What do you think?
Rate this book


256 pages
First published January 1, 1953
"كان فولتير يقول: «إني قلما أتعمق، ولكني واضح الفكرة على الدوام» وهذه كلمة أستطيع أن أقولها أنا أيضًا"

"وهناك من الأذكياء من حظوا بمركبات نفسية تبعثهم على الاستطلاع، فيجدون فيها الإيحاء والتوجيه دون الحاجة إلى من يرشدهم. ولكن معظم القراء يحتاجون إلى المؤلف الذي يثير الاستطلاع ويبعث إليهم بالخسائر ويوجه ويرشد، إما لأنهم ليسوا على درجة عالية من الذكاء المتسائل، وإما لأنهم قد خلوا من تلك المركبات النفسية التي صادفت غيرهم لاختبارات أو كوارث وقعت بهم فكانت المنبه والمحرك لنشاطهم الذهني."
"المؤلف الذي نحبه ليس فقط صديقاً نأتنس بآرائه ونستفيد بأفكاره، إنما هو أكثر من ذلك. هو بهذه الآراء والأفكار. يتسلل إلى قلوبنا وعقولنا فيؤثر في شخصيتنا أو يغيرها، وهو بهذه المثابة، نفسي فسيولوجي له دورة حيوية في وجودنا، ولكن المؤلف العظيم، ليس هو الذي يجعلنا نرى الدنيا بعينيه ونشهد على الناس والأشياء بضميره، وإنما هو الذي يعلمنا الاستقلال رائين ومشاهدين معاً، وإن لم يكن في رؤيته وشهادته قد فتح بصيرتنا."
"فأما الطراز الأول فهو أولئك الذين تتسم حياتهم أو مؤلفاتهم بغلواء حين يحيون أو يفكرون على القمة والذروة، فهم نيتشه في جنونه المقدس، يحيل حياته إلى مغامرة فلسفية، ويدعونا إلى أن ننسلخ من رواسب الخرافات الماضية ونتولى بأنفسنا مصير مستقبلنا، وهم دستوفسكي في غلواء الحب الغامر للبشر، والإحساس الديني الذي تتذبذب به أوتار نفسه، وهم غاندي الذي يكافح إمبراطورية سوداء بكلمات عذبة من الطهر والشرف فيخجل منه العالم ويسلم باستقلال الهند.
وأما الطراز الثاني فهو أولئك الذين أعطوني منهجًا للحياة، فهم جيته الذي عاش طالبًا مدى حياته يزيد وجدانه بالتوسع في الثقافة والزيادة من الاختبارات، ويشتغل بالسياسة والأدب والعلم والفنون، وهم برنارد شو يجعل من أدبه كفاحًا للظلم والاستبداد والدناءة والقبح وهم «ه. ج. ولز» يرفع الصحافة إلى مقام الفلسفة، فيدرس شئون العالم إلى تدين بشري جديد كأنه إحساس يغمر قلبه وعقله.
وأما الطراز الثالث فهم أولئك الذين أعطوني المعارف الخصبة أو الأفكار الحوامل، مثل فكرة التطور التي أحدثت لي مركبات ثقافية، كأنها العقدة النفسية في المريض تدأب في تفرع، ولكن مع التسلل والتستر، ولقد استطاعت هذه الفكرة الداروينية أن تجعل حياتي جميعها استطلاعًا دائمًا، وهم فرويد الذي حملني على دراسة العشرات من الكتب، وهم «أليوت سيميث» الذي فتح لي من أبواب التاريخ البشري ما لا أزال أنفذ منه إلى ميادين فسيحة من الفهم والعلم.
هؤلاء علموني … أكسبوني، بالحياة الغالية التي عاشوها على القمم إيحاءات كأنها صلوات بالقلب، أو أعطوني منهجًا أعيش به عيش الخدمة والكرامة والشرف مع الرضى بالتضحية"

"التجربة في كل شيء؛ في الفلسفة، وفي الأدب، وفي الموسيقى، وفي الأغاني، وفي الاجتماع. ولم لا؟ أذكر أنه عندما عمدت إحدى الوزارات الماضية إلى إلغاء البغاء بالأحكام العرفية أني طلبت التجربة، فقلت: إننا نستطيع أن نلغي البغاء الرسمي في القاهرة، وندعه في الإسكندرية مدة عام، ثم نقوم بتحقيقات بشأن الصحة الجسمية والنفسية بين فريقين مختلفين من الشبان آخر هذا العام، فإذا ثبت لنا أن الإلغاء في القاهرة قد نقص من الأمراض الزهرية، ولم يؤد إلى تفشي الأمراض النفسية، وتفشي الشدودات التي تنشأ من التوترات الجنسية، فإننا نعمم الإلغاء في القطر كله، أما إذا ثبت العكس فإننا نعيد البغاء الرسمي"
"إلى حين أجد مؤلفًا يبغض التعصب الديني ويكافح الغيبيات ويدعو إلى مذهب العقليين، ويقول بضرورة الاشتراكية، أسأل: هل هو فرد في طائفة من طوائف الأقليات تعاني ضغطًا اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا بحيث يحب هذه المبادئ وينقلها إلى الوجدان الفني؟ أليست علة ذلك أنه قد أحس أن الغيبيات تفصل بين البشر، وأنه لذلك بشرى العقيدة اشتراكي المذهب؟ واعتقادي أنه إذا كان رجل السياسة مكلفًا أن يجيب عن سؤالنا: «من أين لك هذا؟» بتقديم الحساب المفصل عن ممتلكاته، فإنه يجب على الأديب أن يجيب عن مثل هذا السؤال بأن يكتب تاريخ حياته حتى نفطن إلى البواعث ونتعمق الأسرار ونتربى ونستبصر بكوارثه"