مما لا شك فيه أن هذا الكتاب أثار من الجدل ما جعله يُعدُّ من أشهر كتب القرن العشرين؛ ففيه قال المؤلف بعدم شرعية بنوة «الشعر الجاهلي» إلى عصره، وأنه منتحل من عصر صدر الإسلام. ومثلت هذه الآراء الجديدة صدمة قوية لمعاصريه، ولا زال صداها حتى اليوم مستمرًّا؛ فاشتعلت المعارك القلمية بين الدكتور ومعارضيه سواء على صفحات الجرائد والمجلات أو بتأليف كتب بأكملها للرد عليه. وتعدى الأمر ذلك وأحيل الدكتور للنيابة بتهمة الإلحاد وإهانة الإسلام، غير أنه بُرئ منها. كل هذا لمجرد آراء حرة في الأدب كتبها «عميد الأدب العربي». وقد اتبع المؤلف «منهج البحث العلمي» في تشريحه للشعر الجاهلي، متخذًا من منهج الشك ﻟ «ديكارت» أساسًا لبناء نقده.
Taha Hussein was one of the most influential 20th century Egyptian writers and intellectuals, and a figurehead for the Arab Renaissance and the modernist movement in the Arab World. His sobriquet was "The Dean of Arabic Literature".
يعتبر نسخة معدلة من كتابه المثير للجدل فى الشعر الجاهلى الذى صدر قبل هذا الكتاب باثنتين و ثلاثين سنه لم تهدأ فيهم العاصفة التي أثارها و التي قلت في مراجعتى أنها ربما لم تهدأ حتى الأن
كانت النسخة الأولى في أعقاب ثورة 1919 التي تنفست فيها مصر حرية و تشكلت أول وزارة للثورة و صدر أول دستور مصري و حظيت مصر باستقلال و ان كان منقوصا إلا أنه كان نواة للتحرر الكامل و علامة على اننا على الطريق الصحيح
أما هذه النسخة الباهتة فيبدو أنها صدرت في ظل حالة من انقطاع الأمل و بدلا من مصر التي كانت لتوها تتنفس حرية و تأمل في غد أفضل صارت لا تكاد تتنفس و تعطلت كل قناة للأمل و بدلا من أول دستور مصري كانت البلد بلا دستور منذ سبع سنوات بعد ثورة يوليو و بدلا من برلمان فيه رائحة الديموقراطية كنا نسير بخطى ثابتة نحو اشتراكية دكتاتورية أوردتنا المهالك فجاء هذا الكتاب مخففا و منقحا و مروضا من كل ما أثاره قبل ذلك و لا يوجد به الأثر الصادم الذى تركه من قبل
أهتمامي بقراءة أعمال طه حسين ومعه العقاد تعود لإستمتاعي بلغتهما وأسلوبهما أكثر من اهتمامي بالموضوعات التي يناقشونها في كتبهم. فكتابنا هذا على سبيل المثال لا يثير موضوعه اهتمامي (هل نحل أغلب الشعر الجاهلي أم لا ؟) لأن الجزئية الهامة المتعلقة به - وهي مدى إمكانية الاعتماد على الشعر الجاهلي في تفسير القرآن - محسومة لدي، حيث أرى أن ألفاظ القرآن لا تفسر إلا بالقرآن، أي بالرجوع للفظ داخل القرآن وكيفية استخدامه. نعود للكتاب الذي تميز بجانب لغة و أسلوب طه حسين بميزة إضافية وهي محاولة إستخدام الأسلوب العلمي الموضوعي في معالجة أمر الشعر الجاهلي، و عابه الأكاديمية في بعض الأحيان، حيث يتعامل الكاتب مع القارىء كأنه تلميذ وليس باحث عن الحقيقة أيا كانت اهتماماته. إجمالا فقد استمتعت بهذا الكتاب، و بما أني لست مهتما بالموضوع فلا أعتقد بأنني سأقرأ الكتب التي تناولته بالنقد وأظهرت وجهة النظر الأخرى، على أني في نفس الوقت لا أقطع بصحة ما وصل إليه من نتائج.
**** "فى الأدب الجاهلي" لعميد الأدب العربي "طه حسين" ثالث لقاءاتي به بعد "الفِتنة الكبرى" بجزئيها.
* هذا الكتاب هو معركة أدبية ممتعة لهدم الثوابت و الأصنام الأدبية بالأدلة العقلية و النقلية ولا يجرؤ أن ينبري بساحة تلك المعركة إلا مَنْ هو أهلٌ لها؛ ومَن غير عميد الأدب العربي ليكون أهلاً لتلك المعركة!! .
**** إن كان "ديكارت" هو صاحب نظرية "الشك" فى استنباط الحقائق و البحث عنها فإن "طه حسين" بحقٍ هو خير من اتبع تلك النظرية و أخْذها كمِنهاج فى بحثه عامةً عن الحقيقة و خاصةً فى كتابه هذا.
**** السرد :
- بالرغم من صعوبة الموضوع و دسامته خاصةً على القُرّاء العاديين (أمثالي) إلا أن أسلوبَ العميد جعلَ الموضوع سلساً حيث يبين فكرته ثم يقوم بتمحيصها من كل الجوانب و عرْض الأمثلة الكثيرة سواء المؤيدة له أو المضادة _و هذا أفضل ما فى الكتاب _بكل حيادية ثم يصل فى النهاية إلى مُلخص لاستنتاجاته ما يجعل ذهن القارئ مستحضراً كل ما سبق كتابته.
- الكتاب ملئ بالصدمات الأدبية و التى لولا أسلوب "طه حسين" و تمكُّنه اللغوي و البلاغي ما كنت لأهتم بهذا العالم؛ فكان نزولي لهذا البحر الأدبي العميق و محاولة استكشافه بسبب سرد الكاتب المُنمق القوي و المبسط فى نفس الوقت.
**** اللغة :
- إلمام الكاتب المتوقع ببحور اللغة و النهل منها لإيصال فكرته و رأيه و جذب ذهن القارئ هو أكثر ما أبهرني فى الكتاب مستخدماً التراكيب اللغوية و المحسنات البديعية و الصور البلاغية بصرف النظر عن مدى اقتناعي بهذه الفكرة الصادمة و التى من الصعب استساغها بسهولة.
**** نظرة عامة على الكتاب :
___أولاً : الأدب و تاريخه :
-استهلال ناري للكتاب لا يقوم به إلا عميد الأدب فبدلاً من المقدمة الجوفاء غير ذات معنى؛ فقد فضَّل الكاتب أن يحوِّلها لمبحث عن الأدب و تاريخه.
١- أولى القذائف فى نسف الثوابت الأدبية كانت الطعن فى ماهية لفظة الأدب نفسها و مدى تأصُّلِها فى جذور اللغة بالعصر الجاهلي؛ فجاء رأى الكاتب أنها جاءت من لفظ "دأب" و جمعها "أدآب" و تحولت إلى "آداب" كما فى "بئر" و جمعها "آبار". - هذه اللفظة جاءت افتراضاً من تأثر لغة قريش مع اللغات الأخرى و صارت تدل على علم الشعر و الخبر فى العصر الأموي.
٢-ثانى الصدمات كانت استنباطه علم "تاريخ الأدب" و استخراجه من بين ثنايا علم "الأدب" و إثباته أنه ليس بالعلم المُستحدَث و إنما هو قديم قِدَم الأدب نفسه؛ كما أنه عظيم الصلة بالأدب صلة الخاص بالعام (فالأدب هو مأثور الكلام و تاريخه هو مأثور الكلام و أشياء أخرى لا سبيل إلى تذوق هذا الكلام إلا به).
- تعرَّضَ الكاتب لمقاييس تاريخ الأدب سواء السياسي أو العلمي أو الأدبي. - عانى هذا الجزء من الجمود السردي لأنه كان إنشائي و لغوي أكثر منه معلوماتي و يمكن إدراجه كمقدمة طويلة و تهيئة ذهنية للقارئ لما هو آت فيما بعد.
___ثانياً :الجاهليون :
- التزم الكاتب فى بحثِه المنهج الديكارتي فكان الشك فى كل ما هو أدب جاهلي و كان العميد واضحاً منذ البداية حين قال أنه يضع كلَّ شئ أمامه موضع البحث بل الشك.
- هذا المبدأ جعله ينسفُ الأدب الجاهلي بأكمله لدرجة أنه قال أن شِعر امرؤ القيس و عنترة و ابن كلثوم ليس منهم فى شئ و لكنه موضوع فيما بعد الإسلام.
١- أولَى نظرياته فى هذا الجزء هى "أنّ مرآة الحياة الجاهلية تؤخذ من القرآن الكريم لا مِنْ الأدب الجاهلي" و هى وإن كانت صحيحة بالطبع لعِصمة القرآن من الخطأ إلا أنه لدىَّ بعض الملاحظات و هى كالآتي :
أ- لم يكن القرآن الكريم لقريش فقط بل كان للعالمين "الإنس و الجن جميعا "ففكرة أن حمل القرآن على عقيدة اليهود و النصارى كان بغرض مخاطبة و جِدَال أهل قريش فقط خطأ بالطبع.
ب- معروف عن العرب قبل الإسلام بالكرم و محاولة نفيها بدعوى أن القرآن الكريم نهى عن صفات البُخْل و الشُّح فهذا ليس بدليلٍ بالطبع.
ج-بالطبع القرآن الكريم رَسَمَ صورة العرب بطريقة واضحة حين ذَكَّرَ المسلمين بما كانوا عليه فى الجاهلية من عصبية و خِصام قَبَلِي و لكن هذا لا ينفي أنّ الشِعر الجاهلي زاخر بهذه العصبية و التفاخر بالنسب.
د- أغرب ما كَتَبَ العميد فى هذه النقطة أن الشعر الجاهلي لم يتعرض لوصف البحر رغم أن القرآن تحدث عنه فى آياته و هو ما يراه الكاتب دليلاً على خبرة قريش به؛ بالله عليكم من أين لقريش بمعرفة البحر بشكل عام!! "وهذا لا يمنع بعض المعرفة الفردية لبعض الأشخاص للبحر و ركوبهم له".
٢- تَعرَّضَ الكاتب لنقطة دقيقة و هامة و هى الخلاف الجوهري بَيْنَ لُغَات العرب بل و لهجاتها فالقحطانية غير الحِمْيرية و بالفعل هى علامة استفهام و شك عدم وصول أشعار لنا بلهجات مختلفة ولكن بالنسبة لنقطة المعلَّقات السبعة فهى كانت معلَّقة عند الكعبة (أى عند قريش) فلعله كان مشروطاً أن تكون متوافقة مع لهجة أصحاب الأرض (قريش).
___ ثالثاً :أسباب نَحْل الشعر :
- يتَعمَّق الكاتب فى نظريته القاضية بنَحْل الشعر الجاهلي و يبحث عن الجُنَاة و الدوافع و هى تتلخص فى الآتي : ١-تطبيقاً لمبدأ "الشك" فهو يرى أن أى شِعْر منسوب للجاهلية و يُقَوِّي العصبية و القَبلِية لصالح فئة لعبت دوراً سياسياً بعد الإسلام لاسيما الزبيريين و الأمويين و المروانيين فهو مشكوك فيه و منحول. ٢- نَحْل الشعر و نَسبه للجن من الفقرات المضحكة 😂و لا يستحق التعليق. ٣-الكاتب مُحِق فى شكه حول شِعر المعَمِّرين مثل "المستوغر بن ربيعة" و شِعره المتكلّف. ٤-الاعتقاد بنَحْل الأدب الجاهلي خاصةً القصص لشرح معانى بعض الأمثال المشهورة مثل (لا يطاع لقصير أمر) أو (قطعت جهيزة قول كل حكيم) و غيرهم كلام ضعيف فالطبيعي العكس و بالتالي فهو إثبات لصحة الأدب الجاهلي. ٥- الاعتقاد بنَحْل المسلمين للشِعر الجاهلي و الذى به من الدين الإسلامي لإثبات أن للاسلام "قَدُمة" فى بلاد العرب لهو من غريب القول . ٦-قَطْع الكاتب يقيناً بأن كل ما قيل حول أيام العرب و خصوماتها كيوم "بعاث" و "البسوس" مجرد نَحْل ليس بصحيح.
- ختاماً بالرغم من الإسهاب و الشرح لتوضيح أسباب و دوافع النَحْل إلا أنّ هذا ربما يثْبِت وجود نَحْل للشعر و القصص أحياناً و لكنه لا يهدم إطلاقاً أدب هذا العصر؛ فلم يت��رض الكاتب لشعر "عنترة" مثلاً .
___ رابعاً :الشِعر و الشعراء و شِعر مضر :
* أفضل ما فيه هو الوقوف على كل ما يخُص الشاعر بدايةً من القصص المنسوجة حوله و التى هى بالفعل أقرب للأساطير كقتل "عمرو بن كلثوم" لملك الحيرة "عمرو بن هند" و نهايةً إلى عَرض أبيات الشِعر المنسوبة له و التمحيص فيها. * بداية الأدلة و البراهين التى يقدمها الكاتب لإثبات عدم صحة الشِعر الجاهلي هو تقسيم الشعراء إلى ثلاثة أقسام (اليمنيين و الربيعيين و المضريين):
١- اليمنيون :
* وجهة نظر الكاتب _المنطقية بالطبع_ هو هدم كل الشعر اليمني أمثال "امرؤ القيس" و "عمرو بن قميئة" و غيرهم نتيجة اختلاف اللهجة عن لهجة قريش.
٢- الربيعيون :
* قام الكاتب بتنقية الشعر الخاص بهم أمثال "الأعشي" و "عمرو بن كلثوم" و "طرفة بن العبد" و غيرهم.
٣- المُضَريون :
* على نفس النهج سالف الذكر سلك الكاتب طريقه نحو هدم شِعْر مُضَر أو تنقيته بالأصح و اختار منهم "النابغة" و "الحطيئة" و "أوس بن حجر" و "زهير" و "كعب بن زهير".
- اعتمد الكاتب وجود هذا الشعر كون هؤلاء الشعراء كانوا قريبي عهدٍ بالإسلام و منهم مَن كان مخضرماً _ حضر الجاهلية و الإسلام_ مثل "الحطيئة".
** ما يؤخذ على الكاتب أنه بالرغم من التمحيص و التدقيق لأغلب الشعراء إلا أنه لم يتعرض لعنترة بن شداد أيقونة الشعر الجاهلي و هى علامة استفهام لى؟!!! 🤔🤔🤔
___ خامساً :ماهية الشِعر:
* باب لطيف يُطْرح فيه تساؤل بديهي حول ماهية الشعر و اشتراطاته !؟ و خَلُصَ الكاتب بأنه (يعرَّف اﻟﺸِﻌﺮُ ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻜﻼم المقَيَّد ﺑﺎﻟﻮزن واﻟﻘﺎﻓﻴﺔ و أنه اﻟﺬى ﻳُﻘﺼﺪ ﺑﻪ إﱃ اﻟﺠﻤﺎل الفني).
* تطرَّقَ الكاتب إلى الصراع بين القدماء و المُحدثين حول آرائهم فى الشعر العربي فمن بين مُمجِّد ومُقَدس للقديم و بين مزدري له ظَهرَ أنصارُ المدرسة الوسطية و منهم الكاتب حيث الإيمان بعظمة القديم مع إمكانية ظهور الأفضل فى الشِعر الحديث المتأثر بالثقافة الأجنبية.
___ سادساً :النثر الجاهلي :
* أوجز فيه الكاتب بما قلّ و دلّ و ختمَ بهذا الملخص "نحن ننظر إلى الأدب الجاهلي كما ينظر المؤرخ إلى عصور ما قبل التاريخ؛ فأما تاريخ الأدب حقاً الذى يمكن أن يُدرَّس فى ثقة و اطمئنان فإنما يبتدئ بالقرآن ".
**** إجمالاً الكتاب من الكتب صعبة المراس و لكنه ممتع فى كل شئ متعة فى قراءته و فى دراسته حتى ممتع فى كتابة التقييم و الرأى الخاص به و مفيد للقراء عامةً و الباحثين فى تاريخ الأدب خاصةً ؛به من المجهود الكثير فى اللغة و التاريخ و الفلسفة و البلاغة و سعة الاطلاع على الثقافات الأجنبية لا سيما اليونانية ما يستحق عليه العميد التحية والتقدير.
عندما غضب االمجتمع المصري (المتدين منه وغير المتدين) وأستنكر العديد من خارج مصر بسبب كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) حاول التخفيف من حدة هذه الثورة فأعاد إخراج الكتاب مع حذف النقاط التي أثارت المجتمع المتعلقة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام عندما تناول الدين وزنتحال الشعر والقصص وانتحال الشعر.. ما يهمنا من كل مامضي من ما بعد الغضب أخرج طه حسين (في الأدب الجاهلي - 1927م) كفارة ما مضى فقد تبرأ – ولا أعلم عن نية البراءة هنا فهي من أمر الله – من النقاط التي أثارت الغضب وتوسع في الكتاب الجديد بعد أن كان الأول في (183) صفحات من الحجم المتوسط، وكانت نقاطه رغم قوتها – تقبلتها أو لم تتقبلها – دون التوسع بينما في الكتاب الآخر (في الأدب الجاهلي) كان الكتب في (360) صفحة من الحجم الكبير. أعاد طه في الفصل الثالث من هذا الكتاب مسألة الشعر المنحول التي ناقشها في الكتاب الماضي تحت عنوان (أسباب إنتحال الشعر) بعد أن عرف في الكتاب بتاريخ الأدب، وهو كتاب أكثر فائدة وتوثيق ومنهجية من الكتاب السابق. ــــــــــــــــــــــــــــــ من أراد التوسع في هذا الموضوع ومسألة نحول الشعر يقرأ كلا الكتابين السابقين نقد كتاب "الشعر الجاهلي"، محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين، مصر. طبقات فحول الشعراء. ابن سلام الجمحي. نظرية الانتحال في الشعر الجاهلي، عبد الحميد السلوت. ـــــــــــــــــــــــــــــ
كانت هناك في بادئ الأمر غصة في نفسي صدتني عن حديث الدكتور طه عن الشعر المنحول في حين قد انتحل أصل الفكرة التي يستعرضها حتى وإن طبعها بطابع عقله، وأغدق عليها من فكره فجاءت أكثر ثراءًا وأنفذ إلى العقل من الصورة التي طرحها مرجيليوث من قبله، إلا أن ذلك لا يؤثر في ذات الفكرة، فما أن انفصلت الفكرة عن أصلها حتى صارت كيانًا مستقلًا لايمسها الطعن في صاحبها، ولا يدحضها العداء مع الناطق بها. ولست بعدو الدكتور طه ولا أحمل في نفسي منه شيئًا، بل أجله وأقدر مذهبه في النقد الذي أراه نقطةً فارقة في تاريخ الأدب العربي الذي أصابته لقرون آفة التقديس للشخصيات، والخضوع لمسلمات لا لشيء إلا لأنها معنونةٌ باسم ما دون إخضاع ما نُقِل للعقل لينظر في أمره من كل زاوية ويمحص ما أفرد على الورق من كل اتجاه. بدأ الدكتور طه كتابه بنقده لمذهبين سائدين في تناول الأدب أحدهم يظن الأدب حفظًا لعصور وأسماء وطائفة من المعاني والأشعار في غير فهم ولا دقة، والآخر اتخذ من المدرسة الغربية في النقد دليلًا حاول تطبيقه على الأدب العربي دون إعمال للفهم فجاء منهجًا شائهًا لا يصل لدقة المنهج الغربي، ولا يحمل روح الأدب العربي، ومن هنا انطلق في نقد القديم والحديث مقترحًا بعد ذلك سبل الإصلاح. رأيت في اتخاذه لمنهج ديكارت في النقد سبيلًا منطقيًا في مثل ما ذهل إليه من الطرح، فهو إن لم يجرد نفسه من كل اعتقاد وميل سقط مذهب طرحه الذي ابتغاه - وإن كنت أظن ذلك عسيرًا على الطبيعة البشرية وإن استقام على الورق-. "الأدب في حاجة إلى الحرية، فهو في حاجة إلى ألا يعتبر علمًا دينيًا فهو في حاجة إلى أن يتحرر من هذا التقديس ويخضع كغيره للنقد.". كثيرًا ما ألقي الشعر على ألسنة الخطباء والمعلمين والقصاصين منسوب إلى أناس في مواقف لا تدع سبيلًا للتغاضي عن عدم ملائمة الكلمات لناطقها، وكأن الأمر كما قال الدكتور طه: " كأن كونك عربيًا كفيل بأن يجري الشعر على لسانك."، وذلك حقًا طالما استعجبت منه قبل أن يذكره الكاتب فأرى السيد يسأل وترد الخادمة بأبيات من الشعر، وتستفهم الزوجة ويرد زوجها بنظم كنظم حسان ، فالكل ناطق بالبيان في قديم القصص دون وعي أو حسبان. استعرض الكاتب الأسباب المختلفة التي تدفع الأمم إلى نحل الشعر، كرغبة في تأييد فريق على فريق، أو الانتصار لقبيلة على حساب قبيلة، أو حتى رغبةً في تقوية الحجة للدين، فالكل يبحث عن تأصيل لجذور طائفته ونسبه ودينه فيُجري لمدح فكرته الشعرَ على ألسنة القدماء مانحًا إياها الجذور والأصول، وحتى على سبيل التسلية القصصية التي تنافس فيها القصاصون في العصر العباسي ونحوه. ومن هنا انطلق طه حسين في ذكر الجاهلية وأممها وقبائلها منبشًا بين المعاني والكلمات عن مطابقة لواقع العصر الذي نُسب إليه ذلك الشعر. كيف يقال الشعر مثلًا على ألسنة القحطانيين بلغة عدنانية، أو يرد بين أيدينا شعرًا منسوبًا لعاد وثمود بلغة القريشيين، ناهيك عن الأشعار التي نُسبت للجن واعتدنا قبول كل ذلك دون استبيان الحد بين المعقول واللامعقول. عند هذا الحد تذكرت استنكار إدوارد سعيد للرؤية الغربية للشرق عامةً ولأرض العرب خاصةً أنها أرض العجائبية وموطن الغرائبية التي لا ينطبق عليها ناموس كوني، ولا يسيرها قانون إنساني، فربما كان اقتناع العرب بذلك جزءًا من التكوين الأصلي لتلك الصورة. وطبق الدكتور طه ذلك المذهب في النقد على عديد الشعراء كامرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم وغيرهم حتى خلص إلى أن الحياة الجاهلية التي وردت في ما نُسب لهذه الحقبة من الشعر الكثير مشكوك فيها ، أما القليل الذي يصح فهو في حاجة لفحص دقيق. "أما تاريخ الأدب الذي يمكن أن يدرس في ثقة واطمئنان وعلى أرض ثابتة لا تضطرب ولا تزول فإنما يبتدئ بالقرآن".
أقل حدة من "في الشعر الجاهلي" وأقرب للاعتدال خاصة في مقارنته بين أنصار القديم والجديد، في رأيي أن الشعر الجاهلي ليس كله منحول وليس كله صحيح لمن قاله، وإنما بعضه منحول والآخر صحيح.
أسلوب طه حسين أسرني، أسلوب جميل ولغة عذبة وراقية، وفكر يُحترم، لا آخذ عليه إلا مغالاته أحيانا في تمجيد الغرب، وهذا يُظهر تأسره الشديد بهم ويُبرز معنى سلطة الثقافة الغالبة التي نعاني منها حتى الآن، لكن مجملاً الكتاب مُهم جدا وثري.
كتاب مهدور حقه واعتقد يجب أن يفرض فريضة للمطالعة والتفكر والبحث نسف طه حسين كل ما كان موروث ومعتقد عن الشعر الجاهلي ونثره تتفق أو تختلف فهذا ِشأنك , لكن لا تستطيع أن تختلف علي روعة أسلوب طه في تطبيقه للمنهج الديكارتي وعندما تقرأ فيما بعد شعر لأمرئ القيس أو النابغة أو أي شعر فتأكد أن هذا الشعر انما هو منحول لشخصه جزءا أو كلا
بادئ ذي بدء ... أحب أنّ أقول أنني مهما تحدث في كلمات بارقة .. وبضاخم العبارة .. وفخم الكلمات .. وبكل اللغات الأرضية المعروفة .. وبذلت كُل ما أستطيعه وما لم أستطيعه من جَهد .. فلن أستطيع أن أعطي الدكتور طه حسين حقه كاملاً .. فهو من سحرني باللغة .. جدد الفكر .. ألهمني .. هو النبراس الذي أُدير ناحيته العنق المثبت فوق الجسد .. هو الشمس الذي ألتفت ناحيته أبصاري لأتلق من نبعه ما أتلق فأحيا بدل من حياة واحدة .. حيوات مُتعددة بأنماط مٌختلفة .. الرجل له أيادِ عليّ عظيمة .. جليلة الأثر .. فهو إمام الفكِر ومجدده .. العميد ..
ولنقول أولاً أن الكتاب الذي قرأته وهو " في الأدب الجاهلي " هو التنحيق والتنميق والتحوير لكتاب " في الشعر الجاهلي " والذي أصدره الدكتور طه في أوائل العشرينات من القرن الماضي .. ومن الوقت الذي خرج وتناقلته أيدي الكُتاب والقراء وأثارت من حوله العديد من الأحاديث الجمة والصراعات والمناوئات الفكرية والتي أودت به في نهاية المطاف إلي النيابة .. وأثير الموضوع في مجلس النواب حينها .. وأنتهي ال��مر بأن الأوراق قد حُفظت وأن الدكتور طه برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب .. ولكنه رجع إلي الكتاب وعدله وخرج في الطبعة الموجودة الحين وهي " في الأدب الجاهلي " ..
وسبب هذا أن الدكتور طه حسين قد أستخدم مبدأ الشك لرينيه ديكارت أثناء بحثه في الشعر الجاهلي من كونه جيد أم منحول ؟ .. مبدأ الشك الذي يقتضي علي الباحث الأخذه علي عاتقه أن يتخلي عن كُل ما يعرفه أو عرفه ويبني الآراء والأمر كُله علي استهلال جديد ..
والكتاب كان مُقرر علي طلاب الصف الأول والثاني من طُلاب كُلية الآداب .. ولكنك إذا قرأته وأمعنت النظر داخل طياته .. وبلوت أحشاءه .. فستجد الدكتور طه يتحدث إليك في لغة السهلة السلسلة الممتنعة عن الأمر بجُلته وعن رأيه في الشعر الجاهلي .. فكأنك تشعر بأنّ صديق لك جالس إليك في " وقت العصاري " وأنكما كُنتما تتحدثان في شأن من الشئون .. ثم أفضي إليك صديقك هذا الذي أعتمل داخل صدره .. وجري داخل عقله ما شاء الله له من الجري حتي أستقر وأستوي علي السوق ليعجب او يتنقده النقاد ... فالدكتور مُتخلي بشكل مٌتخفي عن كرسيّ الأستاذ والمؤرخ .. ولف نفسه في عباءة الصديق .. فأخرج الكتاب في درة .. يسيرة ... سهلة ..
ودعني ألخص لك الامر الذي أراد العميد إذاعته في الكتاب .. وما أستطعت بالطبع فلن أتي بالأمر كُله .. فعليك أن تتحري الكتاب وتسبر أغواره وتعيش بين أحضانه كما عشت وعاش قبلي من عاش ..
فالدكتور يقول أن الشعر الجاهلي منحول أو كما يقول يشك في أنه بعضه منحول وهذا يُستبان عليه من خلال التالي والذي أوسع في الإفاضة فيه فيم بعد : 1- الحياة السياسية للأمة بعد ظهور الاسلام ووقوف الفتح . 2- الناس الذين غلبوا علي أمرهم بعد الفتح في بلاد الفرس والشام والجزيزة العربية . 3- نشأة العلوم الدينية واللغوية . 4- اليهود في بلاد العرب قبل وبعد الاسلام . 5- المسيحية قبل وبعد الاسلام . 6- السياسية الخارجية قبل وبعد الاسلام .
ويقول العميد أن الحياة الجاهلية يُستدل عليها لا بالشعر بل بالقرآن والأدلة التي أسهب فيم بعد في وصفها هي من خلال : الدين _ الحياة النفسية _ الاقتصاد_ الاتصال بالأمم .
ويقول العميد أنه قد بحث في هذا الأمر ليهدم فقط من دون البناء .. ليقوض من دون الانشاء فهذا خطأ أيّ خطأ .. فهو يقول أننا نستطيع أن نبحث في الشعر الجاهلي ليس من خلال شخصية الشاعر بل من المدارس التي أنشات هؤلاء الشعراء واستدل بذلك وأسهب في الشرح علي كُلا من : " أوس بن حجر والحطيئة وزهير وكعب بن زهير " فهؤلاء كلهم أوجدهم في نفس المدرسة .. ومن هنا تستطيع أن تبحث في مدي صحة الشعر وقوته من نحله ..
وأختم القول ... بختام القول للدكتور طه في الكتاب بأنّ : الحياة الجاهلية يجب أن تلتمس في القرآن لا في الأدب الجاهلي
الكتاب ليس للقراء العاديين أمثالي.. إنه مخصص للمشتغلين بالأدب العربي و يليهم المهتمين بالشعر العربي بشكل عام.. و أنا لست من هواة الشعر و كذلك أنا قارئ عادي و لست بدارس للأدب.. لذلك لم يعد على الكتاب بأي فائدة مرجوة من كل المعلومات المذكورة... لم أحفل بالأبيات الشعرية كثيرا و في العديد من الأحيان كنت أتخطاها.. إشكالية مدى صحة أو عدم صحة النصوص الشعرية الجاهلية لم تهمني في شيء.. ففي النهاية أعتقد أن العبرة من اي عمل ادبي هو مدى جودته فقط بغض النظر عن كاتبه... لكن الجيد في الكتاب هو الأسلوب المنهجي الذي يتبعه طه حسين لمعرفة نسب النصوص الادبية.. حتى مع عدم اهتمامي فقد كان لدي الشعور أنه على صواب بسبب أسلوبه المنطقي في عرض الأفكار... أمنح الكتاب نجمتين فقط كقاريء عادي ولا احكم عليه مطلقا كدارس أو متخصص..
بعد أربع ساعات متواصلات أنهيت فيهم الرائعة الأدبية للأديب العلم د / طه حسين ، عندما قررت أن أكتب عنه هذا التقرير أصابني وجل في صدري كدت أن أتراجع عنه ، ولكن كان هناك شيء ما بداخلي يُجبرني على الكتابة فيه ، وأعلم أنني مهما نمقت وأحسنت اللفظ ، وتلاعبت بالمفردات فلن أستطع أن أصل إلى مبتغى المقصد في ذكري عنه .
بداية وقبل أن أعلق على ما ورد في الكتاب أود أن أبين عن من أتكلم . الأديب العلم د / طه حسين على سلامة ، هو أديب مصري ومفكر فذ ، يُعد من أعلام الحركة الأدبية الحديثة ، صاحب نظرة ثاقبة في الأدب وإن كان قد حُرم من نعمة النظر ، نال بجدارة لقب عميد الأدب العربي . ولد في محافظة المينيا في أواخر عام 1889 ، وُلد بصيرا وتعرض لإحدى إصابات العين وفقد على إثرها بصره في عامه الرابع ، ولكن فقدان بصره لم يمنعه من بداية مسيرته التعليمية والحقه والده حسين سلامة إلى كُتاب قرية " الكيلو " التى تربى فيها ونشأ ، تتلمذ على يد شيخه محمد جاد الرب ، فكان ذكيا حافظا ، التحق بالتعليم الأزهري وتدرج فيها حتى حصل على الماجستير والدكتوراه ولم يتجاوز ربع قرنه فحصل على الدكتوراه في عام 1914 عن عمر يناهز 24 عامًا ، واجه موجة عالية من الانتقاد عندما تحدث في أطروحته " ذكرى أبي العلاء " وتلاها أطروحته للدكتوراه " الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون " عندها وكأنه أعلن الحرب على نفسه داخل أسوار فرنسا ، واجتاز الدراسات العليا في القانون الروماني ، تزوج من سوزان بريسو زوجته الفرنسية التي أنجبت له " أمنية ومؤنس " وكانت لها عظيم الأنثر في حياته اأدبية فقد كانت له الناقد والقارئ . بعد عودته من فرنسا خاض غمار حربه الأدبية والعلمية ببالغ القوة والعزيمة ، شغل منصب أستاذا للتاريخ اليوناني والروماني ، ثم عمل أستاذا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب ، ثم عميدا للكلية وعين ما بين عام 1942 و 1950 مستشارا لوزير المعارف ثم وزيرا للمعارف ، وقبل أن يشغل منصب وزير المعارف شغل رئاسة جامعة اسكندرية ، وقاد الدعوة الأولى لمجانية التعليم والزاميته ، وشغل منصب رئيس تحرير جريدة الجمهورية عام 1959 . كان له الفضل في إنشاء وتكوين عدد من الجامعات المصرية . أثرى المكتبة العربية بعدد من المؤلفات الفذة التى أثارت ضجة عُليا في سماء الأدب المصري استحق بجدارة أن يكون أحد أشهر أدباء العالم ، إلا أن مؤلفاته شغلت الرأي العام ومن كتبه تلك الشعر الجاهلي ، وفي الأدب الجاهلي الذي هو موضع حديثنا اليوم وغيره من المؤلفات صاحبة الضجة الكُبرى ربما نتعرض لها فيما بعد . رحل طه حسين عن عالمنا عن عمر يناهز 84 عامًا في أكتوبر 1973 .
قبل أن نبدأ : - في عام 1926 أصدر الدكتور طه حسين كتابه " في الشعر الجاهلي " مستخدما منج ديكارت في بحثه عن الحقائق والأصول ، حيث يجرد الباحث من كل عواطفه الفكرية والمنهجية أيا كان نوعها وأيا كانت قداستها ، وبيان ما يُتوصل اليه أيا كانت عواقب ما دعى إلى وتوصل . وقد كان ما توقع طه حسين أن يحدث ، بعد أن نظر الى المقدسات بنظرة أدبية مجردة من العواطف والمُسلمات ، الأمر الذي كان بمثابة وازع لرجال الدين والأزهر برفع قضايا على د / طه حسين للنيابة العامة واتهامه بازدراء الأديان والتعدي على أصول وثوابت الدين ، ووصل الأمر الى اتهامه بالكفر والإلحاد . ولكن النيابة قررت بقرار النائب العام محمد نور الدين بحفظ قضية طه حسين لعدم كفاية الأدلة وبطلان المنسوب اليه ، وبيان أن الأمر كان بهدف الاستشهاد لا بهدف الإعتقاد ، وإنما هو طريق معرفي بحت . واستمرت ملاحقة طه حسين حتى بعد أن عدل كتابه في الشعر الجاهلي ، وأسماه " في الأدب الجاهلي " إلا أن الأمر كان له تبعات ربما نذكرها لاحفا .
تعليق حول كتاب " في الأدب الجاهلي للدكتور المبجل طه حسين . بعد المعارك التي أُثيرت حول كتاب في الشعر الجاهلي من قِبل المسلمين والعرب على الدكتور طه في معظم نواحي الأدب ، وما فيه من عبارات هي من الجراءة بمكان ، حيث تنافى معظمها مع القيم والتقاليد والعُرف والمسلمات لديهم ، حذف الدكتور طه حسين من كتابه الكثير من كلماته في كتاب في الشعر الجاهلي وأودع الباقي في كتابه الجديد الذي نحن بصدده الآن في هذه المراجعة . إلا أنه ولسبب مجهول لم يذكر أسباب أن حذف من الكتاب الأصلي " في الشعر الجاهلي " كما هي عادة أهل العلم إذ أقدموا على تعديل أو إضافة أو حذف شيء يبرزوا أسباب ذلك الحذف أو التعديل وغيره . كتاب في الأدب الجاهلي ، مع ما أثير حوله إلا أنه من الأهمية بمكان ، ولا زال مرجعا للباحثين وكتابًا يُدرس لطلبة بعض الجامعات العربية والمصرية ، حيث أن الكتاب هو بالفعل عبارة عن دعامة أساسية للمنهج العربي في دراسته للأدب ونقده . ولربما وجدنا في الكتاب بعض الطوام التي ذُكرت في ثنايا الكتاب من بعض أساليب التهكم تارة والسخرية تارة ، ولكن حسبنا أن نحملها على محمل البحث عن حقيقة أمر وأمره إلى الله . فمثل ما ورد من ذلك كلامه " وفي القرآن سورة تسمى الجن أنبأت أن الجن استمعوا للنبي " وفي هذا اللفظ نوع من الاستخفاف الظاهر بالمعني إذ بين أن اللفظ المذكور إنما هو عبارة عن ذكر شيء غير مستفهم على العقول حدوثه ، ولا يصدق إلا من طريق القرآن . - وافق في كتابه هذا نظرية الكاتب اليهودي المستشرق مرجليوث في ملخصها أن شعر الجاهلية موضوع كله وإنما ما نبت من أصول هذا الشعر كان في صدر الإسلام وتم إلحاق الشعر بأسماء شعراء الماضي من باب دفع الأمر عنهم والحاقة بغيرهم . - كرر الطامة العظمي في بيان الأكذوبة الشاذة المنتشرة في كون العرب مقسمة إلى عرب عاربة ومستعربة وبائدة التي تحدث بها في بادي الأمر عبيد بن شريه الجرهمي حتى استفحلت هذه النظرة نظرات معظم العقول حتى أنها لا زالت تُدرّس إلى الآن في المدارس والجامعات . - كونه أجحم اللفظ في كتابه إلى فكر فلسفي بحت مستندا إلى منهج ديكارت في الشك الفلسفي في كل شيء مجردا عن العواطف . - من أقواله في الكتاب في حديثه عن الأدب بين أن " مناقب الأدب العربي مرجعها إلى أصول فارسية وقال يونانية أيضا " كما رتب الأدب حسب قوته وضعفه إلى أن وضع الأدب اليوناني في المرتبة الأولى تلاه العربي ثم الفارسي في أخر مرتبة . وأنا أرى أن كلامه محل نقد وتضارب إذ كيف يكون الأدب العربي استسقى أصوله من الأدب الفارسي ومن ثم تقدم عليه فكان في المرتبة التالية للأدب اليوناني . وغير ذلك من حديثه عن ابي نواس ، وأخباره عن الأدب الفرنسي والفن وغيره الأمر الذي لم يسعفني طول المقال لذكره والتعليق عليه ولكن بإذن الله سأفرد له مقالا خاصا بالبقية . تقييمي للكتاب . 3 / 5
هذا الكتاب سأعلق عليه في عدة نقاط 1- اقتباس اراه هاما 2- الفارق بين كتاب في الشعر الجاهلي وكتاب في الأدب الجاهلي 3- مسألة انكار قصة موسى وابراهيم 4- مسألة نحل الشعر العربي الجاهلي
: أما الاقتباس
أن الذين يقرءون هذا البحث قد يفرغون من قراءته وفي نفوسهم شيء من الأثر لهذا الشك الأدبي الذي نردده في كل مكان من الكتاب، وقد يشعرون مخطئين ًأو مصيبين بأننا نتعمد الهدم تعمدا، ونقصد إليه في غير رفق ولا لين، وقد يتخوفون عواقب هذا الهدم على الأدب العربي عامة، وعلى القرآن الذي يتصل به هذا الأدب خاصة.
فلهؤلاء نقول: إن هذا الشك لا ضرر منه ولا بأس به، لا لأن الشك مصدر اليقين ليس غير؛ بل لأنه قد آن للأدب العربي وعلومه أن تقوم على أساس متين، وخير للأدب العربي أن يزال منه في غير رفق ولا لين ما لا يستطيع الحياة ولا يصلح لها، ًمن أن يبقى مثقلا بهذه الأثقال التي تضر أكثر مما تنفع، وتعوق عن الحركة أكثر مما تُمكن منها.
ًولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من الشك والهدم بأسا؛ فنحن نُخالف أشد الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصح ًعربيته وتثبت ألفاظه، نخالفهم في ذلك أشد الخلاف؛ لأن أحدا لم يُنكر عربية النبي ًفيما نعرف، ولأن أحدا لم يُنكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تتلى عليهم آياته، وإذا لم يُنكر أحد أن النبي عربي، وإذا لم يُنكر أحد أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه، فأي خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلي، أو هذا الشعر الذي يُضاف إلى الجاهليين؟
وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا أشد الاحتياط في رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره، حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الاعتماد عليه في تدوين اللغة العربية وفهمها. وهم لم يحفلوا برواية الشعر ولم يحتاطوا فيها، بل انصرفوا عنها في بعض الأوقات طائعين أو كارهين، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر وبعد أن عبث النسيان والزمان بما قد كان حفظ من شعر العرب في غير كتابة ولا ًتدوين، فأيهما أشد إكبار ًا للقرآن وإجلالا ًله وتقديسا لنصوصه وإيمانًا بعربيته: ذلك الذي يراه وحده النص الصحيح الصادق الذي يُستدل بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها، أم ذلك الذي يستدل على عربية القرآن بشعر كان يرويه وينحله في غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق ومنهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث؟
أما نحن فمطمئنون إلى مذهبنا، مقتنعون بأن الشعر الجاهلي أو كثرة هذا الشعر الجاهلي لا تمثل شيئًا ولا تدل على شيء إلا ما قدمنا من العبث والكذب والنحل، وأن الوجه — إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص — إنما هو الاستدلال بنصوص القرآن على عربية هذا الشعر لا بهذا الشعر على عربية القرآن
أما عن الفارق بين كتاب في الشعر الجاهلي وكتاب في الأدب الجاهلي
فكتاب في الشعر الجاهلي يعتبر جزء من كتاب في الأدب الجاهلي ولكن كتاب في الشعر الجاهلي صارت ضده ضجة كبيرة ولقد مُنع الكتاب من البيع في الاول وتقدم طه حسين للمحاكمة بتهمة أهانة الاسلام، لكن القاضي المستنير محمد نور حكم ببرائته و قال " انه رأي اكاديمي لأستاذ في الجامعه و لايٌمكن اتخاذ ضده اي اجراء قانوني (لعدم توافر القصد الجنائي)." فقام طه حسين بحذف الجزء المثير للجدل هذا الخاص بقصة ابراهيم واسماعيل واضاف فصول اخرى للكتاب فزاد حجمه وازداد تفصيلا على نفس منهجه
وأما عن انكاره لقصة ابراهيم واسماعيل
فالامر هاهنا فيه مبالغة فان الرجل اخذ منهج ديكارت في الشك للبحث العلمي فانه قال ان عدم وجود دليل تاريخي على هذه القصة وانها منحولة لأسباب سياسية ودينية فانه كما أقول أنا أنه لا يوجد دليل علمي على وجود الله انه ليس انكارا بوجوده ولكنها حقيقة هذا هو العلم التجريبي شاء من شاء وأبى من أبى
وأما عن نحل الشعر الجاهلي :
فلا أشك في ان الرجل مصيب في كثير مما قال خاصة ذلك الخاص باختلاف اللغة عند اهل الجنوب عن اهل الشمال وقد بين تبيينا واضحا لادلته اراه ابلغ فيها ولكنه بالغ في آخر الكتاب في طريقته لتمييز المنحول من الأصلي ولكن لضعفي في اللغة والشعر لا استطيع ان استوعب انه كان يستطيع ان يقوم بهذا التمييز بهذه الثقة واشعر انه كان مبالغا في هذه
في الأدب الجاهلي طه حسين الأديب من الطراز الرفيع يستعرض في كتابه الرائع اشكاليات الأدب وتاريخ الأدب والعلاقة بينهما ، يبدأ هذا الكتاب بطرح نقد خاص لحالة الأدب في الواقع العربي الذي يفتقد سواء كان في المدارس او الجامعات الدينية كالأزهر او النظامية ، الى عنصر وثقافة النقد في الأدب فقد اضحى الأدب المتمثل في النثر والشعر مستنقع للكم الهائل من الانتاج الأدبي من غير فاعلية التحليل والمناقشة والنقد بعكس المجتمعات الأوروبية التي اتخذت من النقد بوابة للحداثة الأدبية ، كما انه يشير الى القطع المنهجي بين الأدب والثقافة حيث يقتصر الأديب في أكثر الأحيان على انتاج أدب خالي من العمق الفلسفي كما هو شعر ابو العلاء المعري او المتنبي ، ومن العمق النفسي كالأدب الروسي عند دوستوفيسكي وغيره ، فالشاعر في وجهة نظرة لابد ان يكون مثقف قبل كل شي فكيف يتذوق الشعر الجاهلي بكل ما فيه من تنوع ثقافي كما جاءنا وفي علاقة السياسة بالأدب لا يرى هذا التلازم في التطور بحيث اذا ازدهرت الحياة السياسية يزدهر الأدب معها والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة سواء في العهد الأموي او العباسي وليس بقعة جغرافية عن بقعة أخرى إنما هي الظروف الموضوعية بكل مؤثّراتها هي التي تحكم الواقع ، ولكي يتنفس الأدب العربي كما تنفس الأدب الفرنسي بشكل خاص والأدب العالمي بشكل عالم لابد من ان يدرس الأدب لنفسه لا كوسيلة لغير طه حسين ينتهج منهج ديكارت في الشك فيصرّح من غير مواربة عن انه يشك في هذا الشعر الجاهلي نسبه لعصره ، وعليه لا يمكن استخدامه كأداة لفهم القرآن بل يكون القرآن الاداة الصحيحة لتفريق بين الشعر الجاهلي من غيره فقد انتحل هذا الأدب انتحال من قبل المنتحلين ووضّاع الحديث الأدبي وكل هذا الشعر المنسوب للجاهلية ليس منه الأ القليل جدا خصوصا الشعر الذي يسرف في غرابة اللفظ بعكس القرآن وفيه السهولة والمتانة . وكذلك لابد ان تجد في شعر الجاهلية ما يعكس البيئة الجاهلية في بداوتها اما اذا وجدت غير ذلك ففيه شك لنسبه ، وليس بداوة الشعر مقياس لصحته لأمكان ان يتم التلاعب بالمعنى ، وقد يكون تركيب المعنى واللفظ مقياس لحصة هذا الشعر او ذاك من حيث ملائمتها لذلك العصر . وقد ألّف طه حسين لكشف هذ الانتحال مقياس المدرسة الشعرية المضرية أداة لذلك حيث جمع شعر زهير وكعب ابن زهير وأوس ابن حجر والخطيئة والنابغة لدراسة خصائص شعرهم مجموع وخصائصه منفرد ، والذي تميز بالصور المادية كشف طه حسين من خلال هذا الكتاب جوانب ما كانت تطرق لو ما هو بحثها خاصة بتاريخ الأدب العربي ، تضعك هذه الجوانب على خفايا الأدب العربي فيما هو صحيح وما هو منحول وأسباب هذا النحل الدينية والسياسية والشعبوية وغيرها كما يفصل لك الشعر وبحوره والنثر والظواهر الجديدة فيه وما مدى اتساقها من الأدب العربي .
مع أني لست خبيرا في الأدب ولكن أعجبني في هذا الكتاب المنهج الذي اتخذه طه حسين في الدراسة بدلا من منهج التقليد والنقل بدون تفكر الذي يتبعه معظم الكتاب حتي الآن....لو كل الناس كانت عندهم العقلية دي اكيد مصر كانت هتتقدم
الكتاب ينتقد فيه الدكتور طه حسين الشعر الجاهلي عمومه إلا ما رحم ربي. يذكر الكاتب أن الشعر الجاهلي أغلبه منحول. ويسرد أسبابه و انتقاداته الشعرية كحجج وراء نحل الشعر الجاهلي.
بصراحة أنا معجب بشجاعته وبالفرضيات التي سردها لأسباب نحل الشعر الجاهلي وممكن أي شخص يتفق مع أسباب النحل التي سردها في الكتاب الثالث: أسباب نحل الشعر. ناهيك عن جمالية سرده الادبي في كتابه، ولكن في نهاياته يصبح أسلوب التكرار واضح.
لم يعجبني أن الكاتب أختتم الكتاب في الكتاب السادس: الشعر و أنواعه بنوع من الشخصنة مع علماء الأزهر – في ذلك الوقت- والتي تكاد تكون واضحة للقارئ. أضف على ذلك تأثره بالغرب يتضح بشكل جلي في نفس الكتاب السادس. إذا طالب أو مدرس الأزهر قرأ في الأدب والأشعار اليونانية و الرومانية ولم يعجبهم فهذا رأيهم. عجبت لإصرار الكاتب على وجوب صف أشعار الفرزدق و جرير جنب إلى جنب مع أشعار شكسبير و هوميروس! ناهيك عن عدم استساغتي لوصفه بأنصار "المذهب القديم والجديد" حول الشعر العربي.
ملخص رأيي في الكتاب: طرح أدبي ثمين وأسلوب كتابي بديع وأعتقد بأن جرأة طه حسين كانت جيدة وفي محلها، الفرضيات التي سردها مقبولة و تدفعك للتفكير في صحتها من عدمه. من الناحية العلمية ما طرحه يبقى شك وليس يقينا لأن الحجج التي ذكرها لا ترتقي إلى حقائق. هي مجرد تخمينات بناء على استقرائه النقدي للشعر الجاهلي. لكن هذا الشك "لا ضرر منه ولا بأس فيه" و إن لم تكن صحيحة "فهي فرض يحسن أن يقف عنده الباحثون ويجتهدوا في تحقيقه". هل هو الجديد أم هو التجديد؟ هو حقا جديد فقط من ناحية طرح آراء وفرضيات جذابة و مغايرة لكنها ليست بالضرورة حقائق كما أسلفت في الذكر. كمجمل كتاب جميل وأنصح بقراءته خصوصا لمن يحب النظر إلى اللغة والشعر من زاوية مختلفة.
بعيداً عن صورة غلاف دائماً ما تصور العميد على أنه خُلق مُسنّاً، وتوحي القارئ أنه مُقدم على عملٍ صدر عن رجلٍ بلغ العقد السادس من عمره، لقد كانت سنة ١٩٢٥ التي أعد فيها الدكتور الشاب طه حسين (٣٧ سنة) بحثه الخاص في مسألة الشعر الجاهليّ. رئيس كلية الآداب يكتب بحث علمي جديد في تخصصه معتمداً على الشك الديكارتي ومخالفاً الأسلوب النقدي المتبع ليصل إلى نتائج مغايرة للسائد حتى يُفصل من الجامعة ثم يستقيل أحمد لطفي السيد، رئيس الجامعة المصرية، احتجاجاً على التدخل في شئون الجامعة.
الحقيقة أني أرى أهمية هذا الكتاب النقدي لا تكمن في تخريجاته بل في تأسيس النزعة النقدية في الثقافة العربية. فمن بعد الشعر الجاهلي، بدأنا نلاحظ كثافة الأعمال النقدية ونقد النقد في معظم مناطق تاريخنا العريضة. بدأنا نرى رأي في مواجهة رأي، وبحث مقابل لبحث، وعلى القارئ أن يُحَكِّم سلطة عقله. سُنة حسنة استنها العميد في عصر النهضة العربي.
قلت أن أهمية الكتاب ليست في تخريجاته بل في منهجه، خصوصاً عندما تلاحظ تغير في رأي العميد نفسه بعد سنوات من بحثه في الشعر الجاهلي. فهنا، ضمن هذا البحث، يؤكد أ�� "قريش كانت متدينة قوية الإيمان بدينها" [قبل الإسلام]، بينما نراه بعد ١٠ سنوات، في كتاب الفتنة الكُبرى، يروي: "فما كانت قريش مؤمنة بأوثانها إيماناً خالصاً، ... ولا حريصة على آلهتها حرصاً صادقاً، ما كانت قريش الا أن تتخذ الأوثان وسيلة لا غاية...". تغيير واضح في الموقف.
لفت نظري خطاب العميد في الكتاب. في أكثر من موضع، يخاطب العميد المسلمين والمسيحيين واليهود باعتبارهم مكونات المجتمع المصري بل ويعتبرهم ديانات مُمثلة في مصر وتحميها الدولة المصرية. هذا يعطي لنا صورة واضحة عن الوجود اليهودي في المجتمع المصري قبل أقل من مئة عام مضت.
في ١٩٢٧ وبعد اعتراض الأزهر، أصدر طه حسين "في الأدب الجاهلي" بعد حذف ما ازعج المؤسسة الدينية في مصر.
الكتاب بعضه جيد كالكلام عن "المقياس المركب" والمدرسة الأوسية الزهيرية في آخره، وليته كان كله كذلك، إذ فيه إسراف في رمي الفروض يمنة ويسرة وإغراق القارئ بها وبالتخمين وبما لا يعدو أن يكون ظنًا أو كالظن في ضعفه أو ضعف مَسَاقه.
ثم التناقض في هذا الكتاب كثير، والأقيسة الفاسدة كثيرة، وضعف الاحتجاج كذلك، وسوء العرض أيضًا ..كل هذا يُظهر حتى لغير المتخصص مثلي أن لهذا الكتاب حظًا لا بأس به من الاضطراب والهلهلة إلَّا تكن في صميمه ففي أسلوب عرضه كما ترى، انظر مثلًا في الكتاب الثاني فصل "مرآة الحياة الجاهلية"، وقياس الشعر الجاهلي على القرآن، ذلك القياس الذي لو أردت وصفه بأسلوب المؤلف نفسه في استعلائه الفج وخيلائه العريضة حين يذكر "القدماء" و "أنصار القديم" لقلت أنه ليس في السخف أسخف منه، وأنه ليس من الصحة في شيء، وأن صاحبه أبعد الناس عن التفكير المستقيم وأدناهم إلى البلادة وغلاظة الطبع- إلا أن يكون القرآن ضربًا من الشعر، أو يكون الشعر نوعًا من كتب الدين، الغرض من هذا كالغرض من ذاك. وأين غرض القرآن من غرض الشعر حتى يصح هذا القياس ؟!
على كل حال أرى أن الكتاب كما قال أحد "القدماء" يصف شعر أبي العتاهية: "كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف والنوى" على أن التراب هنا يغطي كل هذا، اللهم إلا فصل "المقياس المركب"، فكأن طه حسين أولى هذا الفصل من العناية والأناة والروية مالم يوله لسائر الكِتاب .
بحث رائع يتتبع أصول الشعر الجاهلي باستخدام مبدأ الشك لرينيه ديكارت ويوضح ضرورة الوقوف موقف الباحث الممحص من كل ما ورد إلينا من أدب جاهلي بسبب وجود فرضية قوية بنحل ووضع الكثير مما وصلنا من الشعر الجاهلي والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها بسبب عدة حقائق تتصل بالظروف السياسية والاقتصادية والدينية في الجاهلية وصدر الإسلام وعصور الخلافة التي تلت ذلك، الكتاب يدل على احترام طه حسين لعقلية القاريء واهتمامه البالغ بتوصيل ثمرة بحثه الطويل لكل القراء بأسلوب سلس وواضح خالي من الغموض والمواراة، كتاب رائع ومهم لكل المهتمين بالتعرف على المجتمع والحياة الجاهلية وكيفية تشكل التراث الفكري في صدر الإسلام ونقله وتواتره في العصور اللاحقة، رحم الله إمام الفكر ومجدده وعميد الأدب العربي طه حسين وجزاه عنا خيرًا كثيرًا.
يحاول طه حسين اثبات وجهة نظره القائلة بانتحال الشعر الجاهلي في العصور الاسلامية لعدة اسباب منها السياسية والدينية و القومية ، ويعتمد في ذلك على النصوص التي تم اكتشافها انذاك في اليمن والتي تثبت ولا تدع مجالا للشك على حد وصفه أن لغة العرب العدنانية مختلفة عن لغة قحطان التي كانت تتكلم لغات اخرى مثل الحميرية، مما يثبت انتحال الشعر الذي كتبه القحطانيون في العصور الاسلامية.
أول طريق نحو اليقين هو الشك وهنا يطرح علينا طه حسين تلك الدراسة التي فتحت عليه أبواب من الجحيم كونه كان يشك في التاريخ و التاريخ لدينا نحن العرب أو المسلمون بشكل عام هو أحد الثوابت المقدسة التي لا يجب العبث بها ويجب التسليم المُطلق بها .
في البداية أنا لا أتفق ولا أختلف ولكن أظن أني بحاجة للدراسة و القراءة أكثر في أمهات الكتب للوصل لصحه ما يظنه عميد الأدب العربي أو عكس ذلك .
ولكني أنكر عليه كونه استشهد بكون القبائل لم تكن تتحدث العربية كما تتحدثها قريش و أن اللهجات كانت تختلف و هو أيضاً كان يؤكد أن القرآن نزل بلغه تناسب جميع القبائل سواء الوثنية في مكة أو اليهودية في المدينة والنصرانية في نجران و كان يؤكد أن في بداية الدعوة كان الخلاف جدلياً عن فهم جادلوا الرسول في القرآن عن فهم منهم بمعانيه نظراً لقوة العرب و فصاحتهم اللغوية فكيم يستقيم الأمر و كيف يفهم من لا يتحدث باللغة هذه اللغة
الكتاب سيجعلك تشك في كُل شخصيات التاريخ التي تعشقها و تحفظ مما قالوا ما تحفظ إلي أن يصدمك طه بان كُل ما قيل لا يُنسب لهم و أن المهلهل بن ربيعه و عمرو بن كلثوم و حتى امرأ القيس كلهم محض خيال . وأنا لا استبعد بأن بعض الروايات كانت فيها الكثير من المبالغة كحادثة عمرو بن كلثوم من عمرو بن هند _و أنا لا أنكر الحادثة كما أنكرها طه حسين _ و هذا لأن العرب معروفين بعصبيتهم الشديدة و نزاعاتهم القبلية و تكبرهم و تفاخرهم بأصولهم إلي حد يجعلهم يكثرون من التأويل و أن يسافروا بخيالهم إلي هذا الحد .
و في سياق أخر لا تستطيع أن تُسلم بهذه السهولة بأن كُل هذا أدب منحول و أن هذه الشخصيات هي محض خيال نعم ربما فسد الكثير من التراث كونه كان خاضع للتأويل و أهواء الراوي و لكن من الظلم أن ننكر تاريخ أدب كامل و لو ذهبنا مع طه هذا المذهب فما كان يوجد قبل الإسلام في جزيرة العرب لو كان كل الشخصيات وهميه و أيضاً كيف ننكر عليهم الشعر وهم كانوا أفصح من تحدثوا بالعربية .
و لكنه استقام حين قال أن نصوص القرآن و ألفاظه يجب أن نستشهد بها علي صحه ما يسمونه الشعر الجاهلي بدل أن يستشهد بهذا الشعر علي نصوص القرآن
الكتاب صعب المراس ولن تحدد هل أنت معه أم ضده ولكنها دراسة مهمة جداً تحتاج لمتابعه في أمهات الكتب
أثارني هذا الهجوم والنقد والاتهامات التي طالت عميد الأدب العربي في رائعته (في الأدب الجاهلي) الصادرة عام ١٩٢٧ والتي هي النسخة المعدلة الشاملة والطبعة الثانية من كتابه (في الشعر الجاهلي) والتي قامت الدنيا ولم تقعد حين صدوره لدرجة تهديد سعد زغلول رئيس البرلمان حينها بسحب وزرائه من الحكومة اذا لم يسحب الاستجواب المقدم في البرلمان ضد الكاتب الشاب حينها …… الكتاب أكاديمي رشيق منظم فكرته الأساسية هي ان معظم الشعر الجاهلي موضوع منحول رغم إثبات وجود هؤلاء الشعراء في الجاهلية … وان تاريخ الأدب العربي الحقيقي يبتدئ من القران لا من العصر الجاهلي … وان الالتماس الحقيقي للحياة الجاهلية وماكانت عليه يكون في القران لا في الشعر الجاهلي المنحول والموضوع في العصر الإسلامي والمنسوب لاهداف محددة الي العصر الجاهلي …… الكتاب في فصله الثاني (الجاهليون) يطرح فكرته الرئيسية ويستدل عليها بالطرق العلمية المجردة وباتباع مبدأ الشك الديكارتي في توازن دون انحياز واعمال للعواطف والمشاعر والتمسك بالمسلمات والمعتقدات القديمة … في فصله الثالث يوضح بالأدلة الدافع وراء نحل الشعر الجاهلي ونسبه اليهم من أسباب دينيه وسياسية وانتشار القصص والخرافات واحتياجها للتطعيم بالشعر ووجود المندسين والشعوبيين علي الاسلام وخلافه من الأسباب المذكورة وفِي الفصل الرابع يسرد دلائل منفصلة عن نحل الشعر الجاهلي من خلال عرض مفصل لأشهر الشعراء الجاهليين سواء اليمانيين كامرؤ القيس او الربيعين كعمرو ابن كلثوم والأعشى وطرفة ابن العبد او المضريين اجداد النبي مثل زهير والنابغة الذبياني …… دعك من الاتهامات الموجهة للكتاب وكاتبه واعمل عقلك في فهم تراثنا القديم بأسلوب علمي بحت لايخلو من حرصنا وحبنا لهويتنا بغرض التنقية من الشوائب والدسائس التي ألحقت به وفِي النهاية تذكر قول العميد ان تاريخ الأدب العربي الحقيقي يبتدئ من القران وفِي ذلك علو ومحبة لا الحاد وزندقة واستشراق
يزيد على كتاب (في الشعر الجاهلي)، مقدمة من ٥٠ صفحة، وملحق في النهاية. في المقدمة يتكلَّم عن طريقة تعليم الآداب في الجامعات والمدارس المصرية، ويُعرِّف الأدب والأصل التاريخي للآداب.
وفي المُلحق يتحدث عن مقاييس التاريخ الأدبي: 1- المقياس السياسي: ينتقد فيه فكرة (الأدب يرتقي مع ازدهار الحياة السياسية ويضعف مع انحلالها) محاولًا إثبات عدم تأثر الأدب وجودته بالأحوال السياسية. 2- المقياس العلمي. 3- المقياس الأدبي. - يحاول وضع قاعدة ومقياس للحكم على صحة الشعر الجاهلي، من خلال اللفظ والمعنى والخصائص الفنية والتاريخية.
- تحدث عن أوس ابن حجر بصفته أستاذ النابغة وزُهير، ولأنهم تأثَّروا بشعره لدرجة تنبَّه لها القدماء وذكر ابن قتيبة، أبياتا لأوس استغلَّاها زهير والنابغة، لفظًا ومعنى أحيانا، واستغلَّا معناها دون لفظها أحيانًا أُخرى، وشكَّك في صحة القصائد المنسوبة إليه.
- تكلم عن شعر زُهير والحطيئة والنابغة وما نُحل فيه، وبحثَ فيه صحة انتساب القصائد لهم، وتكلم عن دوافع النحل لدى الرواة لكلِّ شاعرٍ منهم.
آخر فصلين كانا في تعريف الشعر، وموقف المعاصرين من الشعر العربي. والنثر في العصر الجاهلي، والذي يرفضه للأسباب نفسها التي حملت على نحل الشعر من سياسة ودين وقصص وشعوبية وتكثُّر في الرواية.
لا عجب أن يكون هذا الكتاب من أكثر كتب طه حسين إثارة للجدل في تاريخ الأدب العربي الحديث، فقد اجتمعت فيه الشجاعة النقدية والصرامة المنهجية والبلاغة الفنية.
وأنا أقرأ الكتاب أعجب بقدرة طه حسين على تفكيك المسلّمات، وعلى استخدام المنهج العلمي -الذي يقتنع به- بأسلوب أدبي ساحر لا يخلو من التحدي والجمال معًا.
استمتعت بقراءة الكتاب، خاصة ما حمله من تحليل عميق لمفهوم الأدب واللغة والتاريخ، والفرق بين دراسة الأدب، وبين تأريخ الأدب وتطور المناهج فيه، وكيف عرض مناقشة لأصول الشعر الجاهلي، ومدى الوثوق به، وربط كل ذلك بسياقات معرفية وفكرية أكبر.
طبعا الجدير بالذكر بأن النتيجة التي وصل إليها طه حسين مأخوذة من المستشرق مارجليوث، غير أن طه عرضها بمنهجه، وأضاف فيها ما يميز طرحه ونقله وتهذيبه.. وهو متميز في العرض والطرح بشكل علمي ومنهجي دقيق.
وما إن انتهيت من الكتاب، جمعت ما توفر لدي في مكتبتي في الذين كتبوا ردًا على طه حسين، وقد جعلتهم على هذا الترتيب، نقد الشعر الجاهلي لمحمد فريد وجدي، وتحت راية القرآن للرافعي، واباطيل وأسمار لشاكر ")!
كتاب مثير للجدل للأديب الراحل الدكتور طه حسين دعى فيها الى أتباع الطرق والاساليب التاريخية الصحيحة بإستخدام منهج البحث العلمي فى تقصي أخبار وقصص وشعر العصر الجاهلي وعدم الإعتماد على الرواة والأحاديث والقصص والأساطير فهي لاتفيد يقينا ولاترجيحا فى نقل أخبار الجاهلين واسفارهم والقرآن هو النص العربي القديم الذي يمكن الإعتماد عليه وعلى المؤرخين أن يكونو أمناء وحيادين وأن يبعدوا عن التعصب للوصول الى الحقائق وأن أراء الكثرة فى العلم لاتغني شيء ولابد من التوازن لكشف الحقيقة ولقد أجاد الدكتور طه حسين فى ما كان يسعى إليه رغم مااثاره من جدل وصدمة فى الأوساط الأدبية طه حسين قامة أدبية كبيرة ومدرسة ونموذج للقلم الحر والصادق قلما نجده فى عالم اليوم
قرأت قبله كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) والذي بسببه تعرض طه حسين لحملة كبيرة، أضاف طه حسين لهذا الكتاب فصول وحذف فصول وازداد حجم الكتاب بشكل ملحوظ، أصبح أقل حدة من طبعته الأولى، أحببت تفصيله بين شعر ربيعة وشعر مضر وعقلانيته هنالك، يعاب عليه فقط ارتكازه بشكل أساسي على ابن سلام وأبي عمرو بن العلاء. وتجد أيضا افتتان طه حسين بالغرب والفرنسيين واضح جلي، ورغبة في تطوير الأدب العربي ليوازيهم. شخصياً أنا على يقين بنحل معظم الشعر الجاهلي ولكن رغم ذلك تجدني اقرأه بمتعة كبيرة. وتحقيق الصحيح من المنحول منه أمر أقرب إلى المحال.
طه حسين ينهج منهج الشك لديكارت، فيضع افتراض شكي هو أن بعض الشعر الجاهلي منحول، وليس صحيحًا، في البداية قلت: ما هذا الزعم، لكني وضعتها فرضية، ومع الصفحات وجدت أن لحديثه رجاحة منطقية، ومن المعقول أن ينتحل بعض الشعر، فهل يرقى زعم انتحال بعض الشعر الجاهلي إلى النظرية؟، الكتاب قيم، لاسيما إذا وقعت يدك على بعض الأشعار التي تنقل على أن الجن من قالها، هناك مسوغات يضعها العميد على رجاحة ما ذهب إليه.
مناقشات الكاتب متينة مليئة بالشواهد والمدعمات، نتطلع لمطالعة كتاب آخر للمؤلف.
This entire review has been hidden because of spoilers.