يوسف القعيد : اديب وقصاص مصري معاصر ولد بالبحيرة. اهتم بالتعبير عن المحيط القروي المصري وما يتصل به من قضايا وعرف بنبرته السياسية الناقدة عرضت بعض أعماله للمصادرة. يعتبر يوسف القعيد من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة . حازت روايته الحرب في بر مصر على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.
رواية رمزية قصيرة من 63 صفحة، عبارة عن سرد قائم على محاكة الواقع باستخدام ست أقنعة لستة أشخاص هم كل من يسكنون هذه القصة: قاض، وامراة، وكاتب، وضابط، ومحام، ومؤلف.. تبدأ القصة في قاعة المحكمة حيث تجلس امراة في قفص الاتهام (بتهمة الدعارة)؛ "شخصية نصف ميتة، تموت الكلمة الوحيدة على شفتيها أثناء محاولة النطق بها" يبدأ القاض -الذي يجلس على الكرسي العالي وفوق رأسه ميزان العدالة- بسؤالها عن اسمها، عمرها، عملها، سبب وجودها في الزمان والمكان الواردين بمحضر الضبط؟؟ بيد أن كل ردودها على كافة الأسئلة بكلمة واحدة هي "غزلان" .. نعم لم تتفوّه سوى بتلك الكلمة منذ دخولها ذلك القفص الحديدي. الشخصية الثانية: كاتب يجلس بين المتفرجين، كاتب، الكلمات هي"قضائه وقدره"، كاتب لا يعلم شيء عن سبب حضوره المحاكمة (أين دخان الشهرة؟). الشخصية الثالثة: ضابط (رمز الفساد) "عقيدته الموت قبل الحياة، العقوبة قبل النجاة، التهمة أولًا". ضابط فاسد تهويه لعبة السياسة القذرة، كما يهويه تلفيق التهم والأكاذيب (تنظيم داخلي، جماعة متطرفة.. لا يهم، المهم أن يتصيد زبون من أولئك الذين يتكلمون ليلًا ونهارًا عن هموم الوطن). الشخصية الثالثة: محام لم توكله المتهمة ولم توكله المحكمة للدفاع عنها؛ "محام صغير جزء من دنيا الصراع بالأكتاف، والحرب بالوجاهة في الملبس.." لم يجد قضية ليترافع عنها منذ سنة، لذا تطوع للدفاع عن المتهمة آملًا أن تدفع له المحكمة أجر ذلك. الشخصية الرابعة: القاض (رمز الشرف) الذي كانت تؤرقه مشكلة النطق بالحكم؛ موقفه الموضوعي يتمثل في أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن يبرأها أو يدينها! لم يقدر على الأمر الأول ولم يجرؤ على الثاني، تمنى لو أنها ساعدته على أن يقف بجوارها بيد أنها لم نتبس ببنت شفة... إلى أن حسم أمره في النهاية وأمسك القلم وشرع يكتب طلبًا بالتنحي عن القضية. الشخصية الخامسة: المؤلف الذي ومنذ اللحظة الأولى كشف الستار عن نفسه، واتخذ له اسمًا دون بقية الشخصيات هو كاتب قصة القصة: محمد يوسف يوسف القُعيِّد (بضم القاف وشدة مكسورة على الياء)، مؤلف يبحث عن " الثانية الأولى، من الدقيقة الأولى، من الساعة الأولى، من اليوم الأول، من الأسبوع الأول، من الشهر الأول حيث لا بد من الطوفان الأول، والسفينة البكر، ونوح الأول".
".. لن يصلح فوضى البر، بر مصر، سوى معجزة، بعد أن سلمنا أروحنا جميعًا لغول اسمه: العجز"
ستّون خطأً إملائيًا في نصف الرواية الأول ( و بطّلت أعدّ بعد كده ) ، مع استبدال الهاء بالتاء المربوطة في مواضع كثيرة مثل : الكتابه _ مبطنه _ البته _ الإنسانيه و غيرها كثير . أخطاء تجبرني على عدم الاستمتاع ، نصف الرواية الثاني أفضل كثيرًا من نصفها الأول و عليه استحقت النجمتيْن ، بس فعلًا لا أعرف كيف رضيَ كاتب كبير ك" القُعيد " و دار ك" الشروق " على نشر عمل بكل هذه الأخطاء الكارثيّة ! خذ هذه الجملة كمثال : " إبتسامة قبل النطق بالكلمات ، إبتسامة قبل نزول الصمت . يا لقدرتك على الابتسام و أنت في هذا الموقف العصيب " ما منطقه في كتابة " إبتسامة " في الأول همزة قطع ثمّ تأكيد همزة القطع في ثانية ثمّ إزالتها في الثالثة " الابتسام " و تحويلها ( بقدرة قادر ) لألف وصل ؟! ده دليل على إن اللي بينقل الكلام بيحط الهمزات عشوائيًا و زي ما تيجي تيجي ، و أهو اللي بيقرأوا مش فاهمين حاجة أصلًا !
هذا أول عمل أقرأه للكاتب ، و أوّل معرفتي به كانت مقاليْن قرأته له عن العمل الرائع " خطوات على الأرض المحبوسة " ل" محمد حسين يونس " ، وجدتُ هذه الرواية مهملة عند بائع الجرائد ( ب 5جنيه فقط ) ، و فعل الذباب على غلافها ما فعل ، و اتضح أنّي اقتنيتُها طبعتَها الأولى و التي كانت بتاريخ 1993 ، لن تكون قراءتي الأخيرة للكاتب بإذن الله .
أحاول منذ مدة القراءة للكُتاب العرب الذين فاتني أن أقرأ لهم، وهم كثر بالمناسبة. يوسف القعيد هو أحد الأسماء التي أردت التعرف عليها، فكان (مرافعة البلبل في القفص) هو ما عثرت عليه منذ شهر في مكتبة المتنبي بالدمام.
سُعدت لعثوري على نسخة قديمة من هذا العمل، هي الطبعة الأولى التي صدرت عام ١٩٩٣. فأخذتها دون تفكير، وكان أن بدأت قراءتها اليوم. هذه ليست رواية عادية، أو نوفيلا إن صح التعبير، ليست عادية أبدًا. عمل يقوم على شخوصٍ عدة أحدها المؤلف محمد يوسف يوسف القعيد (بضم القاف وكسرة مشددة على الياء) كما أحبّ أن ينوّه، فالقعيد ليست بمعنى الجليس أبدًا. تمتزج الرؤى والمآرب في هذا العمل، تجد نفسك كقارئ، كائنًا متخفّياً ومتواطئًا في جوف الحدث. كل ما يحدث هو مرافعة لامرأة في القفص، لا تجيب إلا بكلمةً واحدة عن كل سؤال: غزلان.
فكرة العمل وبناؤه كان مميزًا، ولكن ينقصه الكثير. بدا وكأنه حدثٌ مقتطع من رواية أكبر وأكثر تفصيلاً. خلفيات الشخوص لم تأخذ حقها في التفرّد والتفنيد؛ بدت أصواتهم متشابهة تعود لصوت المؤلف، كما بدوا شخوصًا لا ترتبط معالمهم بالواقع. الأمر كان غريبًا بعض الشيء مما جعلني أتمنى مرارًا لو كان العمل أكبر، لو أُعطِيت لهذه الشخوص مساحتها الكاملة. أعني بذلك الجميع؛ حتى المؤلف. كان هناك الكثير من اللذة، والكثير من الفقر أيضًا.
كنت أتمنى أن أرى زلات إملائية أقل مما رأيت لأنها مزعجة حينما تقطع تركيزك و تذبذب لك المعنى. الكتاب به بعض الإسقاطات و رأيي أنه ما هو إلا توتر و تفكير زائد من الكاتب في الكثير من أمور حياته. سيأخذك إلى رحلات قصيرة داخل بال و ضمير كل شخصية في الرواية ليضعك على أول طريق نسج النهاية بنفسك. أطول مما يستحق الموضوع.