تحرر المجتمع المدني العراقي لتوه من نصف قرن تقريبًا من الاستبداد. ويتوقف نموه الحرّ ونضجه على تعزيز اقتصاد السوق والحريات الديمقراطية وحكم القانون لا الميليشيات. إن الحكومات الثرية بالنفق قادرة، إذا ما سيطرت على الموارد، على تشجيع الحكم الاستبدادي، وإلغاء المجتمع المدني الضعيف أو التحكم به.وهذا الأخير لا يمكنه أن يزدهر ويؤدي دوره المطلوب إذا بقيت نيته المؤسساتية ضعيفة (خصوصا مؤسسات القضاء). صحيح أن التعددية هي شرط أساسي للمجتمع المدني العراقي، إلا أننا نلاحظ أن هذا التعددية ذات ملمح طائفي - إثني. وهذا الواقع قد يحافظ على التعدد الطائفي، لكنه يلغي التنوع داخل الطوائف والإثنيات، بل يعرّض غير الممتثلين للخطر. فالأحزاب السياسية غير المؤسساتية الرئيسة تؤمن الدعم للجمعيات المدنية التعددية، لكنها تحاول إخضاعها لسيطرتها. بل وتقوم فعلا بذلك. أما دور الدين فشائك فيما يخص نمو المجتمع المدني. ورغم أن المؤسسات الدينية هي جزء من المنظمات الوسيطة، فإنها تعوق أحيانا نمو المؤسسات الاجتماعية المستقلة ذات التوجهات الدنيوية في الوقت ذاته.
يستعرض هذا الكتيب الظروف التي تحيط بالمجتمع المدني لعراق ما بعد سقوط صدام، مؤكدا أن ولادة هذا المجتمع لم تأت نتيجة فردوس التناغم بل ثمرة تصادم المصالح وتضارب الأجندات، وأن أمامه مسارًا طويلًا وشاقًا قبل أن يستقر ويتقدم.
عالم اجتماع عراقي ( 1946-2018م). عمل أستاذاً وباحثاً في علم الاجتماع في جامعة لندن، مدرسة السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبيك التي نال فيها شهادة الدكتوراه. مدير البحث والنشر في مركز الدراسات الاجتماعية للعالم العربي في نيقوسيا وبيروت (1983-1990). متخصص بدراسة الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط، وتتناول أعماله: الدين، دور القانون، الصراع الديني والمجتمع المدني.