إن البحث في سيرة النسق الثقافي والتاريخ البشري، هو بحث في منظومة المفاهيم والمصطلحات مستقرأة من بطن السرديات حين تحول المجتمعات تاريخها إلى مدونة سردية.
وبجوار حقيقة أن البشر يخلقون سواسية، لا فرق بينهم، نرى أن البشر يجهدون لانتهاك هذه الحقيقة، وتسعى كل أمة لكي تثبت أنها الأفضل والأعلى، يظهر ذلك لدى الأمم والشعوب، كما يظهر لدى الجماعات ولدى فرق مباريات كرة القدم وجمهورها. وهكذا تسعى الجماعات لتحويل ما هو طبيعي وفطري إلى مشروع لإحداث فروق تمييزية وصناعة نسق متعال ومنفصل.
هذا ما أردنا مناقشته في هذه الكتاب، حريصين على التفريق الدقيق بين القبيلة والقبائلية، فمصطلح القبائلية كما نستخدمه هو مصطلح غير محايد، بل هو مفهوم انحيازي، عرقي، يقوم على الإقصاء والتمييز. بينما القبيلة، تعبير محايد، فهي قيمة اجتماعية وثقافية واقتصادية نشأت لضرورة معاشية.
وهكذا هو الأمر في التمييز بين الطائفة والطائفية، والمذهب والمذهبية، كما التمييز بين الشعب كعبارة محايدة وطبيعية، والشعوبية، كمفهوم تمييزي إقصائي.
أكاديمي وناقد أدبي وثقافي سعودي وهو أستاذ النقد والنظرية في جامعة الملك سعود بالرياض، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعتي اكستر بريطانيا، صاحب مشروع في النقد الثقافي وآخر حول المرأة واللغة. حصل على جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج في العلوم الإنسانية، وحصل على جائزة مؤسسة العويس الثقافية في الدراسات النقدية ، عام 1999م وتكريم ( مؤسسة الفكر العربي ) للإبداع النقدي ، أكتوبر 2002 ـ القاهرة .
أولى كتبه كانت دراسة عن خصائص شعر حمزة شحاتة الألسنية، تحت اسم (الخطيئة والتكفير: من البنيوية إلى التشريحية). كان عضوا ثابتا في المماحكات الأدبية التي شهدتها الساحة السعودية، ونادي جدة الأدبي الثقافي تحديدا في فترة الثمانينات بين الحداثيين والتقليديين، لديه كتاب أثار جدلاً يؤرخ للحداثة الثقافية في السعودية تحت اسم (حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية). يعد من الأصوات الأخلاقية في المشهد السعودي الثقافي، ويترواح خصومه من تقليديين كعوض القرني إلى حداثيين كسعد البازعي وأدونيس. يكتب مقالا نقديا في صحيفة الرياض منذ الثمانيات، وعمل نائبا للرئيس في النادي الأدبي والثقافي بجدة، حيث أسهم في صياغة المشروع الثقافي للنادي في المحاضرات والندوات والمؤتمرات ونشر الكتب والدوريات المتخصصة والترجمة.
يجب بداية أن أؤكد أن هذا بحث غير مسبوق في مسرح الثقافة الخليجية، وأرفع القبعة للناقد عبدالله الغذامي على تناول هذا الموضوع بالنقد والتحليل. والكتاب باختصار شديد يناقش مسألة انبعاث العرقيات والطائفيات وكافة أنواع الأصوليات كإحدى السمات المميزة لمرحلة ما بعد الحداثة (وإن كان تركيزه الأساسي على القبلية والقبائلية كما يوحي العنوان).
يحسب للغذامي في كتابه أنه يتكئ على آراء منظرين عالميين كبار، ويدعم معظم آراءه باقتباسات/قبسات من نظريات علمية رصينة. ولكن من يقرأ الفصل الأول من الكتاب سيصاب بالملل من طريقة الغذامي في الاستدلال بكتاب "السلطة والفرد" لبرتراند راسل. فعوضا عن تلخيص أفكاره واستخدامها حسب الحاجة، يقوم بنقل مقاطع طويلة من الكتاب ثم يعقب عليها بشرح موجز ومقتضب.
أفضل فصول الكتاب كان ذلك الفصل الذي تناول فيه الغذامي موقف الإسلام من القبيلة، واستفاض في شرح الآية الكريمة: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وبين تعنت المفسرين ونسقيتهم في تأويل الآية لتلائم ذهنياتهم الثقافية آنذاك. لكن، كنت أتمنى من الغذامي –لكي يكون بحثه أكثر شمولية- أن يتناول بالنقد كذلك مفهوم أهل البيت والنقاء العرقي المفترض لسلالة الهواشم بما أنه يهدم فكرة تفاوت الأصول وتمايزها من الأساس (وهو كما وضح في الكتاب رأي الداروينية الحديثة).
أما أسوأ فصول الكتاب، فهو فصل (عودة القبلية) الذي كان يفترض أن يكون أهم الفصول لأنه مدار البحث. ولكن الأسباب التي قدمها الغذامي لتفسير عودة القبليات أو الهويات الأصولية في عصر ما بعد الحداثة واهية جدا، وفي أحسن الأحوال يمكن اعتبارها ثانوية. يفترض الغذامي مثلا أن فقدان الأمل في السياسيين اضطر الناس للجوء للقبيلة وغيرها من التكوينات العرقية أو الدينية (كالطائفة واللون .. إلخ). مع أن الواقع يثبت أن هذه الأصوليات جميعها يبعثها من مرقدها –في كثير من الأحيان- سياسيون وقادة خدمة لمصالحهم! أما ما ذكره الغذامي من أن التلفزيون والإنترنت كانا وراء إحياء القبلية وأخواتها لأنهما وضعا الإنسان في قلب ما يحدث في العالم من حروب وأمراض ومجاعات .. إلخ فهو سبب –حتى وإن صح- لا يمكن اعتباره بهذه الدرجة من الأهمية التي قدمها به الغذامي!
بالإضافة إلى ذلك فالغذامي أسرف في تكرار بعض التعاريف والمصطلحات، مثل الفرق بين القبيلة والقبائلية (أحصيته في أكثر من خمسة مواضع)، والنسق والثقافة النسقية دون أن يشرحها لمن لم يسبق له قراءة كتب الغذامي التي تدور جميعها حول ثقافة النسق أصلا.
يبدو أني وقعت في غرام كتب الدكتور الغذامي فهذا الكتاب السادس الذي أقرؤه له ، يعجبني الأسلوب الرصين والمنهج العلمي الذي يطبع كتاباته. موضوع هذا الكتاب مهم جدا في بلد تسيطر عليه القبلية وهو يشرح مفهوم القبائلية وهو المعنى السلبي للقبيلة أما القبيلة بذاتها فلا تشكل معنى سلبي لأنها طبيعة وثقافة أما القبائلية تقابلها الطائفية بعكس الطائفة التي تقابل القبيلة ، والقبائلية هي الافتخار وتقليل الآخر والنظر للآخرين من خلال ثنائية (نحن/هم) أي نحن من يمتلك الصفات الرائعة والتميز وهم أي الآخرين من غير القبيلة يمثلون العكس. الكتاب لك يكن كله يحلل معنى القبيلة وأسباب القبائلية بالمعنى الضيق بل توسع لتصنيفات أوسع مثل الشعب والدولة والعائلة والطبقة الاجتماعية والثقافية والمهنية وغيرها. يستحق 5 نجمات لولا بعض التكرار ، يستحق 4 نجمات ونصف :)
كتاب قيم ... يؤسس لمفهوم القبيلة وتطورها وعلاقتها بماهية الهوية ... يثير الكتاب أيضاً الكثير من النقاط التي تتطرق لعلاقة الهوية بالإيدولوجيا وكيفية تفاعلهما و الناتج المتوقع عن مثل هكذا تفاعل.
وربما من أهم النقاط التي تناولها الكتاب هي مكانة القبيلة أو القبائلية ضمن النسق الثقافي العام ... وكلمة نسق هي كلمة أثيرة للدكتور الغذامي ويستخدمها بكثرة ... وقد استمتعت كثيراً بالأسئلة والإجابات التي ناقشها الكتاب في هذا الخصوص وبالأخص في الجزء الأخير من الكتاب
ملاحظتي الوحيدة على الكتاب هي حجمه ... أعتقد بأن الأفكار الرئيسية التي تناولها الكتاب كان من الممكن تناولها باختصار أكثر ... في بعض لحظات القراءة شعرت بأن هناك تكراراً لنقاط نوقشت قبلاً وهكذا ...
الخلاصة بأنه كتاب يستحق القراءة ... وبالأخص في المجتمعات التي تمثل فيها القبائلية قيمة ثقافية مهمة في النسق الثقافي العام ... سأتوقف هنا فيبدو بأني قد تأثرت بأسلوب الدكتور الغذامي في اختيار الألفاظ!
هذا الرجل عبقريّ و السنوات التي لم أقرأ فيها له خسارة وهذا الكتاب مرادف في "ثُمنِهِ" لـ"حياة في الإدارة" ومن أسعد ما حدث لي في 2012 - في ما يخص القراءة - أنني قرأته! وشكرا
هذا الكتاب من النوع الذي يجب على الجميع قراءته ليس لزيادة الرصيد في المخزون الثقافي ولكن للفهم إنه واحد من تلك الكتب التي تستقرأ واقعك خلالها وبالتالي تفهمه وبالتالي - اظن!- نصبح أكثر قوة أو -على الأقل- أقل هشاشة . عبدالله الغذامي صرت متأكدة من إعجابي بإصداراته وأسلوبه في النقد الثقافي والاجتماعي وكيفية ربطه أو بالأحرى توضيح الرابط مع الأدب ، لم يكن مجرّد إعجاب الـ"دهشة الأولى".
الفصل الأول :هويات ما بعد الحداثة يتحدث الغذامي في هذا الفصل بشكل مصطلحي، وكيف أن مصطلح ما بعد الحداثة مثله مثل غيره في مظاهره وإفرزاته بما انه تغير نوعي على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة, ويتوجه على مصطلحات مثل: الحسب والنسب، والعرقية، وذلك في سياق بيانه لمصطلح:(العرقية), كما تناول ايضاً مسألة الهوية وما بعد الحداثة، وخلص إلى القول:إن الهويات هي منتوج ثقافي يحضر اليوم بقوة كإحدى سمات مرحلة (ما بعد الحداثة) وهي ردة فعل على إخفاقات وعود (الحداثة) التي كانت تعد بالعقلانية والليبرالية والعلموية مع تبشير مثالي بالحرية و الإنعتاق الذاتي والجمعي، ولكنها وعود تبخرت مع نيران الحروب العرقية والدينية وانتشار الأوبئة بالأمراض والتلوث والجشع المالي .
ثم في نهاية الفصل يتناول مفهوم الجماعة كـَ صانع للهوية صانع للهوية صيغ عديدة تتكون منها الفئات كمادة للتبويب وفرز الانتماءات,ولقد صممها بعض الباحثين حسب الجدول التالي :
أ:عرقية: تتكون العرقية من التاريخ المشترك ,وسلالة النسب,وأنظمة الاعتقاد,والممارسات ,واللغة والدين, وكل ماهو مشتركات ثقافية . ب:العنصرية: تتكون من العناصر البيولوجية الوراثية (المصطنعة)إي المكون الاعتباطي.وهنا نشير إلى تفريق مصطلحي بين العرقية والعنصرية في أن العرقية تقوم على رسم حدود ثقافية تفصل بين الفئات, أما العنصرية فتسعى إلى رسم حدود مادية حسية . ج:قومية: تقوم على التاريخ المشترك,والسلالة,وأنظمة الاعتقاد,والممارسات,واللغة والدين,في حال ربط هذه الصفات ربطاً رسميا بدولة قوميه,أي إن الباحث يميز بين العرقية والقومية في الربط بالدولة أو عدمه ,وإلا فهما عنده على مكونات متماثلة . د: الجنوسية: تتكون من نوعية النظر إلى المكونات الاجتماعية حسب ثنائية التذكير والتأنيث . هـ:الطبقية الاجتماعية: تتكون على أساس مستوى الدخل والمهنة,ومستوى التعليم ,والسلوك العام بما إنه أحد رمزيات الشخص وطريقة تقدمية لنفسه أو لنفسها . و:اللغوية: هي نوع من التبويت الثقافي يحدث عبر علاقة المرء بين شيئين متحركين هما:تصور المرء لذاته من وجهة وتصوره لوسائل الاتصال المختلفة ,بداية من اللغة إلى اللهجة أو اللكنة الاجتماعية .
الفصل الثاني:الإسلام والقبيلة يبدأ الفصل الثاني بحديث شريف يقول (سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت:يارسول الله ,أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال لا ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم). ثم تناول الدكتور موقف الإسلام من القبيلة، ومحو الفوارق القبلية، على أساس أن الله خلق الناس سواسية ويستدل بالآية الكريمة:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) _سورة الحجرات وكيف إن الايه تشير إلى أربعة عناصر وهي:1-الناس 2-شعوباً وقبائل 3- التعارف 4-الأكرم
وان سبب توزيع الله الناس إلى شعوب وقبائل إنما الغرض منه التعارف أي بنا نظام من العلاقات الاجتماعية تقيم أواصر العيش بناء على معرفة كل فرد بجنسه التعارف، والتقوى و الأكرم هما السمات الجوهرية في موقف الإسلام من الشعوب والقبائل .
ثم يشير إلى الايه الكريمة(أكرمكم عند الله أتقاكم) وكيف أنها تؤسس لنظام أخلاقي واجتماعي مثالي يعطي القيمة للفرد بما انه فرد صالح وإيجابي وبناء إن المبدأ على التعارف وليس للمفاضلة حيث كلها شروط حياتية فطرية وكلية
إذ يقول الدكتور إن إي تكوين بشري هو تكوين عرفي/تعارفي,يختزن منظومة رمزية له ويحس بالانتماء إليها, وهذه سمة يشترك بها كل البشر-كل البشر -وهادا هو المعنى العميق للأيه بنصها الدقيقة (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
الفصل الثالث:المستعرب في هذا الفصل يتطرق إلى مصطلح:العرب العاربة والعرب المستعربة .على حسب تقسيم ابن خلدون للعرب يقول لقد دخل العرب في تحولات تاريخية أثرت على البنية القبلية للمجتمع العربي، مما دعا إلى إيجاد مصطلحات جديدة تعبر عن هذا التحول، كالعرب العاربة والعرب المستعربة والاستعراب هو معنى ثقافي وتاريخ بما إنه تمازج حضاري بنيوي,وهو شرط واقعي لأن الصفاء العرقي التام أمر غير ممكن,والعلم الحديث يكشف أن التزاوج المغلق ينتج عنه نقص في كفاءة الخلايا ويقلص حيوية الخلية وقد يفضي إلى فنائها لو أستمر بشكل مغلق. وإن زواج إسماعيل عليه السلام من جرهم أدى إلى ظهور المستعربة الأوائل فإن دخول أمم عديدة في الإسلام ونطقها باللسان العربي قد وسع دائرة المستعربة بصورة ضخمة حتى إن العرب العاربة باتوا لا يمثلون الأغلبية بين العرب في حين صارت اللغة هي فحوى العروبة وليس الانتماء إلى قبيلة ما.
الفصل الرابع :ثقافة القبيلة القبيلة هي نظام اجتماعي يقوم على أساس ثقافي وسلوكي وأمني واقتصادي واضح المعالم,وتنشأ فيه التحالفات الداخلية والخارجية بناء على مصالح جوهرية وبناء على حقوق ثقافية وإنسانية إضافة إلى الجانب ألمصلحي الأكيد . والقبيلة هي ضرورة معاشيه ومصلحيه وهي دولة لمن لا دولة له ,ويوضح أيضاً إن مجرد قيام الدولة لا يلغي كيان القبيلة والنظام القبلي الداخلي والاحتماء بها ، فالدولة كيان رخو في طبيعته, أي أنه يتشكل بطرائق عديدة تتوافق مع طبيعة المجتمع الذي تقوم فيه .
الفصل الخامس :إعادة اكتشاف القبيلة في هذا الفصل يطرح الغذامي عدة اسئله منها:كيف يعود الناس إلى القبائلية في زمن كثر فيه التعليم من جهة، وصارت فيه الصحوة الدينية من جهة ثانية، وهو زمن يسمى بزمن الحداثة وما بعد الحداثة، وهو زمن العلم والحريات العقلانية وزمن الانفتاح الإعلامي المهول؟ وكيف يعودون إلى الطائفية والعرقية والعنصرية الثقافية بكل أنواعها؟ ثم يجيب عنها بإسهاب !
الفصل السادس :الأصول أن البشر في كل مكان وزمان يولدون محملين بقدرات متماثلة أي أن الخصائص البشرية كونية وعمومية,من دون فروق وراثية أو عرقية ,وأن الفرق تحدث بناء على ما يمر عليهم من ظروف وتحديات وعلى نوعية استجاباتهم الفردية أو الجماعية لما واجههم,أي أن المزايا ليست وراثية ولا عرقية. وهاذا قول يسهل تصديقه عقلياً ومنطقياً ,غير أن الثقافات-كل الثقافات-تقول عكس ذالك,وتقول إن البشر غير متساوين من حيث الخصائص الوراثية العرقية ,وابتكرت الثقافة مقولة (الأصل)هي خاصية وراثية افتراضية تجعل المرء يؤمن بأن له مورثاً يختلف به عن غيره,وأن موروثة ذو خصائص تميزه وترتقي به ,وصارت كلمة الأصول عقيدة ثقافية وصارمة الدلالة.
بعد أن أخفقت مشاريع الحداثة ، في تحرير البشر و تحسين أوضاعهم السياسية ، الاقتصادية ، والمعاشية ، تشهد هذه الأزمنة عودة الهويات الأصولية كردة فعل ، ذات أصل نسقي ما إن يمر بلحظات كمون حتى يعود ..
متخذاّ من " القبائلية " محوراً تدور حوله هذه الدراسة ..
- يميز الدكتور الغذامي في كتابه بين مصطلح القبيله ومصطلح القبائليه كهوية تندرج تحت ما يسمى بالعصبيات الهوياتية.
- الكتاب يتكون من ستة فصول، الفصول الاربعه الاولى سرد تاريخي لأصل بدايات القبيله وقصص تتعلق بالحياه القبلية
- الموضوع الرئيسي للكتاب وتساؤلاتة سنجدها في الفصل الخامس، سنجد فيه حديثا عن ما يسميه الدكتور الغذامي بمصطلح القبائليه، والسؤال الملح الذي يُطرح في هذا الفصل، كيف يعود الناس للهويات القبائليه و نحن في زمن ما بعد الحداثه؟ والاجابة على هذا السؤال في تصور الغذامي، ان الهويات القبائليه ما هي الا منتوج ثقافي يحضر اليوم بقوة بسبب إخفاقات وعود ما بعد الحداثة التي كانت تعد البشر بالعقلانية والليبرالية والعلموية.
- ايضا ينسحب كل ما طرحه الغذامي من تسائل عن نزعة القبائلية، ينسحب ذلك على النزوع الى الطائفيه والعرقيه والعنصريه الثقافيه في المجتمعات كسمة باتت واضحه لحقبه ما بعد الحداثه.
الكتاب جيد كطرح جديد يرصد اسباب عوده العصبيات الهوياتيه بكافه اشكالها ومنها بطبيعة الحال العصبيات القبائليه التي يركز عليها الدكتور الغذامي في الفصل الخامس من الكتاب.
أن الهويات هي منتوج ثقافي يحضر اليوم بقوة كإحدى سمات مرحلة (ما بعد الحداثة) وهي ردة فعل على إخفاقات وعود (الحداثة) التي كانت تعد بالعقلانية والليبرالية والعلموية مع تبشير مثالي بالحرية و الإنعتاق الذاتي والجمعي، ولكنها وعود تبخرت مع نيران الحروب العرقية والدينية وانتشار الأوبئة بالأمراض والتلوث والجشع المالي .
بدأ الكتاب بالحديث عن مفهوم القبائلية والقبيلة , من حيث تعريفها وعن تطور المصطلح و سماته التي تشبه مصطلحات أخرى ظهرت بعد الحداثة, وعن حاجة الفرد للانتماء. وعودة القبائلية -بعد الحداثة- هو لحاجة الإنسان للانتماء والأمان وأن الضمان الوحيد هو القبيلة التي قد تختلف مفهومها من قارة لأخرى مؤكدا أن التعصب موجود في كل زمان ومكان وأن الشعب والدولة والأسرة والعرق والمذهب قد تتحول لمصطلحات سلبية إذا ما اقترنت بالإحساس بالعلو عن بقية الناس والأفضلية لتتحول من مفاهيم ايجابية إلى السلبية. مرحلة مابعد الحداثة في نظر الغذامي لم تضيف شيئا للطبع المتأصل بالإنسان إلا أنها كشفت أن الوعود بروابط أكبر وأعمق من القبيلة لم تكن سوى وعودا خيالية إذ عاد الإنسان للقبيلة ليشعر بالأمان في ظل الحروب والروابط التي وجدها هشة وغير مضمونة, وعادت الشعوب الأخرى التي حاولت أن تكون نموذجا للعدالة والقضاء على التفاضل لتكوّن مفاهيم أخرى يعود لها الإنسان ليتحزب داخلها ويدافع عنها, منها ما هو جديد وليد المرحلة ومنها ما هو قديم –في مرحلة سبات- ليعود للواجهة ويشكل انتماءات يحتمي خلفها الإنسان الذي صدم من ضبابية وعود الحرية والعدالة. الغذامي يشير إلى عدة عوامل ساعدت في العودة إلى التحيزات القبلية الدينية العرقية إلخ .. وأن حتى الدول التي خرجت بوعود مثل أمريكا لم تستطع أن تنتزع الإنسان من بحثه عن الأمان, عني لم أفهم أين هي الحداثة وكل ما شرحه الغذامي هو عبارة عن سمات طبيعية في الإنسان تتكرر على مر العصور, كيف يقول بأنها عادت!!؟ هل اختفت أصلا؟, أو السؤال الأصح هو ماذا أضافت الحداثة أو ما بعدها لكل ما ذكر أعلاه؟, لازال الإنسان يتفوق ليخلق قوانين أو مراحل للأفضلية ويضع نفسه على أعلى الهرم ليعود يبني هرما أعلى منه وهكذا. أعجبتني ملاحظة قرأتها لماذا يتحدث الغذامي عن النسق بسلبية؟ ,, وحتى من خلال تويتر يقول بأنه نسقي وأن لا أحد يستطيع الخروج من دائرة النسقية – كما فهمت منه- !, لأن تعريفه للنسق -كما فهمته أيضا- حتى لو خرج عنه أي مفكر سيبدأ بنسق خاص به إذا النسق هو مجرد تعريف أو وصف لماذا ينظر له بسلبية؟. الكثير في الكتاب وهناك نقاط كثيرة خطرت في بالي وقت قراءته لكن لم أجد الوقت لتدوينها والآن أجدها تبخرت, أعتقد أن ماكتب أعلاه أفضل ما أستطيع تذكره.. وأتوقع ان لي عودة يوما ما لتصفح الكتاب بشكل سريع والكتابة عنه بشكل أفضل. نقطة أخيرة.. الكتاب جميل ويثير التساؤلات والتفكير وهذا برأيي مهم جدا ولا يستطيعه أي مفكر, ما يعيبه هو التكرار والشرح الطويل, وقد وجدت أن أغلب من تحدث عن الكتاب ذكر نقطة التكرار كعيب فيه.
عبارةٌ عن مجموعةِ مقالات ضمها الغذامي في كتابٍ، في بحث ركزَ في حق القبيلةِ كحق فطري أساسي وبين باطلِ القبائلية كأمر تكتنفهُ عنصريةُ الهوية ورؤيةٌ نرجسيةٌ للذاتِ، وتشعبَ من هذا المبحثِ مباحثٌ متصلةٌ بهما تناولتْ ثقافةَ القبيلةِ، والقبائلية والإسلام، الغذامي يرى في كتابِه هذا أن الحداثةَ فشلت في تحييدِ الناس للقبائليةِ لتشكل هذه إحدى سماتِ ما بعدَ الحداثةِ. ملاحظتي هو التكلفُ في رمزيةِ النصوصِ، وفي استنطاقها ما لم تقلهْ أو تعبرُ عنه من قريبٍ بل يغورُ فيها بعيدا هذا الأمر من جانبٍ آخر قد يراه البعضُ ميزةً، ومعَ هذا يبقى الغذامي من الكتاب الجادين الذين أحبُّ أن أقرأَ لهم وأستمتعُ في ذلك
كتاب جميل رغم اني قرائته على فترات متباعدة ،، من الكتب التي اظن اني سأ��اود قرائتها يوما ما :) د. عبدالله الغذامي معروف و ناقش الكتاب في راي بموضوعية ! رغم ان هناك تساؤلات لازلت تدور في راسي قد اجد اجابتها في الجزء الثاني <3
لكي لا أظلم الكتاب.. استفدت منه كثيرا و شدني في بدايته,لكن ما أن انتصفت فيه حتى قتلني الملل و التكرار, لم يوفق الكاتب في كثير من قياساته و إسقاطاته التي ضيقت الواسع و قيدت المطلق.. احترامي للكاتب و كتابه.. ولن يعدم الفائدة قارئ..
كتاب ممتاز جداً انصح الجميع بقرأته تعلمت منه الكثير عن العنصرية و عن تاريخ الهويات ونشوء القبائل و الحسب و النسب .... اتمنى ان يطلع الناس على هذا الكتاب و يتعلموا منه ان البشر سواسية و يرجعون لام واحده و اب واحد و تجمعهم الانسانيه و لا يختلفون في شئ ابدا !
المميز في الكتاب ليس فقط تشريحه لمفهوم القبيلة والقبائلية كما يظهر في العنوان وإنما تشريحه لحال المجتمعات المدنية الحالية التي تعود بفطرتها لتشكيل تجمعات تشبهها على غرار القبيلة وهذاماحدث في مرحلة مابعد الحداثة وسقوط أحلام الطبقة المتوسطة وماجاءت به من وعود
ما أحبه في كتب الغذّامي هو الشعور الذي تولده. و بالنسبة لي هذه من خصائص الكتاب المؤثر. كتاب تقرأه و لا تعود أنت أنت. فألف سؤال يطرح و تساؤلات في ذهنك تتشكل. كتب الدكتور الغذّامي كتب تجبرك على أن تخضع واقعك و محيطك للنقد و تستمر في السؤال لماذا؟
الفصل الاول، هويات ما بعد الحداثة: يفتتح الكتاب بمقولة " من أكثر السمات الراهنة هو البروز القوي للعرقيات و الطائفيات و المذهبيات و منها القبائلية و هي تمثل عودة للهويات الاصولية" و يعزو المؤلف هذا الى عدة أسباب منها الخوف من نضوب الموارد نتيجة الحروب و المجاعات الذي نشره الإعلام، انكماش الطبقة الوسطى، انهيار المشروع "التعليمي"، الثقافة نفسها. ثلاثية المجد و السلطة و التنافس هي من النوازع البشرية كما قال راسل و هي ما تبنى عليه الامم و يضرب المؤلف مثلا على هذا بالحلم الأمريكي حاليا و العرب سابقاً. إن للهوية و الثقافة دورا هائلا في نشر و قبل ذلك تكوين الانتماءات و تشكل المجموعات العرقية و ايضا تظل للحكايات و الملاحم و الأساطير القديمة دور في ظهور مثل هذه الانتماءات حينما يحدث انتكاس و تراجع في المستوى الثقافي و هو ما حدث إبان ظهور ما بعد الحداثة و ما رافقها من استقواء المهمشين مثل النسوية، و غيرها من الهويات كنتيجة لعدم تحقق قيم الحداثة. فالهند مثالا انقسمت الى ثلاث دول و خمس ديانات و عشرات اللغات رغم ان العرق واحد، و راسل ذكر أن المعتقد الديني يغلب أحيانا حيث الكاثوليك في بريطانيا يحملون الولاء لإسبانيا و بالمثل البروستانت في فرنسا يميلون الى بريطانيا! و كذلك اللون في أمريكا هو سبب الصراع. لعب صعود العولمة الدور الأكبر لعودة صراع الهويات للسطح و لواجهة المناقشات بعد فترات من الكمون حيث اتاحت العولمة مختلف الادوات و الوسائل للجميع.
الفصل الثاني، الإسلام و القبيلة: لم يعارض الإسلام القبيلة كعنصر في بناء المجتمع و لكنه نهى عن العصبية أو ما يقول عنه المؤلف القبائلية و هو ما يستدعي الى الذهن مفردات اخرى كالشعبوية و المذهبية و الطائفية حيث انها تستدعي صورا سلبية بينما الشعب، المذهب، الطائفة لا تستجلب الى الذهن دوما السلبية بل هي أشياء محايدة.(اشار المؤلف لهذا الأمر من بداية الكتاب) و يشير الغذامي الى ان القبيلة سؤال أخلاقي يقع بين ما هو ثقافي و تاريخي و بين محاولة جعلها أمراً يتفاضل فيه الناس عرقيا و عنصريا. أما في السنة فتشكل ثلاثية الحسب(و لا حسب كحسن الخلق رواه ابن ماجه) و العقل و الورع أسس لمنع النفس من الاعتداء و لحسن الخلق. "إن المعنى القبائلي عميق في الثقافة العربية مثله مثل عمق العرقية الفارسية في الفرس و الذاكرة التاريخية لدى الهنود و المعنى الآري أو الإغريقي لدى الأوربيين" لذا لابد من جعل ميزان التقوى الميزان الذي يحتكم إليه كما جاء في سورة الحجرات.
الفصل الثالث، المستعرب: قسم ابن خلدون العرب الى اربعة أقسام العاربة، المستعربة، التابعة للعرب، المستعجمة و ظهور الاسلام وسع من رقعة العرب و من انضم تحت لواءهم، و أصبحت اللغة العربية عوضا عن القبيلة هي معيار الاستعراب نتيجة انفتاح المجال الجغرافي. إن مفاهيم الهوية و العرق و القبيلة حينما تجنح الى الحروب الثقافية تولد تمجيدا للذات بصورة ملاحم و قصص ذات مسحة أسطورية و هو أمر شائع يدفع الغالب للإستعلاء هذا وارد في "أيام العرب، شهنامة الفرس، ملاحم اليونان، أفلام هوليوود عن رعاة البقر و حروب التأسيس و كذا وثائقيات الحروب العالمية و مسرحيات شكسبير عن الملوك " يلاحظ من وصية الخليفة عمر بن الخطاب ظهور خمس فئات بدلا من القبيلة و هي "المهاجرون، الانصار، اهل الامصار، الأعراب، أهل الذمة" فالأمة بهذا لم تعد ترتكز على القبيلة بل أصبحت مكونة من خليط سكاني جديد نتيجة عمليات الهجرة و الفتوحات الاسلامية.
الفصل الرابع، ثقافة القبيلة: الشعر كان يمثل الذاكرة بالنسبة للعرب و كان ثقافتهم التي كانت شفهية و لم تكن ثقافة مكتوبة و ذلك كنتيجة لترحالهم المستمر بينما كانت ابرز خصائص المدنية الاستقرار و البناء و العمران و هو ما انتج ثقافة مكتوبة. يذكر الغذامي أن ابن خلدون نظر تارة للقبيلة بنظرة ايجابية و تارة اخرى سلبية حيث اعتبر البدو أشجع و اقرب الى الخير من اهل الحاضرة و كذا يعتبر اهل الإبل أكثر بداوة من اهل الغنم ثم يعود فيص البدو بالتوحش و النهب و أنهم مفسدة للعمران. وذكر ايضا انهم اوغلوا في القفار أنفة من الضعة و ٧و ما اشار الى استقلالهم. يسهب الغذامي بعد ذلك في شرح ثلاثة أمثلة من الشعر هي لامية الشنفرى و قصيدة للعبدي و أخرى لدريد بن الصمة.
الفصل الخامس، إعادة اكتشاف القبيلة: "كيف يعود الناس للقبائلية في زمن كثر فيه التعليم من جهة و الصحوة الدينية من جهة اخرى و هو زمن يسمى بالحداثة و ما بعد الحداثة و هو زمن العلم و الحريات العقلانية؟" في هذا الفصل إشارة الى أن الخوف من المستقبل و عدم الأمان هو ما جعل البشر يعودون الى الاصولية مثلا في أمريكا عودة المحافظيين سواء التقليديين او الجدد و المسيحية الاصولية بل حتى اليسار تغيرت أفكاره و تراجعوا ليكونوا محافظيين نتيجة عدم تحقيقهم لأهدافهم و كذا في منطقتنا عودة المذهبية و الطائفية و المناطقية و غيرها. يذكر المؤلف انه رغم التعويل الذي لطالما كان على التعليم من أجل النهوض بالأمم إلا انه عند النظر في تاريخ العلم يلاحظ أنه كان سبب التحيزات الكبرى. يشير الغذامي الى الدور الذي لعبته المدارس و انتشار وضع شجرات النسب في عودة الاهتمام بالقبيلة في عصرنا الحاليو هكذا اثرت ثقافة البادية على ثقافة المدنية، و كذا ظهور مهرجانات الإبل و مسابقات الشعر و الإنترنت كلها عززت من الخطاب الشعبوي.
كتاب قد أضاء لي جوانب جديدة في فهمي للهوية والتاريخ. عبد الله الغذامي في هذا الكتاب لم يكن مجرد باحث يشرح مفاهيم، بل كان صوتاً يبحر في عمق العلاقة بين القبيلة والقبائلية، ويكشف كيف تحولت القبيلة من رمزٍ للانتماء والمساندة إلى القبائلية، التي باتت تمثل تمييزاً وإقصاءً.
من اللحظات الأولى التي بدأت فيها قراءة الكتاب، استوقفتني فكرة الغذامي في تمييزه بين "القبيلة" بمعناها الإيجابي الثقافي والاجتماعي، و"القبائلية" كنسخة مشوهة تزرع العنصرية والتمييز. هذا التفريق كان مفتاحاً لفهم الكثير من الظواهر التي نعيشها اليوم، سواء في المجتمعات ��لخليجية أو حتى عالمياً. وهذا ما جعل الكتاب بالنسبة لي ليس فقط رحلة فكرية، بل أيضاً مرآة عكست واقعنا الحالي.
أحد الجوانب التي شدتني كان الطرح العميق لمفهوم الهويات في مرحلة ما بعد الحداثة. فكرة أن الهويات هي نتاج ثقافي ورد فعل لفشل وعود الحداثة، كانت جديدة عليّ، وأضاءت لي جوانب كثيرة كنت أغفل عنها. الغذامي هنا يعيد صياغة الأسئلة القديمة حول الهوية والقبيلة في سياق أكثر حداثة، ويطرح كيف أن القبائلية عادت لتسيطر في مجتمعات يفترض أنها قطعت شوطاً نحو التحرر العقلي.
لكن، ومع كل هذا الإعجاب، لا أخفي أنني شعرت ببعض التكرار في الأفكار، خاصة عندما يعيد التأكيد على الفرق بين القبيلة والقبائلية في كل فصل تقريباً. ربما كان يمكن اختصار بعض الفصول، ولكن هذا لم ينتقص كثيراً من قيمة الكتاب، فهو يظل مرجعاً هاماً لأي شخص مهتم بفهم تأثير الهويات والقبائلية في مجتمعاتنا.
قرأت الكتاب في الثالث من أغسطس 2020، وأجريت التدقيق اللغوي في الثالث والعشرين من سبتمبر 2024.
الحسب والنسب المترادفات التي دخلت الإطار الفكري وأصبحت لا تدل على حسبًا ولا نسبًا ، حتى وإن كان لابد لكل فرد في الكون من أن يكون له أم وأب وأجداد فإن الحسب والنسب لا يشمله إذا كان غير معلوم النسب (يعني جده الخامس أو السابع) ولا حسب من توريث مآثر الشجاعة والكرم إلخ. الهويات كما قال الغذامي هي منتوج ثقافي يشكله الزمان والمكان ، وهي وليدة لإخفاقات وعود الحداثة في إنجاحها ، تعددت الهويات وأصبحت في صور كثيرة ، الحلم الأمريكي في أمريكا ، العرق الآري في أوروبا ، والقبيلة والحسب والنسب عند العرب وغيرهم. لاشك بأن القبيلة قيمة ثقافية وانتمائية للفرد وهي شي طبيعي ، تقابل القبيلة / القبائلية كما تقابل العنصر / العنصرية والكثير من المفردات التي تشكل جانبين، جانب إيجابي طبيعي وجانب سلبي. للزمن قدرة عجيبة جدًا على ترسيخ أفكار ومعتقدات تؤخذ على أنها بعد مدة مبادئ لا خلاف عليها ولا نقاش فيها ، كما في حال القبائلية فهي في آخر المطاف نسق لاذ الفرد بها نتيجة لما يتردد في العالم عن الحوادث الكونية والمشاكل التي ستحدث بعد ١٠٠ عام ، فما كان منه إلا أنه قرر التجمّع في دوائر بشرية يحمون بعضهم من أي شي. مواضع البحث في الكتاب كانت كثيرة وغنية بالمعرفة.
كمية التشتت عند الكاتب وعدم معرفته هو نفسه قبلنا نحن القراء فيما يريد إيصاله في هذا الكتاب شيء فوق طاقتي صراحة، لذلك شعرت بالاستفزاز حين تأكد لي التشتت باستمرار أثناء قراءتي!!! الكتاب يحتوي على ستة فصول نصفها تقريبا لا أنكر أنها مكتوبة بشكل جيد إلى ممتاز إذا تم تقييمها كأبحاث مستقلة وللأسف تكون غير متعلقة بشكل كبير جداً عن الفصول التي تسبقها وتلحقها، وبعض الفصول رديئة جداً ومجرد تجميع لآراء والربط بينها مع استنتاجات لا تخلو من غرابة واختزالية أحياناً. ولأجمل القول، لعلي أذكر عنوانين الفصول ليتبين حجم التيه الذي واجهته أثناء القراءة (للأسف الكاتب فيما يبدو كتب كل ما يمكنه كتابته عن القبيلة والقبائلية ووضعها في مباحث متفرقة على شكل فصول، وان كان الفصل الأول والفصلان الأخيران مرتبطان بشكل كبير ولكن التكرار فيهما كثير جدا لذات الأفكار) ١- هويات ما بعد الحداثة (فهمه للحداثة وما بعد الحداثة وتأثيرها على الهويات أضاف اي الكثير، وربما يجعلني أقيم الكتاب بسببه ل٢.٥/٥) ٢- الإسلام والقبيلة!!!!!!!!!! ٣- المستعرب ٤- ثقافة القبيلة (هنا فجأة قرر الكاتب الاستطراد في بعض التقاليد لدى القبائل العربية!!!!!) ٥- إعادة اكتشاف القبيلة ٦- الأصول
يناقش الكتاب تطور مفهوم القبيلة نحو القبائيلية، إذ أنهما مختلفان في المعنى تماماً كعنصر وعنصرية، طائفة وطائفية. فالقبيلة موجودة منذ بدء الإنسان، فكانت رمزاً للانتماء والدعم و وسيلة للتوسع والانتشار.. كان ذلك حتى عهد قريب. القبائلية ذات دلالات سلبية، فهي تعني التمييز، والعزل لأسباب عدّة، يراها القبائلي امتيازات تجعله في مقام أو مكانه أعلى وأفضل من غيره. يطرح أيضاً إلى جانب المفهوم الاصطلاحي، مفهوم القبائلية عبر التاريخ وحاجة الإنسان للانتماء والتكتل في جماعات كالنقابات، والصالونات والأندية.. كما حدث في الهند وبنغلاديش وثورة السود في أمريكا وغيرها.. الكتاب يتدرج في العمق والشرح، تكررت بعض المعلومات كثيراً وبشكل ممل (كتأكيده على الفرق بين القبيلة والقبائلية في كل فصل تقريباً) ، لا يمنع أن الكتاب جيد جداً و طرحه مبسط و قيّم للمهتمين.. يناسب شريحة كبيرة من القراء.
كعادنه الدكتور عبدالله بحسه النقدي والمتجرد والمحايد والمنصف أيضا يكتب صفحات الكتاب في قراءة الأنساق وكيف تكونت ومن أين جاءت. القبيلة القبائلية كتاب تقرأ فيه كأنك تقرا نفسك فهو يتحدث عن القبيلة بمفهومها وكيف تحولت الى قبائلية . في زمن مابعد الحداثة وكيف عادت الشعب والافراد الى مرجعياتهم وكيف ان البشر كل البشر لديهم عنصرياتهم وانساقهم بشكل أو بآخر. زاد أعجابي كثيرا بالدكتور عبدالله وأحب قلمه وعقله دائما ما يبهرنا بكتبه .
قراءة رائعة للدكتور عبدالله عن دور القبيلة في عصور الحداثة ودورها في عصر بعد الحداثة ودور المتغيرات الاجتماعية والسياسية في عصر مابعد الحداثة في صعود القبائلية في رد فعل على غروب شمس القبيلة في دورها التقليدي في الماضي.. وحديث رائع عن دور النسق والنسقية في المجتمع والذي يطغى عن أدوار أخرى مثل الدين والثقافة في المجتمع