المحقق: هذا الكتاب "الديباج" لأبي عبيدة معمر بن المثني التيمي البصري (توفى في حدود سنة 209 هـ). وهو من المصادر القديمة النادرة في تراث هذه الأمة المجيد، ذكر فيه لمعا من أخبار العرب وأيامها إستطعنا- بحمد الله وتوفيقه- التعرف عليه من خلال قراءتنا فيه، وذكر أسانيده وقصصه وأخباره وتبين لنا صحة نسبته إلى أبي عبيدة من خلال إستفاضة نقل العلماء عنه في المصادر المختلفة، وإسناد الأخبار المذكورة فيه إلى عبيدة وتصريح كثير منهم ينقلهم بإسمه "الديباج" ومن خلال ما ورد من هذه الأخبار مسندا إلى أبي عبيدة في "النقائض".
الإمام العلامة البحر أبو عبيدة (110-209هـ/728-824م) معمر بن المثنى التيمي تيم قريش مولاهم البصري النحوي صاحب التصانيف ،ولد في الليلة التي توفي فيها الحسن البصري ،حدث عن هشام بن عروة ورؤبة بن العجاج وأبي عمرو بن العلاء وطائفة ،ولم يكن صاحب حديث وإنما أوردته لتوسعه في علم اللسان وأيام الناس، حدث عنه علي بن المديني وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عثمان المازني وعمر بن شبة وعلي بن المغيرة الأثرم وأبو العيناء وعدة ،حدث ببغداد بجملة من تصانيفه ،قال الجاحظ :لم يكن في الأرض جماعي ولا خارجي أعلم بجميع العلوم من أبي عبيدة ،وقال يعقوب بن شيبة :سمعت علي بن المديني ذكر أبا عبيدة فأحسن ذكره وصحح روايته وقال: كان لا يحكي عن العرب إلا الشيء الصحيح ،وقال يحيى بن معين: ليس به بأس ،قال المبرد: كان هو والأصمعي متقاربين في النحو وكان أبو عبيدة أكمل القوم ،وقال ابن قتيبة :كان الغريب وأيام الغريب أغلب عليه وكان لا يقيم البيت إذا أنشده ويخطئ إذا قرأ القرآن نظرا وكان يبغض العرب وألف في مثالبها كتبا وكان يرى رأي الخوارج ،وقيل: إن الرشيد أقدم أبا عبيدة وقرأ عليه بعض كتبه وهي تقارب مائتي مصنف منها كتاب "مجاز القرآن" و"غريب الحديث" و"مقتل عثمان" و"أخبار الحج" وكان ألثغ بذيء اللسان وسخ الثوب ،وقال أبو حاتم السجستاني: كان يكرمني بناء على أنني من خوارج سجستان ،قلت :قارب مائة عام أو كملها فقيل :مات سنة 209هـ وقيل مات سنة 210هـ ،قلت :قد كان هذا المرء من بحور العلم ومع ذلك فلم يكن بالماهر بكتاب الله ولا العارف بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا البصير بالفقه واختلاف أئمة الاجتهاد بلى وكان معافى من معرفة حكمة الأوائل والمنطق وأقسام الفلسفة وله نظر في المعقول ولم يقع لنا شيء من عوالي روايته. سير أعلام النبلاء: بتصرف. له الكثير من التصانيف منها: «نقائض جرير والفرزدق»«مجاز القرآن»«رسالة العققة والبررة»«مآثر العرب»«مثالب العرب»«فتوح أرمينية»«ما تلحن فيه العامة»«أيام العرب»«الإِنسان»«الزرع»«الشوارد»«طبقات الشعراء» «طبقات الفرسان»«المحاضرات والمحاورات»«الخيل»«الأمثال»«تسمية أزواج النبي».
كتاب أدب صغير في ١٥٠ صفحة، جمع فيه أبو عبيدة ثلاثيات العرب، أشعر ثلاثة، أوفى ثلاثة، أجود ثلاثة وهكذا، وهي المُثُل التي استفاضت في العرب، وكان أبو عبيدة يأخذ الشعر من جانب الأخبار، فالكتاب مليء بنوادر من أخبار الجاهلية والإسلام، والكتاب سهل الاستفادة منه، فمن يقرأه يستطيع إحداث مشاريع علمية على أساسه ينتفع منها انتفاعًا.
كتاب الديباج هو من ضمن كتب أخبار العرب، وهو للعلامة أبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي الولاء. أبو عبيدة واحد من كبار علماء اللغة الأوائل، حيث أن تلاميذه أصبحوا أعلاماً ومراجع في اللغة كالمازني وغيره. وقد قال أبو عبيدة في مستهل كتابه، أن العرب العكاظيون كانوا لا يعدون من الشيء إلا ثلاثة ثم يكفّون ولا يزيدون عليها شيئاً. والمقصود هنا أبرز ثلاثة من الشيء ولقد انتشر هذا المعيار عالمياً ويستخدم حتى الآن في مجالات كثيرة في التقييم ففي كل مجال أو مسابقة ترى المراكز الثلاثة الأولى ثم لا يعد بعدها. ومن الثلاثيات التي وردت في الكتاب - أشعر الشعراء في الجاهلية ثلاثة (امرؤ القيس والنابغة الذبياني وزهير ابن ابي سلمى). - حروب العرب الطوال ثلاثة ( البسوس وداحس والغبراء وحرب الأوس والخزرج قبيل البعثة) - أيام العرب العظام ( يوم جبلة ويوم الكلاب الثاني ويوم ذي قار). - أشعر شعراء الإسلام ( الفرزدق والأخطل وجرير). - أجواد العرب في الجاهلية ثلاثة (حاتم الطائي وكعب بن مامة والحذاقي).
قال أبو عُبيدة؛ معمر بن المُثَنَّىٰ التيمي: كان العرب العكاظيُّون لا يعدون من الشيء إلا ثلاثة، ثم يكفون ولا يزيدون عليها شيئا، وإن لحق بعد شيء مثل الثلاثة التي عدوا قبل ذٰلك لم يعدُّوه معه.
الدِّيباج: كتاب صغير الحجم عظيم النفع وهو من المصادر القديمة النادرة في تراث هذه الأمة المجيد، ذكر فيه لمعا من أخبار العرب وأيامها، جمع فيه ثلاثيات العرب: كأشعر ثلاثة، وأفى ثلاثة، وأكرم ثلاثة، وهلم جرًّا.
أُحبُّ أبا عبيدة، وأُحبُّ اسمه وهيئته وصناعته وطريقته. وهذا الكتاب من مجموع ما طالعته من كتبه، وزانه كلُّ شيء إلا تحقيق الجربوع وعبدالرحمن العثيمين إياه، فإني أنصح أن يُهمَل الكتاب فلا يُقرأ ما دام الموجود عند المُطالِع من نشراته تلك النشرة، وذلك أدعى ألَّا يَمْقُت العلمَ برأسه.