يسلط هذا الكتاب الضوء على اّلية داخلية لاستقالة العقل في الإسلام، ولكنه يبقي الباب مفتوحا أمام إعادة قراءة قراّنية يمكن معها للإسلام أن يتصالح مع العصر ومع الروح العلمي الحديث.
ماميز الإسلام القراّني عن المسيحية الإنجيلية واليهودية التوراتية هو غياب المعجزة النبوية: فليس في القراّن من معجزة سوى القراّن نفسه بوصفه معجزة عقلية غير مادية. ولكن في سياق المنافسة مع الديانتين التوحيدتين القائمتين على برهان المعجزة النبوية الحسية، ومع الفتوحات التي أدخلت الإسلام أمما شتى غير ناطقين باللغة العربية، لم تعد المعجزة البيانية العقلية القراّنية كافية وحدها لتثبيت الإيمان. وهكذا نُسبت إلى الرسول معجزات مادية راح يتضخم عددها قرنا تلو القرن حتى قدَرها كتاب السيرة المتأخرون بثلاثة اّلاف معجزة .
ومع هذا التحول المتأخر للإسلام إلى دين معجزات، ومع تعميم الاعتقاد بإمكانية الخرق الذي لاضابط له للقوانين الصغرى والكبرى للحياة والطبيعة والكون، دخل العقل في مرحلة سُبات،وغابت عن أفق الحضارة العربية الإسلامية إمكانية ثورة كوبرنيكية تنقلها من جمود القرون الوسطى إلى دينامية الحداثة وفتوحات العقل الإسلامي.
مفكر وكاتب وناقد ومترجم عربي سوري، من مواليد مدينة حلب عام 1939، يحمل الإجازة باللغة العربية والماجستر بالتربية من جامعة دمشق. عمل مديرا لإذاعة دمشق (1963-1964)، ورئيساً لتحرير مجلة " دراسات عربية" (1972-1984), ومحرراً رئيسياً لمجلة "الوحدة" (1984-1989). أقام فترة في لبنان، ولكنه غادره، وقد فجعته حربه الأهلية، إلى فرنسا التي يقيم فيها إلى الآن متفرغا للكتابة والتأليف.
تميز بكثرة ترجماته ومؤلفاته حيث انه ترجم لفرويد وهيغل وسارتر وبرهييه وغارودي وسيمون دي بوفوار وآخرين ، وبلغت ترجماته ما يزيد عن مئتي كتاب في الفلسفة والايديولوجيا والتحليل النفسي والرواية. وله مؤلفات هامة في الماركسية والنظرية القومية وفي النقد الأدبي للرواية العربية التي كان سباقاً في اللغة العربية إلى تطبيق مناهج التحليل النفسي عليها.
من أبرز مؤلفاته: "معجم الفلاسفة" و"من النهضة إلى الردة" و"هرطقات 1 و2" ومشروعه الضخم الذي عمل عليه أكثر من 20 عاماً وصدر منه حتى الآن أربعة مجلدات في "نقد نقد العقل العربي"، أي في نقد مشروع الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري، ويوصف هذا العمل بأنه موسوعي إذ احتوى على قراءة ومراجعة للتراث اليوناني وللتراث الأوروبي الفلسفي وللتراث العربي الإسلامي ليس الفلسفي فحسب، بل أيضاً الكلامي والفقهي والصوفي واللغوي ، وقد حاول فيه الاجابة عن هذا السؤال الأساسي: هل استقالة العقل في الإسلام جاءت بعامل خارجي، وقابلة للتعليق على مشجب الغير، أم هي مأساة داخلية ومحكومة بآليات ذاتية، يتحمل فيها العقل العربي الإسلامى مسؤولية إقالة نفسه بنفسه؟
أهم نقاط المسار الفكري لطرابيشي هو انتقاله عبر عدة محطات أبرزها الفكر القومي والثوري والوجودية والماركسية.
انتهى طرابيشي إلى تبني نزعة نقدية جذرية يرى أنها الموقف الوحيد الذي يمكن أن يصدر عنه المفكر، ولا سيما في الوضعية العربية الراهنة التي يتجاذبها قطبان: الرؤية المؤمثلة للماضي والرؤية المؤدلجة للحاضر.
عملًا بهذه المقولة، وتصديقًا لقائلها، قررت كتابة مراجعة سريعة لهذا الكتاب، على الرغم أني لست من هواة الكتابة ولا من عشاقها.
هذا الكتاب، ولا شك، من أفضل ما قرأت هذا العام وهو من ضمن الأعمال التي لا غنى أبدًا عن قرائتها، خصوصًا للمسلمين الحريصين على فهم دينهم بشكل أكثر وعيًا وموائمة للواقع، والعقل أيضًا! هذا الكتاب كفيل بأن يصيب عقلك بما يشبه الصدمة وهذا هو ما يبرع فيه العظيم جورج طرابيشي هذا الكتاب يضعك على أول طرق التفكير العقلي الناقد يقول لك، فكِّر، واترك قليلًا ما اعتدت سماعه من رجال الدين والوُعَّاظ يناقش طرابيشي هنا مسألة، أعدها أنا، من أخطر ما يواجه العقل المسلم العام فمسألة الإعجاز نفسها من المسائل المحيرة للغاية التي تجعل عقلك متحير تمامًا هل أنت مأمور بتصديق ما يخالف صحيح العقل؟ هل تحتاج أن تصدق ما يخالف قوانين الفيزياء بل وأي قوانين أخرى؟ هذا الكتاب يطرح هذا التساؤل ويترك لك حرية التفكير ومن ثم الإجابة جاءت مراجعتي لهذا الكتاب، في هذا الآن، مقصودة تمامًا فمناسبة المولد النبوي الشريف، ظهر رجال الدين من كل جانب ليتغنوا بمسألة المعجزات النبوية منقلبين بذلك على كل ما يتصل بالعقل والتفكير محاولين اقناعك، أنت المسلم، بما لا يمكن أن يقبله أي عقل سليم ولا حتى مختل فهم يقولون لك، الرسول صلى الله عليه وسلم، انشق القمر من أجله وأن جزع الشجرة يحن إلى رسول الله ويذهب لسماعه وغيرها من مثل هذه الروايات التى تردد على الأسماع منذ القِدم ولكن إذا جئت وتساءلت عن حقيقة هذه المعجزات وعن من رويت وعن حقيقة حدوثها واقعًا تجده يطعن فيك وفي دينك وفي عقيدتك في حين أن الله، عز وجلّ، يخبرنا بأن رسول الإسلام ما له من آيات ومعجزات مادية بالطبع إلا القرآن فهو الآية الوحيدة التي تؤكد نبوته عليه السلام والتي لا خلاف عند جميع المسلمين بذلك. يؤكد طرابيشي هنا على هذه الفرضية، أي أن الرسول محمد ما كان له من معجزات سوى القرآن، مستدلًا على ذلك بآيات من الذكر الحكيم. حتى هنا الأمور جاءت جيدة للغاية من بعدها تابع طرابيشي قراءته النقدية لكتب الأثر والتاريخ الإسلامي بطائفتيه الشيعية والسنية ليدلل بذلك على خرافية العقل الإسلامي فيتناول التزايد العددي الرهيب في عدد معجزات النبي فبدل من كونهم لا يتعدوا العشر معجزات تنامى هذا العدد بشكل عجيب ليصل إلى ثلاثة آلاف معجزة. ويتابع طرابيشي من ثم مراقبة هذه المعجزات، ليجدها لا تقتصر فقط على الرسول حصرًا لا، بل تصل أيضًا لرفيقه دربه، وصديقه، وابن عمه ووصيه : الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام فمثلًا عند الشيعة الإمامية نجد الأمور تطورت كثيرًا. فتجد الإمام يحيي الموتى، ويطير أيضًا فوق السحاب : فإذا كان الرسول قد صعد للسحاب هو أيضًا، فلماذا لا يصعد علي؟ وتجده يسمع ما لا يسمع، ويتحدث مع الجماد ويعطيه القدرة على مسخ البشر وكل ما ماثل هذه الخرافات ويرجع طرابيشي هذا التنامي الغرائبي من حيث الكم والكيف في المعجزات لسبب أساسي ورئيسي مفاده أن المقهور : سواء سياسيًا أو دينيًا، يجد نفسه في حاجة دائمة لتغطية هذا النقص، ويؤكد كلامه فيقول : إن الخيال هو واقع من لا واقع له. ويستطرد في كلامه ليؤكد أن : المعجزة هي سلاح من لا سلاح له فالشيعة، تبعًا لظروف القهر التي ايشوها على أيدي الأمويين والعباسيين، وجدوا أنفسهم أمام وضع سيئ للغاية فعكفوا يمنون أنفسهم بالنصرة، والفوز، والرجوع، فبنوا معتقدهم على فكرة الرجعة، فالمهدي موجود وعلي حي لا يموت والحسين كان يمكن أن ينتصر ويمكنهم أن يمثلوا ببني أمية ويعدموهم ولكن مع ذلك لم يقوموا بشئ فتركوا لخيالهم العنان ومن هنا كان التنامي الغرائبي للخرافات عند كلِ من الشيعة وأهل السنة ويختم طرابيشي كتابه بفكرة، وأمل فالأولى، مفادها أن العقل المسلم في حاجة شديدة للتطور، ومخالفة هذه اللاواقعية الوهمية التي يرزح فيها، وإلا فإن ثورة أخرى عظمى قد تحدث في التاريخ، تماثل الثورة الكوبيرنيقية من حيث مدى تأثيرها على واقعنا المعاصر، قد تؤدي إلى اضمحلال الفكر الإسلامي، وبقاءه في مستنقع من الخرافات لا ينتهي والثانية، أن يتخلى العقل المسلم عن العقل الأثري القابع في حدود الروايات التاريخية، ليترك لنفسه زمام الأمور، وينشأ على العلم، بدلًا من الوهم. الخلاصة، هذا الكتاب لا غنى عنه أبدًا في قراءته لأي مسلم حريص على الإيمان المرتبط ضمنيًا مع العلم وأختم بمقولة علي عليه السلام : نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل.
في سياق قراءتي لكتاب طرابيشي (مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام)، قلت أن طرابيشي لا يؤلف الكتب ابتداء ً، وإنما هو كقارئ وناقد ينصرف إلى نقد أطروحة معينة، ونقده ليس صفحات معدودة وإنما كتب قد تتضخم لتصبح مشروعا ً نقديا ً، كما مع مشروعه (نقد نقد العقل العربي) الذي تصدى فيه لأطروحات الجابري حول العقل العربي.
أحد كتب التي أصدرها طرابيشي في نقده للجابري، كان (العقل المستقيل في الإسلام)، والذي عارض فيه فكرة الجابري حول أفول العقلانية العربية، وأنها تمت بفعل تأثير خارجي، بينما يرى طرابيشي أن استقالة العقل العربي الإسلامي تمت بفعل الذات، لا الغير.
وفي سياق بحث أسباب هذا الأفول للعقلانية العربية، توصل طرابيشي إلى المعجزة كأحد هذه الأسباب، ولأن الجابري لم يتناول المعجزة في نقده، قرر طرابيشي عدم الانتظار حتى صدور الجزء الخامس من نقده للجابري – أصدر الجزء الخامس هذه السنة بعنوان (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث) -، فلذا طرح كتابه هذا عن المعجزة في عام 2008 م.
يقسم طرابيشي كتابه إلى أربعة أجزاء بفصول خمسة، حيث يركز في الجزء الأول على فكرة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان نبيا ً بلا معجزات مادية، وأن معجزته الوحيدة كانت القرآن الكريم، ويورد للدلالة على ذلك كل الآيات التي كانت ترد على المشركين في طلبهم المتكرر للنبي أن يأتي بآيات كما فعل الأنبياء الأولون، أما الجزء الثاني فيركز على نمو معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في التراث السني، متتبعا ً الكتب التي ألفت في هذا الشأن وأوصلت معجزات النبي إلى ثلاثة آلاف معجزة، فيما يخصص الجزء الثالث لمعجزات النبي والأئمة في التراث الشيعي، معللا ً غرائبية بعضها التي تفوق بكثير ما ورد في التراث السني، بانتفاء الواقع والإغراق في خيال بسبب الاضطهاد السياسي الذي عانى منه الشيعة، أما الجزء الأخير وهو أصغر أجزاء الكتاب، فهو مخصص لمحاولة تفسير سبب ظهور المعجزات وتناميها، حيث يرى طرابيشي أن سبب ذلك دخول غير العرب في الإسلام، وبما أنهم لا يجيدون اللغة العربية، فلذا لا تظهر لهم معجزة الإسلام القرآنية، فلذا يحتاجون إلى معجزات مادية، كما أن جزء من المعجزات استخدم للدلالة على الاتجاهات السياسية وتدعيمها، وإثبات الإمامة لدى الشيعة خصوصا ً، يختم طرابيشي بدعوة إلى ثورة سماها كوبرنيكية – نسبة لعالم الفلك كوبرنيكوس - ضد تراث المعجزة هذا، لأنه يتسبب في استقالة العقل، وإيقافه عن التفكير والتدبر ما دام يقبل سهولة خرق النواميس الكونية من قبل بشر أو من أجل بشر.
كتاب جميل ومهم لكل مسلم يريد أن يستعمل عقله ويتّبع كلام الله في القرآن الكريم. فالله سبحانه وتعالى لم ينزّل على سيدنا محمد ﷺ أيّ معجزة سوى معجزة القرآن الكريم، وساق الكاتب الدلالات بآيات من القرآن الكريم، التي كان ينزلها الله سبحانه وتعالى ردًا على طلب المشركين للنبي محمد ﷺ أن يأتِ بآيات برهانية من الله تُثبت نبوّته. وفنّد كل الخرافات والأساطير التي في كتب التراث التي جعلت من النبي محمد ﷺ نبي المعجزات، فالله لم يعطي النبي محمد ﷺ علم الغيب، ولم يجعله قادرًا على إحياء الموتى وإبراء الأكمه كعيسى عليه السلام، ولا أعطاه العصا ومعجزة شق البحر كموسى عليه السلام.
لم يكن الأكل يتكاثر ببركتهِ ولا سبّح الحصى في كفّهِ، ولم يشقّ الله له القمر، ولم يهرول الشجر إليه، ولا كلمه الضب ولا علّم الله سيدنا محمد ﷺ لغة الطير ومنطقه، ولغة سائر الحيوانات. ولم يعرج إلى السماء بالبراق، ولم يفضّل قبيلة قريش على بقية القبائل، ولم يفضّل نسل الرسول من ابنتهِ فاطمة على بقية الخلق، حتى يتم التفاخر بالنسب الهاشمي أو النسب القرشي.
الخزعبلات التي ذُكرت في كُتب التراث سواءً كُتب أهل السنّة أو كُتب أهل الشيعة، إنما هي من وحي خيالهم وأكاذيبهم وأساطيرهم. بل هي أقرب إلي حكايات ألف ليلة وليلة و خوارق الإلياذة والأوديسة.
اقتباسات
“حدود العقل الديني تقف عند حدود العقول الدينية الأخرى، كما في مثال الديانات التوحيدية الثلاث التي يكون شغلها الشاغل تكذيب بعضها بعضًا، بل كذلك الدليل على أن حدود العقل الديني الواحد تقف أيضًا عند حدود كل طائفة من طوائفه التي تعتمد بدورها استراتيجية التكذيب المتبادل”.
“لئن يكون العقل الديني هو أقل العقول الكونية عقلانية، فإن المقارنة نفسها تبيح لنا أن نستنتج أن العقل الطائفي هو بدوره أقل العقول الدينية عقلانية”.
“فالخيال هو واقع من لا واقع له. وهذا ما يمكن استقراؤه بسهولة في أدبيات المعجزات الشيعية التي تتسم ـ فضلًا عن مركزية الحضور العلوي فيها ـ بدرجة من الغرائبية أعلى بكثير”.
“الرهان على الحاجة القهرية للعقل البشري إلى الإلغاء المؤقت لنفسه بين الحين والآخر، فضلًا عن دغدغتها النرجسية البشرية التي يطيب لها أن تتخيّل أبطال محبوبين بقدرات إلهية خارقة”.
كعادة جورج طرابيشي في كتبه، يؤسس للموضوع أولاً ثم ينطلق بك صعوداً في التاريخ.. تلك بصمته التي يعرف بها.. مثله مثل فناني عصر النهضة الذين كانت لهم بصمات يُعرفون بها.
أجمل ما في كتابات طرابيشي هي أنها تزعزع وتزلزل قناعاتك زلزلة قوية.. قد يتعجب البعض من قولي هذا.. لكن من يبتغي الحق يسعى وراء المعرفة بتجرد ويتعطش لمعرفة المخالف لقناعاته مثل تعطشه لمعرفة المؤيد لها.
يبدأ طرابيشي بسبر أغوار الكتاب الحكيم مشيراً إلى أن النبي - ص - كان بلا معجزة مادّية حسيّة واضعاً إصبع القارئ على المواضع التي تشير إلى إلحاح الكفار والمشركين عليه - ص - أن يأتيهم بآية حسيّة أو ينزل عليهم ملكٌ من السماء أو أن ينزل الكتاب جملةً واحدة كما فعل موسى.. ويشير إلى أن القرآن قد ردّ على مطالباتهم بقوله - سبحانه "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأوّلون".
ثم يذهب إلى أن المعجزة الوحيدة التي أتى بها النبيّ - ص - كانت هي القرآن الذي تحدّى أرباب البلاغة وذوي الألسنة الفصيحة وكان هو المعجز الحقيقيّ.
ثم يصعد بك خطوة خطوة في طريق بداية ظهور روايات المعجزة عن النبي في كتب السيرة ومنها معجزات تسبيح الحصى والذي سبح في يد الرسول - ص- ثم أبي بكر فعمر فعثمان ثم سكت عن التسبيح.. مشيراً إلى أن صيغة الحديث الذي نصّ على المعجزة يوحي بالدافع من ورائه وهو سياسيّ.. في محاولة لنزع أو تقليل صورة الإمام عليّ كواحد من المقربين.
ويخبرنا طرابيشي أن معجزات الرسول الحسية بعد أن كانت بالعشرات قد صارت بالمئات ثم بالآلاف مع التقدّم في الزمن وذلك عكس المسار المفترض للتاريخ الذي يُفترض فيه أن تنقص أخبار المعجزات لا أن تزيد.. وهذا منطقيّ بما فيه الكفاية.
وينتقل الكاتب إلى المعجزات الشيعية والتي أخذت جزءاً غير هيّن من الكتاب مشيراً إلى أن المعجزات كانت هي سلاح الشيعة كونهم أصحاب عقيدة مضطهدة في ذلك الوقت فكانت المعجزات سلاح من لا سلاح له وأشار الكاتب أيضاً إلى أنه وإن استخدم السنّة المعجزات فقد استخدمها الشيعة بكثافة وصارت المعجزات مع الوقت تمتلئ بالغرائبيات التي تفوق حكايات ألف ليلة وليلة.
ثم يختتم قوله بأن ظهور روايات المعجزات كان ضرورة ملحة كون الإسلام قد انتقل حينها إلى الفتوحات ودخلت حيز سيطرته ديانات وعرقيات مختلفة لا تفهم اللسان العربي فكانت وحدوية المعجزة القرآنية معضلة وعقبة في سبيل دعوة العجم فكان ظهور - أو قل إظهار - المعجزة الحسيّة العابرة للألسنة هو الحل إلى إثبات نبوته - ص- لأصحاب تلك الديانات والعرقيات الجديدة.
الكتاب منسّق ومنمق كعادة كتب جورج طرابيشي.. أنصح جدّا بقرائته.
هناك نقطة محورية جدًا لم ينتبه لها الكاتب وهو أن "المعجزة" يختلف هدفها حسب ظروف ظهورها، فليست كل المعجزات جاءت للبرهنة على مصداقية نبوة النبي. فعندنا موسى شق الله له البحر لينقذه من فرعون لا ليُثبت نبوته! وكذلك حين انفجر له الحجر ١٢ عينا جاء ذلك ليشرب منه قومه! لا ليُثبت لهم نبوته فقومه مؤمنون من الأصل... وكثيرة هي معجزات موسى مع بني إسرائيل حصلت في أوساط مؤمنين. ونجد أمثلة مشابهة في معجزات سليمان الكثيرة، ومعجزة ارتداد بصر يعقوب بعد العمى.. وأيضا عندنا المعجزات التي أهلك الله بها قوما كافرين، فهذه معجزات جاءت لتعذيبهم وإهلاكهم لا لبرهنة نبوة نبيهم. فالأمثلة على معجزات لم تأتي للبرهنة كثيرة ومتنوعة ولا يخلو القرآن منها.
هذه النقطة التي لم ينتبه لها الكاتب وهي تنقض أغلب ما طرحه بخصوص معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم...
ففكرة الكتاب المحورية هي التناقض الظاهر بين القرآن الذي يرفض مرارًا وتكرارًا وفي عشرات المواضع إيراد معجزات (أو الآيات بالتعبير القرآني)، فالمشركون طالبوا عدة مرات بمعجزات تثبت نبوة الرسول، وكان رد القرآن دومًا واضحًا وصريحًا في هذا الرفض.
هذا الرفض القرآني هو نفسه السبب الذي جعل الكثير من العلماء يرفضون قصة معجزة انشقاق القمر (وهي مروية بطريق الآحاد) ويفسرون آية "وانشق القمر" بأن المقصود بها يوم القيامة. (أوردُ رأي العلماء هذا لأبين بأن فكرة الكتاب المحورية ليست غريبة على الخطاب الإسلامي-بالرغم من أنها ليست السائدة أيضا-.)
بعد ما يتحدث الكاتب عن المعجزة بوجهة النظر القرآنية الرافضة، يتطرق لأحاديث السير التي عدت معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم بالمئات بل بالآلاف! بل يقول الكاتب بأن الروايات التي تحكي معجزات الرسول كان يزداد عددها مع الزمن! فالمؤلفات الأولى كان عدد المعجزات بها أقل بكثير من المؤلفات المتأخرة! هذا حسب ما يدعيه الكاتب في بحثه الذي لم أستطع التأكد منه بطريقة مباشرة (كعادتي الدائمة في التأكد من كل ما أقرأه).
ويستنكر الكاتب هذا التناقض الظاهر بين القرآن الرافض للمعجزة وقصص السيرة التي تعدد وتفصل في معجزات الرسول (ص) ويرى أنه سبات عقلي أصاب الأمة... ما لا ينتبه له هذا الكاتب هو أن هذه المعجزات -في مجملها- التي تُروى عن الرسول (ص) هي معجزات حصلت في أوساط قوم مؤمنين (طبعا هناك قصص شاذة تعد بالأصابع حصلت للكافرين كقصة انشقاق القمر) وبالتالي هدف هذه المعجزات لم يكن اثبات نبوته من عدمها بل جاءت المعجزات النبوية لأهداف أخرى كزيادة إيمان من آمن وتقوية عزيمتهم وتثبيتهم وتذكيرهم بأن الله معهم أو انقاذ الرسول من مأزق كأن يكون هناك من يريد قتله وغيرها من أسباب... إضافة إلى أنها معجزات حصلت في وسط مجموعات صغيرة من الناس أي كان الشهود عليها قليلا! وهو متنافي مع هدف المعجزة المبرهنة على النبوة التي تقتضي أن يراها الأغلب أو الكل لتكون برهانا وحجة قاطعة على من رآها... ناهيك على أن هذه المعجزات لم تأتِ بطلب من القوم، بل جاءت مفاجئة دون أن يتوقعها أو يطلبها الحضور، وهذا منافٍ للمعجزة المبرهنة التي تأتي بطلب وإلحاح من القوم فيوردها النبي كدليل على نبوته! فهذه المعجزات -الغير مبرهنة- لها أسبابها التي لا تتناقض أبدا مع صريح القرآن الرافض، لأن القرآن يرفض المعجزة المبرهنة لا باقي أنواع المعجزات...
طبعًا أوافق الكاتب في أن الكثير من هذه المعجزات النبوية التي تعج بها كتب السيرة مبالغ فيها ودخلها الكثير من التلفيق والزيادات وأوافقه بأن مذهب السنة المتساهل في نقل مثل هذه الأخبار هو منهج غير علمي، وحجتهم فيه هو أنهم يتشددون في نقل مرويات الأحكام أما مرويات القصص والرقائق فيتساهلون فيها لأنها لا تضر! وأرى أن هذه المرويات تضر العقل السليم والدين معًا!
يتطرق الكاتب وباحتشام -في الهوامش- لإشكالية معجزة الإسراء وإمداد الله بجنود لم نراها في معركة بدر، فها هو القرآن الرافض للمعجزات يثبت حصول معجزتين للنبي! وهي ليست إشكالية كما يدعي الكاتب، فكما قلت في الأعلى هذه معجزات جاءت بأهداف أخرى غير البرهنة على النبوة، فالإسراء -كما أفهمه- خفف عن الرسول وطبطب عليه بعد تعذيب وسخرية قومه، والإمداد بالجنود قوّى المؤمنين وحماهم ونصرهم في معركة كانت موازين القوة لصالح العدو، ليأتي انتصارهم بمثابة معجزة يشهد لها التاريخ. بل إن هذا التأييد والنصر الإلهي لا يختص بالرسول (ص)، بل هو مع كل مؤمن اتخذ الأسباب المادية والروحية في نضاله: "فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ".
نقطة أخرى أهملها الكاتب: ينقل الكاتب لنا عشرات وعشرات المرويات عن معجزات حصلت للرسول (ص) نجدها في كتب السيرة للأقدمين، وفي الحقيقة لا أدري ما كان حال هذه المرويات في العصور القديمة، لكن في عصرنا الحاضر -على الأقل- لا نجد لهذه المرويات أثرًا كبيرًا يذكر، بل أغلب ما نقله الكاتب لم أسمع به من قبل! ولا أعرف سوى ٢ أو ٣ قصص للمعجزات من التي ذكرها الكاتب أما الباقي فلم أسمع به! ولا أدري هل هذا هو حال الشيعة (فجزء كبير من الكتاب يتطرق لمعجزات الشيعة التي حصلت لعلي وأهل البيت والأئمة ال١٢)، لكن عند السنة على الأقل لا تشغل قصص المعجزات هذا الحيز الضخم الذي يشعركَ إياه الكاتب.
في الأخير يضع الكاتب نظرية مفسرة لهذا التضخم الكبير في قصص المعجزات:
السبب الرئيسي كما يقول هو التوسع الضخم في الفتوحات الإسلامية مما أدى لاحتكاك كبير بأقوام الديانات الأخرى والحاجة لوسائل فعّالة لدعوتهم للإسلام، وأنه لم يجد المسلمون من بد سوى مخاطبتهم بلغة المعجزة التي يألفها الناس ويصدقونها، بدل لغة القرآن -العقلية- التي سيكون إدراكها صعبا عليهم. يعني هي عقدة نقص بالدرجة الأولى بدليل الكثير من المؤلفات التي تورد الصفحات في إثبات أن معجزات الرسول (ص) أعظم وأقوى من معجزات من سبقه من الأنبياء!! وكأنه مزاد علني لإثبات من أفضل مِن من! ونسينا أن هذه المعجزات هي فضل من الله يُؤتيه من يشاء..
ويرى أن المعجزات عند الشيعة أضخم وأكثر مبالغة وعجائبية مقارنة بالسنة، وهو برأيه منطق المهزوم الذي يحتاج لقليل من الخيال وقليل من الإعجاز ليبرر ويفسر ويثبت صدقه وأن الله معه، خصوصا إذا تذكرنا حال أهل البيت الكئيب الذي دومًا ما ينتهي بالقتل والتصفيات! فالسنة كانت الفئة المهيمنة الغالبة فلا تحتاج لكثير من التبرير -الإعجازي- لمواقفها السياسية.
هناك نقطة لم يتعرض لها الكاتب وهو ما نعرفه تاريخيًا من أن أفواجًا كثيرة أسلمت لما رأته من عدالة وأخلاق ومبادء سامية في الإسلام والمسلمين الأوائل.
لا أوافق الكاتب أيضا في أن الخطاب القرآني مشروط بعروبة اللسان، فرسالة القرآن يمكن ترجمتها لأي لغة، صحيح أن الترجمة تُفقد النص إيقاعه وجماله البلاغي، لكن المعنى الذي يُخاطب العقل الإنساني يبقى ثابتًا أيًا كانت اللغة... فآية القرآن عقلية قبل أن تكون لغوية! وحصر الإعجاز القرآني في اللغة هو من فعل المتأخرين، وهو أمر لم يرد فيه دليل لا قرآني ولا حديثي! بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين راسل ملوك الأعاجم من قبط وغيرهم خاطب عقولهم لا غير! أو على حد تعبير الغزالي: "أيها الإمبراطور، إن نبينا عندما كاتب سلفك، لم يذكر له خارقة من خوارق العادات التي عرضت له، وإنما خاطب عقله، واستثار أنبل ما في نفسه، وذكر له أنه باق على إسلامه." ناهيكَ على أن حصر الإعجاز في اللغة يوقعنا في مأزق عالمية الرسالة وحجيتها على باقي الأمم!!
يتطرق الكاتب أيضا لموضوع تصنيم أو تأليه آثار الرسول (ص) والتبرك بها، وأيضا يتطرق لموضوع جعل أحاديثه في منزلة مقاربة جدًا للقرآن بل إن البعض ينسخ آيات القرآن ويؤول معانيها من أجل السنة! فأصبح القرآن تابعًا للسنة لا متبوعًا!!
عمومًا هذا الكتاب بحث قيم جدًا، وفيه نداء لا يمكن تجاهله لإيقاظ العقل الإسلامي من سباته. ويُحزنني أن يأتيَ هذا النداء من خارج صفوفنا لا من داخلها.
الإنسان العربي بحاجه إلى هذه الكتب أكثر من كتب الشعوذه والرقيات والحصون وعذابات القبر وغيرها من الأكاذيب والدجل والهبل كتاب عميق وبسيط وكأنه يأخذك من يدك وبخطوه خطوه يسحبك إلى ضفاف الحقيقه دون تعنت أو تعصب أو تهجم وتفلسف مهم وعميق وسيغير من نظرتك للشعوذات القديمه التي تربيت عليها كن شجاعا ً وأقرأه ببصيره فستستيقظ من سباتك العميق
الكتاب يتكلّم عن المعجزات وقداستها في الإسلام ،سأحاول كتابة مراجعة موضوعية لأن جورج طرابيشي كان موضوعيا بطريقة مثيرة للإعجاب حقّا: ...ملخص ما جاء في الكتاب 1- ذكر أنّ النبي ﷺ هو نبي بلا معجزات لأن القرآن هو كلام الله وما هو إلا ناقل للكلام 2- المعجزات بدأت مع ابن هشام بعشر معجزات لتتضاعف وتزيد فتصل لثلاث آلاف معجزة في كتب السيرة للحلبي والخصيبي 3- المعجزات عند الإمامية فاقت ألف ليلة وليلة والأوديسة والإلياذة في الخيال .. فجعلت الأئمة يحيون الموتى ويطيرون ويمسخون الناس لحيوانات ويحولون الأنهار عسلا
...التفسير 1- ما نُسٍب للنبي من معجرات إنّما كان بسبب الفتوحات الإسلامية ، فالقرآن كلام الله منزّل باللغة العربية ,وهذا ما يجعله لا يساوي شيئا لأن الأعاجم لا يدركون حلاوة آياته ... وبما أن كتبهم السماوية تحكي عن معجزات الأنبياء ... فقد نسب المسلمون للنبي كما هائلا من المعجزات حتى يثبتوا نبوة محمد بالأفعال المادية..
2- نسب الإمامية المعجزات لأئمتهم حتى يعلوا من شأنهم ومكانتهم بالخوارق ، وهذا لأن أغلبهم أنباء جواري وهذا ما ينقص من شأنهم بالاضافة لأن الدعوة الشيعية كانت تتم يسرية تامة فحين بدأ عهد الجهر بالدعوة ،بدأ الإماميون في نسب المعجزات لأئمتهم
...ردي المتواضع 1- أشكرك على الموضوعية التي حاولت قدر المستطاع أن تحيط بها بحثك .. لكن القرآن الكريم هو معجزة النبي ﷺ التي تفرّد بها عن باقي الأنبياء عليهم السلام ومن مميزات هذه المعجزة أنها لم تُحرّف كما حدث مع سابقاتها من الكتب السماوية ... بالاضافة للكم الهائل من الحقائق العلمية التي ما فتئ العلم يستكشفها يوما بعد يوم ... فلو كان الإسلام دين سبات عقل لما رأينا كثيرا من العلماء يخيّرونه دون غيره عقيدة لهم 2- العارف بالدين الإسلامي لا يصدق كلّ ما نسب للنبي ﷺ من أقوال وأفعال ، فعلى الحريص أن يتأكد من صحة السند من خلال أمّات الكتب في هذا المجال ... فإن شُكِك في شخص واحد من ناقلي الكلام ، فالكلام كله مشكوك في أمره .. 3- للنبي ﷺ معجزات غير القرآن جاءت بسند صحيح لا خلل فيه كمعجزة انشقاق القمر والتي ذكرت في القرآن ،بالاضافة لبكاء جذع النخلة والتكلم مع بعض الدواب والجمادات 4- لا يمكن نسب أقوال وسفسطة أهل الضلال للدين الإسلامي ، فعليك وضع كتاب منفصل عنونه بسبات العقل عند مدعي الإسلام 5- تفسيرك لسبب نسب المعجزات للنبي ﷺ منطقي للغاية وأهنئك على الموضوعية مرّة أخرى
جورج طرابيشي عظيم، كاتب محترف ومثقف من الطراز الرفيع، أشعر وأنا اقرأ له بالمتعة ولا احس بعدد الصفحات أو بالملل على الإطلاق. الكتاب ليس جزءًا من سلسلة نقد نقد العقل العربي، وإنّما أتت فكرته لطرابيشي في اثناء كتابته لهذه السلسلة وارتأى أن يضعه في كتاب منفصل تمامًا. فكرة الكتاب الأساسية أن الاسلام لم يحمل معه أية معجزات حسية او مادية، وإنما معجزة بلاغية تمثلت في القرآن الكريم، ويأتي الكاتب بالأدلة على ذلك من القرآن الكريم ذاته. الكتاب خفيف ويمكن أن يُعتبر مدخلاً بسيطًا لسلسلة نقد نقد العقل العربي الضخمة، التي أنوي أن أقرأها في القريب العاجل.
المعجزة : أهي سبات عقل واستكانة للخيال، فنصنع منه واقع بديل؟ أم أنها برهان قوي على الصدق والصواب؟ وهل لنا كمسلمين يفصل بينهم وبين بدأ الدعوة قرابة ال1500 سنة، الراحة لمرويات عدة ذكرت مالايقبله عقل حتى لو صدقه القلب؟ وأي الروايات نصدق؟ وأي الأحداث تكون مصدر ثقة؟ هنا يحاول جورج طرابيشي في مشروعه الثقافي الهائل أن يقدم لنا يد العون.
وكالعادة تأتي هه الدراسة القيمة في محاولة لبيان ثغرات مشروع الجابري في نقده للعقل العربي، وأساسها هو سؤال واضح: هل دخل العقل العربي في سُبات نتيجة لمؤثرات خارجية،أم هي مؤثرات ذاتية داخلية في المقام الأول نابعه من خموله هو؟
ويركز طرابيشي في الفصل الأول على تركيز أهل مكة على شرط المعجزة كإثبات للنبوة وصحتها، فكيف لا يأتي نبيهم(المزعوم) بما أتى به أنبياء غيرهم،وكأن دعوته حكرا عليهم هم،وإذا كانت المعجزة رفيقة درب كل رسول فلماذا قضت المشيئة الإلهية أن ينفرد الرسول دون سائر الرسل والأنبياء بأن يكون نبيا بلا معجزة؟ ثم ينطلق جورج في بيان إجابات كل لك، ذاكرا الروايات السنية والشيعية على حد سواء ومقارنة مضمونها مع آيات الذكر الحكيم وانتهى ببعض التفاصيل المهمة وأهمها:
....أن المعجزة حرفيا هي سلاح من لا سلاح له: وأن الشعوب نتيجة انسحاقها أمام متغيرات الظروف والأزمنة تتجه دائما لاستحضار تراثها ومابه من خوارق لمواجهة حاضرها الضعيف، فيجعلهم يغضوا النظر عن آيات قاطعة تترجم رد النبي بأن المعجزات ليست بيده بل بيد الله، وإنما هو بشر مثلهم أتى لينذرهم ويهديهم طريق الرشاد، وجعلهم يطالبون ويستحضرون معجزات مادية بحتة، متجاهلين كل معاني الإيمان القلبي الثابت في الدين، ومن هنا انكبوا على كتب التراث القديمة وشروحاتها ليخرجوا لنا منها آلاف المعجزات، تضاعف عددها بين السنة والشيعة، كل يبحث عن واقعه الخيالي الفريد، ونتيجة لاختلاف الطائفة، اختلف البطل فنجد أنه (إذا كان الغائب الكبير عن المعجزات النبوية في الأدبيات السنية هو علي بن أبي طالب، فلنا أن نتوقع أن يكون هو الحاضر الكبير في الأدبيات الشيعية عنها. والواقع أن المقارنة بين هذه الأدبيات وتلك تقدم الدليل الكافي ليس فقط على أن حدود العقل الديني تقف عند حدود العقول الدينية الأخرى، كما في مثال الديانات التوحيدية الثلاث التي يكاد يكون شغلها الشاغل تكذيب بعضها بعضًا، بل كذلك الدليل على أن حدود العقل الديني الواحد تقف أيضا عند حدود كل طائفة من طوائفه التي تعتمد بدورها استراتيجية التكذيب المتبادل.) ويتضاعف أكثر بكر معجزات أئمة الشيعة وأئمة السنة بصوفيتها المستحدثه، وأصبحت وسيلة التقرب إلى الله، ذكر الأولياء بمعجزاتهم المزعومة.
وهنا نقف أمام التساؤل المعتا: لماذا؟ وهل يحتاج الدين لإثبات مادي؟ أم أن توسعات هذا الدين لا تقدر على الثبات عند معجزة وحيدة تكون بلاغية ولغوية وخاصة في بلاد لا ينطقون بلسان هذه المعجزة؟ وتبع ذلك الاختلافات التي نشأت نتيجة أحداث الفتنة الكبرى فكان لزام على الشيعة صنع معجزاتهم الخاصة في مواجهة معجزات السنة؟
ولانملك في النهاية إلا ذكر مقولة الإمام علي(كرم الله وجهه) والتي يقول فيها: نعوذ بالله من سبات العقل، والي بقليل من التركيز سنجد أن هذا السبات سبب رئيس فيما نعانيه من كوارث ارتبط معظمها بفهمنا القاصر للدعوة التي آمنا بها غيبا ولم نترجم إيماننا هذا إلى قلوبنا.
لا حول إلا لرب هذا الكون، صُرِف مني اليوم كاملا في قراءة هذا "الكتاب" وكنت في بعض الأحيان أقف على جملة فأقرر ما جال في ذهني من نقض لها كملاحظات كتبتها في دفتر ملاحظاتي الإلكتروني، وفي البعض الآخر لا أفعل لعدم إضاعة الوقت أكثر. ثم إنني لما أكملت الكتاب وعلمت ما في الكتاب من سقوط ثم رأيت ما يبكي من حال "المثقفين" في هذا العالم وقد صدَّروا مراجعاتهم بمباركة هذا السفر الجليل وكونه أحد الكتب الأكثر عقلانية، فتضاربت المشاعر في داخلي، فبعض مني يضحك، وآخر يبكي لكون هذا حال "طبقة المثقفين" و "قرّاء الأمة".
فهكذا ترامت المشاعر وتعددت في النفس على تضادها، ثم قلت في نفسي لابد وأن أنشر هذه الخواطر التي جالت في الذهن لعل كلامي يفيد الرشيد، أو ليتني أجد مِن مَن بارك هذا الكتاب وطار فرحا به رجلا رشيدا يرد علي ما أشكلت على الكتاب. ولو أن نشر الاعتراضات في بدايات الطلب ليس محببا، ولكن "للضرورة أحكام" هذا نقدي لبعض ما ورد في الكتاب : المعجزة لـ جورج طرابيشي http://alash3arey.blogspot.com/2016/0...
أما سبب تقييم المنخفض للكتاب فليس من أجل أنه مخالف لما أعتقد، الأمر أنه لم يكن كتابا استدلاليا، كان روائيا، يخطر في ذهن الكاتب مخيلات فيكتبها ..
حسب طرابيشي؛ فإنّ"المعجزة" النبوية المادية قد ولدت وتضخّمت عددًا ومضمونًا كاستجابة مباشرة لضغط الصراع أو الجدال مع غير المسلمين من أصحاب الأديان الأخرى، التي كانت تعتمد في طروحها على محض "الإعجاز"، أكانت سماوية إلهية أم أرضية وثنية. يتتبع طرابيشي ظاهرة "التضخم" هذه. مقدمًا لانتقال الإسلام –والمسلمين-معها من طور إلى طور. وقد شكّل هذا الكتاب مقدمة واضحة لكتابه اللاحق لهذا (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث). وبهذا يصبّ جواب طرابيشي في كتابه هذا في صالح إجابة الجابري التي كان يريد خلافها. وهي أنّ استقالة العقل المسلم أو سباته إنما كان بسبب فيه، لا بسبب وافدٍ تلقاه كحصان طروادة، فكان محملاً بأعدائه. شخصيًا، وبحكم رفضي المسبق لمنطق "الإعجاز" كله، فإنّي أجد بحث طرابيشي هذا مجرد وصف جيد ولمّاح، لكنّه خلا من البحث في أصل الإشكال. وهو إشكال بشري ابتداءً، وإشكال ديني عام ثانيًا، لا يخصّ الإسلام وحده. تشرّبه المسلمون في لحظة من غفلة العقل العالِم، فقاد إلى سبات العقل العامّ واستقالته.
ما جاء بالكتاب هو نفس ما قاله خليل عبد الكريم و سعد الياسرى و كامل النجار و غيرهم آخرين ، و المصادر التى استشهد بها الكاتب هى نفسها التى استشهد بها هؤلاء .... و لكن لا أدرى لماذا يتصالح المسلمون مع " چورچ طرابيشى " و يختلفون مع غيره مع أن الكلام واحد و المصادر واحدة و النقد واحد أيضا !!!!!!!!!!
كتاب رائع من كتب طرابيشي.... يحلل البعد السياسي وراء اختراع آلاف المعجزات وتوظيفها سياسيا بين الشيعة والسنة.....ويظهر كيف يتم استخبال العقل الجمعي لأمة بأسرها تحت مسمى المعجزات والمعاجز لخدمة تلك المصالح السياسية..... ويحلل أساليب تلك المعجزات....ويصنفها ضمن فئات تتعلق بطبيعتها سواء إحياء موتى او ��كليم جمادات او تغيير لنواميس الكون الكبرى كرجوع الشمس من مغربها يوم كربلاء...... نعم إنها سبات العقل وغيبوبته واستقالته ...... المأخذ الوحيد على الكتاب أنه يسوق الكثير من الأمثلة لنفس الفكرة مما يجعله أطول من اللازم.... لكن أنصح المهتمين بفهم السبات والتخدير والاستخبال الذي مورس على عقل هذه الأمة بقراءته...... الكاتب ادخر تفسيره لظاهرة المعجزات حتى نهاية الكتاب....وجاء تفسيره مقنعا مرتبطا بالفتوحات.....لكنه لم يذكر الدافع السياسي وراء المعجزات في التفسير رغم أنه ظل يردده في اغلب صفحات الكتاب... الكتال رائع...
منذ ما يقارب الثلاثة أيام و أنا أواجه بياض الورقة، قضيتها ثلاثتها، ساعة بساعة و ثانية بثانية، في جحيم مطلق، أحاول عصر ذهني سعيا وراء سطيرات يتيمة أغتصب بها هذا البياض المقيت و أتخطى بها سَورة الخواء. لكن دون جدوى.
كنت كلما تقابلت و الورقة اللعينة إلا و أدبرت منكوص الرأس، خالي الوفاض أيمم صوبي نحو السرير لأنغمس في نهر من الكسل و العرق، حتى استشاطت بي الخيالات حينا، و تصورت نفسي على الرصيف نادبا حظي أشحذ كلمات و أهتف : "أفكار يا سادتي .. كلام منمق لجلال النبي .. شيء لرأب هذا الخواء يا محسنين !!" و طفقت ساعتها أضحك من طرافة الموقف .. أو ربما من فرط تعاستي.
صحيح أن حالة الجفاف اللغوي و الفكري هاته طبيعية جدا، و قد تحصل لأي كاتب كيفما كان، و خاصة و إن كان مبتدئا مثلي يتلمس طريقه على غير هدى، و دونما أنوار، لكنها حالة مؤرقة تجثم على القلب ينفر فيها القلم منك فلا ينصاع مثل الولد الشقي. و هاته الحالة نادرا ما تحصل لي، فإن حصلت، غالبا ما أترك الورقة و القلم في موضعهما، و أرجئ الكتابة في انتظار إشعار آخر.
و ها أنا ذا الآن يومًا بعد انتصار المثلية الجنسية بأمريكا1 – و هذا ما قد يكون من محاسن الصدف كما قد يرى فيه البعض طالحها- أجلس بمكتبي، و قد سال حبري كأنه البحر، لأكتب حتى ألحق نفسي بتلك الأرواح التي تحلق في سماء "اللازمكان" . لأكتب عن المعجزة، و سبات العقل العربي، و أفول العقلانية الإسلامية.
و قبل الحديث عن هذا الكتاب، أو الخوض في هذه الفكرة أو تلك، أريد أن أتوقف عند كلمات طرابيشي في إحدى حواراته يقول فيها "اكتشفت هنا في الغرب، أن هذا الغرب لم يبن نفسه إلا بقدر ما نقد نفسه. العقل الغربي صار متفوقا و عالمي الحضارة حين مارس النقد الذاتي أما نحن الذين لدينا موروث لا يقل أهمية أو حجما عن الموروث الغربي، فإننا لن نستطيع أن نباشر مهمة التحديث و الوصول إلى النهضة المرجوة ما لم نقم بالعملية النقدية نفسها التي أخضع الغرب نفسه لها، لن نستطيع أن نخوض معركة الحداثة و نحن عراة عن النقد الحقيقي." و في هاته السطور المقتضبة تكمن فكرة جوهرية لدراسة عظيمة قام بها المفكر المغربي محمد عابد الجابري في رباعيته الغنية عن التعريف "نقد العقل العربي"، و التي استفاد منها طرابيشي من بعده.
إن جيل طرابيشي و من سبقه من المثقفين العرب كان جيلا "مستغربا" بامتياز. جيل عاش في كنف، أو لنقل في شرك الوجودية و الماركسية و القومية العربية و غيرها من الأفكار الطوباوية، كان جيلا يحلم و يخطط لوطن عربي موحد و طفرة حداثية و شعارات طنانة أخرى من برجه العاجي، و بعيدا جدا عن المجتمع و الواقع المعيش. و لم يكن لهذا الجيل أن يستفيق من اغفاءته إلا بعد 67 و ما لحق فيها بالعرب من ذل و هوان.
إن هزيمة 67 كانت كالصاعقة التي قوضت ما بناه نخبة من المثقفين العرب في قرن من الزمان، و كان على هاته النخبة بعدما قضي ما قضي أن تلملم "أشلاءها" و ما تبقى لها من كبرياء و تجدد شعاراتها و قيمها، لكن من غريب المواقف أن قامت هاته النخبة بالذات كمن أصابه المس، و انقلبت على أفكارالأمس ثم طفقت تبحث عن "مدينة فاضلة" يسود فيها "حكم الله".
كان من المضحك – كما جاء على لسان طرابيشي2– أن هذا الجيل المثقف الذي عايش الاستعمار، و شهد على فترة ما بعد الاستقلال، و انتقال المجتمع العربي من مجتمع بدوي إلى مجتمع حديث، ألا يأخذ بتلابيب التقدم، و يبني لوطن عربي جديد بمعالم و سيماء جديدة. إن مجتمعا تقليديا كالمجتمع العربي لم يكن ليستوعب الأفكار التنويرية الغربية التي طرأت عليه حديثا. كانت النخبة المثقفة آنذاك كالأب الذي يطالب طفلا ما زال في حبوه، بترتيب الغرفة، و كنس المنزل، و طهو الطعام، و جلب الماء من البئر، و الحطب من الغابة. و هذا ضرب من التعجيز.
كان هذا المجتمع لا يزال يعيش في أحلك صور التقليد. و كان الأدهى أن يطرح التنويريون العرب أولا التراث العربي الإسلامي، و التركة الفكرية التي ورثوها عن الأجداد في غربال واسع الخروق ليسقط منها الطالح، و يبقى الصالح، بدلا من الاتيان بقوالب فكرية جاهزة، ثم فرضها على عقول ما زالت تسكنها العوالم العجائبية.
هكذا إذاُ بدأ مشروع الجابري "نقد العقل العربي" الذي قوبل بموجة من النقد و الإشادة معا في كل الأقطار العربية. و هكذا أيضا بدأ مشروع آخر ارتكز أساسا على نقد "نقد العقل العربي" : "نقد نقد العقل العربي" لجورج طرابيشي. و كجزء شبه مستقل، يحلق خارج "سرب" مشروع طرابيشي النقدي، لكن يصب في نفس السياق : البحث في أسباب أفول العقل العربي، جاء كتابه هذا الذي بين أيدينا "المعجزة أو سبات العقل العربي".
في مقدمة هذا الكتاب يقول طرابيشي جازما أن استقالة العقل في الإسلام لا يمكن بأي حال من الأحوال تعليقها على مشجب الغير كما ذهب إليه "الجابري" حسب قوله، لكن الأرجح، بل و الأكيد أنها – أي الإستقالة – راجعة لعوامل داخلية نابعة من ذواتنا نحن فقط، أما اختلاق الأعذار و ارجاع الانكماش و التقهقر لآخر وهمي لا يغدو في نظر طرابيشي إلا رجما بالغيب.
يخبرنا طرابيشي إذاً أن الخلل الذي وقع بالذات العربية الإسلامية الذي قد نصفه بـ"الجواني"، كان عامل تحول و بمثابة العصى التي عطلت ناعورة العقل. و هنا يطرأ سؤال : كيف بدأ هذا الاختلال ؟ و متى بدأ ؟
إن مأساة العقل العربي الإسلامي بدأت – ليس حصرا – بتقهقر التفكير العقلاني، و البحث في أسباب و علل الأشياء، في مقابل انتصار المعجزة أو منطق المعجزة. و الحال أننا إن نظرنا بعين نقدية للإسلام نجد أن بنيته ليست بالأساس عجائزية، فإذا كانت قاعدة الإيمان في اليهودية و المسيحية تكمن أساسا في المعجزة و الظواهر "الفوقطبيعية" من فلق البحر، و إبراء الأكمه، و إحياء الموتى كبراهين دامغة لا يمكن للشاهد عليها أن يماري فيها، فالحال في الإسلام عكس ذلك، و ما خلا القرآن كمعجزة بيانية عقلانية، فالنبي هو نبي بلا معجزة3، و لا يني يكون بشرا كسائر البشر يأكل الطعام و يمشي في الأسواق كما جاء على لسان المكيين.
و هنا يقوم سؤال آخر : إذا كان النبي نبيا بلا معجزة كما أكد على ذلك القرآن في عديد من الآيات، فكيف أتتنا عنه الخوارق و المعجزات في كتب السيرة حتى تعددت إلى الثلاثة آلاف ؟ و كيف أنها أخذت مسارا تضخميا مع مرور الزمن، فانتقلت من عشر معجزات في السيرة النبوية لابن هشام إلى الثلاثة آلاف معجزة في مصنف السيرة الحلبية ؟ و بالبحث في جذور هذه الظاهرة نجد أن لها طابعا سياسويا محضا، بل لنقل أنها جاءت لخدمة نظام معين، أو رؤية معينة، فبانتقال الإسلام من إسلام دعوي إلى إسلام فتوحات بهتت الفعالية الاقناعية للمعجزة العقلية التي مثلها الاعجاز القرآني و انحصرت عند أهل العرب دون غيرهم من شعوب البلدان المفتوحة التي ما كان لها البتة أن تلم بتلك المعجزة و هي لا تفقه في العربية قيد أنملة، و بالتالي أصبح ترسيخ إيمانها، و اقتناعها بالرسالة الإسلامية مشروطا بمعجزات مادية، و تحول بذلك الإسلام حسب قول طرابيشي من لاهوت الرسالة إلى لاهوت المعجزة.
و كحل لهاته المعضلة التي ضربت في عمق العقلانية العربية الإسلامية منذ قرون مضت، ينتهي طرابيشي بالقول أن الواقع في المسيحية و اليهودية أنهما في الأساس ديانتا معجزات، و بالتالي فإن الخوض في أدبياتهما "الفوقطبيعية" و نقدها هو نقد يمس بالأساس المقَوم و يقوضه، أما في الإسلام فهذا النقد لا يتعرض إلا لشوائب قد علقت بجوهره التأسيسي تحول دون قيام "ثورة كوبرنيكية"، أي ثورة عقلية تغير العالم العربي الإسلامي، فتخلصه من غياهب التفكير القروسطي، و تدفع به إلى ركب التقدم.
و هكذا إذاً تكون الدعوة الطرابيشية في الأساس دعوة إلى تفسير عصري للقرآن و السنة كحل وسط لا ينفر من مستجدات العصر و القيم العالمية الجديدة، و لا يضع قطيعة مع الماضي، ذاك الحبل السري الذي ما زلنا نتشبث به.
إن هذا الكتاب في رأيي قد أشعل أول شمعة أنارت بقعة سوداء في تراثنا العربي الإسلامي. لكن الشمعة لا تكفي. و القلم اليتيم لا يكفي. و قليل الثواني التي يقرأها الإنسان العربي كل سنة لا تكفي. إننا في حاجة إلى عرس من الأنوار، و مئات من الأقلام تسيل حبرها على الأوراق، و في الكتب و أعمدة الصحافة ليل نهار، و جحافل من القراء النهمين. يقرأون و لا يتثاءبون.
------------------------------- (1) : كتبت المراجعة يوماٌ بعد منح الحق بزواج المثليين بأمريكا. (2) : في حوار مع صحيفة «الحياة» 30 كانون الثاني (يناير) 2006 (3) : من المعلوم أن النبي كان له معجزات أخرى كمعجزة الإسراء و المعراج و كذا معجزة فلق القمر، و هذا مسطر بالخط العريض في القرآن، لكن ما لا أدري هو سبب تغاضي طرابيشي عن ذلك.
القران بقي على امتداد اربعة عشر قرنا هجريا فريد نوعه لا محاكي له و لا مضارع معترفا به وتم تكريسه بوصفه المعجزة الباقية على مدى الزمن لرسول ما اوتي معجزة غيره وهي ليست معجزة من طبيعة مادية بل من طبيعة عقلية عكس المعجزات السابقة التي كانت حسية كناقة صالح وعصا موسى لكن في اسلام الفتوحات حدث التغيير فغلبت صورة النبي صانع المعجزات على صورة الرسول المكلف بتبليغ الرسالة وتم اعتبار السنة قرانا بعد القران واجاز بعض الاصوليين نسخ القران بالسنة فاصبحت حاكمة عليه عوض ان تكون تابعة له. واذا كانت الادبيات السنية المتاخرة قد اضطرت على سبيل المنافسة مع المعجزات الموسوية و العيسوية الى ان تنسب الى الرسول بعض المعجزات فان الادبيات الشيعية المتاخرة قد اضطرت هي ايضا ولكن على سبيل المنافسة مع المعجزات المحمدية نفسها الى ان تنسب الى الائمة معجزات لا اكثر عددا فحسب بحكم كثرة تعداد الائمة بل ايضا و اساسا اكثر عجائبية وغرائبية بكثير وذلك على سبيل اثبات كلية القدرة المطلقة التي بدونها يكف الامام عن كونه اماما.
هذا الكتاب عبارة عن جزء من أجزاء أخرى كانت في نقد لرباعية محمد عابد الجابري (نقد العقل العربي). على كل حال بإمكان القارئ أن يستمتع بهذا الكتاب ويستفيد منه حتى وان لم يقرأ كتب الجابري-لم أقرأها بعد. يبين لنا جورج طرابيشي في هذا الكتاب أدبيات المعجزة السنية والشيعية وكيف وُظِّفت سياسياً على ��دى قرون مما آل بالعقل العربي إلى سبات جعلنا متأخرين عن العالم بقرون مديدة. ساق لنا تلك المعجزات التي نُسبت إلى سيدنا الكريم محمد عليه السلام في أدبيات السنة من إحياء موتى وتكثير القليل وتفجير ينابيع وغيرها مما لا يتفق مع ما احتوى عليه كتاب الله والأحاديث الصحيحة. من ناحية أخرى، ذكر لنا المعجزات الإمامية في الأدبيات الشيعية. تلك القوى الخارقة التي نُسبت إلى الامام علي وأبناءه والأئمة من بعدهم لتحقيق أهداف سياسية تماماً كما تمت في نظيرتها السنية. يشرح لنا جورج طرابيشي أن العامل الرئيسي في ظهور المعجزات هذه هو" (إسلام الفتوحات) الذي بنى مصداقيته، بالتمايز عن الديانتين التوحيديتين السابقتين، على معجزة واحدة يتيمة وهي الإعجاز القراني. وهي معجزة ليست من طبيعة مادية مثل السابقات بل من طبيعة عقلية" ذكر أن النبي عليه السلام في الحقبة المكية لم يُؤلّه بينما في حقبة الفتوحات تم تأليهه بجعله يعلم الغيب ويحيي الموتى ويفجر الماء. ففي " اسلام الفتوحات وطبقاً للبنية الدينية السائدة من قَبل في البلدان المفتوحة-وهي بنية نبوية تتعبد المبعوث قبل الباعث (موسى، عيسى، زرادشت، ماني )- أُعطيت الأولوية للرسول على الرسالة وبدلا من الإلحاح على مصدرها الإلهي صارت تنسب إليه تحت اسم: الشريعة المحمدية!" وهنا يتضح لنا ومن " التركيبة السكانية لبلدان الفتوحات التحول الانقلابي في الاسلام من( لاهوت الرسالة) إلى (لاهوت المعجزة). يختم حديثه في هذا الكتاب الشيق والممتع عن ضرورة حدوث ثورة (كوبرنيكية) تخرج العقل العربي من سباته إلى فضاء العلم والإبداع. كتاب رائع جدا أتوق لقراءة أجزاءه الاخرى.
لم أفكر في قضية المعجزات النبوية في الإسلام من هذا المنظور من قبل. في المسيحية، المعجزات هي أساس الإيمان، أما في الإسلام، فالإيمان هو أساس المعجزات. القرآن معجزة عقلية، تتطلب فعلاً قرائياً تأميلاً، وقد ركز القرآن الكريم والموروث النبي المبكر على عدم ربط الإيمان بمعجزة مادية، فكانت الدعوة إلى النظر في ملكوت السماء والأرض والاعتبار بقصص الأمم السابقة والحجج العقلية. إلا أن هذا الأمر تغير في مسار التاريخ الإسلامي في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث، حتى بات النبي كائناً خارقاً للعادة، تصل معجزاته المادية إلى الآلاف، وبات الذي يقرأ السير النبوية المتأخرة، كالسيرة الحلبية يعيش في جو غريب من خرق العادات، حتى يكاد يشعر أن خرق العادة هو العادة. يريد أن يؤكد طرابيشي في هذا الكتاب على أن إعادة النظر في أمر هذه المعجزات المادية التي نسبت إلى النبي والتي كان عامل التخيل فيها، في رأيه، هو الغالب، أمر في غاية الضرورة حتى يتمكن المسلمون من إعادة التفكير بموروثهم الديني بطريقة تعيد للعقل توازنه وتجعله يستيقظ من سباته العميق، وأن هذه العملية لا تهدد الإسلام في شيء من أصوله، على عكس المسيحية، إذ إن رفض المعجزات التي وردت في الإنجيل يخلخل بناء الإيمان في المسيحية، ولكن الأمر مختلف في الإسلام، الذي حرص القرآن على أن يكون ويبقى ديناً بعيداً عن الخرافة والغرائبية.
"لعلنا لا نغلي إذا قلنا إن اتخاذ موقف عقلاني ونقدي جذري من أدبيات المعجزة ومنطق المعجزة يكاد يعادل انقلابا كوبرنيكيا." صفحة 181
اسم الكتاب : المعجزة أو سبات العقل في الإسلام اسم الكاتب : جورج طرابيشي التقييم : 3/5 🌟🌟🌟
📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚
قيمة الكتاب في ( مقالته النهائية ).
——————————————————
ماذا يقول الكتاب ؟
إن الخصيصة الجوهرية لنبي الإسلام أنه نبي بلا معجزة وكانت هذه الخصيصة هي ميدان الذي يدور فيه التكذيب والجدال مع القرشيين و أهل الكتاب ... هذا ما يؤكده القرآن في كثير من المواضع وقد الكاتب حق قارئه في وضع الكثير من الاستشهادات التي تؤكد مقولاته
وكذلك ، فإن الإيمان الإسلامي في جوهره وتأسيسه وأدبياته هو إيمان عقلي قام على معجزة من طبيعة ليست حسية و إنما عقلية بيانية تمثلت في النص القرآني، وكذلك قام هذا الإيمان على نفي المعجزات الحسية وليس كما هو الحال في الإيمان المسيحي مثلاً التي قامت بالإساس على المعجزات الحسية ليسوع.
إلا أن ما حدث بعد ذلك ونتيجةً لـ ( إسلام الفتوحات ) هو ظهور وتضخم عبر مسار التاريخ للروايات المعجزات النبوية والإمامية بسبب الظروف السياسية والاجتماعية ( الكاتب يعرض ويشرح تلك الظروف بإسهاب )
ظهور هذه الأدبيات وتضخمها عبر الأزمنة المتلاحقة جعلت ثقافة الوهم وإمكانية سيطرة سحرية على الكون والطبيعة تسيطر على العقل العربي الإسلامي يغط في سبات وينصرف عن تفسير الكون ومعرفة القوانين الناظمة له.
——————————————————
في الختام ، الكاتب يدعو إلى احداث ما يسميه ثورة كوبرنيكية ( علي المستوى العقلي ) من داخل التراث بالعودة إلى مفاهيم القرآن ( المعجزة الأصلية ) وخير من يضطلع بهذا الدور هم ربما القرآنيين
بُعث النبي (ص) بدون معجزة علي عكس سائر الأنبياء "فالقرآن معجزة بذاته", مع نزول القرآن الكريم باللغة العربية, وبداية عصر الفتوحات الإسلامية, كان هناك صعوبة في نشر وفهم القرآن في بلاد تعتنق ديانات تقوم بالأساس علي المعجزات, "ففي المسيحية المعجزات هي أساس الإيمان, أما في الإسلام, فاﻹيمان هو أساس المعجزات". هنا كانت تكمن الثغرة الكبيرة بين الإعتقاد والواقع والتي لا يمكن ردمها إلا بالمعجزة وبمنطق المعجزة. فبدأ اختلاق المعجزات ونسبها للنبي (ص). ويعرض الكتاب أيضاً المفارقة بين المعجزات السنية والشيعية, ويوضح كيف كُتب السيرة يلاحظ أن باب معجزات النبي فيها يخضع خضوعاً شبه ميكانيكي لقانون التضخيم طرداً مع الزمن. ففي سيرة ابن هشام يُذكر للنبي (ص) عشر معجزات فقط, وتمتد عند واضع السيرة الحلبية إلي خمس وعشرين صفحة, ويتطاول عند مصنف البداية والنهاية لابن كثير إلي مئتين وخمس وثلاثين صفحة.
"حين يُستسهل إتيان المعجزات ذلك الإستسهال المفرط, وحين تُتداول أخبارها كما تُتداول القصص وسحريات ألف ليلة وليلة, وحين يغدو خرق العادة أكثر تواتراً من إطراد العادة, فإن المعجزة تكف عن أن تكون دليلاً علي أي شئ, إلا علي بطلانها هي نفسها".
يبحث طرابيشي في هذا الكتاب مدى صحة إدعاء الجابري بأن العقل المستقيل في الاسلام نتيجة لتغلغل المروث العرفاني الهرمسي و الأفلاطونية المحدثة في تكوين هذا العقل ، فيصل طرابيشي إلى أن هذا الحكم غير علمي و يثبت أن العقل الإسلامي (السني / الشيعي) حمل في بذوره المتقدمة منذ ق2 بذور هذه الاستقالة المعرفية المأساوية التي تمثلت أساسا في تضخم معجزات النبي من 3 إلى 3000 معجزة عند السنة و الخوارق الكثييييرة التي نسبت للأئمة عند الشيعة من ناحيتي أرى أن استقالة العقل كان نتيجة مشتركة بين العوامل الداخلية و الخارجية أي بين انعدام الاطر الاجتماعية للمعرفة و التضييق على العقل العلمي من جهة و انتشار الفكر العرفاني نتيجة الغزوات من جهة اخرى
لا شك أن كتب الموروث الإسلامي تزخر بالعديد من القصص الغريبة والتناقضات الصارخة التي أصبحت غير مستساغة في عقول العديد من المتنورين من البشر، ومع هذا الرفض العقلاني و المنطقي وضعت هذه الكتب الدين نفسه في إشكالية حقيقية، متى ما تم تشريحها خارج هالة القداسة التي تحميها من الأنهيار في عقول المؤمنين بها. يناقش جورج طرابيشي في هذا الكتاب الذي بين أيدينا الذي يحمل عنوان ( المعجزة أو سُبات العقل في الإسلام) إشكاليات عديدة تواجه عقل المسلم المتسائل، يفتتح جورج طرابيشي كتابه هذا بالفصل الذي يحمل عنوان (نبي بلا معجزة) الذي يتحدث عن أن النبي محمد لم يأت بمعجزة مادية على عكس الأنبياء السابقين، (لاحقاً قام الرواة المتأخرين بنسب ما يقارب الثلاثة آلاف معجزة من قبيل إحياء الموتى وتكثير الطعام وتفجير ينابيع المياه وشفاء المرضى ألخ) ، مما أدخل الشك على الأميين و الكتابيين الذين لم يتخلوا على مدى اثني عشر عاماً من حوارهم مع الرسول على طلب برهان المعجزة، ورغم أن الرسول كان يعلل عدم وجود معجزة لديه بمثل من سبقوه من الأنبياء مثل عيسى أو موسى بأيآت من مثل (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) و أيضاً (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً) و كذلك (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)
يعلق طرابيشي في أحد هوامش الكتاب على هذا الموضوع بما نصه،
(هنا أيضاً يثور إشكال لاهوتي لم يُطرح، وعلى كل حال لم يُجب عنه في كتب التفسير : فما دام الله هو الذي يهدي من يشاء و يضل من يشاء، وما دام من يضلله الله فلا هادي له، وما دام الله هو الذي يجعل على قلوب اللامهتدين أكنة وفي أذانهم وقراً كيلا يهتدوا ابداً، وبكلمة واحدة، وبحسب تعبير الإم��م الأجري في كتابه الشريعة، ما دام الله هو نفسه من يختم على قلوب من أراد من عباده، فلا يهتدون إلى الحق ولا يسمعونه ولا يبصرونه، فلمٌ إذاً سيُسامون في الآخرة العذاب على ذنب ما اقترفوه بأرادتهم؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسيحية نفسها كانت واجهت مثل هذا الإشكال اللاهوتي، وقد كان الجواب عنه واحدة من مسائل الخلاف بين الكاثوليكيين و البروستاتيين، و كان مدار جدل كلامي عويص على امتداد القرنين السابع عشر و الثامن عشر. و قد ذهب الجانسينيون، ممن حكمت عليهم الكنيسة الكاثوليكية بالهرطقة، إلى أن الهلاك الأبدي-مثله مثل الخلاص الأبدي- يُكتب على بعض البشر دون بعضهم الآخر منذ لحظة ولادتهم، بل حتى قبل أن يتخلقوا في الأرحام. فعذابهم هو من قضاء الله و قدره المسبق. و تماماً كما في الآية ٢٣ من سورة الأنبياء، فإن الله (لا يُسال عما يفعل وهم يُسألون)
وفي موضوع آخر يأخذنا جورج طرابيشي في سبر أغوار العديد من الروايات التي وظفت توظيفاً سياسياً وتم نسبها للنبي محمد من أجل مصلحة كل فرقة من فرق المسلمين بعد اختصامها بين بعضها البعض ومن هي أحق بالخلافة بعد موت الرسول، ومن ثم تطور الموضوع لاحقاً إلى اقتتال بين بعضهم البعض، وحاول الأمويين تثبيت حقهم في الخلافة بالأحاديث و النبوءات التي ظهرت لاحقاً ومنها على سبيل المثال ما جاء على لسان أنس بن مالك في صحيح البخاري (قال: صعد رسول الله (ص) أحُداً ومعه أبو بكر و عمر و عثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه رسول الله (ص) برجله، وقال: أثبت، فإنما عليك نبي و صديق و شهيدان) وكذلك نبوءة تتكرر بصيغ شتى، وتقول على لسان زيد بن أرقم: قال: (بعثني رسول الله (ص) فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره محتبياً فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام و يقول: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى عمر راكباً على حمار تلوح صلعته فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام و يقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع و يبتاع، فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام و يقول: ابشر بالجنة بعد بلاء شديد)
ونلاحظ هنا نفي علياً من هذه النبوءات وهذا كذلك ما فعله الشيعة في نفي أبي بكر و عمر و عثمان من النبوءات والكرامات التي وردت في كتبهم بل وصل بهم خيالهم في التوظيف السياسي للروايات إلى حد خروج النبي محمد من قبره للشهادة أن الخلافة لعلي وهنا أدرج ما قاله الخصيبي أحد رواة الشيعة في كتابه الهداية الكبرى..
(أن أبا بكر لقي (علياً) في سكة بني النجار في المدينة، و كان قد استخلف الناس أبا بكر، فسلم أبا بكر عليه و صافحه وقال له: يا أبا الحسين عسى في نفسك شيء من استخلاف الناس إياي و ما كان في السقيفة و إكراهك على البيعة… والله يا علي لو شهد عندي من أثق به أنك أحق بهذا الأمر مني لسلمته إليك، رضي من رضي، وسخط من سخط، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: بالله يا أبا بكر هل أنت بأحد أوثق منك برسول الله؟ قال أبو بكر: لا والله، قال له: يا أبا بكر، إن رأيت رسول الله حياً و يقول لك: إنك ظالم في أخذ حقي الذي جعله الله لي ولرسوله دونك و دون المسلمين، إنك تسلم هذا الأمر إلي وتخلع نفسك منه؟ قال أبو بكر : هذا ما لا يكون إلا أن أرى رسول الله بعد موته حياً يقول لي و يأمرني بذلك. قال له أمير المؤمنين: الله و رسوله عليك من الشاهدين أنك تفي بما قلت، قال أبو بكر: نعم، فضرب أمير المؤمنين على يده و مال يسعى به إلى مسجد قباء، فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين فدخل المسجد و أبو بكر من ورائه، فإذا هما برسول الله جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي فبادره رسول الله: أيها الضليل المفتون ارفع رأسك، فرفعه و قال: لبيك يا رسول الله، أحياة بعد الموت؟ قال : نعم، ويحك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله و رسوله عليك لعلي، فما بالك تناشد علياً فيها؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله هل من توبة؟ وهل يعفو الله عني إذا سلٌمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟ فقال: نعم يا أبا بكر، و أنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت، قال: وغاب رسول الله، فثبت أبو بكر إلى أمير المؤمنين وقال: الله الله سر معي حتى أعلو المنبر فأقص على الناس ما شاهدت وما رأيت من أمر رسول الله، وما قال لي وما قلت له، و أخلع نفسي من هذا الأمر و أسلمه إليك، قال أمير المؤمنين: أنا معك يا أبا بكر إن تركك شيطانك)
يعلق طرابيشي على هذه الرواية العجيبة فيقول (والقصة تطول، ولكن في نهايتها يمتنع أبو بكر عن خلع نفسه لأن (شيطانه)، كما حدس علي، لم يتركه. و بديهي أن هذا الشيطان ليس أحداً آخر سوى عمر بن الخطاب الذي كثيراً ما يصور لنا في المرويات الشيعية عن (مؤامرة) السقيفة على أنه هو اللاعب، بينما الملعوب به أبو بكر.)
إن هذا الكتاب يعطي نبذه عن آلية سقوط العقل الإسلامي في براثن الجدل العقيم غير المنطقي وصولاً إلى تزييف التاريخ وتناقضه وعدم احترامه لعقل الإنسان، وهو أغلى ما يملك لقياس الأمور وفهمها و هو نفس العقل الذي يؤمن كذلك أن كل مقدس لا يمكن مناقشته أو حتى محاولة الاقتراب منه لدوافع وضعها نفس العقل الذي ارتهن بالنص قبل التفكر و التدبر، إننا هنا نعي تماماً الصدمة التي يواجهها المؤمنون أثناء اخضاع النص الديني لأدوات المقارنة العقلية و المنطقية في دائرة يُحرم على العقل الولوج لها مهما كانت الدوافع و الأهداف المعرفية، ولا نستطيع هنا أن نقول إلا كما قال علي بن أبي طالب (نعوذ بالله من سُبات العقل)
مرة أخرى قراءة لجورج طرابيشي ودائماً مع مشروعه الضخم "نقد نقد العقل العربي" وهذه المرة مع "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام" الذي يصفه بأنه " دراسة" تُمهد للجزء الأخير من مشروعه لنقد النقد. همّ طرابيشي في هذا الكتاب كما في أعماله السابقة في نقد النقد هو الإجابة عن السؤال الكبير .. هل تمت استقالة العقل من الحضارة العربية الإسلامية بسبب عامل خارجي كما يقول بذلك الجابري، أم إن هذه الإستقالة جاءت كحدث طبيعي جرّاء إفرازات داخلية أنتجتها الحضارة الإسلامية نفسها لينتهي بها الأمر كأمة تقدس النص وتتمركز حوله وتجعل العقل مجرد تابع ذليل له يدور في فلكه دون أدنى استقلالية عنه؟ في هذا الكتاب يتناول طرابيشي موضوع المعجزات التي لاحظ أن مشروع الجابري لم يتطرق إليها، ويبدأ الكتاب بعنوان واضح لا لبس فيه (نبي بلا معجزة) ليورد في هذا الصدد عدة آيات من القرآن تؤكد أن النبي ليس له من آية غير القرآن وأن الله لو يشاء لأنزل آية (معجزة)، وبعض هذه الآيات فيها ردّ على الرسول نفسه عندما يكون هو طالب المعجزة وليس خصومه المشركين. بعد ذلك يشرع طرابيشي في استكشاف مسيرة تضخم هذه المعجزات بدءاً من ابن هشام الذي أوردها كعشر فقط، مرورا بالقاضي عياض الذي أورد 120 ثم إنتهاء بصاحب السيرة الحلبية الذي لم يتردد في الإقرار بان عدد معجزات النبي يناهز الـ3000 وباستقراء هذه المعجزات، يُلاحَظ تغولها في العجائبية والـ"الفانتازية" كلما كان زمن صاحب السيرة متاخراً ، ومايثير الإنتباه أيضا هو "المحاكاة" التي أوردها كتاب هذه السير لمعجزات باقي الأنبياء وإعطاء النبي مثلها، كإحياء الموتى واستنطاق الحيوانات وتكثير الطعام وتفجّر الماء بين أصابعه، بل جعلو حتى لصحابته معجزات أو "كرامات" - كما يقال - لاتقل "إعجازا" عن ما أوتيه الأنبياء. المعجزات لم تخلوا من "صناعة" واضحة خصوصاً فيما يتعلق بسياق النزاع السني الشيعي الذي ظهر فيما بعد، وذلك بتركيز المعجزات على الخلفاء الثلاثة عند السنة، ومن ثم تركيز المعجزات للإمام علي عند الشيعة. والجانب الأخطرمن هذه المعجزات، أنها آتت مفعولاً بعدياً، بحيث أصبح لكل حدث يقع مستقبلاً سند في الماضي، لأن النبي أخبر عنه، وبهذا يكون النبي قد أنبأ بالغيب، وهذا الحق الذي لم يعطيه الله لأيّ بشر، مؤكداً ذلك في اكثر من آية من القرآن. والملاحظ في المعجزات الشيعية، خرافاتها الكثيرة والتي لاترتقي حتى لأن تصبح معجزة أو كرامة أو ماشابه، إنها تماثل واحدة من قصص "ألف ليلة وليلة" كما يقول طرابيشي، الحصان المجنح، وإحياء الموتى أيضا (ومنهم النبي نفسه).ا وتتجاوز المعجزات الشيعية النبي وابن عمه علي، لتمتد إلى "الأئمة" الذين تنسب إليهم قدرات "إلهية" بأتم معنى الكلمة، بحيث أصبحوا "مشاركين لله في الصفة والجوهر" على حد وصف طرابيشي دوماً القراءة أذهلتني ثم أغضبتني ُثم جعلتني أبتسم ساخراً، هذه هي التقلبات التي انتابتني وأنا أقرأ عن النبي وهو يُقدَّم وكأنه ساحر أو نصف إله، يحيي الموتى ويكثر الطعام ويُكلم الحيوان والشجر، ويعلم الغيب ويُنبئ عن حوادث المستقبل (حتى التفاصيل الصغيرة منها). ولا أريد التحدث عن معجزات الشيعة فهي أكثر إغراقاً في الكذب والمبالغة بشكل يدعو للسخف. يختم طرابيشي الكتاب برؤية مؤداها أن الإسلام بخلاف الأديان الأخرى لم يأت بمعجزات مادية، وأنه اقتصر على معجزة بيانية غير حسية وهي القرآن، لذلك عندما دخل الإسلام إلى أراضٍ كانت بها أديان ومعتقدات مبنية على المعجزات والخوارق المادية الملموسة، جرى "اصطناع" مثل هذه الأخبار ونسبتها للنبي. وأختم بهذه الجملة لطرابشي..(حين يُستسهل إتيان المعجزات ذلك الإستسهال المفرط، وحين تُتداول أخبارها كما تُتداول قصص و سحريات ألف ليلة وليلة، وحين يغدو خرق العادة أكثر تواتراً من إطراد العادة، فإن المعجزة تكف أن تكون دليلاً على أي شئ سوى بطلانها هي نفسها) بقي أن أقول إن المسألة الوحيدة التي لم يتطرق إليها طرابيشي في الكتاب هي حادثة الإسراء والمعراج، حيث لم يُشر إيها الكاتب لا من قريب ولا من بعيد .. وتمنيت لو أنه فعل!
المعجزة أو سبات العقل في الإسلام: أول كتاب أقرأه لجورج طرابيشي ولن يكن الوحيد. كما يتضح من العنوان يتحدث الكتاب عن المعجزة في الإسلام بجانبيها العقائدي والتاريخي، فيبدأ أول فصل بتحليل ما ورد في القرآن نحو ما يخص النبي من معجزات فيستنتج ان الله أرسل الرسول محمد بمعجزة واحدة فقط ألا وهي القرآن الكريم. ولكن حصل بعد ذلك في التاريخ الإسلامي بشقيه السني والشيعي "اختراع" معجزات ونسبها إلى الرسول والصحابة والأئمة وغيرهم من أهل البيت، حيث اتبعت هذه الاختراعات والتزويرات مساراً تضخمياً على مر العصور والنتيجة مجلدات ضخمة تحوي بضع آلاف من المعجزات الخيالية التي تشل العقل أكثر من أن تبهره. الكتاب في مجمله ناقل للأحاديث والقصص من دون تحليل مطول من قبل الكاتب، ولكن ليس من الصعب على القارئ أن يستنتج المغزى من الكتاب لوحده بعد قراءة ما تنسبه كتب التاريخ للرسول والأئمة من معجزات تشبه قصص ألف ليلة وليلة على رأي جورج طرابيشي.
كتاب جيد :) يتحدث في غالبه عن المعجزة سواء عند أهل السنة أو الشيعة وكيف صارت تتضخم مع مرور الزمن وصار التركيز على المعجزة واختلاق بعضها لكي يؤمن البعض دون الانتباه إلى أن القرآن هو المعجزة الخالدة :)
اهتم طرابيشى سابقا بالاحاديث ذات المدلول السياسى فى كتابه الاكبر و الاهم "النشأة المستأنفة" ...لكن ها هنا يتداول مفهوم الاعجاز فيها من حيث الاتيان بنبأ الغيب ، و يشير طرابيشى -و نشير معه- الى الجانب السياسى فى الاحاديث النبوية المتأخرة التى نراها وضعت كنوع من التبرير لحوادث صفين و الجمل بل و الحرة و كربلاء بوضعها بقالب نبؤة عن قدر واقع لا محالة ك بديل عن الاشارة لضعف الدين و فساد الحكم و الحاكمين ناهيك عن تكريسها لنصرة افراد دون افراد و جماعات دون جماعات و ذو العقل يدرك تلك الاحاديث الموضوعة بسهولة من متنها و دون النظر حتى الى سندها فى رأينا
و رغم اشارات القرآن الكثيرة عن الغيب و حكره تماما لله وحده مع عدم استثناء لنبى ولا ولى فان السنة قد كرست بمنظومة الحديث المتضخمة قرب القرن السادس الهجرى ففصلت الاحاديث لتأيد و ذم معاوية ، و على كلا حسب فريقه...و احاديث اعجازية اخرى توصى بالحياد ....بل و امتد الامر الى استغلال لمفهوم المعجزة فى الحديث النبوى كذريعة لتأيد اتفاق معاوية/الحسن الذى سرعان ما فشل بعدها بسنين قليلة بواسطة "العسل" لتكتمل التجربة بثنائية يزيد/الحسين و رغم ترديد القرآن الدائم لانسانيةالنبى و رغم استدلال الفقهاء انفسهم ببشرية الرسول دليل على نسب القرآن الالهى و رغم اشارة القرآن الى ضعف و احتياج الرسول قبل النبوة و تدعو لعدم طلب المعجزة الحسية و احيانا عدم جدواها بدليل كفر اليهود رغم عنها , نذكر منها:
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ ۖ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ
وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ************* لكن الامر لم يمنع من تكريس طفولة "على نهج عيسى" فنرى فى السير حديث عن ولادة النبى مختونا ، نظيف من تلوث الولادة ، متحدثا فى المهد بل و اشارات الى بعث عبد الله بن عبد المطلب ليؤمن به ، و يروى لنا الحلبى عن امنه ان النبى تحدث بسن ثمانية شهور و تحدث الفصحى فى تسعة و رمى السهم فى العاشرة و نكرر ان وحدة القياس هنا الشهور لا السنين
و حتى رفض النبى لخسوف الشمس لموت ابنه -حتى و ان كان تعاطفا لا بالادارة و الاعجاز- الذى يعترف به السنة و يكثرون من ترديده لم يمنع الحاق نفس الفعل الى النبى فى حوادث اخرى من كتب التراث فنرى "تحولا" للشخصية المحمدية التى يرسمها القرآن كبشر يلمع -فقط- بتكريم من الله و يحمل شرف و عبء الرسالة و يرهق حينا ...لا يقوى حتى على اختيار زوجاته دون تدخل الارادة الالهية , لانسان "مقدس" مبارك مخاطه و دمائه و سوائله الجسدية و يمنح حذاءه بركة و معجزات **************** مطلع القرن الثالث الهجرى دونت سيرة ابن هشام فضمت ١٠ معجزات حسية للنبى ، اما فى القرن الخامس فيدون لنا المارودى ٤٠ معجزة مختلفة و متنوعه بينها ما يتشابه مع ابن هشام و منها الجديد علينا ، و بالضرورة عندما نصل للقرن السادس تضاعف عن صورة ابن هشام الاقدم اثنى عشر مره فنقرأ فى "الشفا فى تعريف حقوق المصطفى" ل القاضى عياض تلميذ انس ابن مالك لتصل الى ما يقرب ١٢٠ معجزة رغم ان مالك نفسه فى الموطأ لم يدون الا عن ٣ معجزات و لم يفرد لها باب خاص بها ، لنصل الى ابن كثير فى القرن الثامن الذى سيحافظ على العدد و يجدد فى طريقة العرض فيكثر الروايات و يفصل و يوضح فيما يزيد عن مائتين صفحة و نعود لنقارن ذلك ب موطأ مالك الذى لم يكلف فصلا خاص حتى لها ، و تصل فى "السيرة الحلبية" الى الاشارة الى ثلاثةالآف معجزة **************** و كما فعل طرابيشى فى النشأة المستأنفة و هرطقات بجزئيه لا يتحدث عن الاسلام وتراثه و سنته و الفقه -كما عودنا مؤلفينا- حديث السنة فقط بل يتبعه بالمقارنة دائما بنظيرها الشيعى ... و هنا ندرك الاستخدام الشيعى الكلاسيكى او السلفى للتكريس لوصية على كما استخدم فقهاء السنة نفس المسلك ، فنجد نفس المعجزة ذاتها باختلاف اسم الصحابى المرافق للاعجاز...فيهتز الجبل بالنبى و عثمان و عمر و ابو بكر فيضرب النبى الجبل بقدميه و يخبره ان يثبت "فعليه نبى و صديق و شهدين " فى كتب السنة ، بينما يتهز نفس الجبل بصحبه على فينطق النبى "اثبت فعليك نبى و وصى" كما فى كتب فقه الشيعة...
و كما استخدم فقة السنة التابع للسلطة الزمنية معجزات علم الغيب النبوية ل"شرعنة" حكم الاموية و العباسية , استخدم فقهاء الشيعة المعارضين احاديث مضادة لتأكيد امامية نسل الحسين ...و يلفت انتباهنا احد تلك الاحاديث على لسان سلمان الحلبى انتهت ان خلق النبى و على و فاطمة و الحسن و الحسين و النقباء التسعة كان من "نور" الله لا من طين ولا من لحم و دماء فى الاصل *************** و لم يرد طرابيشى ان يغلق هذا الباب العجائبى دون ان يورد لنا دليل من الاضافات التى اضافها الفقة الشيعى لمعجزات الأمام تلو الاخر و اولهم على ... و المدقق المتأمل يرى جانب -ربما اقل سطوعا- حين اضيف الى الفقه السنى عدد ضخم من المعجزات للصحابة منها احياء الموتى و المشى على الماء و يتوقف طرابيشى و نتوقف معه على تلك الرواية التى رواها محمد بن جرير الشيعى -تميز له عن نفس المسمى السنى الشهير- لتلك لن تكتفى بكسر تابوه اسلامى قرآنى بمنع المعجزات الدنيوية عن النبى بل ستضيف كسر للتابوه النبوى ذاته حين يروى ان على بعث بالرسول محمد حيا ليشهد له بالخلافة امام ابى بكر ...و الذى وفقا للمعتقد الشيعى الاعم "سارقى" الخلافة هو و عمر بن الخطاب
و التوقف هنا ليس للدلالة على "هوس" الشيعة كما يبدو و كما يحب ان يردد فقهاء الكلاسيك.. بل علامة على التمادى فى ذلك الباب الذى فتحه فقهاء السنة ذاتهم و بفعل عام الزمن الذى وسع من القاعدة حتى وصلنا لتلك المرحلة
و الامر لا يخلو من بعض المعجزات للتسلية فنرى عليا يمسخ شخص يصرخ فى وجهه كلب , او ان يروى عن سهم قوس العلى ينقلب ثعبان عند انطلاقه و ركوب للسحاب احيانا...و لا مانع من اضافة معجزات "اتوماتكيه" لرجل من النواصب -لفظ شيعى شهير يوصف به اهل السنة المتشددين و مقابل للفظ الرفاضى عند المعسكر المقابل- فيتحول دون تدخل من احد الى كلب برأسه و وبره و يصلى متمنيا من الله العودة
و لم يمنع كل هذا قليل من التفكير عن سبب عدم استخدام "على" او غيره لخصائص العجائب تلك على قاتله او على المشركين ايام الذلة او حتى فى النصر على معاوية و كان يكفيه ان يمسخه حيوان لتحسم الحرب التى قتل فيها الالالف من عامة المسلمين و الصحابة على السواء....و بالفعل يسأل السؤال فتضاف جمل جمه من اقوال على "اذا اراد" ان يكسب الحرب تلك ..و لكن تلك ال"اذا" و ال"لو" تبقى فى حيز الامانى و سطور فى كتب الشيعة المنسحقة تحت دوالايب السلطة الزمنية ************* يرى احمد امين ان الشيعية طائفة تشل العقل و تميت الفكر و برر ذلك بزيادة سقف الغرائبية و العجائبية فى قصصهم , و يرى طرابيشى ان تلك نتيجة لا سبب و يبرر ان الضغط الدينى و السياسى لفترات طويلة و نزول الطائفة "تحت الارض" اسهم فى الشطط فى قصصهم..و اى كان التبرير الذى تفضله تبقى حقيقة غلو الشيعية فى المعجزات و توسع رقعتها الضخم لجميع الأمامة , و صحيح ان للصوفية الاسلامية كما للقديسين المسيحين فى العصور الوسطى معجزات و كرامات لكن فى حالة الصوفية ظلت تلك دائما خارجة عن الدين الرسمى و محفوظة فى صدور و عقول البسطاء فقط
تعدد الاسباب و النتائج و ان كانت تلك نواتج الاضطهاد ام من احساس ب"النعرة" و الفخر فالمحقق يرى فعلا مبالغة و فى قصة "الخيط" يروى عن خيط جلبه جبرائيل من عهد موسى للنبى و يحمله ابناء على و فاطمة من الجيل الثالث يؤدى حركته الهينة الى الزلزال و الكبيرة منها الى فناء البشرية...و تنتهى تلك العجائبية الكبيرة الى قول على لسان محمد بن الباقر يقول فيها ما ��عناه ان "عترة بيت النبى" سبب خلق الله للارض و السماء و الناس و الدواب ولا قمر ولا شموسا و نرى فى رواية قرآنية النبى ابراهيم يطلب من الله التأكد فيكون التأكيد على ربوبية الرب و الوهية الاله هى احياء الطير بعد قتلها و توزيع لحومها ...و نفاجئ براوية فى كتب الشيعة عن سلمان الفارسى يريد التأكد من امامية على فيطلب منه تقطيع لحوم طيور مختلفة ليحيها عليا بنظره من عينيه
و ذكر عجائب الأمامة الشيعة يضيق به كتاب طرابيشى ذاته علاوة على حديثتا هذا ...لكن محاولات التوفيق بين علم الامام "الكلى"و الشامل و الجامع لعلوم الغيب و بين عموم قتلهم بالسم الذى يشتهر بالغدر و عدم المعرفة الذى حصد ارواح أئمة الشيعة واحد تلو الاخر...و فى تخريج كتبه الشيعة لذلك الامر أمر طويل يتقضى غالبا رواية علم الامام بالمكيدة و استسلامه لها و بذلك يتحول موت الامام -براوية سابق علمه لها-دليل فى حد ذاته على قوته لا برهانا طبيعى عن كذبه و لا ندرى سبب تفضيل الشيعة لفكرة الامام المهدى المنتظر بدلا من قتله كسابقيه و يبرر طرابيشى ان فى ظل الشدة زادت الحاجة الى المعجزة لدرجة تفضيل الشيعة ل"اخفاء" امامهم بدلا من قتله كما قتل من قبله
و عموما فالمعجزات الامامية تماما كالمعجزات النبوية تتبنى منحنى تصاعدى ففى كتب الشيعة الاوائل تكون المعجزات قرب الخمسين لترتفع فى عهد الطبرى الشيعى الكبير 250 ثم تتضخم الى 300 فى كتب الطبرى الصغير و من ثم ترتفع فى كتاب "دليل المعاجز" للبحرينى الى قرابه الالفين معجزة موزعة فى اربعة الف من الصفحات المكدسة و التضخم هنا ليس كما فقط بل كيفا و تصاعدا حقيقيا فى كسر الواقع و قواعد الناموس فنرى دائما المعجزات المتأخرة اكثر عجائبية من زميلتها الاقدم... ذلك دون معجزات فاطمة التى لم يحصيها طرابيشى عددا و لم يحيطنا بفحواها ************** و قرب النهاية نتسأل عن سبب اعادة تأسيس الاسلام على اساس نبى مثقل بالمعجزات المادية رغم تفاخره الاول بمعجزته القرآنية الاثيرة و الاعجاز اللغوى الذى نكاد نراه يتوارى وراء سحابة كثيفة من الاعجازات التى اخذت تتوسع كما و كيفا و امتدادها خارج عصر النبوة ذاته؟ يرجح طرابيشى ان ما اسماه "دين الفتوحات" ما كان ليستمر بمعجزة حسية عقلية كالقرآن تحتاج الى لغة قوية و عروبة ظاهرة لسبر اغواره و لبيان قوته و اعجازه, فى ظل مسيحية تطورت فى ذلك العصر الى ديانة مادية تزدحم بالمعجزات ليس لليسوع فقط ولا لحواريه فقط بل بامتداد طبيعى الى القديسين و ما اكثرهم فى ذلك العصر ... بمنظور التركيبة السكانية لبلدان الفتوحات المقصودة بالدخول فى دين الله افواجا نستطيع ان نرى التحول من اعجاز الرسالة و القرآن الذى يتطلب اعمال للعقل حتى ان كان نسبيا محدودا بحدود الممنوعات , الى دين المعجزات الحسية التى تشل العقل حسب تعبير احمد أمين حين تحدث على معجزات أئمة الشيعة و بما تداخل العنصر الاجنبى بشده فجلب معه تقاليده "السحرية" فيؤثر العموم الضعيف فى الخاص القوى فى مثال مشابه لقول ديورانت عن اجبار الرجل العادى فى العصور الوسطى الكنيسة ذاتها على ادخال افكاره البدائية فى الدين الرسمى
و الحقيقة ان تأثر و تأثير الاديان ببعضها البعض واقعا ملموسا شاء من شاء و أبى من أبى فنرى لمحات من "الحمل بلا دنس" للائمة و للنبى نفسه كما نراها جلية فى المسيحية و ربما البوذية نفسها ...و تأثير الاسلام فى مسيحية القرون الوسطى واضحا خاصة فى وضوح مفاهيم الحساب و العقاب و ليرى ذلك أولى الالباب ان ارادوا فاستعملت المعجزة كتخريج لمشاكل النصر و الهزيمة , قيام و سقوط الدول , الخلافات الداخلية , تنفيس عن ضغط فئة مظلومة احيانا , و لتوطيد حكم قائم غالبا, و لأن المعجزة الحسية فعل لاحق على الاسلام -ان اعترفنا بقليل من اعمال العقل بوضعية تلك الاحداث- فنقدها لا يقوض اساس الاسلام ذاته ولا عقيدته بل فقط يشككنا فى صحة الفعل التاريخ التالى لحجر التأسيس الالهى الاول على عكس المسيحية التى يقبع الاعجاز فيها محل التأسيس نفسه فى النص المقدس...و ربما يجب ان نسعد لهذا اذا اخذنا الخطوة النقدية بعد كل تلك السنين فنحطم "هياكل الوهم" التى اشار لها محمد عبده قديما لكننا لم ننتبه بعد
الكتاب ده هيكون بداية جميلة لإستكمال بقية أعمال جورج طرابيشي في نقعد العقل العربي، وبالطبع هو من أفضل الكتب اللي قريتها السنادي. يؤسس طرابيشي لموضوعه في الفصل الأول "نبي بلا معجزة" ،ويشرح لنا إعتراض أهل مكة وقريش علي رسالة النبي ومطالباتهم إياه بأي معجزة كي يبرهن علي رسالته قيصدقوه ،ويذكر لنا رد القرآن عليهم بأن محمد ما هو إلا رسول معجزته القرآن وتبرير الله عدم إظهاره معجزات.
الفصل الثاني تحدث فيه طرابيشي عن المسار التطوري لظهور المعجزات التي تخطت ثلاثة آلاف معجزة في كتب السيرة ،معجزات بالآلاف لنبي كان يهود ونصاري العرب يرفضونه هم وقريش لعدم وجود معجزة أو آيه حسيه واحدة له كما كان لسليمان وداود وعيسي وموسي وغيرهم.
الفصل الثالث والرابع يتحدث جورج طرابيشي عن المعجزات الشيعية الغير عقلانية للإمام علي ومعجزات الأئمة الأحد عشر والمسار التضخيمي لهذه المعجزات.
الفصل الخامس والثورة الكوبرنيكية يحاول طرابيشي تفسير كيفية تدوين هذا الكم من المعجزات في كتب السيرة ونخص بالذكر الفتوحات العربية والإختلاط مع شعوب المنطقة من يهود ونصاري في مصر والعراق والشام ،حيث أن أهل الكتاب لديهم أعداد مهولة من المعجزات للمسيح وللقديسين ولأنبياء وزعماء اليهود ،وبما أن أهل الكتاب من يهود ونصاري لا يمكن لهم حتي مجرد تخيل نبي مرسل من عند الله بلا معجزات فكان ينبغي علي أهل الإسلام من الحكام وكتاب السيرة البحث عن حل لهذه المشكلات ،فظهرت معجزات غرائبية وعجائبية للنبي تشبه معجزات المسيح ،ومعجزات أخري لا تقرب للمنطق بصلة.
ينهي طرابيشي كتابه بثورة سماها ثورة كوبرنيكية ،ونصها أن يستغني المسلم عن هذا التراث وعن ما دون لديه في كتب السيرة من أمور تؤدي لإستقالة وموت العقل وإيقافه عن التحرك.
كتاب مثير جدا ويطرح تساؤلات عميقة ويتطرق الكتاب لفكرة المعجزة في الإسلام من حيث نشأتها وتطورها وأسباب ظهورها. المؤلف بحث في أسباب ظهور أدبيات المعجزة في الإسلام السني والشيعي على السواء حيث يرى طرابيشي أنّ العامل الرئيس في ظهور ادبيات المعجزة في الاسلام يتمثل بلا أدنى شك في إسلام الفتوحات، الذي أحدث تحولا جذريا في طبيعة الإسلام الأول، خاصة بداية الاسلام في مكة حيث يرى طرابيشي في كتابه أن صورة النبي صانع المعجزات غلبت في إسلام الفتوحات على صورة الرسول المكلف بأن يبلغ بلسان عربي مبين "قرآنا عربيًا لقوم يعلمون" (الشعراء 195). ويقول أيضاً: إن منظور التركيبة السكانية لبلدان الفتوحات ساهم في التحول الانقلابي في الإسلام من لاهوت الرسالة إلى لاهوت المعجزة، مع كل ما ترتب على هذا من تحول أيضاً من تشغيل نسبي للعقل بصدد المعجزة العقلية التي جسدها القرآن، إلى شلل مطلق للعقل في قبول المعجزات الحسية التي ستنسب إلى الرسول( عليه الصلاة والسلام ) بالمئات بل بالآلاف. عموما الكتاب كما قلت سابقا يثير نقاط مهمه جدا بغض النظر عن قبولنا او اختلافنا مع ماذكره الكاتب الا انه كتاب يستحق القراءه