"الضوء الذي يرسله المصباح ببطء وهدوء يضاعف وقع الصمت ومساحته الملتبسة، وعندما يحدق السيد فيه أحياناً يشعر بغربته. فهو رغم إقامته لم يألف هذا الضوء، بقي شيئاً حوله، مجرد شيء. فلا هو من النهار، ولا هو من الليل، ولا هو من الصباح.. لكنه من الأمور والأعراف التي تكرست في هذا الحيز الضيق. ويحس السيد بأن الضوء الذي يفترض أنه متواصل ومليء يتقطع أحياناً أو ينطوي على نفسه، وأحياناً أخرى يتأخر هنا ويتقدم هناك، ويتوزع بشكل عشوائي على الجدران والكتب والأواني والطناجر والمنافض وعلى ثيابه وأنفه وصوته أيضاً، فكأنه يختار الأمكنة والأمتعة التي يقرر أن يدركها. لهذا اكتشف السيد أن زوايا قريبة جداً منه يقفز فوقها الضوء لتغرق في عتمة موضعية كنقطة زيت وسط بحيرة، لكنه أكثر ما كان يحرك السيد أن هذا الضوء على هزاله يصدم الأشياء صدماً، كأنه يعنفها، ويريد أن يرميها في مشاعر الندامة والأسف. هذا الصدام البطيء والغادر يخلي ما يصيبه في بؤر بائسة، معزولة، منكسة يدفعها إلى قسوة مجهولة، أو بالأحرى إلى قسوة مغلقة، هي من شدة انغلاقها كأنما تكرر أزمنتها وتواريخها هكذا لا مقابل وبلا ثمن وبلا أفق وبلا متعة". عندما تكون الكلمة قارب المعنى يضحي للإبحار في فلسفة الحياة متعة تأخذ بالعقل بعيداً لاكتناه ما وراء السطور. هي تلك نصوصه بول شاوول كلمات ومعاني تغترب من خلالهما عن نفسك لتوغل بعيداً عن مساحات العدم التي سكنها العقل، ولتدخل مساحات المعاني التي تحتفل بنحت أشكال من الكلمات من الخيالات تعبر بطريقة أو بأخرى عن غنى اللغة العربية بمعانيها بإحساساتها التي تثير لدى الكاتب مكامن الإبداع.
* بول يوسف شاؤول (لبنان). * ولد عام 1944 في سن الفيل - بيروت . * حصل على إجازته من كلية الآداب - الجامعة اللبنانية . * كان من أبرز القيادات الطلابية في السبعينيات. * عمل في الصحافة الثقافية , وكان مسؤول القسم الثقافي في مجلة المستقبل 1977 - 1979, ومجلة الموقف العربي حتى عام 1992, حيث بدأ العمل مديراً للقسم الثقافي في جريدة السفير. * له مساهمات في عدد من الصحف والمجلات العربية أبرزها السفير , والنهار . * دواوينه الشعرية : أيها الطاعن في الموت 1974 - بوصلة الدم 1977 - وجه يسقط ولا يصل 1981 - موت نرسيس 1990 - أوراق الغائب 1992 - كشهر طويل من العشق 2001. * أعماله الإبداعية الأخرى: مسرحيات (المتمردة), و(الحلبة), و(قناص يا قناص), و(الزائر). * مؤلفاته : علامات من الثقافة المغربية الحديثة - كتاب الشعر الفرنسي الحديث ( نقد وترجمة ) -المسرح العربي الحديث - مختارات من الشعر العالمي. * عنوانه : القسم الثقافي - جريدة السفير - الحمراء - بيروت .
حينما أنهيت هذا الكتاب شعرت كأنما فارقت صديقًا عزيزًا... لم أقرأ كتابًا وجدتُ نفسي بين جنباته كهذا، كل النصوص التي قرأتها وأحببتها ولمستني كانت بعيدة المنال إلا هذه النصوص، شعرت كأن روحي سُكبت في هذه النصوص. أعد هذا الكتاب أفضل اكتشافاتي لهذه السنة، هذا النثر الرقيق الذي يبث الحياة في كل شيء، كل تفصيل ننتبه له أو نقفز عنه ونتجاوزه. أغبط بول على قدرته العالية في تأمل الموجودات حوله وتجسيدها على هذا النحو. لم أحب الفصل الأخير من الكتاب، لكني سأحتفظ ببقية نصوصه في حقيبة إسعافات إصابات الحياة كضمادة للقلب.