لا يمثل هذا الكتاب محاولة لدراسة النقد الأدبي العربي دراسة تحليلية أكاديمية تتجنب اتخاذ المواقف، أي ما يعرف أحياناً بالأسلوب الوصفي الذي يتوخى الحياد التام. وإنما هو دراسة تتوخى التحليل الأكاديمي وقيمه المعروفة من دقة ومنهجية لتسعى في الوقت نفسه إلى التعبير عن موقف إزاء ما ترى وعلى النحو الذي تفصح عنه الأطروحة المتمثلة بمفهوم الاستقبال.
وإذا كانت دراسة من هذا النوع تدخل في حيز ما يعرف بنقد النقد فإنها لم تسع إلى ما سعت إليه بعض تلك الدراسات من تبن واضح ومسبق لمنهج من المناهج، ومعنى هذا أن المنهج بمعنى المقاربة الفكرية أو الابستمولوجية بما تحمله من فرضيات لم يؤخذ بعين الاعتبار، لكن المنهج بمعنى الوسائل الإجرائية من ضوابط البحث المعروفة كان محل اهتمام خاص. هذا بالإضافة إلى أن الكتاب ينطلق من استحضار واعٍ للموقف الفكري الحضاري المؤسس على الإيمان بالخصوصية الثقافية من ناحية، وبحتمية وحيوية المثاقفة الواعية، من ناحية أخرى، والنقد الأدبي جزء حيوي من تلك العملية الفكرية الإبداعية التي شغلت الثقافة العربية قروناً طوالاً وما تزال تشغلها، وستظل على الأرجح تشغلها زمناً آخر قد يطول. إن منطلق الكتاب هو القلق الذي شعر به المؤلف سعد البازعي على مدى سنوات، أي منذ بدأت مشاركته للحياة النقدية العربية قبل ما يقارب العقدين، وهي مشاركة متواضعة، لكنها عانت منذ البدء باكتشاف أن كثيراً من النقد العربي الذي اطلع عليه وتمثل في بعض أشهر أقطابه يقوم على الكثير من التهالك على النظريات والمناهج الغربية والاستعجال في تمثلها، مما استدعى الورقة تلو الورقة مما قرئ في ندوات متعددة ونشر في أماكن مختلفة يشكل بعضها مادة أساسية لهذا الكتاب.
في مقدمة الكتاب رسم المؤلف لمعالم الإشكالية التي يقدمها ويبحث في تفاصيلها، فهي أطروحة الكتاب الأساسية مصوغة ومحللة بالاتكاء على شواهد عديدة من النقد العربي والغربي. تلى ذلك بفصل خاص نرسم فيه معالم الخصوصية في النقد الغربي من حيث أن ذلك النقد هو "الآخر الثقافي" في مقابل حركتنا النقدية العربية، الآخر الذي نحتاجه ونسعى إلى فهمه والإفادة منه، لتقف في وجهنا العوائق الكثيرة سواء منها ما كان منها حتمياً أو ما لم يكن.
تلى ذلك بفصول القسم الثاني من كتابه والتي خصصها للنقد الأدبي العربي حسب تطوره منذ نشوئه الحديث في نهاية القرن التاسع عشر حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي. على أن ما تتضمنه تلك الفصول ليس تأريخاً للنقد الأدبي، ولا هو مسح شامل لمختلف تيارات ومناهج ذلك النقد، فعلى الرغم من وجود بعض السرد التاريخي، فإن ما يطغى على النقاش هو مسعى الوصول إلى صورة النقد العربي في تفاعله مع الغرب، ما حققه وما لم يحققه.
سعد البازعي ، ناقد ومفكر سعودي حاصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة الملك سعود بالرياض 1974. حاصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بردو بولاية إنديانا في عام 1978 ، والدكتوراة في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو 1983 أيضاً وكانت أطروحته حول الاستشراق في الآداب الأوروبية. عمل أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984 وحتى انتقاله لعضوية مجلس الشورى عام 2009 ، رئيس النادي الادبي بالرياض.
دراسة تطرح بعض القضايا و المشكلات المتعلقة بالنقد العربي الحديث و تفاعله مع الغرب .. تدور بشكل رئيسي حول إشكالية إستيراد المناهج و النظريات في النقد الغربي و استعمالها في النقد العربي الحديث بوصفها نتاجاً ثقافياً كونياً .. أثبتت الأدلة و الشواهد على خصوصيته .. . . يتبنى هذا الكتاب موقفين : الأول : إن استقبال المنتج الثقافي الغربي لا يعدو كونه استهلاكاً يؤدي الى ضمور القدرة على الإبداع .. نظراً لجاهزية المعطى .. . . و الثاني هو أن ما يمكن استقباله لابد أن يتضمن ما يوجب الرفض و القبول .. و قد أشار الكاتب الى أن العلاقة الثقافية لا تخلو من الاثنين معاً .. و قد طرح تجربة الناقد " شكري عيّاد " كنموذج للناقد الواعي بعمق المشكلات و التحديات في استخدام هذه المناهج او النظريات .. دون التكيف و التمثل للغرب و بمحاولة جادة " للتأصيل " .. و ذلك عبر نقد الثقافة الوافدة و استبدال معطيات تلك الثقافة بمعطيات نابعة من قيم حضارية ذاتية .. . . . كتاب ممتع و متعب نظراً لأنه مُختصّ و متعمّق .. ينصح به للمهتمين بالنقد .. .
يستهل البازعي كتابه هذا بإشارة لافتة لمدلولي عنوان الكتاب "استقبال الآخر" والآخر هنا هو الغرب، فالاستقبال يعني التلقي، كما يعني أيضاً اتخاذ الآخر/الغرب قبلة. ويفتتح الكتاب بمقدمة يبين فيها معالم الإشكالية التي هو بصدد مناقشتها، وهي تدور حول تبعية النقد العربي الحديث للنظرية الغربية، ودعاوى النقّاد العرب عن "علمية" النقد الحديث، وكونيته بفصله عن سياقه الغربي. ثم ينتقل المؤلف للقسم الأول من الكتاب وهو بعنوان"النقد الغربي-خصوصية السياق" وفيه يتحدث عن الخلفيات الفلسفية والخصوصيات التاريخية والثقافية بل والدينية التي تقف خلف النظريات النقدية الحديثة (الشكلانية، البنيوية، التفكيكية...الخ)، وبالاطلاع على هذه الخلفيات يمكن بوضوح معرفة ما الذي حدث حتى ترك النقاد سؤال:"هل ما يقوله هذا النص صحيح؟" إلى سؤال:"ما الذي يقوله النص بالضبط؟". وقد ألمح إلى التأثير البروتستانتي على تطور الثقافة الغربية عموماً، ودور حركة نقد الكتاب المقدس في نشأة النقد الشكلاني كما عند نورثروب فراي، وإلى دور النظر النقدي للتراث التفسيري وللتراث القبالي اليهودي في تطور الفكرة التقويضية في نظريات القرن العشرين. وهنا تلمح بدايات فكرة كتابه اللامع "المكون اليهودي في الحضارة الغربية"، كما تحدث عن النزعة العدمية في النظرية النقدية الحديثة. ثم انتقل للقسم الثاني المخصص للنقد العربي وعرض فيه أولاً باقتضاب تاريخ تلقي النقاد العرب للنظريات الأجنبية، ثم انتقل للحديث عن النقد الواقعي والشكلاني والأسطوري، وبدأ بمناقشة إشكالية الكتب المترجمة للتعريف بالنظريات النقدية الغربية. ثم أخذ في نقد التمثلات النقدية العربية لهذه المذاهب. ثم خصص الفصل التالي للحديث عن استقبال البنيوية، وتحدث عن الإخلال بفهم النظرية البنيوية وتجاهل نزعتها غير الإنسانية، والاختزال والتسطيح، وغياب الضبط المنهجي والمصطلحي. ثم انطلق المؤلف بعقد مبحث نقدي لاذع عن البنيوية الشكلانية عند كمال أبو ديب، يليه بنيوية محمد برادة ولحميداني. ثم في الفصل الرابع تحدث عن إشكالية المصطلح، وترجمته، وذلك بالتطبيق على مصطلح التفكيك. وتحدث عن تلاعب الغذامي بتعريب المصطلح إلى "التشريح" وخلطه العجيب بين المناهج المختلفة في كتابه"الخطيئة والتكفير"، فدراسة الغذامي تؤكد "أن محاولة الدخول في أفق نقدي واسع ومعقد من خلال فهم سريع وقائم على مصادر ثانوية قد تفشل تماماً". وأخيراً يختم كتابه البازعي كتابه الهام بطرح نموذج شكري عياد، باعتبار تجربته المميزة في النقد والتطبيق، وباعتبار خاص يتعلق بإدراكه للإشكاليات الكبرى في النقد العربي الحديث ومحاولاته القلقة لتجاوزها.