تحاول هذه الدراسة أن تزيل بعض الغموض المحيط بمصطلح "العلمانية" الذي أصبح واحدًا من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي، وأن تصل إلى تعريف مركب له يتسم بمقدرة تفسيرية عالية.
إذ يفرّق المؤلف بين ما يسميه "العلمانية الجزئية" (فصل الدين عن الدولة مع التزام الصمت بخصوص القضايا النهائية) وبين "العلمانية الشاملة" (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص، ونزع القداسة عن الإنسان والطبيعة بحيث يتحول العالم بأسره إلى مادة استعمالية يوظفها الأقوى لحسابه).ـ
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، مفكر عربي إسلامي وأستاذ غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس. وُلد في دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). التحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers (مرحلة الجذور).
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988)، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). ثم عضوا بمجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر).
ومن أهم أعمال الدكتور المسيري موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات) وكتاب رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية- في البذور والجذور والثمار. وللدكتور المسيري مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزأين)، إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (سبعة أجزاء). كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية مثل: الفردوس الأرضي، و الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، و الحداثة وما بعد الحداثة، و دراسات معرفية في الحداثة الغربية. والدكتور المسيري له أيضاً دراسات لغوية وأدبية من أهمها: اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود، و دراسات في الشعر، و في الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية. وقد نشر الدكتور المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال
قدم الدكتور المسيري سيرته الفكرية في كتاب بعنوان رحلتي الفكرية – في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (2001) حيث يعطي القارئ صورة مفصلة عن كيف ولدت أفكاره وتكونت والمنهج التفسيري الذي يستخدمه، خاصة مفهوم النموذج المعرفي التفسيري. وفي نهاية "الرحلة" يعطي عرضًا لأهم أفكاره
رغم انه من وجهة نظرى (غلبت على المسيرى نظرية المؤامرة اللى تعتبر هوس للعرب والمصريين بصفه خاصة)الا ان الكتاب قيّم جداً, فى هذا العمل نقطتين مهمتين من وجهة نظرى : الأولى هو المجهود الجبار من قبل د\ المسيرى والواضح جداً خلال سطور الكتاب. الثانيه: هى السلاسه الواضحه فى ثنايا الكتاب رغم عمق الموضوع وتعقيده والالفاظ والمصطلحات الأكثر تعقيداً , السلاسه التى تشعر بها عند انتهاءك منه. الكتاب هو المجلد الثانى من مشروع المسيرى فى بحثه عن العلمانيه والتى خصصه لرؤيته فى التطبيق بعد تنظير الجزء الأول. الكتاب مقسم إلى بابين اثنين : الأول : عمليات العلمنه الشامله وفيه اسقط المسيرى الضوء على علمنة الفكر والدوله عبر مؤسساتها المختلفه عبر الاقتصاد والرؤيه السياسيه . والباب الثانى يظهر مجال تخصص المسيرى الأصلى وهو دراساته العميقه حول اليهوديه والصهيوينيه ليربط بين العلمانيه الشامله واليهوديه والصهيونية(وهنا تظهر نظرية المؤامرة واضحه عند المسيرى)ولا يقلل هذا من العرض الجيد للموضوع. العمل مقدم باحترافيه شديده وتقسيم مميز . من فهارس وشرح مصطلحات مختلفه. اعتقد ان هذا المجلد أكثر تعقيداً من المجلد الأول, وان قيمة الجزء الأول يفوق قيمة الثانى بمراحل . لطالما رأيت فى التنظير الأهميه الكبرى وحجر الأساس لأى منهج. وجب التنبيه اننا نادراً ما نشاهد نماذج للعلمانيه الشامله فى مجتمعنا العربى وان النماذج المنتشرة هم مؤيدى العلمانيه الجزئيه (تبعا لكلام د\ المسيرى )وفى المجمل قد تختلف مع كلام المسيرى وترى فيه نوعاً من السم فى العسل ولكنك لا تستطيع ان تنكر مجهوده وان مجرد قراءة هذا الكتاب يمثل اضافه قويه لفكرك , الكتاب مهم جداً أن يكون فى أرفف مكتبتك
استفدت كثيرا من هذا الكتاب، ولكنها للأسف استفادة سلبية في المجمل.
علمني المسيري في هذا الكتاب أن المثقف لا يجب أن يكون متفتحا، فقد تكون على أعلى درجات الثقافة وتكون في نفس الوقت تكون من أكثر المتشددين تحفظا.
يلبس المسيري نظارة أيديولوجيته وثقافته لتصفي له الدنيا وما فيها، فتحجز من الحقائق ما لا يتوافق مع رؤيته العامة فتصير كأن لم تكن، وما ينفذ منها يصير مشوها متآكلا يناسب مخاوفه وحقائقه المسبقة.
من الصعوبة بمكان الإمساك برأي صريح للمسيري يعبر عن ظلاميته، ولكن من حين لآخر يفلت منه رأي فتراه على حقيقته: كائن خائف مذعور ولد في حضارة تموت ببطء وقد عفا عليها الزمن من مئات السنين، ولكنه ولد فيها فهو متمسك بها ويعتبرها أفضل ما توصل إليه البشر.
الإنسان الغربي عند المسيري شيء حقير وسارق ومستغل وأناني، وذلك لأنه تقدم وترك الإنسان الشرقي يهيم في تخلفه. فالتقدم عند المسيري جريمة لا تغتفر لو كان من تقدم من "الأغيار"! فقد قال نصا: "لقد دخل الإنسان الغربي عالم ما بعد الحداثة، وهو عالم حلولي وثني دائري عبثي، عالم يحكمه إله مجنون، ويعيش فيه بشر لا يمكن الحكم عليهم من منظور أية منظومة قيمية، فهم خليط من الذئاب والأفاعي والأميبا."
والإنسان عنده كالأرانب لا يجب أن يخرج من جحره، فإن خرج وساح في الأرض فهذا خطر عليه وعلى البلاد التي يزورها، فهو القائل: "في تصوري أن السائح باعتباره شخصا مقتلعا باحثا عن المتعة العابرة لقاء أجر عنصر مدمر من الناحية الأخلاقية والاجتماعية."
المسيري مصاب بداء الرفعة والقداسة مثله في ذلك مثل معظم الشرقيين، فالإنسان عنده له مكانة رفيعة ترفعه عن كافة عناصر الطبيعة الأخرى، فلا تهم الأدلة العلمية ولا الأدلة الحفرية ولا حتى التاريخية، فالمهم أن يكون من طينة أخرى غير باقي الكائنات وأن يتمتع بالقداسة ولا يكون "طبيعيا" فالطبيعية لو تعلمون فظيعة!
الإنسان المسلم عند المسيري هو سوبر إنسان، يتعالى عن كونه طبيعيا (رغم أن الإسلام دين الفطرة!)، وهو مكلف من الله مباشرة بتعمير الطبيعة (التي يبدو أن خالقها قد خلقها مخربة) وتسخيرها لمصالحه وكأنها أملاك أبيه (وهي فعلا أملاك أباه الذي في السماء) واستغلالها حتى آخر قطرة دم في آخر مخلوق (غير عاقل أو غير مسلم) على وجه البسيطة. وقد قال في هذا المعني: "فمن المنظور الإسلامي، نحن لم نأت إلى هذا العالم كي نبيع أو نشتري وإنما لنأمر بالمعروف ننهى عن المنكر." وقال كذلك: "فالإنسان المسلم ليس الإنسان الطبيعي (ذا البعد الواحد) وإنما الإنسان المركب الذي استخلفه الله في الطبيعة كي يعمرها ويسخرها لنفسه وللأجيال القادمة بإذنه تعالى."
ويتمتع المسيري بقدرة خارقة على نسيان وتجاهل كل ما قد يضر نظرياته المسبقة عن الحياة، فالنمور الآسيوية واليابان وألمانيا نماذج سيئة للإنسان المحوسل، أما أمريكا وفرنسا وانجلترا فقد تقدموا لأنهم استغلوا الشعوب الآخرى بالاستعمار. ولا يهم أن دولا لم تقم باستعمار أحد مثل سنغافورة (مثاله المفضل) قد تقدمت ولا يهم أن دولا أخرى استعمرت أجزاء كبيرة من العالم لعقود طويلة مثل أسبانيا والبرتغال قد تخلفت، فالتقدم عند المسيري لا يأتي إلا بالتراكم الرأسمالي، وأي نماذج تخرج عن هذه النظرة السطحية فهي بكل بساطة غير موجودة!
وحتى نظرية الؤامرة بكل فجاجتها لم يسلم منها فكر المسيري، ربما فيها عدا كلامه عن اليهودية الحديثة وعلمانيتها (وهي بالمناسبة الجانب الوحيد الإيجابي في الكتاب) ففكرة الغرب ومحاولته الهيمنة على العالم لاستغلاله متجذرة في أعماق تفكريه، وهو شيء مفهوم لأنها تبرير ممتاز لتخلف حضارته العزيزة أفضل حضارات الأرض المنزلة من السماء وتقدم الحضارات التي قامت بقتل الإله ونفي الدين إلى نطاق الحياة الخاصة.
وللمسيري آراء مطلقة تقترب من الفجاجة في بعض المواضيع، ومنها على سبيل المثال رأيه في السكرتيرات في الغرب: "ويمكن النظر إلى السكرتيرة الخاصة في المجتمعات الغربية (المتقدمة) كوريثة للبغي التقليدية بعد (ترشيد) دورها، فهي لم تعد تقدم الخدمات الجنسية وحسب (اللذة)، بل أصبحت تقدم خدمات فنية أخرى مثل الكتابة والاختزال والاتصالات التليفونية (المنفعة)."
ومن أكبر عيوب الكتاب على وجه الإطلاق الغياب شبه التام للمصادر والاستشهادات، فكل كلامه كلام عام ولو كان على لسان آخرين، فلا يذكر مراجع وأحيانا لا يذكر حتى أسماء، وكأنه يحكي قصص ما قبل النوم! ومثال على ذلك قوله: "ويمكن أن نضرب مثالا بأحد كبار المسؤولين في البنك الدولي.." ثم في نفس الفقرة: "وقد أحدثت التصريحات ضجة وأنكر البنك الدولي صدور مثل هذه التصريحات عن أحد كبار موظفيه، ولكن الموظف المسؤول عن التصريح أكد أنه أدلى بالتصريح..."
مشكلة المسيري تتلخص في افتقاد المذاهب العلمانية والمادية "لإله عادل محب للبشر، يعتني بالكون ويرعاه" و"خالق يتدخل في الكون ويرعاه" (الاقتباسات من نقده للمذهب الربوبي deism).
أشكر المسيري كثيرا، فقد تعلمت منه كيف يكون المرء متقفا ومتناقضا في نفس الوقت!
يمكن أن أعتبر هذا الكتاب(بجزأيه)هو بدايتي الحقيقية مع الراحل المسيري رحمه الله إذ كنت عرفته قبل ذلك صاحب قلم يكتب عدة مقالات تحليلية في الصهيونية والحضارة الغربية وبعض الشخصيات البارزة والمفكرة مثل المفكر الراحل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله وكان ذلك قبل أن تتسع شهرته بشكل ملحوظ وبارز رحمه الله. ورغم أني استمريت في قراءة الكتاب ما يقرب السنة لأني كنت أعود إلى عدة مراجع وكتب أخرى محاولا فهم ما يريد أو إدراك جميع العناصر التي يعرضها للبحث والتحليل.
د.المسيري في بحثه عن العلمانية بشقيها النظري والتطبيقي يسعى إلى تكوين صورة عن قداسة الإنسان وعن أسبقيته على الطبيعية/المادة وفي سبيل ذلك يسعى إلى تعزيز هذه القداسة و(إنسانيتنا المشتركة) مجلياً حقيقة الإنسان في البعد المادي والرباني وفي عدة جوانب أخرى. ورغم انه وفق على صعيد التأسيس لهذه الرؤية إلا أنه لم يجل رؤيته بخصوص (العلمانية الجزئية) وبالذات السؤال الجوهري: هل يمكن ان تؤدي العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة؟ وماذا نفعل حينها؟. الكتاب كثيف بدون شك وهو من النوع الذي يتعبك ويجعلك تستمتع مع هذا التعب في القراءة والتحليل والرجوع إلى عدة مصادر. إلا أن أبرز ما يمكن أن يخرج به القارئ لكتاب المسيري هذا وغيره هو روعة تحليله وتفكيكه للإنسان وللحضارة الغربية إضافة إلى سبكه لعدة مصطلحات(فحتى المصطلحات ليست محايدة وتحمل في أعماقها تحيزات الحضارة التي ولًّدتها وقد أطنب الدكتور في بيان ذلك في كتابه الرائع المدهش الذي أعتبره أحد أهم الكتب التي أخرجها العرب خلال القرن العشرين كتابه: "إشكالية التحيز رؤية معرفية ودعوة للإجتهاد" بالفعل إنه كتاب متعب وممتع ويستحق القراءة عدة مرات وهكذا هي الكتب العظيمة التي تستمتع بها على قدر تعبك منها !!
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إن هدانا الله مكنتش أتوقع أبدا إني ممكن أقرا كتاب العلمانيه الشامله و الجزئيه بجزئيه ومكنتش أتوقع أصلا أقرا في موضوع زي العلمانيه. أعتقد أن ربنا كرمني بحيث بدايتي مع مع المسيري كانت من كتابه رحلتي الفكريه و دي في نظري البدايه الصح لأي حد عايز يتعرف علي فكره . يعتبر ليه الفضل انه يشجعني أقرا في الأفكار عموما و أقدر بإذن الله بعد كتبه أقتحم كتاب من اللي اساميهم صعبه و بنخاف نقرب منهم أصلا. الكتابين مش صعبين خالص في الفهم لو الواحد تدرج في فكر المسيري و نبداش بيهم. معظم الأفكار بتتكرر بس باعاده مفيده مش تكرار مم�� و في رأيي الجزء الأول أمتع و أسهل فهما خاصه ان هنا في مساحه أكبر للصهيوينه و ده موضوع مش سهل و تعقيداته كتير ف هضمه اصعب.
الكتاب يعتبر فعلا زي ما بيقول إسمه تطبيق علي المبادئ إللي اتحطت في اول جزء بس طبيعه كتابه المسيري انه،مش بيسيب كلامه من غير أمثله في اغلب الأحيان ف الجزء الأول برضه كان فيه تطبيق ولو بسيط علي النظريات.
أكيد مش مطلوب تفهم كل حاجه في كل كتاب من اول مره بس مطلوب متبطلش تحاول. والاستفاده هتبقي أكبر بكتير لو قدرت،تناقش الأفكار دي و تطبقها علي حياتك.
واولا واخيرا القرآن فيه،الشفاء الخاص و ده مش هنفهمه غير لما نلف كتير و نعرف إن الخلاصه طول عمرها كانت في ايه أو تشريع قدامنا من سنين و عشان كده طلب العلم مثبت للإيمان.
يصعب عليا جدا حصر استفاداتي من الكتاب لأني أكثر عشوائيه من كده بس توثيق الأفكار إللي حابه ارجعلها في ال goodreads في هيئه اقتباسات من الطرق المفيده إللي بعتمد عليها.
الجزء الثاني من الكتاب يمثل تحليلًا عميقًا للعواقب الواقعية للعلمانية، حيث يوضح كيف تؤثر هذه الظاهرة على بنية المجتمعات، وعلى القيم، وعلى رؤية الإنسان لنفسه. الكتاب لا يكتفي بعرض نظري، بل يستخدم أمثلة تاريخية واجتماعية وسياسية لتوضيح كيف أن العلمانية ليست مجرد فكرة مجردة، بل هي نظام متكامل يعيد تشكيل الحياة بأكملها. وفي النهاية، يقدم المسيري دعوة لإعادة التفكير في النموذج الحضاري الحالي، وإيجاد صيغة جديدة تجمع بين التقدم العلمي والقيم الروحية، بدلًا من الوقوع في فخ المادية المطلقة التي تفكك الإنسان والمجتمع.
في الحقيقة هذا الكتاب يحاول أن يفصل ويشرح مكامن الخلل في الفكر العلماني من الناحية النظرية وهو كتاب مهم في هذا المجال وذلك للآتي :
1- أن الكتاب قد تميز في فصل الجانب النظري عن الجانب العملي وهو بذلك يأخذ بعين الاعتبار أن نظريات العلمانية لا تطبق بحذافيرها بل وقد تصل إلى نماذج متطرفة غير مرضية
2- كون العلمانية هي قضية العصر، وهي الأسلوب الفكري الشائع في مختلف العالم، وكون هنالك من ينادي بها ، وفي دول الثورات هنالك من يطالب بها نظاما للحكم
3- طرح الكتاب لنظرية العلمانية مقسم إلى علمانية شاملة وعلمانية جزئية ، وفي هذا الطرح أهمية كبرى وإشارة لمن يفهم العلمانية أو يطبقها بشكل جزئي ويغفل المعنى الشامل ، فالعلمانية ليست فقط فصل الدين عن الدولة ، وإنما هذا جزء منها وهذا المعنى السياسي لها، فهي فصل الدين عن مختلف جوانب الحياة، فمثلا لا يتم إدخال الدين في العلوم الأخرى وتطبيق الدين قد يكون محصورا بكنيسة أو بمنزل ولكن مظاهره لا تنطلق إلى الخارج وغير ذلك من حصر سلطات الدين وجعل القوامة للعقل والمنطق فقط
4- ورود نماذج العلمانية المختلفة مثل الفرنسي والبريطاني والأمريكي وغيرها ووضح التفاوت في النماذج
5- تحدث عن النماذج المتطرفة مثل الفاشية والنازية وغيرها التي قامت على مبادئ علمانية
* ملاحظة هذه النقاط موجودة بين الجزئين النظري والعملي
مثّل الجزء الأول من موسوعة العلمانية الشاملة و العلمانية الجزئية ذروة إنتاج المسيرى النظرى و هو بالفعل يُعد أحد أهم أعماله النظرية على الإطلاق و أهم الأعمال النظرية التى تناولت موضوع العلمانية فى العالم العربى منذ نشأة الظاهرة
إلا أن المجلد الثانى لم يكن على نفس الدرجة و أطن أنه إبتعد عن سابقه قليلا .. قد يكون بسبب ان الواقع/التطبيق -و بنفس منهج المسيرى- دائما ما يكون على مسافة معيّنة من النظرية و لا يمكن بحكم تركيبية الواقع و تعقيده ان يتماس مع النظرية
فقد ظهر المسيرى فى هذا الكتاب و كأنه ينقد الواقع بكل ما فيه و كأن العلمانية اصبحت طوفان يلتهم العالم .. فالمسيرى الذى أقر فى آخر الكتاب انه لا يمكن ان يكون هناك مجتمع إيمانى بشكل كامل ولا مجتمع علمانى شامل و لكن مجرد لحظات نماذجية نادرة يتجلى فيها النموذج الحاكم الكامن خلف خطاب وفلسفة تشكيل حضارى معيّن .. إلا انه كان رومانتكيا إلى أقصى درجة فى تعاملة مع الواقع الإنسانى الحديث فالنقد الجذرى الرومانتيكى ذو الأصول الأدبية لا الإجتماعية و لا الفلسفية و الذى ظهر فى الغرب بعيّد مرحلة الحداثة دائما ما يكون مثالى و كأنه جاء خارج التاريخ و لا يحتمل إمكانية توظيفه بشكل واقعى إنسانى بسبب فرط مثاليته
أرى أن المسيرى كناقد أدبى تغلب على المسيرى الفيلسوف فى هذا الكتاب
يُمكن القول ـ بكل جراءة ـ أن هذا الكتاب ، بشقيه النظري والتطبيقي ، هو الحقيقة ولا شئ سواها .. هو دستور يرسم نظرتك للعالم وأفقه .. هو رحلة طويلة للبحث عن الإنسان .. الإنساني الواعي .. الإنسان المُتفرد .. الإنسان الحق .. الإنسان الإنساني .
يحاول المسيري ـ رحمه الله ـ في هذه الدراسة المشوّقة أن يُفنّد لنا معظم المصطلحات والديباجات البرّاقة التي يذهب البعض وراءها بطريقة ببغائية مُذهلة ، وهو لا يعرف أصلها أو أهدفها النهائية .
لا استطيع أن أسرد تحليل كامل للكتاب ، فهو كتاب ضخم وثري بالمعلومات والمصطلحات التي يصعب أن أوفي حقها وأن أحقق هدفها . فهو علي سبيل المثال يشرح اشكاليات العلمنة في المجتمعات ، وكيفية ترشيدها وتنميطها ، موضحًا أشكال العلمنة المختلفة ، علمنة الفكر ، علي سبيل المثال ، وعلمنة الرؤية ، والتي تتمثل في : علمنة الإله والطبيعة ، علمنة الدين ، علمنة التدّين ، علمنة الإعلام والأحلام . اّخذًا بشكل أكثر عمقًا في تحليله لعمليات العلمنة في أشكال الحياة المختلفة وبنيتها ، موضحًا علمنة المجال الاقتصادي ، علمنة السياسة ، علمنة القانون والأقليات ، علمنة العمل والوظائف ، علمنة الفنون التشكيلية والمعمار والأدب ، علمنة الإعلام والتعليم ، علمنة الملابس والطعام ، علمنة الأسرة والفرد ، علمنة الزواج وحفلات الزفاف والهدايا ، علمنة المرأة والجسد والجنس ، علمنة أوقات الفراغ والرياضة ، علمنة السلوك والجريمة ... إلخ . من كل هذه العلمنة فإننا في النهاية سنحصل علي إنسان ذو بُعد واحد ، إنسان مادي بحت ، لا خصوصية له أو أسرار ، منزوع عنه القداسة والأخلاق ، حتي يسهل توظيفه وخدمته لإنجاز هدف ، يحدده (مسبقًا) إنسانًا صاحب القوة !! ستعرف من هذه الدراسة حقيقة النخب الحاكمة .. ستعرف بنية النخب الثقافية .. ستعرف ما هي الدولة القومية الحديثة ؟!! .. ستعرف من هي "دولة" إسرائيل ؟!! والتي اّراها ركيزة الكتاب وأساسه .
إن المسيري بهذه الدراسة أزاح الكثير والكثير من الغيوم المتراكمة في مخيلتنا بسبب البروباجندا الإعلامية .
الكتاب حقًا مُتعب ولكنه مُمتع في نفس الوقت .. ومن لم يقرأه لا يعرف شئ عن عالمه .. وكما ان القراءة فرض في الإسلام .. فإنني لن أبالغ في قولي بأن هذا الكتاب ليس من الكتب التي هي محل اختيارية القراءة .. وإنما هو بواجب القراءة .. فاقرأوه يا مُسلمين .
فكرة أراد المسيري على ما أظن إيصالها بإلحاح أن الإنسان ليس شيئا أو بسيطا ذا بعد واحد اقتصادي أو جسماني يخضع للمعايير و المقاييس و المعادلات الرياضية يمكن توقع تصرفاته بكل بساطة و إنما الإنسان ظاهرة مركبة إلى أقصى حد ذو أبعاد متعددة , يحوي داخله عناصر لا يمكن ردها إلى النظام الطبيعي المادي ( الوعي – الحس الخلقي – الحس الجمالي – المقدرة على مراقبة الذات وتغييرها – المقدرة على فعل الخير و على فعل الشر بشكل واع نتيجة اختيار حر )
((أن الحيز الإنساني مختلف عن الحيز الطبيعي المادي مستقل عنه و أن الإنسان يوجد في الطبيعة و لكنه ليس جزءا عضويا منها لان فيه من الخصائص ما يجعله قادرا على تجاوزها وتجاوز قوانينها الحتمية وصولا إلى رحابة الإنسانية وتركيبيتها ))
وبلغة المؤلف، هذا الكتاب يحمل نموذج قدم تفسيرات جيدة إلى حد كبير ولكنها لا تخلو من شطحات ومبالغات وإقحامات. هناك قطع متناثرة في طريق البحث في العلمانية والمؤلف يريد السير بطريق مستقيم وتفسير كل شيء عن يمين ويسار الطريق مهما ابتعد بمبدأ المادية والحلولية الكمونية.
في النهاية، الكتاب ثمرة جهد كبير، وبحث ممنهج وربما مختلف.
وأخيرا، التكرار في هذا الكتاب يكاد يكون قاتل بالنسبة لي خصوصا بعد قراءتي لمؤلفات سابقة للكاتب.
الكتاب ده ببساطه وسيله خداع لمن لم يقرا عن العلمانيه في العاده ..قبل اي كتاب كبير زيه بحضره بقراءه كتب صغيره و مقالات لايجاد خلفيه بس الصراحه سقط المسيري من نظري بشده بعد قراءته لاستخفافه بعقل القارئ ده غير الاسهاب الشديد اللي فيه من ناحيه و من ناحيه اخري تاثره بنظريه المؤامره و جنون الاضطهاد ــــــــــ
الكتاب بطبيعة تشابكه به الكثير من التكرار، وبعض الأفكار ربما كانت جديدة الطرح في وقتها كنظرية فوكوياما بنهاي�� التاريخ أو مسألة النظام العالمي الجديد أو نظرية صراع الحضارات ل(هاتنجتون)، أو قضية ما بعد الحداثة، لكن في عصرنا لكثرة طرحها لم تكن جديدة علي لذلك بعض الأجزاء -كهذه- قرأتها بسرعة.
آخر 50 صفحة في الكتاب كانت شرحاً للمصلطحات.
كما طبّق المسيري نموذجه التفسيري هنا بالعلمانية الشاملة على أمثلة أهمها الدولة النازية و الدولة الصهونية، والفلسفات كالفلسفة النيتشوية.
***
من الصعب جداً عليّ تلخيص الكتاب بشكل وافي لأنه عميق ومتشابك، لكن أستطيع أُعطي نبذة:
الكتاب بدأ بتعريف وتفصيل المعاني النظرية، ثم تحدث عن أنواع العلمنة الشاملة كعلمنة الفكر، و علمنة الرؤية الدينية، وعلمنة اللغة، ثم تحدث عن وسائل تطبيق العلمنة الشاملة ومن أهمها الدولة القومية واستخدام الاقتصاد الرشيد (سواءً رأسمالي أو اشتراكي)، وغير ذلك.
بدايةً تعريف العلمانية الشاملة:
العلمانية الجزئية: هي رؤية جزئية للواقع تنطبق على عالم السياسة وربما على عالم الاقتصاد، ويُعبَّر عنها كثيراً بفصل الكنيسة عن الدولة. فهي تترك حيزاً واسعاً للقِيَم الإنسانية والأخلاقية المُطلقة بل وللقيم الدينية مادامت لا تتدخل في عالم السياسة، أي أنها صيغة لا تسقط في النسبية أو العدمية.
العلمانية الشاملة (المادية/العدمية): هي رؤية شاملة للكون، لا تفصل فقط الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وإنما تفصل كل القيم الدينية الأخلاقية والإنسانية عن كل جوانب الحياة العامة ابتداءً، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة انتهاءً، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم (الإنسان والطبيعة).
" العلمنة الشاملة للإنسان تعني تأكيد مركزيّته المُطلقة في الكون، وأنه مقياس كل شيء ومرجعيّة ذاته، ومتمركز حولها. وهو في ذات الوقت مجرد جزء من النظام الطبيعي/المادي. ولذا تنطبق عليه قوانين الطبيعة وتسري عليه قوانين الواحدية المادية. والمرجعية النهائية لهذا الكائن مرجعية مادية كامنة في المادة، فهو نِتاج البيئة، والعوامل الوراثية، والقُوى التاريخية، والصراعات الطبقية، والدوافع البيولوجية."
" عبارة -علمانية شاملة- قريبة إلى حدٍ ما من عبارة -مجتمع حديث-. ومن ثَمَّ فمعظم عمليات العلمنة في جوهرها عمليات تحديث".
جوهر العلمانية الشاملة:
" جوهر الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية تحويل البشر والعالم إلى مادة نافعة."
***
كما أسلَفت، تحدث المسيري عن عدة صور للعلمنة الشاملة، أحدها علمنة اللغة:
" وفي العالم العربي تأخذ علمنة اللغة شكل إحلال العامّيات التي لا تُراث لها ولا ذاكرة محل الفصحى -مُستودَع التراث والذاكرة التاريخية-."
وعلمنة الطبيعة -الحلولية-:
" تتم عملية علمنة الطبيعة على مراحل، أولها أنه بدلاً من الإيمان بأن الطبيعة من صُنع الإله وأن لها غرضاً وهدفاً، يسود الإيمان بأن الإله يتجلّى أو (يتجسّد) تماماً تقريباً في الطبيعة، وأن الطبيعة تُعبِّر عن الإله تعبيراً شبه كامل، فتُصبح الطبيعة موضع عبادة الإنسان وتقديسه، كما هو الحال في المنظومة الرومانسية العضوية وعند المدافعين عن البيئة من عبدة الإله جايا gaya، أي الكوكب الأرضي)."
***
بعد ذلك تحدث الكتاب عن تأثير العلمنة الشاملة على روح الإنسان، ونستطيع استيضاح ذلك من الأدب الحداثي:
" معظم الأدب الحداثي يصوّر الإنسان بعد وصوله إلى هذه اللحظة النماذجية حين تسيطر على المُجتمع والإنسان مرجعيات مادية، ومُطلقات مجرّدة لا إنسانية -لا يفهم البشر كنهها- ، وتأخذ الحياة شكل دورات متكررة لا معنى لها. ففي عالم (كافكا) و (بيكيت) مثلاً يجد الأفراد أنفسهم داخل متاهة من الأوامر التي تأتيهم من مصادر مجهولة لا يعرفونها (مثل رواية المحاكمة)، كما تقوم البيروقراطيات اللاشخصية بتنظيم حياة الإنسان وترتيبها. ويقترب المجتمع النازي من المجتمع الذي يصفه الأدب الحداثي، حيث أُدخِل كل شيء في شبكة السببية الصلبة والحسابات الرقمية"
***
كما أسلفنا، الدولة المطلقة أهم وسيلة لتطبيق العلمنة الشاملة.
يقول عنها المسيري:
" تقوم مؤسسات الدولة بالقضاء على كل المؤسسات الوسيطة (العائلة-القبيلة) حتى يتسنّى لها صقل المواطن، وتعيين حدوده، وعلمنة هويته، وتعميق ولائه للدولة والأمة والعِرق، واستبعاد أي ولاءات أو مُطلقَات أخرى حتى يُذعِن تماماً لإرادة الدولة، وتُصبح الأخلاق بالنسبة له هي تنفيذ ما يوجَّه إليه من أوامر من الدولة.
وتتضخّم الدولة وتتغوّل كما تتضخم أجهزتها الأمنية المختلفة وتتغوّل إلى أن تفوقَ سلطاتها وبطشها سلطة وبطش أية سُلطة سياسية في الماضي، وتُصبح مشكلة الإنسان الحديث ليس فصل الدين عن الدولة وإنما هيمنة الدولة على كل شيء .. وضمن ذلك الدين والفرد نفسه!"
" الإنسان في المجتمع التقليدي يعيش داخل شبكة من علاقات القرابة و يدين بالولاء لأعضاء جماعته، ويتحرك في نِطاق إيمانه بمرجعية متجاوزة ومُطلقات دينية وأخلاقية ثابتة. لكن الدولة العلمانية المطلقة تحتاج إلى إنسان ذي بُعد واحد، مُستوعَب في المرجعية المادية -سواءً كانت هذه المرجعية هي الطبيعة/المادة أم مصلحة الدولة-، فيتم استئناسه وتنميطه في حتى يُمكن توظيفه على أكمل وجه. وفي محاولتها لتنفيذ هذا المخطط اصطدمت الدولة القومية المركزية المُطلقة (مرجعية ذاتها) بالجماعات الوسيطة كالأسرة والكنيسة؛ فهذه المؤسسات تخلق مسافة بين الدولة المطلقة والمادة البشرية، وتقتسم معها ولاء الفرد، كما تمنح الفرد منظومات قيمية وخصوصية إنسانية ورموزاً إثنية تُزعزع ولاءه للذات القومية.
فبذلت الدولة المطلقة قُصارى جهدها لضرب الكنيسة والأسرة. وإشاعة الفردية جزء من عملية الترشيد هذه، إذ يتم عزل الفرد وتجريده بحيث يُصبح مجموعة من الدوافع والحاجات الخام المباشرة (منفعة/لذة) ويُصبح بدون قِيم مجرد ذرّة تتوهم أنها مرجعية ذاتها، بينما هو واقعياً مادة إنتاجية إستهلاكية."
" تُعدّ الدولة المُطلقة أهم آليات الترشيد المادي. فهي لم تقنع بفصل الدين عن الدولة، وانحسار نفوذ الدين في بعض المجالات، وإنما أصرت أن يغطي نشاطها كل مجالات الحياة، وانتهى بها الأمر إلى السيطرة على الدين وإعلان نفسها مصدراً وحيداً للقِيَم".
***
مثّل الكتاب بالدولة النازية كأبهى تجلّيات ونجاحات العلمنة الشاملة و الدولة المطلقة، وهي نموذج مثالي للدولة الرشيدة وللترشيد. بقتلهم للعناصر غير النافعة (المرضى) وتجاربهم العلمية البشعة واعتبارهم الإبادة عمل مختبري.
" يمكننا أن نقول إن معسكرات الاعتقال والإبادة النازية هي البقعة التي تحققت فيها الرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية تحقّقاً كاملاً، إذ تم التحكم في كل شيء، وتم توظيف كل شيء وأُدخِل كل شيء في شبكة السببية الصلبة والنفعية المادية .. نقطة الصفر العلمانية الحقيقية ونهاية التاريخ".
يشرح المسيري بأن الدولة النازية هي التجسّد المثالي للعلمنة الشاملة 100%، لذلك، بعض الدول العلمانية الحديثة تتشارك في رؤية العلمنة الشاملة لكنها لا تصل لما وصلت له الدولة النازية لأنها لا تلتزم بهذا المسار الجادّ تماماً كما التزم النازيون:
" وإذا كان المجتمع النازي مجتمعاً نماذجياً رشيداً مادياً، فإن المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية الحديثة هي أيضاً مجتمعات تتحرك في إطار المرجعية المادية والترشيد المادي، و تتحرك نحو اللحظة العلمانية النماذجية دون أن تصلها بطبيعة الحال؛ فعملية الترشيد لا تتم بالمنهجية نفسها التي تمت بها في ألمانيا النازية "
" أسّسَ النازيون منظومتهم استناداً إلى مفاهيم علمانية شاملة كالنظرية الداروينية، كما تبنوا الرؤية العلمانية الشاملة المتجردة تماماً من القيمة والغائيات الإنسانية باعتبار أن العلم الطبيعي وما يتولّد عنه من قوانين وقِيم مادية هو القيمة الحاكمة الكبرى والمرجعية النهائية للإنسان. و قد حقق النازيون نجاحاً منقطع النظير، فركزوا على محاولة التحكم الكامل في كل العناصر البشرية، وتطبيق الحسابات الرشيدة المحايدة والمعايير الرياضية التي تهدف إلى تعظيم الإنتاج والأرباح، ومن ثمَّ يمكن القول بأن الإبادة النازية لليهود وغيرهم هي التحقق الكامل للرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية الشاملة.
بل حتى بعد قرار الإبادة (التصفية الجسدية) كان ديدن النازيين دائماً هو الحوسلة الكاملة وتعظيم الفائدة والحرص على ممتلكات الدولة، لذا كان يتم تجريد الضحايا من أي مواد نافعة حتى الحشوات الذهبية في أسنانهم!"
***
يذكر المسيري أنه في النهاية لم تنتُج عن عمليات العلمنة الشاملة زيادة التحكم في الذات الإنسانية أو الواقع، بل حدث العكس:
" تولّد إحساس عميق لدى الإنسان -تسانده العلوم الطبيعية الحديثة- بأن المعرفة الكلية أو شبه الكلية مستحيلة، وبأن رقعة المجهول تتزايد بنسبة أكبر من تزايد رقعة المعلوم، وبأن معرفتنا العلمية عن الواقع ليست يقينية وإنما احتمالية إلى حدٍ كبير، وذلك بسبب تركيبية الواقع واستحالة وضعه داخل شبكة السببية الصلبة.
وفي غياب أي يقين معرفي أو أخلاقي أصبحت كل الأمور متساوية، وظهرت النسبية المطلقة والعدمية، أيستطيع الإنسان أن يعيش في حالة الشك المُطلق هذه؟ أم أنه سيتبنّى -ولا بد- أية ميتافيزيقا تقابله في طريقه لتعطيه قدراً من الأمن والأمان، كما حدث حينما تبنت الجماهير الغربية النازية والعنصرية، وكما يتبدى الآن في تزايد عدد المؤمنين بالسحر والتنجيم؟ -وأُضيف: علوم الطاقة والشاكرا-."
" من المعروف في تاريخ الحضارة الغربية الحديثة [و متتالية العلمانية فيها] أن عملية العلمنة لا يمكن أن تتم بشكل واضح وصريح دفعةً واحدة، حتى لا تَفزع الجماهير من وحشية النموذج المطروح (العالم باعتباره مادة استعمالية خالية من القيمة، ومجرداً من الغاية)، ولذا؛ نجد أن الخطاب العلمانية يتبنَّى ديباجات دينية في المرحلة الأولى لترويج أفكار إلحادية المَخبر والجوهر. [ كما هو الحال مع فلسفة اسبينوزا والعقائد الربوبية ]."
***
و يُحاجِج المسيري بأن استبعاد المُطلقات (كالنظرة الدينية) سيجعلنا غير قادرين على مُحاججة العلمانية الشاملة حين تأتي بالتدمير الناتج عن عدة أسباب من أهمها إلغائها للمُطلقات والبُعد الغيبي والقيمة الإنسانية (أن الله خلق الإنسان وله كرامته)، كما حدث مع النازيين.. كيف يُمكننا محاججتهم وهم اتبعوا نتائج العقل باعتمادهم حسابات المصلحة والمعطيات المادية العلمانية فقط؟
" وهذه إشكالية فلسفية وأخلاقية عميقة تواجهها المنظومة العلمانية الشاملة، فهي منظومة فلسفية تُنكر الميتافيزيقا والثنائيات والمُطلقات وتؤكد نسبية المعرفة وكل القيم الأخلاقية، وهو ما يعني بطبيعة الحال غياب المرجعية المتجاوزة وظهور المرجعية المادية الكامنة -حين يحدد كل إنسان قِيَمه بنفسه دون العودة إلى أي مُطلقات أو ثوابت إنسانية [كما يدعو فكر ما بعد الحداثة]. وإذا كان الألمان، انطلاقاً من المرجعية المادية الكامنة فيهم، قد حدّدوا قِيَمهم الأخلاقية على أُسس نفعية مادية داروينية، فكيف يمكن لنا أن نتجاوز ذاتيتهم الكامنة فيهم؟ وكيف يمكن لنا أن نُهِيب بقِيَم أخلاقية وإنسانية، عامة ومطلقة، تقع خارج نطاق مُثُلهم الذاتية؟ -إن كنا نحن أنفسنا نؤمن بالنسبية المطلقة-؟"
***
أخيراً، أعجبني الجزء الذي تكلم فيه المسيري عن العلمنة الشاملة لرؤية الإنسان للإله، والطبيعة، والإنسان، والتدين.
" يدور الإيمان الديني الحقّ حول الإيمان بأن ثمة إلهاً خالقاً للكون هو مركز العالم، وهو مركز مُفارق له. وهذا الإله خلق العالم لغرضٍ وهدف، ولم يهجره، وإنما يشمله دائماً برعايته وحكمته ورحمته. وهذا الإله هو مصدر تماسك العالم و وحدته، وهو -وكل ما يُوحي إلينا به من نُظُم معرفية وأخلاقية وجمالية- المرجعية النهائية المتجاوزة.
أما العلمنة الشاملة للطبيعة فتأخذ شكل استبعاد الإله والإنسان تدريجياً من الطبيعة، فهي تستبعد الإله باعتباره المركز المتجاوز للكون (فمركز الكون كامنٌ فيه، وهذه هي وِحدة الوجود المادية)، كما قد تستبعد الإنسان باعتباره مركز العالم (الذي خلقه الإله على صورته واستخلفه على الأرض، ومن ثَمَّ فهو قادرٌعلى تجاوز النظام الطبيعي) وبذلك تُزال الثنائية وتسود الواحدية، وتُستبعَد كل الغايات والمرجعيات."
***
أُوقِن أن مراجعتي ناقصة، و مُخلّة بشمولية الكتاب، لذلك أنصح بقراءته واستيعابه وعدم الاكتفاء بالمراجعات. كتاب جداً مهم.
والحمدلله أنهيت سلسلة العلمانية الجزئية والشاملة للمسيري رحمه الله في هذا اليوم.
على الرغم من أنها عمل ضخم، الا انو كل ما بتقدم بالجزء الثاني كل ما بستغرب أكتر انو شخص متل عبد الوهاب المسيري مليء بالقيء الفكري و العنصرية الدينية و النظرة الحضارية التاريخية (الاسلامية) المتأنفة على غيرها... عم يهاجم الغرب و التقدم و التنور و التعلمن الغربي بشكل مثير للشفقة، بهاجم تاريخية الامبريالية الغربية و بينسى تاريخية الامبريالية الاسلامية او تاريخية الامبريالية الشرقية... يكره الرأسمالية كره شديد بكل صفحة يذكرنا بكرهه لها و ينسى الشيوعية و ما سببته من أزمات انسانية و أخلاقية في التاريخ المعاصر... من المعيب جدا أن يتفلسف المفكر بطريقة عنصرية... لا أنصح بالقراءة نهائيا لمن يكره العنصرية
افضل شرح للعلمانية ومصطلحها المبهم لدى الكثير من العرب والذي يفسر حسب توجه من فسره المسيري فسره بشكل علمي رائع كان ومازال المسيري من افضل مفكري عصرنا الحالي
قليلة تلك الكتب التي تشعر بعد قرائتها بان فهمك زاد عمقا و تم فيها اعادة تركيب كيانك و طورت منظومتك الفكرية للحكم ...نعم هذا الكتاب منها،،،
((التطبيق لتلك المنظومات الفلسفية التي تم بنائها على مدى قرون بعد تحويل المرجعيات من دينية الى إنسانية ثم مادية طبيعية ثم سيولة كاملة بدون اي اعتبار لأي شيء الا اللذة و المنفعة شرحه في هذا العمل الفذ المتقن :)
لا يمكن اختصاره او مراجعته
انصح بقرائته و بشدة
على الهامش بعد انهائي هذا الكتاب صدقا تخدرت في مكاني لغزارة الأفكار و للمعلومات و المتتاليات الفكرية التي قذفت في عقلي صدقا لا تملك الا البقاء صامتا لفترة طويلة للعجز عن التعبير بما يجول في خاطرك !!!!!
كتاب قيّم جدا بجزئيه. و إن كنت مللت في مرات عديدة من قراءة الجزء الثاني هذا بسبب بعض أماكن التكرار و الإطالة. و لكن بعد الانتهاء منه عرفت ان صبري و وقتي لما يذهبا هباء. فالكتاب هو رحلة طويلة في تطور أشكال العلمانية و تفرّعاتها بعد أن تم توضيح أصول الكلمات و المفاهيم في الجزء الأول.
يُرشِح الأصوليون دائمًا التراث التيمي لطلاب العلوم الشرعية لإكتساب مهارات نقدية وتحليلية ومنهجية وأيضًا ترسانة لغوية مميزة، وإن كان ثمَّ مثال معاصر في السياق الفكري لإكتساب مهارات مماثلة؛ فهو التراث المسيري.
حياتك و مستقبل العالم في هذا الكتاب محاكاة للواقع و يتنبئ بالمستقبل... المسيري يكون فكراً مستنيراً مبنى على نقد الواقع و تحليله بعيداً عن الشعارات الوهمية الحماسية.....
وهكذا المسيري كلما زدات معه عدد الأورق و طالت معه و قت المُحاضرة تعرف أنك ستحصل على معلومة مُستصغه و مفهومه و مقبوله الدكتور المسيري في الجزء الثاني و على عكس الأول لا يضع تعريفات و حسب ولا يُغلفه بتغليف فلسفي مُرهق مُنهك كما في الجزء الأول بل و بشرحاً وافي يُقدم و يُحلل و يُفسر رؤيته و نظرته عن العالمنية و تأثيرها على الواقع المُعاصر و قد يهم القراء أن المسيري في عرضه و نقده للعالمانية و النظام العالمي يتعمد كل الأعتماد على شيطانة العالمانية لمجرد الشيطانة لا فالرجل قد كان مُنصفاً رجع ص 241
صحيح أن العالم لم يكُن مكاناً مثالياً قبل العالمنية و كان يملأه من الدمار والقتل و الجهل الكثير و كانت أوروبا تعيش عصوراً من الفوضي و التخلف الغير مسبوقين في تاريخها و لكن العالمينة لم تقم بحل مُعضة الشر رغم الأصلاحات الظاهريه التي قامت به هُناك من تهذيب و تنظيم و ترتيب الحياة الغربية و لكن في المُقابل جاءت على روح الإنسان الغربي و أخذت تنهال عليه نهشاً بأنيابه و تركته حيً بجسداً ولكن بدون روح لقد كانت العصور الوسطي رغم قبحه ألا أنه قد كان به شيئاً من المعاني النبيلة و الشرف و فيه قدر من التراحُميه أما الأن فأصبح الإنسان مُعلب ومحفوظ دخل صندوق زُجاجي علاقته بأخواته علاقة صورية شكليه مُستنزف على المستوي الفردي يعيش الحياة بكل ساذجة و مرح مُتغفلاً عن أصل وجوده و المعني من هذا الوجود و المصير الذي ينتظره بعد كل هذا صحيح أصبحت النزعات أقل و تكثر عدد الناس و عمت البهجه بعدما تم أحلال جميع الروابط المُقدسة و الإنسانية بينهم و وضع مكانه روابط ماديه نفعيه تعاقديه فصبح العالم كالخمر خانة كلما ألتفت عن يمينك أو عن شمالك تجد أنهم في حالة سُكر و تيه و تراقص فلا يعلمون على ماذا هم مُجتمعون
صحيح فالعالم لم يكن قط مكاناً مثالياً قبل العالمينة ولكن الوضع صار أسوء مما كان عليه الوضع سابقاً بل العالمنية لجاءت للكذب على الناس في مجالات عديدة و مختلفه لا على المجال السياسي و حسب بل في كُل شيئاً يمكن أن يُعط الإنسان شعوراً أنه مُميز عن بقيت المخلوقات أو يُذكره بأنه هو الخليفة الذي إستخلافه الله في الأرض ليعمرها و يحكم فيه بما أرها الله و يحقق المعني الأسمي فالعالمنية كم قُالنا لم تُعلج المشكلة من جذورها بل زادة الموضوع تعقيداً كل الذي أصيب بوجع في ساقه فذهب فأخذ مُسكن فرتح فلما عدالوجع عد هو الأخر للمُسكن و ظل على هذه الحالة حتي أُصيب في كُليته بالفشل و تضرر جهازه العصبي بشكل سوف يُسبب ضراراً أكبر من ذي قبل و المشكلة نفسه في النهاية لم تُحل بعد كل هذا ولأن العالمنية مُتمكسة حالياً بسبب أن النظام العالمي القائم ما لايزال مُنتفعاً منه مُتمتعاً به فلم يظهر الأثر الذي أخف منه ولكن حينما يدور الزمان و تتغير الأحوال و ينتهي عصرها كما أنتهي غُيرها ستحدث فوضه عارمه حينما يكتشف البشر الوهم الذي كانوا يعيشون فيه لعُقود
الكتاب يستحق القراءة بعد الإنتهاء من محاضرات نقد النموذج الغربي
. واخيرا انتهيت من هذا المشروع الفكري العظيم للمسيري الذي يفكك فيه العلمانية ويحللها من جميع جوانبها، فبعد ان انتهى في المجلد الاول من مناقشة الامور النظرية من تغيير المرجعيات الفكرية للفرد ونحوه قام في هذا المجلد بشرح العلمنة على ارض الواقع. . في الباب الاول الذي يحتوي ثمانية فصول تحدث فيها عن عمليات العلمنة الشاملة، من تغيير الاقتصاد وجعل الاستهلاك كقيمة اساسية وغاية في حد ذاتها، وتكون الدولة المطلقة او كما تسمى الدولة الحديثة المسيطرة على كل مفاصل الفرد حتى علمنة العلوم الطبيعية والاجتماعية. . في الباب الثاني تحدث فيه عن الصهيونية كحركة علمانية شاملة وكيف ساهمت في مسخ الدين اليهودي، وكما انهت في رأي المسيحي الابن الطبيعي للحضارة الغربية. . المشروع رائع ودسم وطرح المسيري ليس من وجهة نظر تآمرية اطلاقا وانما يفسر وجهة نظره ان كل مساوئ الحضارة الغربية المذكورة في الكتاب ما هي الا نتاج طبيعي للعلمنة وليس بقصد التآمر على شعوبنا. . سقطة المسيري الكبرى انه نادرا ما يذكر المصادر المستند عليها واظن ان هذه سقطة لا ينبغي ان يسقط فيها باحث مبتدئ فضلا عن باحث بحجم المسيري. .
انا بدأت فى الكتاب من اكتر من سنة و بعدين وقفت لأنى حسيت بالملل نوعا ما لكن رجعت كملت اللى كان فاضلى منوا مش عارف لية حسيت ان القراءة صعبة يعنى بقرأ الجمل اكتر من مرة عشان افهمها غالبا المشكلة فيا انا بقتنع تماما بمعظم مبادئ و افكار الدكتور عبد الوهاب و السبب فى اختيارى الكتاب دا فى الاساس هو انى سمعت مرة الدكتور عبد الوهاب على قناة الجزيرة بيتكلم عن فكرة العمانية الجزئية
الفوائد اللى فى الكتاب : اولا بيعلم اى حد ميفهمش معانى المصطلحات الكتير اللى ليها علاقة بالعلمانية او الدينة و احيانا السياسية ثانيا الكتاب فية شرح للتطور اللى حصل فى التفكير الدينى فى اوروبا و مراحلوا
واهم حاجة فى الكتاب هى ان النظرة الفلسفية للدكتور عبد الوهاب عن العلمانية اللى فعلا اعمق من اى حد انا سمعتوا قبل كده يعنى بدخل فى عمق الفكرة مش بيناقش القشور
المشكلة الوحيدة اللى قابلتنى انى حسيت انى غبى و مش عارف اجمع الجمل و افهمها الا بعد اكتر من مرة
- المجلد بجزئيه يتعرض بالتعريف و الوصف و التحليل للعلمانيه بشكل عام .. و يرصد العديد من الظواهر المرتبطة بعلمنة انشطة الحياة المختلفه. - كتابات المسيري تحتاج الي شيء من التبسيط لكي تصل الرسالة الي اكبر عدد من الناس - يتعرض ايضا ل "الحركه" الصهيونيه و ربطها بـ الامبريالية الغربيه و ايضا بالفكر النتشوي - بشكل عام استمتع بقراءة اعمال المسيري ..
تعد "الدولة المطلقة" على مستوى الواقع، أهم آليات الترشيد المادى . فهى لم تقنع بفصل الدين عن الدولة، ولم تقنع بإنحسار نفوذ الدين فى بعض مجالات الحياة، وإنما أصرت على أن يغطى نشاطها كل مجالات الحياة، وانتهى بها الأمر إلى السيطرة على الدين، وإعلان نفسها مصدراً وحيداً للقيم!
نادرة تلك الكتب التي تغير تفكيرك ..وأندر تلك التي تؤسس لفكرك من جديد ..تدخل فتنظف عوالق الثقافة المزيفة والاعلام السافل وتؤسس للعقل من جديد وتريك العالم بشكل وعدسة مختلفة تماما هذا ينطبق وبشدة علي هذا الكتاب المغرق في العظمة والروعة والابداع والأكاديمية والتأسيسية. كتاب يعتبر من افضل انجازات السنة ان لم يكن الافضل في السنة والعمر بأكمله. فضلت الكتابة عن الكتاب بعد الانتهاء من الجزء الثاني الكتاب الذي عرفته منذ زمن لكني لم افكر في قراءته بجدية،فبعد الثورة تعرفت إلي مصطلح العلمانية وهو المصطلح الذي أثارت الثورة هو وغيره من الزخم حوله،ولم اكن اعرف سوي بعض ما قيل في البرامج الحوارية الصاخبة بين طرف مؤيد ومعارض لأقرر القراءة عن هذا المصطلح لازيل جهلي بهذا المصطلح وكانت حينها هي المرة الاولي التي اتعرف علي الكتاب، لاقوم بتحميله ثم اتركه مع مئات الكتب وربما الآلاف في مكتبتي الالكترونية الغير مقروءة،ويجرفني تيار الحياة لانهي التعليم الجامعي ومن وراءه التجنيد واشق طريقي في بحر الحياة لانسي الكتاب تماما،ثم اعود من جديد لتغذية عقلي بعد شهور من الجفاف الثقافي وفي الطريق اشاهد مقطعا او مقطعين للدكتور المسيري الذي يبهرني بثقته وغزير علمه وقدرته التحليلية العظيمة فأقرر ان اشاهد له محاضرات كامله اولها مناظرته الشهيرة من الأبله سيد القمني،وهكذا يعود لذهني كتاب العلمانية الجزئية والشاملة فأقرر ان اشترية في معرض الكتاب الذي لم اكن حينها احمل المال الكافي لاشتريه لاعود من القاهرة بدونه لكنه ظل في ذهني مشروعا للشراء رغم توفر النسخة الالكترونية ليفاجئني القدر بالصدفة السعيدة حيث وجدته في معرض الكتب المخفضة في بلدتي بورسعيد،وليحفظ الله توالف الشروق. تلك هي قصتي مع الكتاب،اما الكتاب نفسه فقصة أخري،بدأت مع اول صفحات الكتاب الذي وجدته صعبا في البداية ولا أخفي ذلك،ثم لم يلبث ان فهمت مصطلحاته ومنهجيته وطريقة تحليله بأن وقعت في سحره،سحر كتاب تتبع فيه الدكتور المسيري المصطلح من تباشير ظهوره في التاريخ وبصبر عجيب تتبع كل المظاهر المحيطة بالمصطلح والمؤدية لظهوره والمرتبطه بتفسيره والفلسفات التي مهدت لبزوغه واي وسيلة تؤدي لمزيد من العمق في فهم المصطلح. دراسة بديعة في مجلدين لينهي عمل ولنبدأ-في رايي- عمل آخر العمل الذي انهاه دكتور المسيري هو العمل التحليلي وقد انهاه بامتياز واتمه بإقتدار، والعمل الذي نبدأه هو العمل التكميلي الذي يجب علينا إكمال ما بدأه المسيري عبر الاستفادة من نظريته لإنتاج آليات تضاد العلمانية وتقاومها في المجتمعات وما يرافقه من اعلام تحذيري مبني علي علم وبصيرة،واي بصيرة. عاب الكتاب بعض العيوب مثل الاستدالات والإحالات فقد احال الكتاب الي كُتاب كثر جدا وللاسف لم يذكر الكتب لمزيد من الاستفادة والاستزادة. كما عابه ايضا التكرار لمزيد من التوضيح وتحرير المصطلحات وهذا ان كان مفيد جدا في بابه الا انه سبب بعض الملل،الملل الذي اذا ما اقترن بصعوبة بعض المصطلحات كان الامر اكثر شدة. استغربت لختام الكاتب بهذه الخاتمة ..حيث خصص باب للحديث عن اليهود والصهيونية لا ادري اهي مختصرة عن موسوعته ام هي نواه لها ،لم افهم في البداية فائدتها لكني بعدما انتهيت من الكتاب فهمت مغزي الكاتب،فالكاتب رحمه الله في فهمي اراد ان يكون كتابه موسوعيا عن العلمانية وخصوصا لدي القارئ العربي المتوهم سيطرة اليهود علي مقاليد الكون ومن ثم تأسيسهم-اليهود-للعلمانية وتصديرهم للعالم اجمع فشرع الكاتب في مناقشة ذلك الادعاء ووضعة امام المعيار الصحيح والدقيق دون شطط او تهوين،في هذا الجزء يوضح الكاتب تاريخية اليهود ومدي تغلغلهم في المجتمات الاوربية وتفاعلهم معه كجماعة وظيفية منبوذة وصولا الي طرد الاوربيون لهم من اوربا وتجميعهم في فلسطين لمزيد من النفي والنبذ ولاستمرار دورهم كجماعة وظيفية تخدم اهداف الكيان الاستعماري الدولي دون الخروج عنه قيد انمله،يوضح الكاتب ايضا بعد الملامح التاريخية للفكر الصهيوني ومدي علمانيته واحتقاره لليهود واليهودية. في المجمل فكتاب وجبه ثقافية ممتعة،مغرقة في تأسيسيتها ممتعة في تحليلها،رائعة في مجملها.