القلب العاري... عاشقاً سيرة للحزن، فليس هناك أقسى على المحب أن يموت حبيبه قبله، ولذلك تدون غادة السمان حزنها على رحيل الحبيب والزوج بشير الداعوق. تستدعي غادة السمان بشير الداعوق بالقصيدة والكلمة المتفجرة من الأعماق، تكتب بلغة الحب والموت معاً، لغة حزن تستيقظ من صدمة الموت التي لا تعادلها صدمة أخرى. ليس أقسى على المحب ان يموت حبيبة قبله خصوصاً عندما تكون العاشقة غادة السمان وأن يكون الحبيب بشير الداعوق. قضيا معاً عمراً مديداً بسعادة غامرة، انتجا فيه شاباً مثقفاً أراد ان يجمع في قلبه الأم والأب معاً. ومن يقرأ هذا الكتاب، يقرأ جرح قلب وأحاسيس فياضة بالشوق العارم وايقاع الغياب المشكلة. بل لنقل المأساة عند الفنان انه يحس اكثر من غيره، وان يبتليه الحزن أكثر من غيره بكثير.
English: Ghadah Samman. غادة أحمد السمان (مواليد 1942) كاتبة وأديبة سورية. ولدت في دمشق لأسرة شامية عريقة، ولها صلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني. والدها الدكتور أحمد السمان حاصل على شهادة الدكتوراه من السوربون في الاقتصاد السياسي وكان رئيسا للجامعة السورية ووزيرا للتعليم في سوريا لفترة من الوقت. تأثرت كثيرا به بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة. كان والدها محبا للعلم والأدب العالمي ومولعا بالتراث العربي في الوقت نفسه، وهذا كله منح شخصية غادة الأدبية والإنسانية أبعادا متعددة ومتنوعة. سرعان ما اصطدمت غادة بقلمها وشخصها بالمجتمع الشامي (الدمشقي) الذي كان "شديد المحافظة" إبان نشوئها فيه. أصدرت مجموعتها القصصية الأولى "عيناك قدري" في العام 1962 واعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت واستطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية.
:الدراسة والاعمال
تخرجت من الجامعة السورية في دمشق عام 1963 حاصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي، حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، عملت غادة في الصحافة وبرز اسمها أكثر وصارت واحدة من أهم نجمات الصحافة هناك يوم كانت بيروت مركزا للأشعاع الثقافي. ظهر إثر ذلك في مجموعتها القصصية الثانية " لا بحر في بيروت" عام 1965. ثم سافرت غادة إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الاوربية وعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت أيضا إلى اكتشاف العالم وصقل شخصيتها الأدبية بالتعرف على مناهل الأدب والثقافة هناك، وظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي أظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقاد آنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها. ورغم أن توجها الفكري اقرب إلى اللبرالية الغربية، إلا أنها ربما كانت حينها تبدي ميلا إلى التوجهات اليسارية السائدة آنذاك في بعض المدن العربية وقد زارت عدن في اليمن الجنوبي في عهدها الماركسي وافردت لعدن شيئا من كتاباتها. كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان وجيلها، يومها كتبت مقالها الشهير "أحمل عاري إلى لندن"، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" وأثره التخديري على الشعب العربي. لم تصدر غادة بعد الهزيمة شيئا لفترة من الوقت لكن عملها في الصحافة زادها قربا من الواقع الاجتماعي وكتبت في تلك الفترة مقالات صحفية كونت سمادا دسما لمواد أدبية ستكتبها لاحقا. في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" والتي اعتبرها البعض الأهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب أدبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي والهوة السحيقة بين فكرة وسلوكه. في أواخر عام 1974 أصدرت روايتها "بيروت 75" والتي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن، وقالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم.. أرى كثيرا من الدم" وما لبثت أن نشبت الحرب الأهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية. مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977 و"ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين والرئيات العرب.
لأن كل ما احبة ومن احبة يختفي من حياتي انهض من سريري كل صباح واطل من ناقذتي لأطمئن إلي ان نهر السين الباريسي ما زال في مكانه كما ودعته قبل ان انام كل ما احببتة انكسر وكسرني وحزني شاسع علي طول خارطة عالمي العربي
حكاية الحب قد تندثر كأي كون تفتت هارباً في المجرات لكن ضوء الحب الذي كان يتجاوز المجرات والازمان
الحرية الوحيدة المكفولة حتي في السجون تدعي : الذاكرة وهي سجان وجلاد وحبيب في آن
لو لم امت مرات ألما ووحشة ، لما تعلمت فن الحياة !
اهديتني بساط الريح
وقلت لي حلقي اينما شئت طرت به عبر القارات مع السندباد وعلاء الدين وعلي بابا ثم هبطت كالصقر فوق ذراعك
القلب العاري... عاشقاً سيرة للحزن، فليس هناك أقسى على المحب أن يموت حبيبه قبله، ولذلك تدون غادة السمان حزنها على رحيل الحبيب والزوج بشير الداعوق. تستدعي غادة السمان بشير الداعوق بالقصيدة والكلمة المتفجرة من الأعماق، تكتب بلغة الحب والموت معاً، لغة حزن تستيقظ من صدمة الموت التي لا تعادلها صدمة أخرى. ليس أقسى على المحب ان يموت حبيبة قبله خصوصاً عندما تكون العاشقة غادة السمان وأن يكون الحبيب بشير الداعوق. قضيا معاً عمراً مديداً بسعادة غامرة، انتجا فيه شاباً مثقفاً أراد ان يجمع في قلبه الأم والأب معاً. ومن يقرأ هذا الكتاب، يقرأ جرح قلب وأحاسيس فياضة بالشوق العارم وايقاع الغياب المشكلة. بل لنقل المأساة عند الفنان انه يحس اكثر من غيره، وان يبتليه الحزن أكثر من غيره بكثير.
"الأسماك لا تتعلم شيئاً من تجاربها وتظل تعض على الطعم المتدلي من الصنارة، أما المرأة فلا.. قرنًا بعد آخر، جيلاً بعد آخر.. أنا سردينة صغيرة، لكنها متمردة لا اعض الطعم الشهي المتدلي من الصنارة بل اعض يد صيادي!"
في هذه النصوص نلتقي بغادة، المرأة الناضجة، العاشقة الوفية لذكرى زوجها الراحل، كلماتها هنا تأتي خفيفة، ذات إيقاع هادئ.
إلا أنني في الحقيقة أفضّل غادة في نصوصها الأولى؛ تلك العاشقة المجنونة، المتمردة التي تتفجر النيران من حروفها. هناك كانت كتاباتها اقوى أثراً وأجود أدباً.
إنها تجعلني على قيد الحياة والحبّ،والكتابة . رغم أنّه يتحدّث عن موت الّذين نحبّ، إلا أنّ الحزن لم يكن مكثّفًا، كان خفيفًا، شهيًّا مثل خيط أبيض رفيع رُسم على صفحة السّماء. أحبّ الكاتب الّذي لا يضخّم جراحه، لأنه يكتبها بطريقة أنيقة خادشة للوجدان، وهذا يجعلها تعرض بصورتها الحقيقيّة. في نصوصها ألمس امرأة عاشقة على الدّوام، مجنونة، هاربة، مكابرة .. ببساطة أحبّ هذه التناقضات. وأعرف أنّي حين أنهي كتبها جميعًا ( الكتب الّتي بحوزتي ) سأعاود قراءتها من جديد، لا أيّام عصيبة دون كتب غادة، إنها تجعلني على قيد الحياة والحبّ .. والكتابة.
وما زالت غادة عاشقة داخل محبرة، تجيد التوغل الى الأحزان المكررة بخطوات إستثنائية. يصير الحزن خبز القارئ العربي، إذما ما بكت غادة السمان حروفاً، هي التي تحترف التحول من أمرأة الى أبجديّة.