يا كلَّ النساءِ اللواتي رأيتُهن يا نساءَ البحر من فضلكن هَلُمَّ إلى حقلِ القمح ونظِّفْنَ عظامي جيداً تلك العظامَ التي تشبه باقةَ زهورِ قصب ثم احملنَها في صندوق الكمانِ وعُدْنَ بها.
************
لا يمكن لأحدٍ أن يعرفَ الأسبابَ وراء انتحارِ إنسانٍ ما، بالرغم من النظريات التي تتحدث عن هذه الظاهرة، ويصبح الغموض أشد، حينما يتعلق بشاعرٍ مثل "خاي زي" أنهى حياته وهو في ذروةِ تألقه الشعري. وإذ تسبق البصيرةُ البصرَ أحياناً، فإن "خاي زي"، الذي ألقى بنفسه أمام قطار وعمره 25 عاماً .. كان قد كتب عن ثماني طرائقَ للانتحار في إحدى قصائده، وقال في رسالة قصيرة مكتشفَة بعد موته: "اسمي تشا خاي شينغ، أعملُ مدرساً في جامعةِ الصين للسياسة والقانون، موتي لا يُسْأَلُ عنه أحد." فهل كانت الطاقةُ الكامنةُ في شعره هي المسؤولة عن دفعِه إلى إنهاءِ حياته؟ لا أحد كذلك بوسعه أن يعطي إجابةً قاطعة، وما يبقى هو شعر "خاي زي" الذي نقدّم هنا مختاراتٍ منه في طبعةٍ ثانيةٍ مزيدةٍ ومنقَّحة.
Hai Zi (Chinese: 海子; March 1964 – 26 March 1989) is the pen name of the Chinese poet Zha Haisheng (查海生). He was one of the most famous poets in Mainland China after the Cultural Revolution. He committed suicide by lying on the path of a train in Shanhaiguan at the age of 25.
Hai Zi wrote several long poems, "choral operas" and countless short poems in his brief life. His style is generally described as "anachronism". Many of his short poems contain symbolic images like Land, Sea and Wheat field and recall the ideals of the ancient Chinese pastoral poet Tao Yuanming. Hai Zi was also obviously influenced by Western philosophy and arts, especially Nietzsche and Van Gogh. And the strong sense of mysticism in all of his works is probably one of the most important characteristics which turned him into a unique figure of Chinese literature.
”في نهايةِ العَتمة أسندتْني الشمسُ لأقفَ كان جسدي كموطنٍ حبيب، تدفقت فيه الدماء أنا إنسانٌ سعيدٌ تمامًا ولن أنكرَ بعد الآن أنني إنسانٌ كاملٌ، أنني إنسانٌ سعيدٌ للغاية تصاعدت العَتمةُ من جسدي بفعلِ الشمسِ، وتبدَّدتْ لن أنكرَ بعد الآن… أنَّ مشاهدَ الجنةِ والوطنِ الساحرة ووجودَها… في نهايةِ العَتمة!“
”أَيًّا كان الذي يسير بغبطةٍ في هذه المدينة هو مَن أحبُّه.“
”في أي غابة كنت، تصب من زجاجة نبيذك تشرب أنتَ ودمعك النبيذ، في أي غابة كنت، تدفن أحبائك. على أي شاطئ كنت، تكون في ذروة وحدتك حين تدخل المنزل الخالي، تكون في ذروة وحدتك، فتشعل الضوء في أي فصل كنت، تكون في ذروة وحدتك تضع سلتك المعبأة، الأرض شاسعة ممتدة، النهر يتدفق؛ ثمة من أمسك القنديل وأظهرك في النور أي عربة تحملك، تنطلق بك إلى البعيد تنطلق إلى البعيد، حيث ترحل بلا رجعة، أي عربة تحملك.“
”فقط شخصٌ غريبٌ يرتدي معطفًا واقيًا من المطر يأتي إلى هذه المدينةِ الجافةِ منذ وقتٍ طويل.“
أحب كيف يساعدني الشعر المترجم على الاحساس بأماكن وأزمنة لم اعشها، أحببت تصوير الشاعر للطبيعة، واضح وطاغي. لكتاباته لونٌ إنساني حميمي، ثقيل، ومحزن. مقدمة وخاتمة يارا المصري أعطت الاشعار لمحة انسانية عاطفية جعلت القراءة محركة للمشاعر أكثر حتى وإن لم أفهم بعض الأشعار، ممتنة لذلك.
هناك شيء مهيب يتعلق بالنصوص التي يتركها الكتاب المنتحرون وهي فكرة بلوغهم الحد الأقصى في تعبيرهم عن الرفض .. رفض الحياة ..نصوصهم لا تنطلق من الحياة بل تأتي من الضفة الأخرى المقابلة.. من الموت . فتحكي عن الحياة بنبرة يملؤها العزوف والتخلي،لذلك تصبح الدلالات التي يسبغونها على مظاهر الحياة مختلفة جداً ففي حين يرى الآخرون في البحر أنيساً و محرضاً على التأمل والسكينة لا يراه هو إلا كقبر فسيح يبتلعه ..والضياء ماهو إلا بريق زائف ..والزهور ليست إلا وصيفة للموت وهكذا..وكإثبات أخير على موقفه يختار أن يذهب إلى أقصى ما يمكن وهو الإلتحام بالنهاية ..بالعتمة الأبدية . كانت قراءة حميمية وحزينة لنصوص للشاعر الصيني الشاب خاي زي الذي انهى حياته دهساً تحت عجلات قطار وكان موته هو تعبيره الخالد عن ألمه تماماً كنصوصه .
بيني وبين ماضيَّ تفصلني أرض مُعتمة بيني وبين مستقبلي تفصلني سماءٌ صامتة / هناك بعض الأمور التي اعتدنا عليها ستموت وبعض الأمور التي لم نتعود عليها مدت جذورها رويدًا رويدًا . / أول مرة أقرأ شعر صيني مترجم - وأول مره أقرأ شيء من ترجمه يارا والحقيقه ان الترجمه جيدة جدًا ومشجعه للإطلاع لتوجمات أخرى لها
أقضي اليوم كما يبدو مع الشعر :) فمن محمد الماغوط، لقاسم حداد والآن هذا الشاعر الصيني الذي وللصراحة ما كنت لاطالعه لو لا ان أُهديت الديوان من صديقة
يغلب على الديوان التقاطات من الطبيعة، وبدا جليًا الاكتئاب الذي اكتنفه حتى اوصله للانتحار
لطيف التعرف على شعر تلك البلاد، أكبر في المترجمة اهتمامها بالشاعر وحتى ذهابها لمكان انتحاره ولقاء اصدقاء له .. احببت تقدمتها و اختتامها لشعر الكاتب الصيني، ما اكسب ترجمتها لفتة انسانية عالية .
المشكلة في النصوص الشعرية المترجمة أنها تفتقر صوت الموسيقى الذي يحرك لدى المتلقى جماليات النص، والخروج عن الشكل المعتاد في بناء القصيدة يجعل من الشعر الخالي من الوزن والقافية مجرد كلمات جوفاء بلا دلالة فيتحول إلى شعر عاطل لا إبداع فيه ولا بلاغة ولا محسنات بديعية. ليس لدى مشكلة مع الشاعر الذي انتحر لأن لم يصلني من شعره سوى محاولات الترجمة، ولا أظنني أحبذ تكرار قراءة الأشعار المترجمة مرة أخرى لأنها لا توفي الشروط، فليس الهدف من الشعر التعبير عن العاطفة وحسب بحيث تصير تائهة شاردة في فضاء السطور دون بيت يؤويها، وإنما الشعر هو الحكمة الإنسانية بعد أن تهدأ هذه العاطفة وتحكمها موسيقى الكلمات، وليس كل من يفهم اللغة الصينية ينقل الشعر عن الصينية، وإنما يتوجب أن يكون المترجم شاعرا يجيد قرض الشعر في الأساس.
تقول يارا المصري في حديث مباشر ان هذا الكتاب اكثر ما أثر فيها ولامسها عند ترجمته، شارحةً ملابسات انتحار كاتبها الشاب وطريقة انتحاره المحزنة ..
نعم هذه نصوص شاعرية مؤلمة ، وهذا شعر رهيف ورقيق تستطيع من خلال قراءته ملامسة مشاعر هذا الشاب الذي ينشد الخلاص من كل ما هو حوله، متعلقًا بالطبيعة عاكسًا ربما تقليدا صينيًا بأن ارواحنا ربما تكون في عالم ما ورقة شجر او جذور نخلة او ربما فراشة او طير يطير في السماء، فاختار حياة اخرى بإنتحاره محررًا نفسه من أغلالها ومن أعباءها الثقيلة ..
قراءة حميمة تتغلغل في مسام الروح، و ترجمة رائعة من يارا المصري ومميزة كالعادة