What do you think?
Rate this book


144 pages, Hardcover
First published January 1, 1300
كان سؤالٌ مهم: لماذا قد يختلف الأئمة العلماء الفضلاء وتتعدد فتاواهم والدليل واحد من القرآن والسنة؛ فى هذه الرسالة يبين شيخ الإسلام ابن تيمية أسباب هذا الاختلاف. ولنا أن نوضح من المقصود بالأئمة المعنيين هنا، وقد وجد ابن تيمية ان البعض يتعرض لهم بالقول فكان قصده رفع هذا الملام والقيل عنهم، وهؤلاء الأئمة هم المقبولين عند الأمة قبولا عاما، فكما قال عنهم ابن تيمية، أن لا احد منهم يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شيء من سنته، دقيق ولا جليل. وبما انهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول، لكن يحدث ان يوجد لأحدهم قول وقد جاء حديث صحيح بخلافه وفى هذه الرسالة القيمة يبين المؤلف الأسباب الداعية لذلك ،فلا تخرج اعذار العلماء عن ثلاثة اصناف : إما عدم اعتقاده أن النبى قد قال هذا الحديث وإما عدم اعتقاده أن النبى اراد تلك المسألة بهذا القول وإما اعتقاده ان هذا الحكم منسوخ.
وفى الكتاب يبرز ابن تيمية الاسباب العديدة والأمثلة عليها مما حدث مع بعض الصحابة الكرام: فقد لا يبلغ الحديث العالم الذى أفتى، او بلغه الحديث ولم يثبت عنده بسبب ضعف او جهل الراوى أو اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد خالفه فيه غيره او الحكم بصحته عن طريق يختلف عن عالم أخر او الاعتقاد بعدم وجود دلالة فى الحديث او ان وجدت، لم يتم معرفة دلالة الحديث فقد يكون هناك لفظ غريب، او ان الحديث منسوخ بحكم أو حديث اخر معارض.
"فمن اعتقد، ان كل حديث صحيح قد بلغ كل واحد من الأئمة او اماماً معيناً، فهو مخطئ خطأً فاحشا قبيحا"
"ولهذا وجد في كلام غير واحد من الأئمة تعليق القول
بموجب الحديث على صحته. فيقول: «قولي في هذه
المسألة كذا، وقد روي فيها حديث بكذا، فإن كان صحيحاً، فهو قولي» ."
" فإن الأدلة الشرعية حجة الله على جميع عباده ، بخلاف رأي العالم.
والدليل الشرعي يمتنع أن يكون خطأ إذا لم يعارضه دلیل آخر، ورأي العالم ليس كذلك.
ولو كان العمل بهذا التجويز جائزاً، لما بقي في أيدينا شيء من الأدلة التي يجوز فيها مثل هذا.
لكن الغرض : أنه في نفسه قد يكون معذورا في ترکه له، ونحن معذورون في تركنا لهذا الترك. وقد قال الله سبحانه وتعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ماکسبتم، ولا تُسألون عما كانوا يعملون)
وقال الله سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن کنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
وليس لأحد أن يعارض الحديث الصحيح عن النبى صلی الله عليه وسلم يقول أحد من الناس، كما قال ابن عباس - رضي الله عنه- لرجل سأله عن مسألة ، فأجابه عنها بحدیث، فقال له: «قال أبو بكر وعمر» فقال ابن عباس: «يوشك أن تنزل علیکم حجارة من السماء. أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر
وعمر؟!!».
وإذا كان الترك يكون لبعض هذه الأسباب، فإن جاء حديث صحيح فيه تحليل أو تحريم أو حكم، فلا يجوز أن يعتقد أن التارك له من العلماء الذين وصفنا أسباب تركهم، يعاقب لكونه حلل الحرام، أو
حرم الحلال، أو حكم بغير ما أنزل الله .
وكذلك إن كان في الحديث وعيد على فعل، من لعنة، أو غضب، أو عذاب، أو نحو ذلك، فلا يجوز أن يقال: إن ذلك العالم، الذي أباح هذا أو فعله، داخل في هذا الوعيد."
ولهذا كان العلماء، يخافون مثل هذا، خشية أن لا يكون الاجتهاد المعتبر قد وجد في تلك المسألة المخصوصة. فهذه ذنوب، لكن لحوق عقوبة الذنب بصاحبه، إنما تنال من لم يتب، وقد يمحوها الاستغفار، والإحسان، والبلاء، والشفاعة، والرحمة.
ولم يدخل في هذا من يغلبه الهوى و يصرعه، حتی ينصر ما يعلم أنه باطل، أو من يجزم بصواب قول أو خطئه، من غير معرفة منه، بدلائل ذلك القول نفياً وإثباتا، فإن هذين في النار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فأما الذي في الجنة، فرجل علم الحق فقضى به، وأما اللذان في النار: فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه»
"وإيضاح هذا: أن من ترك العمل بحديث، فلا يخلو من
ثلاثة أقسام:
إما أن يكون تركه جائزا باتفاق المسلمين، كالترك في حق من لم يبلغه ولاقصر في الطلب، مع حاجته إلى الفتيا أو الحكم، كما ذكرناه عن الخلفاء الراشدين وغيرهم، رضي الله عنهم. فهذا لا يشك مسلم أن صاحبه لا يلحقه من معرة الترك شيء .
وإما أن يكون تركه غير جائز؛ فهذا لا يكاد يصدر من
الأئمة إن شاء الله تعالی.
لكن الذي قد يخاف على بعض العلماء، أن يكون الرجل قاصرا في درك حكم تلك المسألة، فيقول مع عدم أسباب القول، وإن كان له فيها نظر واجتهاد، أو يقصر في الاستدلال، فيقول قبل أن يبلغ النظر نهایته، مع كونه متمسكا بحجة، أو يغلب عليه عادة، أو غرض يمنعه من استيفاء النظر، لينظر فيا يعارض ما عنده . وإن كان لم يقل إلا بالاجتهاد والاستدلال، فإن الحد الذي يجب أن ينتهي إليه الاجتهاد، قد لا ينضبط للمجتهد"