"الطيران من جنيف إلى نيويورك يشبه الطيران من الصفاء إلى الهذيان، كأنك كنت تتنزه في حديقة للورود على ضفة بحيرة ثم وجدت نفسك داخل "قاووش" في مصح عقلي خاص بالعنف. لذا تنتابك وأنت تمشي في شوارع مانهاتن لحظات من الاختناق المفاجئ المذعور. تشعر بأن ناطحات السحاب المحيطة بك تتحرك وتميل ببطىء لتقع فوق رأسك، ويتصاعد البخار الأسود من فتحات إسفلت الشوارع كأن تمساحاً جحيمياً يختبئ وتحته نافثاً أنفاسه المسمومة كإيقاع جهنمي لنشيد نيويورك: زعيق سيارات البوليس والإسعاف. المشاة المهرولون كومى آلية يصطدمون بك ولا يلاحظونك كأنك الرجل اللامرئي. في نيويورك يصير المرء لا مرئياً إلا للنشالين والساديين! في لحظة من لحظات الضيق هذه في الجادة الخامسة (فيفث أفنيد) الشهيرة انسحبت من سبقا الفئران ودخلت إلى الفندق الفخم بحثاً عن واحة هدوء في أحد مقاصفه. كان البار خاوياً ولما يحن موعد الفداء بعد. استقبلني النادل بنظرة من يتهيأ لطردي. فالتلفزيون في ركن المكان يبث مباراة رياضية ما لعله كان يتابعها، بحكم العادة كلمته بالفرنسية وأنا أطلب قهوتي، تهللت أساريره، واكتشفت أنه فرنسي يفتقد بلده ولغته كأي مهاجر آخر… ويا للدلال الذي أحاطني به مقابل أن يثرثر معي بالفرنسية.. وحين عرف أنني جارة "برج إيفل" في باريس ونهر السين حيث مرابع طفولته بدأ يستجوبني عن الشارع والجسور، وهو استجواب كنت سأفعل مثله لو التقيت في نيويورك بشامي مقيم خلف الجامع الأموي أو في ساحة النجمة أو طريق الصالحية حيث مرابع الصبا". متعة القراءة السلسة تأخذ بك وتعلن وبإصرار عزمك على المضي في قراءة غادة السمان؛ في قراءة أفكارها وتأملاتها وفلسفتها، التي لا تذوي، وفي استشفاف مشاعرها وأحاسيسها التي لا تنضب. متعة القراءة تستبد بك وتنساح مع غادة السمان عاشقة الحرية وهي تحكي عن رعشة تلك الحرية، تطوي صفحات كتابها كما هي تطوي أسفار رحلاتها المنطوية على الكثير من الأخبار عن تلك المدن القائمة في جانب العالم الآخر. ويستهويك أسلوبها السهل الممتنع الذي يشي بأن للحروف مفاتيح من يملكها يملك مفاتيح القلوب والعقول.
ولن تعييك غادة السمان بفهم لغتها، لأنها إلى البساطة أقرب، ولن تصدمك بسطحيتها فمعانيها عميقة بعمق تجربتها الحياتية. وكما تأخذك فلسفتها إلى مناخاتٍ عقلك بحاجة إليها، تأخذك غادة السمان إلى محطات تأملية رائقة تفتقدها نفسك. وبعد هذا كله تأتي "رعشة الحرية" لتقول بأن إبداعات غادة السمان ما زالت غنية، ما زالت ثرية، وما زال في الحياة لديها متسع لتجارب تغنيها بعطاءات أدبية إنسانية السمة رائعة.
English: Ghadah Samman. غادة أحمد السمان (مواليد 1942) كاتبة وأديبة سورية. ولدت في دمشق لأسرة شامية عريقة، ولها صلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني. والدها الدكتور أحمد السمان حاصل على شهادة الدكتوراه من السوربون في الاقتصاد السياسي وكان رئيسا للجامعة السورية ووزيرا للتعليم في سوريا لفترة من الوقت. تأثرت كثيرا به بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة. كان والدها محبا للعلم والأدب العالمي ومولعا بالتراث العربي في الوقت نفسه، وهذا كله منح شخصية غادة الأدبية والإنسانية أبعادا متعددة ومتنوعة. سرعان ما اصطدمت غادة بقلمها وشخصها بالمجتمع الشامي (الدمشقي) الذي كان "شديد المحافظة" إبان نشوئها فيه. أصدرت مجموعتها القصصية الأولى "عيناك قدري" في العام 1962 واعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت واستطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية.
:الدراسة والاعمال
تخرجت من الجامعة السورية في دمشق عام 1963 حاصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي، حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، عملت غادة في الصحافة وبرز اسمها أكثر وصارت واحدة من أهم نجمات الصحافة هناك يوم كانت بيروت مركزا للأشعاع الثقافي. ظهر إثر ذلك في مجموعتها القصصية الثانية " لا بحر في بيروت" عام 1965. ثم سافرت غادة إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الاوربية وعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت أيضا إلى اكتشاف العالم وصقل شخصيتها الأدبية بالتعرف على مناهل الأدب والثقافة هناك، وظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي أظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقاد آنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها. ورغم أن توجها الفكري اقرب إلى اللبرالية الغربية، إلا أنها ربما كانت حينها تبدي ميلا إلى التوجهات اليسارية السائدة آنذاك في بعض المدن العربية وقد زارت عدن في اليمن الجنوبي في عهدها الماركسي وافردت لعدن شيئا من كتاباتها. كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان وجيلها، يومها كتبت مقالها الشهير "أحمل عاري إلى لندن"، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" وأثره التخديري على الشعب العربي. لم تصدر غادة بعد الهزيمة شيئا لفترة من الوقت لكن عملها في الصحافة زادها قربا من الواقع الاجتماعي وكتبت في تلك الفترة مقالات صحفية كونت سمادا دسما لمواد أدبية ستكتبها لاحقا. في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" والتي اعتبرها البعض الأهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب أدبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي والهوة السحيقة بين فكرة وسلوكه. في أواخر عام 1974 أصدرت روايتها "بيروت 75" والتي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن، وقالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم.. أرى كثيرا من الدم" وما لبثت أن نشبت الحرب الأهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية. مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977 و"ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين والرئيات العرب.
رغم الأسلوب الأدبى الرائع إلا أن قراءة هذا الكتاب كانت من أكثر تجارب القراءة مللا بالنسبة لى ...
على ما أظن أن مشكلتى فى هذا الكتاب تكمن فى أن غادة السمان هنا تحكم و تقيم ما تزور أكثر مما تتأمل , فهى هنا المفعمة بخبرة السفر ذات التجارب الكثيرة تقارن و تقيم الأماكن أكثر منها تتأملها ببراءة و أنفتاح ... و بما أن الكتاب غالبا مجموعة من المقالات المجمعة فأنت هنا تجد حتى هذة الأراء مكررة و متكررة فى كل مقالة حتى أنك تحفظ طباع و أحكام غادة , كرهها للحداثة و حبها للقدامة , فكرة الأرملة الثرية التى تلح عليها بأستمرار , مقارناتها المتشابهة بين الواقع العربى و نظيرة الغربى , أعتبارها أن كل ما هو أسبانى متأثر بالضرورة بالتاريخ الأندلسى , عجرفة الفرنسيين ... إلخ .
عامة تجربة قراءة هذا الكتاب , هى تجربة قراءة فى أدب الرحلات بمنظور "برجوازى" إن صح التعبير ... فمنظور غادة و أهتماماتها برجوازية حتى النخاع ... و حتى أستخدامها لتعبير "السياح العرب" جاء مستفزا فى بعض الأحيان , كأن العرب كلهم أعتادوا السفر و الترحال و الذهاب إلى لندن و باريس ...
عندما كنت أقرأ فى هذا الكتاب , كان تفكيرى يذهب كثيرا إلى أدب رحلات أنيس منصور و طبيعة تجارب أنيس منصور و كيف جذب أهتمامة مثلا الروح السوفيتيه أو معاناة الإنسان الكوبى أو أجواء مدينة بالتيمور الحمراء أو تاريخ الجيشا اليابانية أو يمن الإمام ... كتابات كانت أكثر حيوية و أنفتاحا و أقل تقيدا بأراء مسبقة أو أهتمامات معينة .
ربما أكون قد قسوت فى الحكم على الكتاب و لكن الإنسان لا يستطيع أن يكون دائما محايد .
إذا كنت من محبي السفر والتجول حول العالم ...وأردت عيناً ثاقبة و روحاً خفيفة تنقلك في أصقاع العالم و تأبى من إضافة حس الفكاهة والسخرية ...فألتقط هذا الكتاب وتناول مافيه من عجائب وغرائب الناس
this book is fanstastic for people who have violently thirsty for excitment and zeal!
يرحل الجميع .. يرحل التشرد و أصدقاء القطارات و رفاق قاعات الترانزيت بالمطارات .. يرحل البحر الذي يتقن احتضان عشاق السباحة أمثالي .. يرحل الليل الذي يتقن لمس جراح المثخنين بالتوق للمجهول أمثالي .. ترحل الغابات و الصحافة و الأنهار و النوارس و الصداقات و الالتزامات و المباهج الصغيرة الحادة ..
حينما يأتون , أعرف أنهم كالحب الحقيقي .. يطرد كل زائر سواه و ثم يرفع ساقية على وسائد القلب حتى من دون أن يخلع حذاءه حينما يأتون , أعرف أنهم كالزلزال , يختار توقيته الخاص و كالمخاض لا يمكن كبح جماحه
حينما يأتون أعرف أنهم كالإعصار , لا يستأذن قبل أ ن يجتاح قرى أرتبطاتي و التزاماتي و كالبركان ينفجر و يغمر عالمي من دون أن يطلب تأشيرة دخول أو يعبث ببرقية تحدد موعد وصوله كي أرتب أموري و أستعد للقائه ..
حينما يأتون كالحب , أعرف أنني لا أملك إلا الطاعة .
لن أتجاهل أسلوب الكاتبة الأنيق أو الخفّة التي امتازت بها كلماتها في مُجمل الكتاب ، لكن كان الكتاب ممّلًا لدرجة ما من سرد لتفاصيل سَبق ذكرها أو ممكن حاجة في نفسي أنّي مابحبّش حد يتكلم عن رحلاته وفُسَحه كتير :D
علاقتي مع غادة السمان مضطربة ما بين الحب والكره. أُحب مفراداتها ورشاقتها في التعبير، وأكره عنجهيتها، أُنكر عليها عاطفتها المزيفة المترامية بين جوانب كُتبها بِشكل مُبتذل. بعد قراءة ما يكفي من كلماتها، تعرف أن حروفها غير ملتزمة، وأنها تطلق العنان لأفكارها ولا سقف لحرية قلمها، وهذا ليس بِالشيء السيء بالضرورة، لكن التكرار هو المزعج، توقع السطر القادم هو المزعج. سيمون دي بوفوار تقول في إحدى كُتبها أن "التكرار يتسنفذ اللذة" وهذا ماأظنه حدث معي ومع غادة. صورها الجمالية ولغتها المختلفة تكاد تفقد وهجهها من كثرة التكرار.
على أي حال، الكتاب هذا يصنف من الكتب في أدب الرحلات، وهو عبارة عن رحلات غادة بين أمريكا واوروبا. مُسلِ في بعض الأوقات وممل في أوقات أخرى.