٍ هام، فهي تتساءل عن مفهوم البساطة؛ فلماذا لا تكون حياتنا بمثل هذه البساطة؟ لماذا لا نُمنح الحق في السعادة ولو كانت مجانيّة؟ الإجابة تدين المنطق الأبويّ الذي يحدد لكل منا الدور الذي يتوجب عليه القيام به، حتى لو لم يناسبه، وهو ذاته المنطق الذي يجعل كل سعادة وكل هواية مشروطة بقبول وارتضاء العقل البطريركي القابع في جمجمة كل أبوين.
في الوقت ذاته، وإذا ناظرنا الأمر من منظور الموت -الذي يمرر بين الفصول قيامه بمهامه الروتينية في قبض الأرواح حتى يغدو الموت في عيني القارئ أمرًا بديهيًّا معتادًا يمهّد للأحداث المؤجلة- فإن كل البيوت التي سكنها شخوص الرواية كانت من أعواد الثقاب، كلها هشة مهما أثقلها ساكنوها بالغراء، فعلى سبيل المثال، ابنيّ سليمان؛ باسم وقصيّ، يعيشان في قصور من رمال، أو في بيوت من عيدان كبريت سريعة التآكل، باسم لا يشعر بالرضا مع زوجة محبّة، ويبحث عن حب عاصف يرضي روحه القلقة، بينما قصيّ ناسك يتعبّد في هيكل زوجته المقدس، والزوجتان هنا على النقيض، فمنال زوجة باسم تصرّ على التمسك به فتضع على أعواد الثقاب المزيد من غراء الأجنة، فتنجب له ثلاثة أولاد تظن أنهم سيطيلون الوقت الفاصل بين بناء البيت وانهياره، أما أسماء زوجة قصيّ فهي تحبّه بطريقة باتت شائعة في السنوات الأخيرة، إذ يظل قصيّ في نظرها شيئًا مسلّمًا به، عاشق يمنحها الشعور بالتفرّد ولا تكلّف نفسها عناء مبادلته القبل والكلمات، تظن أنه امتلكته حتى تفقده فتقدر أهمية الحيّز الذي عاش يشغله. كذلك الحال مع الجارة سمر وزوجها فاضل، وهكذا دواليك. تتجلّى هنا حالة الالتباس لدى الرجل أمام بهاء المرأة وهيبتها، فسليمان أراد طفولة فحصل على زوجة وأم بديلة، وباسم حصل على زوجة محبة فأراد عشيقة تسكن شرفات الخيال، وقصيّ حصل على زوجة لكنه أرادها أمًّا تحتوي وعشيقة تهدهد وتتلو من ورائه ترانيم الغرام، وأمجد يبحث عن حياة تخلو من مفردات حياة أبيه سليمان، أما فاضل فقد تمسّك بطفولته، محتفظًا بسمر كنُزلٍ قديم يلجأ إليه عندما تقتضي الحاجة.
إذن؛ كل العلاقات هنا شديدة الواقعية بعيوبها، فكل حبٍّ آيل للفقد، وكل حبيب عرضة للهجران، كل سائر يترنح من دون عكّاز، وكل عكّاز قادر على خيانة صاحبه، لأن العكاكيز كلها مصنوعة من أعواد الثقاب.
لفافة موتٍ تحوي نطفة حياة....
كان موت نبيلة هو هدية القدر إلى سليمان، لم يرجُ هذا ولا تمناه، إذ كانت هي الأم التي تعلّم وتحمي وتوجّه، والزوجة التي تمتلك الجسد الذي ينبت الثمرات، وعلى الرغم من أنها لم تقم يومًأ بدور الحبيبة، فإن سليمانًا لم يكرهها كما هو ميثاق الطفولة تجاه الأمهات، لكنه انزياح ظلها الثقيل يمنحه شعورًا بالوجود لم يختبره من قبل. النافذة المطلة إلى مطبخه تنقل له نبضات وأصوات وأغنيات تبث البهجة وتصلها بالوعود، وامرأة أربعينية أسكرتها الحياة حتى تخبطت في جدرانها تطل على عالمه بوجه صبوح يكنس التعب والضجر من شرفتيهما، يكتشف سليمان قدرته على الحب منفردًا من دون وصاية، يتعرف على ملامحه في وجه سمر وصوتها وعاطفتها المتنامية، يعاود بناء بيوت الكبريت فتبهرها دقتها، يجد أخيرًا من يثني على صنيعته، فيسير لأول مرة ومن ورائه يمضي ظل واحد، لا ظلين ولا ثلاثة كما اعتاد. يقرر سليمان مصيره، لكنه كأي طفل حديث العهد بالحياة، تنتابه حالات من التلعثم تُعرقل تصرفاته وبعض عباراته، لكن الجارة سمر لا تبالي، وسليمانًا يتحسس خطاه حتى يتقن المشي على حبل الغرام، حتى تستجد أمور وتقع الجارة في المحظور، فتنفرط حبّات المسبحة قبل أن تلتم في خيط وحيد.
ونطفة الحياة تحوي بذرة موت مؤجل..
هكذا هي دورة الحياة التي ننكرها، الموت، حديث الصباح والمساء كما قال العم محفوظ، هو النهاية المؤجلة التي نجاهد لتفاديها كأن الأمر جائز أو قابل للتحقق، وكم هو عجيب ما نفعله نحن البشر بين صرخة الولادة وشهقة الرحيل، هكذا فكّرت وأنا أطوي الصفحة الأخيرة للرواية عقب القراءة الثانية لها، فكل هذه النماذج التي مرّت في الحكاية تتصرّف، مثلي ومثل قارئ كلماتي الآن، كأن الموت فرضيّة لا حقيقة راسخة، وكأن الموت يقبل التفاوض ويقرّ التأجيل والتسويف. بلن يلتزم الموت بوصيّة نبيلة، وإن ظل يتابع حياة سليمان وأسرته في إثر وصيّتها التي حيّرته، ستفارق الأحداث بين سليمان وسمر، لن يشعر القارئ أن سليمانًا قد شرخ قله حتى الفصل ما قبل الأخير، إذ أن الرجل الخمسيني سيواصل حياته ويتقرب من أبناء وقفت السيدة نبيلة عائقًا بينه وبين التعرف عليهم لكثرة وصاياها وتدخلاتها حد اختيارها لزوجتي باسم وقصي، سيتقرب أكثر من أمجد، العازب الوحيد بين أبنائه الذي يود لو يتخلص من أذنيّ أبيه الضخمتين المحرِجتين، سَيُسّران إلى يعضهما بما لن تكشف عنه الرواية، كما سيكون أمجد العارف الوحيد بحكاية الغرام بين سمر وسليمان.
يقرر الأب استكمال مباراة اختطف منها منذ ثمانية وثلاثين سنة، يشاركه الأبناء والأصدقاء والأحفاد، يحاول أن يعوض ما فاته، أن يمارس الشيء الذي أراد ممارسته كالرجال، كرة القدم، يتألق الخمسينيّ في المباراة، يراوغ ويسدّد، يراقص الكرة كمن يراقص معشوقة عادت من سفر طويل، يرتقي ليسدد الكرة بضربة هوائية، يُسكن الكرة الشباك، وقبل أن يسقط أرضًا، يحتضنه راوي الحكاية.
ختام
حكاية تبدو بسيطة لو قرأت في عجالة، لكنها تأخذ القارئ إلى أبعاد فسيحة من التأمل والتفكر لو منحها الوقت والانتباه، فهي حكاية عن عبثيّة إقامة حياة على أعواد الثقاب، عن عبثيّة البشر في محاولاتهم للقفز خارج قوسي الميلاد والموت، عن عبثيّة المنطق الأبوي إذ يفرض الكبير على الصغير ما لم يختره، عن تلعثم الرجل والمرأة على حد سواء حيال تحديد المسارات، ورغبتهما الدائمة في الاستحواذ على كائن شامل يؤدي كل الأدوار من دون عيوب، حكاية تكشف عن هزلية محاولاتنا الدائمة للتسديد في مرمى الحياة، والاحتفال بالأهداف التي نتصوّر أننا أحرزناها في مرمى القدر، فواقع الأمر أن المرمى من الحراسة خالٍ، قوائمه من كبريت، والكرة كمشة من تراب.
مرة أخرى تفاجئني مسكيليانى برواية مبهرة تقدم لي من خلالها اسمًا روائيًّا سأحرص على متابعته في ما بعد، فهذه رواية أتوقع وصولها إلى منصات التكريم.
شكرًا للكاتبة فاطمة عبد الحميد على هذه الجرعة الفلسفية، والمتعة السردية، فقليلة هي الأعمال التي تزاوج بين الأمرين.
دار مسكيليانى للنشر Masciliana Editions
#محمد_سمير_ندا
القراءة الانطباعية على مدونتي:
https://mohamedsamirnada.wordpress.co...
للمزيد من القراءات الانطباعية عن الأعمال الروائية:
https://mohamedsamirnada.wordpress.com/
July 12, 2022
في العادة نقرأ عن زواج القاصرات، ومعاناتهنّ، وهي مسألة من المهمّ أن يُحاول الأدب مُعالجتها، ولكن هذه الرّواية تهتمّ بزواجٍ آخر -رغم ندرته- إلّا أنّه موجود ويستحقّ نفس النّبذ ونفس الرّفض، وهو زواج القصّر. وسليمان الّذي قضّى مراهقته زوجًا مجبراًا على أن يظلّ سجين عالم الأزواج الكبار، ويبتعد عن الملعب والكرة وأقرانه في الحيّ، يبيّن لنا ملامح هذه الأزمة على نحوٍ ممتاز. فهو طفلٌ مقارنة بزوجته، وهو ليسَ في عمر الآباء، بالنّسبة إلى أبنائه. وهذا ما يجعلُه مُغتربًا في كلّ مراحل حياته.
أنصح بها بشدّة كلّ الرّاغبين والرّاغبات في الاطّلاع على أدب عربيّ جادّ، يراوح بين السلاسة في الأسلوب والعمق في المعنى.
أنصح بها بشدّة كلّ الرّاغبين والرّاغبات في الاطّلاع على أدب عربيّ جادّ، يراوح بين السلاسة في الأسلوب والعمق في المعنى.
May 5, 2023
تقييمي للعمل نجمة واحدة فقط، والنجمة الأخرى لآخر فصل من العمل وآخر صفحتين من الفصل ما قبل الأخير!
Read
June 25, 2025”إنَّ جميع من على هذا الكوكبِ، خطٌّ متعرجٌ من التناقضات. فهم يبجّلون النور، ويهربون منه أحيانًا، لأنّه يكشف سوءاتِهم. وتجذبهم العتمة، ويهابونها في آنٍ واحدٍ، والأدهى أنهم يريدون المزيد من الحياة، وهم غير مؤهّلين للعيش فيها، مادام السؤال الذي يشغلهم هو: ماذا نفعل للخروج من حياتنا بأقلِّ الخسائر؟ وهذا ما يجعلني أتساءل أنا نفسي أحيانًا: ألا أكون، حين أحمل أحدكم، طوق نجاة؟“
رغم أن الموت نفسه يروي هذه القصة، فأن الحياة فيها أوضح من الموت.
هي ملأة باليأس، يأس الحب ويأس النفس ويأس الحياة. مع ذلك، فلا يطلب أحدهم الموت، بل ينمو الأمل من جذور اليأس، أن الحياة قد تتغير، أو حتى أنها خيرٌ بوضعها الحالي، وما عليهم إلّا العمل على تقبلها. لا أحد يأخذ أي أفعال حقيقية، جميعهم ينتظر، وما لم يقوموا بتغيير أيِّ من ذلك، فلن يُنهي انتظارهم إلّا الموت.
رواية عن صدمات الطفولة، وكيف تتمثّل في البالغ، سواءً ادركها أم لم يفعل. عن الأدوار الجندرية التي لا تفعل خيرًا ولا تقي شرًا. عن العادات السامة، وعن العلاقات المعقدة، الصحي والمؤذي منها. عن الحياة، وكلُّ ما يمنعنا من عيشها.
لغة الكتاب جيدة وإن كانت أحيانًا أقرب إلى المبالغة. تنقُّل الكاتبة من قصة إلى أخرى، ومن مشهدٍ لأخر، كان سلسًا خفيفًا لا يُجهّد القارئ. وكل ما وضعته الكاتبة كان في محلّه، ولم يكن إضافةً لا حاجة لها، عدا جزء "اسماء" في الأخير، لم يكن ضروريًا. لم نرى القصة من عينيها قبل ذلك، فما كنتُ كقارئة مُهتمة بمعرفة القصة من وجهة نظرها، ولم أفكر فيها حتى، فبدا لي موضع فقرتها غير طبيعيًا.
قدّرتُ للغاية عدم تفصيل الكاتبة في المواضيع المزعجة القاسية، قد وازنت في طرحها موازنة متقنة. حتمًا سأقرأ لها مجددًا، إن أراد الله.
”أنتم تتجاهلونني، لأنّني غير مرئيّ. تتجرّؤون على نسيان حقيقة أنّني سأطفئُكم في أيِّ لحظة. ولولا هذه القدرة على التجاهل، لما استطعتم العيش لحظةً واحدة. أما أنا، فيُرعبني أن أبقى وحيدًا بعد آخرِكم. أنا، الذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مني بإخلاصٍ شديدٍ، سيكونُ عليّ الرحيل وحيدًا. عندئذٍ، ستنهضون من موتكم، وسأكون أنا الفاني الوحيد.“
March 1, 2023
عندما يكون الموت هو الراوي و الشاهد على يوميات حياة أشخاص بسطاء .
هي حكايات تدور حول سليمان الطفل الذي فرض عليه أن يكون رجلا تحت ضغط والدته و محاولته استرجاع نفسه بعد وفاة زوجته المعادلة للسلطة والدته .
العمل مكتوب بلغة عذبة تدور حول ثيمات مختلفة : الحب و الغيرة /الحياة و الموت/الضعف و القوة .
هي حكايات تدور حول سليمان الطفل الذي فرض عليه أن يكون رجلا تحت ضغط والدته و محاولته استرجاع نفسه بعد وفاة زوجته المعادلة للسلطة والدته .
العمل مكتوب بلغة عذبة تدور حول ثيمات مختلفة : الحب و الغيرة /الحياة و الموت/الضعف و القوة .
May 21, 2023
تقول القاعدة: إذا ظهر مسدس في الفصل الأول من المسرحية، فلا بد أن يُستخدم في الفصل الثالث.
هذه رواية حافلة بالمسدسات غير المستخدمة!
على مستوى اللغة وانسياب السرد فهذا عمل بديع. والحكي مشوق ويدفعك لمتابعة القراءة لمعرفة مصائر الشخصيات مدفوعاً بالتساؤل «ثم ماذا؟».
ثمة لفتات رائعة في النص. وتحليل أزمات شخصية البطل جدير بالتدريس. لكن واجهتني إشكالات في تكامل الأحداث مع بعضها.
في أجزاء منها، تبدو الرواية وكأنها تفريغ لجلسة حكي، ما يليق بصوت (الموت) الذي يتعامل مع الوجود البشري كظاهرة عابرة، ويضمن إصغاء المتلقي احبكة واقعية على غرائبيتها. لكن من جهة أخرى، تبدو الأحداث محايدة جغرافياً على نحو مستفز.
فاطمة عبد الحميد كاتبة ممتازة أثبتت نفسها مراراً. لكن «الأفق الأعلى» -أعتقد- كانت بحاجة لمزيد تحرير لتستحق -بإذن الله- لقب رواية البُوكَر ٢٠٢٣.
هذه رواية حافلة بالمسدسات غير المستخدمة!
على مستوى اللغة وانسياب السرد فهذا عمل بديع. والحكي مشوق ويدفعك لمتابعة القراءة لمعرفة مصائر الشخصيات مدفوعاً بالتساؤل «ثم ماذا؟».
ثمة لفتات رائعة في النص. وتحليل أزمات شخصية البطل جدير بالتدريس. لكن واجهتني إشكالات في تكامل الأحداث مع بعضها.
في أجزاء منها، تبدو الرواية وكأنها تفريغ لجلسة حكي، ما يليق بصوت (الموت) الذي يتعامل مع الوجود البشري كظاهرة عابرة، ويضمن إصغاء المتلقي احبكة واقعية على غرائبيتها. لكن من جهة أخرى، تبدو الأحداث محايدة جغرافياً على نحو مستفز.
فاطمة عبد الحميد كاتبة ممتازة أثبتت نفسها مراراً. لكن «الأفق الأعلى» -أعتقد- كانت بحاجة لمزيد تحرير لتستحق -بإذن الله- لقب رواية البُوكَر ٢٠٢٣.
June 22, 2023
منذ زمن بعيد لم أقرأ رواية مجنونة كهذه، هل يمكننا القول بأن السارد هو الراوي العليم؟ ربما، حيث الذي يقصّ الحكاية هذه المرّة هو ملك الموت. رواية محشوّة بفلسفة الموت والحياة، تُحسُّ أن الحكاية تمشي وثمّة من يراقبها من أعلى ويعلم بمخرجات الأحداث قبل وقوعها، ناهيك عن شذرات الخوف المبعثرة بعد كلّ فصلٍ من فصولها. تجربة رائعة وأعتقد أنها كانت المنافس الأقوى للعمل الذي فاز ببوكر هذا العام.
August 30, 2022
صوت الموت يماهي المكتوب وبلغته التي باتت قريبة منك وأنت تقرأ هذا العمل سوف يصبح نديمك حتى أواخر سطور الرواية.
استهلال مبدع ولغة باذخة تسيطر على ربع الكتاب الأول بينما تضعف هذه اللغة مع ذلك السرد الذي يتحول من سرمدي إلى واقعي تحت فخ الرتابة والإطناب.
… جيدة
استهلال مبدع ولغة باذخة تسيطر على ربع الكتاب الأول بينما تضعف هذه اللغة مع ذلك السرد الذي يتحول من سرمدي إلى واقعي تحت فخ الرتابة والإطناب.
… جيدة
February 13, 2023
لي عودة ويجب أن تكون لي عودة 🙄😂
فكرة الرواية كانت مذهلة والاستهلال صادم وجاذب حيث يكلمك ملك الموت بشكل مباشر ؛ ويتضح أنه هو الراوي العليم الذي يخبرنا بأحداث الرواية
ولكن مع مرور الأحداث يفقد هيبته ويصبح عامل ضعف للرواية للأسف!
لا تعرف هل هو ملك الموت أم أنه حني يعرف أكثر مما يجب أم أنه الإله الذي يراقب الجميع من الأعلى!
التشكيل في بداية الرواية كان مزعجا ومشتتا للقارئ ؛ والحمدلله أنه يقل كلما تقدمنا في صفحات الرواية
يحدثنا ملك الموت عن "سليمان الريس" ابن الثلاثة عشر عاما الذي تقتلعه أمه من ملاعب كرة القدم لتقذف به في حضن زوجته نبيلة التي تكبره ب إحدى عشر عامًا. فيعيش حياته بين أوامر أمه وتنظيم نبيله أمه الأخرى / زوجته
كنت أتمنى لو كانت فكرة أنه كان ميتا روحيا واضحة بشكل أكبر هنا من خلال السرد والأحداث والمشاعر
تتغير حياته بعد وفاة أمه وزوجته
ولكن الأحداث تبدأ في الظهور بشكل غير مقنع أو أنها لا تشدك بشكل كاف؛ فلا شيء مهم تنتظره
أجمل ما في الرواية لغتها وأسلوب الكاتبة جيد وجميل عمومًا
فكرة الرواية كانت مذهلة والاستهلال صادم وجاذب حيث يكلمك ملك الموت بشكل مباشر ؛ ويتضح أنه هو الراوي العليم الذي يخبرنا بأحداث الرواية
ولكن مع مرور الأحداث يفقد هيبته ويصبح عامل ضعف للرواية للأسف!
لا تعرف هل هو ملك الموت أم أنه حني يعرف أكثر مما يجب أم أنه الإله الذي يراقب الجميع من الأعلى!
التشكيل في بداية الرواية كان مزعجا ومشتتا للقارئ ؛ والحمدلله أنه يقل كلما تقدمنا في صفحات الرواية
يحدثنا ملك الموت عن "سليمان الريس" ابن الثلاثة عشر عاما الذي تقتلعه أمه من ملاعب كرة القدم لتقذف به في حضن زوجته نبيلة التي تكبره ب إحدى عشر عامًا. فيعيش حياته بين أوامر أمه وتنظيم نبيله أمه الأخرى / زوجته
كنت أتمنى لو كانت فكرة أنه كان ميتا روحيا واضحة بشكل أكبر هنا من خلال السرد والأحداث والمشاعر
تتغير حياته بعد وفاة أمه وزوجته
ولكن الأحداث تبدأ في الظهور بشكل غير مقنع أو أنها لا تشدك بشكل كاف؛ فلا شيء مهم تنتظره
أجمل ما في الرواية لغتها وأسلوب الكاتبة جيد وجميل عمومًا
May 18, 2023
هذه القصة هي إحدى القصص الست المرشحة لجائزة البوكر العربية
الخمس نجوم للطباعة وعدم وجود اي خطأ مطبعي وطريقة التنوين
اما القصة فلابد ان نقسمها الى قسمين:
القسم الاول قصة سليمان وما حدث له في حياته: زواجه وهو في ١٣ عاما ، منعه من كرة القدم، ومنعه من هوايته في صناعة البيوت من اعواد الكبريت. ماتت الام واستمرت الزوجة على طريقها في القضاء على مواهب هذا الرجل العظيم. ما اقساها من قصة ! وحتى الابناء لم يحترموا والدهم وان يصدقوه عندما كان يخبرهم كيف كان يشجع الممثلين الجدد الى ان جاءوا هؤلاء الممثلين للتعزية وهنا فقط تبينوا بأن الاب كإن صادقًا. وبعد وفاة الزوجة تعرف على الجارة! وهنا بدأت قصة أخرى ولكنها انتهت بطريقة مأساوية. لا اريد ان احرق نهاية القصة لانها فعلا تستحق القراءة.
أما القسم الثاني فهو ملك الموت. هنا تبدأ قصتنا مع هذا الملاك المكلف بسحب الارواح منا نحن البشر ولكن القصة جعلتنا نحبه لما له من طريقة تفكير جميلة جدا. حواراته الفلسفية تجعلنا نفكر قبل ان نبدأ اية خطوة في حياتنا.
لنأتي الى رأي الدين! هل من الخطأ ان نكتب عن الملائكة! شخصيا لا اعتقد اذ ان الكتب ملئت بقصص عن الانبياء وغيره من خلق الله ! فلماذا نمنع الكتاب والمفكرين من إنتاج قصصا عن اي شخص خلقه الاله انسانا كان او ملاكا؟
هنا نتوقف ونقول بأن القصة ليست مبتكرة فهناك العديد من الكتب التي طرحت نفس الفكرة كمثال ؛ مدينة الملائكة، قابل جو بلاك، الحياة المخفية لأدي لارى وغيرها العديد. ولكن المبتكر فيها هو التفكير العميق لملك الموت في هذه القصة!!
اتمنى للقصة ان تفوز لعدة أسباب! الكاتبة صغيرة في السن وسعودية وكتابة هذه القصة في بلد كان الى وقت قريب يعيش في وضع ديني متطرف نوعا ما! وايضا تحدثت عن مناظر جنسية وهذا جديد نوعا ما
إقتباسات:
❞ في المصحّاتِ العقليّةِ، يُخرجونَ المجانينَ إذا أمْطرتْ، لتخِفَّ حِدّةُ جنُونِهم، فما بالك بصُداعِ الرّأس؟ أعني… ❝
❞ كان يودُّ إخْبارِها عنْ تلكَ الأغنية الّتي يُدندِنُها في صدْرِهِ، كيْ تساعِدَهُ في إيجادها على جهازِ الكمبيوتر. لكنّها قامتْ مُباشرةً تبحثُ عنِ البذورِ الّتي يحتفظُ بِها، مُتجنّبَةً مجاراته في ذلك البوح الّذِي مرّرهُ بنعُومَةِ مُغلّفٍ ورقِيٍّ، قادرٍ على العبور حتّى ❝
❞ توجّهتْ إلى المطبخ على عجلٍ، ربّما خشيةَ أنْ يبوح لها بأمرٍ لن تحتمِل سماعَهُ، أو أن يُقدِمَ على تفسيرٍ يجعلُ حياتَهما جحيمًا لا يُطاق. فقد تحتملُ المرأة أن يخونَها جسدُ زوجها، أو أن يقول لغيرها ما يقول لها من كلامٍ ❝
❞ من هذا العلوّ، أرى البشر يسيرون كالعميان. ❝
❞ لا تبدُو حججُ جميعِ مَنْ في هذا الكوكبِ، وباسم ليسَ استثناءً، على قدرٍ كبيرٍ مِنَ التّماسُكِ، فهم يحدِّقونَ إلى الظّلامِ، لعلّهم يروْن شيئًا، ويُسَمّونَ هذا إصْرارًا لا تجاوزًا للحُدودِ، كما ينْبَغي لهُ أنْ يُسمّى. لكنّ الظّلامَ حدٌّ أَسْودُ… فلمَ يصِرّونَ ❝
❞ أمّا أنا، فمِنْ هُنا، مِنْ مَوْقِعِي هذا تحديدًا، أراكُمْ مجرّدَ نقاطٍ صغيرةٍ تتحرّكُ ببطءٍ، خنافسَ فوقَ بركةِ ماءٍ، بعضُها يتركُ أثرًا خفيفًا، أمّا بعضُها فلا… نقاطًا لا تكادُ تظهرُ في مكانٍ، حتّى تختفِيَ منْهُ، كأنّها لم توجدْ يومًا ❝
❞ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ و الأرضَ ❝
❞ أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا… عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حُنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد… عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد ❝
❞ أمّا أنتَ، فإذا انتهتْ بكَ الحالُ واقفًا على ترابِ مقبرةٍ، فلا تهلع! فالدّفنُ فعلٌ طبيعيٌّ يرافقُ حتّى الأحياءَ مِنكم. استبطنْ نفْسَكَ مثَلًا! … أخبرني الآن، كمْ قبرًا وجدتَ في داخِلكَ، وكمْ أسرارًا دفنتَ؟ ❝
❞ هُناكَ أمْرٌ ثانٍ… إذا حالفَكَ الحظُّ وبكيْتَ، فلا تشغلْ نفسَكَ بما يسيلُ منْ فمِكَ وأنفِكَ، ولا تهتمَّ بمظهرِكَ الخارجيِّ، فالأمواتُ لا يُعِيرونَ المظاهرَ اهتمامًا، رغم الإشاعة التي تزعم أنّهم يفضّلون الألوانَ السّوداء. ❝
❞ ستخرجُ كبذرةٍ من البابِ الأماميِّ نحو طريقٍ صُمّمَ لكَ، مزهوًّا بحفنةِ سنين في قبضتِكَ، وبأغصانِكَ الّتي ستتفرّعُ فوق الأرضِ، لكنْ مَهْما يُطُلْ وقتُكَ، ومهما تَطُلْ أغصانُكَ، ومهما يمتدّ ظلُّكَ… ها إنّي أقُول لكَ في لهجةٍ مليئةٍ بالاعتذارِ: ستجدُنِي يومًا مّا ❝
بعض من الكتب التي كان فيها ملائكة يتحدثون:
City of angles
Meet joe black
Book thief
The invisible life of Addie Larue
https://www.google.com/search?q=novel...
وهذه مراجعة جميلة للكتاب ارسلت في احد مجموعات القراءة:
https://m.facebook.com/story.php?stor...
الخمس نجوم للطباعة وعدم وجود اي خطأ مطبعي وطريقة التنوين
اما القصة فلابد ان نقسمها الى قسمين:
القسم الاول قصة سليمان وما حدث له في حياته: زواجه وهو في ١٣ عاما ، منعه من كرة القدم، ومنعه من هوايته في صناعة البيوت من اعواد الكبريت. ماتت الام واستمرت الزوجة على طريقها في القضاء على مواهب هذا الرجل العظيم. ما اقساها من قصة ! وحتى الابناء لم يحترموا والدهم وان يصدقوه عندما كان يخبرهم كيف كان يشجع الممثلين الجدد الى ان جاءوا هؤلاء الممثلين للتعزية وهنا فقط تبينوا بأن الاب كإن صادقًا. وبعد وفاة الزوجة تعرف على الجارة! وهنا بدأت قصة أخرى ولكنها انتهت بطريقة مأساوية. لا اريد ان احرق نهاية القصة لانها فعلا تستحق القراءة.
أما القسم الثاني فهو ملك الموت. هنا تبدأ قصتنا مع هذا الملاك المكلف بسحب الارواح منا نحن البشر ولكن القصة جعلتنا نحبه لما له من طريقة تفكير جميلة جدا. حواراته الفلسفية تجعلنا نفكر قبل ان نبدأ اية خطوة في حياتنا.
لنأتي الى رأي الدين! هل من الخطأ ان نكتب عن الملائكة! شخصيا لا اعتقد اذ ان الكتب ملئت بقصص عن الانبياء وغيره من خلق الله ! فلماذا نمنع الكتاب والمفكرين من إنتاج قصصا عن اي شخص خلقه الاله انسانا كان او ملاكا؟
هنا نتوقف ونقول بأن القصة ليست مبتكرة فهناك العديد من الكتب التي طرحت نفس الفكرة كمثال ؛ مدينة الملائكة، قابل جو بلاك، الحياة المخفية لأدي لارى وغيرها العديد. ولكن المبتكر فيها هو التفكير العميق لملك الموت في هذه القصة!!
اتمنى للقصة ان تفوز لعدة أسباب! الكاتبة صغيرة في السن وسعودية وكتابة هذه القصة في بلد كان الى وقت قريب يعيش في وضع ديني متطرف نوعا ما! وايضا تحدثت عن مناظر جنسية وهذا جديد نوعا ما
إقتباسات:
❞ في المصحّاتِ العقليّةِ، يُخرجونَ المجانينَ إذا أمْطرتْ، لتخِفَّ حِدّةُ جنُونِهم، فما بالك بصُداعِ الرّأس؟ أعني… ❝
❞ كان يودُّ إخْبارِها عنْ تلكَ الأغنية الّتي يُدندِنُها في صدْرِهِ، كيْ تساعِدَهُ في إيجادها على جهازِ الكمبيوتر. لكنّها قامتْ مُباشرةً تبحثُ عنِ البذورِ الّتي يحتفظُ بِها، مُتجنّبَةً مجاراته في ذلك البوح الّذِي مرّرهُ بنعُومَةِ مُغلّفٍ ورقِيٍّ، قادرٍ على العبور حتّى ❝
❞ توجّهتْ إلى المطبخ على عجلٍ، ربّما خشيةَ أنْ يبوح لها بأمرٍ لن تحتمِل سماعَهُ، أو أن يُقدِمَ على تفسيرٍ يجعلُ حياتَهما جحيمًا لا يُطاق. فقد تحتملُ المرأة أن يخونَها جسدُ زوجها، أو أن يقول لغيرها ما يقول لها من كلامٍ ❝
❞ من هذا العلوّ، أرى البشر يسيرون كالعميان. ❝
❞ لا تبدُو حججُ جميعِ مَنْ في هذا الكوكبِ، وباسم ليسَ استثناءً، على قدرٍ كبيرٍ مِنَ التّماسُكِ، فهم يحدِّقونَ إلى الظّلامِ، لعلّهم يروْن شيئًا، ويُسَمّونَ هذا إصْرارًا لا تجاوزًا للحُدودِ، كما ينْبَغي لهُ أنْ يُسمّى. لكنّ الظّلامَ حدٌّ أَسْودُ… فلمَ يصِرّونَ ❝
❞ أمّا أنا، فمِنْ هُنا، مِنْ مَوْقِعِي هذا تحديدًا، أراكُمْ مجرّدَ نقاطٍ صغيرةٍ تتحرّكُ ببطءٍ، خنافسَ فوقَ بركةِ ماءٍ، بعضُها يتركُ أثرًا خفيفًا، أمّا بعضُها فلا… نقاطًا لا تكادُ تظهرُ في مكانٍ، حتّى تختفِيَ منْهُ، كأنّها لم توجدْ يومًا ❝
❞ يخيفُنِي مَصِيركُم، ومصِيري مِنْ بعدِكم، يُرعِبُني أنْ أبقى وحيدًا بعد آخرِكم، حينَ تكونُ إنجازاتي كلُّها مجّردَ شواهِدَ قبورٍ خلْفِي، شواهِدَ بأسماء أو دونَ أسماء، ذلكَ لا يُهمُّ، فبِعِلمِهِ الّذي وسعَ السّماواتِ و الأرضَ ❝
❞ أمّا أنا، الّذي أنجزتُ كلَّ ما طُلبَ مِنّي بإخلاصٍ شديدٍ، فسيكونُ عليّ الرّحيلُ وحيدًا… عندها ستتجمّعُ كلُّ آلامِكم، وكلُّ احتضاراتِكم، وكلُّ صرخاتِكم في حُنجرتي، وسأطلقُ صرخةً مُدوّيةً توقظُ الكونَ مِنْ جدِيد… عندئذٍ، ستنهضونَ مِنْ موتِكم، وسأكونُ أنا الفاني الوحِيد ❝
❞ أمّا أنتَ، فإذا انتهتْ بكَ الحالُ واقفًا على ترابِ مقبرةٍ، فلا تهلع! فالدّفنُ فعلٌ طبيعيٌّ يرافقُ حتّى الأحياءَ مِنكم. استبطنْ نفْسَكَ مثَلًا! … أخبرني الآن، كمْ قبرًا وجدتَ في داخِلكَ، وكمْ أسرارًا دفنتَ؟ ❝
❞ هُناكَ أمْرٌ ثانٍ… إذا حالفَكَ الحظُّ وبكيْتَ، فلا تشغلْ نفسَكَ بما يسيلُ منْ فمِكَ وأنفِكَ، ولا تهتمَّ بمظهرِكَ الخارجيِّ، فالأمواتُ لا يُعِيرونَ المظاهرَ اهتمامًا، رغم الإشاعة التي تزعم أنّهم يفضّلون الألوانَ السّوداء. ❝
❞ ستخرجُ كبذرةٍ من البابِ الأماميِّ نحو طريقٍ صُمّمَ لكَ، مزهوًّا بحفنةِ سنين في قبضتِكَ، وبأغصانِكَ الّتي ستتفرّعُ فوق الأرضِ، لكنْ مَهْما يُطُلْ وقتُكَ، ومهما تَطُلْ أغصانُكَ، ومهما يمتدّ ظلُّكَ… ها إنّي أقُول لكَ في لهجةٍ مليئةٍ بالاعتذارِ: ستجدُنِي يومًا مّا ❝
بعض من الكتب التي كان فيها ملائكة يتحدثون:
City of angles
Meet joe black
Book thief
The invisible life of Addie Larue
https://www.google.com/search?q=novel...
وهذه مراجعة جميلة للكتاب ارسلت في احد مجموعات القراءة:
https://m.facebook.com/story.php?stor...
July 1, 2023
يطل علينا الموت من عليائه من الأفق الاعلي ، يري البشر يسيرون كالعميان ، ليسرد لنا متناقضاتهم عن الحياة والموت ، عن الالم والراحة ، عن المرض والشفاء عن الدموع والابتسامات في سير يشبه القفز ، عن التعثر في تحديد المسارات ، عن بيوتهم و حياتهم العبثية المبنية من اعواد الثقاب ، عن السلطة الأبوية و متعتهم في التسلط علي الاخر في محاولة ف��ض المسارات ، وعن التراخي في تصحيح تلك المسارات ، عن الزهو بحفنة سنين في قبضتهم مهما طالت سيكون الموت بانتظارهم.
"يتعجب الموت من البشر "لكن الأبدية له ولكم ، فأنتم من روحه ، أما أنا ، الذي أنجزت كل ما طلب مني ، فسيكون علي الرحيل وحيدا عندئذ ، ستنهضون من موتكم و سأكون انا الفاني الوحيد"
رواية مذهلة بلغة وأسلوب غاية في الروعة و بنزعة فلسفية و سرد بالغ الأحكام تطل علينا فاطمة عبد الحميد برائعة تستحق التتويج كواحدة من أفضل الأعمال الروائية.
"يتعجب الموت من البشر "لكن الأبدية له ولكم ، فأنتم من روحه ، أما أنا ، الذي أنجزت كل ما طلب مني ، فسيكون علي الرحيل وحيدا عندئذ ، ستنهضون من موتكم و سأكون انا الفاني الوحيد"
رواية مذهلة بلغة وأسلوب غاية في الروعة و بنزعة فلسفية و سرد بالغ الأحكام تطل علينا فاطمة عبد الحميد برائعة تستحق التتويج كواحدة من أفضل الأعمال الروائية.
January 26, 2023
رواية، عادية، جيدة، بين ٢ و ٣ نجوم ، لغتها جميلة رغم اني لمست بعض المبالغة بالتشبيه ..
"لكن حتى إن قالتها بصدق، فإنّها لن تستطيع التقدّم خطوة واحدة، نحو رجلٍ تعلّم إخفاء نفسه داخل جسده جيداً..
وهو يحيطها بهالةٍ من الصمتِ لها طاقة الصراخ"
"لكن حتى إن قالتها بصدق، فإنّها لن تستطيع التقدّم خطوة واحدة، نحو رجلٍ تعلّم إخفاء نفسه داخل جسده جيداً..
وهو يحيطها بهالةٍ من الصمتِ لها طاقة الصراخ"
June 9, 2023
الموت هو من يروي الحكاية هو المترصد الذي ينتزع أرواح ضحاياه بكل ثقة واستحقاق، نرى الحياة بعينيه حالكه الظلمة إذ يروي لنا قصة سليمان وزواجه المبكر في عمر الثالثة عشر من امرأة تكبره بأحد عشرة عاماً.
تنتزع أمه طفولته وتحرمه من ممارسة لعب كرة القدم مع أقرانه بعد رشوتهم بالمال والحلوى، أرادت بذلك له أن يصير رجلا يلازم الرجال في مجالسهم، كل هذا بدافع خوف الأم من الموت الذي حصد كل رجل تزوجته وحرصاً منها على استمرار السلالة.
يسرق الزمن أجمل سنوات سليمان وبعد زواج دام خمسة وثلاثين عاماً يعود عازباً لديه ثلاثة أبناء تزوج اثنين منهم ليصير سليمان جدا لحفيدين، لكن الطفولة ماتزال لا تفارق روحه.
يتتبع الموت بترقب حياة سليمان الذي عاش مع زوجه عاملته كأبن لا كزوج، فبعدما حصد الموت أرواح الكثير من عائلة سليمان يتحين الآن لحظة الحصاد المناسبة لروح رجل لم يألف الحياة بعد، ولم يذق حلاوة الحب إلا مع الجارة الحسناء سمر التي تخفي الكثير من الأسرار.
دوماً ما شاهدت في الافلام والمسلسلات وقرأت في القصص والروايات مثلث الحب في هذه الرواية أرى وللمرة الأولى مربع الحب، علاقة مضحكة مبكية لكنها تحدث أحياناً.
نقطة قوة الرواية هي اللغة، وهي الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها الكاتبة لتقديم قصة عادية بأفراد عاديين.
إذا كان الموت سيروي لنا حكاية لماذا اختار سليمان ومن حوله، ما المميز والخارق لدى رجل خمسيني يبني بيتًا من أعواد الكبريت وواقع في حب جارته اللعوب؟ لربما هي التفاصيل الإنسانية التي تتشابه عند بني آدم.
❞ «ليس ثمّة نهايات سعيدة في حياةٍ تقف على ساقٍ واحِدَة»، ❝
❞ وقد ثبتَ لديْهِ أنّ خطط الطيّبينَ تَفْسُدُ أسْرعَ مِنْ خطط الخبيثين. ❝
تنتزع أمه طفولته وتحرمه من ممارسة لعب كرة القدم مع أقرانه بعد رشوتهم بالمال والحلوى، أرادت بذلك له أن يصير رجلا يلازم الرجال في مجالسهم، كل هذا بدافع خوف الأم من الموت الذي حصد كل رجل تزوجته وحرصاً منها على استمرار السلالة.
يسرق الزمن أجمل سنوات سليمان وبعد زواج دام خمسة وثلاثين عاماً يعود عازباً لديه ثلاثة أبناء تزوج اثنين منهم ليصير سليمان جدا لحفيدين، لكن الطفولة ماتزال لا تفارق روحه.
يتتبع الموت بترقب حياة سليمان الذي عاش مع زوجه عاملته كأبن لا كزوج، فبعدما حصد الموت أرواح الكثير من عائلة سليمان يتحين الآن لحظة الحصاد المناسبة لروح رجل لم يألف الحياة بعد، ولم يذق حلاوة الحب إلا مع الجارة الحسناء سمر التي تخفي الكثير من الأسرار.
دوماً ما شاهدت في الافلام والمسلسلات وقرأت في القصص والروايات مثلث الحب في هذه الرواية أرى وللمرة الأولى مربع الحب، علاقة مضحكة مبكية لكنها تحدث أحياناً.
نقطة قوة الرواية هي اللغة، وهي الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها الكاتبة لتقديم قصة عادية بأفراد عاديين.
إذا كان الموت سيروي لنا حكاية لماذا اختار سليمان ومن حوله، ما المميز والخارق لدى رجل خمسيني يبني بيتًا من أعواد الكبريت وواقع في حب جارته اللعوب؟ لربما هي التفاصيل الإنسانية التي تتشابه عند بني آدم.
❞ «ليس ثمّة نهايات سعيدة في حياةٍ تقف على ساقٍ واحِدَة»، ❝
❞ وقد ثبتَ لديْهِ أنّ خطط الطيّبينَ تَفْسُدُ أسْرعَ مِنْ خطط الخبيثين. ❝
Displaying 1 - 30 of 171 reviews