في خريف 64 وصلت إلى قرية السوالم بعثة للبحث عن البترول ومع أول قطرة من مطر ذلك العام رحلت البعثة طمأن المهندس الناس ، البترول موجود لكنه غير إقتصادي العائد منه لا يغطي التكليف سيئجل الشمروع سنوات قد تطول. تنتهي الحكاية على أرض الواقع،لتبدأ الرواية أحداثها تبدو كالتالي : أنبتت أحلام وكلمات المهندس أجنحة ، طار بها سكان البلد،رحلوا،سافروا في الزمان كون كل منهم لنفسه يوتوبيا خاصة به. أصوات المهندس تصبح شروخا وشقوقا تصيب وجودهم. يرحل المهندس. الجوابون التعساء في رحم الليل،يذوب تحت أقدامهم طريق العودة. حب الدين سرحان،سلسبيلة على الله،أبو السعود،المعلم يعقوب،العمدة، لملوم،ورداني. وجوة تطل علينا من خلال أسطر الرواية. تصرخ ملامحهم فينا كل منهم يصحو على واقع يعيشه، تتمدد بداخله رفبة دافئة في الدخول مع الواقع في علاقة إنسانية. تبدأ وتعيش وتموت مكتسبة لون ورائحة المأساة. المكان الذي يعرفه الروائي،هو البلد الذي يعيش في قلبه. البيات الشتوي تمنح أبطالها الفقراء الشرفاء وعيا بالعظمة التى يجهلونها في أنفسهم. الرواية ترفض الحكاية التقليدية،ولغة القواميس،والتصوير الفوتوغرافي،بخلق عالم خاص بها له زمانه ولغته ومكانه وشخوصه. واقعية تبدأ من جزئيات الواقع ونثر الحياة اليومية،واقعية أسطورية شعرية لا تعد بديلا للواقع الحقيقي ولا إلغاء له ولكنها تقدم رؤية فكرية لواقع القرية المصرية.
يوسف القعيد : اديب وقصاص مصري معاصر ولد بالبحيرة. اهتم بالتعبير عن المحيط القروي المصري وما يتصل به من قضايا وعرف بنبرته السياسية الناقدة عرضت بعض أعماله للمصادرة. يعتبر يوسف القعيد من رواد الرواية في مرحلة ما بعد نجيب محفوظ الذي ربطته به علاقة متينة . حازت روايته الحرب في بر مصر على المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.
رواية غارقة في الكسل و البلادة ربما كانت التيمة جيدة لكن أعتقد أن القعيد لم يحسن استغلالها ظهور البترول في احدى القرى كفيل بتغيير حياة سكان القرية للأبد يصف الأحلام و الأمآل بشكل ممل جدا و يصف انهيار الأحلام و الآمال بشكل أكثر مللا أحيانا لم أكن أعرف من الراوي أهو المهندس أم حب الدين أم ... ؟
لو أن أحداث الرواية إنتقلت لميلين أو ثلاثة نحو الشمال لحكت عن أرضي وناسي، لكن من يدري قد تكون هذه الحكاية محجوزة لأقوم أنا بحكياتها فى يوم من الأيام...
يروقني أسلوب يوسف القعيد كثيرا. أوصافه وتعابيره ومنتقياته اللفظية رائعة ومبهرة. بغض النظر عن القصة أو الأحداث، أستمتع بترانيمه الأدبية جدا. كما راقني جو الرواية.. القرية المصرية الفقيرة، بكل من فيها من شخصيات.. الشيخ الورع والبائع والشاب الحالم والمرأة القادمة من المدينة.. الكاتب استطاع ببراعة أن يبسط أمامك مكنونات كل شخصية وعمقها ودوافعها وآمالها الخاصة. مزيج البساطة والحقول والتقشف والسياسة والرغبة القاتلة في الثراء وحياة المدن المترفة. فكرة بناء الحياة كلها حول حلم واحد.. حالة السبات الأولية قبل قدوم الحلم، ثم حالة التوق للحلم ثم حالة المرارة بعد تبدده .. ثم التساؤل كيف كانت الحياة تُعاش قبل هذا الحلم، وكيف سنتمكن من العيش بعد اكتشافك له وتلاشيه من بين يديك! ثم تأتي نهاياته الممتدة المفتوحة المثقلة بالشجن والألم -التي لا أنكر أنها أزعجتني بعض الشيء- :) مسار الاحداث بطيء قليلا ولا يخلو من الملل.
يوظف الروائي المصري يوسف القعيد في روايته (البيات الشتوي) طبيعة أهالي القرى المصرية البسيطة لصنع مفارقة لطيفة. تبدأ الحكاية عندما يصل إلى حياة سكان قرية (السوالم) خبر يوقظها من غفوتها التي امتدت قرونا. ففي خريف سنة ٦٤ تؤكد بعثة حكومية وجود النفط في أراضي القرية وتحديدا على أرض يملكها (ورداني) أحد أكثر سكانها فقرا. لكن الحكومة وبعد مدة من الحفر توقف المشروع بسبب عدم جدواه الاقتصادية. بين قرار الحفر الذي دام شهورا قليلة ثم الإيقاف تكون قد طرأت في وجدان مجتمع (السوالم) هزة عنيفة.
على الخبر تستيقظ من المجهول أحلام وآماني. وينشأ تحت ضربات الحفار صراع نفس -اجتماعي بين نمط عيش وتفكير متوارث منذ مئات وربما آلاف السنين وبين احتمالات الحياة الجديدة. وانتبه سكانها البسطاء إلى أن حياتهم عبارة عن جثة محنطة في متحف الزمن. الزمن الذي كان يتوزع في عالمهم بين أماكن محدودة؛ الغيط، والسوق، والقليل القليل من زيارات خاطفة لـ(البندر)، فيما عدا أن رجالها يحصلون على امتياز إضافي عن نسائها هو السمر في عشة (سلسبيلة على الله) المرأة الغاوية الجميلة التي يمضي الرجال لياليهم فيها يدخنون الجوزة ويشربون الشاي والثرثرة المستعادة. لكن ما حمله النفط من وعود الثراء والتغيير، كان قد غيّر تفكير وآمال أهل القرية مثل حب الدين سرحان، وعشيقته سلسبيلة على الله، و(أبو السعود أبو السعود)، وفتحي سالم، و(لملوم) الذي أخذ وعدا من مهندس الحفر بأن أيكون رئيس شؤون العمال. وحول وعد النفط ليالي سمر رجال السوالم إلى الحديث عن المناصب والوظائف والنقاشات وإلى معارك تركت ندوبا في القلوب والنفوس والكره لبعضهم البعض! وفي الزمن بين الحفر ووقفه خاصم أهل البلد الحقول والسواقي والأرض والبيوت والماء. فلم يذهبوا الى الحقول منذ سمعوا بخبر النفط واكتفوا بانتظار الثراء الموعود. كان كل واحد منهم بعد إيقاف الحفر لا يعرف كيف يسترجع حياته التي فقدت منه. كيف سيذهب غدا إلى الحقل، كيف سيواجه أرضه، الأرض التي أصبحت غريبة عليه وفي القلب والعين ينمو إحساس مر بالخيانة.
This entire review has been hidden because of spoilers.