كما لو أن في يدي مجرفةً ومعولاً، عاصباً رأسي بلفافة سوداء، وأحفر سبيلي نحو طينتي الأولى.. أكتب لأنني أريد أن أرجع إلى حيث ولدت! آه.. بيتنا في الجبل وحده يؤلمني، وأكتب كي أعود إليه!
عبدالله ثابت شاعر وروائي سعودي. ولد في منطقة عسير في 6 مارس 1973م. يعد من المؤلفين الشباب الفاعلين في الساحة العربية والمحلية وذلك بعد صدور عمله الهام (الإرهابي20). والذي ترجم للغة للفرنسية والنرويجيه, أصدر عددا من الدواوين الشعرية مثل: الهتك النوبات حرام كتاب الوحشة وأصدر مؤخرًا. رواية وجه النائم"
يكتب زاوية أسبوعية بجريدة الوطن وهي أول زاوية تصدر بصحيفة ورقية وتعتمد على تزويد القراء بروابط لمواقع إلكترونية من أبرزها موقع اليوتيوب. شارك في العديد من الأمسيات الشعرية المحلية والعربية والدولية وفاز بالعديد من الجوائز المحليه والدولية.
عبدالله ثابت صاحب الوجه المهشم من أثر السقوط ، يصعد في كل حين جبلاً عظيماً ليصرخ فينا عبر أحد إصداراته ، ثم يسقط في وادٍ سحيق فننساه ليصعد مرة أخرى ليكرر الزئير ! هو يحرث الأرض بمخالبه ليخرج لنا لغة أخرى ، هذه المرة أتى كي يخبرنا لم وكيف وماذا إذا سبقت كلمة " أكتب .. " ! أتي عبر هذا الإصدار العنيد المشاكس المتمرد ليخبرنا " أن الكتابة عمل انقلابي " بالفعل وليس ترفا ثقافياً . أتي ليخبرنا أن الكاتب ساقٌ مسلوخة في مسرح روماني مليء بالوحوش ، والكتابة عين شحيحة في مفازة مرعبة ! أتى هو من الجنوب ملطخٌ بالطين والحناء ، ويحمل فوق رأسه نباتات جبلية عَطِرة ، ساتراً عورته بـ( مصنفٍ) رث أتى ليخبرنا أن الكتابة ليست عملية تغوط معرفي !!! *** " كائن يقف في الظلام ويقول شيئاً" يهدي كتابه إلى الأرض ! " أكتب هذه الوحشة لأنني حزين بالضرورة " هذه الضرورة هي التي جعلت هذا الكائن يقف ليكتب وهو ينزف فكلماته " حطبٌ وجوديٌ جائع " و " جبهتي منجل والشعر معصيتي وأنا هارب قديم من الأسلاك " وهذا الهارب محارب فج يتحدث ويقول لمن يقف أمامه اعلم " أن كلماتي على ظهري ، وذخيرتي في فمي ، ومن بين أسناني تتواثب سباع نهمة " ، الكتابة بيقين مصنع في داخله " أكتب لأنني موقد ضاج بيقين وهائج وسرمدي والأيام غابة " فهي تحوي توحشي وتقيني من التمدن ! يكتب لأنه مملوء بضجيج الحياة وبهجتها " أكتب لأنني أحب قهقهة الحياة ، أكتب لأنني قرية ومطر ، لأنني سيل " يعدو ولا يدري هو إلى أين ، وهكذا الإنسان عندما يشعر أنه تائه وينظر الى العالمين بعدم ثقة " أكتب لأنني ضال مرتاع ، وما عدت أصدق الجهات ، والنجوم خؤونة ، وهذا هو انتقامي! " ، إنه يشعر في داخله بصدام المشاعر المتناقضة " إنني لا أكتب فحسب ..إنني أرتطم !" هو يكتب كي يخبرنا كم هو تافه ذلك الإنسان الذي يكتب تحت الظل " أكتب لأنني مجهد ، أكتب كما لو أن في يدي مجرفة ومعولاً ، عاصباً رأسي بلفافة سوداء ، وأحفر سبيلي نحو طينتي " وعندما يطول الاغتراب يحن الإنسان لموطنه عندما كان جنيناً وخلقاً آخر " أكتب لأنني أريد أن أرجع الى حيث ولدت ، آه ..بيتنا في الجبل ..وحده يؤلمني ، وأكتب كي أعود إليه " ، وهذا الاغتراب سببه أنه مطارد من قبل أشياء في الخفاء ، إنه يخاف قدره يخاف من سياطه التي تقع في أي لحظة قوية مؤلمة مبكية " اكتب بهستيرية جامحة لأني أتحسس شيئاً يأتي من هذا الخفاء " ، ورغم الاغتراب وكائنات الخفاء المرعبة ؛ إلا أن الضعف الذي يعتريه يكسبه مزيداً من البؤس والشقاء " إنني أكتب لأنني ابن شارد ، وأخ منزوٍ ، وأب ضعيف ، وصديق مختفٍ وهجور " ! هو يكتب لأن هناك أمراً لا يدركه الملوث في مدن الإسمنت ، ويفتقر إليه الجالس على مكتبه الفخم في برجٍ عالٍ عاجي ، ولا يشعر به الغارق في وحل الحضارة " أكتب لأن عزفاً ريفياً يعوي في دمي " ! هذه الجمل المصقولة والمسنونة والمشحوذة والمنطلقة بكل قوة نحو أرواحنا هي إجابة وافية لكل إنسان يدرك قيمة الحرف . *** إن الأيمان والعلاقة مع السماء جعلت للعمل قرباً استثنائياً " اللهم يا الله أرجوك ..خذ بذراعي النحيلة هذه فقد غسلتها من الناس ..خذ بها الى يقين لا يتكلموا عنه ، ولا تفوح منه رائحة الدم والخيانات " ثم كانت خاتمة الكتاب رجاء واعتراف وأمنية غريبة " يا الله حينما خلقتني منجلاً ..ليت أن الطريق كانت سنابل " ! *** أخيراً : إن أجمل عبارة قيلت عن هذا الكتاب الذي لا أستطيع تصنيفه الى الآن ما قاله د . عبدالعزيز المقالح : ( يرسم الشاعر عبدالله ثابت وحشته في كتاب شعري ينتمي الى الحداثة في أصفى حضوراتها وأقربها الى الله والإنسان ) كتاب الوحشة الصادر من دار الآداب لهذا العام، ابتعته من معرض الشارقة الدولي للكتاب وضاع مني هناك فتناقلته الأيدي الجميلة في المدن الجميلة ، فمن الشارقة الى بيروت الى جدة ، ثم جاءني هذا الكتاب كذئبٍ يطارده محارب من الجنوب كي ينهشني !
كتاب الوحشة , مجموعة شعرية ضاربةٌ في عميق الحنين , تتخذ لون الطين وتتمرغ كثيراً في ذكريات الجبال , الكتاب أنيق جداً ابتداء من غلافه انتهاء بحروفه , يأخذنا من أيدينا إلى الدهشة , سأقول بأن كتاب الوحشة : شيء يعلقُ الانتباه من أول نظرة إلى آخر حرفْ ,
أحببت فيه : * وأكتب لأن الحب لصٌ بذيءٌ ونيلٌ ظالــمٌ من الآخرين
* وأكتب ولا أعرف ما أمضي إليه, فأنا كائنٌ غاضبٌ منذ البدء ونفسي شرسة من أصل خلقتي وضميري مستعدٌ لضرب العالم .
* سامحيني يا شجرة التين , أنا جعلتُُ لأحزاني فأساً وانا أغريتها بالجذور
* كل يوم تزدرد عيناي هذه الظلمات ويكبر في حلقي صوت أسود, كأنْ مصارعاً ضخم الرأس والكتفين ,يقفز في قلبي , ويفضخ برجليه المقوستين أوهامي !
* إنني ظامئٌ لشيء مهيب وغامض, شيء يربض على صدري كـ هرٍ أليف ,جائعٌ لحقيقة ولو بحجم نملة سوداء
* وأنفخ بين كفي , وأفكر في الأغنيات التي نفضتني بأي حق يسمعها الآخرون ؟
* إلى كاهنة البرق والحصاد , أكتب إليك الآن وهي تمطر والساعة تشير إلى الخامسة قبيل الفجر وأطلب منك أن تفعلي لي معروفا أخيراً أن تحرثي صدري وأن تجعلي من فمي نشيداً للسواعد والعرق أن تبذري أشجاراً على طينة قلبي الصغير وفي جمجمتي المخبوزة بأمنيات الريف وأن تتركي لمفاصلي أن تقف على الأغصان مثل عصافير الشتاء .
* ونحن نصحو في السادسة والربع ….. ماعاد يلفت انتباهنا الصباح !!
* ولا تقلقي من سكوني فأنا لست قتيلاً , لكنني ألحمُ لو أنني خنجر
لم يكن مجرد شعر لم يكن مجرد غناء كان ماء حقيقي ينسكب على روحي حتى الرموز الـموشومة بين صفحاته تسيل كـ كحل لايتبعه أثر أنت لن تقرأ لن تتفلسف كثيرا أنت فقط ستقتبس ضوء شعر وتـ نهيه بــ"الله"
أقل ما يُمكن أن يُقال عن لغةِ عبدالله ثابت إنها سامقة .. أحببتُ النصوص كثيراً , أعتقد بأن نصوص عبدالله في كتاب الوحشة .. تجعلنا أكثر إنسانية مما كُنا عليه يوماً ..
حين يكون سقف التوقعات مرتفع جداً ... وتنصدم بأنك لم تجد ما تتوقعه ستصاب بالخيبة لا محالة لم أشبع مما كُتب هنا .. لم يروي ظمأي هذا الثابت من حروف مع ذلك سأتحدث عن الكتاب لأن فكرته بحد ذاتها أعجبتني
هذا الكتاب عبارة عن خمس نواحٍ في كل ناحية التفت فيها الكاتب وكتب سطورا تعبر عن شيء ما، سأقتبس من كل ناحية ما أعجبني:
- ناحية الليل والأمصال جائت تحت عنوان: مصل (حرف/رقم)1
رغم قوة عبارات الكاتب وبراعته في السرد الادبي الا أنني احسست بالكثير من الشتات وأنا أقرأه . ومتى ما احسست أني فهمت مايرمي إليه الكاتب ببوحه يأتي السطر التالي مشتتًا ثقتي، ومعيدًا إياي حيث كنت فأتسأل "عن ماذا أقرأ ؟! ".
ولكن رغم كثرة الغموض والشتات الذي لمسته من الكاتب هنا، إلا ان لكلماته صدقا وحنينا جميلا ألفته واحببت بعضه ...
أحب هذه الكتب التي تغنيني عن ألف كلمة لم تُقال لأنها تعرف أكثر من أي شخص آخر كيف نشعر ... أنا لم أقرأ حرفاً لأن قلبي هو من قرأ وكان يردد مشدوهاً : أن تستطيع أن تفهم :') لابد أنني سأقرؤه مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وأتظاهر في كل مرة أنني أقرؤه للمرة الأولى وأقف عند كل كلمة لأحتفي بعبقريتها وأستشعر فرحة وليدة كحبة المطر الأولى التي أمسكتها بيدي لأول مرة لأنه من الكتب التي تصبح شيئاً أثيراً من أول صفحة ، فهو لا يختلف عن تلك الشجرة التي قُطِعت ألف مرة لكنها نبتت أكثر من ذلك ؛ لأن لها جذور .. وليس من السهل أن تجد كتاباً يستطيع امتلاك جذور في أعماقك .. هذا كتابٌ باذخ باللغة والاستعارات والأحاسيس ❤ مثل هذا الترف لا يمكن الشفاء منه .. ولا أحب أن أشفى منه ولا أريد أن أُشفى منه ... * للغودريدز سلبية وحيدة ؛ إنه لا يتيح لك التقييم بأكثر من 5 نجمات ، وهذا أمر محرج بالنسبة للكتب التي لا تقدَّر بثمن ، وهو ما يجعل قراءتك حزينة لأنك لم ترد لها جميلها ..
تعجزني على الدوام لغة عبدالله ثابت. إنه يكتب بلغةٍ بديعة عن أفكارٍ ليست دائمًا كذلك. يصفها بإيجازٍ مبهر ومن نظرةٍ لم يسبقه إليها أحد. ثم يضعه أمامك : نصٌ قصير، بضع جملٍ موجزة. إلا أنها تهزك، تثير فيك الدهشة، ثم تمضي بالخفة التي جائت بها.
نصوص رائعه اعجبتي وكفي اقتباس الله اللا ااااـه.. كنت صغيرا حينها كانت السماء كراسه كبيره وكنت كالصغار.. راسم عليها كوخاًً وشجرتين وشمسا وجبلين في الزاويه وماعزا وسبع زهرات.. وحين انام كنت اصعد للكوخ، واعقد ارجوحه بين الشجرتين.. كنت انام في اللون واخذ احلاما بحجم الكف واخبئها اعلى الجببيلين لكنني كنت انسى العلامات .. فيضحك الحلم واضحك حتى يسيل لعابي على الشمي وكانت تغمض عينيها.. وتكبر الكراسه!
كتاب بكلمات منثوره وافكار مُبعثره لكنها تجدُ طريقها إليك .. بعضها لا يفهما إلا عبدالله ثابت نفسه وبعضها تتسلل اليك كالماء المنهمر لتغزوك وتهزّك ، رُغمَ بساطة الكلمات إلى انك تجدُ العمق يتجلى فيها والقصة دائمًا خلف معانيها .. بعض الاقتباسات التي استمالتني :
- آخ .. آخ! وأنفخ بين كفّي، وأفكّر في الأغنيات التي نفضتني.. بأي حقّ يسمعها الآخرون !
- كلما هبّت العاصفة.. تأفّف القشّ من قدرتها على الكلمات، وكلّما تثاءبت الشمس، دلق النهار رشحه على الأشياء .. تاركاً الجبال مثل أصابع سمينة لا تؤمن بشيء، وكلما مشى الشرخ في المرآة.. حدّقنا في الذي نداريه !
- السلام عليك يا شبيهًا هناك، ها أنا وأنت في كوكبنا السيّار هذا بعيدين لكننّا كل ليلةٍ ننظر لنجمة واحدة.. فهنالك نلتقي ، ونقهقه !
- يا لبنان .. يا لبنان ، هذا أنا القادم إليك من بلاد عسير كشتلة درّاق، فضعني وجهًا لوجه أمام هذا الجبل يا لبنان، واتركني قليلاً لرائحة الشجر والصباح.. أودعني في ذمة الكروم والأحراش، وألهمني هذه الدبكة الجبلية فهي تشبه قريتي … تشبهها بالغيم والنسوان اللّائي ينتصبن كسيقان الذرة، تشبهها بالهواء البارد ، والشلالات الصغيرة، وحتى رائحة العوادم، والفحم، وطعم العنب والتّين.. بصوت الصواعق، وحواجب الفلّاحين الكثيفة.. تشبه قريتي يا لبنان !
أسلوب عبد الله ثابت يتسم بلغة شعرية تجريدية مشبعة بالرموز بعيدا عن اللغة المباشرة ويمزج بين السريالية والقلق الوجودي. يكتب بعوالمة الداخلية المعتمة، متجنبًا المباشرة، ليعبّر عن العزلة والتوتر بأسلوب يشبه الحلم المشوَّه هذه الاسلوب يستخدمة لجعل القارئ يشاركة في رسم تعابير للوحة ضمن اطار مفتوح. اقتباسات
الشوارع في آخر الليل ,آه, خيوط من عنكبوت . والمصابيح تلك الفراشات عالقة في مخالبها , تتلوى .. فتعصرها, ثم تنحل شيئا فشيئا, فتمتص من دمها قطرة.." * "آه من يوقف في رأسي الطواحين ؟ ومن ينزع من قلبي السكاكين؟ ومن يقتل أطفالي المساكين؟" * "أكتب لأنني أريد أن أرجع إلى حيث ولدت! وأكتب كي أعود إليه!" * "لي مرمى وممر في دروب الشمس أعمى أنا للناس وللنسر الذي ينهش صدري /أنا موتي).
أنت تكبر، ويكبر ذوقك معك.. أذكر أنني كنت حريصة جدًا على هذا الكاتب، حريصة لإقتناء كامل أعماله، وحين علمت بهذا العمل حرصت على امتلاكه، لكنني علمت أنني كبرت، وكبر ذوقي معي.