"ويغني... غنّ يا رفيقي، غنّ من أجل الذين هناك غنّ... والذين هناك يغنون والدرب طويل... أيها السائرون عليه، ارفعوا رؤوسكم، غنوا رغم السياط غنوا، رغم السلاسل غنوا لا تخافوا الحياة... الحياة تقتل من يخافها...". وحنّا مينة كأنه في روايته يغني لأولئك السائرون على الدرب الطويل يغني حكاية فياض الذي أضحى رماداً في لحظة من لحظات انبعاث القوة المتفجرة من بركان أحلام الوطن... نسجها حنّا مينه صور وصور؛ بلال مارد الإيمان في وجه أقزام الجاهلية... وحسن خراط حارس دمشق والرجعيون الذين يحكمون ولسوف ينتهي حكمهم ولأجل ذلك عمل فياض ولأجل ذلك كتب... ولأجل ذلك في القبو صار وفي القبو نام، وفي صدره حطوا بنادقهم... وفي يديه حطوا سلاسلهم. وفي جسمه زرعوا مشارطهم، ولم يفتح فمه بشيء "لا أعرف" اليوم تموت وغداً تموت، والخوف يموت، ثم لا شيء والدرب يطول والعزم يطول... والدنيا من حوله صمت، والثلج وحده يأتي من النافذة... والبرد هنا. والغرفة بكل ما فيها تصرخ في وجهه البرد يا فياض ليس من الثلج... البرد من القرية وبين الصخور راح شبح يتسلل نفس الطريق قبل عامين وإنما بالعكس... سلاماً يا أرض... وانحنى فقبل التراب... ووقف فاستقبل دمشق أغمض عينيه على هناءة الراحة بعد التعب؛ أبداً فياض لن يهرب بعد الآن... أبداً لن يهرب بعد الآن"... هل كتب حنَّا مينة رواية... أم أنها فلسفة الحياة جرت متدفقة في معانيه نبضها ظلم وقضية وانتصار.
حنا مينه روائي سوري ولد في مدينة اللاذقية عام 1924. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. يعد حنا مينه أحد كبار كتاب الرواية العربية, وتتميز رواياته بالواقعية. عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري. وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها. كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي احيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي. البداية الادبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة. أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا اخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها . بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية وللآسف ضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة منها عدة روايات خصصها للبحر التي عشقة وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الاربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبتها كانت ( المصابيح الزرق ) في عام 1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر ان الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية
برواية الثلج يأتي من النافذة بلخص الكاتب حنا مينة حياة أي شخص مناضل إذا قرر يتمسك بدفاعه عن قضيته، شو خسائره على المستوى الشخصي، شو المواقف اللي رح يتعرض إلها ، شو الثمن اللي رح يدفعه، شو الكلام اللي رح ينحكى عنه، شو الإتهامات اللي رح تتوجه إله، شو الإهانات اللي رح يتعرض إلها...
القصة عن فياض اللي بهرب من سوريا لبيروت بعد ما يعيش حياة كلها اضطهاد بسبب نشاطه السياسي وكتاباته التحريضيه، بس يوصل بيروت بتبلش حياته توخذ منحى آخر لإنه مضطر يضل متخبي لإنه مطارد ومهدد بالقتل، كان إله مجموعة من الأصدقاء حاولوا يساعدوه بالحصول على عمل ومسكن وأحياناً يستضيفوه بدون مقابل بس مشان يهيؤوا إله أجواء للكتابة...
الكاتب بتطرق لمشاعر فياض خلال هاي التنقلات وفعلاً الكاتب إختار اله اسم مناسب لإنه فياض كانت مشاعره فياضة وكان بحالة تساؤل دائمة ليش هيك هو مضطر يعيش كإنه مرتكب جريمة؟ ليش لازم يضل متخبي؟ ليش ممنوع يكتب بإسمه؟ ليش ممنوع يحب؟ هل النضال والحرية بستاهلوا كل هالعذاب؟ طيب أهله وأصحابه والناس اللي مالهم علاقة بالسياسة شو ذنبهم يتضرروا بسببه؟ وكثير أسئلة طرحها عنفسه وهو بشتغل عامل بناء وبمطبعة وتحت هويات مختلفة وبظروف معيشية عمره بحياته ما تخيل حاله عايشها...
الحلو بالكتاب اللي عدد صفحاته 370 إنه سلس والسرد فيه ممتع ومشوق وطبعاً هاد أسلوب حنا مينه اللي مستمده من بيئته البحرية اللي ترعرع فيها، لهيك دائماً سمة كتاباته إنها زي موج البحر لطيفة وهادية ودايماً بحالة مد وجزر بس إذا ثارت وعصفت رح تجبر دموعك تنزل منك...
بسبب ضيق الزمان والمكان بالرواية وقلة الأحداث نسبياً لقينا نفسنا منغمسين بالشخصيات وفعلاً كانوا مرسومين بعناية وحبينا كل وحدة فيهم لإنها بتعبر عن أب أو أم أو جارة أو صديق أو رفيق أو حبيبة كلهم كانوا متعاطفين مع البطل، كل واحد منهم كان بطل، كإنه الكاتب بقول إنه أغلبية البسطاء بتعاطفوا مع الثورة والثوار ومستعدين يدعموهم ويحموهم بس من بعيد لإنهم خايفين على مصالحهم وهيك طبع الإنسان، الكاتب بخليك تعيش طول الرواية مع الشخصيات، أم بشير الأرملة الثورية اللي عايشة على ذكريات شبابها ونضالها وابو خليل وأم خليل وجوزيف وهناء الزوجة الساذجة ودينيز وأبو روكيز اللي متعلق بآلته البسيطة بس مش ملاقي حد يدعمه، وكإنه الكاتب رمز بكل شخصية لفئة مسحوقة بالمجتمع...
النهاية حلوة بالنسبة إلي لإنه قرر يرجع لبلده ووقف على جبالها ومد ايديه وقال إنه بده يعيش هون ويموت هون ويناضل هون، من هاي الناحية كل واحد اله وجهة نظره من حيث أوجه دعم أي قضية وإنه هل المتغرب أو المنفي بصير يكتب أو يدافع أو ينتقد بلده زي ابن البلد اللي بعاني القهر والجوع؟ كل هاي الأفكار والأسئلة بتثيرها رواية الثلج يأتي من النافذة وفعلاً كانت نهايتها مؤثرة لما صار الصوت يناديه ويقله يا فياض البرد مش من الثلج! البرد مش من الثلج!
هذه ثاني تجربة لي مع حنا مينة، بعد رائعة الياطر. الرواية ليست سيئة أبدا كما يقول الفرنسيون. تجربة كاتب شاب مع النضال و الغربة و الحرمان من أجل الوطن. في زمن كان يعي قيمة الكتاب و قيمة الكتابة. الرواية أيضا رحلة في عالم لبنان المسيحية الشعبية، عاداتهم تقاليدهم، علاقاتهم، و منه يمكن أن تتساءل بشيء من الدهشة عن حال الانقسامات المذهبية الغريبة التي تنخر عالمنا العربي اليوم. التجانس تام تقريبا الا من بعض التفاصيل الصغيرة، و الثقافة تبدو واحدة، و الأخلاق على اختلاف الاديان تبدو أخلاق بيروت لا أخلاق دين بعينه.. ما الذي صنع هذه الانقسامات اليوم؟ أ هي العولمة؟ لكن أهم ما قد يهم شابا مثلي في رواية كهذه، هو رحلة هذا الشاب في عالم الكتابة و النضال. احساسه المتواصل بالحرمان، و حاجته المستمرة إلى هذا الاحساس. أ كان يبتغي من وراء عذابه مجدا؟ لا يبدو ذلك. و هل كان ينشد اعترافا؟ قط.. حتى الشوق إلى وطن جديد لم يبدُ مسيطرا على الفتى.. كان ما يشحذ عزائمه هو لهفته إلى أن ينجز ما يؤمن أنه خُلق لأجله.. كان يؤمن أنه كاتب، و أن عليه أن يكتب كلفه ما كلفه.. كان بحاجة إلى احساسه بأنه يفعل شيء، أن يثبت وجوده كما يقول سارتر.
لكن كما قلت، على حرمانه كان الفتى محظوظا، فقد عاش في زمن يقدس فيه الكاتب و يحترمه الناس و يحترمون حرمانه و شجاعته.. اما اليوم، فالكاتب انتقل من منزلة النبوة إلى الدروشة..
The story of a man who found himself homeless even if hs friends open in up their doors for him, the story of a war in Lebanon who destroyed Lebanon in every part of it, the story of a woman who loved a man through a window but first of all the story of a writer who become a buider to run from their ennemies because he writes reallity and what can destroy a politic, I remember when a Moroccan wanted to travel to Turkey and live there, when they asked him why you wanna leave Morocco he said, I'm not asking for a political asylum I'm a sking for a human asylum. The same story of Faydan who just ask for freedom, nothing more.
فياض يا فياض! يا تراه معاناة من أجل الكفاح، أم كفاح من أجل المعاناة. و هل فعلا يستحق الكفاح أن يعاني المرء من أجله. و مادا يا ترى يكافح المرء من أجله. إنها القضية، و أي قضية تلك إذن. و مادا لحقه فياض من وراء القضية التي أفنى عمره كفاحا من أجلها. أنا لست ضد الكفاح البتة. فلابد أن يكون للمرء كفاح يناضل من أجله بطريقة أو بأخرى. و لكن يجب على المرء كذلك أن يعلم أن له حياة ليعيشها و يستمتع بها بقدر المستطاع. أناضل من أجل قضيتي و أعيش من أجل نفسي. لقد أعجبت بأسلوب "حنا مينه" في السرد إعجابا شديدا. و أكثر شيء أعجبني هو عندما يمر مرور الكرام بشخصية معينة فيذكرها فقط لانها تتداخل في الحبكة. و بعد مرور العديد من الصفحات و التي تتداخل فيها الاحدات و الأزمنة. و إذ فجأة يعود السارد إلى تلك الشخصية التي مر عليها سابقا و تصبح المحور الأساسي في الحبكة. حينها تنفتح شهية القارئ لمعرفة تلك الشخصية أكثر و يتم إما تأكيد تصورات القارئ التي أعطاها مسبقا على تلك الشخصية أو دحضها.
حقيقية واقعية بعيدة عن التعقيد ، صادقة إلى أبعد الحدود بمشاعرها ! هذا هو حنا مينه .
كلمات بسيطة تحمل معان كبيرة جدا . جمع مقصد الرواية ومغزاها بهذه الفقرة الجميلة : " إنطفأت النار عبر الحديقة .. إنطفأ النور .. لا نار ولا نور ولا مسرح ولا جمهور .. كل شيء منه وإليه .. (أنا هو العالم . والعالم أنا) والدنيا ، من حوله ، صمت ، والثلج وحده يأتي من النافذة .. ... البرد ليس من الثلج ! ... ...البرد كان من الغربة ، والتجربة تمت في الغربة ، والآن وداعا للغربة ! "
البرد لا يٲتي من الثلج.. البرد ليس من الثلج هذه المٲساة المتجسدة التي لا تنتهي.. المٲساة التي ابتدٲت خطاها منذ أجيال، و يقال ٳنها ولّت، إلا أننا نعيشها اليوم، و كل يوم.. نحن نغني غن يا صديقي غن للذين هناك.. نحن نغني لنخفف حملاً يثقل قلوبنا نغني لذكراهم.. لٲجلنا. لا شيء سينتهي هنا، و الكتابات ستكثر، و الآلام ستزداد.. لن تستوِ الأمور، لكي يستمر الكفاح. "يا شام! لسوف أعود يوماً و أقبل ترابك".. سأعود، و سٲمشي على ترابك.
"العجز أن يرضخ الإنسان للخوف لا أن يخاف" هنا تلمس النضال وتحسّه يجري في أعماقك بتفاصيلة الدقيقة الحقيقية الخالية من الرتوش والتلميع المبالغ .. فيّاض التجربة الحقيقية للمناضل الذي يستقي ويتعلم من خليل المكافح والمناضل والأبيّ الصامد الذي لا يتزحزح مع أعتى العواصف . هنا تجد النفوس الأبية على بساطتها وأخطائها وهفواتها . لقد حزنت لأنّ الرواية انتهت ، لأنّ المتعة انتهت ، والحمد لله -أعزّي نفسي- أنني اقتنيت روايات أخرى لهذا الأديب العظيم رمز النضال والكفاح والإباء
رواية أكثر من رائعة جعلت حبي وتقديري لجميع المناظلين في العالم يكبران.إني من مكاني هذا أحييهم ، هم من علمنا معنى الحرية "والذين هناك يغنون والدرب طويل... أيها السائرون عليه، ارفعوا رؤوسكم، غنوا رغم السياط غنوا، رغم السلاسل غنوا لا تخافوا الحياة... الحياة تقتل من يخافها..."
لا استطيع أن أكتب عنها بالتفصيل لأني قرأتها منذ مدة طويلة. لكنها كانت أول قراءاتي لحنا مينة.. وكانت سببا في جذبي لقراءات أخرى له. نجمة للأسلوب، وسلامة اللغة، والمظهر الخارجي، والمتعة والأفكار.
حنامينه في اكثر من كتاب يتحدث عن نفسه بلسان شخصياته دون أن تشعر تجد نفسك كأنك هو ... تعيش معه .. أسلوب تلقائي لغة تلقائية ... كتاب يستحق القراءة ... و أكثر ...
أقصد أنا وأنت، عزيزي. إننا ندرس أو نحاول أن نفعل، وهم، وما أدراك من هم؟ إنهم يموتون أو يُقتلون. نعم، إنه شيء بهذه البساطة، كما أكتب الآن. ثم إنك لا تشعر بهم، ولا تعرف عنهم شيئًا إلا إذا أخبرتك، ولا تدري إلا إذا أوضحت لك.
أتساءل وأُحدِّث نفسي بحزن عندما يرحل أحدهم، أولئك الذين لا تراهم إلا على التلفاز، كنوع من تأثير المشهد عليك وارتباطك القوي بالأحداث التي تهدف إلى إثارة هذه المشاعر في سياق منطقي.
إننا، كأوطان عربية، نرتبط بالماضي، بل هو كامن داخلنا، يتحكم في أفعالنا ويدفعنا إلى الوراء. يتخيل لك أنك تحلم بالمستقبل، وتعيش أجمل أيام الحاضر، لكنه تَخَيُّل باهت لا منفعة فيه، لا يعدو كونه تجرُّدًا من الحقيقة الواضحة: الإنسان يموت في البلاد، أحدهم تموت روحه، والآخر تموت كرامته.
أوطانٌ مذلَّة تفقد هويتها، وإنسانٌ يموت في المقابل. ما الذي تحلم به؟
تموت لبنان، فتبكي سوريا. تموت سوريا، فلا تبكي لبنان، فقد ماتت.
عن ماذا نتحدث عندما يكون السحاب أسود؟ أنخاف من المطر، أم نحلم به؟ لكن الحقيقة أننا لا نرى السماء في كلتا الحالتين. إن أمطرت، يخرج الزرع، ونرى الثمار. لا بد أن تمطر، ولكن السحب تمرّ، ثم تذهب بعيدًا... فأين المطر؟
"يا طير يا طاير على أطراف الدني لو فيك تحكي للحبايب شو بني يا طير يا طاير يا طير وأخذ معك لون الشجر ما عاد فيه إلا النطرة والضجر بنطر بعين الشمس ع برد الحجر."
أيموت السجين، أم يعيش مناضلًا حتى النهاية؟
الحكاية العربية الأولى: عندما يأتي الثلج من النافذة
أدب بسيط يخلو من التعقيد.
حكاية يتقدم فيها فياض وخليل، فيرشدون المجموعة إلى حقوقها البسيطة وواجباتها المطلوبة، ويأخذون بيدها نحو حياة كريمة تخلو من الذل والإهانة، حتى يصبح لها دورٌ في مجتمعها، ومنه تنتج وتُثمر. ولكن، هيهات!
حتى تتحدث عن شيء ما، ويتبعك الآخرون، لا بد أن تكون حقيقيًا.
يعمل فياض مع الطبقة العاملة الكادحة، يختبر أعمالهم، ويعيش واقعهم. وهنا نرى حياة فئة من فئات الوطن، حياة نخاف منها، وقد عاشها الكثيرون. ومن يعترض، يُعتقل ويُسجن في الحكاية الثانية.
لقد سُجِن فياض، حتى إنني أقول: لا بدّ من ذلك حتى يفقد جزءًا من إنسانيته، ويكون متمردًا بعض الشيء. فقوة الثائر تأتي من عقله، ومن تمرده على الظلم والظالم.
يقول حنا مينة:
"التجربة هي المحك، فقبل التجربة جميع الناس مناضلون، وربما أبطال، جميعهم يمكن أن يقولوا ويكتبوا أشياء حسنة."
عاش فياض في سوريا مناضلًا حتى سُجن، فهرب منها إلى لبنان، وعاش هناك متخفيًا بين العمال. ثم عاد في النهاية إلى وطنه، إلى أرضه، إلى ترابها.
إنها حياة مناضل يحارب الرأسمالية التي تلتهم البشر حتى عظامهم، يأكلون بلا رحمة، ولا يتضرر أحدهم من كثرة الأكل، بينما يموت الكادح، ويمرض الفقير. بل إن المرض يشتهي الفقراء كما تشتهي البكتيريا السكر. وهنا، فياض يمثل أحد جوانب الاشتراكية، التي تكافح من أجل المستقبل. يكافح بجسده وعقله، بكتاباته وقراءاته، يتخفى بين شخصيات متعددة، من فياض إلى ميشيل إلى سليمان، ثم يعود إلى فياض من جديد. ربما يخسر نفسه، لكنه يمنح الوطن لأبنائه.
يقول فياض في النهاية:
"البرد ليس من الثلج، البرد كان من الغربة، والتجربة تمت في الغربة، والآن وداعًا إلى الغربة."
وبين حدود الدولتين، بعدما سُجِن لنصف عام آخر وأُفرِج عنه، راح يتخيل حياته قبل عامين، عندما كان هاربًا منها. أما الآن، فهو عائد إليها بقوة إنسانٍ جديد، ليكتب ويناضل من أجل الحياة.
تبقى كلماته عالقة في عقلي، لا تذهب. إن الماضي وما حدث فيه هو واقعنا الحالي، ربما يختلف قليلًا، لكن التأثير كما هو، فإنه يقول:
"غنِّ يا رفيقي، غنِّ من أجل الذين هناك، غنِّ. والذين هناك يغنون، والدرب طويل. أيها السائرون عليه، ارفعوا رؤوسكم. غنوا رغم السياط، غنوا رغم السلاسل، غنوا، لا تخافوا الحياة... الحياة تقتل من يخافها."
أيموت السجين، أم يعيش ذليلًا مَهانًا؟
الحكاية العربية الثانية: في بيت خالتي
إنها رواية ظلامية، تحكي الحقيقة التي نخاف أن نسمعها، فتؤلم القلب، وتنزف لها الأذن.
هي حكاية أنس، ويزن، ونور، وغيرهم من الشباب الذين حالهم كحال كل إنسان في الأوطان العربية، يتطلعون إلى حياة أفضل. قلت في البداية: إننا ندرس، وهم يموتون، ولكن قبل الموت، كانوا يدرسون أيضًا.
كان أنس طبيبًا، قرر البحث عن الماضي، أو لنقل الحقيقة. فما إن عرفها، لم يتحملها، فانتحر، تاركًا رسائل للذين كانوا هناك. لا أود أن أذكر كلمة سجناء، ولا حتى أن أتحدث عنهم، ولا أريد الإشارة إلى أحدهم أو إلى حدث معين، بل أتحدث عن المبدأ ذاته.
فيقوم يزن وصديقة أنس، نور، بتحقيق حلمه: أن يعرف العالم كله الحقيقة، حقيقة الإنسان الذليل، الذي يُعذَّب في وطنه.
نعم، لقد كنا هناك، ولا نود أن يذهب أي أحد إلى هناك. ولكن، الإنسان لا يتعلم أبدًا، وها نحن مجددًا نسير إلى الماضي في سوريا. الكل يفكر بالطريقة نفسها، فقط الوجوه مختلفة، واللغة مليئة بالأكاذيب.
بيت خالتي لم يُهدم، بل تغيّر موقعه فحسب.
يقول أحمد خيري العمري:
"أخبث وأسوأ أنواع القيود والأغلال هي التي لا تُرى، لأن العبد الذي يقيده سيده بالأغلال يعلم أنه عبد. لكن عندما تكون القيود غير مرئية، فإنه لا يعلم أنه عبد، بل سيتصور نفسه حرًا، بينما عقله وإرادته مقيدان."
"لو فيك تحكي للحبايب شو بني يا طير، يا طير روح اسألهن عن اللي وليفه مش معه ومجروح بجروح الهوى، شو بينفعه موجوع، ما بيقول عن اللي بيوجعه."
إن الأرض أنبتت شجرة عربية كبيرة، كان المطر يسقيها، والإنسان يهتم بها، حتى جاء إنسان آخر من بعيد، طامعًا في الأرض، وفي الشجرة، وفي الإنسان. فمنع المطر لصالحه، وأصبح ورق الشجر يتساقط مع مرور الوقت، وأصبح الإنسان ذليلًا في أرضه... بلا فياض.
_________________________________
الثلج يأتي من النافذة – حنا مينة بيت خالتي – أحمد خيري العمري "يا طير" – كلمات الأخوين رحباني
الرعشة قبل العمل ، والراحة بعده ، والشعور السعيد لكون الانسان يفعل شيئا لأجل المستقبل..تلك هي الحياة!
من جديد مع شيخ الرواية السورية حنّا مينه ، في عمل قرر ان يتناول ويُناقش ويوضح فيه الأبعاد والنتائج التي قد تترتب على تمسك الانسان بمبادئه و دفاعه عنها ، وهي نتائج قاسية ، مهينة وصعبة ، لكن يظل العجز ان يرضخ الانسان للخوف لا أن يخاف!
لكن بالرغم من امكانيات مينه الروائية وجمال لغته إلا ان مثل هكذا عمل ليس مُعاصرًا أو بعبارة أصح ليس للوقت الراهن ، بل هو مناسب فقط لِحقبته الزمنية التي كُتب فيها
النهاية أتت غير مقنعة!
البرد كان من الغربة ، والتجربة تمت في الغربة ، والآن وداعًا للغربة!
درب النضال درب شاق كله حسرة و معاناة و ألم كل من مر منه سوف يحس بمعانات فياض النفسية و الجسدية و الاجتماعية في ظل حكومات رجعية و في عز انتشار الافكار الماركسية و مناهضة الرجعية و التخلف حنا مينه الكاتب العربي السوري الاكتر انتشارا و الذي ساهم في تأسيس اتحاد كتاب العرب يقول "مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة"
كنت قد أنهيت هذه الرواية قبل أيام أحببت أن أشارك موضوعها معكم، فهي تستعرض وضع عينة من المناضليين السياسيين أو كما أسماهم الكاتب اليساريين الذين وقفوا ضد الحكومات، و كمثال على ذلك اختار الوضع اللبناني و السوري مركزا على أشخاص مسيحيين جعلنا نتعرف و لو قليلا على تلك البيئة الشعبية، مضيفا رموزا و معاني عميقة توحي عن الوضع السياسي أنذاك للمنطقة... كتوجيه انتقادات و محاولة لفت الانتباه أثناء القيام ببعض الأمور أو مرسلا تساؤلات تختلج صدر كل فرد ينتمي لتلك البيئة،
فخليل احد رموز النضال في تلك الفترة الذي انهكه الاضطهاد و كثرة الأعمال مقابل ملاليم، اوصلته هذه الظروف الى النضال الفعلي مرورا بالاجتماعات السرية، و الاضرابات العمالية وصولا الى كتابة منشورات ثورية و توزيعها على الأفراد ان وضعها كملصقات على الجدران كالدعايات.
أما بطلنا الحقيقي الذي استعرض الكاتب فترة معينة من حياته التي تضمنت مرحلة النضال السياسي اليساري ضد الحكومات العميلة و الرجعية على حد وصف الكاتب #فياض بطلنا كان قلمه هو اداة نضاله ففي فترة الخمسينات الماضية كانت الملاحقات و المضايقات للكتَّاب لأنهم أخطر عدو للحكومات انذاك، فيهرب من سوريا الى لبنان ليقيم عند عائلة صديقة حالها كحال كل العائلات البسيطة، منتكرا باسم اخر لكن كرامته حتمت عليه أن يغادر ليعمل في مطعم ليفر عند عائلة أخرى للعيش هناك، فكان الحال من بعضه لينتقل الي مكان آخر لأجل العمل و البقاء ليجد نفسه أجيرا في ورشة بناء ليختفي طبعا تحت اسم اخر، ليعلم بطريقة ما ان هناك من يسأل عنه لايغادر مكان إقامته مجددا، طبعا يقرر مواصلة نضاله و تصديه لتلك الحكومة الرجعية عن طريق مناشير و قصص و غيرها ليتم القبض عليه في احد الاقبية في حال مزرية ليسجن لفترة 6 أشهر بعدها يطلق صراحه، ليتخذ من احد القرى النائية في جبال بيروت مقرا لاقامته ليتيح له الوضع الكتابة، و العودة تدريجيا للحياة التي كادت ان تنهب منه. ليقرر بعدها و بكل اصرار العودة إلى بيته
رواية تجعل القارئ يعيش حرقة المناضل و شجاعته، تجعل القارئ ماذا سيفعل أين اصل و متى ينجح، أبدع الكاتب في تصوير تلك الحالة المضطربة التي يعيشها المناضل طبعا، و كيف يصبح غير مبالي بكثير من الأمور لدرجة يسترخص روحه، ان تكون مناضلا يعني ان تكون غير كل من هم حولك استعمل الكاتب اسلوب بسيط سلس في مجمل أطوار الرواية ⭐⭐⭐ #اقتباسات ليس القلب دليلا دائما و قد يكون دليلا خادعا
الغربة عن النفس أقبح من غربة الوطن و غربة الأجساد
العجز ان يرضخ الإنسان لا ان يخاف
اذا لم يخف الإنسان الموت أصبح كل شيء سهلا عليه
لقد عتقت الحياة و هي تحتاج إلى تجديد
ان دروب الحياة حتى السهلة منها وعرة اذا قطعها الإنسان منفردا
انصاف الحلول لا تأتي بالحلول
و من الأفضل للبحار ألا يفكر بالبر و مرفأه مجهول عفاف بن مهدي
وقال لي : (( غن يا رفيقي ، غن ، من اجل الذين هناك غن )) .. والذين هناك يغنون ؟ والدرب الطويل ؟ أيها الساهرون عليه، ارفعوا رؤوسكم ، غنوا ، رغم السياط غنوا ، رغم السلاسل غنوا . لا تخافوا الحياة ، الحياة لا تقتل الا من يخافها . غنوا ، ولنغن للذين هناك ، وتحت كل كوكب ،وفي كل مكان ، وفي كل سجن ، وجميع المضطهدين ، فلنغن ...
رائع هذا الكاتب الذي ارتبط بالبحر وكتب عنه .. يكتب بقلم يمتزج فيه الروائي مع موضوعه.. حنا مينا من أعظم كتاب الرواية السوريين والعرب.. وهذه الرواية تحكي عن النضال وعن القتال حتى اخر نفس يعجبني هذا النوع من الروايات .. الروايات ايام كان المرء يُفرق بين التقدمية والرجعية بوضوح .. اليوم اختلطت المعايير !!
مع (فياض) السوري، تهرب، تُطارد، تسكن كل مكان، تعمل في اي عمل، تعيش التفاصيل الكادحة وجزئيات المعاناة وطرق الالم ، تحيا بالخوف والقلق والارتباك، تسعى للاختباء تحت كل ارض وفي كل جحر بعيدا عن العيون المتلاحقة وكانها أحجار مترامية منتشرة على جنبات الطريق. انه يريك كيف يكون الوطن سجنا كبيرا بلغة جميلة تربطك بالتفاصيل وتحملك فوق أهداب السحاب وجبين الجبل.
لا تستحق أكثر من نجمتين برأيي الأسلوب ليس آثرا واستعارة التعبيرات جليه النجمه الأولى لتسليطه الضوء على الفارين من غيابات الموت في سوريا الى جحيم الحياه في لبنان رفم ان نهاية القصه غير مقنعه النجمه الثانيه لبراعته الوصف للأشخاص بخلاف الأماكن فكان دقيق راسما لملامح الشخصيه التي يصفها غير ذلك اراه شرد في القصه عن هدف الروايه نفسها واسهب في في وصف كثير
رواية رائعة تصور حياة معارض سوري هرب إلى لبنان وتنقلاته المختلفة من بيئة لبيئة ثانية والعوالم التي يعيشها في كل انتقال ستعيش معه كل لحظة بلحظة النهاية وحدها لم تعجبني .... سأنتقل بعدها للرواية الاروع ل حنا مينا وهي الياطر
قصة رائعة قد تكون في بدايتها مملة لكن مع تتابع احداث الرواية، ستنتقل الى عالم أخر. قد يكون كثرة الزج بكلمات أدبية للتعبير عن المشاعر والاراء مملة لكن قد يجدها البعض رائعة
تتمحور احداث الرواية حول شخصية المعلم فياض الذي هرب من الشرطة السرية السورية إلى لبنان و أحتمى ببيت قريبه خليل لتبدى من هناك الاحداث و الغوص في الماضي القريب و البعيد للشخصية
التي نتعرف عليها تدرجيا لنكتشف سبب هروبه و مستقبله الذي رسمه له من تعرف عليه ..تبدأ الرواية عندما يصل فياض الى بيت أبو خليل في حالة يرثى لها خوفا من المطاريدين فيمكث هناك فترة
زمنية ليلتقط انفسه و يجمع شتت أفكاره فيلقى ترحيب حارا من العائلة فيتعرف على وضعهم الاجتماعي المادي المتفقر بسبب خوض خليل في الاضربات و تهجيره عن العمل دون راتب و الالتزامات العائلية التي دفعت اسرت خليل الثمن ووضعهم في حالة أفلاس كلي لكنها وفرت الحماية
اللازمة لفياض ، بعد ان اصبح المكوث في بيت خليل مشبوه فيه ينتقل فياض الى بيت جوزييف " رجل الاعمال البسيط" فوجد ترحيب حارا و أقامة مريحة حيث خصص له غرفة و مكتبة كتب و أمر
.زوجته "صفاء" بتلبية حاجيات فياض و الحرص على راحته .... هكذا استمرت حياة فياض بين اصدقائه في بيروت ... رسم الفنان حنا مينة مغامرة المعارض او الناقد السياسي بكالمته المشاكل
التي يتلقيها و البعد عن الوطن و الاهل و تتبعات الشرطة السرية في بلادان الاستقبال و لم يتغافل عن ذكر الحالات الاجتماعي للعمال في فترة الستينات و خاصة الاوضاع السياسية في سوريا و لبنان بين الانفتاح الجزئي و الانغلاق الكلي
كتبت الرواية عام 1969 ونشرت عام 1999، وتستعرض وضع المناضلين اليساريين في مواجهة الحكومات الرجعية، وتصور لنا الوضع في لبنان والبيئة الشعبية المسيحية. وككل روايات حنا مينه فإنها تحمل رموزا عميقة المعاني، فنضال خليل يصور مراحل من النضال اليساري، من التنور والتعلم على ضوء الشموع إلى مرحلة المعاناة الفردية والعمل الشاق، وصولا للمرحلة الأسمى والنضال الفعلي حين يعمل على كتابة منشورات ثورية ونشرها.
قصة الرواية تعرض لنا الرواية عامين من حياة بطل الرواية (فياض)، خلال فترة الخمسينات، حيث كانت الحكومة العميلة والرجعية تلاحق الكتاب المعارضين اليساريين، فيهرب إلى لبنان ويسكن مع عائلة صديقه (خليل غزالة)، عالة عليهم وهم فقراء، ليتنكر باسم (ميشيل) ويعمل في مطعم، ثم ينتقل ليسكن عند رفيق آخر (جوزيف بو عبدة)، فينعم بالمعيشة قليلا ويعاود المطالعة والكتابة، ما يلبث جوزيف أن يفقد عمله، فيفارقه فياض بصمت، ويجد عم��ا في بناء قيد الإنشاء ويتخفى كعامل باسم (سليمان)، وفي النهاية يأتي أحد الرفاق ليصحبه دون أن نعلم، وهذه القصة تمتد على مدى الفصول الأربعة للرواية (حتى نهاية الصفحة 345)، في الفصل الخامس الأخير نعلم أن السلطات تمكنت من اعتقاله وقضى ستة أشهر في السجن، ثم أُفرج عنه، فيلتجئ لقرية نائية في جبل لبنان، وهناك يتوفر له الجو الهادئ رغم كآبة الفراغ، فيكتب قصة طويلة، وبعدها يقرر العودة لوطنه، فيصل دمشق هاتفا وكأنه يقسم: «لن أهرب بعد الآن .. لن أهرب بعد الآن»
" أيتها الأشجار. يا أشجار الحديقة ، ياعزيزتي .. لن يلبث هذا الثلج أن يذوب (...) ستشرق الشمس. "
" البرد يا فياض ليس من الثلجة ..... البرد كان من الغربة، والتجربة تمت في الغربة " رواية تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية، من خلال قصة فياض، ذلك المعلم الذي طورد بسبب إعلانه لأفكاره، ومايؤمن به من مبادئ. فلبس ثوب البناء في الغربة، وبعدها وجد نفسه في محل ميكانيكي، يشرف على عمله. لكن مهما طالت الظلمة، ومهما اشتد الصقيع. تشرق الشمس، وتدفئنا بحرارتها الوهاجة. الثلج هنا ليس حالة طقس فقط، بل رمز شامخ للعزلة والغربة والوحشة