لقد أخرجت الحركة الإسلامية في العصر الحديث عددًا كبيرًا من الشعراء الأفذاذ الذين حملوا على عاتقهم همَّ الدعوة لإحياء أمة الإسلام وعودة المجد السليب. ولقد شهد لهم الجميع- من نقاد وأدباء وشعراء- بشاعرية كبيرة تفوق أمثالهم، استطاعوا من خلالها الدعوة إلى مبادئ الإسلام وعظمته، وحثِّ المسلمين على البذل من أجل نهضة الإسلام. وكان من هؤلاء الشعراء شاعرٌ فذٌ عظيمٌ، وهو شهيد الشباب وعاشق الحرية هاشم الرفاعي الذي لم يمهله القدر الوقت الكافي؛ ليبدي لنا كل ما عنده، فجاءت وفاته وهو دون الخامسة والعشرين، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يقدم لنا روائع شعرية أنبأت عن قلب شاعر مرهف الحس، مالكٍ لأدوات فنه، مخلصٍ لدينه ولأمته، حتى قال عنه بعضهم: "لو عاش هاشم الرفاعي إلى سن الثلاثين لكان أشعر أهل زمانه".
في قرية "إنشاص الرمل" في محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية كان مولده في منتصف مارس عام 1935م. وهو "السيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي"، ينتهي نسبه إلى الإمام أبي العباس أحمد الرفاعي الكبير- مؤسس الطريقة الرفاعية، ووالده هو الشيخ "جامع الرفاعي"، ورث ريادة الطريقة عن أبيه عن جده، وكان شاعرًا متصوفًا، وقد تُوفي عام 1943م، وكان الشاعر في الرابعة عشرة من عمره، وقد اشتهر الشاعر باسم جده- هاشم الرفاعي- تيمنًا به، فقد كان أحد العلماء الفضلاء من أعلام التصوف السني.
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة في مكتب الشيخ "محمد عثمان"، ثم التحق الشاعر في صباه بالتعليم المدرسي، ولكنه تركه وهو على أبواب الشهادة الابتدائية "نظام قديم"، ثم التحق عام 1947 بمعهد الزقازيق الديني، وقد أمضى به الشاعر تسع سنوات كاملة من عام 1947 إلى عام 1956م.
ثم التحق الشاعر بكلية دار العلوم، ولكنه لم يتم الدراسة بها، حيث تُوفي قبل التخرج، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين، وسط ذهول من أهل قريته وأهله وكل من عرفوه.
في المرحلة المبكِّرة من عمر الشاعر نراه قد نَظَم مجموعة من القصائد قبل نهاية عام 1949م، أسماها "البراعم" ولم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة من عمره، فتدلُّ هذه القصائد على شاعريَّته المبكِّرة، وفي عام 1948م كتب ستَّ قصائد هي: فلسطين، صور ساخرة، خيانة، صداقة، نهج البردة، أحزان، وفي عام 1950م نرى الشاعر ينظم ثلاثَ عشْرَةَ قصيدة، وقد بدأ النضوج الشعري عنده، وبدأت الرؤية الشعريَّة لديه تتَّضح، وبدأ قصائد عام 1950م بقصيدة تحمل عنوان "عزاء"، وفي عام 1951م نَظَم الشاعر عشرة قصائد، بدأها بقصيدة "الدستور الخالد" -القرآن الكريم- نُشرت في مجلة العالم الإسلامي الثقافيَّة.
وبداية من عام 1952م يبدأ الشاعر في إنتاجه الغزير، حيث تنوَّع شعره ما بين الأشعار الوطنيَّة وأشعار الطبيعة والربيع، ثم الذكريات الدينيَّة، وفي هذه الفترة كان هاشم الرفاعي يقضي أعوامه الدراسيَّة في معهد الزقازيق، وفي عام 1954م ثارت عواطف هاشم الرفاعي حينما رأى تدخُّل الحاكم في شئون الأزهر بحجة تطويره، فعقد هاشم الرفاعي وزملاؤه مؤتمرًا للطلاَّب بمعهد الزقازيق الديني الأزهري، قرَّر المؤتمرون فيه الإضراب عن الدراسة، حتى يُستجاب لمطالبهم بِعَدَمِ اختصار العلوم الشرعيَّة واللُّغويَّة، وقد قُبض عليه، وفُصل من الدراسة في المعهد مدَّة عام كامل، وبعد هذا التاريخ لم يذكر هاشم الرفاعي ثورة يوليو بشيء في شعره، ثم التحق بكلِّيَّة دار العلوم في عام 1956م، وفيها ظهر نبوغه الشعري، واختير الطالب المثالي لجامعة القاهرة، فانتُدب أكثر من مرَّة من قِبَلِ الوزير كمال الدين حسين[6] لإلقاء الشعر بمناسبة الوَحدة بين مصر وسوريا في أعوام 1958م، و1959م، ولم يَقُلْ هاشم الرفاعي إلاَّ ثلاث قصائد عن الثورة والجلاء في الفترة ما بين عامي 1954م إلى وفاته عام 1959م بطلبٍ من وزير التعليم كمال الدين حسين.
من اشهر قصائد هذا الشاعر قصيدته رسالة في ليلة التنفيذ قصيده تعبر عن شهداء الرأي والفكر وهذا جزء منها أبتاه ماذا قد يخط بنانى ..........و الحبل و الجلاد ينتظران هذا كتاب اليك من زنزانة......... مقرورة صخرية الجدران لم تبق الا ليلة احيا بها.......... واحس ان ظلامها اكفانى ستمر يا ابتاه لست اشك فى.......... هذا وتحمل بعدها جثمانى الليل من حولى هدوء قاتل.......... والذكريات تمور فى وجدانى ويهدنى المى فانشد راحتى ........فى بضع ايات من القران والنفس بين جوانحى شفافة.......... دب الخشوع بها فهز كيانى قد عشت أومن بالاله ولم اذق.......... الا اخيرا لذة الايمان شكرا لهم انا لا اريد طعامهم.......... فليرفعوه فلست بالجوعان هذا الطعام المر ما صنعته لى......... امى ولا وضعوه فوق خوان كلا ولم يشهده يا ابتى معى.......... اخوان لى جاءاه يستبقان مدوا الى به يدا مصبوغة.......... بدمى وهذه غاية الاحسان والصمت يقطعه رنين سلاسل......... عبثت بهن اصابع السجان
اتأخرت في كتابة الريفيو كعادتي في كتير من الكتب اللي تستحق التوقف عندها.. هاشم الرفاعي، اسم ممكن يكون غريب أو مش معتاد عند كتير من الناس ومنهم مهتمين بالشعر، وده راجع لإن مسيرته قصيرة، توفي -أو قُتل بمعنى أصح- في سن 25، وبالنظر للعامل ده فأنا باعتبر ديوانه الوحيد ده واللي ترك فيه أغلب أعماله علامة لاسم وديوان أثر فيا بقدر كبير، برغم إن بشكل عام صعب الاستفادة معلوماتيًا من ديوان شعر!.. بجانب إن الكتاب ديوان شعري هو تأريخ لفترة تحول من تاريخ مصر، من الملكية للجمهورية مرورًا بثورة -أو انقلاب- يوليو، الكتاب سارد التحول ده في صورة قصايد، قصايد تهليل وتفاؤل بثورة يوليو، اتحولت خلال الديوان لأخرى بتوصف الظباط بالجلادين المجرمين على مستوى الكاتب نفسه فالديوان بيحتوي على قصايد ليه من عمر 10 سنوات، يعني تقدر من خلاله نشوف مراحل نضج الشاعر ده، من وقت ما كان بيكتب عن الربيع والأم، لحد القصائد الوطنية العبقرية واللي أبرزها أكيد رسالة في ليلة التنفيذ وأغنية أم -- إني لأعمل للسلام ولغرس أزهار الوئام الله يشهد ما بذرت بذور شر في الظلام لكنني آبي لأرضي أن تُذل وأن تضام هذي يدي فيها الإخاء وفي الأخرى سهام فالود مني للصديق، وللعدا الموت الزؤام
مازلت أذكره "هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي.....”
من قديم الدواوين التي كانت بمكتبتي – لم يكن لي في الأصل بل لأخي وأهمله فأستوليت عليه – منذ المرحلة المتوسطة والحقيقة أنني قد أتعهد بالقراءة من حين لآخر ربما خلال فصل دراسي واحد – وهي مدة طويلة أعلم ذلك – عندما كنت في الثانوية وأذكر قوة فصاحته مع صغر سنه وكان متمسكًا بالمنهجية التقليدية في القصيدة العموية. رغم إنتشار القصيدة التفعيلية في نهاية الأربعينات وإنطلاقها في العراق ولبنان وسوريا ووصولها مصر إلا أن هاشم بقي وفيًا للعمودية ولكن بتقليديتها من ناحية الوزن وتحرر في أخر سنواته من الكثير من الألفاظ المهجورة الجاهلية التي كثر إستخدامه لها في أول شعر قبل العشرين إلا مانذر. كان معارضًآ لعبد الناصر ويراه طاغية وكان قد تعرض للتوقيف، ومات ميتة مفاجأة (1959م) وهو صغير جدًا وبقيت وفاته سرًا بين وفاة بسبب حادثة طلابية تم إستدراجه لها، وبين أنها مجرد وفاة لمشاجرة حقيقة ليس لحكومة عبد الناصر دخل فيها وإن كنت أظنه إغتيال مدبر ومحكم..
لو قدر لهذا الشاعر الشاب الحياة حتى أن يتجاوز الأربعين فقط لكان آية، وقد بلغ شهرة عالية حتى وهو في بداية عشرينه وليس فقط عند جماعة الأخوان المصرية بل عند شريحة كبيرة في مصر.
أمَّا الـضعـيفُ فـمغـبونٌ وليس لهُ في الأرضِ عونٌ يقيهِ شرَّ باغيها
ولعل أشهر قصيدة له تلك التي يظن البعض أن هاشم تم إعدام وأنه ألقى قصيدة قبل لحظان من إعدامه وحقيقة الأمر أنه ماهو إلا معايشة خيالية وفّق لها الشاعر بأن سجل هذا الاحساس الملهب في هذه القصيدة :
أبَـتَـاهُ مــاذا قـد يـخطُّ بناني والحبلُ والـجـلاَّد منـتـظـرانِ هذا الكتاب إلـيـكَ من زنـزانةٍ مـقرورة صـخـريَّة الـجـدرانِ
هاشم الرفاعى صاحب كلمات النشيد الشهير" ملكنا هذه الدنيا القرونا"،وقصيدة "رسالة في ليلة التنفيذ" والتى كانت بعد رسالة بعثها له صديق ينتظر حكم بإعدامه، هو سليل أسرة صوفية جدها الأكبر القطب الصوفى أحمد الرفاعى، وأبوه كان شيخ الطريقة فنشأ في بيئة متدينة وكان قد التحق بالأزهر مع حفظه للقرآن فكانا السبب الأهم في قوة شعره ،بدأ في قرض الشعر مبكرا وعمره أربعة عشر عاما وله أنتاج ضخم في كثيرمن أغراض الشعر يغلب عليه الجانب الإسلامى في مدة عشر سنوات فقط حتى وفاته وعمره أربعة وعشرين عاما ! ،للوهلة الأولى ترى في شعره ثورية مع إلتزام دينى، فله قصائد في نقد الحكومة والملك قبل انقلاب عام 52،ثم مباركة لحركة الجيش في بداياتها ثم لما كشفت عن وجهها الاستبدادى القبيح كتب قصائد في نقدها نقدا شديدا في مجموعة الشعرية "جراح مصر" بقت حبيسة الورق حتى وفاته فكان يقول لأصدقائه قصيدة من هذه كفيلة بأن تحكم عليه بالاعدام ،وقد تعرض للاعتقال بعد أن قام مع زملائه باعتصام في المعهد الأزهرى ضد قانون عبدالناصر لتطوير الأزهر وفصل من المعهد ليعود بعد عام بوساطات ،تعرف عليه كمال الدين حسين وزير التعليم أئنذاك وأعجب به فأصبح مقربا من السلطة ويمثل مصر في الخارج فأصبح يقول شعرا مدحا في النظام وفى عبدالناصر لا أعلم هل تغير فعلا أم اضطر لهذا اضطرار ؟!، حتى موقفه من الإخوان كان مضطربا فهو قبل الانقلاب كان يمتدحها في ثم بعده بمدة وجيزة قصيدة ينتقدها ثم عاد لميتدحها مرة أخرى، وهو بالمناسبة هو لم ينضم طوال حياته لأى حزب أو تنظيم إسلامى أو غيره سوى حزب الوفد قبل انقلاب 52،توفى رحمه الله بطعنة على أثر مشاجرة مع بعض زملاء النادى الذى كان يلعب فيه وقد أبَّنَه كمال الدين حسين ويوسف السباعى وغيرهم. إلى جانب الشعر العمودى فله مسرحية شعرية واحدة يحكى قصة عروة العذرى وحبيبته عفراء وهو من شعراء العذرية وتوفى في زمن عثمان رضى الله عنه، وشعر زجلي يظهر فيه ظُرْفه. بالطبع لست أهلا لتقييم شعره أو نقده لكن هو بلا شك من أعظم شعراء الحركة الإسلامية الحديثة.
.. يقول شاعرنا- رحمه الله-: بالله سل خلف بحر الـروم عن عرب *** بالأمس كانـوا هنا ما بالهم تاهـوا فـإن تراءت لك الحمراء عن كثـب *** فسائل الصرح أن الـمجـد والجــاه وانزل دمشـق وخاطب صخر مسجدها *** عمن بـناه لـعـل الصـخر ينعـاه وطـف ببغداد وابحـث في مقابرهـا *** عــلّ امرأً مـن بـنـي العباس تلقاه أين الرشـيد وقد طاف الغمــام بـه *** فـحـيـن جاوزا بـغـداد تـحـداه
ملكنا هذه الدنيا قرونا********** وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء **********فما نسى الزمان ولا نسينا حملناها سيوفا لامعات **********غداة الروع تأبى أن تلينا إذا خرجت من الأغماد يوما********** رأيت الهول والفتح المبينا وكنا حين يرمينا أناس **********نؤدبهم أباة قادرينا وكنا حين يأخذنا ولي **********بطغيان ندوس له الجبينا تفيض قلوبنا بالهدي بأسا********** فما نغضي عن الظلم الجفونا شباب ذللوا سبل المعالي********** وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتا **********كريما طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة********** يدكون المعاقل والحصونا
هاشم الرفاعى .. عندما سمعت قصيدة رساله فى ليلة التنفيذ من صديق لى .. لم اكن من قبل اعرف عن هاشم الرفاعى شئ .. ثم ذهبت لابحث عن هاشم الرفاعى فعرفت كل شئ عنه من النت..و وجدت ديوانه PDF فقرأته اكثر من مره .. تعجبت كيف لشاعر لم يتجاوز الخامسه و العشرين ان يكتب كل هذا الكم من الشعر و بهذا المستوى .. هاشم الرفاعى كما قالوا عنه لو عاش لسن الثلاثين لكان اشعر اهل زمانه..رحمه الله
كنت قد اقتنيت الديوان ولكن بتحقيق ودراسة محمد حسن بريغش لكن واحد ابن حرام سرق الكتاب 000حسبنا الله ونعم الوكيل 000على العموم فرصة رائعة بالنسبة لي أن هداني المولى سبحانه وتعالى لنسخة مختلفة لابن أخي هاشم الر��اعي 000لقد انشرح صدري والله عندما علمت أن هناك نسخة متاحة عبر الإنترنت
انا امانى عبد الرحيم جامع هاشم الرفاعى..ابنه اخو الشاعر اكتب من حساب ابى عبد الرحيم جامع هاشم الرفاعى..محقق ديوان الشاعر.. هذا الديوان به الأعمال الكامله ل هاشم الرفاعى حتى القصائد التى منعت من النشر فتره من الزمن.. ل والدى عبد الرحيم الرفاعى عدة مؤلفات.. منها روح وريحان.. والاسلاموفوبيا.. وماذا قبل وبعد السموات والأرض.. وحدث فى مثل هذا اليوم.. وكتاب خلق الإنسان.. كلها كتب قيمه للغايه
جميلةٌ هي قصائده التي حكى فيها عن واقعه والوضع السياسي الذي عاشه في تلك الفترة, الديوان يحمل "جميع" قصائده الفصيحة منها و العامية بالإضافة إلى اختتامه بمسرحية شعرية من تأليفه, قام محمد حسن بعمل جيد في تصنيف أعماله إلى مجموعات كما سبق كل عمل من أعماله بذكر سنة كتابتها بالإضافة إلى نبذة بسيطة عن السياق الذي أتت فيه القصيدة. تخطيت بعض أشعاره التي أتى فيها مدح أسرته أو لأُصدقكم القول أغلب قصائد المديح لأنها لا تهويني, لكنهوجدت قصائده عن مراحله الدراسية ظريفة وخاصة الهجائية منها .
أثبت قدرته الفعلية عندما سخّر شعره في سبيل الثورة ومديح الرسول عليه الصلاة والسلام, مما جعلني أتسائل فعلا عمّا سيكون حاله-رحمه الله- لو لم ينقطع مشواره الأدبي في بدية تألقه؟!