يتفق كثيرون من الباحثين والمتابعين لصعود ظاهرة «داعش»، على أنه يرتبط جوهريًا بقبول «الحاضنة الاجتماعية» المفترضة له، وعلى أنه لم يكن ممكنًا، لولا القبول الضمني من هذه الحاضنة، أن تكون «داعش» أداةَ انتقام من السياسات التي مارستها الحكومة المركزية في العراق. هذه فرضية خاضعة للنقاش والتعديل. ويعبّر هذا الصعود الذي تُوّج بالسيطرة على مدينة الموصل في عام 2014 عن الأزمة الوجودية التي تعيشها الدولة المشرقية العربية: أزمة إخفاقها في بناء سياسات تنطلق من الاعتراف بتعدُّد الهويات الذي يَسِم مجتمعات المشرق العربي، وفي عبور منطق تَغالُب الهويات الذي وسم هذه الدولة بعد نحو قرن من إنشائها مع اللحظة الكولونيالية. لكن تنظيم «داعش» و«الدولة الإسلامية»، هما ظاهرة أكثر تعقيدًا من كونهما مجرد «أداة انتقام» بأيدي أطراف من المجتمع المحلي الذي يطلق عليه جُل الباحثين صفة «الحاضنة الاجتماعية» بل هو حراك واتجاه أيديولوجي يُعبّران عن تيار اجتماعي قائم منذ أمد بعيد، ولم يختف هذا التيار يومًا من حياتنا في العالمَيْن العربي والإسلامي، وإن تعددت أشكاله، وإن تحولت قواه المجتمعية بتحوُّل البنية الاجتماعية في منطقتنا. أما شروط تشكّله فترتبط بأزمة الدولة وعجزها إزاء مطلبَيْن أساسيَّيْن:الديمقراطية والتعددية. من هنا، فإن تحليل الدولة الفاشلة هو العماد الأول لإطار الدراسة. أما تاريخ فكرة الخلافة، بوصفها تيارًا أيديولوجيًا، فهو العماد الثاني. المؤلف: باحث عراقي، حائز شهادة الدكتوراه بعلم الاجتماع من جامعة لندن (1996)، متخصص بسوسيولوجيا الدين والقوميات وتكوين الأمم والطبقات الاجتماعية الحديثة. صدر له الدولة - اللوثيان الجديد (2017)؛ ما بعد ماركس (2016)؛ الإمامة والأفندي (2012(.
عالم اجتماع عراقي ( 1946-2018م). عمل أستاذاً وباحثاً في علم الاجتماع في جامعة لندن، مدرسة السياسة وعلم الاجتماع في كلية بيركبيك التي نال فيها شهادة الدكتوراه. مدير البحث والنشر في مركز الدراسات الاجتماعية للعالم العربي في نيقوسيا وبيروت (1983-1990). متخصص بدراسة الفكر السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط، وتتناول أعماله: الدين، دور القانون، الصراع الديني والمجتمع المدني.
لم يستفد العراق من تجربة داعش الظلامية رغم أن هذا التنظيم الإرهابي قد سيطر على ثلث مساحة العراق لثلاث سنين. انشغلنا بالأغاني الوطنية والتحشيد العسكري والنعرات الطائفية ولم نأبه للأسباب والنتائج؛ كنّا مؤمنين بمقولاتٍ معلّبة ورثناها عن أجدادنا.
*داعش لم تنبثق من العدم ولم تنتهِ بعد!
حتى هذه اللحظة، نحن نعيش ما أفرزته داعش والتحشيد المقابل ضدّها.. كان من المفترض أن تظهر في العراق مراكز دراسات وبحوث وندوات واصدارات تناقش وتحلل الفترة الداعشية، لكن الذي جرى على أرض الواقع هو بلورة (داعش المضادة) التي قتلت هشام الهاشمي، أحد أبرز المحللين لفترة داعش والإرهاب الإسلامي. ... هذا الكتاب، الذي هو آخر اصدارات عالم الإجتماع العراقي الراحل فالح عبد الجبّار، يعد تجربة بحثية مهمة في محاولة دراسة تنظيم داعش تاريخيًا وآيديولوجيًا واقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، لا أدعي بأن كتاب عبد الجبّار يغني المكتبة العراقية باعتباره كاملًا ووافيًا؛ فذلك ما لا ينطبق على البحوث الرصينة التي تعير أهمية للآراء كافة، أما البحوث (الكاملة) فتلك وهم!.. نحتاج إلى عشرات بل مئات من الكتب ليتسنى لنا فهم مثل هذه الحركات وسبر أغوارها، وهذا - مع شديد الأسف ما لا تهتم له المؤسسات العراقية سواءً كانت عامةً أم خاصة!.. ... أخيرًا، يبقى مشروع عبد الجبار مهمًا في فهم مآلات الوضع العراقي وتحليله بصورة مكثفة.
قرأت لفالح - خلال هذا العام أربعة كتب منها ثلاث كبيرة ومفصلة ولا أبالغ إن قلت بأن أهمية فالح عبد الجبّار كأهمية الوردي في إمتلاك كود التاريخ العراقي الحديث بل يتعدى ذلك إلى ما يشبهه من بلدانٍ شرق-أوسطية...
الكتاب يحاول ان يشرح الأسباب التي أدت للأحتلال داعش للمناطق السنية في العراق ومحاولة للابتعاد عن التبسيط الذي يفرضه الفكر الطائفي القاصر كقوله ان هذه المناطق هي أصالةً حاضنة لتنظيم داعش .. يسرد الكتاب بشكل تاريخي المسببات التي امتدت من (١٩٩٣-٢٠١٤) لتساهم في إعلان الخلافة بولاية الموصل وخصوصية موقع الموصل الجغرافي..يبين الكتاب هدف المقاومة الوطنية والبعثية من حمل السلاح اثناء العزو الامريكي للعراق (٢٠٠٣-٢٠١٠) لبناء دولة مركزية وقد يعمد للوسائل البراغماتية عبر بيروقراطيتهم التي حكمت مدة طويلة خلال حكم البعث (١٩٦٨-٢٠٠٣) ورفاق السلاح من جماعة السلفية الجهادية ابو مصعب الزرقاوي الذين يريدون استمرار الجهاد الابدي كمقاتليين مسلمين كونيين "لتحرير العراق" .. يحتوي الكتاب على شهادات ولقاءات مع (رجال أعمال وطلاب جامعات وإداريين وشيوخ قبائل وأطباء) وهم شهداء على حقبة حكم داعش لمناطقهم وقد كتبت مقدمة الكتاب في فترة كان الجانب الأيمن من الموصل لا يزال بيد تنظيم داعش.. رحم الله فالح عبد الجبار فهذا عمل جبار لتوثيق هذه الحقبة المؤلمة لشعبنا الذي يقاسي الأمرين منذ الأزل