What do you think?
Rate this book


476 pages, Paperback
First published January 1, 2006
ان وجود سفن الآستانة في المرفأ دائماً نذير سوء، لأن رسالتها ليست ان تأتي الى الأوطان بالبشارة، ولكن ان تحمل لهم الشرور مدسوسة مرة في امر بالنهب يسمى جني الخراج، ومرة في استنزال جور على الأبرياء يسمى اعتقال عصاة، ومرة في امر باستعباد اناس ولدتهم أمهاتهم أحراراً يسمى أخذ الرهائن.
كأن البلهاء ينتظرون ان يتنزل من رحاب السماء ملاك لبحكمهم، ناسين ان الناس لا بد أن بحكموا بمثيلهم. فإن كانوا طغاة بسجيتهم حكمهم طغاة، وإن كانوا أخياراً حكمهم أخيار. ولكنهم عادة ينسون سجاياهم الشريرة ويطلبون في حكامهم السجايا التي تنقصهم
ان ما يراه الصحراويون جحيماً، يراه أهل الشطآن الشمالية نعيماً. وما يبدو لسكان المدن المعتصمة بتلابيب البحور الشمالية جحيماً، يراه أهل الصحراء نعيماً.
كلنا أمة مسكونة لأننا لا نفرق العدو من الصديق. لأننا كثيراً ما نستحسن العدو الذي يتنكر في جلد الصديق، ونستنكر الصديق الذي يتهيأ لنا في بدن العدو
الناس لا يحيون في هذه الصحارى، ولكنهم يعبرون هذه الصحارى! .. أردت أن أقول إنهم لا يحيون في الصحراء في مكان محدد، ولكنهم يحيون وهم يتنقلون! إنهم يبحثون عن الكلأ في ظاهر الأمر، ولكنهم يبحثون عن الله في باطن الأمر
البحر مثله مثل الصحراء، بل مثله مثل الربوبية التي كتب علينا الا نرتوي من سلسبيلها ابداً، لأننا لا ندركها حقيقتها ابداً. لا ندرك حقيقتها لأنها من جنس السعادة التي لا نستطيع ان نجرؤ على القول بأننا فزنا بها ما لم نرتحل عن دنيانا لنلتحق بركابها.
الصحراء كالبحر، لم تكن يوماً مكاناً، ولكنها ظل مكان، إيماء مكان، روح مكان، أثر المكان المتبقي من مكان آخر وجد على الأرض ثم زال من حدود الأرض بفعل الزمن
الكثيرون لا يرون السعادة إلا في العبودية، لأن الحرية هي الوزر الذي لا يستطيع ان يحمله إلا الأبطال. وإلا ما الذي يجبرنا على الحياة في صحراء لا زرع فيها ولا ماء إن لم يكن علّة مميتة إسمها الحرية؟
البدوي لا يملك أرضاً، فكل الأرض ملك يمينه، لذا فهو حر، قوي. لا تغله قيود ولا حدود، ذلك أن: البساطة هي التميمة! البساطة هي القوة الحقيقية
طوبى لمن صار له الترحال ديناً! المرتحلون لا بد أن يكونوا سعداء لأنهم يرافقون في رحلتهم ذلك الغول الذي يروقه أن يقتلنا بالإستقرار، ولا نستطيع ان نقتله إلا اذا استجرنا به بالسير في ركابه: الزمن!
التخلّي! التخلّي! التخلّي تعويذة لا يدري ترياقها إلا من جربها. ولو كان اهل العدوان يفقهون لما جرؤوا على ان يتخذوا من صاحب التخلّي خصماً. لأن التخلّي ضرب من سراب. وملاحقة السراب هزيمة علاوة على أنه جنون. لأن صاحب التخلّي لا وجود له، فكيف نهزم ما لا وجود له؟
الانكشارية! الداء هو شراذم الانكشارية الذين سمموا البلاد بالفتن، وقطعوا دابر الاستقرار بالدسائس، لأنهم ملة خسيسة لا تخلد لنوم قبل أن تشرب من دم، أو تنهب أرضاً، أو تغتصب عرضاً!
لما وضعت حداً لمهزلة الحكم في ربوع هذه المدينة العريقة التي شهدت في تاريخها الأقدم أمجاداً لم تحلم بها الأستانة، ولا سلفتها بيزنطة، وتوالت في أرضها النبيلة حضارات في وقت لم توجد فيه الأستانة، ولا بيزنطة، ولا بلاد الأناضول
إن كل من استولى على أرض أغراب يوماً، فلا بد أن يفقدها يوماً، لنجد أن هذه الرقعة قد عادت إلى صاحبها الفعلي في نهاية المطاف. الاستيلاء على الأوطان كالاستيلاء على الدنيا عمل جنوني. فأخبرني عما انتهى إليه الإسكندر الأكبر أو يوليوس قيصر أو هولاكو
شتان بين عزلة نطلبها وعزلة تطلبنا: عزلة نطلبها تصنع منا نساكاً، وعزلة تطلبنا تصنع منا ضحايا.
كما الميلاد غايته الممات، كذلك فإن الحركة، كل حركة، نهايتها سكون. وكل طلب بهتان ما لم يكن طلباً لحرية. لأن الحرية هي الأحجية الوحيدة التي تستطيع الحقيقة ان تبرهن بها على حضورها. ولهذا فإن طلب الحرية فقط بطولة.
الروح لا ترتوي بغير الحرية
الدنيا ما هي إلا ساحة نطارد فيها الطرائد. الأسعد من الجميع حظاً هو من عرف أخيراً ما يطارد. من عرف ما يطارد عرف ما يريد. من عرف ما يريد عرف نفسه. من عرف نفسه عرف ربّه. من عرف ربه هو الأسعد بين الخلق حظاً. ولكن هذا العرفان لا يتحقق عادة من دون فداء. لا يتحقق من دون قصاص. لأن الأقسى من ان نبحث هو ان نجد... فإذا وجدنا انتهى بنا المطاف. لأن ليس هناك بعد جمع الحجارة ألا تشييد البيت. وليس هناك بعد تشييد البيت الا الموت.
يوم الولادة مأتم لأن الموت سوف يأتي ليضع لها خاتمة يوماً
ان يموت الإنسان أعزّ من ان يولد، لأن يوم القصاص أسوأ من يوم الخلاص!
كلنا نستجدي. ما الإنسان إلا رحلة استجداء تبدأ بالمهد ولا تنتهي إلا باللحد.