يعتبر محمد الماغوط من أبرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل. دخل ساحة العراك حاملاً في مخيلته ودفاتره الأنيقة بوادر قصيدة النثر كشكل مبتكر وجديد وحركة رافدة كحركة الشعر الحديث. كانت الرياح تهب حارة في ساحة الصراع، والصحف غارقة بدموع الباكين على مصير الشعر حين نشر قلوعه البيضاء الخفاقة فوق أعلى الصواري. وقد لعبت بدائيته دوراً هاماً في خلق هذا النوع من الشعر؛ إذ أن موهبته التي لعبت دورها بأصالة وحرية كانت في منجاة من حضانة التراث وزجره التربوي. وهكذا نجت عفويته من التحجر والجمود، وكان ذلك فضيلة من الفضائل النادرة في هذا العصر.
شاعر وأديب سوري ، ولد في سلمية بمحافظة حماة عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية ودمشق و كان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق و بيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي و ألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية و الشعر و امتاز في القصيدة النثرية و له دواوين عديدة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.
أهم مؤلفاته الشعر
حزن في ضوء القمر - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1959) غرفة بملايين الجدران - شعر (دار مجلة شعر - بيروت 1960)
الفرح ليس مهنتي - شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 1970
المسرح
ضيعة تشرين - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1973-1974) شقائق النعمان - مسرحية غربة - مسرحية (لم تُطبع - مُثلت على المسرح 1976) كاسك يا وطن - مسرحية (لم تطبع - مُثلت على المسرح 1979) خارج السرب - مسرحية (دار المدى - دمشق 1999، مُثلت على المسرح بإخراج الفنان جهاد سعد) العصفور الأحدب - مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح) المهرج - مسرحية (مُثلت على المسرح 1960، طُبعت عام 1998 من قبل دار المدى - دمشق )
مسلسلات تلفزيونية
حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري) وين الغلط - مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري) وادي المسك - مسلسل تلفزيوني حكايا الليل - مسلسل تلفزيوني
السينما
الحدود - فيلم سينمائي (1984 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام) التقرير - فيلم سينمائي (1987 إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام)
أعمال أخرى
الأرجوحة - رواية 1974 (نشرت عام 1974 - 1991 عن دار رياض الريس للنشر وأعادت دار المدى طباعتها عام 2007) سأخون وطني - مجموعة مقالات (1987- أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001) سياف الزهور - نصوص (دار المدى بدمشق 2001).... شرق عدن غرب الله (دار المدى بدمشق 2005) البدوي الأحمر (دار المدى بدمشق 2006)
كتب عنه شقيقه عيسى الماغوط كتاب بعنوان (محمد الماغوط رسائل الجوع والخوف) وفيه يروي حكايات كثيرة عن شقيقه تؤكد الصورة الشائعة عنه، أن يكون منحازًا على الدوام إلى صفوف الحرية والأحرار. يرفق الكتاب بصور فوتوغرافية للماغوط وأفراد أسرته. والكتاب بوجه عام عبارة عن مستند بالغ الفائدة لكاتب مسرحي وشاعر يعتبره الكثيرون من أبرز شعراء وأدباء سوريا في النصف الثاني من القرن العشرين .
صديقي الماغوط ليتك الآن حيّ لترى كم من الدم سال في وطننا ليكون الغد أجمل من كلماتك !!! ما اجملك أيها الماغوط , لو رأيتهم أولئك المتشبّثين بدمهم و ملابسهم اللزجة ليصرخوا في البندقيّة : قفي لو رأيت قلوبهم الصامدة كسيف دمشقي , و القدم القذرة لا تنتظرهم ليصرخوا : " ضع قدمك الحجريّة على قلبي يا سيّدي " لو رأيتهم و هم لا يبالون للوطن و القمح إن كانوا سيذهبون إلى الغد قصيدة شعر أو طعنة خنجر ... كم طفلا تحدّى النار و صراخ أمّه العجوز حتى لا يقول لنفسه مختبئا : "سأخون وطني " , كم يائسا حطّم الهواء بصراخه و بشرته تهمس بأنين من خوف القنّاص : " الفرح ليس مهنتي " .. .فيجيبها و لذلك أنا هنا .. ليكون الفرح مهنتنا جميعا و مهنة الوطن .. كم شابة يسكنها " الرعب و الجنس " اعتقلوا أباها و قتلوا أخاها و كانت بين الجموع تبكي ... حتى لا يكون الوطن بعد رصاصة " غرفة بملايين الجدران " ولا زنزانة .... رحمك الله أيّها البدويّ الأحمر الشرس المتمرّد البائس القذر ما أجملك ! سلمية تتذكّرك ... وكلّنا ...
"في الصباح الباكر حيث الغددُ خارجةً من الفم وأسنان الشتاء الناعمة تقضم أطراف الغيوم كديدان القز وما من وردةٍ على الجليد أو رسالةٍ من الصحراء والأفق جبالُ من الشعر والصابون والدم ليس لنا إلا احتضان القصائد وضمها إلى صدورنا كالأطفال"
في مجموعته الشعرية : حزن في ضوء القمر غرفة بملاين الجدران الفرح ليس مهنتي
*
وتموت الأمنيةُ الغريبةُ التي إنطلقت في يأس بائس : * آه لو يتم تبادل الأوطان كالراقصات في الملهى .
الوطن يظهر بأكثر من وجه في قصائد محمد الماغوط تاره هو العذراء التي يحب وتارة هو منفاه وتارة يكون الوطن هو سارق سنين عمره وتارة يختفي الوطن تماماً ويبقى الماغوط ينادي عليه بيد أنه لا يجيب أبداً يخاطبه بأن الجوع أضناه فتقدم له دمشق حذاءها ليقتات منه ماتبقى من النهار , يقول بأنه يعاني من الصقيع في هذاالزمن البارد فيسحب الوطن أرديته من على كتفيه ويجعل إبنه الذي مزق طريقه ذهاباً وإياب و ملئ أرجاءة بأناشيد الطفولة يموتُ برداً على قارعة الوطن , الوطن إستحال رغيفاً يابساً في العالم كلما جاعَ إليه يقدم له أطرافه اليابسة لتدمي شفتاه يصرخ فيه أيا :
*وطني يا أيها الجرس المعلق في فمي
لكنه ومنذ كبر لم يرى إلاّ قفا الوطن ويده التي تلوح بأن إبتعد , ويقرر مادامت كلمة الحريّة في لغتي , على هيئة كرسيّ صغير للإعدام* : , *قولوا لوطني الصغير الجارح كالنمر , أنني أرفع سبابتي كتلميذ طالباً الموت أو الرحيل .
منه المجموعة الشعرية : فأهربي أيتها الغيوم فأرصفة الوطن لم تعد جديرة حتى بالوحل
يخيل لي أنني أكثر الأموات كلاماً * . * أيها الغبار الملكي ترجل عن دفاتري الكئيبة وأسمع ياغبار : أكره الخبز كما أكره السمّ , أكره الماء كما أكره الطاعون , ولكنني ظمآن وروحي تشتعل , ظمآن وروحي معقوفة كالصنبور
* نحن الغرباء حاملو الحقائب والأوراق المخضبة , لم نعرف الشفقة إذا سيطرنا لم نعرف الآلهة إذا شبعنا , ونحن نتثاءب نحرك عظام القصائد , ونحن نضحك نحرك دموعنا بالدبابيس وناكشات الأسنان . .
*سلمية : الدمعة التي ذرفها الرومان , على أول أسير فك قيودة بأسنانه , ومات حنيناً إليها , سلمية : الطفلة التي تعثرت بطرف أوروبا , وهي تلهوا بأقراطها الفاطمية وشعرها الذهبي , وظلت جاثيةً وباكيةً منذ ذلك الحين دميتها في البحر وأصابعها في الصحراء
* ستجدونني هناك في المكتبات العامة , نائماً على خرائط أوروبا , نوم اليتيم على الرصيف , حيث فمي يلامس أكثر من نهر , ودموعي تسيل من قارة إلى قارة
لغة حادة، قاسية، جارحة، حسّاسة، شديدةِ التوتر، مضيئة، موحية، تتعثرُ فيها بـ الجنازير، بالجثث والخرائب .. يحضرُ (الخبز) كـ همٍّ أزليّ، يحضر (الجوع) و(الدمع) و(الهزائم) .. لذا، من يريدُ أن يقرأ للماغوط، عليه أن يتحضّر لوجبةٍ دسمة من الكآبة: "هكذا أودّك يا حبيبتي زهرةً برية أو يمامةً في عنقِ الريح ولكنني يائسٌ حتى الموت أتقهقرُ بلا رويةٍ على تلال الحبر"
في ديوان (حزن في ضوء القمر)، وإلى حدٍ ما (غرفة بملايين الجدران)، تصدمنا "ذات" الشاعر، احتراقه، مراراتُ أيامه وهواجسه اللاذعة، سنقرأ مثلا "وكان أبي، لا يحبني كثيرا، يضربني على قفاي كالجارية ويشتمني في السوق"
وهذا الرجاء الذي يشبه مواءً كئيبا "دعوني أنطفيء كشمعةٍ أمام الريح أتألمُ كالماء حول السفينة"
أما في ديوان (الفرح ليس مهنتي) تحضر "رؤى" الشاعر وتصوراته، وهي التجربة "الأكثر نضجا" مقارنةً بالديوانين الآخرين، سنجد الإبداع والمشاكسات والألم الساخر يأخذ مساحةً أكثر تحررا من الهم الذاتي والشخصي المباشر .. "لو كانتْ الحرية ثلجاً لنمتُ طوال حياتي بلا مأوى" . . ما أعرفه أنها دواوينُ ثلاثة، سأحب دائما أن أعود لها وسأقترف –عن سابق إصرار – فعل الاطلاّع عليها وقراءتها مرّات ومرّات ...
با فلسفهی ترجمهی شعر مشکل دارم کلاً. آیا اساساً شعر ترجمهپذیر است؟ تردید دارم. متأسفانه خیلی خیلی کم عربی میدونم و مجبورم به ترجمه بسنده کنم. ادبیات مقاومت غرب آسیا (خاورمیانه) همیشه برام جذّاب بوده. وقتی هم سراغ الماغوط رفتم هیچی ازش نمیدونستم. «وطن»، «فرهنگ شرقی و عربی» و «بدویًت» تو شعرهاش خیلی برجستهس. با وجود نمودهای شدید ضدّامپریالیستی و چپگرایانه در شعرهاش، اصلاً خودشو وابسته به یه حزب یا گروه و دسته و حتی ایدئولوژی نمیدونه. این مسئله در شعرهاش کاملاً انعکاس داره و در مصاحبهاش هم بهش اشاره کرده. به اصطلاح ترک/تورکهای ترکیه/تورکیه خودشو tek tapancı* میدونه. مثلاً یهجایی از شعرهاش میگه: «به کجا پناه ببرم؟ به راست؟ لاابالیاند به چپ؟ تندرواند» نگاهش به مسائلی مثل وطن و امپریالیسم و جنگ و... بعضاً جنبهی صرفاً شخصی پیدا میکنه. برخوردش با این موارد بیشتر بهعنوان یک انسان و بعد یک شهرونده؛ نه بهعنوان فلانیست یا بهمانیستبودن. علاوهبر این، شعرهاش غالباً طنز سیاه و گزندهای دارن. با توجه به مصاحبهها و زندگینامهش آدم متوجه میشه که شعرهاش تا حد زیادی مشخصاً و دقیقاً تبلور و انعکاس و روایت واضح زیستههاشه. دربارهی ترجمه هم مسلماً من صلاحیت اینو ندارم که میزان تسلط دیباج به زبان مبدأ (عربی) رو بسنجم ولی میتونم بگم آنچنان که بایسته بود در زبان مقصد (فارسی) خوب عمل نکرد که این هم برمیگرده به همون پیچیدگیهای ترجمه که صرفاً تسلط بر زبان مبدأ کفایت نمیکنه و یه زبان مقصدی هم این وسط هست. علیالخصوص در ترجمهی شعر، علاوهبر تسلط زبانی، تا حد زیادی خلاقیت هم مهمه.(نمیدونم چقدر تونستم شفاف و منسجم منظورمو برسونم) انتشارات نگاه هم گند همهچیو درآورده. اکثر چاپهاش افتضاح و رقّتانگیزن. برای این کتاب هم زحمت استخدام ویراستار و نمونهخوان رو به خودش نداده. *در لغت به معنی تکتیرانداز (در اصطلاح بعضاً «لشکر یهنفره» هم میتونه معنی بده)
بيتنا الذي كان يقطن على صفحة النهر ومن سقفه المتداعي يخطُرُ الأصيل والزنبق الأحمر هجرتُه يا ليلى وتركت طفولتي القصيرة تذبلُ في الطرقات الخاوية كسحابة من الورد والغبار غداً يتساقط الشتاء في قلبي وتقفز المتنزهات من الأسمال والضفائر الذهبية وأجهشُ ببكاءٍ حزين على وسادتي وأنا أرقب البهجة الحبيبه تغادرُ أشعاري إلى الأبد والضباب المتعفن على شاطئ البحر يتمدّدُ في عيني كسيلٍ من الأظافر الرمادية حيث الرياح الآسنه تزأر أمام المقاهي والأذرعُ الطويلة, تلوحُ خاويةً على الجانبين _________________
مذ كانت رائحةُ الخبز شهيةً كالورد كرائحة الأوطان على ثياب المسافرين وأنا أسرّح شعري كل صباح وأرتدي أجمل ثيابي وأهرع كالعاشق في موعده الأول لانتظارها لانتظار الثورة التي يبست قدماي بانتظارها
صدقوني أصدقائي ان قلت لكم انني لا اعرف كيف اتحدث عن الشعر، خصوصا اذا كان مثل هذا الشعر لواحد من قامات الأدب في عالمنا العربي، صاحب ساخون وطني تالق هنا و انفجر تحدث عن الوطن عن المرأة عن الحب، وتحدث ايضا عن نفسه، كلمات شعرية تصويرية تمتزج بوحشية المكان والزمان، عندما انهيت هذه القصائد احسست انها بصفة عامة تتحدث عنه شخصيا، حياة اراد ان يعيشها في زمن اخر و حتى في مكان اخر، سعيد جدا بأن هذه الأعمال هي اول مصافحة لي مع الماغوط، مصافحة تشرفت بها جدا و متطلع لمصافحة اخرى بشوق وشغف... عذرا قرأت الكتاب pdf.
لا أعرف كيف يمكن تسمية ما قرأته شعراً! .. الأعمال الشعرية الكاملة كانت عبارة عن نصوص نثرية مليئة بالرمزية (أو هذا ما حاول إيحائنا به الماغوط) وبالصور المدهشة.. هذا ما يحسب له فقط.. أما أن تأتي من كتبت المقدمة لتقول أن الماغوط أحدث ثورة في عالم الشعر الحديث فهذا مما لامنطق فيه ولا معقولية.. ! أهم صفة في النص الأدبي الشعري هو " القافية" مع وجود وزناً ما.. سواء كان الشعر حديثاً أم كلاسيكياً.. الماغوط هنا كان يكتب نصوصاً نثرية مشكلة لتشابه القصائد المترجمة! خاب أملي كثيراً.. ورأيت أن الماغوط ربما كان مثقفاً نعم.. كاتباً ربما.. لكنه بالتأكيد ليس شاعراً.. !
يا للهِ .. أيُّ جُرحٍ هذا الذي يَنزُّ يَنزُّ أبداً في قَلبِكَ أيها الشآميُّ الجريحُ ، أيُّ خِنجرٍ فعلَ ما فَعلَ بِكَ : أخنجَرُ الجَرجرةِ إلى الزنازنِ .. أم خِنجَرُ الطاغي المُتحَكِّمِ .. أم خِنجَرُ ذُلِّ بني يَعرُبَ .. أم خِنجَرُ الجوعِ .. أمِ العَصرُ اللعين أيُّها ، أيُّها يا سيِّدي ؟! - كلُّها و أكثرُ .. يا وَلدي .
كثيرةٌ هي القصائدُ التي أعجبتني - و كلُّها تَطفحُ بالحُزنِ الأسودِ الدبقِ ، بالخوفِ ، بالجوعِ ، بالكُرهِ ، بغيرها مما يعتركُ في خَلدِ هذا الثائِرِ بالقَلمِ - و هذا بعضُ قَبسٍ مِن نارِ حُرقَةِ " الماغوطِ " :
ما أُمَّةٍ في التاريخِ لها هذهِ العَجيزةُ الضَاحِكةُ و العيونُ المليئَةُ بالأجراسِ .
**
الحبُّ خَطواتٌ حَزينةٌ في القلبِ و الضجَرُ خريفٌ بينَ النهدَينِ ..
**
لاشيءَ يَربِطُني بهذهِ الأرضِ سوى الحِذاء .
**
يُخيَّلُ لي أنني أكثرُ الأمواتِ كلاماً
**
لماذا خَقلني ؟ و هَل كنتُ أوقِظُهُ بسبَّابتي كي يَخلُقنِي ؟!
**
الآنَ و المطَرُ الحزينُ يَغمرُ وجهي الحزينَ أحلمُ بسُلَّمٍ مِنَ الغُبارِ مِنَ الظُهورِ المُحدودِبةَ و الراحاتِ المضغوطةِ على الرُّكبِ لأصعدَ إلى أعالي السماء و أعرِفَ أينَ تذهبُ آهاتُنا و صَلواتُنا ؟
**
بدونِ النظَرِ إلى ساعةِ الحائطِ أو مُفكِرةُ الجَيبِ أعرِفُ مواعيدَ صُراخي .
**
ما مِن قُوةٍ في العَالمِ تُرغِمني على مَحبةِ ما لا أحبُّ و كراهيةَ ما لا أكرَهُ ما دامَ هُناكَ تِبغٌ و ثِقابٌ و شوارعُ ...
**
سأبحَثُ عَن مِسبحةٍ و كرسيٍّ عَتيقٍ .. لأعودَ كما كنتُ ، حاجِباً قديماً على بابِ الحُزنِ ما دامت كلُّ الكُتبِ و الدساتيرِ و الأديانِ تؤكِّدُ أنني لن أموتَ ألا جائعاً أو سَجيناً .
**
قولوا لوطَني الصغيرَ و الجارِحَ كالنَّمِر إنني أرفعُ سبابتي كتليمذٍ طالباً الموتَ أو الرحيل و لكن لي بِذمَتهِ بِضعةُ أناشيدَ عتيقةٍ مِن أيامِ الطُفولةِ و أريدُها الآنَ لن أصعدَ قِطاراً و لن أقولَ وادعاً ما لم يُعِدها إليَّ حرفاً حرفاً و نقطةً نقطةً و إذا كانَ لا يريدُ أن يَراني أو يأنفُ مِن مخاطَبتي أمامَ المارَّةِ فليخاطِبني مِن وراءِ جِدارٍ ليضعها في صُرَّةٍ عَتيقةٍ أمامَ عَتبةٍ و أنا أهرَعُ لالتقاطِها كالكَلبِ ما دامت كِلْمةُ الحُريةِ في لُغتي على هَيئةِ كُرسيٍّ صَغيرٍ للإعدامِ .
**
أهربي أيتُها الغيومُ فأرصِفةُ الوطنِ لم تعُد جديرةً حتى بالوحل ..
**
أيُّها الحارِسُ العجوزُ يا جدّي أعطِني كلبكَ السلوقيَّ لأتعقبَ حُزني أعرنِي مصباحكَ الكربائيَّ لأبحثَ عن وطَني .
**
أحسِدُ المِسمارَ لأنَّ هُناكَ خشباً يضمُّهُ و يحميهِ أغبِطُ حتى الجُثثَ المُمَزقةَ في الصحراءِ لأنَّ هُناكَ غِرباناً تُرفرِفُ حولها و تنعَقُ لأجلِها .
**
آهِ يا أمي لو كانتِ الحُريةُ ثَلجاً لنِمتُ طوالَ حياتي بلا مأوى .
**
آهِ لو يَتِمُّ تبادلُ الأوطانِ كالراقِصاتِ في الملهى .
كلماته كنقش دموي على زهر الياسمين. كان هذا انطباعي الأول بعد الانتهاء من القراءة لمحمد الماغوط، وجدت صعوبة في جني هذا البلح الشامي حتى آخر قصيدة، ولكن اللغة المشبعة بالصور والحكايات والذكريات والوطن تغوي القارىء حتى النهاية.
لا يكتب الماغوط مثل الآخرين بل ينساب على الورق بموهبة تصنفه مع بسطاء العباقرة، لا يحترف الشعر لأنه لغته اليومية التي تفتقت في السجن ككائن غريب تعرّف عليه مع الآخرين، يرى أن الشاعر الذي يكتب بجدية ويترفع عن أحطّ الأشياء في قصائدة (مريض) وهنا أذكر مثال رائع دمج فيه أنبل الأشياء وأقلها شأناً في قصيدة واحدة هذا جزء منها :
كان يقبّل حبيبته على الشرفة بعد أن أيقظها بحذائه وغطى سريرها بالغبار وقشِّ المعتقلات دافعاً يديها إلى الوراء منحنياً على صدرها كأحد التماثيل النحاسية التي تُنصبُ في ساحات الانتصار لاعقاً غضاريف الأذن والحواجب كما تُلعقُ أطراف المغلَّفات. لقد كانت الحربُ على نهايتها ونهداها الأزرقان يتأرجحان تحت المطر كمثانتين فارغتين.
للاقتراب أكثر من عالم الماغوط الشاعر الساخر والمتمرد والمسرحي والسياسي :
لمن لا يعرف من هو محمد الماغوط , فليقرأ "الأعمال الشعرية " , فحياته كلها مدونة على شكل قصائد ..
"حياته" لا تعني ماذا حقق , ماذا أنجز , لا ! بل أكثر هي ما كان يدفن في صدره ليعيد احياءه على يد قلمه , أي في قصائده هذه .
عالم موجع من الوجع , الألم , الحنين , الحب , الحرب , الثورة ..
وجع الغربة و وحدتها , و الحنين إلى الأم : البلد و الشخص
و الحب حيث حسسنا في كل قصيدة شغف الماغوط للمرأة البعيدة التي يحتاجها لتخرجه من وحوله ..
الحرب و الثورة و ما كلفته من قتلى و أشلاء ..
علاقته مع القلم ايضا, وسيلته الوحيدة للصراخ , بالرغم من أنها أخذته من سجن لآخر ..
كتاب , أنصحه لكل مغترب في المرتبة الأولى , ثم لكل ثائر غاضب على حال عالمه العربي
أعطيته ثلاث نجوم , لأنني , برأيي الخاص و ميولي , أحب الشعر العمودي التقليدي أكثر من حداثيته التي اعتمدها الماغوط في قصائده ..
ما أحببته فعلا في شعر الماغوط أنه يستخدم التشابيه بصورة دقيقة مفعمة بالابداع و الجمال , فيذكرني أسلوبه بأسلوب سادة الأدب الانكليزي و الفرنسي و الرومانتيكية .
أقتبس بعضا مما أعجبني :
"أنا اسهر كثيرا يا أبي أنا لا أنام , فأعطني طفولتي لاعطيك دموعي و حبيبتي و أشعاري "
"فاعطوني كفايتي من النبيذ و الفوضى و حرية التلصص من شقوق الأبواب و بنيّة جميلة لاطلق نداءات العبيد من حناجر الفولاذ "
"لقد فقدنا حاسة الشرف أمام الأقدام العارية و الثياب الممزقة أمام السياط التي ترضع من لحم طفلة بعمر الورد تجلد عارية امام سيدي القاضي و عدة رجال ترشح من عيونهم نتانة الشبق و الهياج الجنسي وجوه طويلة كقضبان الحديد تركتني وحيدا في غرفة مقفلة , أمضغ دمي و أبحث عن حقد عميق للذكرى "
"أرضنا الهشة كالكعك "
"لا نريد قمحا و لا رايات نريد فقط أن نموت في قرانا البعيدة أن تبعثرنا الريح فوق قرانا البعيدة كالرسائل الممزقة . "
"كنا نحلم بالصحراء كما يحلم الراهب بالمضاجعة "
"أنا بطل .. أين شعبي ؟ أنا خائن .. أين مشنقتي ؟ أنا حذاء .. أين طريقي ؟ "
"آه يا أمي لو كانت الحرية ثلجا لنمت طوال حياتي بلا مأوى "
مذ كانت رائحة الخبز شهية كالورد كرائحة الأوطان على ثياب المسافرين وأنا اسرح شعري كل صباح وأرتدي اجمل ثيابي وأهرع كالعاشق في موعده الأول لانتظارها لانتظار الثورة التي يبست قدماي بانتظارها من اجلها احصي اسناني كالصيرفي اداعبها كالعازف قبل فتح الستارة بمجرد أن أراها وألمح سوطاً من سياطها أو رصاصة من رصاصاتها سأضع يدي حول فمي وازغرد كالنساء المحترفات سأرتمي على صدرها كالطفل المذعور وأشكو لها كم عذبني الجوع واذلني الإرهاب وفي المساء سآخذها إلى الحواري الضيقة والريف المصدور سأجلس وإياها تحت مصابيح الشارع وأروي لها كل شيء بفمي وأصابعي وعيني حتى يدب النعاس في اجفانها وتغوا رويداً رويداً كالجدة أمام الموقد ولكن إذا لم تأتي سأعض شراييني كالمراهق سأمد عنقي على مداه كشحرور في ذروة صداه واطلب من الله أن يبيد هذه الأمة
_____ لقد أتت الثورة أخيراً وليتك كنت على قيد الحياة
اقتباسات: "يا صحراء الأغنية التي تجمع لهيب المدن ونواحَ البواخر لقد أقبلَ والليلُ طويلًا كسفينة من الحبر وأنا أرتطم في قاع المدينة كأنني من وطن آخر" "وداعًا، وداعًا إخوتي الصغار أنا راحلٌ وقلبي راجعٌ مع دخان القطار" "سيقولون إن روحه ما زالت ترفرف في كبد السماء وأنه راقد في علياء الكون كما ترقد الفراشة في أذن الطفل" "حيث الأمواج تصفع بعضها منذ الصباح وصوت البحر يعلو ويهبط كصوت عنق يُذبَح" "هيا يا صديقي ثمة غيمة تشبه الرصيف، لنمضي، الريح تهبُّ والإسفلت يرتفع لأجلنا كاللحاف" "ونحن نتثاءب نحرك عظامَ القصائد، ونحن نضحك نحرّك دموعنا بالدبابيس وناكشات الأسنان" "لن تكون دموعنا سمادًا لأزهار الآخرين" "ولربما كانت كلماتي الآن قربَ كلماتِ المسيح فلننتظر بكاء السماء يا حبيبتي" "منذ أن خُلِق البردُ والأبواب المغلقة وأنا أمد يدي كالأعمى بحثًا عن جدار أو امرأة تؤويني ولكن ماذا تفعل الغزالة العمياء بالنبع الجاري؟ والبلبل الأسير بالأفق الذي يلامس قضبانه" "أعرف أن مستقبلي ظلام وأنيابي شموع" "هكذا خلقني الله سفينة وعاصفة، غابة وحطابًا، زنجيا بمختلف الألوان كالشفق، كالربيع، في دمي رقصة الفالس، وفي عظامي عويلُ كربلاء، وما من قوة في العالم ترغمني على محبة ما لا أحب وكراهية ما لا أكره ما دام هناك تبغٌ وثقابٌ وشوارع.." "على هذه الأرصفة الحنونة كأمي أضع يدي وأقسم بليالي الشتاء الطويلة سأنتزع علم بلادي عن ساريته، وأخيط له أكماما وأزرارًا وأرتديه كالقميص" "لقد وهبه الله كل ما يحلم به نهرٌ صغير من الطبقة المتوسطة، الوحل والبعوض والربيع" "كل حقول العالم ضد شفتين صغيرتين كل شوارع التاريخ ضد قدمين حافيتين
حبيبتي هم يسافرون ونحن ننتظر هم يملكون المشانق ونحن نملك الأعناق هم يملكون اللآلئ ونحن نملك النمَش والتواليل هم يلكون الليل والفجر والعصر والنهار ونحن نملك الجلد والعظام
نزرعُ في الهجير ويأكلون في الظل أسنانهم بيضاء كالأرز وأسناننا موحشة كالغابات
صدورهم ناعمة كالحرير وصدورنا غبراء كساحات الإعدام ومع ذلك فنحن ملوك العالم: بيوتهم مغمورة بأوراق المصنفات وبيوتنا مغمورة بأوراق الخريف في جيوبهم عناوين الخونة واللصوص وفي جيوبنا عناوين الرعد والأنهار هم يملكون النوافذ ونحن نملك الرياح هم يملكون السفن ونحن نملك الأمواج هم يملكون الأوسمة ونحن نملك الوحل هم يملكون الأسوار والشرفات ونحن نملك الحبال والخناجر والآن، هيا لننام على الأرصفة يا حبيبتي." "كالذئاب في المواسم القاحلة كنا ننبت في كل مكان" ------ إن كانوا يقولون أن أبا تمام هو مسودّة المتنبي، فإنّ الماغوط هو حتمًا مسودة رياض الصالح، وبين الماغوط الداكن، ولمعان سنية صالح، مساحة التقاء تحمل المفردات كالبجعة يوم تطير.
بلا أمل.. وبقلبي الذي يخفقُ كوردةٍ حمراءَ صغيره سأودِّع أشيائي الحزينةَ في ليلةٍ ما.. بقع الحبر وآثار الخمرة الباردة على المشمّع اللزج وصمت الشهور الطويله والناموس الذي يمصُّ دمي هي أشيائي الحزينه سأرحلُ عنها بعيداً.. بعيداً وراء المدينة الغارقةِ في مجاري السلّ والدخان بعيداً عن المرأة العاهره التي تغسل ثيابي بماء النهر وآلاف العيون في الظلمه تحدق في ساقيها الهزيلين، وسعالها البارد، يأتي ذليلاً يائساً عبر النافذةِ المحطَّمه والزقاقُ المتلوي كحبلٍ من جثث العبيد سأرحلُ عنهم جميعاً بلا رأفه وفي أعماقي أحمل لك ثورةً طاغيةً يا أبي فيها شعبٌ يناضل بالتراب، والحجارة والظمأ وعدة مرايا كئيبه تعكس ليلاً طويلاً، وشفاهاً قارسةً عمياء تأكل الحصى والتبن والموت منذ مدة طويلة لم أرَ نجمةً تضيء ولا يمامةً تصدحُ شقراء في الوادي لم أعدْ أشربُ الشاي قرب المعصره وعصافيرُ الجبال العذراء، ترنو إلى حبيبتي ليلى وتشتهي ثغرها العميقَ كالبحر لم أعد أجلس القرفصاء في الأزقه حيث التسكع والغرامُ اليائس أمام العتبات.
فأرسل لي قرميدةً حمراء من سطوحنا وخصلةَ شعرٍ من أمي التي تطبخ لك الحساء في ضوء القمر حيث الصهيلُ الحزين وأعراسُ الفجر في ليالي الحصاد بعْ أقراط أختي الصغيره وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبره وفتاه ألهث في حضنها كالطفل لأحدثك عن الهجير والتثاؤب وأفخاذ النساء عن المياهِ الراكدةِ كالبول وراء الجدران والنهود التي يؤكل شهدُها في الظلام فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي أنا لا أنام.. حياتي، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار.
فأعطني طفولتي.. وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز وصندلي المعلَّقَ في عريشة العنب، لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري لأسافرَ يا أبي.
مذ كانت رائحة الخبز شهية شهية كالورد كرائحة الأوطان على ثياب المسافرين وأنا أسرَّحُ شعري كل صباح وأهرع كالعاشق في موعده الأول لانتظارهـــا لإنتظار الثورة التى يبستْ قدماي بإنتظارها : أيها العرب يا جبالاً من الطحين واللذة يا حقول الرصاص الأعمى تريدون قصيدة عن فلسطين عن الفتح والدماء ؟ أنا رجل غريب لي نهدان من المطر وفي عيني البليدتين أربعة شعوب جريحة تبحث عن موتاها كنت جائعاً وأسمع موسيقى حزينة وأتقلب في فراشي كدودة القز عندما اندلعت الشرارة الأولى : تبقى قصائد محمد الماغوط متفردة ثورية ، متمردة ، حزينة ، قلقة ترتعش بأحزان العرب وهمومهم وآلامهم وغربتهم
فأنا أسهرُ كثيراً يا أبي أنا لا أنام .. حياتي ، سوادٌ وعبوديةٌ وانتظار فأعطني طفولتي .. وضحكاتي القديمة على شجرةِ الكرز وصندلي المعلّق في عريشة العنب لأعطيك دموعي وحبيبتي وأشعاري لأسافرَ يا أبي . ————— تحت مطر الربيع الحار أنتقل من مدينة الى مدينة وحقائبي مليئةٌ بالجراح والهزائم . تحت مطرِ الربيع الحار أسيرُ يا حبيبتي وصدرك الشبيهُ بشجرةِ التفاح العاريه يظلّلُني كدخانِ القطارات . لقد ودّعت الكثيرين ودّعت بلادي وسهولها المحترقة في الليل هجرتُ رفاقي والدم ينزف من صدورهم وأنوفهم ولم أتنهّدْ كنت أغرّدُ كاليمامةِ فوق الجبال أتثائبُ في مآتم الشهداء وأحدّق في أثداء الأمهاتِ الكسالى . أيتها الطفلةُ المدببة كالرمح لن أنسى ما حييت وجهك المغطّى بالدموع يومَ افترقنا على ناصية الشارع وأوراق الخريف تتساقطُ على معطفك الصغير ولم تنظري إليّ !! كنتِ تلتفتين الى الوراء عيناك مليئتان بالدموع وشعرك مسترسلٌ كشعر الفرسان المقهورين . هكذا أودّك يا حبيبتي زهرةً برية أو يمامةً في عنقِ الريح ولكنني يائسٌ حتى الموت أتقهقهرُ بلا روية على تلال الحبر وأهدابك الجميلة تنحني على صفحاتي كعبيد في المراكب . ولا كلمة للطفلة الغريبة للعيون المتدفقة كالريح . إنني أرى كل شيء الأشرعةَ والرعد القمرَ والريح والدماء ونوافذَ السجون المطفأة عند الغروب أرى كل شيء إلا جديلتيك الحبيبتين . أود أن أهيم فوق جسدك الصغير وأسحقه كالوردة أن أرفعه بيدي كبندقية صغيرة فوق التلال فاهدئي بجواري أيتها الطفلة الغائبة الفراش باردٌ ومظلم ونهداكِ عصفوران من الجمر !! ————— لا أريدُ أن أشكر ولا أريدُ أن أبتسم سأضربُ المائدة بسوطي وأصفع الأبواب خلفي بجنون . أريد أن أغنّي وأهاجر أن أنهب وآكل وأثور هذا من حقي لقد ولدت حراً كالآخرين بأصابع كاملة ، وأضلاع كاملة ولكنني لن أموت دون أن أغرق العالم بدموعي وأقذف السفن بقدمي كالحصى . ولدتُ عارياً ، وشببتُ عارياً كالرمح كالانسان البدائي سأنزع جلود الآخرين وأرتديها سأنزع جلود السحب والأزهار والعصافير وأرتديها محتمياً بالضباب والأنين بالأعلام الممزّقة ، والأثداء الملفوفة بالجوارب إذا كان لا يريدُ أن يرأف بي أن يشجعني التبغ والنساء وجَلدَ الخيول في المنحدرات لماذا خلقني ؟ وهل كنت أوقظُهُ بسبّابتي كي يخلقني ؟. كل امرأةٍ في الطريق هي لي كل نهدٍ وكل سرير هو لي .. لعائلتي ، لرفاقي الجائعين طالما لنا شفاهٌ وأصابع كالآخرين ودماء فوارة كالآخرين يجب أن نأكلَ ونحبّ ونهجر ونقذف فضلات الأثداء خلف ظهورنا . ليكفّ عن تعذيبنا كالصراصير لينزع رحمته عن أكتافنا كما تنزعُ الأوسمة عن الخائن ساعة أستلقي وحيداً في ليالي الشتاء في ليالي الصيف غائصاً في فراشي النتن وقدماي بارز��انِ كنابَيْ الفيل وأفكّر بالملايين المعذّبة بالزلازل والطغيان بالأزهار المسلوقة وخشخشةِ رسائلِ الغرام في الصحارى ساعة أمدّ رأسي من النافذة وألمح المطر ، والنهود التي يغطيها العشب والشعراء الموتى مبعثرين على الثلوج البيضاء أتمنى أن أمسكَ هذه الأرض من جلدها وأقذفها كالهرة من النافذة . ولكنني وأنا أحتضر وأنا أسبحُ في قبري كالمحراث سأموتُ وأنا أتثاءب وأنا أشتم وأنا أهرّج وأنا أبكي …
كل مرة أقرأ فيها تحفة إبداعية من تحف العملاق محمَّد الماغوط .. أحُس وكأني قَتلُت نفسي لأحيا من جديد .. في كل صفحة من صفحات أعماله تتغير رؤيتك للعالم وتتبدل قيمة الأشياء في نظرك .. محمد الماغوط ليس شاعراً .. ليس كاتباً .. ليس أديباً .. هو أكبر من ذلك وأعظم من أي وصف أو لقب أو مرتبة .. محمَّد الماغوط هو الإنسان العربي الحقيقي في زمنٍ تحول فيه العربي بفضل رياح العولمة والأمركة العاتية إلى مجرد خيال .. مجرد ظل يتسول فضلات ما سمي بالحداثة الغربية المنفصلة عن أي قيمة إنسانية ... الماغوط مات جسداً .. لكن روحه الاستثنائية ما زالت ترفرف في سماء (شرق عدن) .. وكلماته ستبقى مخلدةً ومتألقةً(خارج السرب) الذي يُغرِّد به غربان وببغاوات الشعر المزيَّف والثقافة الفاسدة المنحازة للسلطة ( سواء كانت سلطة القوة أو سلطة المال) ....... رحم الله محمد الماغوط
ملئ بالتمرد و الجنون و الثورة ... بالتقشف و الدخان ... بالارصفة و النساء و الفلاحين و القرى البعيدة النائية ... بالزنازين و المعتقلات بالشخصيات الجميلة التي شوهها القهر .... بكثير من الاطفال و العيون الزرقاء ... بالمطر و رائحة الصنوبر ... بالحزن و الانكسار و الخيبة و الضجر ...بالاحتياج و الكبرياء ... بالحرية بالخوف ... بالغضب الممزوج بالحب ... بالسخرية السوداء ... بدمشق ببردى بالسلمية ... بالبدواة و الحضارة بكل تناقضات العالم... لا استطيع ان اكون حيادية في الحديث عن الماغوط لانه يشبه وطنا احبه اسمه سورية ... كلما قرأت ازدادت القصائد روعة و لعل النصف الثاني من اجمل من الاول
الفرح ليس مهنتي أجمل الدواوين الثلاثة. القصائد التي أحببتها:
نجوم وأمطار - أمير من المطر وحاشية من الغبار - الظل والهجير - إلى بدر شاكر السياب - مسافر عربي في محطات الفضاء - النخاس - في الليل - كل العيون نحو الأفق - الفائض البشري - الغابة.
أشتاق لقراءة النصوص مرة بعد مرة, أشتاق للوطن بك و اليك, أشتاق من خلال كلماتك لمكتبتي التي لا أعرف ما حصل بها بعد كل القذائف المنهالة على جدران بيتنا.... نصوص الماغوط أكثر من نصوص و شعر و نثر تلك الكلمات وجع و اشتياق و توق للعلا.
الشروع في قراءة عمل شعري كهذا مثل رحلة إلى جبال وعرة،تنهدت كثيرًا اثناء القراءة ذُهلت ،ابتسمت وبكيت .الجمال هنا مفرط مفرط ٌ حد الألم والتوجع. اللغة آسرة وباذخة الصدق متجلي في كل كلمة وشطر وروح الثائر الجائع الذي ينشد الحرية.