«في الثامن والعشرين من شهر فبراير للعام الحادي عشر من عصر ميجي (أيْ في اليوم الثالث من وقوع حادث ٢٦ فبراير)، أمسك الملازمُ أول شينجي تاكياما، الضابطُ العامل بقوةِ كتيبة «كونوئه» للنقل، بسيفه العسكري، وانتحر ببَقْر بطنه طِبقًا لطقس السيبوكو، في الغرفة ذات القِطَع الثمانية من حصير التاتامي من مسكنه الخاص، الواقع في أوباتشو بالتجمع السادس بحي يوتسويا، بعد أن عانى طويلًا عندما عرف بعد الحادث أن زملاءَه المقرَّبين كانوا مع المتمرِّدين منذ البداية، فضلًا عن سُخطه لاحتمال اقتتال قوَّات الجيش الإمبراطوري فيما بينها. ولحِقت به زوجتُه ريكو بطعن نفسها بخِنجرها الصغير.»
يُطلِعك هذا الكتاب على الكثير من سمات الأدب الياباني في منتصف القرن العشرين، من خلال مجموعة قصصية للكاتب الياباني الشهير «يوكيمو ميشيما»، تستطيع من خلالها التعرُّفَ على سمات الأدب الياباني عامة، وأدب «ميشيما» خاصة، وبالأخص قصة «الخوف على الوطن» التي قال عنها إنها بمثابة خلاصة تكثِّف أدبه كله بحُلوه ومُره. وقد ضمَّت مجموعتُه باقةً متنوعة من الأفكار، والأسئلة الذاتية التي شغلت الإنسان الياباني، ويتجلى فيها الكثير من ثقافة المجتمع الياباني، وهي ثقافةٌ بعيدة عن القارئ العربي كثيرًا؛ نظرًا لنُدرة الأدب الياباني المترجَم في المكتبة العربية. ومن هنا تَكمُن أهميةُ هذه المجموعة التي تُعَد بابًا لثقافةٍ غنية بتاريخٍ مُوغِل في القِدَم وتقاليدَ راسخة، كما تُعَد كتاباتُ «ميشيما» كتاباتٍ مهمةً لارتباطها بالنفس الإنسانية عمومًا، وسعيها الدَّءُوب نحوَ تفسير الحياة والموت.
Yukio Mishima (三島 由紀夫) was born in Tokyo in 1925. He graduated from Tokyo Imperial University’s School of Jurisprudence in 1947. His first published book, The Forest in Full Bloom, appeared in 1944 and he established himself as a major author with Confessions of a Mask (1949). From then until his death he continued to publish novels, short stories, and plays each year. His crowning achievement, the Sea of Fertility tetralogy—which contains the novels Spring Snow (1969), Runaway Horses (1969), The Temple of Dawn (1970), and The Decay of the Angel (1971)—is considered one of the definitive works of twentieth-century Japanese fiction. In 1970, at the age of forty-five and the day after completing the last novel in the Fertility series, Mishima committed seppuku (ritual suicide)—a spectacular death that attracted worldwide attention.
مجموعة قصصية رائعة أثبتت علو كعب ميشيما القصصي بجانب أيضاً كونه روائي له مكانته الشامخة السامقة . أعجبتني على وجه الخصوص قصة " حب راهب معبد شيغا البوذي " و قصة " الخوف على الوطن " ، هذه المجموعة المختارة من قبل ميسرة عفيفي _ و هو قامة بارزة في الترجمة عن اليابانية _ مكانها العالمية حصراً جنباً إلى جنب مع كبرى الأعمال القصصية المنيفة التي أظلم عليها الليل و أشرق عليها النهار و اكتحلت بحروفها أعين القراء الكبار ، كما ذيل المترجم هذه الدرر التسع بعنوانين آخرين - كانا بمثابة ستار من نور أسدل على وجه حسناء فاتنة- و هما : يوكيو ميشيما يكتب عن يوكيو ميشيما ( و هو في هذه المقالة يحلل ميشيما ذاته كرجل و ليس كروائي أو أديب ) و إضافة ميسرة عفيفي الخاصة و هي يوكيو ميشيما و أزهار الكرز .
لأسلوب ميشيما سحرٌ خاصٌ جداً، يشدّ انتباه القارئ ويثير فيه الدهشة الكاملة دوماً، هذا ثالث عمل أقرأه له، وكل ما كنت أردده بيني وبين نفسي أثناء قراءة هذا العمل: أين كنت عن القراءة لميشيما؟
نأتي للقصة التي عُنون الكتاب بها:"البحر والغروب"، تحكي هذه القصة عن انتظار راهبٍ لمعجزة يعلم يقينا بأنها لن تحدث. يقول ميشيما عن هذه القصة بأنها قضيته المحورية التي واصل حملها على عاتقه خلال عمره كله، مستمدا فكرتها من مشاعره أثناء الحرب العالمية الثانية إذ كان الناس يقولون في لحظتها: «لماذا لا تهب رياح الآلهة»، وفي القصة تجسد هذا السؤال ب:«لماذا لم ينشق البحر وقتها لنصفين؟». يقول ميشيما أن هذا السؤال كان أمرا لا يمكن تلافيه، على الرغم من بلوغه عمرا يدرك فيه بأن وقوع ذلك مستحيل.
جميع القصص الكتاب كانت مدهشة، والدهشة إن صاحبت القصة تكون بذلك قد حققت هدفها للقارئ. لكن يوجد ماهو الأفضل دائما، وبالنسبة لي أجمل قصص الكتاب هي: "الخوف على الوطن" وهي ببساطة عبارة عن سيرة خيالية لحادثة ٢٦ فبراير، تمّ رسمها من مشاهد الحرب والموت والخيانة والإيروتيكا. المدهش هنا بأنّ نهاية بطل القصة كانت مماثلة للطريقة التي انتحر بها كاتبها، وهي طريقة السبوكو. يقول ميشيما عن هذه القصة:«هذه القصة بمثابة خلاصة وتكثف أدب ميشيما بحلوه ومره».
أمّا عن القصة الأخرى فهي قصة«فتى يكتب الشعر»، تحكي عن العلاقة بين الشاعر والكلمات وانطلاقه في عالم الأدب وتكوينه النرجسي والقدري في الوقت ذاته. في هذه القصة يظهر فتى ذو مشاعر باردة، يحمل عيناً ناقدة، يملك ثقة عالية بالنفس ،ويعلم يقينا بأن سعادته الداخليّة جاءت من الشعر، ويقوده هذا الإدراك إلى أنّه لم يكن شاعرا من الأساس! أعتقد بأن هذه القصّة فسّرت لي سبب تحوّل ميشيما من شاعر إلى قاص وروائي.
في اخر الكتاب تُرجمت مقالة يتحدث فيها ميشيما عن نفسه بصيغة الغائب وكأنّه شخص آخر. ويحلل فيها ميشيما شخصيته كرجل بعيداً عن كونه أديباً أو كاتباً، هذه المقالة كتبها ميشيما قبل انتحاره بأربع سنوات، ومن هذه المقالة يتضح للقارئ بما ستؤول إليه حياته في حينها.
اُختتم الكِتاب بمقالة كتبها المترجم عن ميشيما عن أحداث حياته وقليلا من أعماله، كان يمكن للمقالة بأن تكون عاديّة لأن كل تلك المعلومات تستطيع قراءتها في ويكيبيديا، لكنّ المترجم لم يكتفي بالسرد بل حلل حياته عبر تحليل الثقافة اليابانيّة نفسها، بتحليله للهانابي وحشرات الزيز والساكورا، تلك الأشياء التي دائما ما يتغنّون فيها اليابانيين ويكتبون عنها ويحتفلون بها، وكلها تمتاز بعمرها القصير، وهي ما أضافت إدراكاً لروعتها عند اليابانيين.
"قرأت لميشيما "رواية البحار الذي لفظه البحر وقد أعجبتني. أما تلك المختارات القصصية، وجدتها عادية ومتوسطة، والقصة الوحيدة التي أثارت اهتمامي "هي قصة "الخوف على الوطن أتطلع إلى قراءة روايات ميشيما الأخرى "وبالأخص رباعيته الشهيرة "بحر الخصوبة
أول كتاب أنهيه هذا العام، مجموعة قصصية ليوكيو ميشيما للمترجم المبدع ميسرة عفيفي من دار هنداوي التي تقدم هذه الترجمات بشكل مجاني لمحبي القراءة مشكورة.
سأنصح بالمجموعة القصصية لكل من يريد التعرف على يوكيو ميشيما أدبيًا وشخصيًا ولا يريد قراءة مؤلفاته كبيرة الحجم. فهو في القصص يسرد المواضيع التي أرقته طوال حياته وحتى لحظاته الأخيرة، بين الفتوة والجمال، وعذوبة قصر الحياة والموت. ويوّصف أفكاره ومشاعره فيها بطريقةٍ تأخذ الأنفاس فيضحكك أحيانًا، ويستفزك ويستعجبك ويثير حيرتك أحيانًا أخرى.
إن ما أحبه في أدب ميشيما هو عامل الاختلاف والغرابة، وحتى الانزعاج. فأدبه مستفز ومختلف ورائع، وفيه روحٌ يابانية لا تنفصل مهما ابتعد في جغرافية السرد وتفنن في إضافة شخصيات من بقاع العالم المختلفة.
في نهاية الكتاب ثمة مقال ساخر عن يوكيو ميشيما بقلم ميشيما نفسه يصف فيه ذاته كرجل لا كأديب وكاتب ويضحك على نفسه وطريقة لبسه وهوسه بالتدريب وبناء العضلات والرياضة.
وبعدها ينهي الأستاذ عفيفي الكتاب بمقال عن ميشيما وأدبه وارتباطه بالثقافة اليابانية كأزهار الساكورا والهانابي (الألعاب النارية) وحشرات الزيز. ويوضح للقارئ بعض الملامح التي قد تغيب عنه إن لم يكن مطلعًا على الثقافة اليابانية.