يختار لنا المازنى فى هذا الكتاب بعضًا من المشاهد التى مر بها فى طفولته وشبابه وكهولته، ويرويها بأسلوبه الرشيق، ولغته الثرية، والخبرة العميقة بالحياة، التى ينقلها هنا كعصارة لتجربة واسعة وحياة حافلة.
إبراهيم عبد القادر المازنى (1889 ـ 1949)
واحد من الآباء المؤسسين للكتابة العربية الحديثة؛ شعرًا ورواية وصحافة ونقدًا وترجمة. أسس مع العقاد وعبد الرحمن شكرى «جماعة الديوان» الأدبية للدفاع عن المعاصرة فى مواجهة الأدب الكلاسيكى. ونشر مقالاته الممتعة بسخريتها اللاذعة على صفحات أهم جرائد عصره. عمل رئيسًا لتحرير أكثر من جريدة، كما انتخب وكيلًا لمجلس نقابة الصحفيين، وعضوًا بمجمع اللغة العربية
إبراهيم عبد القادر المازني، شاعر وناقد وصحفي وكاتب روائي مصري من شعراء العصر الحديث، عرف كواحد من كبار الكتاب في عصره كما عرف بأسلوبه الساخر سواء في الكتابة الأدبية أو الشعر واستطاع أن يلمع على الرغم من وجود العديد من الكتاب والشعراء الفطاحل حيث تمكن من أن يوجد لنفسه مكانًا بجوارهم، على الرغم من اتجاهه المختلف ومفهومه الجديد للأدب، فقد جمعت ثقافته بين التراث العربي والأدب الإنجليزي كغيره من شعراء مدرسة الديوان.
أطال سرد ذكريات الطفولة من ترحها ومرحها فـ ظننت وصفه لن ينتقل به لشبابه ..
ثم ما لبث برهة يتحدث عن فترة شبابه حتى انتقل إلى مرحلة الكهولة يضنيها وصفاً ودفاعاً مللتُ جزعه من الموت، واسترساله في مدح تشبث العجائز بالحياة ! و شككتُ بلحظات عن المغزى الحقيقي من كتابه؛ أهو سيرة ذاتية أم إرهاصات فكرية !
بدأت بقراءة الكتاب لأعرف من هو المازني ، ذاك الاسم الذي تردد ذكره بأكثر من كتاب طالعته، وانتهيت من قراءته ولم أعلم عنه سوى من فقرة اعتراضية وردت ؛ أنه اشتغل بالصحافة وقدّم المساعدة لمن أعتقل من طلابه، اللهم إلا طفولته العادية وكهولته التي تماثلها وإنجاز في عمله كـ معلم.
وأعجب من جرأة إنسان على المجاهرة بالمعصية، والإطناب بوصف عثراته الخلقية وإن سماها بغير اسمها تخفيفاً لوقعها على النفس ! فإن تعثر الكاتب بما لا يليق بمسلم في مرحلة الصبا والشباب، فما الداعي لتخليد عثراته في كتاب ! ألا يوجد بتاريخه إنجاز أحقّ بتخليده من ذاك العبث ؟
لأني أحب الكتابات التي تحفزني لتصفح المعجم؛ استمتعتُ خاصة بلغة الكتاب ؛ تلك التي يحتاج العربيّ المعاصر معها للمعجم ليدرك معنى الجملة.. -إلا من رحم ربي- تلك الفصحى التي افتقدنا عذوبة ألفاظها منذ أن اقتصرت أغلب كتاباتنا عامة والأدبية منها خاصة على السرد بلغة الصحف ونشرات الأخبار.
إأن تشعر به منك، أن تُكتَب سيرة ذاتية بهذا القدر من الإتقان، قلبي طار فرحًا بالقراءة، و عيني توقفت عند كثير من الجمل من فرط إحساسه بالكلمات، الكتابة منذ سنتين هبة أنعم الله بها على المازنيّ، تذكرت أنّي قلت لقارئ أنّي كنت قد بدأت في قراءة كتاب للمازني اسمه "حصاد الهشيم"، و لم أتم فيه بضع صفحات، و أنّي أظن في عدم قدرتي على القراءة له من جديد، فما كان منه إلا أن عنفني و شجعني على القراءة، و بالفعل قرأت في خلال العامين بعض أعمال للعقّاد، و البعض يصم أسلوبه بالصعوبة، لكني استسغته، و قرأت هذا العمل للكاتب، فأبهرني بطلاوة لسانه،و سلامة جمله.
انضم يا مازني بثبات إلى قائمة عشاقي من الكتاب العرب، رحمة الله عليك يا جميل، و رحم الله جيلًا من الكتّاب أعطى اللغة حقها، فأثرانا ببسيط القول كبير الأثر.
شعرت بالملل مع مرور الصفحات حتى هممت بترك الكتاب -ربما بسبب أنى رفعت سقف توقعاتى للكتاب- لكن في الفصل السادس عشر كشف لى الكاتب عن سر من أسرار نفسه والذي كابده وعانى منه أشد المعاناة وهو جزعه من الموت. هذا جعله يصف نفسه بالقبر المظلم يقول:وأظل مع ذلك أتبسم للجالسين وأحاديثهم وأمازحهم وأجد معهم وهم لا يدرون أني قبر مظلم،وأني أستر نفسي وأحجبها عنهم بأزاهير الضحك المتكلف،أى نعم، فما اعرفننى ضحكت ضحكة من القلب..ضحكة سرور حقيقي عميق.. ولكن مالهم هم أقول لهم ذلك،وأغش به نفوسهم وأفسد نعيمهم وأسود الدنيا في عيونهم.
ويقول وهو يصف مكابدته ليصف للشباب صورة الحياة الزاهية : فليس أقسي من ثنى الأعصاب وإكراهها على حالة غير حالتها ويخيل إلى وأنا أبذل هذا الجهد من نفسي أنى أوقدت نارا تحت أعصابي لتحمى،وإنى أدقها بمطرقة لتلين وتتخذ الصورة التي أريدها. ومن جميل روحه رحمه الله على ما فيها من بؤس محاولته إسعاد الآخرين،يقول :
وإنه ليسعدنى أن أتوهم أنى استطعت إسعاد غيري ولو دقائق معدودات وقد أكون واهما ولكنه وهم جميل،بل جليل،وأنه الذي يغريني بتلمس الجوانب الفكاهية فى الحياة،ولا أنكر أن هذا يسرى عن نفسي أيضا ،ولكن ما ينفعنى ولا يشفينى ساعة ولا يخلو من نفع لغيري.
ويختم الفصل بكيفية رياضة النفس على السكون إلى الموت.
يرى المازنى أن الكهولة يمكن الاستمتاع بها كما الشباب، يقول: من أجل هذا يخطئ من يتوهم أن الشباب هو وحده سن الإقبال على الحياة.فما ينقطع أو يفتر الإقبال، ولكن المرء في صغره يركب الحياة بالجهل، أما في الكهولة فإنه يركبها بالإرادة.وهو في شبابه يكون محمولا على متن تيار لا يستطيع أن يقاومه،وفي كهولته يكون كراكب السفينة المطاوعة يمخر بها إلى حيث يبغي ،وقد صارت فى عونه تجربته ،وسكون التيار.كذلك يخطئ من يحسب الكهولة أضأل استمتاعا بالحياة،فإنها أدرى بالمتعة،وأحس بها،وأفطن لها،وأعرف بوجهها ،وأخبر بالوسيلة إليها.
لنا الله من قوم تذوب نفوسنا،،ويجنى سوانا ما نشور ونقطف. ويصدر عنا الناس ريا قلوبهم،،ونحن عطاش بينهم نتلهف. نذوق شقاء العيش دون نعيمه،،على أننا بالعيش أدرى وأعرف.
بالرغم من صغر حجم الكتاب بالنسبة لكتب السيرة الذاتية الا انة لاينقصة شئ فالمشاهد المهمة فى حياتة التى ذكرها كفيلة بوضع الرتوش المكونة لهذة الشخصية التى تجمع بين الصراحة الشديدة والبساطة والسخرية والصدق والتسامح . مع كل كتاب اقرائة للمازنى اشعر بالشغف لقراءة المزيد فأدبة بالنسبة لى كألادمان.
قصة حياة هي السيرة الذاتية الوحيدة للمازني و عمله الاخير قبل سبيل الحياة , شتان بينها و بين أعماله ال التي كتبها قبل 20 عاما وما يربط بينهم هو اتصال الاثر كما يردد المازني دائما يظهر هنا المازني وقد شارف على الستين عاما في عرض شريط حياته مسرحية امامه فيتذكر منها محطات مهمة ذكرها في الكتاب .. لاول مره أرى المازني الذي يوزع الابتسامات على هذا القدر من الجدية و الشجن والنفس التي تميل للانعزال و الحزن و التامل العميق في معاني الحياه والموت خاصة في اواخر الكتاب لا اعرف ان كانت هذه النقطة سلبية أم إيجابية ولكن انفصال بعض الفصول عما قبلها يتيح ترك الكتاب و العودة اليه مجددا الاسلوب كان سهلا كالعاده كالكتب السابقة التي قرأتها أري ان يبدأ الذي يريد ان يقرأ للمازني بأعماله الأقدم فالاحدث ولا يبدأ بقصة حياته
" كانت الكتب تعدينى وتسحرنى، فأنظر إلى الدنيا بعيون أصحابها لا بعينى، وأحسها بقلوبهم لا بقلبى، وأتصور حياتى وأقيسها على ما يروقنى من صور الحياة فى هذه الكتب"
تحدث عن نشأته في بيت صارم التقاليد و الحرمان في طفولته وفقد والداه في سن صغيره ومحاولات والدته المستمره لإكمال تعليمه رغم تعرضهم للنصب
عن مرحلة المراهقة والشباب وقصص الحب وعن الخوف من الموت
"يمكن أن أقول إنى كنت فى شبابى أواقع الحياة مواقعة الهوَّاء، أما الآن، فإنى أواقعها مواقعة المحترف، وقد صارت الحياة عندى حرفة، تعلمتها، وحذقت منها الجانب الذى طلبته ورأيته أوفق لى، والفرق بين الهاوى والمحترف لايحتاج إلى بيان "
في هذه السيرة الذاتية العذبة تجد الحكمة والظرافة وخفة الدم والقصص الظريفة، تنم عن روح مرحة وعن حكمة عميقة ولغة وبيان عالي جداً. لطيفة جداً وممتعة هذه السيرة وإن كانت قصيرة وغير شاملة لجميع جوانب ومراحل حياة المازني كاملة فقد حازت النشأة والطفولة نصف السيرة تقريباً.
، على خلاف مع الكاتب في كثير من المشاهد التي يعرضها في كتابه هذا التي تخالف صحة التدين والاستقامة هو كتاب شيق ولغته ثرية يستفاد منه وهذا أول كتاب اقرأه للمازني عليه رحمة الله
أنهيت الكتاب، وهو كتاب عذب سلس، أبان فيه المزاني عن نفسه إبانة صادقة، ذكر فيها جدّه ولعبه، حكمته وطيشه، سفهه واتزانه، طفولته وشبابه وشيخوخته..عن كل شئ، كتاب لطيف.
يختار لنا المازنى فى هذا الكتاب بعضًا من المشاهد التى مر بها فى طفولته وشبابه وكهولته، ويرويها بأسلوبه الرشيق، ولغته الثرية، والخبرة العميقة بالحياة، التى ينقلها هنا كعصارة لتجربة واسعة وحياة حافلة.
هذا كتاب جميل الفكرة والأسلوب، لطيف الحجم والغاية، يُقرأ في يوم ويُستفاد منه طول العمر، وقد ظلم المازني نفسه حين جعله كتاباً صغيراً يختزل حياة أديب كبير.
كعادة المازني رحمه الله وعفا عنه، يضحكك في بداية الكتاب ويكاد يبكيك في آخره، حديثه عن طفولته وصباه جميل جميل، وحديثه عن آلام اليُتْم والفقر حزين حزين، وفي ثنايا الكتاب يلفتك المازني لأشياء أحسبني لا ألتفت لها حتى أموت، فيشغلك بهموم أنت في غنى عنها، لكن يظهر لي أن الكتاب طابعه حزين، كيف لا وقد شاب مفرق المازني ووقف على هاوية النهاية في حياته وهو الذي فكر في الموت التفكير الملي حتى سوّد صفحات كثيرة في هذا الكتاب بالحديث عنه، إما في قصة وإما في فكرة.
لا أنسى حديثه عن وفاة أو "قتل" زوجته ، التي ولّدها طبيب سكران، فمات الجنين وأمه وعاشت الحسرة عليهما! كان المازني وقت الحادث قد بلغ عتبة الثلاثين كما أظن، فيا لها من ذكرى بقيت معه ثلاثين سنة أخرى رحم الله الأم والأب والابن ولا سامح الطبيب.
أما حديث المازني بل أحاديثه عن الحب والهوى والصبا ، فقد ملأت عيني وهزت كتفي فرحاً وسعادة بقرائتها، وقد كان إذا كتب عن مثل هذه المواضيع يضع الاحتشام جانباً وينطلق انطلاق الأديب، وأذكر أن الشيخ علي الطنطاوي انتقد عليه هذا بعد ثناء في أحد كتبه.
والله إني أحب المازني يشهد الله، وما أحسبني أحببت إنساناً مصرياً مثله، وأسال الله أن يجمعني به في الجنة حيث لا فقر ولا بؤس يلاحقانه، آمين ومن يقول.
مجموعة من المقالات (٢٠مقالة من غير عنوان أو رابط موضوعي) تدور حول بعض ذكريات المازني عن نفسه في مرحلة الطفولة والشباب، وأفكاره في مرحلة الكهولة التي يعيشها وقت كتابة هذا الكتاب.
والذكريات هنا انتقائية، لم تشتمل على كل ما مرَّ به المازني خلال سِني عمره، بل كانت مُختارة وقصيرة، ربما ليقدم عبرها نظراتَه وتأملاته للحياة والموت، والشباب والكهولة، تلك النظرات والتأملات التي خصص لها تقريبًا آخر ٤ مقالات بشكل واضح.
عرض الحياة الصعبة التي عاشها، والاضطرابات التي عانى منها منذ وفاة والده، وتضحيات والدته وصبرها عليه. ثم في مرحلة الشباب، وما عاصره من حراك ثوري مصري، وأخيرًا تأملاته في الحياة والموت وهو مقبل على الخمسين من العمر. غلب على الكتاب طابع تشاؤمي حزين، وإن كان لا يخلو من بعض الذكريات المضحكة والساخرة، كما غلب عليه تأملات وأفكار المازني أكثر من سرد للتجارب والأحداث. لغة الكتاب بسيطة، وعبارته سهلة غير متكلفة أسلوبًا وألفاظًا.
لا يستفاد من هذه السيرة الذاتية إلا أنه على المرء ألا ييأس، وأن يتوكل على الله، والله سيفرج كربه.
ويستفاد منها من بعض آراء للمؤلف ناجمة عن تجربة حياتية.
ويستفاد أن على المرء أن يبذل جهده في التعلم وتعليم أولاده فهذا ما سينفعهم في الدنيا -كحال المؤلف- وفي الآخرة كما يعلم كل مسلم وإن لم يذكر المؤلف ذلك فقد غاب الإسلام وغابت الحياة الإسلامية من سرد المؤلف لحياته.
فهل لم يكن ملتزما وكتب ما عاشه؟ أم أنه تقصد عدم ذكر التزامه إن كان ولا أظنه كان التزاما قويا لأن تصوره للحياة والموت ليس تصورا نابعا من الإسلام.
في النهاية تقرأ هذه السيرة لشهرة مؤلفها، ولقصرها، ولاحتوائها على بعض ما يفيد وإن قل.
سيرة ذاتية جديدة، لكنّها غير مكتملة، إذ يحكي المازني في فصول الكتاب فترة الطفولة فقط تقريباً، وشذرات من حياته الشابة، ورؤيته للحياة -المتشائمة في الأغلب- من مرحلة الكهولة. أسلوب الكاتب جميل وبه حكمة ورسالة وتوجّه يتبناه، لكنّ السيرة الذاتية كفن غابت هنا لشعوري أن كثير من القصص مقطوعة، سواء ما قبلها أ ما بعدها. من ضمن مميزات الكتاب الصراحة الشديدة حتى في سرده لنزواته العاطفية، وهو أكثر ما راقني هنا.
هذا الكتاب لا هو قصة سلسة و لا رواية محبكة. انه عرض لبعض اللوحات و الذكريات من حياة المازني . كنت ابحث عن حكمة استقيها من حياته فما وجدت ضف على ذلك أنه أفسد الاحداث بحس الفكاهة مما كان يبعدني عن الحدث. كنت اتخيل صورا للأمكنة التي عاش فيها و كلما غصت بالخيال قاطعني بأسلوبه الساخر الذي ما فتئ يذكرني بأنه يكتب سير حياته و كأنها مسلسل يراه لا أمر عاشه و مر به. الحياة ليست مزحة أو نكتة إنها قصة بالغة الاهمية و الجدية. للأسف لم أستفد من هذا الكتاب و
منذ زمن لم اقرأ لغة بهذه الفصاحة والقدرة على التعبير.. الكتاب وضع قصة حياة المازني في قالب روائي جميل عن الأحداث التي شكلت وجدان هذا الرجل في طفولته. أما النصف الثاني من الكتاب فكان أقرب لتأملات وأفكار للكاتب عن الحياة ربطها أيضا بأحداث طفولته فكان يعود ليتذكر أحداثا ويستكمل أفكاره التي يبنيها عليها.
كتب المازني قصة حياته عام 1943 قبل وفاته بست سنين . وقد لفت نظري نبرة التشاؤم في الربع الأخير من هذا الكتاب ، في حين نرى كتبه وقصصه تنبض بالحياة من حوله . لم يذكر الكثير عن علاقاته وخاصة مع صديقه الأثير عباس العقاد . ومعظم الوقائع هي عن طفولته وشبابه
صفحات من حياة الشاعر والأديب إبراهيم المازني كتبها وهو على مشارف الخمسين من عمره تحتوي على خلاصة تجربته في الحياة. الكتاب فقير جدا في الأحداث والمواقف. خالي من الإثارة. ممل جدا!
عجينة حياة البشر ولكن على اختلافها -كما ذكر- فهم يتشابهون.
❞ أحسست من صغري أن شأني غير شأن الناس، وأني فقير وإن كنت مستور الحال، ولكن الستر لا ينفي الشعور بالفقر وغضاضته ومضضه. ❝
❞ وجدت أن التسامح الذى مبعثه الفهم وصحة الإدراك أجلب لسرور القلب وطمأنينة الخاطر، وسكينة النفس، من تلك المرارة القديمة التي كان ينضح بها الوجه ويقطر اللسان. ❝
❞ ماذا يفيد تعذيب النفس بالتسخط وتلهب الغضب واحتدام النقمة؟. إن الذي له قيمة هو أن ندرك أن هناك ما يستوجب الإصلاح والتقويم، وأن نهتدي إلى وسيلة الإصلاح ومداه وليست ثورة النفس بالتي تعين على هذا وتيسِّره، فإنها خليقة أن تورثنا اضطرابًا في التفكر، وأن تجمح بنا إلى غير ما يشير به العقل، وتصفه الحكمة، وإنما الذى يعين على الصلاح والخير، والتفكير الهادئ والتدبُّر الرصين، وقياس مبلغ القدرة إلى الأمل، وأصالة الرأى، والحذق فى التدبير، ولا سبيل إلى شيء من هذا إذا اهتاجت النفس، وقامت قيامتها وثارت كاللجَّة المربدة. ❝
❞ المعرفة ليست مادة يحفظ بها البدن من الوبال، وهي لا تنقص بالشيوع والاستفاضة، ونصيبك منها لا يقل إذا بلغ فيها غيرك مبلغك، وفي وسعك أن تهدى منها ولا تخشى عليها النقص. ❝
❞ الضنُّ بالمعرفة ضيق عقل وسوء رأي، ولؤم نفس وخسة طباع ـ بلا مسوِّغ ما، ولا فائدة ما ـ لأن الناس يصلون إلى المعرفة أردت أو لم تُرد، وبمعونتك أو بغيرها. فما أنت في الدنيا بالوحيد الذي ينظر فيجد ويبحث فيهتدي، ويعالج فيوفق. ❝
❞ أن الناس أشباه متماثلون وإن تفاوتت بهم الأموال، وليس اختلاف النشأة بمانع أن تكون التجربة من معدن واحد، وإن كان المظهر يوقع في الرَّوع لأول وهلة أن المخبر شيء آخر. ❝
❞ دأب الناس فى زماننا أن يترفقوا بالأبناء ويجنبوهم التنغيص، وهذا جميل ولكنى أحس أنهم يبالغون فى الرفق ويسرفون فى اللين، ويجعلون حياة الطفل أرغد ما ينبغى وأخلى من المشاكل والعقد، ومن كل ما يستدعى إجهاد الفكر أو ما يستثير الشعور ويوقظ النفس، فليتهم يضربون أحيانًا ـ برفق أيضًا ـ ولا بأس من أن يخرجوهم إلى العناد ويدفعوهم إلى التمرد، ليعرفوهم بأنفسهم ويكشفوا لهم عن بعض خفاياها. ❝
❞ أنأى بنفسى عن مواطن الذكرى ومثارها على قدر الإمكان، وأقول على قدر الإمكان، لأن المرء يستطيع أن يهرب من بيت أو بلد ولكن أنَّى له أن يهرب من نفسه؟! ❝
❞ يخطئ من يتهم أن الشباب هو وحده سِنُّ الإقبال على الحياة؟ فما ينقطع أو يفتر الإقبال، ولكن المرء فى صغره يركب الحياة بالجهل، أما في الكهولة فإنه يركبها بالإرادة، وهو فى شبابه يكون محمولا على متن تيار لا يستطيع أن يقاومه أو يصده، وفى كهولته يكون كراكب السفينة المطاوعة يمخر بها إلى حيث يبغي، وقد صارت في عونه تجربته، وسكون التيار، كذلك يخطئ من يحسب الكهولة أضأل استمتاعا بالحياة فإنها أدرى بالمتعة، وأحس بها، وأفطن لها، وأعرف بوجوهها، وأخبر بالوسيلة إليها. ❝
❞ كانت الكتب تعديني وتسحرني، فأنظر إلى الدنيا بعيون أصحابها لا بعيني، وأحسها بقلوبهم لا بقلبي، وأتصور حياتي وأقيسها على ما يروقني من صور الحياة في هذه الكتب، وأنتحل آمال أصحابها ومخاوفهم وهماتهم وعزماتهم، ومثلهم العليا، وصور الكمال عندهم، وأوحي ذلك كله إلى نفسي. ❝
❞ عرفت أن شعوري القديم بالمقت للحياة كان غير صادق، وأنه لم يكن سوى مظهر لحالة عارضة أعانيها، وأن حب الحياة والتعلق بها أعمق من ذلك لكن حب الحياة كان يصطدم أحيانا بالجزع من الموت. ❝
❞ حسبي أمر نفسي، وهمِّي في هذه الآونة أن أروِّضها رياضة جديدة على سكون لا يفسده اضطراب، لا على الركود فإن هذا شر من الموت، بل طعمه يُذاق في الحياة، والسكون قوة لأنه ابن الإدراك الصحيح والإرادة. ❝
استوقفتني العديد من المشاهد والذكريات مما سرده الأديب المازني في مذكراته هذه، منها قصة أخو جدته (في الصفحة 42) الذي كان يمشي دائمًا ولا يركب، وكان عارفًا بالله وأبوه أعرف منه، وحين كان عندهم انتفض فجأة وقال أن أباه يناديه، فرحل مسافرا إليه، وفي الجهة الأخرى كان الأب في ساعاته الأخيرة، فانتفض جالسا وصاح باسم ابنه، فوقع الصوت في قلب الابن على بعد مئات الكيلومترات، وهذه شهادة من شخص محايد لبعض الكرامات التي تحصل لأولياء الله الصالحين. . تحدث المازني عن طفولته، عن أبيه وأمه وجدته، عن منزله وقصص الطفولة والشباب، وهو يسرد فلا تمل من سرده، ويتنقل بين المواضيع بخفة ورشاقة، يحكي لك الأحداث فإن أحس بالملل يدب فيك سارع بإلقاء نكتة طريفة أو عبرة لطيفة، وكلها مما تجود به ذاكرته من أحداث حياته. . الكتاب قصة حياة وهو شهادة لواقع عالَم قد انقضى، الحياة والناس والمكان، نُبذٌ متفرقة بين السطور والصفحات. . يتضح من هذه الذكريات أن الشاب ابراهيم كان تواقًا مشاغبًا، وكانت له قصص ومغامرات غرامية كثيرة، أما أبوه فقد كان رجل شرقي نمطي، تزوج عدة مرات وكانت نهايته على يد الأخيرة، وكانت الأسرة في رغد إلى أن توفى الأب، فانتقلت من اليسر إلى العسر، وضاقت الحياة على الشاب وأسرته. . يستمر المؤلف بسرد قصة حياته، فهو بعد التعليم قد اشتغل بالتدريس، ثم تزوج، ثم ماتت زوجته، ويذكر لنا بألم ومراره السبب الرئيسي لموت زوجته وهو الطبيب المعالج الذي أتى ليولدها، وقد كان أجنبيًا وقام بعمله وهو سكران، وقد كانت هذه الفقرة من أصعب الفقرات على الكاتب والقارئ، لحظات إنسانية مؤثرة ومؤلمة، فقد مات الجنين وماتت الأم ويدها في يد زوجها في ليلٍ بهيم، ماتت ببطئ والزوج يعلم ذلك ويحاول عدم إظهار معرفته بذلك، وكانت هذه الحادثة محطة فارقة في حياة المازني. . يظهر الحزن والوحدة في آخر الكتاب، فقد أصبح المازني غير محب للخلطة في الثلث الأخير من حياته، وأصبح يشتكي من النسيان، ومن الأشياء الطريفة أن العقاد بعث له بورقة فيها أسماء معشوقاته وكان عددهن 17، كما أنه -بحسب كلامه- كان يشرب الخمر، والعلاقة عندي واضحة بين التيه الذي يصل إليه الإنسان في آخر حياته وبين حياة اللهو التي اختارها لنفسه. . وهنا أتساءل: هل كانت حادثة موت زوجته رسالة محورها (الخمر) وكيف أن الشريعة أتت في صالح البشر، كي تحمي حيواتهم وتصون أعراضهم، وأن تحريم الخمر أمر منطقي له أسبابه، هل استفاد المازني من هذا الدرس القاسي وهل ساهم بقلمه في (تسويق) شريعة الإسلام بصفتها المنقذة للبشر من شر أنفسهم، شريعة من شأنها أن تحمي والدة وولدها من الموت على يد طبيب سكران ؟ الله أعلم. .
كتاب (قصة حياة).. للشاعر والناقد والصحفي والروائي المصري إبراهيم عبد القادر المازني (١٨٨٩-١٩٤٩م).. الناشر: شركة نوابغ الفكر-مصر. عدد الصفحات: ١١٧ صفحة. لأول مرة اقرأ شيئاً من أعمال الأديب المازني، وفي كتابه هذا، يسرد بعض جوانب من حياته، فهو ليست سيرة ذاتية تفصيلية تحكي من بداية حياته وتسلسها المرتب؛ بل كأنه عبارة عن مقالات، وطول المقال يتراوح بين ٣-٤ صفحات. ذكر المازني في كتابه بعض جوانب طفولته، وبعض الأحداث المهمة التي حدثت فيها. وتكلم عن أبيه وجده وأمه، وأخيه الأكبر، وسرد قصص كثيرة في ذلك. كما تحدث عن وفاة أبيه وهو صغير، وانقلاب حياته وحياة أمه رأساً على عقب، حيث عانت أمه من الفقر الشديد؛ لكنها واجهت الحياة بصلابة. وتطرق لذكر بعض ذكرياته في الدراسة الابتدائية وطبيعة التدريس والمدرسين. وذكر وفاة زوجته لحظة ولادتها؛ بسبب طبيب مخمور، وتأثير هذا الموقف المؤلم عليه. وذكر جانباً من عواطفه وحُبه. وذكر حسرته على انقضاء شبابه، فقد كتب هذه السيرة وهو في الخمسينات من عمره. وفصّل كثيراً في ذكر خوفه من الموت والقلق الذي يصيبه من ذلك، وقد حاول بشتى الطرق أن يبعد هذا الخوف؛ ويبدو أنه لم يفلح كثيراً في ذلك. السيرة فيها بعض الجوانب المؤثرة جداً، والممتعة أيضاً. لكنها ليست بالتفصيل الواضح لمعرفة حياة المازني أكثر. أيضاً فصل في ذكر نزواته وعلاقاته وعشقه، وأرى هذا الجانب لا يهم أحداً غير الكاتب، فلا يهم القارىء عدد من أحبهن الكاتب، وعدد التي تعلقنّ به. أيضاً، أسهب في ذكر خوفه من الموت وقلقه لذلك في مواضع كثيرة، ولو ذكره في مقال واحد لكان أفضل. وشيء آخر أن طبعة الكتاب ليست جيدة تماماً، ولا تحبب في القراءة، وبها أخطاء مطبعية. لكن في العموم السيرة بها جوانب مؤثرة حقاً ومفيدة، وتجارب رائعة، ولغة رائعة، والمازني معروف في لغته القوية الجميلة، ويستحق هذا الكتاب القراءة والاستفادة منه. نعيم الفارسي 24.11.2016 #كتاب_قرأته #قصة_حياة #إبراهيم_عبدالقادر_المازني #كتب_قراءة_سيرة_نعيم_الفارسي
مقالات مستقاة من ذكريات المازني.. سيرة تتخللها بعض أفكاره ودواخله ونظرياته عن الحياة فكما قال "صارت الحياة عندي حرفة تعلمتها"..
بدايتها طفولته وما فيها من أفراح وأحزان وأوجاع وفقد.. وذكر الأشخاص الذين كان لهم الأثر الأكبر في تشكيل هويته.. والده بقسوته ووالدته بحنانها، وشخصيات أخرى.. تحدث عن جيل يقدَّس فيه المعلمين، وكيف لبعض تصرفات بسيطة في نظرنا قد تغرس بعض القيم في غيرنا..
"أعتقد أن منظر أساتذتنا وهم يقبلون يد الشيخ حمزة كان من أهم ما أغرس في نفوسنا حب معلمينا وتوقيرهم، فإني أراني إلى هذه الساعة أشعر بحنين إلى هؤلاء المعلمين، ولا يسعني إلا إكبارهم حين ألتقي بواحد منهم وإن كنت لم أستفد منهم شيئاً يستحق الذكر"
كان المازني نبيهاً في صغره، ومعلماً فاضلا في شبابه يولي ما يوضع تحت رعايته الكثيرمن العناية والإهتمام.. "نظريتي هي أن المدرس الذي يحتاج إلى معاقبة تلميذه لا يصح لهذه المهنة، وخير له أن يشتغل بغيرها"
حدثنا أيضاً عن ذلك الكتاب الذي بات طوق النجاة له من الجنون بعد وفاة زوجته وطفلة على يد ذاك الطبيب المخمور.. "لم ينجني من الجنون إلا انكبابي على ابن الرومي، والاشتغال بتصحيح الأخطاء في ديوانه"..
ولم ينسَ طيشه في ريعان شبابه وقصص حبه التي لم تكتمل وإن كان غالبيتها ليغذي بها قريحته الشعرية لدرجة أنه لا يعيشها حقا وإنما يحوّرها بخياله ..
أحسست بتقارب أسلوب المازني في الكتابة مع توفيق الحكيم وعلي الطنطاوي رحمهم الله جميعاً وكأنهم درسوا بمدرسة الحياة ذاتها تحت يد نفس المعلم.. ودائماً أتعجب عندما ينتقد أحد هؤلاء القدماء العظام الجيل الجديد في زمانهم وأقول في نفسي لو كانوا بيننا الآن.. ماهم صانعين وماذا سيقولون؟
دائماً يمدح الإنسان زمانه وماضيه على الحاضر وزمان من هم أصغر منه.. أناس لم يعيشوا ما عاشه من صعاب.. وهو لا يدري فقد يكونوا عانوا بشيء أمر مما عاناه بنفسه.. لكن الإنسان لن يستطيع الشعور بشيء لم يشعر به شخصياً ولن يستطيع أن يقدر الألم والمعاناة بالضبط كما هي..
"أفادتني المحنة صلابة ودعمًا وثقة بالنفس وجرأة على الحياة والمغامرة فيها، ولو كنت نشأت في نعمة سابغة لكنت حريًا أن يفسدني التدليل"
كانت الكُتب تُعديني وتسحرني، فأنظر إلى الدنيا بعيون أصحابها لا بعيني، وأحسها بقلوبهم لا بقلبي، وأتصور حياتي وأقيسها على ما يروقني من صور الحياة في هذه الكتب، وأنتحل آمال أصحابها ومخاوفهم وهماتهم وعزماتهم، ثم أزعُمني ندهم وقريعهم فأزهى وأتكبّر، وأغتر!
نبذة عن الكتاب 🔍:
الكتاب عبارة عن مقالات كلها تدور حول بعض من ذكريات المازني وهي انتقائية تحدث فيها عن طفولته وما لاقه من فرح وحزن وفقده لابيه تضحيات والدته من أجل دخوله للمدرسة ، توقير المعلمين في ذلك الوقت ، ثم انتقل لمرحلة الشباب وماعصره من حراك الثورة في ذلك الوقت المدة التي قضاها في التعليم ، اخيراً تحدث عن الكهرلة وتأمل في الحياة والموت .
رأيي 📝:
جمع المازني بين سهولة الأسلوب وجمال اللفظ يكفي ماقال عنه علي الطنطاوي رحمه الله "وأسلوبه من السهل الممتنع، فهو يكتب كما يتحدث، فيحسّ قارئه أنه يستطيع أن يكتب مثله، فإن جرب رآه عاجزًا مقصرًا عنه. ثم إن المازني أوتي براعة في السخرية حتى من نفسه فتجيء سخريته عفوية غير متكلفة" يغلب عليه في هذة السيرة التشاؤم والحزن ، والقلق والخوف من الموت ، دائماً ما تنقذنا الكتب مما نمر فيه حيث انقذه من الجنون بعد وفاة زوجته نقده لديوان ابن الرومي ، شد انتباهي حديثه عن والدته وتأثيرها البالغ عليه في تربيته ونشأته .
لغه سلسه وأسلوب شيق لم أستطع أن أترك الكتاب حتى أنهيته في ساعات ولو لم أخرج من الكتاب سوى بهذا الإقتباس لكفاني : «ولكن الذي في الماء لا يستطيع أن ينعم بمرأى البحر ومناظر السابحين فيه، كما ينعم بذلك الواقف على الشاطئ ،والماضي أوقع في النفس لأن ذكراه تثير السرور بما كان فيه من حسن ، والأسف على انقضائه، وتمني عودته، ولكن الحاضر يشغل بمعاناته عن التفكير فيه والإحساس به من نواحيه جميعا كالسابح في الماء يشغل بجهد السباحة عما حوله من المناظر. وإذا وسع الإنسان أن يكون في اللحظة الحاضرة وأن ينأى عنها ويلاحظها من بعيد ويتأملها ويوقظ لها نفسه وحسه وعقله، كما يفعل حين يتدبر الماضي — إذا وسع المرء أن يفعل هذا،فإنه يستطيع أن يضيف إلى لذة الحاضر المتع المستفادة من رجع البصر أو التذكر». الله ! ❣️ أحببت جداً القراءة له
الادب يستخرج أجمل ما في النفس الإنسانية على شكل نصوص .
المازني العظيم في هذا الكتاب يسرد قصة حياته ويصور كيف أن أخيه الأكبر قد استأثر بالتركة ويقول إنه لا يذكر في حياة أخيه الا الندم على فعلته ولا يذكر النعيم الذي عاشه بهذه التركة , ويصف احترامه وتوقيره لأخيه الأكبر الذي كان يعتبره والده بعد فقد الاب ولكن كان أخوه أكثر توفيراً له وحنوا عليه !
ثم يستطرد ويقول : أنه بعد قيامه بتأليف أول كتاب وقعت عينتا أخيه على المؤٓلف فمن فرط زهوه وفرحه بأخيه الأصغر بكى من الفرح ولم يستطع المازني أن يشهد هذه الدموع من فرط التأثر بهذا الموقف النبيل !
فعلا هذه النفس التي تمور بها كل هذه الخلجات وكأنها الجزر والمد ما أحوجها إلى أدب رصين يستخرج ما فيها من اللاليء فتقبض على لحظات الانتصار على النفس وتضخمها وتهمش لحظات الضعف الإنسانية حتى يمكن للحياة أن تستمر !
طارق البرغوثي
This entire review has been hidden because of spoilers.