"كانت الشمس تغيب. وأنفاس الخريف عطرة في الهواء. سال الشعاع البرتقالي في أزقة البلد وعطى بقشرة رقيقة كالشمع الأبواب والحيطان والنوافذ والوجوه. انعكس النور على زجاج في العمارات عند الميناء فبدت العمارات كأنها تشتعل بالنار. عبد الجواد أحمد البارودي ترك البازركان ونزل إلى "محطة الشام" وجلس يدخن أرجيلة مع ابنه ويتأمل توهج الغروب في الأفق. كان قلبه يثقل بمرور كل لحظة. وفكر في رحلة قديمة. لم يفكر تدفقت الذكريات في رأسه وجسمه. ذراعه كلّها ارتعشت ونربيش الأرجيلة كاد أن يسقط من بين أصابعه. عادت إليه ذكرى نهارٍ شتوي بعيدٍ وخيّل غليه أنه ما زال يركض تحت ذلك المطر. كان مطراً رمادياً، لم يلبث أن صار أسود، وكان ينهمر بلا توقف. سال العالم. سالت السماء وسالت الأرض وسال جسم عبد الجواد أحمد البارودي. عادت إليه الذكريات فرأى نفسه يسيل راكضاً من الشام، من الدكان الصغير حيث سال دم أخيه على الأرض.. كان يركض ولون الخوخ في عينيه. انتشرت بقعة الدم على وجه الشمس. انطفأ نور الكون وحلّ الظلام. ذراعه كلها ارتجفت وخيل إليه أن السكينة تسقط من بين أصابعه الآن فقط. كأن هذا العمر كله لم يعبر... التفت وعاد يحدق إلى الأفق... وسمعت ذلك الصوت من جديد: قعق، قعق، قعق. لكن هذه المرة لم يرفع رأسه. عبد الجواد نظر إلى الغروب القاتم ولم يرفع رأسه إلى السماء: كان تائهاً في ظلمات تتمدد وفي أعماقه. كأنه يسقط في بئر بلا قعر..". ربيع جابر يجتاز خياله حدود الزمان وحدود المكان منطلقاً إلى ذلك الزمن البعيد الذي سبق نشوب الحرب العالمية الأولى وقدوم جمال باشا إلى بيروت، انطلق إلى حارة البارودي، ليروي قصتها وقصة الرجل صاحب الذراع الواحد الذي بنى البيت الصغير الأول لهذه العائلة، في المكان الذي عرف لاحقاً بحارة البارودي ففي ذلك الشتاء البعيد جاء الجد الأكبر لعائلة البارودي إلى بيروت بين 1820 و1822، جاء عبد الجواد أحمد البارودي صاحب الذراع الواحدة، جاء إليها هارباً من الشام. يسحب ربيع جابر القارئ إلى عالم الأسلاف إلى آثارهم، إلى مبانيهم التي رمت عليها الحداثة ثوباً جديداً، كما يسحب ربيع جابر نفسه يسحب أيضاً القارئ معه إلى ذلك كله في محاولة لإيقاظ الزمن النائم في الحجارة لإخضاعه لعملية مساءلة عما كان في ذلك الزمن. وهل ما جرى ما هو إلى مقدمات لما هو آت. ومع شخصية عبد الجواد أحمد البارودي المرسومة بدقة ينتقل الكاتب وبخفة إلى ذلك الزمن البعيد إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، مسترسلاً من خلالها في التأريخ لبيروت تلك الفترة. ومندمجاً مع شخصيته إلى حدّ التماهي. مقنعاً القارئ بأنه كان أحد شهود أحداث تلك الرواية بكل خيالاتها. وربما ببعض واقعها.
الروائي اللبناني ربيع جابر هو واحد من تلك الفئة القليلة بلا ريب وأحد ممثليها البارزين. روايته الأولى (سيد العتمة) التي نشرها سنة 1992 وهو في العشرين من عمره فازت بجائزة الناقد للرواية ذلك العام. نشر سبع عشرة رواية ما بين 1992 و2009 أي بمعدل رواية واحدة كل عام. بطبيعة الحال ليست غزارة الإنتاج وحدها هي ما يلفت في كتاباته بل جودتها وغناها وتنوع أجوائها ومشاربها وأساليب كتابتها التي يعرفها من قرأوا أعماله الروائية أو بعضها.
Rabee Jaber (Arabic: ربيع جابر; born 1972, Beirut) is a Lebanese novelist and journalist.
His books have been translated into French, German, Spanish and Polish.
Some of his work is included in the anthology Beirut39, published on the occasion of Beirut as World Book Capital in 2009. In 2010, Jaber was on the shortlist for the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book America, also adapted for the film Amreeka.
On 27 March 2012, Jaber was announced the winner of the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book The Druze of Belgrade.
إذا سألت شخصاً ما مثلي لا يجيد تعريف الأشياء ما هي الرواية الجيدة فسأرتبك حتماً لكنني قد ألجأ إلى تعريف بسيط .. الرواية الجيدة هي ما يكتبه ربيع جابر .. هذه رواية عظيمة تحكي قصة مدينة صغيرة تكبر لتصير واحدة من أهم مدن الشرق على الإطلاق .. بيروت .
في رواية ربيع جابر بيروت أنت فقط لا تحكي قصة شخوص العائلة التي عاشت في القرن التاسع عشر في هذه المدينة ، انت بالفعل تحكي قصة المدينة وتحكي التاريخ كما يجب أن يحكى ، تحكي قصة البيوت والأحياء العتيقة، وتحكي حكاية الحروب ، التي كتب الله لهذه المدينة أن تعيشها طالما عاشت ، تحكي عن الحرب المصرية العثمانية ، وعن الجيش المصري في بيروت ، حين أرى المباني الأثرية القديمة في مدينتي الإسكندرية اتساءل ما هي حكاية تلك المباني ، من عاشها ، ورما حالها قبل أن تصير إلى ما صارت إليه .. اليوم أشعر بالحسد على كل شخص يعيش في بيروت فلقد أمتلك في هذه الرواية إجابات عن اسئلتي التي أطرحها عن الإسكندرية.
ربيع جابر يحكي حكاية أجيال وراء أجيال في تلك الثلاثية، ترتبط كليا ببطل الرواية ثم تجد نفسك تلقائيا تترك وترتبط بأبنه تلقائياً تماما كما يفعل الزمان يمحي ذكر شخص ليحل شخص مكانه ..
يبدو واضحاً لأي شخص يقرأ هذه الرواية كم بذل ربيع جابر من مجهود عظيم لكتابة مثل هذه الرواية ، إنها الرواية التي أستغرقت من ربيع جابر أن يبيت أيامه في دار الوثائق اللبنانية ، أن يستغرق فيها بالكلية حتى أنه كان يخرج من دار الوثائق كان يشعر بالذعر حين يرى السيارات تمشي في شوارع بيروت وليس العربات التي تجرها الأحصنة .. ربيع جابر كتب وكأنه عاش في بيروت القرن التاسع عشر فجعلنا نعيشها معه واقعاً وحقيقة لا خيالا ..
ربيع جابر في رأيي الشخصي هو أهم من يكتب الرواية العربية الآن بلا أدنى مبالغة ...
قمة المتعه ان تعشق مدينه بسبب قلم كتب لها . فكرة ان تكتب تاريخ مدينه رائعه كبيروت خلال ثلاثيه روائيه هى فكره عبقريه. لربيع جابر قلم يدخلك فى تفاصيل تفاصيل الحدث بيروت فعلا مدينة العالم
book 5/2023 Book 53 (2020) .... (46) "كان متعباً، كل تعب البشر على هذه الأرض. كان متعباً ولا يريد إلّا أن يضمحل ويختفي في الهواء. كل هذه الحياة، كل هذا الجهد، كل هذا السعي الحثيث، ماذا ينفعه؟ كان عاجزاً عن التفكير في تلك اللحظة، كان فقط يسقط. يسقط في بئر مظلمة بلا قرار، ولا يفكّر. أيقن أنه ما عاد يريد شيئاً، ما عاد يطلب شيئاً… إلّا الاضمحلال! " القراءة الثالثة أو الرابعة للكتاب ولا زلت لا أستطيع الكتابة عنه💔 لن أقول سوى أنني أعشق أسلوب ربيع جابر، وأعتقد أنه سيبقى الكاتب المفضل بالنسبة لي إلى الآبد… *تمّت*16/07/2019
ثلاث نجمات للجزء الأول من ملحمة ربيع جابر عن بيروت، ثلاث نجمات للعمل كقارىء. ونجمة رابعة لأنني ككاتب في أول الدرب أتعلم من ربيع.. رغم الإغراق في التفاصيل، أتعلم.. رغم كثرة الإستطرادات، أتعلم.. رغم التحولات السردية والمشهدية الملفتة حينًا.؟. والمزعجة حينًا، أتعلم..
ربيع جابر كاتب مهم، وهو دون شك في ميزاني من بين الأفضل عربيًّا.
فيها من بين القصرين وفيها من مئة عام من العزلة. ظل هذا الإحساس ملازمني طول قرايتي، واتأكدت بعد كده أن ده مقصود من ربيع جابر في الثلاثية من خلال ال"تريبيوت" إللي وجهه لكل من محفوظ وماركيز على حدة. التحية لمحفوظ جلية في اختيار اسم البطل (عبد الجواد أحمد) في محاكاة لاسم بطل ثلاثية محفوظ (أحمد عبد الجواد)، والتحية لماركيز في افتتاحية فصل الهجوم على بيروت قرب أخر الكتاب (ص ٣٥٥ من الطبعة التالتة مع دار التنوير)، إللي بتحاكي إفتتاحية مئة عام من العزلة بترجمة صالح علماني. أدب المدن والأجيال بيكون ممل ركيك لما تكتبه أقلام متوسطة أو حتى فوق المتوسطة، لكنه بيكون أجمل وأقرب شيء للقلب لما يكتبه عظماء. أنا حقيقي بحب ربيع جابر.
فى المره الاولى التى انهيت فيها الثلاثيه عجزت عن كتابه اى حرف يصف ما اشعر به وها انا الان فى قرائتى الثانيه لها اعجز مره اخرى عن الكلام لا توجد اى تعابير تصف ما يفعله ربيع جابر بالحروف والكلمات ليجعلها تخرج بهذا الشكل الابداعى بهذا الجمال الابدى
يرسم ربيع جابر تفاصيل روايته ببراعة , اسير فى شوارع بيروت و برأسى ترتسم خريطة اخرى للمدينة القديمة .. اتتبع الاشارات و العلامات التى تشير لاسامى الاسواق القديمة بمنطقة وسط البلد الراقية ببيروت .. تختفى المتاجر العالمية و العربات الحديثة وتعود المدينة القديمة للحياة بداخلى يحكى عن صراع الدولة العثمانية و محمد على بالشام , اهل البلد يدخلون بمعارك لا تخصهم و لا تجلب المجد لهم على اى حال .. و لم يتغير الحال كثيرا حتى الان تلك التفاصيل الدقيقة التى يمنحها ربيع جابر لشخصياته , التفاصيل المذهلة و التى تجلبهم امامك للحياة و كأنك تعرفهم و تراهم حقا عبدالجواد احمد البارودى , صاحب الذراع الواحدة الهارب من قتل اخيه و كأنها جريمة القتل الاولى ... يأتى الي المدينة بالصدفة وحدها و يكرر انها ستكون مدينته , يبدأ من جديد, يتزوج و ينجب ... لكن لن ينسى فعلته ... يعتقد بداخله -انه برغم توبته و صلاته - سينتقم منه الله يوما ما لن يزور مدينته القديمة يوما , لن يقابل اهله .. ممتلئ بالخزى ربما او لاعتقاده ان بهربه يمحو كل ما مضى .. لن يأخذ من دمشق سوى اسمه , و برد لن يتركه حتى فى عز حر صيف بيروت شاهين , الابن البكر لعبد الجواد البارودى ... الفتى الضخم الهائم على وجهه , بحب اخته من ابيه "زهرة" , و غضب تجاه والده لا يهدأ على الرغم من انه اكثر اولاده شبها به ... يأخذه الطريق لمعارك لا تخصه ... هو فقط يحاول الهرب من هذا الغضب الذى يملؤه..
يعقوب المزراحى .. اليهودى العجوز صاحب عبد الجواد , شغفه القديم بالموسيقى و حبيبته راحيل , التى ماتت بين ذراعيه باردة و لم يخبرها يوما انه يحبها..تلك الابتسامة الهادئة التى يمنحها لاحفاده لتذكرهم دائما بجدهم العجوز الهادئ سمعان الصايغ , المسيحى القادم من حلب .. الفار من الثوب الاصفر المفروض على المسيحين وقتها لتمييزهم عن المسملين , سيمقت هذا القميص و يهرب لبيروت و يقرر الا يرتديه بعد الان , يحمله معه لاورشاليم ليخبر الرب عما تحمله من اجله , عما لاقاه من ظلم و ذل فى ارضه .. سيموت هناك بالطاعون الاسود ولن يجدوا سوى هذا الثوب لدفنه فيه
لم اريد لتلك الرواية ان تنتهى , ارتشفتها ارتشافا على مدى شهر ... لم انهيها سوى لاستكمل الجزء التانى و الجزء التالت لها , لكن ربما بعد حين
مفتونة بربيع جابر جداً، هذه تجربة القراءة الثالثة إليه، لقد كنت قرأت مسبقاً الفراشة الزرقاء والاعترافات، لكن بيروت مدينة العالم مختلفةٌ جداً، فيها نفس ملحمي يشدك إليه منذ فاتحة الرواية وهي تحكي عن عبدالجواد صاحب الذراع المقطوعة فاراً من حلب هارباً لأرض لا يعرف عنها أي شيء، هذا التطور، هذا القفز البارع بين بوابات الزمن، مرة في الماضي السحيق و مرة في قلب الحاضر، تختلط الأشياء وأتذكر رحلة متعب الهذال في مدن الملح وأبتسم، وأقول لنفسي إن الروايات التي تبدأ بشخصيات ملحمية وعظيمة هكذا فإنها حتماً تكتسب هيبتها من هيبة شخصياتها . واستني وسلّتني قرائتي للجزء الأول من هذه الرائعة، ووجدت فيها بالرغم من الأحداث المتلاحقة لمسة هائلة من الحنان والرقة لم يستطع غياب الرومانسية في أحداث القصة أن يخفيهما أبداً عظيمة ومتشوقة للجزء الثاني جداً .
س/ ماهو موضوع الكتاب ؟ - رواية تحكي قصة شخصية عن قرب لرجل ارتحل من الشام إلى بيروت هربًا من الخطيئة والعار وبحثًا عن معنى وقيمة جديدة يخلقها لنفسه، عبدالجواد أحمد البارودي الذي طعن أخوه بلا عقل بلا استحضار للعواقب، قفل هاربًا من الشام، عليه آثار دمه، ليس دمه الصادر عن شرايينه، بل دمه الصادر عن شريان أخوه. وصل إلى بلد بمصادفة عجيبة، أختار الطريق المؤدية إلى الباب إلى المنقذين، دون علم منه بأنه أنقذ نفسه بنفسه، وأن هذه البلد هي داره حتى مماته. عبدالجواد أحمد البارودي ذو اليد الواحدة، أقام بهذه اليد اليتيمة حوائط عديدة ضمت ما بينها قصص وأحاديث وصواديف لا تنتهي. س/ من المؤلف ؟ - المؤلف ربيع جابر، سبق أن تم رشحت لي ثلاثية بيروت لقرائتها، واشتريتها وبقت حبيسة الرف لسنين ، وبعد حبسة قراءة عدت أريد أن أعيد لنفسي الهوا ولذة القراءة من جديدة، جلست أمام مكتبتي أتأمل، أتخير وأحاول أن لا أثقل على نفسي بشيء لا أكمل قراءته، أنا أحاول العودة للقراءة أليس كذلك؟، ثم كان مني أن أمسك بالرواية، نعم إنها ثلاثة أجزاء، وانا أفكر بشيء خفيف للقراءة، ولكنها ثلاثة أجزاء، أعطي فرصة للكاتب، أنا ليس لدي حكم مسبق، نسيت سبب شراء الرواية، عموما بدأت، وقرأت، استمتعت وارتبطت مباشرة بالشخصية، ربيع جابر مسكني من معصمي وأنا متململ من القراءة وجذبني جذبة كادت تقطع يدي إلى القراءة من جديد، بنهم ومتعة، لا بشعور الواجب الذي يجب أن أنهيه. ربيع جابر ألتقيت به على مسرح هذه الرواية، وأيما لقاء هو. لقاء يرسخ في الذاكرة. س/ ماذا يقدم لي الكتاب ؟ - أعتقد المحب للرواية عموما سيجد ما يشفي غليله ويشبع نهمة للرواية بهذه الثلاثية، الوصف لدى ربيع جابر آسر جدًا بالنسبة لي. وطالما تمنيت أني أستطيع أن ارسم لأرسم تلك المشاهد من الرواية، لتكون شاهد عيان لما ورد في الرواية.
وأنا أنهي قراءة رواية يفوق عدد صفحاتها 400 صفحة تساءلت ما السبب الذي دفعني لإكمال قراءتها رغم أنني لم استطع أن أتعاطف مع بطل الرواية منذ البداية كما لم يعجبني نمط الحياة الذي انتهجه... أنه فقط أسلوب الكاتب أسلوبه الذي يشدك لتكمل القراءة لتتشارك يوميات أناس عاشوا في زمن غابر في مدينة حية لا تموت... على مدى صفحات الرواية تدرك أن عبد الجواد لم يكن بطل الرواية الحقيقي انما كانت بيروت.. "بيروت" مدينة العالم...قد لا أقرأ الجزئين المتبقيين من الرواية لكنني أستطيع أن أقول أن ربيع جابر متميز بحق أجاد تصوير المدينة حتى يتهيأ لك أنك تسمع ضوضاء المدينة وتراها تكبر تدريجياً تتخلى عن أسوارها.. تنتقل بين بيوت ما سيعرف بعد حين بحارة البارودي .. حتى أنك قد تقف مع جابر نفسه في وسط المدينة لتتساءل هنا كان زقاق..وهنا كان مدخل منزل..وهنا كانت حديقة..
" لم يكن عبدالجواد البارودي جاوز ال25 حين ظهر للمرة الأولى أمام أسوار بيروت بقميصٍ ملطخ بالدم، ونعلٍ مثقوب.
هارباً من وجه القانون، والعساكر السلطانية، قافزاً تحت المطر يُحاول الاختفاء والتلاشي بين أشجارٍ مُتباعدة تُظلم رويداً رويداً، لم يكن عبدالجواد البارودي قادراً على التفكير في المستقبل."
" من (باب السراي) في ليلٍ عاصفٍ نهايته موتٌ لم يكتمل، دخل عبدالجواد البارودي إلى بيروت التي لا يعرفها ".
تحدث هنا الرواي عن تاريخ بيروت عن طريق عائلة اسمها عائلة (البارودي) وفدَ جدّهم الأكبر من الشام إلى بيروت بين عامي 1820-1822م، عبدالجواد البارودي صاحب الذراع الواحدة.
ما يُميّز قلم ربيع جابر، هو الوصف الناجح في نقلك للبيئة في الأسطُر. نجح نجاحاً باهراً في نقلي لبيروت العثمانية، حيث حامية قصر السراي في الأبراج، يدخنون ويشربون الزهورات المغلية.
عبدالجواد البارودي الذي طعن أخيه في خاصرته، ثم هرب بنية الهروب إلى مصر، لكنه ركض ولهث بين السهول والجبال ووجد نفسه في بيروت، بعد ذلك يكتشف عبدالجواد أن أخاه لم يمُت، بل هو حيٌ يرزق، لكن لعلةٍ قرر البقاء ببيروت.
نعيش مع عبدالجواد في رحلته، حين ذهب يريد البدء بعمل فاستأجر دكاناً، وعمل بلا كلل بذراعٍ واحدة.
"لم يفكر البارودي عندئذٍ في الألم الذي يمزّق عضلات ذراعه. بذراعٍ واحدة عبّأ الرفش تلو الرفش بالروث الثقيل. بذراعٍ واحدة جرّ الجراب تلو الجراب صاعداً في طريق الدركاه المظلم.. و بذراعٍ واحدة تلقى سقطاته على الأرض مرةً تلو المرة. كان الألم يُحرق كتفه وكل عضلات ذراعه، لم يهتم، عليه أن يُنهي عمله."
للأمانة بعد البداية شوي ما استلطفت أبداً شخصية عبدالجواد، ولا تفهّمتها.
أكثر ما أعجبني شخصيات أبناء عبدالجواد، خصوصاً شاهين وشخصيته القوية والمستقلة، ثم عبدالرحيم بشخصيته المسؤولة والليّنة، وأخيراً الصغير عمر بشخصيته المُحبة للمغامرات والغوص في البحر.
وصف الشخصيات وتقديمها كان ممتاز، تطورها كذلك، خصوصاً شاهين وتطوّر نفوره من أبيه.
" أظلمت الدنيا في عينيه، ولجت العتمة دماغه، حين رأى أمّه صفية بعد ليلتين تصبغ شعرها بالحناء كرهها هي أيضاً. تفعل ذلك من أجل رجلٍ شيّب رأسها ولم يأتها بضرّة واحدة فقط، بل هو يريد الآن أن يذلّها بضرّة ثانية أيضاً! هي بنت آل الفاخوري الكِرام كيف ترضى ذلك لحسبها ونسبها! كره شاهين البارودي أصله. كره أباه.
لم يكن شاهين بلغ العاشرة بعد. في حانوت الشواء، أمره أبوه أن يساعده على حمل صندوق الفحم الكبير، شاهين سارع إلى حمل الصندوق بمفرده، كان صندوقاً ضخماً، أسقط الصندوق على الأرض وهوى فوقه، أبوه زعق به أن ينتبه، شاهين استدار بثيابٍ لطّخها السواد وواجه أباه للمرة الأولى في حياته: - لاتصرخ!
عبدالجواد لم يصدّق أذنيه، ابنه شاهين يرد في وُجهه، صُعِق أمام الجواب، لكن الصدمة الأعمق لم تكن في الكلمات المنطوقة، ولا في النبرة المخيفة القاسية، نبرة الكراهية الخالصة التي لا تُصدق. عبدالجواد قتلته نظرة ابنه شاهين. كانت نظرةً تفلج جملاً.. الولد الضخم حدجه بنظرة مجرم."
***
الشخصيات النسائية (زوجات عبدالجواد) باهتة ولم تعجبني جداً. باستثناء فقط إتقان المؤلف لوصف مشاعر الأم المكلومة بعدما غضب ابنها شاهين على أبيه وذهب من البيت وسافر عن بيروت.
***
النهاية موفّقة. ووصف الحرب مؤثّر.
الرواية فيها الكثير عن فترة احتلال إبراهيم باشا لبيروت والشام. لمن يهتمّ بذلك.
***
يمكن لو بأحدد سلبية بالكتاب واللي ممكن بنسبة كبيرة تخليني أهوّن عن قراءة باقي الأجزاء، هي الإسهاب الشدييييييد في التفاصيل والوصف و التكرار! حقيقةً آخر ثلث في الكتاب قرأته قراءة سريعة!
صحيح أن النص جميل وشاعري لكن هذا خفّف فقط من أثر الملل ولم يمحه!
عموماً، أختم المراجعة باقتباس جميل من الكتاب:
" ما قِيمة رواية لا تحملك إلى عالمها؟ "
خيبة ظن بسيطة، لكن يله لكل جوادٍ كبوة حتى لو كان الجواد ربيع جابر :)
عبـد الجواد أحمد البارودي يصل بيروت (في الربع الأول من القرن التاسع عشر) غريبا عنها وبذراع واحدة، بل هو لم يقصدها في الأصل ووصل إليها صدفة، فتصبح مدينته، يصبح بيروتيا، فهنا في بيروت يبدأ العالم وهنا تصهر المصائر وتتقاطع الخطوط. يصر ربيع جابر على لعبته الجميلة المتكررة في رواياته التاريخية، يخلط الواقعي بالروائي، كأن يذكر اسما موجودا في كتاب تأريخي قديم، أو في وثيقة مدنية محفوظة في أرشيف قديم، وينسج حولها حياة كاملة. هنا في هذه النقطة (في بيروت القرن الحادي والعشرين) بات عبد الجواد أحمد البارودي ليلته داخل جذع شجرة منذ ما يقرب من مائتي عام، وهنا (مكان هذا المبنى الحالي) بنى بيته. يترك ربيع جابر محل عمله في جريدة الحياة ليتجول في أحياء بيروت ويري أمام عينيه أحداث روايته تتحقق. يبحث في تاريخ البلد ليحوله من تاريخ أكاديمي جاف، لتاريخ إنساني. يصل الماضي بالحاضر ليتحقق من ماهية الحاضر فلا يكون مبتورا مائعا، لحظة آنية لا تلبث أن تتبخر للاشيء، بل هو قديم جدا ينبض بالحياة في كل تفصيلة مهما تبدلت.
ربيع جابر هو أحد الكتاب الذين أشتاق لكتاباتهم من فترة لأخرى، كتاباته ممتلئة بالشغف والحب لشخصيات رواياته وعوالمهم التاريخية. أن يروي حكاية "بيروت" عبر هذه الثلاثية كانت بالنسبة لي فرصة للتعرف على المدينة التي أحببتها من فيروز والرحابنة و جبران ونُعيمة.
اختار أن يسرد جابر حكاية عائلة البارودي والأجيال التي تلاحقت من ذرية عبدالجواد أحمد البارودي؛ الشامي الذي ترك دمشق ليجد في بيروت الملاذ الآمن من معضلة ما فيستقر بها ونتعرف على حكاية المدينة من خلاله هو ونسله.
يخلق جابر عالم صعبٌ تصديق وجوده، إلا أنه كان واقعًا قبل قرنين ونصف من الزمان. حيث جماعة الباب العالي والصراع العثماني المصري في أوجه، أن تجد خلطة بشرية من المسلمين والمسيحيين والدروز واليهود في نفس البقعة الجغرافية وأن تقرأ عن كل تلك الصراعات التاريخية التي نتجت عن وجودهم بمعية بعضهم البعض وأن تستكشف تاريخ بيروت وآثارها وحواريها و أسواقها في نفس الوقت هو متعة من الصعب ايجادها في مكان بعيد عن عدسة ربيع جابر.
رواية شيقة رغم طولها و تشعب احداثها و شخصياتها. ما يميز هذه الرواية بغض النظر عن القصة الرئيسية و براعة الكاتب في الانتقال بين الازمنة هو الاسلوب الذي يقنعك بواقعية الاحداث و بواقعية خط سير الرواية و محاولة كتابتها رغم تنويه الكاتب في البداية الى ان القصة كلها محض خيال. أهم ما وجدته مختلفٱ عن كثير من الاعمال الروائية العربية التي قرأتها سابقٱ هو اقرار الكاتب ضمن الرواية انه مهما بحثت في التاريخ سيبقى هناك فراغات لا يمكن أن يرممها الا التوقعات و بعض من الخيال. استمتعت بقراءة الجزء الاول و أتمنى أن يكون الجزءان الآخران بنفس الجودة.
عن "بيروت"لا تعرفها تتحدّث هذه الرواية. بيروت لا يصلها صوت فيروز بأنّاته الدائخة وفرائحيته. لا تعتّق شوارعها الموسيقا ولا سير النساء الجميلات. بيروت أُخرى، لا يحفل أهلها بلهجة راقصة رنانة ولا تضوِّع بيوتها اللوحات والإنتيك. بيروت غريبة وبعيدة.. بعيدة للغاية.
يعود ربيع جابر لبيروت الأولى، المطوَّقة بسور مستطيلي الشكل يرتفع عن الأرض قرابة خمسة أمتار عن الأرض. يطوّق بيروت، ينفيها ويخبئها عن كل العالم. بالرغم من أبوابها السبعة التي تُقفل عند المغرب، لم يمتلك الكثيرين فضولا كافيا لدخولها.. لفترة طويلة من الزمن، إلى أن أتى شتاء غاضب، لم يتوقف مطره عن صب حباله رمادية اللون على رؤوس البيروتين وغطّى بلدتهم المغمورة بالوحل والخوف. في ذاك الشتاء، وصل رجلٌ هارب من دمشق، سور بيروت. دخلها ملتاعًا مرتجفا وابتدت بوصوله أول أجزاء الرواية.
بالنسبة لشخص مثلي لا يعرف عن بيروت سوى تاريخها الحديث، ولشخص مثلي كذلك لم يقرأ من التاريخ الكثير. كنت أقرأ الرواية بلا توقعات سوى حب أكنه لهذه البلاد التي لطالما ربطتها بالنضال الفلسطيني وفيروز و وديع. ولطالما تخيّلتها محمولة على غيمةٍ من الشعر، لفرط ما تغزَّل بها الشعراء كحبيبة دائمة اللوعة والدلال.
في البدء، كانت فصول الرواية تخطو برتمٍ بطيء، تُحاك ملامح الشخصيات بخفّة دون أن تعطي تصورًا كاملًا وإجاباتٍ صريحة. بالرغم أن التاريخ بات مفضوحًا أمامنا جميعا خصوصا قديمه الذي تعنى به الرواية، إلا أن الكاتب نجح في تغطيته تحت رداء الشخصيات، حتى وإن كنت عرفت سلفا عن تاريخ بيروت، ستخلع نعليك وتدخلها كالتاجر الدمشقيّ الهارب، غريبا متسائلا، يرتجف بردًا ويرتدي الصوف حتى في أشدّ الأيام صيفًا وحرارة. ستشهد على تحوّلها من "بلدة" يعرف كل سكانها بعضهم بعضا كعائلة واحدة إلى "مدينة" تُنهكها الحروب. كمسرح كبير يُسدل ستاره الأحمر مرارًا، ويتبدّل المشهد والناس مرارا، من طرق تُرابية ومروج توت وصبير إلى طرق مرصوفة ورجال يرتدون طرابيشَ بلون الدم بدلا من عمائم بيضاء كانوا إذا وضعوها كأنهم استأصلوا جزءًا من رؤوسهم.
بيروت حية اليوم. تزورها وتحسّ شيئا عتيقا يطير مع الهواء والهوى لكنك لاتسبر غوره ولاتفهم سرّه. هذه الرواية ستعرِّفك، كيف تشكّل هذا السحر كله من الأسئلة والتيه والغُربة والترحيل. من عبدالجواد أحمد البارودي.. الدمشقيّ الذي صار بيروتيًا. من موسى مرزاحي الذي غلبته الرجفة لآخر عمره صفضحى بالعود بعد تضحيته الكبرى في الحُب. من زهرة التي ستمضي بسرِّها لنهاية الكتاب دون أن تفضحه. ومن بيروت الخجولة كالعذارى في الخدور التي ستصير يومًا مدينة العالم.. كل العالم.
عنوان الكتاب: #بيروت_مدينة_العالم نوع الكتاب: #رواية #أدب #خيال المؤلف: #ربيع_جابر عدد الصفحات:٤١٥ دار النشر: #دار_الآداب - #المركز_الثقافي_العربي الطبعة: الأولى ٢٠٠٣م . نبذة عن المؤلف: أديب وكاتب صحفي لبناني ولد في بيروت عام ١٩٧٢، يمتلك شهادة في الفيزياء من الجامعة الأميركية في بيروت. كما أنه محرر الملحق الفكري والأدبي الأسبوعي (آفاق) في جريدة "الحياة" الصادرة في لندن. نال ربيع جابر الجائزة العالمية للرواية العربية لدورة عام ٢٠١٢ عن روايته "دروز بلغراد". صدر عنه أكثر من ١٥ كتاب. . نبذة عن الكتاب: عبد الجواد البارودي يصل إلى بيروت -في الربع الأول من القرن ١٩- عن طريق الصدفة بعدما تسلق الجبل المحيط بدمشق فوجد نفسه أمام أسوار هذه المدينة التي لم يكن يعلم عنها، وبعد أن تبيّن له أنها بيروت وبعد أن أحس بالأمان فيها، تصبح بيروت مدينته التي لن يتخلى عنها بعد الآن. . اقتباس: عبد الجواد أحمد البارودي لم ينسَ كلمات شريكه. حين رأى الولد سلامة (الذي أفلت من العِقال تماماً بعد رحيل يوسف مع العساكر) يخفي شيئاً من اللحم تحت ثوبه، ساخناً يقطر دهناً، ويحرق نفسه، تذكر حديث سمعان الصايغ وقرر أن يقتني عبداً. ص٢١٥ . رأيي الشخصي: لم أتعرف على مدينة بالوصف الذي وصفه ربيع في كتابه، أحداث كثيرة تمر على تلك الشخصية، عند رؤية كل تلك الكمية من الوصف الدقيق نجد أن الكاتب قد بذل مجهود كبير لكتابة هذا الكتاب، ولكن ماذا عن الجزأين المتبقيين؟ أتوقع أحداث أكثر تشويقاً وإثارة. السرد المكثف الذي وجدته في الكتاب أرهقني. تقييمي: 4/5
عمل ربيع الأضخم حتى الآن يقع في ثلاثة أجزاء، شهد الظهور الأول ل"رينيه الحايك" في الإهداء -سيصبح فيما بعد "إلى رينيه ومروى"- وأيضا في أحداث الرواية ك"المرأة التي ستصبح زوجتي".. يتبع ربيع هنا سردا مألوفا على غير عادته من السرد الغرائبي المميز الموجه للصعاليك أو التوثيق المعقد الذي لا يخلو من إبهار. يرصد الجزء الأول من الثلاثية بداية اتخاذ بيروت شكلها ومكانتها الحاليين وكانت قبلاً مُسوَّرة محدودة الأُهول "خمسة آلاف نسمة" إلى أن دخلها إبراهيم باشا وجيشه من المصريين مدفوعا بطموح أبيه فغيروا معالم المدينة وأبرز ما غيروه اختيارها مركزا للحجر الصحي وإنشاء "الكرنتينا" التي جعلت منها باب الشام على البحر، تدفق التجار والقوافل إليها وإزدحام ميناءها بالسفن ضاعف سكانها عدة مرات وبالتبعية اختلفت عاداتها
الرواية شيقة والكاتب الذكي بدا لي كما لو يتعمد الإشارة إلى كونه محتالاً بارعاً، وهذا ما يعطيه ،في تقديري، نصيباً في الرواية العربية المعاصرة ما أُعطي لغيره.. بيروت مدينة العالم
أحب أسلوب ربيع جابر المختلف وأحسد بيروت, فلو كان جابر من دمشق لكانت دمشق مدينة العالم, لكن الله اختص بيروتا دون غيرها بالعبقري جابر فكانت هي مدينة العالم روايات جابر لها طابع خاص وتحتاج نفسا طويلا وتذوقا ودائما ما أسعى إلى قراءة رواية واحدة على الأقل كل عام أعتقد أن علينا نحن -السوريين- التعلم من تجارب اللبنانين المريرة مع الحروب الأهلية والآن باتت دمشق أشبه المدن العربية ببيروت فإلى جانب تاريخنا وتنوعنا الثقافي والعرقي والديني الذي يميزنا عن بقية الدول العربية, جاءت حربنا الأخيرة لتجعل مساحة التشابه بيننا أوسع وبالطبع أكثر قتامة قرأت هنا جانبا مهما من تاريخ بيروت, نقل جابر تفاصيل قد يغيب عنا فضول معرفتها. فعلى سبيل المثال, كيف كان شعور من يرى الثلج لأول مرة في حياته؟ من لم ير ثلجا في حياته ولم يسبق له أن رأى "فيديوهات" تنقل له حقيقة الثلج؟ تعود الرواية بك إلى زمن بعيد لم تفلح الأفلام ولا الكتب بنقله بكل هذا الذخم وهذه التفاصيل الجميلة كما فعل قلم جابر
كتاب ماركيزي بكل معنى الكلمة هذا الربيع أشعر إنه صديقي فحتى مع أني لم أكمل الكتاب الثالث من السلسة لكني سأعطيه 3 نجمات أما الأول والثاني فرائعان الشخصيات التشعب الأحداث تجعلك تتسائل هل حقاً ؟ وهذا هو الأدب الجيد. كما أني أحب إسلوبه اللي يدخل الحياة اليومية ضمن الكتابة. تتبع الكتب الثلاث رجل يهرب بعدما يرتكب جريمة في سورية إلى بيروت في أواخر القرن التاسع عشر فيكون عائلة وثروة تنموان بنمو بيروت وتوسعها من قرية لمدينة يصحبك في أجيال من عائلته وووو روعة، الثالثة لا أدري لم لا أستطيع إكمالها.
عبد الجواد أحمد البارودي رجلٌ عصامي بنى نفسه من الحضيض بذراعٍ واحدة .. رجلٌ مثيرٌ للجدل لأبعد درجة، أعجبتُ به و هو ملتزمٌ بصلاته في الجامع العمري الكبير، متمسكٌ بمبادئه فلا يسرق و لا يختلس النظر لأملاكه غيره . كرهتهُ حين فشل في تربية ابنه شاهين حين صرخ عليه فأرغمه على الرحيل تاركاً خلفه أمٌّ في السادسة و العشرين من العمر و قد شاب شعرها .
بيروت في القرن التاسع عشر هي مدينة صغيرة، أهلها قلّة، شوارعها ضيقة، هوائها عليلٌ في ربيع و سقيمٌ في الأوبئة . عبد الجواد مثال لرجل عادي يخطأ و يصيب يندم و يتوب . و بيروت مدينة جميلة جميلة جداً . لغة ربيع مبهرة .. أسلوبه آسر لم أقرأ مثله من قبل، دقة وصف الأمكنة و الروائح و الشخصيات رهيب، تعيش داخل الرواية حرفياً ترى بأمّ عينيك أدق التفاصيل تجوع مع الجائعين و تتألم مع المتألمين و تحارب مع المحاربين و تفرح مع الفرحين . فعلاً كما قيل في صفحاتها : "ما قيمة روايةٍ لا تحملك إلى عالمها؟" بالمختصر ندمت على تأجيل ربيع جابر إلى اليوم ❤
اقتباسات من الرواية :
تنقضي الحياة و أنت تتعارك مع العشب . و في ��لنهاية ماذا يصير ؟ أنت تموت و الأعشاب تنمو .
الغيوم تشبه ذكريات بعيدة . اهتزت الحيطان و اهتزت الأسوار و اهتزت الأرض . ارتعشت مياه الآبار . وحدها السماء بقيت ثابتة . كل شيء يتبدل و السماء تظل على حالها . البرّ يتغير و البحر يتغير . و السماء هي هي . منذ قرون بعيدة و السماء هي هي . ننظر إليها اليوم كما نظر إلى الأسلاف كما نظر إليها جدنا آدم .
من لم يكن في الحرب لا يعرف ما هي الحرب . الدم، الدم، الدم . كل ذلك الدم الذي يتدفق من ثقوب الأجسام ! لا أحد يصدق أن الواحد يتسع جسمه لكل ذلك الدم !
ربيع جابر روائي يغوص في تاريخ المدن ويتنقل بين الأزمنة والأمكنة بكل رشاقة. في هذه الرواية، وهي الجزء الاول من ثلاثة أجزاء تروي تاريخ بيروت منذ أن كانت مدينة صغيرة حتى أصبحت مدينة ثرية وبوابة لبلاد الشام على البحر. ربيع جابر مبدع، يأخذك في رحلة إلى بيروت بدروبها الضقية وبحرها ومرفئها وبيوتها القديمة ودكاكينها، سترى ماذا يأكل أهلها وماذا يشربون، كيف يحتفلون بأعراسهم وكيف يحزنون ويموتون، ستسمع صوت العصافير والسنونوات فوق أشجار السرو والجميز . الرواية تسرد حكاية رجل بذراع واحدة يدعى "عبد الجواد أحمد البارودي" يأتي من دمشق هاربا من جريمة قتل، هذا الهروب يؤسس للعائلة ولحارة البارودي، تتغير بيروت ويتغير العالم وتسير أسرة البارودي في اتجاهين، الأول هو الزوال الذي يتهددها مع الكوارث والحروب التي تتكرر في بلاد الشام، والثاني هو ثراؤها على يد عبد الجواد البارودي وابنه الأوسط عبد الرحيم.
هذه أول قراءة لربيع جابر ولن تكون الأخيرة إن شاء الله، فهو يضاف لقائمة الروائين العرب المبدعين في سرد التاريخ.
يا الله بيروت عشقاً على عشق .. من الأساس في مخيلتي بيروت مدينة جميلة ، و ربيع وصفها بطريقة صرت أحن فيها لمدينة ماشميت هواها أبداً.. يستلطف قلبي وعقلي الكتب الخيالية الي تتناول حقب تاريخية حقيقية .. أميل للكتاب الي يمزجو بين التاريخ والقصص الدرامية الشيقة. رغم الاستطراد والوصف الكثير المبالغ فيه إلا إنه وجدت متعة وخصوصاً عند ذكر موقع حسب بيروت الآن ، ساعدني لرسم خريطة ذهنية عن بيروت في ذلك الزمن . للقصة ذاتها ؛ نهاية شاهين أوجعتني .. مات بعيد عن أهله وكان حلمه رجعته! تستحق القراءة.
يأخذنا ربيع جابر في رحلة إلى بيروت بداية القرن التاسع عشر مع كل ما تتضمنه من طبيعة المدينة وناسها وطوائفها وتجاراتها وحروبها وعاداتها وشوارعها وأسواقها، رحلة نوستالجيا ساحرة تعرفك إلى تاريخ بيروت وتطورها على سياق مجموعة مدن الملح، كتاب لا بد من قراءته لكل بيروتي ولبناني كي يتعرف على تاريخ مدينته، يفتح أمامك باب الخيال لاندثار معالم تلك المدينة بشكل شبه تام أمام الحداثة والمحو الممنهج لتاريخ الدينة وآثارها. كالعادة يبدع جابر في رسم شخصياته ووصف المدينة وحالها وأحوالها في جزء أول من كتاب توثيقي لا يخلو من الأحداث الممتعة والمشوقة والمطولة في الوصف أحياناً.
الرواية الثانية التي أطالعها للكاتب بعد رواية "أميركا"، وسأذكر ملاحظات عامّة لا مراجعة رسميّة:
》 خلت الرواية من الحوار إلا نادرا ومُلئت "حتّى الاتّخام" بالتّوصيف الدّقيق الأمر الذي يصيّرها روايةً مملّة نسبةً لبعض القرّاء.
》 تسلُّط الكاتب على الرواية وتدخّله فيها فظيعٌ جدا هذه المرة وأفظع ممّة حصل في روايته "أميركا"، لاحظ كيف شرع بقصّة حول قضية القرض ص 90 ثمّ كيف بترها بترا دون أن ينهيها او يذكر ماذا حصل في النهاية، أنا شديد التعجّب من هذه الطريقة في الكتابة ولا بدّ أنّ الكاتب له مبرّراته وطريقة تفكيره بخصوص هذا الأمر وأودّ حقّا أن أعرف الخلفية الكامنة وراء هذه الطريقة من الكتابة...
》 مجدّدا، يظهر بوضوح أنّ الكاتب يعتمد التصوير الشديد مما يعين القارئ جدا على التخيل ولكنّه مطيل للرواية بحشو لا ربط مباشر له فيها راجع ص ٢٢.
》أستفيد كثيرًا على صعيدَي الخبرة التّاريخيّة والاجتماعيّة من روايات الكاتب وطلبي لهذه الاستفادة هو الّذي شجّعني على إتمام مطالعة الرّواية بالرّغم من الإغراق في الوصف فيها. مثلاً: تعرّفت بشكل كبير دقيق بشواهد ملموسة حول موقف المرأة تجاه زواج زوجها عليها وحول ما يمكن أن تقوم به من سلوكبّات جرّاء غيرتها، شخصيّا تهمّني هذه التفاصيل وأسرُّ جدا حين أستنبطها من روايات الكاتب...
》 تعرّفت بشكل على بيروت القرن التاسع عشر بفضل هذه الرّواية ويعجبني في الكاتب حرصه على المقارنة بين الماضي والحاضر جغرافيّا...
》 ذكر الكاتب بعض التفاصيل عن حياته الشخصية؛ أين يعمل؟ ماذا يحب في الروايات؟ كيف يعيش؟...