What do you think?
Rate this book


402 pages, Paperback
First published January 1, 1998
هذا هو رأي د. فراس السواح في مقولة ماركس و الحق أقول أني أثق في فهم لينين و تطبيقه للمقولة أكثر و هو التلميذ النجيب للفكر الماركسي فالمقولة لا تحتمل اللبس و مقصدها اقصاء الدين من القلوب لا من المنابر و الحكومات فقط.و رغم انفصال السلطة السياسية عن السلطة الروحية بعد ذلك فإن المؤسسة الدينية حافظت بشكل أو أخر على طابعها السياسي و غلب هذا الطابع على علاقتها بالسلطة الزمنية. فطالما حافظ النظام السياسي على قوته بقيت المؤسسة الدينية ضمن الحدود التي رسمها لها و قدمت له الخدمات المطلوبة. فإذا تضعضع النظام السياسي بغت عليه المؤسسة الدينية و جعلت منه مطية لها تحكم من ورائه و هنا يمكن أن نذكر بالمثال الذي يعرفه الجميع عن نفوذ الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى و مطلع العصور الحديثة و عن سلطان البابوات على ملوك أوروبا.
يقسم فراس السواح عناصر الدين إلى أساسية و هي العقيدة و الطقوس و الإسطورة أما العناصر الثانوية فهي الأخلاق و التشريع و هذا هو خلافي الثاني معه فالأخلاق تأتي أولا و ربما قبل المعتقد من الوجهة التطورية أما من الوجهة البنائية فتأتي في المركز الثاني مع المعتقد و ربما يكتفى بهما الدين فلا بأس من عدم وجود شعائر أو طقوس أو أساطير. المحتوى الأخلاقي هو غرض الدين أصلا و رسالته فكيف يكون منتجا ثانويا أو عنصرا غير أساسيا؟
يبدأ فراس السواح السلم الديني من أوله و لا أعني بذلك البداية التوراتية المعروفة و التي تبدأ بقصة خلق أدم و لكن البداية هنا تاريخية منذ أول ظهور بشري لإنسان ما قبل التاريخ من خلال الحفريات و الأنثروبولوجي و ما يمكن استنتاجه منها و هي استنتاجات واهية جدا و تحتمل الكثير من التأويل و لكنه هنا يطوعها لوجهة نظره ببراعة شديدة و يقص عليك تاريخا دينيا متكاملا لإنسان نياندرتال و كأنهم تركوا لنا تاريخ مكتوب و مفهوم غير قابل للشك.1-تحمل هذه العبادة طابع التجربة الدينية لشخص بعينه و يكون العنصر الفاعل فيها شخصية إنسانية فذة تحاول من خلال حركة ثورية شاملة قلب المفاهيم الدينية لعصرها.
يفرق الكاتب بين نوعين من الأديان و يسمي الأول دين القوم و الثاني هو الأديان الشمولية و التي قال بأنها تبدأ بعبادة تتجاوز حاجز القبيلة و المكان و الزمان و يمكن تعريفها بما يلي:
يضرب لنا عدة أمثلة للأديان الشمولية بـ اخناتون و الآتونية – إيلاجابال و الشمس التي لا تقهر – ماني و المانوية.حين يدرس القارئ نصوص الديانة المصرية تحصل لديه القناعة بأن المصريين قوم كانوا يؤمنون بإله واحد موجود بذاته خالد غير مرئي أبدي قدير لا يحيط به عقل. خالق السماوات و الأرض و العالم الأسفل. خالق النساء و الرجال و الحيوان و الطير و السمك و الزواحف و الزرع و الشجر و الكائنات الروحانية الذين كانوا رسله ينفذون مشيئته و يحققون كلمته و أننا مهما أوغلنا في الزمن إلى الوراء فربما لن نقترب أبدا من زمان كان فيه المصري بدون هذا الإيمان الرائع.
و كان الأجدر به تناول الديانات السماوية الثلاث التي يدين به أغلب منطقتنا و لكنه آثر ألا تكون أراءه فيها مباشرة و اختبأ وراء أقنعة زائفة لديانات لم تتعد عصورا و لا أماكن إلا عبر صفحات التاريخ باستثناء المانوية.
و أخيرا تأتي استنتاجاته اكبر بكثير من مقدماته و بها تحيز كبير للمشرق كصانع للتاريخ و خصوصا سوريا و فلسطين و لم اقتنع بوجهة نظره في كيفية ظهور المعتقد.
يري فريزر ان الدين هو التطور الطبيعي لساحر القبيلة بينما يري الكاتب ان الدين شعور موجود مسبقا و ان لم يقل ذلك صراحة و لكني ارى ان الدين هو تطور للخوف من الظواهر الطبيعية و تملقها و من ثم عبادتها تجنبا للشر او رغبة في الخير و اصبحت الطقوس السحرية بعد ذلك مدمجة في طقوس العبادة للسيطرة على الجموع و اخضاعها و تقريب فئات جديدة للدين و ارهاب الخصوم أحيانا.
الرافد الثاني للدين البدائي هو الأحلام و هي البوابة التي اخترع منها الإنسان القديم الروح التي تنفصل عن المادة و كل الكائنات الروحية غير المنظورة التي دخلت في لب الأساطير الدينية البدائية بعد ذلك و تطورت إلى الكثير من الأديان الوضعية الحديثة. و لكن حتى ذلك الرافد يرفضه فراس و يقول أنه كان نتيجة للدين لا سببا له. أتعبتني يا فراس و الله باستنتاجاتك المعاكسة و اصرارك على وجهة نظر أكثر غموضا و تعقيدا مما اتفق عليه علماء الاجتماع.إن ما يحقق للنفس هذا الانعتاق النهائي هو كدحها في سبيل معرفة الحق و انكشاف البصيرة الداخلية على حقيقة أن هذا العالم المتكثر هو واحد في جوهره و ان كل ما في الوجود هو براهمن. و ذلك على حد التعبير الإسلامي المعروف: لا موجود إلا الله. و هو قول يردده أهل الظاهر و لا يعلمه حق علمه إلا أهل الباطن. فعندما يعلن الحكيم الهندوسي: أنا براهمن. أو يشطح الحلاج صارخا: أنا الحق. و أبو يزيد البسطامي: سبحاني ما أعظم شاني. فإن هذه الكلمات تبدو آخر ما تلعثم به اللسان قبل أن يصمت أمام الكشف و قبل أن تنتشر الاستنارة في كل زاوية من زوايا النفس. هنا تنقشع غشاوة المايا عن البصيرة و لكن لا لكي يري العارف أن الوجود بحد ذاته وهم و سراب و إنما ليرى الحدود و قد انمحت بين الأجزاء و زالت التقسيمات و ذابت الثنائيات .
ملحوظة جديرة بالدراسة هي حديثه عن سوريا القديمة قبل الميلاد بعشرة ألاف سنة و يضرب أمثالا بحفريات عثر عليها في سوريا و فلسطين في تلك الفترة. حقيقة أنا لا أدري هل كان هناك ثمة ما يدعى سوريا في تلك الفترة و هل كانت فلسطين تابعة لها و هل توجد أثار بذلك العمق التاريخي في تلك المناطق؟ حقيقة أنا لا أعلم و السؤال هنا استفهامي بحت لا استنكاري.
في أحد المواضع يذكر استخدام العظام و الجماجم بشكل هندسي معين في جدران المنازل التي يرجع تاريخها لعشرة ألاف سنة قبل الميلاد بفلسطين! هل سكن الإنسان المنازل ذات الجدران في تلك العصور المبكرة؟!
كل ما ذكره حتى منتصف الكتاب لا يثبت نظريته في تجذر الدين في المجتمعات البشرية الطاعنة في الزمن بدون سبب مفهوم فكل ما ذكره هي طقوس لجلب البركة و الرزق و دفع الأرواح الشريرة و تملق الطبيعة و الاستعانة بأرواح الأجداد.
و لا يوجد أي أثر لوجود الدين في المجتمعات البدائية فالدين مرتبط بالزراعة و الاستقرار و السلطة المركزية كأداة للسيطرة على الجموع و ترسيخ مفهوم قانوني معين في صورة محتوى اخلاقي خاضع للرقابة الذاتية للفرد حيث لا يمكن للسلطة مراقبته بصرامة فتوجب اشعار الفرد بأن ثمة قوة خفية تراقبه و هو مسئول أمامها.
انتهى الكتاب الذي بدأ بمقدمة علمية و من ثم بحثا علميا في أصل الدين و منشأه وو دوافعه و انتهى إلى دروشة صوفية عن علاقة الغيبي بالمنظور و محاولة ربط غير العلمي بالعلمي و القفز إلى استنتاجات من الهواء.
أراده في البحث عن أصل الدين لا عن تاريخ الدين فجاء على العكس أجمل ما فيه هو الأجزاء التي تتحدث عن تاريخ الدين عند انسان الكهوف و ديانات الشرق القديم التاوية و البوذية و الزرادشتية و المانوية و الهندوسية و الأتونية و أساطير المصريين و البابليين حتى البحث في التصوف الديني و الدراسات الفيزيائية الحديثة كانا رائعين حقا.
بغض النظر عن رؤيته و استنتاجاته فقد استفدت كثير من الكتاب الذي جمع اشتاتا من الكتب المتفرقة التي قرأتها قبل ذلك و أخذت من كل منها شذرة فجاء فراس السواح ليهديني هذه الباقة الجميلة المتسقة فواحة الرائحة العطرة.
"إن الأديان على قدر اختلافها في عقائدها المعلنة، تتفق ضمنياً في إيمانها بأن وجود الكون هو سر يتطلب التفسير" هربرت سبنسر
ص150: "أختار إنسان الباليوليت الأعلى شارته المقدسة من العالم الحيواني لا ليعبدها بذاتها بل ليستحضر من خلالها قوة العالم الموازي. وتحولت كهوف الدب المتواضعة، التي اتخذها النياندرتال مقامات مقدسة، الى كاتدرائيات نحتتها الطبيعة في الأعماق على حدود أوقياوس الظلمة، واقام فيها الإنسان العاقل نقاط تواصل مع المجال الآخر من خلا هيئات حيوانية تلخصت بشكل رئيسي في الثور والبيسون والحصان""
ص182: "ان تحليل المعلومات التي تم جمعها عن حياة المجتمعات الإسترالية (البدائية طبعاً) ومعتقداتها وطقوسها الدينية منذ اواسط القرن التاسع عشر، يشير الى ان ما يقدسه الاسترالي بالدرجة الأولى هو قوة الغفلة غيرمشخصة، بل إسم وبلا شخصية وبلا تاريخ حياة، تسري في مظاهر الكون المادي جميعاً، لا في هذا المظهر او ذاك ولا في هذه الفصيلة الحيوانية او تلك"
ص231: "في وصف الكامي: "يقول باحث غربي متخصص في الشنتو (الديانة التقليدية اليابانية): إن اليابنيين انفسهم لا يملكون فكرة دقيقة عن الكامي، فهم يختبرونه بشكل حدسي في أعماق وعيهم، ويتواصلون معه من غير ان يشكلوا حوله مفاهيم ذهنية او لاهوتية. من هنا، فإنه من غير المتيسر إيضاح فكرة تقوم في أصلها على الخفاء والغموض"
ص236: "في كل إقليم من الأقاليم الصينية الكثيرة، يجري توزيع الوظائف والإختصاصات بين الآلهة الصينية نفسها بشكل مختلف عن الآخر تماماً، وقد يتم ترفيع إله الى مقام اعلى او تخفيض مرتبته او حتى صرفه من الخدمة نهائياً"
ص243: "على الأرضية الراسخة التي فرشتها المعتقدات الصينية التقليدية، التيتؤمن بمبدأ لاشخصي، يتصل بعالم الظواهر بواسطة قوته ذات الوجهين، السالب والموجب، يبني لاو - تسو مذهبه المتميز الذي يدور حول مفهوم التاو القديم"" و ص245: "ان الفارق الجوهري بين "التاو" والمفهوم الغربي او الشرق-اوسطي عن الإله الخالق، هو ان الإله يبدع الكون ويصنعه وفق إرادة وخطة مسبقة، اما التاو فيبدعه تلقائياً دونما تدبير وتخطيط، والكون يصدر عنه كما تنشأ النبتة من الأرض"
ص250: "ان الدين ليس نتاج مبادرة إلهية واتصال إرادي يجريه المجال القدسي مع عالم الإنسان، بل هو نتاج مبادرة إنسانية تتجه نحو معرفة المجال القدسي واحلال التوافق بين الحياة الإنسانية والقوانين التحية للكون وذلك لأن الإنسان هو اكثر الكائنات عرضة للإنحراف عن التناغم الكوني لأنه أكثرها حرية"
ص254: "وينص قانون الكارما على ان تصرفات الفرد وأفكاره وكلماته، سيكون لها تبعات أخلاقية تحدد مستقبل حياته بعد الممات، كما يتحدد مسار حياته الحالية بما تم من افعال في الحياة السابقة، وهكذا الى اجل غير معلوم، في دورة سببية أزلية تدعى بالسنسكريتية "سمسارا"، وهي دورة لا بداية لها ولا نهاية تتجاوز عالم الإنسان لتطال عالم الظواهر المادية بأكمله."
ص279:" تقوم التعاليم الجاينية على الإيمان المطلق بالإنسان كسيد وحيد لنفسه وبقدرته على تحقيق الخلاص والإنقياد دون معونة من جهة علوية او تحتية كانت. ورغم اعتقاد الجانية بوجود كائنات متفوقة تدعى الآلهة الا ان هذه الكائنات خاضعة مثل الإنسان الى دورة السمسارا ولا يرجى منها شفاعة لأن عليها تخليص نفسها قبل ان تكون قادرة على تخليص الآخرين"
ص136: ان فكرة الإله لم تكن سوى ناتج متأخر نسبياً من نواتج الحياة الروحية للإنسان"
ص204" ان الآلهة كلهم كانوا في الماضي البعيد رجالاً بارزين بين الناس، وكانت لهم مكانة ممتازة في حياتهم، ثم قدّسهم الناس بعد مماتهم"
ص253: "تبدي الهندوسية تحرراً واضحاً من اي دوغمائية تتعلق بطبيعة الإله، وجوهر الدين لديها لا يقوم على الإعتقاد بوجود إله او عدمه او تعدد آلهة ام التقائها في واحد
ص311: "يقوم المعتقد الديني على الإحساس بإقسام الوجود الى مستويين، المستوى الطبيعاني وهو عالم الظواهر المحسوسة الذي يعاينه ويتحرك ضمنه الإنسان، والمستوى القدسي وهو الغيب الذي صدرت عنه هذه الظواهر المحسوسة بما فيها الإنسان واشكال الحياة الأخرى. يتصل المستوى القدسي بالكون من خلال حالة فعالية هي قوته السارية التي تجمع بين المستويين في دارة واحدة باطنها الألوهة وظاهرها ما لا يحصى من الظواهر الحية والجامدة"
ص386: "البيولوجيا والفيزياء الحديثة تشير اليوم بكل وضوح، الى ان الوعي ليس شيئاً غريباً على العالم، يضاف اليه من خارجه، بل انه بطريقة ما ناتج عن مادة هذا العالم من جهة، وانه يعمل بعد تكوينه على اعادة صياغة العالم. فالوعي ينطوي على المادة لأنه يدركها، والمادة تنطوي على الوعي لأتها تنتجه، فهما مستقلان ظاهراً متحدان ضمناً، في بنية كلانية تحتية غير متجزئة"
ص390: "ان الدين لا يقوم على اساس وهمي، ولا على عدد من الأفكار الخاطئة التي تم تكوينها في عصور طفولة الإنسانية بل انه يقوم على اكثر الأسس صلابة في وجود الإنسان. انه الوعي الباطني بالحقيقة. وان كل اعتقاد ديني انما يقوم على اختبار نفسي للوحدة الكلية للوجود في وعي الغيب، وعلى اختبار منعكسات هذا الإحساس في وعي الصحو، وما يحدثه من تغييرات في الشعور الفردي"





