رنّت العين المُتدلية من جلبابِ السيد وعادت كفّا واحِد إلى جانبه فزعًا مما رآه، قلقًا من الريح التي ما تزال تدور في إحدى يديه والنار المشتعلة في يده الأخرى تساقطت البتلات من نصف جسده وتساقط شوكٌ وخزه نفقت الأسماك تحت قدميه، وجف الماء فزعًا من جسده، قال واحد: "هل لي أن أذهب معك إلى الجهة المجهولة؟" "إني في انتظار من أشقاه القلب، وباتت نفسه وحشًا ضاريًا، لا أنت. أولستَ حيًا... ما يكفي لتنتظر؟"
الأسلوب بشكل عام كان جميل، كأنك تقرأ لوحة مرسومة بالأبيض و الأسود. لكن لا أعلم لما أصابني الملل في نصف الكتاب .. ولاحظت ذلك في الآونة الأخيرة بكثرة .. أيكون السبب في إختياراتي للكتب أم المشكله فيني أنا.
قد يكون هذا الكتاب من أعجب ما قرأت .. كتاب يروي قصة مدينة صفر .. مدينة الارواح الضائعة والقلوب المهملة والاجسام المبددة. مدينة لا تتحمل الحب والامل بل تساهم في فقدانهما حالما يتوقد القلب والعقل. "كيف لا يهمل القلب؟ بالحلم يا واحد""بل بالفكرة يا واحد. بالفكرة عقلك يتقد فلا ينام قلبك" اما الحلم فهو ما يملئ القلب لينشغل به في زمن انتظار العابر. "في الفكرة نعيش وبها ينساق العالم ويُخلق كل يوم" فيأتي واحد بفلسفته "أحلم بأفكاري وأفكر بعقلي .. وبهذا يتقد عقلي ولا أهمل قلبي". نأتي بعد ذلك في لقاء لاحقا و هذا ما يبيعه صاحبنا صاحب الدكان الفارغ "كل ما هو انت .. احلامك وافكارك وقدرك وسلالتك ووقتك - الماضي منه والمستقبل- حياتك كلها وموتك". ان هذه بعض المحادثات التي نشهدها في هذه القصة العجيبة السريالية يتسرب فيها السواد ويقف الزمن في لقطات داكنة تأتي على صور متناثرة تدفع قارئها ليتفكر في دوامة لا ترحم من يحظى ويجرؤ ان يسقط بداخلها. ان ملاك لطيف ليست مجرد كاتبة فهي اكثر من هذا بكثير .. ملاك لطيف فنانة اخذت فرشاتها السوداء الغنية فرسمت عالم حي بكلماتها يتوقف قارئها متمهلا باستعجاب ليسري في خطى مرعب حتى تلتهمه مدينة صفر باكمله.
قيل فيما قيل، أنَّهُ حِينَ وُضِعَ أَوّل حجرٍ في المدينة، وضعت معه أحجار المشاعر وأحجار الأفكار. رُصت جنبا إلى جنب لتُبنى بها حدود المدينة وحدود البشر العالقين فيها. وقد سُنت عليهم السنن ليتعلموها ووضعت أمامهم القوانين ليتذكروها، ورويت عليهم الروايات حتى حفظوها إنسانًا أوّل ثُمَّ ثانٍ ثُمَّ ثالث، وما تبعهم من أجيال، وما خلفهم من أسلاف. ومن ذاك ما قيل لهم عن القلبِ البشري . الذي غادرته أهواء إنسان ما قبل المدينة. ولو نازعت إنسان المدينة رغبة ما ... فعليه بتجاهلها لا الاستدارة إليها، ناهيك عن التوغل فيها. ومن تلك الأهواء هي مشاعِرُ القلب والتي وضعت عليها الحدود واضحة في قول: قس أي شعورٍ يطرأ عليك بمقياس الكفّ، ولا تتجاوزه.
This entire review has been hidden because of spoilers.
عذب جدًا و حنون جدًا، اغلب الحكايا عن الطفل واحد و مدينته صفر، كأن هذه الحكايا من مصباح علاء الدين و تحمل بين جنباتها الالم، يظهر تأثير البحر و المدن كثيرًا على الطفل واحد.. ممتع جدًا الكتاب.
" و الذي بدا كمن غادرته الاسئلة، و كسرته الإجابات". " كيف يمكنُِ أن يبتهج من في عمره؟ كيف يبتهجُ أي أحد؟"