عندما تنضب قصصي لذلك اليوم، تتخلّى مريم عن هدوئها وصمتها، وأكتشف فيها، كما لو أنها المرة الأولى دائماً، إنسانة ثرثارة لا تعبأ بمداراة لغثتها وإشعال ذهنها في البحث عن كلمات خالية من حرف الراء، بل تبدأ في اختلاق قصصها مثل ساحرٍ يخرج من جيب سترته شرائط ملوّنة تمتدّ إلى أن نصل إلى باب بيتهم، غير أن قصصها تشبه كولاجاً غريباً، كل جزء فيه يختلف عن الأجزاء الأخرى بشكلٍ كبير، وأصدّقها. أصدقها كي أمنح ذاكرتها حياة جديدة.
مجموعة قصصية عبارة عن لقطات إنسانية... مكتوبة بأسلوب دافئ و شفاف... القصص الأولى مترابطة بخيط القدر تصلح أن تكون فيلما للسينما...0 إحدى القصص و هي المعنونة بعنوان المجموعة قد أدخلتني في حالة من السرنديبية أو لا أدري ما يسمونها مصادفة سعيدة أو ماذا (Serendipity) إذ أنها تتحدث عن فتاة تعاني الغباشة في عينيها و عن شعورها الداخلي و هي ترى نفسها تفقد بصرها شيئا فشيئا و خفوت كل ما حولها... الغريب أني ما أمسكت المجموعة إلا لأن الغباشة قد طلست عيني، بحيث أني كنت أبحث عن كتاب سهل يساعدني على الخروج من دائرة التفكير بعيني و أفكاري السوداوية حول المرض الغريب الذي حل بهما... و لكني حين بدأت قراءتها، أصابتني الدهشة، الوجوم حل بي... الوسواس... و ربما الفزع... ركنت الكتاب على جنب... و الأفكار اختلطت برأسي أكثر من الأول... ثم لا أدري شيئا فشيئا، تنفست الصعداء فأنا لست تلك الفتاة و أنا على الأقل لا أفقد بصري... فحمدت الله... حمدته كثيرا و جدا... و فكرت حسنا ربما بعض الغباشة ليست أمرا سيئا جدا... إذ يكفي أنني أرى...0
أما في القصة الأخيرة فقد أحسست و كأنه فيلم قد أوقف من منتصفه... تساءلت يا ترى ماذا حل بعد أن قررت الفتاة أن تتصل به، و لكن الحكاية انتهت... و لطالما وددت لو أعرف ما يحصل بعد النهايات و بعد أن يتوقف الراوي عن الكلام. و ما الذي حل بالشخوص! لكن ربما ذلك أفضل، فالشخصيات صارت ملكي و أستطيع أن أخلق لهم النهاية التي اشاء...0 و هذا ما حصل، فقد تصورت نهاية جميلة للقصة و قضي الأمر. المجموعة خفيفة و رقيقة، و هي العمل القصصي الأول للكاتبة كما كتب على الغلاف، و كنت قرأت قبلا للكاتبة مقالا بعنوان (الحياة قصيرة و الكتب كثيرة) و هو مقال جميل لا ينسى. تمنياتي لها بالتوفيق...0
قراءة ضوء يذهب للنوم شبيهة بلقاء صديقة قديمة، وقد عرفتها قارئة مميزة وذات حديث جذاب جدا عن الكتب، وقد يكون هذا الكتاب اثباتا ان قارئا مميزا في قراءته وتأمله وتفاعله مع الكتب قادر على ابداع كتاب جميل.
وبالعودة الى الكتاب ذاته، مجموعة قصصية قصيرة ذات قسمين، ترتبط قصص القسم الاول برابط سحري يتكشف تدريجيا مع القراءة، ولا يبدو ذات الارتباط مع قصص القسم الثاني لكني وجدت ان الثيمة الاساس لجميع/غالبية قصص المجموعة هي الوحشة او الغربة التي يعرفها الانسان حتى بين اهله. ذلك الانفصال العاطفي والعزلة التي تجعل كل فرد جزيرة، فقدان القدرة على التواصل تحت ظروف مختلفة نسميها الحياة العصرية. ترسم ابتسام هذه الارواح الوحيدة وتجعل المفارقة حين يستطيع كل منها رؤية وحدة الاخر والشعور بالتعاطف لأجله في حين لا يدرك ان واقعه شخصيا لا يختلف كثيرا.
شعرت ان ابتسام تجرب في القص، تستخدم السرد الحر والذي لا ينطوي على عقدة واضحة بالضرورة، او لا ينتهي الى خاتمة مغلقة دائما.
عرفت ابتسام المعلا من مقال قد نشر لها في المجلة العربية بعنوان : ( فرصة الكاتب) ذلك المقال الذي تذكر فيه أن الحياة قصيرة والكتب كثيرة وأن الأجدر بالإنسان ألا يضيّع وقته فيما لا يستحق، وأن لكل كاتب فرصة واحدة لدى القارئ الذي سيقرر أن يقرأ لذلك الكاتب أم لا .. عندما شاهدت (ضوء يذهب للنوم) لإبتسام في المكتبة، ابتسمت وقلت : هل ستضيعين فرصتك أم لا؟ لكن الكاتبة كانت من الذكاء بحيث طرحت لنفسها أكثر من فرصة، لأقرر هل سأقرأ لها أم لا؛ لأن الكتاب كان عبارة عن مجموعة قصصية، كل قصة تشكل فرصة للكاتبة! بدأت في قراءة مجموعتها والتي كانت متكئة على اليومي من الأحداث، وبلغة بسيطة وجميلة، فكانت النصوص متفاوتة منها الجيد ومنها دون ذلك، لتكسب الرهان بعد ذلك في نصها (ضوء يذهب للنوم) الذي شفع للكاتبة عندي بأن أؤمن بقلمها .. ضوء يذهب للنوم كان نصًا باذخًا فكرة ولغة وسردا، يحمل عمقًا إنسانيًا صادقا.. ابتسام ننتظر القادم ..
بينما كنت أنهي تصفح كتب دار كلمة ليلة البارحة وقعت عيناي على رف المؤلفات الإماراتية، وأنا بطبيعتي أملك ذالك الفضول الذي يدفعني في كل زيارة للمكتبة لشراء كتاب لمؤلف اماراتي لأرى تطور أقلام الكتّاب في مجتمعنا بشكل عام.
"ضوء يذهب للنوم" كان العنوان جذّابًا وكان الكتاب أنيقًا لذلك لم أفكر كثيرًا بتركه والخروج، حملته معي مجموعة من الكتب المترجمة كي يكون مرافق موعد ما قبل النوم. وفي تلك الليلة رافقتني أقصوصات ابتسام المعلا كما لو كنت أقرأ كتابات صديقة قديمة تركت بين يدي أوراقها، عجبت من هذه البهجة التي اعترتني وكم تشابه شخصيات المعلا مع شخصيات الحياة الواقعية المحيطة بي حتى ظننت بأني وهي قد خضنا بعض التجارب الشبيهة.
ينقسم الكتاب إلى جزئين، الجزء الأول يضم قصصًا مترابطة بطريقة جميلة وأخّاذة لا يشوبها شيء، لم تتعمد المعلا الغموض في سردها بما يفوق الحاجة بل كان استخدامها للجانب المعتم متوازنًا، ووصفها التفاصيل يجعل أشكال الأشخاص والأشياء في القصص مألوفة.
أما الجزء الثاني فهو مجموعة قصص مختلفة نالت استحساني، استوقفتني عدة نقاط وأنا أقرأ، فكنت أقول في نفسي، الفتاة في الرواية تفعل ذلك مثلنا؟ الفتى يعرف هذه الأغنية!، كما دندنت مع أبيات قصيدة "موطني". ابتسام المعلا تملك ثقافة أدبية وموسيقية تندر هنا.
هذه المرة سررت باختياري هذا الكتاب، وأهنئ المعلا عليه لأنه رفيق جيّد في عزلة المساء قبل النوم، ليس ثقيلًا أبدًا أو غارق في الكآبة، على الأقل كتابٌ حقيقي.
اختطفت الكتاب من جناح المجمع الثقافي بمعرض الكتاب، كان قراءة اسمها على الغلاف كافيا ليجعلني أبتسم، لم يغب عن ذهني لحظة واحدة.. مقالها الذي قرأته في جريدة الاتحاد و رددت عبارتها كثيرا ” الحياة قصيرة، و الكتب كثيرة”.. الكتاب الصغير، بصفحاته التي تتجاوز المئة بقليل صادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ضمن مشروع (قلم) الذي يهدف لفتح نافذة للأدب المحلي كي يخرج للعالم، و يمسك بيد جيل الكتاب الصغار لينهضوا بثبات و قوة.. اشتريت كتابين آخرين لاسمين شابين.. لكن قدري مع هذا الكتاب كان يتربص بي..!
بدأت بقراءته لأقطع رتابة الـ 20 دقيقة التي سأنتظر فيها الباص، و كانت الدهشة هناك.. تنتظرني عند أول صفحة في مجموعتها القصصية.. وقفت مذهولة أمام قدرتها الرائعة على شد انتباهي و إثارة إعجابي بالتراكيب التي تصوغها، و اللغة الرشيقة التي تستخدمها.!! منذ أول قصة، قلت في نفسي: ” يا إلهي، سأقع في حب هذه الكاتبة “، و حين فرغت منها كتبت على ظهر الورقة الأخيرة:
” لا أدري ما الذي انتابني، ذلك النوع من المشاعر، ذلك الإحساس الذي يأسرني و أنا أقرأ ، أنتشي بالكلمات و أصفق للجمل.. هذه كاتبة ستأسرني طويلا.. حرفها من النوع الذي أحب، و الذي ينتفض قلبي لقراءته، سأحبك يا ابتسام.. سأحبك كثيرا.. أعدك بذلك ”
لعل ابتسام في كتابها هذا تراوغ، فمنذ الوهلة الأولى تظن أنك تقرأ مجموعة قصصية تضم بين غلافها قصصا قصيرة متفرقة لا تمت لبعضها بصلة، لكنك تكتشف في وقت لاحق أنه ليس سوى سلسلة من الحلقات، في كل مرة.. تمنحك حلقة واحدة تسلط عليها الضوء لتتأملها جيدا.. تقلبها بين يديك، و لفرط انشغالك بتفاصيلها الصغيرة، تنسى كل الشخوص الأخرى في القصة.. تنسى أنهم وجه آخر لحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا عن قرب.. لذلك هي تختطف منك الحلقة الأولى فجأة، و تناولك أخرى، كي تغوض مرة أخرى في رحلة اكتشاف جديدة.. ربما كي تنبهنا كم نتغاضى عن رؤية الأشياء الأخرى من حولنا..
في قصتها الأولى تحكي عن فضة، أرملة تعيش وحيدة.. و تتعرف على السحر الذي يمكن أن يمنحه لها مراقبة المسافرين في أروقة المطار، و في اللحظة التي تظن أن قصتها الأولى انتهت.. تبدأ قصتها الثانية.. لتكتشف أن راويها ليس سوى ذلك الشرطي الشاب الذي كان يراقب فضة في زياراته�� الغامضة للمطار، قصتها الثالثة تكون أكثر مراوغة.. فهي تبعدك قليلا عن أجوائها السابقة حين تحكي عن فتاة شابة قادها تمردها على مرض السكري لنفق مظلم، لكن حين تقرأ القصة الرابعة تدرك أنك لا تزال تعيش في الدائرة ذاتها.. فتلك الفتاة ليست سوى صديقة مريم، الطفلة اللقيطة.. التي منحتها فضة ذات يوم زجاجة عطر، هكذا تقودنا ابتسام.. في دهاليز متشابكة، و كأنها تهدينا خيوطا رفيعة و تترك لنا مهمة اكتشاف العلاقة بين قصة و أخرى.. تستثير الحواس و تجعلك تتنفس كل كلمة كتبتها.!!
أكثر ما أعجبني في الكتاب، غوصها في خضم تفاصيل الحياة المحلية، بكل أشكالها/أسمائها/و أماكنها.. فحين تتحدث عن مكان ما، أبتسم.. العاصمة، الكورنيش، حديقة المطار، محل التسجيلات قرب الجسر، هذه فتاة عاشت لتحكي للعالم عن واقعنا الجميل، عن مجتمعنا الذي لم يكتب عنه الكثيرون.! هي “شرجاوية” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و حين توقظ في ذاكرتي تفاصيل ممارسات عتيقة.. أسأل نفسي: ” ياااه، كيف نسيت هذا؟ كم كان بديهيا لحظة حدوثه! ”، ليالي السهر على الأسطح حين تنقطع الكهرباء و مراقبة الجيران، الغطاء الصوفي ذو الورود المتفتحة و الذي يتدلي من طرفه ورقة تثبت هويته (Made in China)، المصابيح الدائرية كبلورات المصطفة فوق السور العالي، ثوب فضة المخور و جيبه المندلع، شيلة سوداء معقود أحد أطرافها على هيئة صرة صغيرة.. يذكرني بالعقدة في طرف شيلة جدتي التي يتدلى منها مفتاح دولابها ذو الرائحة المعتقة.!
ما يجعلك تعيش معها أحداث ما تكتبه، هو استثارتها لحفيظتك التي تعرف تماما ما الذي تقوله، فهي تتحدث عن قصائد طناف، أغاني علي بن الروغة، تذكرك بـ (أيام) طه حسين، (مدن ملح) عبدالرحمن منيف، حزن إيزابيل الليندي على ابنتها (باولا)، و آل باتشينو الضرير في (عطر امرأة)، تحكي عن المنتديات الإلكترونية، و الـ iPod الذي يحمل تناقض صاحبه المتعلق بأغاني قديمة لا يعرف عنها الجيل الجديد شيئا.. تحكي عن سيارة البي إم، و التسكع طويلا في شوارع الشارقة.. كل هذه الأشياء تمنح القصص واقعية جميلة.. تجعلك تبتسم.. و تفكر، كم كانت ذكية و هي تكتب كل هذا..!!
Very well written short stories. This is the first time i heard of the writer, as i got her book as a gift from a friend of mine and i managed to read it within less than 2 hours. I liked the way she linked the characters in the 6 stories of the first part and wished she did the same in the seconed part. This is not to say that i didn't enjoy the 6 stories of ( makan baliq al etisaa ), because i did, espicially iPod.
أشكر الأستاذ الدكتور حسين اللامي الذي عرفني على قاصتين إماراتيتين من خلال إرساله لي مجموعتيهما القصصيتين بعد أن مررت بتجارب ليست موفقة مع الأدب الإماراتي. إن مجموعة باص القيامة لروضة البلوشي ومجموعة ضوء يذهب للنوم لابتسام المعلا تمنحان القاريء متعة القراءة مثلما تمنحانه متعة الفن. هذه المجموعة منسوجة بروح فنانة مرهفة وقصصها متعالقة وهناك خيط يربط جميع قصص الجزء الأول بينما تتفرق قصص الجزء الثاني في عوالم متسعة. أيضا استوقفتني ثقافة الكاتبة المتجلية في النصوص.
أسلوب الكاتبة جذاب ومشوق وأعجبني أنها واعية بموضوعها بمقدار وعيها بالتكنيك القصصي الحديث فلم أشعر بالملل طول وقت القراءة وأعجبتني قصة البيت لأنها قصة بدون أشخاص وليس فيها حوار وبطلها مجرد مكان قديم ومع ذلك فقد شدتني.
إبتسام المعلا ..إنها الرصيد الأهم والأكثر ثراء للقصة الإماراتية والعربية ... لا تحب الأضواء لكنها ترسل الضوء الى النوم.... اتمنى لها المزيد من التألق والابداع... برهان شاوي...burhan562003@yahoo.com