تختصر هذه الرواية، حالة واقعنا العربي، وآثار الانتماءات الفكرية الموجودة فيه، على حياة الأفراد وعلى طريقة حياتهم، في عالمين متصارعين ومتنافرين من متدينين وعلمانيين، ونتائج تعامل وممارسات المنتمين إليهما داخل المجتمع، حيث يتخذ المكر والعنف وجهان لعملة واحدة تعكس القمع والخوف في نفوس الآخرين، وحيث تصبح كل الوسائل مشروعة في الدفاع عن المعتقدات، إن من قبل النافذين وأصحاب السلطة، أم من مجرد أفراد ملتزمين. من وجهة نظر السلطة الشرعية، وللمحافظة على وجودها ومكانتها، يجب أن لا تميل الكفة لأي من الطرفين، وأن لا يُخلّ بنظام التوزان القائم بين هذين العالمين، فـ "حين تخلّى الأستاذ العلماني عن لباقته الفكرية ورفع حدة انتقاداته لأهل الدين"، كان لا بد لها من كبح جماحه، "فاستدعوه إلى أحد الفروع وأفهموه بحزم أنه إذا كان كافراً فهم كفار أكثر منه." (( يمكنك تحميلها من هنا http://www.mediafire.com/?oy8n7lw447h...)) كما أن وجهة نظر المتشددين الدينيين لا تقل خطورة، وإذا كان ثمة خطر حقيقي، فهو قادم من هذه الكتلة الغامضة، الجماهير، أي الشعب الذي يحتوي على ما هبّ ودب من أنواع البشر" "يجمعهم شيء واحد، غيرتهم على عقائدهم، ويخرج منهم رجل أو أكثر يترصده من مكان إلى مكان يراقب تحركاته ثم يعترضه عند منعطف ما، أو يباغته من خلفه في الشارع، يصرخ "الله أكبر" ويغمد خنجره في صدره أو ظهره". كما أن الأستاذ العلماني لا يأمن لرفاقه الحزبيين وعليه اتخاذ الحيطة منهم أيضاً ومن مكرهم.
سيكتشف القارئ الكثير من الحقائق والأحداث المثيرة من خلال لقاءات الأستاذ العلماني وصديق طفولته المتديّن، كما من خلال حواراتهما، حول الإيمان والإلحاد، وحول العلمانية كفكر وممارسة، وحول مفهوم الإرهاب الذي يمارس في الحقيقة من قبل جميع الأطراف على الساحة العملية.
في هذه الرواية الشيقة بأحداثها، والمثيرة بمواضيعها الساخنة الهامة، ينتقد الروائي كل أوجه الممارسات الفكرية في مجتمعنا، سياسية كانت أم فكرية علمانية أم دينية متشددة.
لولا الأحداث المتسارعة التي حدثت أثناء قراءتها لأنهيتها مبكرًا . الرواية ـ على عادة فواز حداد ـ شيِّقة، ومكتوبة بذكاء وتتناول موضوعًا شائكًا تمر به في ظني البلاد العربية بلا استثناء، وهو العلاقة بين النظام الحاكم والإسلاميين والعلمانيين، واللعب بهما على حبلين متقاربين لتحقيق مصالحها الشخصية، والرواية إن كانت تدور أحداثها في سوريا إلا أنها صـالحة طبعصا لأي ديكتاتورية عربية موجودة من المحيط إلى الخليج وإن بنسبٍ متفاوتة . فقط النهاية التي جاءت بالنسبة لي مفاجئة .. . شكرًا فوَّاز
رواية مثيرة وذكية تناقش مفهوم العلمانية في الدولة السورية، بالإضافة إلى انها في جزئية معينة تضعك داخل مؤسسات الدولة الاستخباراتية وكيف تسير الامور والملفات التي يتعامل معها رجالها وماهي العقلية التي يعتمدونها، لطالما تلك الاجهزة شكلت لنا لغز في بلادنا سورية.
بت مخذلا أبحث عن بداية لأكتب عن رأيي في نص يتحدث عن أمر عميق لا يملك عمقه الكاتب ...ضمن أحداث رتيبة ...مملة ..ذات ايقاع أقرب الي سمفونية جردت من الابداع. عن العلمانية ونقيضها الديني تحدث فواز حداد لرواية بادئا ومنهيا أحداثها بدوامة تدخلك في تفاصيل مقحمة وحبكة تفتقد الي البراعة...فجاءت النتيجة باهتة على عكس المتوقع...لا أنصح
كفكرة يوجد فلسفة رائعة بحقيقة الايمان وهل نحن نعيش بما نؤمن به أو بما نفكر به، وأيهما أفضل الايمان أم القناعة، لكن كرواية لم أشعر بقوة الوصف وخالية من الخواطر، والحبكة ضعيفة، أكثر ما أثارني تعلقه بالراحلة، فهو علماني و عقلاني في كل شيئ عدا زوجته فمعها يوجد للخرافة والايمان مكان، مكان ربما يعيد إليه من تواسي روحه في حياة الحقيقة الوحيدة فيها هو الموت.
رغم عمق الفكرة الي يتناولها الكاتب الا ان التعبير عن هذه الفكرة جاء هزيلا بعض الشئ فالاحداث فيها برود ورتابة والمباشرة في طرح الفكرةدون الاغفال ان هذا نص يستحق ان يقال عنه انه رواية جميلة وكاتبها كاتب ومثقف قل مثيله في الوقت الحالي ق
يسجل فواز حداد في روايته الأخيرة (عزف منفرد على البيانو) التي صدرت عن دار الريس (نيسان 2009) اختراقاً واضحاً للطروحات التي اعتاد الروائيون السوريون على معالجتها، حيث يضعنا في هذه الرواية (كما سابقتها: المترجم الخائن) أمام عمل خارج عن المألوف، اقتحم حداد عبره مجموعة كبيرة من الأراضي الشائكة والقضايا الخلافية، ليطرح من خلال هذه الرواية علاقة الجهات العلمانية المتطرفة (من خلال شخصية الأستاذ فاتح) بالجهات الدينية المتطرفة ( متجسدة في شخصية صديقه ذي الوجه الطفولي).... أحداث الرواية تدور أحداث الرواية حول الأستاذ (فاتح القلج) العلماني المتطرف الذي يتعرض لاعتداء جسدي من قبل مجهول، ويعتبر ذلك محاولة من الأصوليين لقتله، ولكن الخبير الشاب لا يقتنع بذلك نظراً لتاريخ الأستاذ فاتح ومواظبته على ارتياد الجامع لفترة تتعدى الشهور: (هل يُبطن الأستاذ العلماني الإيمان ويُظهر الكفر؟ احتمال كبير، وربما أكيد، وعلى هذا علمانيته استعراضية. وحتى إذا كانت حقيقته المؤقتة، فكم ستدوم؟! ومتى سينقلب عليها، ويقفل عائداً إلى مواقعه الأصولية؟ لقد فعلها كثير من اليساريين والتقدميين السابقين) ص96. وعند وجود الأستاذ (فاتح) في المستشفى يزوره صديق قديم (ذو الوجه الطفولي) المتدين، لتنشأ بينهما علاقة وسط الإجراءات الأمنية لحماية الأستاذ، التي تشتد بعد أن يلقي محاضرة ضد التعليم الديني في المدارس: (لن يفيد كون حرية الفكر مادة أساسية في الدستور، إذا عزمنا فعلاً دون تراجع على تلقينها للصغار وتنشئتهم عليها من المدرسة الابتدائية، فسوف نحصد نتائجها الفعلية في المنزل والعمل والشارع) ص141. وفي أحد اللقاءات بين (فاتح) وصديق طفولته يتعرض لرصاصة قناص ترديه ليظن (فاتح) أنه هو المقصود، ولكن يتبين عكس ذلك: (أرخى القناص رأسه وراء المنظار، وأخذ يسدد من جديد. الرصاصة ستخترقه، قبل أن يسمع صوتها. لحظات تمر كأنها دهر، سمع صوت دقات قلبه، ثم صوت خربشة مكتومة؛ الصوت المختنق نفسه. ترى أي مكان من جسده انبثق منه الدم؟، انتظر قليلاً، لم يسقط أرضاً، ولا دماء!!) ص313. بعيداً عن الرمزية يتابع (حداد) عبر هذه الرواية أسلوبه المباشر في طرح أفكاره بعيداً عن الرمزية، مقدماً التقاطاته لجوهر الخلاف الأزلي بين العلمانية والأصولية الدينية بانسيابية، ويكمن تميز الرواية واستثنائيتها في الرؤية الجريئة التي يقدمها (حداد)، حيث يذهب مباشرةً إلى المناطق التي كانت محرمة وغالباً ما تجنبها الروائيون العرب، فلم يكترث للمقولات التي تدعو للابتعاد عن الواقع والتعامل معه برمزية، بل اعتمد على شق طريقه بحيوية ورشاقة دون مواربة أو دوران، غير مهتم بالممنوعات والعوائق، وبنى روايته بتحكم شامل بالأسلوب السردي مستخدماً الدقة في الطرح التي تصنع الدقة بالانطباع وردود الفعل. يدين فواز حداد من خلال هذه الرواية وسائل القمع والإرهاب التي يعتمدها العلمانيون والمتدينون على حد سواء، حيث يدور ذلك في فلك الحوار الفكري المتواصل بين الأستاذ (فاتح) وصديقه عن الإيمان والإلحاد والالتزام الديني والحياتي في البيت والشارع في العمل والمنزل، لقد رفع (حداد) مستوى الرعب والسخرية معاً ليقدم شكلاً فانتازياً محتجاً به على سوداوية العلاقة وبشاعة الوسائل. لابد أن القارئ سيلفته انسياب الأحداث بسلاسة دون تعقيدات، لينتقل بين الفصول برشاقة ويعود ذلك لسهولة الانتقال المشهدي على مستوى المكان والزمان، يمسك (حداد) روايته بخيط متين من التشويق والإثارة والرغبة الملحة في متابعة القراءة. موهبة فواز حداد تكشف عن روائي يقدم جملة نثرية كثيفة ودقيقة مليئة بالتأمل والإيحاء والمباشرة، بعيداً عن لغة الوصف التي اعتادها الكثير من الروائيين، إضافة لنظرة واسعة للواقع مع إجابات منطقية. الرواية تقع في أربعين جزءاً موزعة على 315 صفحة من القطع المتوسط وصدرت في شهر نيسان 2009 عن دار الريس اللبنانية، وصمم غلاف الرواية دينا خليفة.
غيث حمّور نشرت في جريدة القنديل العدد 69 26 نيسان 2009