حارس سينما سيتي بالاس المهجورة ينزل ذات ليلة ماطرة إلى مدينة تحت بيروت تسمى بيروت أيضاً. ماذا يجد بطرس "تحت"؟ نساء فاتنات الجمال وعائلات كاملة تحيا في نور الشموع طعامها السمك الأعمى وخبز السمك والجذور البرية... من أين أتى هؤلاء؟ ومن هم العميان في "حي العميان"؟ هل نزلوا من "فوق" أيام الحرب اللبنانية (1975-1990) التي قتلت أكثر من مئة ألف إنسان، وأخفت في الظلمات 17 ألف مخطوف؟ أم أنهم ولدوا تحت رواية عن عالمين، عن التهجير والقتل والبقاء على قيد الحياة... وشهادة خيالية نادرة على دمار حقيقي انتهى ولم ينته تماماً بعد.
الروائي اللبناني ربيع جابر هو واحد من تلك الفئة القليلة بلا ريب وأحد ممثليها البارزين. روايته الأولى (سيد العتمة) التي نشرها سنة 1992 وهو في العشرين من عمره فازت بجائزة الناقد للرواية ذلك العام. نشر سبع عشرة رواية ما بين 1992 و2009 أي بمعدل رواية واحدة كل عام. بطبيعة الحال ليست غزارة الإنتاج وحدها هي ما يلفت في كتاباته بل جودتها وغناها وتنوع أجوائها ومشاربها وأساليب كتابتها التي يعرفها من قرأوا أعماله الروائية أو بعضها.
Rabee Jaber (Arabic: ربيع جابر; born 1972, Beirut) is a Lebanese novelist and journalist.
His books have been translated into French, German, Spanish and Polish.
Some of his work is included in the anthology Beirut39, published on the occasion of Beirut as World Book Capital in 2009. In 2010, Jaber was on the shortlist for the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book America, also adapted for the film Amreeka.
On 27 March 2012, Jaber was announced the winner of the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book The Druze of Belgrade.
رواية لربيع جابر الكاتب اللبناني المُتواري عن الأنظار مقابلة بين واقع الحروب والطائفية والايدلوچيات المُتصارعة وبين الانغلاق ووهم الخلاص والنجاة في يوتوبيا تحت الأرض فكرة مبتكرة وسرد بين عالمين في الحقيقة والخيال بطرس الحارس شاهد عيان على وجود مدينة بيريتوس مدينة تحت أرض بيروت يعيش ساكنيها في ظلام وسلام يحكي بطرس لربيع جابر المتواجد بشخصه في الرواية عن بيوت ودهاليز المدينة وحياة أهلها وتفاصيل معيشتهم وينتقل خلال الحكي لذكرياته فترة الحرب الأهلية اللبنانية نكبات وأحزان وأوجاع حرب استمرت لمدة 15 عام يُصر ربيع جابر في كتاباته على تذكر وقائع الحرب الأهلية وكشف عبثيتها وتبعاتها وآثارها برغم مرور السنين
الأسلوب جميل لكن السرد عموما فيه توسُع وتطويل في التفاصيل والوصف
لست أدري هل هو أمرٌ جيدٌ أن أقرأ هذه الرواية و انا في بيروت أم لا؟ مضى يومان و أنا أعيش حياتي رأساً على عقب.. أشعر بالاختناق .. أشتاق لضوء الشمس (خصوصاً البارحة حين كان الطقس غائماً.. ) لقد سحبني ربيع إلى بيريتوس .. سحبني إلى العالم السفليّ الذي كتب عنه .. أو ربّما اخترعه .. أكثر سؤالٍ ألحّ عليَّ هو : ماذا يتعاطى ربيع جابر ليذهلنا بكلّ هذه الأفكار ؟؟؟ لماذا ينقل لنا الضيق و الحبس فنعيش ما يكتبه بأدقّ التفاصيل؟ تفاصيل مثيرة حتى و إن أسهب بدفق بعضهاً واصلاً بالقارىء حدَّ الملل كما حدث لي .. لكن كل التفاصيل الضرورية و غير الضرورية ساهمت باحتلال عقلي . من أين اخترع هذه التفاصيل؟ هل حقاً هناك من رواها له؟ هل سقط أحدهم إلى بيروت «التحتا» و كتب ربيع مشاهداته لا أكثر؟! حتى و إن اكتفى بكتابة المشاهدات فإنه حقَّاً قد تخطى حدود الكتابة إلى شاطيء السحر.. فمن فنون الإذهال أن تُقاس المسافات بالشموع لا بالأميال .. و السنوات بمواسم المطر و الجفاف .. أن تُقطف الجذور من السقف كما تقطف الفواكه من الأشجار .. أن تدفع بالصَدَف الأصفر و الأحمر و الأزرق ثمن طعامك بدل الليرات الورقية و المعدنية.. أن تحرق جثث الأموات لأنك تحيا مدفوناً مكانهم فيكون قبرهم هو ناووس فخاري صغير ممتلىء برماد الجثة.. أن تعتبر عشريناً من الكتب مكتبةً عارمة بالثقافة .. أن يكون الفلكي جغرافياً و الجغرافيّ رحالةً و الرحالة مؤرخاً و المؤرخ دليلاً سياحياً و و و و .. هكذا تنقلب الحياة .. هكذا قلب ربيع جابر حياتي .. ذهبت إلى الروشة و أنا أنتظر أن يخرج لي من البحر في الأسفل أناس قصار القامة ببشرة بيضاء و عيون سوداء شديدة الاتساع .. ذهبت إلى الجامع العمري و أنا أشعر أن بطرس غافياً أسفله بعشرات الأمتار ممداً على سريرٍ حجريّ في بيت الشيخ إسحاق ريثما يستعيد عافيته .. مررت قرب دار الحياة لأشتم اللحظة التي نقلوا فيها بطرس من موقعه ليحرس مكاناً آخر .. قطعت الطريق قرب اللعازارية و أنا أخشى أن أجتمع بمحتالٍ ممن كانوا ينسبون تربيتهم لراهبات الدير .. أما سينما سيتي بالاس فاكتفيتُ برؤيتها من بعيد .. خفتُ أن تزل قدمي فأقع في الحفرة و أُنسى في باطن بيروت إلى أن أجد الفلكي الذي سيدلّني على طريق الخروج !! ربيع جابر .. الكاتب الذي يفقدني الأمل على الدوام. ثلاث نجمات و نصف لبيريتوس : مدينة تحت الأرض
الفكرة جذابة جداً , و مبتكرة , أن يخلق الكاتب بخياله مدينة كاملة تحت الأرض , يصف شعبها و أبنيتها , طريقة الناس في الطعام و الشراب و الصيد , حكومتهم و انتخاباتهم , كل هذا الوصف المستفيض يتطلب قدرة استثنائية بلا شك ... المشكلة الكبيرة التي تصادفك عند القراءة هي الاسهاب الشديد في وصف الأماكن و أسمائها و ما يحيط بها من شوارع و أبنية , سواء تحت الأرض أو فوق الأرض , مما يسبب لك إحساساً بالضياع و الملل الشديد ..من يعرف بيروت جيداً سيستمتع بالرواية , فوصف الأماكن تحت الأرض مع إسقاطها على الأماكن فوق , فكرة مرعبة و جذابة , المنزل الفلاني تحت القهوة الفلانية في شارع الحمرا , و طريق الخروج من المدينة ينفتح عند الروشة !! تحتوي الرواية على رمزية كبيرة : - العيش في ظل حرب أهلية لسنوات طويلة يجعل فئة من الناس يلجؤون إلى مدينة تحت الأرض , يبتعدون عن الحرب و لكنهم لا يسلمون من آثارها !! - هناك فئة ثالثة غير ناس ( برا ) أي فوق الأرض , و ناس ( بيريتوس ) تحت الأرض , هناك ناس هم ( ناس الوحل ) ظلوا يبتلعون الوحل لسنوات بذل و باستسلام , و يوماً ما ولدت إحداهن طفلاً من الوحل , و استمروا هكذا يعيشون و يتكاثرون أناساً من الوحل !!! على الرغم من مللي و تجاوزي لبعض المقاطع , إلا أن الرواية جيدة جداً برأيي .. من الصعب أن أقف مستقبلاً لأشاهد صخور الروشة دون أن أتخيل أن رجلاً ما بوجه أبيض شاحب و عيون شديدة الاتساع و صوت هامس قد يتسلل صاعداً إلى عالمنا !!
ربيع جابر لا يفتأ يدهشني مع كل رواية.. حتى في بيروت ينقلنا جغرافياً إلى بيروت أخرى في جوف الأرض.. ثقافة كاملة وعادات وقيم وحضارة ابتدعها جابر لشعب يعيش أو يموت تحت الأرض حيث الحاجة أم الاختراع.. لفتني اسهابه في وصف أطباق الطعام، التي هي جزء مهم من الثقافة، وكيفية تحضيرها سواء في بيروت الفوقا او التحتا.. خيال خصب وفانتازيا مشوقة برغم الألم والفقر والجوع والخوف والتهجير وتداعيات الحرب او الحروب التي لا تنتهي..
أسوأ رواية قرأتها منذ زمن بعيد.. مدينة تحت الأرض، دهاليز، بشر ، أشياء لا معقولة ولا مقبولة. لست مولعة بقصص الخيال أو تلك التي لا تتشابه مع الواقع،. حتى طريقة السرد متداخلة ومتعبة
كيف أبدأ؟ قرأت عشرة روايات لربيع جابر من قبل ولابد أنني قلت كل مرة كم أحب كتابته، إنني آلفها وأشعر أنها الكتابة التي أتمنى لو أنني أكتب مثلها أو التي أظن أنني أستطيع أن أكتب مثلها، ورغم أن احتمالات كثيرة تجعل ظني خاطئا وفي غير موضعه فإن هذا الظن يسعدني بشكل ما ويمدني في غوايتي ويزين لي قراءة روايات ربيع جابر مرة بعد مرة :) هذه الرواية عن بيروت، كل روايات ربيع جابر_عدا رحلة الغرناطي_ كانت من بيروت وعن بيروت، لكنه هاهنا يكتب عن بيروت الخفية المجهولة المنسية التي لا يعلم عنها أحد شيئا، بيروت التي هي مدينة تحت الأرض يسكنها بشر غريبو الأطوار شاحبو الوجوه عيونهم واسعة وأصواتهم هامسة لا يرون السماء ولا يعرفون الليل من النهار ، إنهم البشر الذين افترض ربيع جابر أنهم آووا بعض المختفين في أحداث حرب لبنان الأهلية، هؤلاء المختطفون الذين ضجت بهم رواياته عن لبنان وحربها الوحشية، هو يفترض هنا أنهم نزلوا إلى مدينة تحت الأرض عبر حفر قذفهم فيها المتحاربون معتبرين إياهم قتلى ونفايات بشرية، لكن بعض هؤلاء القتلى لم يمت بالفعل وإنما زحف عبر أنفاق طويلة ودهاليز إلى هذه المدينة الغريبة وعاش هناك حتى اليوم الذي اكتشف فيه "بطرس" ذلك . يسلك ربيع جابر هاهنا طريقا خادعة، ففي البداية تظن أنها رواية رعب خيالية تحكي عن عالم متوهم بالكامل ، وبينما يحكم المؤلف بنية هذا العالم الخيالي ويتقن سرد تفاصيل حياته الغرائبية تكتشف شيئا فشيئا أن هذا العالم ليس خياليا تماما وأنه مرتبط بالعالم الحقيقي ومستمد منه ومتأثر به، بل إن البطل بذكرياته المأساوية عن الحرب والتي كان يستدعيها في كل موقف يحدث له هناك تحت الأرض حول مسار الرواية مرة أخرى لتصبح رواية حرب. إن "بطرس" يبدو منجذبا في ثقب أسود لا يخرج منه، هذا الثقب هو حرب لبنان الأهلية، نحن لم نعرف عنه أي شيء بعيدا عما حدث له أثناء الحرب أو ما غيرته فيه، وحتى حين نزل تحت الأرض فهو لا يذكر غير ذكريات الحرب والذين قابلهم هناك من العالم البراني كانوا المخطوفين من أيام الحرب، إنها الحرب المتجذرة في وعي كل من عاش أحداثها، الحرب التي لم تنمح آثارها مهما تزينت المدينة وحاولت أن تنسى، الحرب التي خلفت مائة ألف قتيل وسبعة عشر ألف مختطف حاول ربيع جابر في هذه الرواية أن يتخيل مصيرا ما قد انتهوا إليه حتى لو كان مصيرا ��ائسا في مدينة تحت الأرض يعيشون فيها عميانا يسعون حثيثا نحو الموت .
الحرب.. وقائع حرب يتنزع فيها الموت وشهوة القتال ليس الحياة فقط، ولكن إنسانية من بقوا فيها. حرب لا تنتهي، حتى بعد الخمسة عشر عاماً التي امتدت من 1975 حتى 1990، ببساطة لان البطل يكتشف ان الجذر الذي اندلعت عنه هو صلب النظام الذي يعيش الناس به، الاستغلال والقهر وشهوة الارباح الأنانية. لا تستعرض احداث القصة سمات هذا النظام، ولا تحكي عن الطريقة التي يمارس بها قهره ولا أسبابه. لكنها تقدم الأشد والأقسى من ذلك. تشخص لنا نتيجته في صورة إنسان. بطرس ابن الطبيعة البريئة والحقول والفضاء الواسع الأخضر والسماء، والعلاقات الدافئة التي تنمو على الحب، نراه وهو يتحول إلى مسخ من الجبل إلى باطن الأرض. ولا يقدر المسخ في النهاية رغم تعليمه واطلاعه على كثير من كتب العلم والأعمال الأدبية، أن يميز ايهما أكثر انسانية؛ الحياة في بيروت البرانية كما يعلمها ابناءها، أم الحياة في كهوف بيريتوس التحتا المظلمة بلا هواء ولا ماء نقي ولا مساحة للحركة، والتي يترصد الأحياء فيها الأوبئة والجوع والضلال إلى جانب الدمار الذي يمارسه أهل بيروت البرانية. بيريتوس مدينة تحت الأرض. ولكن لا تخلو من الحب والتعاطف والشفقة وحب العلم والمعرفة والسعي إلى الحياة والتمسك بها. وفي النهاية، تنتظرنا مسحة المؤلف الإنسانية العميقة، حيث يرى ان الحياة مهما بلغت من القسوة والغباء والعمى، افضل من الموت جداً. كل هذا العمق صنعه ربيع جابر بخياله المحلق، الذي تشهد روايته انه أحد اكثر كتاب العربية امتلاكاً للخيال العبقري دون مبالغة، إذ بالفعل يندر مثيله. وخيال ربيع جابر رغم جموحه إلا انه دوامة تدور حول الواقع وداخله. كما لا تخلو الرواية ايضاً من سمة ربيع جابر، الولع الغريب بوصف التفاصيل، والولع الأغرب بالتفاصيل الجغرافية خصوصاً. ولكن تفاصيله وان اجهدت ذهنك في البحث عن المعنى وراءها إلا أنها لا تجعل الملل يقترب من استمتاعك بالرواية. رواية جميلة.. لا يمكن تجاهل كآبتها بأي حال. ولكن ما يغلظ الكآبة حدوث وقائع مثل أحداثها، لم تزل تحدث. إذا انكرنا على الكاتب جو روايته، فهل نستطيع انكار ما حولنا؟ وكما يقول بطرس للمؤلف داخل القصة، أن الفظائع عندما تكون من صنع الخيال، تكون اقل إيلاماً من الوقائع عندما تحدث للبشر من حولك. وهكذا لا تتركك الرواية مكتئبا رغم كل ما بها.
ربيع جابر هنا ايضا يبهرك ويثيرك ويؤلمك ...رواية غريبة عجيبة ينتصر فيها الخيال الا انه خيال ممزوج بالحقيقة ربيع يتحدث عن بيروت مختلفة ليست التي نعرفها انها بيروت المسحوقة تحت الارض وباسلوب ربيع جابر الجميل دائما يخلق بخياله مدينة كاملة تحت الأرض , يصف شعبها و أبنيتها , طريقة الناس في الطعام و الشراب و الصيد , حكومتهم و انتخاباتهم , كل هذا الوصف المستفيض يتطلب قدرة استثنائية بلا شك رواية مختلفة تستحق القراءة
لم أوفق في اختيار الرواية؛ شعرت بالملل الشديد و انا أقرأ الأحداث الخيالية و أحاول الربط بين الفقرات المتداخلة و الكاتب يراوح بين وصف مطول ممل لعالم خرافي تعيس مظلم وبين ذكريات أليمة عن فترة الحرب و الدمار و الدم... إكملت الرواية و انا اقفز أسطرا اقرأ كلمات متفرقة حتى انتهي منها لا غير... خاب املي
أول تجربة ليا مع الكاتب اللبناني ربيع جابر و أتمنى ألا تكون الأخيرة..الرواية كانت ممتعة و فكرتها جميلة و لكن المشكلة بس كانت في التفاصيل الكتير والتي أظن أنها جزء من أسلوب الكاتب كما أشار أكتر من مرة في الرواية لدا ولكن في العموم كانت تجربة ممتعة
ربما كنت لأقدّر هذه الرواية أكثر بقليل لو لم يكن كاتبها صاحب رائعة دروز بلغراد، أما و أني قد سبق و استمتعت بلغة ربيع جابر الفخمة و قدرته الهائلة على التصوير و نقل المشاعر فلا يمكن التهاون مع المستوى الذي ظهر به في هذه الرواية! بدايةً فإنّ فكرة (العالم السفلي) أو المخفي ليست جديدة على الإطلاق، فقد سبق لنا أن زرنا بلاد العجائب مع أليس أو جحيم دانتي أو رجلة جول فيرن إلى مركز الأرض .. و مع ذلك كان بإمكاننا أن نترقب وجهاً جديداً أو مفاجأة غير متوقعة يخبرنا فيها ربيع جابر عما لم يخطر ببالنا من قبل أن نراه في بيروت .. بيروت الحرب و بيروت ما بعد الحرب، لكن الرواية و منذ بداية حبكتها الركيكة مع اختيار بطل القصة لشخص الراوي بعينه دوناً عن سواه ليخبره عن مغامرته في "قبر" على شكل متاهة، لا تعدو كونها حكاية غريبة عن شخص تائه في مكان غريب، بل يمكن القول إن قصص بعض من تاهوا في الصحراء أو الغابات كانت مثيرة أكثر بكثير من السرد الممل المتخبط بين شذرات من ذكريات البطل و قعوده الطويل على سرير المرض (تحت) دون أن نفهم أو حتى نتشوق لمعرفة حقيقة هؤلاء الناس الذين تركوا العالم البرّاني. أتفهم محاولة الكاتب جعل الرواية التي ليست سوى سرد رجل واحد ليس أديباً و لا حتى على قدر وافر من التعليم، تبدو و كأنها تسجيل شهادة شخصية بأكبر قدر من الأمانة، لكن لو كانت تلك نيته فربما كان يجدر به أن يتركها كاملة بالعامية بدل المحاولة البائسة لترجمة طرق التعبير المحكية اليومية إلى الفصحى التي لا تهضم هذه المحكيات، كما أنّ خلوّ المتن من صور و مشاعر حقيقية جعلها على درجة من البرود الشبيه بالموت. الخاتمة كانت بذات السوء مع التبرير السخيف لقرار البطل "إفشاء السر" خاصة اختياره للشخص الذي قرر أن يفشي له بالسر. رواية لا تترك في الروح أي انطباع و يمكن نسيانها تماماً في اللحظة التي تغلقها فيها .. إلى الأبد.
خذلت الفانتازيا ربيع جابر في هذه الرواية، فنحن المتعودين على نص ينبع سرده من رحم الواقع والذاكرة الابستمولوجية للكاتب ومحركاته البحثية تصدمنا رواية تورط كاتبها بالخيال التي أطلق عنانه بطرس حارس سينما بالاس الذي وقع في حفرة اثناء مطاردته لياسمينة الهاربة من بيريتوس المدينة الرومانية التي طمسها باطن الأرض البيرتية وسط حالة انكار من اختفاء زوجها ...ليقوم بعدها السارد بمحاولة دمج بين ماضيه القريب والبعيد مما جعلنا نرى الوقائع مقحمة ...حتى نصل الى لحظة الخروج الى "برا" ...حيث يطرأ الارباك في انهاء النص الروائي من خلال سرد موجز لحياة بطرس من الأم التي خطفها السرطان والأب الذي خانه النفس فمات بنوبة ربو والأخ القواتي ...كلها احداث اضطر الكاتب ان يضعها ليملأ مقعد الخاتمة أو "القفلة الروائية"
رواية خرجت عن "سيستم ربيع جابر" الروائي ولعل الجميل والرصين فيها الفكرة غير المألوفة والأسلوب الروائي المتسلسل المبني على الحوار والوصف رواية جعلتنا ندرك ان الفنتازيا يعني لعب ربيع جابر بالنار.
انا اعرف ماذا سوف يحدث ، اذا بقيت اكثر لن اطلع من هنا ! سأبقي هنا مثلما بقي الجميع . نهاية خطاب طويل جداً جداً ، خطاب حمل بين طياته الكثير من المعاني و التأويلات ، بدأ بسقوط مُفاجئ في بيروت تحت سينما سيتي بالاس ، نزولاً إلي أرض جديدة ، أرض تدعي " بيريتوس " الافضل ان نُطلق عليها متاهة ، أحيائها كثيرة و غرفها أكثر ومتشعبة الي ما لا نهاية ، هنا نسمع حكايات الناس من بطرس ، الذي سقط ودام سقوطه كثيراً ، ونتعرف من خلال السرد على " راحيل ووالدها الشيخ إسحاق ، و ياسمينه و زوجها الغائب إيليا و الفلكي و الجغرافي و حي العميان ، وطريقة عيشهم و أكلهم و همومهم . ربيع جابر ، الكاتب المتواري عن الأنظار في رابع تجربة معه ، يبتكر عالم وأحداث حميمية و مؤلمة و يجعل منها قصة لن تُنسي . رواية ستبقي في الذاكرة دائماً ، لان بها بعض المشاهد الايقونية
أظن أن الكثير من أحداث هذه الرواية ستظل تلاحقني لفترة طويلة. أبدأ بالتعبير عن متعة قراءة رواية تقع أحداثها في مدينتي وحيث ذكرت العديد من الأماكن التي أعرفها جيدا! أحيّي الكاتب على أسلوبه الرائع وخياله الذي نسج مدينة تحت مدينة بيروت حيث يعيش ويكبر ويتزوج وينجب ويموت أبناؤها منذ قديم الأزل ولم يرو النور يوما. تتدهور مدينتهم وحياتهم وصحتهم نتيجة كثرة النزاعات والحروب التي قامت على بيروت وكذلك التلوث البيئي وإهمال الناس لنظافة مدينتهم. تدعو هذه الرواية القرّاء لإعادة النظر بقيمهم وأفعالهم لأن نتائجها سوف تأثر حتما بالأجيال القادمة. أخيرا، تذكِّرنا تجربة الشخصية الرئيسة ببشاعة الحروب وكيف تُثقل حياة الذين عاشوها بالصدمات والذكريات الأليمة طوال حياتهم.
"ماذا أخبرك بعد؟ بقيت أسقط و أسقط و أسقط. كما بدأت رحلتي بالسقوط انتهت بالسقوط."
تتناول الرواية مدينة بيريتوس الواقعة تحت مدينة بيروت، كما يتضح من عنوان الرواية، الذي يحكي جزء من القصة، و حيث أن بداية الرواية تحكي نهايتها، و يتكفل ربيع بحرق الأجزاء المتبقية قبل الوصول إليها. فكما ستعرف أنّ سير القصة هنا له مراتب متأخرة من الأولوية. أهبط من خلال نبرة بطرس تحت الأرض، تظللني غمامة لا أراها كلما ضقت و رفعت عيني لسقف الغرفة المضيء، نبرة بطرس المشدودة المتحرّقة و هو يقصّ على ربيع، هذهِ النبرة التي أستطيع القول أنّها حملت الرواية بعفوية القصِّ بين اثنين، النفاذ إلى النقاط المشتركة في الأوقات الحرِجة و من دون الإعتماد على الأساليب البلاغية أملًا في الفهم، رغبة في إفلات عبء الإحساس من خلال النقل المضني للصورة. و كَكُل المنعطفات التي يدخلونك فيها من يقصون عليك حكايتهم، نعود من خلال ذاكرة بطرس إلى بيروت العلوّية تضوع بنوستالجيا يضاعفها الحال الآني، يقول بطرس على مشارف نهاية قص رحلته في بيروت التحتية: "اكتشتفتُ أثناء تلك الرحلة مع الفلكي و المؤرخ و الجغرافي الصغير و رفاقهم مقدار تدهور الأحوال في بلدهم الذي -مثلنا- يسمّونه بيروت." بيروت المتدهورة التي يموتون فيها، التي يهرع منها بطرس إلى ربيع لا لينقذهم من موتهم هم، بل لينقذه هو المحفوف بالموت أينما ولّى وجهه. هو الذي هزّه طارئ النجاة من بين أنقاض ذاكرته و أنقاض المتاهة. هل كان بطرس مفزوعًا من نفسه أن تركهم يموتون - ترك سلمان و عبّاس و إبراهيم - مثلما كان مفزوعًا من أخيه نزار و هو يقصّ عليه بطولاته في ميادين الموت؟ يقصّان و يقصّان غارقان هما الاثنان، آملان بيدٍ تمتد إليهما. أو هل تركهم بطرس دون أن يشغل باله إبراهيم، لأنهما بيروت متدهورة فوق بيروت متدهورة و الموت أملٌ للإنسانية كما يقول محفوظ، تتوقف بيروت المتدهورة عن التدهور مرة أخيرة كي تقف عليها بثبات بيروت. و إذا وجدت أن الواقع قد تحوّل إلى كابوس، و أردت تحويله إلى خيال، أين تعيش بعد ذلك؟. أول ما لاحظته أنّ الرواية تقوم على التقنيات السرديّة المستخدمة في روايتي أمريكا و الاعترافات. و هذهِ الأخيرة تشترك مع بيريتوس بالكثير من نقاط التشابه، حتى أنّ بعض الجمل الواردة وردت مثلها في رواية الاعترافات مما يعيدنا إلى صوت الراوي مارون هناك، مثل: "لا أريد أن أضجرك بوصف ألمي. لا أحد يحبّ وصف الألم. لا بدّ أنّك تعرف هذا ، ثمّ أنّ الواحد لا يستطيع أن ينقل حقيقة ألمه إلى الآخر. حين يتألم الواحد يتألم وحده." "لكنك تعرف جيّدًا أن ذاكرة الإنسان تخدعه دائمًا." و الحقيقة أنّي أقول يعيدنا مع أن بيريتوس تسبق رواية الاعترافات في الترتيب، و أمريكا أيضًا. لكن ذلك عائد لترتيب قراءاتي لهم. أزعجني في الرواية التفصيل الذي يصل إلى مرحلة الحشو أحيانًا. و الجميل أن تجد ما يبهرك دون أن تشعر بأنّ جهدًا خاصًا بذل ليخرج على ذلك النحو.
الكتاب السادس لعام 2024 بيرتيوس مدينة تحت الارض ربيع جابر " إن سألتني الآن عن أسوأ لحظة في حياتي كلها، أقول: بلك اللحظة في مقر مبنى "ستي بلاس"... هذا المبنى الواقف كما الشبح في النقطة ذاتها منذ ظهوره أواخر الستينات، كان يخفي لي - هو مدمّر هكذا - عالماً آخر لم أكن أتخيّل يوماً أنّه موجود تحت عالمنا. أسوأ لحظة في حياتي كلها. إنها حتى أشدّ ظلمة من الساعة الأخيرة في حياة أبي. لن أتغلّب يوماً على رحيل أبي، كان تعلقي به مرضيّاً، وسيبقى هكذا." عبر 239 صفحة ومن اصدر المركز الثقافي وقراءة الكترونية ياخذان ربيع جابر عبر بيروت المتخيلة ، تلك المدينة الخفية كحزنها ، بيروت التي تجيد اجادة الحزن حيث يتحدث الكاتب هنا في بيرتيوس و حارس السينما المهجورة بطرس الذي يسقط ذات ليلة ماطرة إلى مدينة تحت الأرض تسمى بيروت أيضا ، حيث يصادف قرى كثيرة وعوائل بأكملها تعيش حياة كاملة تحت الأرض ، حيث لا شمس ولا ضوء سوى الشموع ، ولا طعام حقيقي سوى السمك ، لا بحر ولا سماء ولا نهر. كيف وصلوا إلى هناك؟ هل نزحوا إلى الباطن أيام الحرب اللبنانية ؟ أم أنهم ولدوا هناك؟ وكيف تمكنوا من التأقلم كلياً تحت الأرض؟ هل سيتمكن بطرس من الخروج مرة أخرى إلى “برا” ؟ وكيف؟. ابدع ربيع في خلق واكتشاف عالم موازي لعالمنا ومدينة قد تكون مرعبة لسكانها لو تخيلوها لكنه الحقيقة التي عاشتها بيروت في عام 2005 حيث اغتيل رئيس الوزراء رفيق الحريري في انفجار غامض ، بالاضافة الى الاحداث الصعبة التي عانى منها السكان كالانفجارات والاغتيالات وغيرها ، وهي احداث مرعبة أيضا لقاطني بيروت أو الذين يعرفونها، إذ أنها تحفزهم على التخيل أنه تحت بيروت التي يعرفونها بيروت أخرى لا يعرفون عنها شيئا . لذلك يمكن اقول ان ربيع قد اسهب في الوصف والتفاصيل لكل تلك الأحداث العميقة ، خصوصا أنه تحدث بشكل دقيق عن الناس في العالم التحتي ، كيف يعيشون ، ماذا يأكلون ،وأين ينامون وكيف ينتخبون رئيسا وكيف يدفنون موتاهم، أعطى اسماء للمناطق والقرى، ووضع خرائط تصويرية للمدينة التي تقع “تحت” ورسم ما يقابلها من الأماكن “فوق”. وربط بطريقة سلسة الأحداث الكثيرة التي حدثت له وهو “تحت” مع ذكرياته مع عائلته أيام الحرب اللبنانية 1975-1990. لماذا بيرتيوس ؟ الجواب ان الاسم تاريخي كتاريخ بيروت إذ هو الاسم الإغريقي لمدينة بيروت أو"بيروتا" في ألواح تل العمارنة. سماها الفينيقيون "بيريت"، وهي كلمة فينيقيّة تعني الآبار. وقيل إنّها كانت تُدعى بيريتوس نسبة للإلهة "بيروت" أعزّ آلهة لبنان وصاحبة "أدونيس" إله جبيل. وعُرفت المدينة باسم "بيريتوس" (باليونانيّة القديمة) يصفها الرّاوي بأنّها متاهة مدينة مطمورة تحت الأرض، موقعها كائن تحت بيروت الحاليّة. أمّا كيف دخلها الرّاوي ذاتيّ الحكاية واكتشفها، فذلك عبر حفرة انزلق فيها مطاردًا ياسمينة بثوبها الأبيض، متماهيًا مع أليس الشّخصيّة القصصيّة للويس كارول التّي طاردت أرنبًا أبيض. توجد هذه الحفرة في خربة سينما "سيتي بالاس"، الأثر الماثل من زمن الحرب الأهليّة الّلبنانيّة، والكائنة على خطّ التّماس الّذي يقسم بيروت بين شرقيّة وغربيّة حسب الفصيل والحزب الحاكم . سكان المدينة المجهولة هم سكان بيروت الاصلية الذين تم اختطافهم عبر المليشيات في الحرب الاهلية ، فلا عجب ان يكون هؤولاء السكان غريبو الأطوار شاحبو الوجوه عيونهم واسعة وأصواتهم هامسة لا يرون السماء ولا يعرفون الليل من النهار ، إنهم البشر الذين افترض ربيع جابر أنهم آووا بعض المختفين في أحداث حرب لبنان الأهلية، هؤلاء المختطفون الذين ضجت بهم رواياته عن لبنان وحربها الوحشية، هو يفترض هنا أنهم نزلوا إلى مدينة تحت الأرض عبر حفر قذفهم فيها المتحاربون كانهم قتلى ونفايات بشرية، لكن بعض هؤلاء القتلى لم يمت بالفعل وإنما زحف عبر أنفاق طويلة ودهاليز إلى هذه المدينة الغريبة وعاش هناك حتى اليوم الذي اكتشف فيه "بطرس" ذلك . الذاكرة المخفية والطفولة التائهة في الحرب الاخيرة على غزة واطفال غزة يموتون جوعا ويقامون الحياة التي فرضت عليهم كيف ستكون ذاكرتهم ؟هل ستون مثل ذاكرة بطرس؟ فنحن نعرف ان للحرب ذاكرة طّفولة معذبة كحال بطرس اذا هنا الدماغ والذاكرة المخفية ، فاذا توجهنا كما يريد الكاتب وسالنا عن أهل بيريتوس ودهاليز المتاهة الأرضيّة بحيث يصفها بطرس بانها سوسة كبيرة تسمة المنخوليا الّتي هي "مرض الاكتئاب الشّديد": "إذا دخلت سوسة المنخوليا إنسانًا سكنت قلبه. إذا بلغت المخّ صارت تأكل المادّة الرّماديّة، وتقضم التلافيف الطّريّة التي تشبه الدّهاليز، وتتغذّى على الذّكريات والأحلام والخيبات، وتنمو كالدّودة". فناس بيريتوس ما هم إلاّ أطياف من رحلوا، فُقدوا أو خُطفوا وغابوا، كما هي حالة إبراهيم ابن خالة بطرس المخطوف، والّذي عثر عليه تحت. المتاهة هنا هي الحرب الدائرة او عنق الزجاجة الذي تم وضع سكان المدينة فيه دون ارادتهم حيث لم يتم استشارتهم بهذه الحرب وجدو انفسهم في موقف صعب حيث تشكل التّيه وتقاطع طرقالطرق بعضها مسدود بلا مخرج. وتاليًا، لا بدّ للتّائه من البحث عن مخرج. فالمتاهة تعني إذًا، حصر التّائه في أضيق مساحة مسدودة ممكنة. كان سبيل بطرس الرّاوي، طفلاً، للخروج هو الهروب إلى النّوم حين يقول: "لماذا لا أذكر من الحرب كلّها إلاّ نومي في الملجأ؟. وأنت أيضًا عبرت الحرب كمن يعبر منامًا" ،مخاطبًا الرّوائي بوصفه شخصيّة في الحكاية." يمنّي الرّاوي نفسه لو كان كل ما شاهده في بيريتوس وفي الواقع التخييلي زمن الحرب منامًا، لا حقيقة: "هذا كلّه منام طويل لن ألبث أن أستيقظ منه". ليس ذلك وحسب، بل إنّ المخرج من كابوس الذّاكرة ومتاهاتها وأنفاقها هو الكتابة، حين يحدّث الرّاوي الشّاهد جليسه: "إذا أخبرتك القصّة وكتبتها أنت في رواية صارت تبدو لي خياليّة غير حقيقيّة، ولم تعد تفسد عليّ نومي". الشّخصيّة الرّئيسة الثّانيّة هي شخصيّة ياسمينة، حبيبة بطرس، والّتي استحالت رمزًا عندما شبّهها بأوفيليا:"أراها تطفو مثل أوفيليا على وجه المياه. أنا الّذي قرأت كلّ تلك الكتب لم تساعدني الكتب على احتمال الألم". وأوفيليا هي حبيبة هاملت، شخصيّتان في مسرحيّة "هاملت" لشكسبير. حاولت أوفيليا إنقاذ هاملت بفعل الحبّ والغناء، وجذبه إلى الجانب الآخر من النّهر، إلى عالمها الجذّاب، حيث البهجة، وترك فعل الانتقام. لكنّها فشلت، فأسقطت نفسها في البحيرة لترحل عن ذلك العالم الكئيب، فأضحت رمز النّسيم الرّقيق في عالم مضطرب، تبتغي تخليص العالم من العنف. كانت ياسمينة أمل بطرس في الكهف البارد والمظلم في بيريتوس، كما كان هو أملها بالخلاص والخروج من متاهة المدينة، حيث الزّمن يتحجّر. يرمز إلى توقّف الزمان السّاعة المتوقّفة، والقنديل الّذي لا يُضاء المعلّقان على الحائط الأبيض لبيت إسحق، حيث قبع بطرس بعد سقوطه في الحفرة. الحائط نفسه استحال شاشة بيضاء تتلاحق عليها الصّور، ليمسي سكّان الكهف مجرّد ظلال لأشخاص، ممثّلين في عالم حركات خفِرة وأصوات هامسة ووميض أنوار خافتة بدلالة حياة تنضب وأرواح تتلاشى، بالتّوازي مع اندثار مجد سينما سيتي بالاس وعالمها الّذي كان ضاجًّا بالحياة. يرمز إلى انحلال الحياة نضوب النّهر الّذي يغذّي المدينة، وشحّ الغذاء وفقدان العديد من الموادّ الغذائيّة البدائيّة. إشارة أخرى إلى سير الزّمان وئيدًا رمزيّة المكتبة الفقيرة بالكتب (عشرين كتابًا)، وقول إحدى الشّخصيّات: "الّذي يتعلّم هنا يصير شقيًّا. ما فائدة العلم؟". فأبواب الأمل موصدة، والحلم بالشّمس والسّماء مبتور، يقمعه الخوف من أمرين، أوّلهما انطفاء الأعين لاحتراقها في الشّمس، وثانيهما عبور الأسوار لوجود "ناس الوحل" الّذين لم يرهم أحد. ولفكرة ناس الوحل وإيهام النّاس بوجودهم، دلالة التّسلّط الاجتماعي الموروث واستغباء السّكّان لاسبقائهم داخل الأسوار ومنعهم من التّفكير بالخروج وترك الجماعة. رواية بيريتوس تزخر بالدّلالات الرّمزيّة، وتستنطق الماضي وتُحمّل بمآزق زمكانيّة؛ إذ تُمثّل برمّتها نافذة أمل بالخروج من أنفاق ذاكرة مكلومة. فمن خلال عالمها الغرائبي يهرب الرّاوي مع شخصيّاته من ثقل الواقع ماضيًا وراهنًا، محذّرًا من مستقبل بائس ومصير مشؤوم.
قراءة مخيبة للآمال للغاية. كانت الفكرة مثيرة للاهتمام وواعدة جدا، ولكن التطبيق كان كسولا جدا. كمية الأبحاث التي قام بها الكاتب تقارب الصفر. نعم، سقط بعض التلميحات حول أطلال رومانية والزلازل في العهد القديم، لكنه لم يكلف نفسه عناء التأكد من الحقائق البسيطة حول ما يحدث للأجساد البشرية عندما تحرم من أشعة الشمس (أو حتى الكربوهيدرات !!!). حتى أنه لم يتعب نفسه بالبحث عن المدة التي تحتاجها العظام لتنجبر أو ما يحدث عندما ينام الناس في نفس الوضعية لمدة ثلاثة أشهر (تلميح: التقرحات والعقور السريرية). أيضا، عندما أفكر في الطعام الذي ينمو في الظلام، لا أفكر بالأسماك ولكن بالفطر. المنطق يقول أن المصدر الرئيسي للغذاء تحت الأرض سوف يكون الفطريات، ولكن كان هناك بالضبط ذكرين للفطر في الكتاب كله. أيضا، في هذا الوضع الفئران لا تكون آفات مخيفة، ولكن مصدر غذاء ثمين. كل هذا قد يسامحه المرء، ففي النهاية هذا كتاب خيالي خرافي, ولكن لا أقدر أن اسامح سطحية ورتابة الشخصيات. كان بطل هذه الرواية واحد من اقل الشخصيات قرابة للقلب قرأته في حياتي. مزعج, مثير للغضب, كثير التذمر, وببساطة لا يعرف كيف يروي حكاية.
حسناً, ربيع جابر, بداية تجربتي معه كانت في شاي أسود, وبيروتوس هي تجربتي الثانية, ربيع جابر له أسلوب حميم في السرد, يجعل كل كتابته قريبة. ما زلت أبحث عن صورة واقعية أرسمها عن الحرب اللبنانية في رأسي, مؤلفات ربيع دائماً تجمع شيئاً من الرقة المغلفة بالدهشة في وصف أبغض المشاهد والعنف الذي شهدته بيروت. مازالت بيروت مدينةً تثير اهتمامي, وأنا أعلم جيداً أني لن أكتفي منها, لذلك دائماً أبحث عنها في الأدب. أستطيع القول أن بيروتوس ليست أفضل أعمال جابر الأدبية, لكن ما يعطي هذا العمل طابعه المميز هو قدرته على بناء عالم موازي حقيقي يقابل العالم الواقعي . أرى أن الأدب العربي يفتقد الى هذا الحس الدافىء من الخيال, رأيته سابقاً في رواية "فرانكنشتاين بغداد" ورأيته اليوم في بيروتوس.
هل يمكن أن تداخل كل الذكريات مع بعضها البعض؟ ما الذي سيحدث عندما يتداخل كل شيء في عقلك مرة واحدة، عندما تحكي شيئا ما، و تجد أن الذكريات جميعها تنهال عليك، تحكي كل شيء ، بدون ترتيب، و تحكي خيالات لم يصدقها أحد. الرواية تقوم على محاور، بطرس تحت الارض و ذكريات شبابه، و ذكرياته عندما كان طفلا صغيرًا. الرواية رائعة الخيال، ولكن الوصف، الوصف طويل لدرجة مملة، يكتب ربيع جابر عن عالم رآه بعينيه، يصف رسومات على جدار ما ، يصف امرأة لم تر نور الشمس ولا مرة في حياتها، يصف جمالها، اقع أنا أيضا في حب تلك الحرارة النابعة من جسدها، يصف عالمًا من عقله، يصف كل شيء و كأنه شاهده بنفسه.
I was waiting for this book to take an easy detour into science fiction or magical realism, but for the entire novel it stuck with the premise that people could live in a subterranean version of Beirut and he provided a plausible account of how it would be, both in objects and feelings. That being said, it was elaborate allegory for homesickness in the modern World. The world you know just meters above you.
رواية غريبة... تتحدث عن سكان تحت مدينة بيروت؛ التي اندثرت بسبب زلزال، فدُفنت تحت الأرض؛ تحت مدينة بيروت الحالية... سكانها يعيشون في مكانٍ؛ عبارة عن متاهات... ماذا يأكلون؟ ما هي لغتهم؟ من أين يشربون؟ ومن أين يأكلون؟ من أين يتنفسون؟؟؟ أسئلة كثيرة... رواية لذيذة... لكن لا زال ناس الوحل مجهولين ... أهم مجرد أسطورة؟ أم هم حقيقيون؟ هل المختطفون في بيروت، منذ الحرب الأهلية، ما زالوا أحياءً تحت الأرض؟ وهل انقرض سكان مدينة بيريتوس، أم ما ازالوا؟