الربيع والخريف

by حنا مينه, Hanna Mina

وفي إحدى الأمسيات، حين دخل كرم باب البناية، بثياب العمل، والغبار والسخام على وجهه وعنقه ويديه، استوقفته البوابة، قالت له: "تعال، ثمة من ينتظرك عندي". استمهلها أن يغتسل ويعود، لكنها أصرت على أن يرى من ينتظره من فوره. وعندما أطل من الباب، اضطرب للمفاجأة، كانت هذه أيرجكا! ارتبك، مسح يديه على جنبي بنطاله قبل أن يصافحها، لكن أيرجكا صاحت: لا تخجل... لا تمسح يديك.. أنت الآن كرم الحقيقي، كرم الذي ترك القلم، وترك المتحف، وذهب ليعمل في البناء، لأجل شيء عزيز، عزيز، كأكثر ما في الوجود. اعتذر عن دعوتها إلى بيته، كل شيء فوضى قال لها. وعدها أن يزورها، لكنه لم يف بالوعد. كان يتفادى المواقف الدراماتيكية، ولا يسمح أيما عاطفة أن تثنيه عما اعتزم. مذلك لم يهتف إلى بيروشكا. لم يخبرها بموعد سفره. آثر أن يكون الوداع بغير دموع، وفي نهاية الأيام العشرة، المحددة للعمل، تفرغ لتوضيب ما تبقى من أشيائه، وشحنها، بمساعدة اليوش، بحراً، وقطع تذكرة سفر بالطائرة، ولم يأخذ معه سوى حقيبة واحدة، ولم يقبل، بعناد أن تقام له حفلة وداع. قال: شكراً لكل شيء، لكل العواطف، شكراً يا جورج، ويا جميل، وضياء، وحسن، وفهمي، وشكراً لكم جميعاً.. أضاف مازحاً: انتهت دراستي، صحيم أنني لا أعود بشهادة علمية، لكنني أعود بتجربة.. هناك، ربما، سأجد بعض المتاعب، بعض المصاعب، لكن الغربة أقسى من كل شيء,, إنني كنت سعيداً هنا. كنت سعيداً معكم، ولكنني، وبرغم كل الظروف، سأكون سعيداً في الوطن أكثر.. هناك أرضي وبيتي هناك أهلي، وهناك أكتب.. في المطار تقبل باقة زهور من مودعيه، عانق الجميع وضع راسه على صدر ضياء. كان العجوز يبكي وبكى هو أيضاً. وحين صعد الطائرة، هتف في نفسه: وداعاً يا أرض المجر"، واستسلم طوال الرحلة، لذكرياته وأفكاره الخاصة. وفي السابع عشر من أيلول عام 1967 كان في مطار دمشق. ومن هناك هنف لشقيقته، وحين جاء دوره أمام شباك الجوازات، نظر مسؤول الأمن في الصورة، ونظر إليه، وقال له "لحظة!.." ذهب إلى "الفيش" وحين عاد طلب منه أن يقف جانباً وجاء من أدخله إلى إحدى الغرف وأغلق الباب وعندئذ أدرك أنه موقوف. وفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل أركب سيارة جيب، وضعوا القيد في يديه وأركبوه سيارة حيب، ولم يقل له أحد شيئاً، ولم يسال هو، عن شيء.. وفيما السيارة تمضي نظر من فتحتها الخلفية إلى السماء.. كان القمر مشعاً، كان يغمر الكون بضياء أبيض، حدق فيه، ظل يحدق فيه، خيل إليه أن في القمر نقطة يعرفها، استعت ابتسامة.. وابتسم بدوره قائلاً: "جنية القمر سافرت معي..." وأغمض عينيه على سعادة لم يعرفها من قبل

328 pages, Paperback

First published January 1, 1991

About the author

حنا مينه روائي سوري ولد في مدينة اللاذقية عام 1924. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. يعد حنا مينه أحد كبار كتاب الرواية العربية, وتتميز رواياته بالواقعية.
عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري. وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها. كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي احيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي.
البداية الادبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.
أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا اخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها .
بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية وللآسف ضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة منها عدة روايات خصصها للبحر التي عشقة وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الاربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبتها كانت ( المصابيح الزرق ) في عام 1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر ان الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية

Reviews

[Asem Alnabih · Rating 4 out of 5]

بعد قراءتي لرواية الربيع والخريف خرجت بتجربة حياة, وأعتقد أن هذا هو فائدة قراءة الكتب, أنك تضيف حياة كاملة إلى حياتك بقراءتك الكتاب

المجر دولة اشتراكية, تقع على نهر الدانوب وتحتوي الكثير من المتاحف والأماكن الأثرية
المجريون منفتحون جدا ويحبون تكوين الصداقات مع الجميع على اختلاف أديانهم وجنسياتهم ولغاتهم
المرأة المجرية تحب الرجل الغجري ولكنها تكره أن يُظهر لها ذلك
المرأة المجرية تستطيع أن تعلمك اللغة في أقل من شهر
المجريون لديهم اعتداد كبير بدولتهم وأنفسهم, واخلاصهم للدولة كبير جدا أيضا
تفيض المزارع والبساتين بالفواكه والخضورات ولكن لا يملكون الأيدي العاملة الكافية لقطفها
المرأة المجرية عاطفية جدا, ولديها ذوق رفيع جدا في اختيار الرجال
يحق للغريب " السائح " أن يقتني الآثار وأن يأخذها معه إلى بلاده, لكن أصحاب الجنسية المجرية لا يستطيعون ذلك
في المجر لا يمكن أن تبيت في الشارع, الحكومة مكلفة بمنزلك في كل وقت
في المجر تكثر أماكن اللهو والراحة والتنزهات في المجر تكثر الأغاني الجماعية الصاخبة والمرحة

[Sanabel Atya · Rating 3 out of 5]

حنا مينا يكتب نفس القصة نفس الهمّ، بكلماتٍ مُغايرة.. يُضيف أو يُقلل..
يزور بلدان جديدة.. وتبقى الفكرة واحدة.. والهمّ واحد.

المشكلة الصينية الروسية، الخبراء الأجانب في الصين، النكسة العربية، الاغتراب الإجباري، دولة المخابرات العربية،
الحنين إلى الوطن الظالم المظلوم، مشكلة الشباب العربي واتكاليته، مشكلة النظام العربي...الخ
كلها قد عُرضت وإن بصورة موسعة في ثلاثية "حدث في بيتاخو،عروس الوجة السوداء، المغامرة الأخيرة"
...
ولابد أن يخرج القارئ ولو بسطرٍ واحد، أو معلومة جديدة واحدة من أي كتاب يقع تحت يديه.
بودابست /المجر .. كانت إحدى المعلومات الجديدة... عراقة ضاربة في أوروبا، رغم الهدوء الذي نراه فيها،
بغض النظر عن زوبعة هجرات العرب الأخيرة عن طريقها.
~~~~
الدول الاشتراكية، كانت فيما مضى تُعطي منحاً كاملة للطلاب العرب للدراسة فيها، على حساب الدولة المُضيفة، ومن جهد وعرق أبنائها. لماذا؟
لتتخلص الأمة العربية النامية، من سيطرة وذل الاستعمار الغربي الرأسمالي، وتعثر على خبرائها في كل مجالات الحياة من أبنائها لا من الغرب.
ولكن، ماذا استفاد العربي من هكذا دلالٍ مستفيض؟!
حال الطالب العربي كان "مال جابته الريح تاخذه الزوابع" .. أهمل دراسته، عاث في نفسه وفي تلك البلاد فساداً،
والفائدة الوحيدة الذي عاد بها أغلب الطلاب العرب، أن أضافوا سمة اللون الاشقر على البلاد العربية بزوجاتهم ونسلهم الأشقر!

ضاع كدح شعوبٍ بأكملها، لهراء الطلاب العرب ! لم يطردوا المستعمر، ولم يتخلوا عن الغرب ورأسماليته وخبرائه!
~~~~

ذُكر في الرواية الآتي:
إذا أراد الإنسان أن يُغيّر أفكاره ابنه أو بنته فليرسلهما للدراسة في البلدان الاشتراكية..هناك يجدون كل شيء جاهزاً،ينسون أصلهم،يبدلون أفكارهم
أما في الغرب، حيث ينتظر الطالب حوالة أهله كل شهر. ويهرب من البيت بسبب التأخر في دفع الإيجار،ويأكل إذا أكل، لحمة قاسية كالنعل،
فإنه يظل تحت مطرقة الحاجة، يفكر بالظلم، بالعدل...
///
يا خسارة تعب الاشتراكية في العرب.
~~~~
النكتة، في ذاك الزمن،زمن أحداث الرواية، كانت المجر حديثة العهد بالاشتراكية، ولا تزال تبني نفسها، وبحاجة ماسة لليد العاملة، ولا تجدها !
ليس هنالك عمال للبناء، ولا للتطوير.. ولا حتى لجني المحاصيل المتنوعة !!!
ربما لازال الأمور كذلك، كما لاتزال اليد العاملة العربية لا تجد عملاً بالمطلق.

[Aliaa Alhashemi · Rating 4 out of 5]

‏جولة في المجر بلاد الدانوب يتناول فيها حنا محورين أساسيين: الغربة والحنين إلى الوطن وكفاح المرتزقة والمناضلين في الدول الاشتراكية لتوفير عيشة الامتياز والرفاهية للمغتربين من جانب، وصراع الحب الذي يفرض علينا فرضاً من جانب اخر، وأخيرا العودة للوطن.
أصنفه عملاً اجتماعياً رومانسياً أكثر منه سياسياً ، ورغم أن شهادتي بهذا الكاتب مجروحة بحق، إلا أن كل كلمة قرأتها لامست قلبي قبل عيناي ، لم أعتد على حنا بهذا الخط في الكتابة إطلاقاً ، إلا أن أسلوبه في وصف الألم والمعاناة الذي عاناه -هو- واحد لا يتغير.

كوسونيم سيبين حنا ، تعلمت بضع مفردات مجرية، حتماً سأزعج أصدقائي بها :)

[Btissam Betty · Rating 5 out of 5]

ماذا أقول عن كتابات هذا الرائع ؟؟؟ كعادته يرسم لك واقعا تغوص فيه وتعيشه
لكل من يود قراءة هذه الرواية تذكير جميل اقرأ كلامه مرة واعد الكرة لتبحث عن الرسائل المهفية بين السطور وهنا ستجد معنى الغربة والنفي والبعد عن الوطن بين التمسك بالمبادئ والانغماس في الحياة بكل اطرافها ، الاشتراكية والرأسمالية ، المرأة الوطن الطبيعة الانسان، والحب والعجز عن الحب.
غربل الكلمات وضع كل قطعة فسيفساء مكانها لتطتمل الصورة. رائعة بكل المقاييس

[آرميا عثمان]

اقتباسات من الكتاب:

- الوطن صرة مشاعر.
- هذا ناتج عن لا مبالاة وهذه ناتجة عن انعدام الحب وانعدام الحب يولد انعدام الغيرة، أنت فقير ومعذب من الداخل.
- العقل يجانب الحب .. يقتله.
- إذا لم تتغير الحياة من القاعدة من الصعب تغييرها من القمة.
- الماء إذا استقر في البركة لمدة طويلة يفسد.
- كل ما نكتشفه نألفه، كل ما نألفه نضجر منه.
- كل شيء إذا اقترب .. انتهى.
- حدس المرأة قانونها.
- الحب مرض لكنه يشفي من مرض آخر.
- إذا كنت عاجز عن حب المرأة فأنت عاجز عن حب كل شيء.
- كان في ذاته يمارس شعورا بالنبل ونبله كان أنانيا.

[Hanadi Nasser · Rating 3 out of 5]

لقد أخطأت في تقديري لبراعة حنا مينا في التأثير. كانت البداية لا بل معظم الصفحات الاولى للرواية كفيلم سينيمائي فقير، كانت المصادفات للشخصيّة الرئيسية السّورية على وقعٍ شاعري مستمرة، جميلة سعيدة ولقد اتعبني هذا الامر فحسبته بعيداً جدّاً عن الواقع. شعرت انه ليس لهذه القصة او الشخصية هدف من الحياة في المجر او غيرها واعتقدت انّه كتب عنها بالتحديد لزيارة اقامها هناك...
كل ذلك تغيّر حين بلغت النهاية، الصفحات العشرين الاخيرة بالتحديد!

ما إلناش غيره في الدنيا...

[Rasha Yousef · Rating 1 out of 5]

يالا خيبة الأمل !!! لا ادري كيف تصالحت معه بقرائتي الاولى لها انه لمن المحزن القول اني اشعر بالاسف ،!! الربيع والخريف كانت في هذا الزمن سوء اختيار ربما في أزمان سابقة لاقت مني بعض الاستحسان لكن الان يا عم حنا اجدها غريبة لا تشبهني

[Islam J. El-Habil]

تجربة صفر.. أول قراءة ل حنا مينة، وأخالها الأخيرة.
مستاءة!

[Suhail Alsharif · Rating 5 out of 5]

في روايته «الربيع والخريف»، يكتب حنا مينه بمداد الغربة والمنفى سيرةً رمزيّةً للمناضل الذي حمل الوطن في قلبه، وفقده على حدود الزمن والسياسة. في بطله كرم المجاهدي، تتجلّى صورة المثقّف الذي خَبِر الرفاق والثورات والحبّ، ثم وجد نفسه منفيًّا في مدينة بودابيست، يحدّق من شرفات الغربة في وجه زمنه الذي خان الحلم.

الرواية لا تسرد أحداثًا بقدر ما تنسج تأمّلات، تفتح في روح كرم نوافذ على ذاكرة مشروخة، وتضعه في مواجهة حادّة مع ذاته، والرفاق الذين باعوا الحلم بثمن الامتياز. وفي خلفية هذا المشهد، تتردّد أسماء نساءٍ مثل: بيروشكا وإيرجكا، لا كحكايات غرام، بل كمرايا لحبه الأعمق: الوطن. فكلّ عاطفةٍ في الغربة، مهما نضجت، لا تُطفئ في كرم شوقه للأرض التي نُفي عنها، وللصوت الجماعي الذي سكت.

“الربيع” في الرواية هو صورة أولى للحياة، للحب، للثورة، لوهج البداية. أما “الخريف”، فهو تآكل كلّ شيء: المبادئ، الرفقة، الجسد، واليقين. وبين هذين الفصلين، تتأرجح روح كرم، تبحث عن معنى وسط عالمٍ يتغير، ويُقصي النبلاء بصمتٍ مرير.

بأسلوبٍ هادئ ومشحون في آنٍ معًا، يصوغ حنا مينه عملاً تأمليًا، يتجاوز البُعد السياسي إلى القلق الوجودي. رواية لا تعلن مواقف، بل تترك الأسئلة مفتوحة كجراحٍ لا تندمل، حيث الغربة ليست مكانًا، بل حالة داخلية، وحيث الخريف ليس نهاية الطبيعة، بل سقوط الحلم القديم في وجدانٍ لم يتعب من الحنين.

[مدثر إسماعيل بلوله · Rating 5 out of 5]

#ريفيو
#رواية الربيع والخريف للكاتب السوري الكبير حنا مينة
رواية مدهشة تدور احداثها في دولة المج�� في مدينة بودابست التي ترقد على ضفة نهر الدانوب الازرق تلك المدينة الحالمة.. الساحرة.. المدينة التي لا تنام .. حيث الملاهي الليلية الساهرة والراقصة حتى الصباح .. مدينة العشاق والسواح والمتاحف والمنتزهات.
تدور أحداث الرواية التي بطلها مهاجر سوري عن حياته في الغربة وعن قصص النضال والاشتراكية وعن الثقافة والكتابة والسياسة وعن الحياة في المجر في قالب اجتماعي رومانتيكي بديع

[Mohammad · Rating 5 out of 5]

من أروع الروايات التي قرأتها بحياتي. شرعت بقراءة الرواية بعد العودة من رحلة دامت أربعين يوما، فإذا بي أجد نفسي برفقة رجل عربي انتقل لتوه إلى المجر، ليحكي لي عن حياته بعدما قارب الأربعين من العمر. رواية تتحدث عن الحياة وعن الحب، عن الوطن وعن الغربة. رواية أخذتني لعالم آخر. استمتعت بها بشكل خاص لأنها جاءتني كتوصية من قارئة جميلة اسمها ناني.