تحمل هذه الرواية للكاتب الجزائري فرادة في تركيبتها وحبكتها، كما في أسلوبها وفي لغة السهل الممتنع التي تتمتع بها، وفي طابعها الساخر الذي ينبع من حرقة الرؤية الواقعية لمجتمع مزيف، ولشخصيات تبدو لشدة واقعيتها، متخيلة أو رمزية، فيزيل النص الحدود الواقعة بين المنطق وعدمه، وبين الحدث وتخيّله، ليخرج كمزيج أدبي ذو نكهة خاصة، كما أنه يمحي الخط الذي يُفترض أن يكون متصاعداً للزمن وللتاريخ، فينساب المزيج بمساره المختلف المتعرج أحياناً والمتكرر أحياناً أخرى، والذي يرفض الانصياع لما هو متعارف ومعهود. لم يستطع "حليم بن صادق"، "منذ أن وطأت قدماه الحياة"، اتخاذ أي قرار، فـ"كيف استطاع أن يفلت من قبضة القضاء ويجعل لحظة موته قراراً يتخذه بنفسه.."، "وحتى تكون ذكراه أسطورية فقد كتب إلى نفسه رسالة يبيّن فيها أسباب انتحاره وبعثها إلى نفسه بالبريد..". "عمار الطونبا"، قرر الانتحار أيضاً، "بعد أن فقد كل أمل في الزواج بحبيبته "نيسة بوتوس"، بالرغم من أن شخصيته القادرة على التحوّل، تتناقض جذرياً وشخصية صديقه حليم المثقف الفقير ذو المبادئ التي لا تتوافق مع مجتمع فاسد مُسيّر بغرائزه.
تدور حول هاتين الشخصيتين مجموعة من النماذج البشرية غير الفاعلة في المجتمع أو التي تعيش في أسفله أو على هامشه، كالمخبولين إو المجانين والعاهرات واللوطيين، لتساهم في خلق هذه الأجواء من الفوضى الظاهرة والمدروسة التي أراد القارئ خلقها، في إيحاء ساخر ومركّب لفوضى المجتمع الفعلي وجنونه.
هل ينفذّ بطل الرواية خطته في الانتحار وذلك بالقفز من الطابق السابع لعمارة "الطومبا" الواقعة في إحدى شوارع العاصمة الجزائرية؟ وكيف يمضي الوقت المتبقي الذي يفصله عن توقيت التنفيذ؟ وما شكل الحالة التي سيكون عليها؟
في هذه الرواية التي تتصف بالإبداع الأدبي والسرد الشيق والحبكة الفريدة، يتناول الكاتب بجرأة وصراحة أعانته عليها أحياناً اللغة العامية التي اختار استعمالها في بعض الحوارات، مواضيع متنوعة حساسة في جوهرها، ملتبسة في طرحها، عن الحب والجنس والدين والسياسة وغيرها.
الناشر: أكثر ما كان يشغل باله لحظة قفز في الهواء، ما أصاب الوقت من تمدد، جعله يتصور أن الوقت المتبقي في حياته أطول من حياته كلها، وإلا كيف راوده الشك في قراره بالانتحار، وكيف أدرك أنه شك، ألا تستغرق رحلة إدراك العقل للمشاعر أكثر من عشر ثوان؟، فكيف إذن لم يستغرقه هذا الإدراك إلا جزء من ثانية؟.
"ربما هو شعور سابق للحظة"، قال لنفسه محاولاً طمأنتها وهو ينظر إلى جسده الضخم يتهاوى من عل. لحظتها أدرك أنها المرة الأولى في حياته التي ينظر فيها إلى جسده بالمقلوب، ولعلها المرة الأولى التي يستغرب فيها من ضخامة بطنه، فلم يكن يتصور أنها على هكذا ضخامة، ثم سرعان ما كره ما كان يرتدي من لباس، فتساءل بما يوحي بالحسرة: "هل ستذكر الجرائد غداً كا كنت ألبس؟".. كان هذا السؤال كافياً ليبعث الشك في نفسه من جديد، فلعله لم يحسب للأمر كما ينبغي، أو على الأقل تجاهل بعض التفاصيل في خطته التي كانت تقتضي أن يكون موته مأساوياً، غاية في الشاعرية والفلسفة، ولكن ما كان لكذا تفصيل أن يكدر سعادته بانتصاره التاريخي على القضاء، لأنه حين تحين لحظة الارتطام -بعد أقل من عشر ثوان- سيكون قد سجل مع الذين استطاعوا بشجاعتهم أو بتهورهم (لا يهم)، أن يتحكموا بمصائرهم، ويحددوا تاريخ موتهم.. إنه انتصار ساحق على هذا الذي قيل أنه لا يهزم، لم تعد الحياة بالنسبة له كرة تلهو بها رجل القدر، فتسجل الأهداف كيفما شاءت ووقتما تريد.
قالك " نقلة نوعية في تاريخ الرواية الجزائرية المعاصرة " نعم نقلة نوعية بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على الفواحش وترعرعوا عليها ... نقلة نوعية لمحبي الرداءة والمحتوى الفارغ ... كيف لا وقد وجدوا كاتبا شجاعا يستعمل أداة شريفة حررت العقل البشري ألا وهي "القلم" لتأليف رواية بذيئة تدرج تحت حرية الشهوة
غريبة جداً هذه الرواية ،، لم أقرأ بغرابتها حتى الآن ؛ فللكاتب اسلوب مميز خاص به يجعل توقع النهاية صعبٌ جداً فيبقى عنصر التشويق مع كل حرف فيها ، بالرغم أنني لم أقرأ رواية كل شخصياتها قذرة ومقززة مثل هذه الرواية ، فلا يوجد فيها أي أحد صالح يستحق التأمل في شخصيته . . أكد الكاتب فكرة جميلة في الرواية وهي أن الانسان مهما سعى فقدره مكتوب فسيموت يوم أراد الله له أن يموت ليس يوم ما يريد هو ، وفي اخر 10 ثواني تفصله عن الموت ( كما كان يعتقد) ف بماذا يفكر الانسان وكيف تكون؟ . الفكرة الاسلوب انتقاء الكلمات تداخل الاحداث والذكريات وطريقة انتشال القارىء من الضياع كل تلك حسنات ومميزات الرواية ، أما القذارة المستفحلة في الشخصيات والألفاظ الغير لائقة أحيانا فهذه من سيئات الرواية ، ولكنها تستحق القراءة .
عشر ثوانٍ تفصلك عن الموت ، عشر ثوان سرد فيهم الكاتب حياة حليم الصحفي قبل ان يقدم على الانتحار ، واندمج الحس الفكاهي وسط حكايه مأساويه ، فكنت أضحك في أول الروايه ووسطها وحتي في نهايتها العجيبة ، حكاية عمار الفتوه الذي كان الكل يهابه ثم تفقده نيسه نصف رجولته ثم يفتعل خدعه ويبدأ حياه جديده.
اسباب قدومه على الانتحار لانه شعر بانه يعمل لسداد ديون عائلته ودواء امه ، ولا اي مجال للسعاده معه وفشل أيضا في علاقته مع الفتاه الوحيده التي عرفها ، وخطواته قبل التنفيذ واصراره على تحدي القدر.
كلما تتشتت الأحداث يجمعها الكاتب ببراعه ، وكانت الحكايه محبوكه بقوه ، وعامل الصدفه هو من غلب.
عشرة ثواني فاصلة كفيلة لانهاء كل شئ ...هذا هو مضمون ارواية ومن هنا جاء ت الفكرة...تختزل الرواية فكرة الاضطهاد والعيش على هامش الحياة في مدينة عربية حالها كحال غيرها من المدن بواقع القمع والاذلال...رشحت الرواية لجائزة بوكر ولا اعتقد أنها ستحظي بها .....لا بأس
سمير قسيمي يمكن هو الكاتب الوحيد الجزائري الذي أقرأ له أ لأنه شجاع وأم لانه جريء أم لأنه يكتب عن الواقع الذي نعيشه و نراه كل يوم أو ثلاثتهم مع بعض يوم رائع للموت عشر ثوان للموت و لتخطيط له بحساب كل شيء عن ظروف الوطن الفقرالعهر القهر و في الأخير لا شيء تستمر مشاهد الحياة بكل بساطة و بسخرية من القدر أول رواية له كانت هذه كانت لابأس بيها فالانتقال بين مختلف الأحداث و انتظار النهاية حتى أخر فصل يثير فيك الكثير من الفضول.
تذكرت درويش عندما قال ذات يوم خريفي في باريس : " أفي مثل هذا اليوم يموت أحد؟!" لكنه كان يومًا عاديًا جدًا ليس سيئًا ليموت فيه حليم ولا جيدًا للحياة كذلك...لكن الموت باغته من حيث لا يدري! رواية تلّخصت بعشر ثوانٍ وهي بالضبط مسافة السقوط من علوٍ شاهق، والنيّة هي الانتحار بلا شك للشاب الجزائري ! رواية تلّخص الكثير من مظاهر الظلم في حياة الشاب العربي ولا سيّما الجزائري! أسلوب الفلاش باك كان بديعًا بحيث جعل للرواية رونقا خاصّا بها وممتع ! قراءة أولى لسمير القيسي ولن تكون الاخيرة ان شاء الله !
في يوم رائع للحياة , بخطى هادئة وعينين تنظران للسماء البعيدة يسير حليم بن صادق الصحفي و المثقف الجزائري فوق حافة احدى العمارة العالية , بخطئ بطيئة خالية من الخوف .. سيكون ميتا بعد ثوان ..فيبتسم للأفق الذي هو الأخر بعيد كبعد تحقيق الأحلام في بلاده , ما أجمل أن تقهرك الحياة في كل مراحل عمرك لكنك ستقهرها مرة واحدة كافية لرد كل الصفعات السباقة , هي الأن لن تقرر موعد موته بعد أن قررت كل تفاصيل يومياته الرتيبة بداية البؤس الذي يعيشه من الداخل حالة متواصلة من الإغتراب عن الذات وعن الوطن الى الشعور بالمذلة في الصحيفة التي يعمل بها فهو لا يتلقى مرتبه الشهري بحجج ان المؤسسة تم نهبها من قبل مدير سابق ليتسلط مدير جديد بهذا العذر على العمال , حليم قرر أن ينتحر دون يابق إنذار تنمى أنه يستطتيع أن يقرأ ما ستكتبه عنه الصحف بعد انتحاره تمنى ان ينتفظ كل المستغلون والمعذبون في الأرض بأن يكتبوا عنه على الأقل لثلاث أيام , تذكر كل حكايات المنتحرين في التاريخ فمرت كشريط سريع بين عينينه المثبتين في السماء لعله بهذه الطريقة تتذاخل الأمور في محاولة اخيرة لفهم لغز العدالة الإلهية , نعم فقد تذكرهم كلهم , حتى وصل به الشريط الى جاره عمار الطونبا الذي انتحر رغم أنه " شيكور الكارتي " تذكر كيف انه صادقه من أجل استجداء سجارة منه , حليم المثقف يخرج من بيته في الليل المظلم ويمر على كل السكارى والمزطولين من أجل سيجارة تعطى له من قبل عمار الطونبا , نعم ينادى بالطونبا من كثرة تسللاته الليلة للمنازل من كثرة تواجده أمام العمارات المقابلة فهو في حالة تأهب تامة من أجل مغامرات غير محسبوبة النتائج مع " نيسة بوتوس " الفتاة اليتيمة التي لم يرحمها احد فستغل المجتمع رحلتها الدائمة من أجل ايجاد أب بديل تشعر من خلاله انها في أمان , فكان أب عمار الطونبا هو أول الواصليين لجسدها لتدخلك الرواية في تناقضات الرغبة وحواجز الأسرة . الإبن لا يأكل من قصعة أبوه جملة قسمت ظهر شيكور الحومة فالفتاة التي يرغب في الزواج منها ماهي الا عشيقة أباه السابقة .
حليم بن صادق وعمار الطونبا وغيرهم ماهم الا شخصيات في رواية يوم رائع للموت للكاتب الجزائري سمير قسيمي التي استطاعت ان تنافس على جائزة البوكر العربية فكانت أول رواية مغاربية تدخل المسابقة . يعتبر هذا العمل الأدبي الراقي منعطف هام في مسيرة الرواية الجزائرية فعلى ما يبدو انها تستقل تدريجيا من الخوض في مشاكل العشرية السوداء او حتى الرجوع للماضي من خلال التطرق الى أحداث الثورة التحريرة أو تهجير المسلمين من الأندلس . فالرواية الجزائرية اليوم أصبحت تهتم بنفسيات أصحابها في محاولة لفهم ما يحدث في الحديقة الخليفة لبيوت الجزائريين .فبمتابعة خطوات حليم بن صادق ستكتشف حكمة لا تقال دائما لكنها مجربة كثيرا فمن يحاول الذهاب للموت برجليه مع سبق الإصرار والترصد عليه ، قد لا يلبي الموت نداءه بل يحدث العكس تماما , تفتح له الحياة أبوابها ليدخلها من أي باب شاء .ولما يطمئن لها ويغوص في لذاتها يأتي الموت في يوم ليس رائعا .
تبدأ جمالية الرواية انطلاقا من عنوانها الغريب :'' يوم رائع للموت '' هنا يأتي السؤال منذ الوهلة الأولى متى كان للموت أوللإنتحار جمالية ومن أين اكتسبها؟ انتشلتني الرواية من نفسي وجعلتني أتعايش مع كل شخصية فيها وأنظر بعينهم للو��قع المدقع الذي يعيشونه، ثم إن شخصية الصحفي الشاب حليم الذي أرهقته الحياة التي يعيشها، فيحاول أن يضع حدا لها و التي لم يختر بدوره أي شيء فيها أو بمعنى آخر تراوده نفسه على فكرة الإنتحار ،وذلك بإلقاء نفسه من أعلى العمارة والتي تتكون من خمسة عشر طبقا و كأنه بهذا يتخذ قرارا مصيريا لوضع حد لحياته التي لا تطاق في اليوم الذي يحدده و بالطريقة التي يختارها بنفسه. نكتشف من خلال صفحات الرواية السبب الحقيقي لهذه الحماقة التي يحاول ارتكابها الشاب المثقف ، حين تدفعه مغامرة عاطفية فاشلة الى الشعور بخيبة أمل كبيرة خصوصا حين هجرته نبيلة ميحانيك من كان يعتقد أنها الحبيبة،لكنها تزوجت بأحد الأثرياء ضمانا لمستقبلها. و حتى تأخذ قصته شهرة كبيرة كفيلم التيتانيك أقدم حليم على كتابة رسالة لنفسه يبين فيها أسباب انتحاره و يرسلها الى كاتبها الذي هو نفسه عبر البريد لكن لعبة القدر تحول دون موته. وتظهر كذلك شخصية عمار الطونبا صديق حليم و النقيض له في كل شيء، و الذي يقرر الإنتحار أيضا بعد أن يفقد الأمل بالزواج من نيسة بوتوس التي تلج مجبرة عالم الإنحراف أو ما يسمى بعالم الدعارة و هي فتاة يتيمة هوى بها من كان يفترض أن يعلمها القراءة و الكتابة المدعى المعلم الذي علمها معنى أن تكون إمرأة وهي صغيرة السن بطريقة درامية ذميمة جدا عنوانها الإغتصاب،الذي قادها لعالم الدعارة. صراحة كل الشخصيات هنا كان له دور كبير في الرواية لقد شكلوا حلقة درامية وغريبة بامتياز. وعاد الكاتب في الأخير ليختم روايته بشكل غير متوقع، بعد نجاة حليم من الموت بعد محاولة الإنتحار ،والذي بعد هذا كله فتحت له أبواب العمل بغزارة كبيرة وقدم له مسكن وعودة ميحانيك إلى أحضانه ثم ان هذه السلسلة لم تكتمل هنا بل جاءت لتنقلنا إلى الغرفة التي يتواجد بها حليم الذي كان يقرأ فيها الرسالة التي كان قد كتبها لنفسه،وبعد اعادة قرائتها ضل يضحك ويبتسم مما كان يكتبه إلى أن فاجئه الموت بغتة دون طلب إذن أو إنذار ،هذه هي لعنة الحياة،لم يكن حقا يوما جميلا للإنتحار بل كان يوما كالحا عنوانه خطفة الموت،هذا الأخير الذي خطف الحياة منه بعد أن فتحت ذراعيها له لتعانقه....
أثار فضولي لقراءة الكتاب تغريدة واحدة فقط عن كيف أن سمير القاسمي أبدع في إيصال الثواني الأخيرة للمنتحر! رغم إني نفرت من بداية الكتاب لما قريت سبب الإنتحار، الا أن فضولي شدني أكمل الرواية للأخير و ما ندمت! عجبتني النهاية المصخر-الغير متوقعة- الي كانت زي الصفعة من القدر للمنتحر ردا على سبب محاولته للإنتحار! بالإضافة إلى أن طريقة سرد الأحداث وذكريات المنتحر خلال فترة سقوطه ببطء وهي مجرد 10 ثواني كان شي عظيم!
اتصدمت من تقييمها زي ما اتصدمت من النهاية بالظبط! ممكن اعتبرها من رواياتي المفضلة، وفيها كل المواصفات المثالية بالنسبالي، مشوقة، ساخرة، واقعية، غير متوقعة وقصيرة.. بالاضافة ان لغتها سهلة ولمسة اللهجة الجزائرية جميلة.. والكاتب اسلوبه غريب ومميز، مقرأتش روايات كتير بس بالتأكيد مش كل الناس بيكتبوا كدا.. حبيتها جدا.
اول مرة اسمع عن سمير قسيمي ثاني تجربة مع الروائيين الجزائرين وليست بالجيدة أضحكتني الفكرة ودُهشت منها عشر ثواني حددت أشياء كثيرة الكتاب من الواضح أنه ساخر بالتالي كل هذه المصادفات مضحكة لكن اللقطات الغير مبرر لها والألفاظ البذئية أمر لا أستسيغه رؤية لشريحة من المجتمع الجزائري شبيهة بشريحة مصرية أيضا الفكرة الجيدة للأسف لم يستطع الكاتب أن يضيف سرد جيد ولغة جيدة وهي الأساس في الرواية سرد ركيك فيه إعادة شعوري متناقض إزاء الرواية أعجبتني الفكرة وكرهت الحكاية!
الرواية التي وصلت إلى القائمة الطويل في جائزة (البوكر العربية) عام ٢٠١٠م، الرواية متماسكة، لن تروق للطبقة المحافظة، يمتلك الروائي لمسة أدبية وسردية جيدة، نتمنى الاطلاع على رواية أخرى للروائي الجزائري المبدع.
This entire review has been hidden because of spoilers.
فكرة الرواية تتحدث عن الانتحار من منظور حوار داخلي فريد، ومن منظور اجتماعي أيضا، هي فكرة مميزة بحق، فكرة جديدة غير مستهلكة في مجال السرديات.. لكن لغة الكاتب تبدو غير ناضجة، من حيث الأسلوب والوصف، الكاتب يظهر من موقع السارد الخبير الذي يتحكم في شخصياته بشكل استعراضي لم أستسغه كثيرا...
غرائبية الشخصية المنتحرة في رواية يوم رائع للموت _________________________
(( حين تضرب الحياة تأتيك صاغرة )) ليس من السهل الغوص في سيكولوجية الانتحار والمنتحرين حيث ان هذا الامر شغل بال الكثيرين واوجدت اراء ونظريات لفهم مايجول في خاطر الشخص المنتحر والذي جعله يقدم على الانتحار للانتقال الى الجانب الاخر المجهول . في رواية ( يوم رائع للموت ) الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف استطاع قسيمي الغوص في الشخصية المنتحرة والتطرق لبعض جوانبها . من اهم مايميز الكاتب الجيد هو قدرته على التواصل والغاء الفارق بينه وبين المتلقي ( القارئ ) بحيث تكون له المقدرة على ان يخاطب المتلقي ويتغلغل الى اعماقه عن طريق النص الذي يطرحه , ومن ثم، لايحقق النص الأدبي وجوده المادي بالمضمون أو المحتوى فحسب، بل يتحقق دلاليا وواقعيا ببعده التواصلي الذي يجمع بين المرسل ( الكاتب) والمخاطب ( المرسل إليه ) , وهذا التفاعل الناتج بين المبدع وهو الكاتب والتفاعل من قبل القارئ يحدث بواسطة جمالية النص الادبي والذي يطلق عليه اصطلاحا السيموطيقيا الاسلوبية التي تجمع بين ثلاث مكونات منهجية : الاسلوبية , والسيموطيقيا , وجمالية التلقي او القبول , وبهذا فهي ترتكز على على تلقي الاعمال الادبية ورصد اثارها الفنية والجمالية والتأثيرية ووصف تنظيم الطبقات التلفظية التي يبنى عليها هذا النص في لحظة معينة , مع تحليل العلاقة الموجودة بين هذا التنظيم والادبية , كما وتهدف هذه السيموطيقيا الى قياس مختلف المواقف والردود والآثار التي يتركها العمل الادبي والفني والجمالي نفسيا واجتماعيا وأدبيا ونقديا وإعلاميا . ومن ملاحظة النص الذي رسمه قسيمي نجد ان الراوي استطاع بقدرته على الوصول الى القارئ رغم التناص الفكري مع قصة ( دراما الخائب ) للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي كتب قصة عن شخص رمى بنفسه من اعلى طابق في العمارة التي يسكنها ولكنه في اللحظات القصيرة التي سبقت تحطم راسه على رصيف الشارع تغيرت نظرته للحياة بعد ان راى حيوات الناس التي مر عليهم اثناء انتحاره الرواية . وتمكن قسيمي من التخلص من ازمة التناص بان رسم للرواية خطا يختلف في تعرجاته ومفاهيمه عن افكار قصة دراما الخائب , حيث تمكن من الولوج الى العالم النفسي للشخصية المنتحرة ونقل اغلب المنلوج والحوار الداخلي للشخصيات لتطفو على السطح وتوضح وتستكشف جانبا من جوانب هذه النهايات الصعبة التخيل والتي لطالما طرحت علامات الاستفهام حول كيف ؟ ولماذا ؟ وبمَ كان يفكر المنتحر ؟ يعرف جورج موليني الأسلوب بأنه عبارة عن مجموعة محددة من السمات والمؤشرات الأسلوبية التي تعبر عن مضامين النصوص التي تتكون من عناصر خارجية غير لغوية، مثل: الرؤية للعالم، أو الرؤية الثقافية، أو الرؤية الإيديولوجية والمرجعية , ومن ثم ، فالسمات الأسلوبية هي وظائف أو ترابطات بين العناصر اللغوية من طبيعة مختلفة. ويتم هذا الترابط عبر صيغة تفاعلية دينامية، وغالبا ما يتم الربط بين الدلالة والصيغ التعبيرية. بمعنى آخر، هناك شكل يدل أو شكل المضمون. والآتي، أن السمات الأسلوبية لا تتحقق فنيا وجماليا إلا بالدمج والتأليف والتركيب بين عناصر لغوية مختلفة، ويشكل هذا ما يسمى بالأدبية عند جورج مولينيي , ومن هنا نلاحظ ان العناصر اللغوية التي استخدمها قسيمي انتجت ترابطا في اجزاء النص والذي حقق بالنتيجة صيغا تفاعلية دينامية ادت الى دلالات يستطيع ان يستشفها القارئ حين استكمال النص والوصول الى النهاية . ان الشخصيات التي تناولها الكاتب هي ادوات كانت مختارة بعناية حيث أدت وظائفها كُلاً بحسب دوره وموقعه واثره الخاص على مجريات الحدث و ومن اهم الشخصيات التي تم تناولها : حليم الجورنال ( الصحفي ) الشخصية الرئيسية في الرواية والذي اراد ان يتحدى القضاء (الالهي ) وان يحدد ساعة موته وانهاء حياته ( ولكن الاهم من ذلك كيف استطاع ان يفلت من قبضة القضاء ويجعل لحظة موته قرارا بيده دون ان يتدخل القدر في ذلك ...) حتى انه قال ان كل مجريات الحياة تصدر بخلاف رغبتي ولكن هذه المرة سوف اكون انا المتصدر لهذه الاحداث وانا لاغيري يتحكم في دفنها , مابين سقوطه من اعلى سطح العمارة ذات الطوابق الخمسة عشر حتى وصوله لرصيف الشارع تبدا احداث سرد الرواية بطريقة الفلاش باك في ذهن حليم الجورنال . المسافة التي تستغرق سقوط المنتحر من سطح عمارة لاتتجاوز عدد من الدقائق في حقيقة الحدث , لكن نلاحظ ان قسيمي تمكن من استغلال هذه الدقائق لتحويلها الى حياة كاملة مسترجعة في ذهن حليم الجورنال , مما يدفع بالقارئ ان يستمر بالتهام واستكمال النص حيث ينقلنا الراوي الى المتاهات والتفاعلات النفسية لشخصية الفرد المنتحر ومنها يعتبر منطلقا لبقية احداث الرواية . عمار الطونبا الشخصية الثانية في الرواية والتي تعتبر شخصية ملهمة لحليم الجورنال يمرعمار الطونبا باحداث اقسى من الاحداث التي مرت بحليم الصحفي وان كانت في ظاهرها متشابهة وتتغير حياته وبنيته الجسمية بسببها ولكنه وبسبب حبه للحياة لايقرر الانتحار مثل الصحفي . بين هذين الشخصيتين تبتني رواية قسيمي للمقارنة بين حياتهما وموتهما , والغوص في الاسباب التي ادت الى اختلاف النهايتين . ماهي الدوافع التي جعلت الصحفي يقرر الانتحار والطونبا يبقى على ماهو عليه ؟ رغم قساوة الحياة واي قساوة وهو يسمع باذنيه كلتيهما ان حبيبته قد خانته مع والده !! وان امه قد قتلت والده !! وكل هذا وهو لا يستطيع التحدث او البوح بهذه الاسرار التي تعرف اليها . بينما نجد ان الصحفي بمجرد ما ان خانته خطيبته قرر ان ينهي حياته وباسرع وقت ممكن !!! يقرر علماء النفس والمختصين بسايكولوجية الانتحار ان من ضمن اسباب الانتحار هو الاكتئاب السوداوي الذي يصيب الفرد في حالة تعرضه الى ظروف نفسية قاسية مما تجعل الافكار السلبية تسيطر عليه تفكيره وتصبح شغله الشاغل , حيث يفقد اي معنى للحياة ويسيطر عليه الشعور بالخواء وان لاشيء في الحياة يستحق العيش من اجله , وهذا ماحدث لحليم الصحفي بعد اكتشاف خيانة خطيبته له , والتي كانت مقررة ان تتزوجه ولكن القدر لم يمهلها ذلك فانكشفت خيانتها لخطيبها وضاعت خططها الى غير رجعة . من اهم العناصر التي يتميز بها عمل ( يوم رائع للموت ) هو القدرة على اثارة الاسئلة والبحث عن اجوبة لها , خصوصا ان قضية الانتحار اصبحت امرا كثير الحدوث في وقتنا الحالي مع تقدم الحضارة وتطور التقنيات وغيرها مما يفسر كمية التباعد الانساني والاجتماعي بين الافراد وضعف التواصل الاجتماعي والتقارب الروحي , ومن اهم التساؤلات التي تثار بماذا يفكر المنتحر قبل واثناء انتحاره ؟ قام الكثير من علماء النفس بالتفكير بماذا يفكر المنتحر قبل انتحاره او اثناء انتحاره وقسموهم الى فرق معينة فقالوا ان هنالك قسمين من المنتحرين او الذين يفكرون بالانتحار قسم منهم لايرى اي امل في تغيير الحياة وبالتالي يقدم على الانتحار باسرع وقت وقسم اخر يرى بصيص امل للتغيير فهذا لايستطيع الاقدام على الانتحار وانما فقط يفكر في كيفية الانتحار , اما حليم الصحفي فكان من النوع الذي لايرى اي بصيص امل في التغيير وبالتالي يختار الطابق السابع لينفذ رغبته في انهاء حياته وتحدي القضاء في تحديد مصير حياته ولكن في نفس الوقت تجد ان تفكير حليم غي منصب بالحياة او رغباتها او كيف سيستقبل الحياة الاخرى وانما كان منشغلا في التوافه من الامور الاخرى ومنها : 1. التغلب على القضاء والقدر من اهم ماكان يفكر به هو كيف استطاع أن يفلت من قبضة القضاء ويجعل لحظة موته قرار شاهد بنفسه دون أن يتدخل في ذلك القدر، سيكون هذا القرار أول ما استطاع اتخاذه من أن وطأت قدماه الحياة، فهو لم يختر أبويه ولا اخوته ولا اسمه ولا حتى ما حدث له لاحقا، لذلك فقد كان سعيدا وهو يهم بالقفز من سطح إحدى عمارات عدل بالكالیتيوس .
2. كيف يستطيع ان يجعل عملية سقوطه على الرصيف تكون على قدميه لا على وجهه خوفا من ان يتشوه وجهه ؟! (هل أنا خائف؟ قال لنفسه بعدما شعر بجسده يتجه مباشرة إلى الأرض، دون أن يملك مكنة تغيير اتجاهه، والحقيقة أنه حاول في جزء من ثانية أن يقلب نفسه في الهواء، بحيث يجعل سقوطه سقوطا شاقوليا، فقد كان يرغب أن تصل قدماه الأرض أولا، وبذلك لن يصيب وجهه أي مكروه، ولكنه اكتشف استحالة الأمر، فلم يكن قادرا على التحكم في جسده فتملكه الإحباط، لكن ليس لوقت طويل، فلديه الآن ما هو أهم من مجرد رغبة تافهة في السقوط على قدميه). من سخرية الموت التي يتعرض لها حليم هو تفكيره كيف سيصبح شكله بعد ان يعلم الجميع بموته , رغم اقدامه على الانتحار لكن لازال في لاوعيه الداخلي رغبة بسيطة في الحياة رغم انها رغبة في غير محلها اذ ان تفكيره كان ينصب في كيف سيكون منظره في حال اصطدم رأسه او قدماه اولا بالارض , وبالنتيجة تنكشف لنا جانب اخر من جوانب الشخصية لحليم والتي تتميز بضحالة مايهمه في الحياة او الموت اكثر من غيره , اشارة من الكاتب ان سوء وعبثية التفكير اللامنطقي سببا اخر يؤدي الى ضعف العزيمة والوصول الى الموت انتحارا . 3. الشهرة بعد موته وانشغال وسائل الاعلام بموته (وحتى تكون ذكراه أسطورية فقد كتب إلى نفسه رسالة يبين فيها أسباب انتحاره وبعثها إلى نفسه في البريد، وقد قدر أنها لن تصله إلا بعد أسبوع في أحسن الأحوال، أي بعد أربعة أيام من اليوم، وهكذا ستذكره الجرائد مرتين مرة التعلن عن انتحاره المأساوي، ومرة ثانية لتعلن عن وصول رسالة تظهر للعلن أسباب موته، وكأنها رسالة بعثت من قاع القبر، حملت على أجنحة الموت). 4. معرفة الوقت الذي سيقضيه اثناء سقوط جسمه من اعلى العمارة الى الرصيف . قدر حليم بن صادق لحظة ارتطامه بالأرض أن تكون بعد عشر ثوان من لحظة قفزه من أعلى العمارة، إذ كان يكفيه أن يعرف وزنه وارتفاع العمارة وبعض القواعد البسيطة في الفيزياء، ليحسب بدقة كم يستغرق من وقت ليرتطم بالأرض، أما عن فرص نجاته فكانت تساوي الصفر، وهو ما جعله يوقن أنه سيموت بعد عشر ثوان تحسب من لحظة قفزه من أعلى العمارة .
5. زيادة نشوته بزيادة عدد متابعي قفزته الانتحارية ومع أن نشوته بالاهتمام كانت تتزايد مع ازدياد عدد الواقفين على الرصيف والمحتلين جزء من الطريق، إلا أنها لم تكتمل حين لاحظ رجلا يجلس خلفهد غير مهتم، بدا له أنه كان جالسا مادا رجليه، وحين ركز نظره جيدا أدرك أنه عاري الصدر بدون قميص، فشعر ببعض الخيبة، خيبة لم تدم طويلا هي الأخرى وهو يرى تزايد المتفرجين الذين ملئوا عينيه وقلبه . 6. التفكير في هل يجب عليه الرد على الهاتف ام لا (بدا الأمر غريبا أن يرن هاتفه في السماء، فعلى الأرجح هذه أول مرة يرن فيه هاتف أحدهم من هذا العلو هل علي أن أجيب؟ قال في نفسه قبل أن يستسلم الضحك، بعد أن أدرك طرافة سؤاله، في حين بقي الهاتف يرن مرات ومرات ) وهنا يجدر بنا الاشارة الى ان الكاتب قد اخطأ في التقدير فان مدة الدقيقة او الاقل وان تحملت كل هذه الافكار فانها لاتستطيع ان تتحمل معها رنين الهاتف والاتصال , وهي ثغرة يمكن تجاوزها نتيجة ماقدمه قسيمي كعمل جميل . وفي النهاية اود الاشارة الى ان الكاتب استطاع يتلاعب بفكرة الحياة والموت وبالقارئ ايضا فالاحداث التي سترافق انتحار حليم الصحفي ستكون جدا مفاجاة وذات نهاية غير متوقعة وصادمة للقارئ .
سمير قسيمي .. كاتب وروائي جزائري ..من مؤلفاته : هلابيل , حب في خريف مائل , الحالم في روايته التي صدرت عام 2009 قصة شاب صحفي _حليم بن صادق _ يقرر في يوم رائع للموت , أن يلقي بنفسه من إحدى البنايات المرتفعة , وخلال عشر ثوان الأخيرة من سقوطه , سيمر في ذهن حليم شريط حياته وذكرياته , ليتعرف القارئ من خلالها على دوافعه نحو هذا القرار , كما سيتعرف على بطل الرواية باعتباره معيل أسرة تفرّق أفرادها , وصديقًا لعمار الطونبا , الذي يشغل حيزًا كبيرا من الرواية , إذ يشتركان في عدة أوجه " خيانة المرأة العشيقة , الحالة الاجتماعية , والإشاعة التي راجت حول انتحار عمار " في الرواية الكثير من التفاصيل التي سأسقط الحديث عنها هنا , ماعدا أن قرار حليم بالمضي نحو حتفه , يرجع بشكل أو بآخر إلى غدر نبيلة حبيبته وخيانتها قبل أيام من موعد زفافهما , ويرى حليم في انتحاره أول قرار يتخذه بمحض إرادته , ليتحدى به القدر الذي يعبث بمشيئة البشر , ولكن النهاية خلافًا لكل ما خطط له حليم أنه سيبقى في اللحظة التي يشاء فيها أن يغادر , ويمضي في الموعد الذي يشاء الموت , وتحدّده الأقدار أكثر ما راق لي في الرواية الفكرة بحد ذاتها , استرجاع الذكريات في عشر ثوان الأخيرة قبل موت البطل لتشكل أحداثًا محورية للرواية أسلوب الكاتب : سلاسة ومرونة في التعابير العبرة المستخلصة من النهاية : للقدر سطوة على الإرادة .. ذكّرني تقفّي الموت لآثار حليم بعبارة درويش الراحل : فالموت مثلي يعشق فجأة , والموت مثلي لا يحب الانتظار بالنسبة للنقد والمؤاخذات أحداث الرواية ككلّ والحبكة المصمّمة لها , لم تكن بنفس قوّة الفكرة التكرار في الفصول لم يخدم الموضوع , وإن كان غرضه الكشف عن تفاصيل خفيّة وأؤاخذ الكاتب مرة أخرى على عدم إقناعي ببطل الرواية , وبوجدانه كإنسان مقدم على تنفيذ قرار مصيري كالموت فبالحديث عن دوافع حليم للانتحار , فإننا نفترض أنه لابد وراء قراره بوضع حد لحياته حالة من اليأس من حياته , أو على الأقل أسبابًا كافية للاجدواها , وهو ما لم ألمسه في سرد حليم بن صادق إلا لمامًا فإذا كان بطل روايتنا يرى في الموت خلاصًا لعذابه , فإنني أتساءل : هل خيانة نبيلة له تجسد الحد الأقصى لعذابه ؟ وبالتالي تستحق مثل هذه التضحية .؟ لا يمكن القول في هذا الصدد أن العشق يفعل ذلك وأكثر .. قطعًا لا يلمس القارئ في علاقة حليم بنبيلة مثل هذا الحب الشكسبيري الذي يستحق التضحية بالحياة
من ناحية أخرى أشير إلى أن الفكرة مكررة بالنسبة إلي , فقبل عشر سنوات من إصدار قسيمي لروايته , كان باولو كويلو قد أصدر عام 1998 " فيرونيكا تقرر أن تموت " ...وشتّان بين العمق الفلسفي الذي يضفيه باولو لروايته , ليرتقي إلى قوّة فكرته المطروحة , وبين شريط ذكريات حليم في لحظاته الأخيرة , والتي تبدّت لي كأحداث مشتتة عن حياة عابرة لا تعطي للرواية بُعدًا يلاءم مستوى الفكرة كأني بالكاتب يعرض أمامنا حدثًا دراميا فريدا من نوعه , ثم لا يلبث أن يجرّده من عمق معناه بمشاهد حياتية تسلب من الرواية دلالاتها أكثر مما تخدمها ختامًا فإن هذا كلّه شكّل بالنسبة لي خيبة أمل في نص روائي , توقّعت الكثير من فكرته وعنوانه .
" الآن فهمتك أيها القدر، أيتها الحياة، أنت كأي غانية كلما سعيت إليك تماديت في الفراق، وحين أبتعد تلوحين لي، فيأسرني طمع رضاك مرة أخرى، فأدنو .. أدنو إليك وكلما أدنو أراني أبتعد، وأقول في طيبة الطامع الآمل : ربما .. وأقول قد .. لكنك أنت كما أنت، لا خلاص من ألمك المزمن، إلا بالتوقف عن الأمل، الطمع، الحب، لا خلاص منك إلا بمفاجئتك .. أشعت بين الناس أن الرزق مقسوم وأن كل شيء قضاء وقدر، سأثبت أنك كاذبة، سأكون أنا الاستثناء في قاعدتك، سأحدد ساعة موتي بالساعة والطريقة، وستنظرين إلي كما سينظر الناس وأنا اخترق القاعدة، وحينها وحينها فقط، سأتحرر من لغوك الذي لا ينتهي وأخرج من اللعبة، لعبتك أنت " ..
- عشر ثوان هي الفيصل ومفترق الطرق الذي تتغير من بعده حياة الجامعي الوحيد في الحي الصحافي الذي أتعبته هموم الحياة وأعباء الديون العائلية، لتكون خيانة من أحبها الشعرة التي قسمت ظهره وحضرته للقرار الأول في أي حياته، قرار الإنتحار ..
حليم بن صادق المتعب في وظيفته العالق وسط العدم الاجتماعي : " لم يكن أبوه مجاهداً ولا حركياً ،كان واحداً من الشعب " مثقف جزائري شقي لا يملك في وطنه سقفاً يجمع شتاته : " لا يملك شبراً في وطن كالقارة، الميت أفضل منه يملك قبره، لا يعاني أزمة سكن ولا أزمة بطالة "، في عشر ثوان هي الزمن الفاصل بين قفز حليم عن حافة أحد الأبنية وإرتطامه بالرصيف يسرد الكاتب حياة الصحافي كاملة كشريط فلم يعرض أمام عينيه مصوراً أهم ��لشخصيات في حياته وعارضاً المواقف والأحداث التي كونت شخصيته وإنتهت به إلى حافة ذلك البناء عاقداً عزمه على الإنتحار .. في المقلب الآخر الطونبا فتوة الحي ووحشه المهاب الجانب، صديق حليم النقيض في صفاته يقع فريسة حب فتاة لعوب تسلبه نصف رجولته وتدفعه إلي الإدمان على الحشيش والخمرة في محاولة التخلص من حبها الذي افقده مكانته المخيفة في حيه يرتب له القدر مصيراً آخر عبر حبكة عنيفة ودموية، ليعود الكاتب خاتماً روايته بطريقة غير متوقعة حيث يجمع شخصياتها المحورية في مكان واحد جاعلاً منهم شهوداً وشركاء في عملية السقوط وما تبعها من أحداث صادمة ..
تحمل هذه الرواية حبكة جيدة لا تخلو من مبالغة وأسلوباً سهلاً وممتعاً في سرد الأحداث، كما تمتاز بحس ساخر لاذع ينبع من رؤية واقية لمجتمع مزيف وشخصيات لشدة واقعيتها تبدو حقيقية، مزيج من الشخصيات والأحداث تمحي الحدود بين الحدث والتخيل، بين المنطق وانعدامه .. الحس الساخر والواقعية السوداء التي صبغت الرواية أعطت ثقلاً كبيراً للنقد الموجه نحو المجتمع والدولة التي همشت الشعب وابتعدت عن همومه، كما أجاد الكاتب في الحبكة التي بين من خلالها سطوة القدر اللامحدودة على الإنسان مع قليل من المبالغة ..
#اقتباس :
" قد تنسى المرأة أسباب الحب وإن تعاظمت لكنها لا تنسى أبداً أسباب الكره وإن كانت تافهة " ..
قال عنها النُقّاد: شكّلت نقلة نوعية في تاريخ الرواية الجزائرية المعاصرة, حتّى أنها كانت من بين قائمة الأكثر مبيعًا في معرض الكتاب في الجزائر.. مؤلفها الذي بدأ حياته الأدبية كشاعر, نجح في تقديم عمل متفرّد من حيث النصّ أولًا واللغة ثم السرد... إلى الانطباع الذي تتركه في نفس القارئ. كانت جيدة جدًا ولها لفتَة لابد أن تشدك إليها منذ قراءة الصفحات الأولى.
كيف يفكر شخصٌ مثقف في الانتحار؟ بل ويتقدم إليه برؤية تقودها غرائزه. المثقف الذي اصطدم وصُدم في واقع المجتمع من حوله –الجزائري- تحديدًا. بالفساد, بالحياة غير العادلة تمامًا.. نقف هنا أمام عشر ثواني تدور فيها الأحداث الأهم من الرواية, عشر ثواني فقط وليس 11 دقيقة. عشر ثواني يختارها المؤلف ليطرح فيها كل ما فكر فيه البطل, قبل أن يسقط ويرتطم به الموت. عشر ثواني يمر البطل فيها على ذكرياته وحياته كاملة وكل الأفراد الذين قابلهم, كل المواقف التي تعرّض لها, كل المشاهد التي عايشها بنفسه.. بحسٍ ساخر وكيف يكون القرار الأول الذي يُقدم عليه في حياته هو إنهاء حياته!
الناشر: أكثر ما كان يشغل باله لحظة قفز في الهواء، ما أصاب الوقت من تمدّد، جعله يتصور أن الوقت المتبقي في حياته أطول من حياته كلها، وإلا كيف راوده الشك في قراره بالانتحار؟ وكيف أدرك أنه شك؟ ألا تستغرق رحلة إدراك العقل للمشاعر أكثر من عشر ثوان؟ فكيف إذن لم يستغرقه هذا الإدراك إلا جزء من ثانية؟ "ربما هو شعور سابق للحظة" قال لنفسه محاولًا طمأنتها وهو ينظر إلى جسده الضخم يتهاوى من عل. لحظتها أدرك أنها المرة الأولى في حياته التي ينظر فيها إلى جسده بالمقلوب، ولعلّها المرة الأولى التي يستغرب فيها من ضخامة بطنه! فلم يكن يتصور أنها على هكذا ضخامة، ثم سرعان ما كره ما كان يرتدي من لباس، فتساءل بما يوحي بالحسرة: "هل ستذكر الجرائد غدًا ما كنت ألبس؟".. كان هذا السؤال كافيًا ليبعث الشك في نفسه من جديد، فلعله لم يحسب للأمر كما ينبغي، أو على الأقل تجاهل بعض التفاصيل في خطته التي كانت تقتضي أن يكون موته مأساويًا, غاية في الشاعرية والفلسفة، ولكن ما كان لكذا تفصيل أن يكدر سعادته بانتصاره التاريخي على القضاء، لأنه حين تحين لحظة الارتطام -بعد أقل من عشر ثوان- سيكون قد سُجل مع الذين استطاعوا بشجاعتهم أو بتهورهم (لا يهم)، أن يتحكموا بمصائرهم، ويحددوا تاريخ موتهم.. إنه انتصار ساحق على هذا الذي قيل أنه لا يهزم.. لم تعد الحياة بالنسبة له كرة تلهو بها رجل القدر، فتسجل الأهداف كيفما شاءت ووقتما تريد
حليم بن صادق، الرجل الأربعيني الذي قرر وضع حد لحياته، والذي حظي بحياة طيبة بعض الشيء، فقد كان معتنياً بصحته وهندامه، وسيماً بعض الشيء، ولا زال يملك شعراً على رأسه، كان في شبابه قنوعاً، رضي بحب نبيلة الحايك التي كانت في نظره لا تمتلك ذلك المقياس المطلوب للجمال، لذلك كانت صدمته كبيرة حينما علم بخيانتها له، وعلى ذلك، لم يحاول أن ينتقم، ولم يصرخ أو ينفعل أو يقاتل، بل يطلعنا الكاتب أننا بإزاء شخصية باردة لا يكاد يحركها شيء من أحداث الحياة، فقد ترك نبيلة ومضى في حياته لا يبحث عن امرأة أخرى، حتى أنه هاتفها بعد مدة قائلاً لها أنه "شفي منها" بنبرة جافة لا تعني أي شيء، لا الحزن ولا العتب ولا الانتقام، فهو لا يفكر بشكل جدي في باقي أمور حياته، حتى أنه لم يتخلص من ثقل ديون والده ومن مصاريف أسرته التي كان عليه أن يتحملها وحده، كما فعل أخواه اللذان تركا خلفهما ديون والده التي لا تنتهي وتزوجا وأنجبا الأولاد بعيداً عن العائلة، يبدو أن صديقنا لا يلقي الاهتمام الكبير لتحسين أمور حياته، كذلك الذي ألقاه لخطة انتحاره.
يصور لنا الكاتب سمير قسيمي نظرة صاحبنا حليم للحياة، فهي مجموعة من المغريات التي ما إن سعينا لامتلاكها باتت لنا مستحيلة المنال، ولكن حالما ندير ظهرنا لها نراها مقبلة علينا بكل مغرياتها، فهذا حليم الذي قرر أن يضع حداً لحياته كان يتصور أنه يفعل ما لا يستسيغه القدر، فـ"لم تعد الحياة في حياته كطابة تلهو بها رجل القدر، فتسجل الأهداف كيفما شاءت ووقتما تريد"، لقد قرر أنه لن ينتظر من القدر أن يفاجئه بالموت في يوم ما، بل سيختار يوم وفاته بنفسه، وقد فعل، في يوم بدا له رائعاً للموت.
قرر حليم في ذلك اليوم أن هذا هو أفضل يوم للحياة كما أنه أفضل يوم للموت، وبهذا سيسير معاكساً للقدر ويختار كيف يموت ومتى بنفسه، ولهذا القرار نراه يحضّر رسالة بريدية لنفسه تصله بعد أربعة أيام من وفاته، شرح فيها أسباب انتحاره التي لم يذكر منها الكاتب شيئاً، ولكن القارئ يستطيع أن يفهمها من خلال سياق الرواية، خلف السطور التي تشرح لامبالاة صديقنا في سنواته الأخيرة، حدّثنا حليم بن صادق عن رغبته في أن يكون موته غاية في الشاعرية والفلسفة، وقد رتب له المكان والزمان والإصرار والخطاب البريدي، ثم يصف لنا قسيمي حاله، عند سقوطه من العمارة، وعن بهجته غير المتوقعة حينما علم أن الصحافة ستتحدث عن نبأ انتحاره ثلاث مرات، عند سقوطه، وعند اكتشاف هويته بعد أن يكون قد تشوه وجهه من الحادثة، وعند وصول رسالته البريدية التي يشرح فيها أسباب وفاته، أي أنه سيصبح بطلاً في أعين الناس لبضعة أيام، ذلك الشاب الذي لم يتخذ قراراً جريئاً في حياته، يسعد الآن بتخلصه منها بقرار أول يمتلكه بنفسه، بالفعل لقد شعر بالسعادة خاصة عندما لحظ الناس يرفعون أنظارهم إليه في سقوطه، لقد شعر أنه "أصبح كنجم شهير يملك جمهوراً يتحرق شوقاً لرؤيته، إلا أنه على خلاف كل النجوم، لن يقف أمام جمهوره بل سيسقط عليهم".
على أن قراره لم يكن مفاجئاً ولا متهوراً، فقد كانت حياته مؤخراً تقع تحت إغراء فكرة الانتحار التي حاول التخلص منها بالتوبة أو الفسوق اللذان لم يفلحا في ثنيه عن رغبة باتت تشكل هدفاً لديه يزداد أهمية كل يوم، ولقد كان قراره بالأهمية التي جعلته يغالط نفسه حين سمع صوت حبيبته السابقة نبيلة ميحانيك وهي تتشاجر مع عشيقها، أثناء صعوده درج العمارة التي ألقى بنفسه منها، لعله لم يرد أن يقف في وجه قراره أو يؤخره أي شيء، فتمتم "لا يمكن .. مستحيل"، وأكمل صعوده الدرج، حتى أنه وجد لقراره التبرير الديني: "فمن اضطر غير باغ ولا عام فلا إثم عليه" والذي أفتى لنفسه بعدها أنه من المضطرين لمغادرة الحياة، وبهذا يكون قراره لا عيباً ولا حراماً، بل ضرورة رآها واجبة الوقوع.
لم يذكر لنا قسيمي أن صاحبنا قد راودته أي لحظة من الحزن أو الندم أثناء هبوطه، فعندما هوت قدماه عن حافة سطح العمارة راوده الشك الذي سرعان ما علم أنه ليس شكّاً في قراره بالانتحار، بل هو ذاك القلق الذي لطالما راوده بعد أي قرار كان يتخذه في حياته، وكأنما مثل هذا القرار لا يختلف شيئاً عن أي قرار كان حليم يتخذه سابقاً، قد يكون بعض الخوف قد تسلل إلى نفس حليم، ولكنه استطاع ببعض استرجاع للذكريات ألّا يجعل له ثانية كاملة ليتملكه به: "لقد كان لأي أحد يطل من شرفة الطابق الحادي عشر، أن يرى السكينة التي ملأته لحظتها"، تلك السكينة التي جعلته يسامح الجميع بروح المغادر بلا رجعة.
ولكن قسيمي يجعل من سقوط حليم على شاحنه عمه المحملة بالأثاث يعلوه الفرش، نهاية ساخرة للحظة سقوطه من أعلى البناية، لقد جهز حليم الزمان والمكان، واستجمع شجاعته ورضاه وحمل حقائبه ليغادر الحياة، ولكن سخرية القدر تشاء أن تتوقف شاحنه عمه فجأة أمام العمارة لحدث طارئ، فيسقط عليها حليم وسط ترقب من أنظار الجميع، مغشياً عليه، بكسر في يده ورجله ألزمه راحة البيت، وكما فلسفة صاحبنا في الحياة، فقد انهال الاهتمام المفاجئ عليه بعد علم الجميع بمحاولة انتحاره، ففتحت له أبواب الدنيا حينما حصل على سكن مجاني، وعادت إليه نبيلة الحايك حبيبته السابقة، وكتبت عنه الجرائد والصحف، وتحدثت بشأنه الدوائر الحكومية، ما يحقق نبوءته السابقة التي آمن بها، حينما تعرض عن الحياة تراها مقبلة عليك بكل ملذاتها، وحينما تركض وراءها لا تنال منها إلا الفتات، وهكذا، يصف قسيمي صاحبنا مستلقياً في سريره بعد أربعة أيام من الحادثة، يتناول المكسرات التي بات قادراً على دفع ثمنها، يقرأ ضاحكاً أسباب انتحاره في رسالته البريدية التي وصلته، قبل أن تلتصق قطعة مكسرات في حلقه وتمنع عنه التنفس، فتجحظ عيناه في فضاء غرفته ويرتعش جسده في محاولة أخيرة لالتقاط النفس، ولكنه يوجه ناظريه للنافذة مستسلماً للموت، هكذا ببساطة، دون تخطيط منه للانتحار، دون أن يشاهده أحد، دونما اختيار منه لا للزمان ولا للمكان ودون رضى مسبق منه وشجاعة ودون أن تكتب عنه الصحف شيئاً ولا الجرائد، فلم يكن ذلك اليوم يوماً مميزاً اختاره حليم للموت، لقد كان يوماً عادياً فقط، ويختتم قسيمي روايته قائلاً: "في اليوم الموالي لم تكتب الصحافة شيئاً عنه، ولا في اليوم الذي تلاه ولا حتى بعد أسبوع، ولم يعرف أحد بعدها ما قرأ حليم بن صادق في رسالته تلك، لكن الأكيد أنها كانت رسالة بعثت من قاع القبر على أجنحة الموت".
لقد حاول حليم بن صادق معاندة القدر ووضع حد لحياته بتخطيط منه وإصرار، ولكن نجد أن القدر يقف ساخراً من موقف حليم، وهو يدفع بشاحنه عمه لتتوقف أمام العمارة، ثم يعود ليخطف روحه فقط عندما كان لحليم الرغبة الكبيرة في الحياة، قد يستطيع الإنسان أن يُقنع نفسه بالعديد من الأمور، مثل حرية إرادته في قرار مصيري مثل الانتحار، ولكن يظل للقدر دائماً ما يقوله، وبهذا يحفظ قسيمي للموت قدسيته وقوته في أذهان القرّاء، فلا يستطيع أي أحد اختياره طالما لم يختره هو أولاً، لم يختر الموت حليماً في ذلك اليوم، بل كان له تدبير آخر فقط بعد أربعة أيام من الحادثة، خاصة عندما تتردد في ذهن ا��قارئ كلمات حليم وهو يجابه القدر في آخر لحظات حياته: "الآن فهمتك أيها القدر، أيتها الحياة، أنتِ كأي غانية كلما سعيت إليك تماديت في الفراق، وحين أبتعد تلوحين لي، فيأسرني طمع رضاك مرة أخرى، فأدنو.. أدنو إليك وكلما أدنو أراني أبتعد، وأقول في طيبة الطامع الآمل: ربما.. وأقول قد..، لكنك أنت كما أنت، لا خلاص من ألمك المزمن، إلا بالتوقف عن الأمل، الطمع، الحب، لا خلاص منك إلا بمفاجأتك، أشعتِ بين الناس أن الرزق مقسوم، وأن كل شيء قضاء وقدر، سأثبت أنك كاذبة، سأكون أنا الاستثناء في قاعدتك، سأحدد ساعة موتي بالساعة والطريقة، وستنظرين إليّ كما سينظر الناس وأنا أخترق القا��دة، وحينها فقط، سأتحرر من لغوك الذي لا ينتهي وأخرج من اللعبة، لعبتك أنت.."
كيف يكون للموت يوم رائع؟ قراءة في رواية «يوم رائع للموت» لـ سمير قسيمي عنوان الرِّواية "يوم رائع للموت" يدفعنا لطرح السُّؤال الآتي: كيف يكون للموت يوم رائع؟. تتناول أحداث الرِّواية شخصية الصّحفي الشَّاب "حليم بن صادق" الذي أرهقته الحياة التي بات يعيشها، فيحاول أن يضع حداً لها والتي لم يختر بدوره أي شيء فيها أو بمعنى آخر تراوده نفسه على فكرة الانتحار بإلقاء نفسه من أعلى الطَّوابق الخمسة عشر لعمارة. نكتشف من خلال صفحات الرِّواية السَّبب الحقيقي لهذه الحماقة التي يحاول ارتكابها الشَّاب الصّحفي "حليم بن صادق" حين تدفعه مغامرة عاطفية فاشلة إلى الشُّعور بخيبة أمل كبيرة خصوصاً حين هَجَرته "نبيلة ميحانيك"، التي كان يظنّها الحبيبة لتتزوج بأحد الأثرياء لضمان مستقبلها. وحتى تأخذ قصته شهرة كبيرة يعمل "حليم بن صادق" على كتابة رسالة لنفسه يُبين فيها أسباب انتحاره ويرسلها إلى كاتبها - حليم نفسه - عبر البريد لكن القدر يَحول دون موته إلّا بعد أن يَقرأ رسالته. تظهر في الرِّواية كذلك شخصية "عمار الطُّونبا" صديق "حليم بن صادق" والنَّقيض له في كُلِّ شيء والذي يُقرر الانتحار أيضاً بعد أن يفقد الأمل بالزَّواج من "نيسة". الرِّواية تتشابك فيها نماذج من شخصيات المهمشين في المجتمع.. يختم الرِّوائي قصته بخاتمة غير متوقعة حيث يعمد في صفحاته الأخيرة إلى جمع تلك الشّخصيات الهامشية ليشهدوا سقوط "حليم بن صادق" الانتحاري، إلّا أن القدر له ترتيبات أخرى حيث أن نجاته من الموت كاد أن يكون محققاً، ما جعل السُّلطات تهتم به بإعطائه الوعود الواهية وعودة "نبيلة ميحانيك" إليه.. إنها رواية صادمة فالحكاية آتية من عمق المجتمع الجزائري، عالم الحومة ذلك العالم السُّفلي الذي ينقل الكاتب لغته بتعابيرها الأشد إثارة بدون تجميل.. الرِّواية جاءت دراماتيكية ساخرة مما يجعل القارئ يتساءل هل حاول الكاتب فيها أن يُعري الواقع أم يسخر منه؟ إنها رواية تستحق أن يكون لها "يوم رائع للحياة، ويوم رائع للقراءة " كتجربة لقراءة نَصٍّ مغاير. كُلّ شيء غريب في هذه الرِّواية غرابة محاولة الانتحار من أعلى الطَّوابق الخمسة عشر والتي لم تُصِب "حليم بن صادق" إلّا بكسر في يده ورجله اليُسرى. محاولة انتحار غيّرت مسار حياته لساعات فقط ليرحل مختنقاً.
- اقتبسات من رواية «يوم رائع للموت» لـ سمير قسيمي - (... قال له أبوه أن صاحب الشُّقة مجاهد سابق، كافأته الدَّولة بحانة وببعض العقارات هنا وهناك وبمنحة شهرية محترمة أخرجته من "الغرقة" الوحل، سأل أباه "وأنت ألم ترو لي أنك كنت تقتسم أجرك مع المجاهدين، وتوفر لهم المخبأ وقت الحاجة، لهم ولسلاحهم ؟" أجابه: "ولكنني لم أكن مجاهداً بحق" تعجب حليم: "وماذا تسمي عملك هذا؟"، ثم سأل نفسه: "إذا كان من يمول إرهابياً ويوفر له المخبأ تعتبره الدّولة إرهابياً، فَلِمَ لَمْ تعتبر أبي مُجاهداً؟". لم يكن أبوه مجاهداً ولا حركياً، كان واحداً من الشّعب، لا صفة له، الشّعب العظيم لذي يشيد به السِّياسيون في كل خطاب، الشّعب الذي تنسب إليه الثّورة "الثّورة من الشّعب وإلى الشّعب"، ولكنه شعب لا مجاهد ولا حركي، لا صفة له مثل أبيه الأجير المستأجر، أبوه الذي لا يملك شبراً في وطن كالقارة، الميت أفضل منه يملك قبراً، لا يعاني أزمة سكن، ولا أزمة بطالة. بمثل هذا تملكته فكرة الموت، واستمرت في إغرائه وهو يقاوم، وكأي إغراء فلا بد أن ينتهي إلى قرار، وكان قراره أن ينتهي من حياته.) ص 72. - (شعر حكيم الكوردوني بالملل وهو يسمع نفس الجملة تتكرر على مسمعيه مع كل زبون: «أحبك أن تسرع فأنا مستعجل». رفع رأسه متكلفاً ابتسامة يقتضيها العمل، ونظر إلى المتحدث وقال بهدوء: «لا عليك ياسيدي سأنتهي منها في الحال»، ثم انحنى يُقلب في الصّندل الذي بين يديه، ثم أضاف «هذا صندل من النّوع الرّديء، أظنُّه من صُنع صيني». تكلف الرّجل المستعجل ابتسامة تكاد تقول «وما دخلك أيها الاسكافي الحقير»، واستمر حكيم في الحديث: «لن يكون عملي متقناً إلّا إذا تركته عندي نصف ساعة، فعلي أن أغير الفراش، وأصنع له ما يُشبه القفل تعويضاً لقفله، وكل هذا يحتاج إلى خياطة، ثم يجب أن أسمره وربما أضغطه، هذه أمور تستغرق وقتاً». قاطعه الرّجل المستعجل: «لا أملك وقتاً، ألصقه ببعض الغراء وكفى، فأمامي طريق طويلة، عليّ أن أصل إلى الكاليتوس قبل صلاة الجمعة». استمر حكيم في العمل وفي دقيقة سلمه صندله وهو يقول: «لقد نصحتك، ستكون معجزة إذا بقي ليوم آخر». هزّ الرّجل المستعجل رأسه ووضع صندله في قدمه وانصرف. وإذ ذاك قال حكيم مخاطباً «معرفته»: - أكره هذا النّوع من الزّبائن - في مهنة الكوردوني، جميع الزّبائن من هذا النّوع - إذن فأنا أكره كُلّ الزّبائن ضحك «معرفته» وقال: - وإن يَكُن، هم أيضاً لا يُحبونك، لا يأتونك إلّا مُجبرين - صدقت، لكن هذا الرّجل بدا فعلاً مستعجلاً - ربما ليلحق بصلاة الجمعة، فقميصه الأبيض الأميري ورائحة المسك فيه، توحي أنه تهيأ لصلاة الجمعة - إن كان الأمر كذلك فلا بأس - وإن لم يكن؟ - فلا بأس أيضاً استغرق صاحب القميص الأبيض ساعتين ليصل إلى الكاليتوس، ساعة ليبلغ العاصمة، وساعة أخرى قضاها في الطّريق إلى الكاليتوس، ومع هذا فقد لحق بأذان الخطبتين. دخل المسجد فوجده مكتظاً وجلس بين عرصيه مضطراً. كان الإمام يخطب في النّاس حول النّظافة في الإسلام، وكان الجميع يتظاهر بالفهم والخشوع، بمن فيهم صاحب القميص الأبيض رغم انشغاله بأنفه، فقد شعر بشيء يسد منخاريه، فأدخل إبهامه في أنفه بحثاً عنه، وحين وجده، اكتشف أنه لا شيء مهم، فمسح يده على سجاد المسجد، وهو لا يكف عن هزِّ رأسه موافقاً على ما كان يقوله الإمام عن النّظافة، وما كاد ينتهي من ركعتي الصّلاة، حتى أسرع للخروج مثل معظم المصلين. وضع صندله في قدميه وهمَّ بالانصراف وسط جموع المزدحمين عند باب المسجد، وما كاد يتخطى عتبته، حتى شعر بصندله ينسلخ من قدمه. «لعن الله هذا الكوردوني الكلب»، قال في نفسه متذمراً، ولكنه سُرعان ما تذكر نصيحة حكيم الكوردوني وتعليقه «ستكون معجزة إذا بقي سليماً ليوم آخر»، فاستغفر الله ومضى وهو يسحب صندله. كانت السّاعة الثّانية زوالاً عندما انتهى النّاس من صلاة الجمعة وفتحت المقاهي أبوابها من جديد، أسرع صاحب القميص الأبيض الخطى ليكون من أول من يبلغ مقهى «لوتسمان» المعروفة بنوعية البُنّ الذي تقدمه، كان يعلم بحكم العادة أنه لو تخلف قليلاً لن يجد مكاناً يجلس فيه. وإذ ذاك تعثر بِرِجْلٍ رَجُلٍ كان يجلس على الرّصيف، ممدداً ساقه على عرضه، حاول استعادة توازنه بقدمه الأخرى، ولكن صندله الممزق خيب رجاءه مرة أخرى، تلطخ قميصه الأبيض الأميري حتى صار أكثر نجاسة من القميص الأحمر الذي يجلس عليه «السيس كانز». ولعل رائحته أصبحت أكثر نتانة من هذا المجنون، ولم يكن من الغريب أن يقرر الانتقام لنفسه ويشتم «السيس كانز»، وحين همّ بذلك محاولاً الوقوف على قدميه، شده منظر أنساه السّقطة والمجنون معاً. رأى رَجُلاً يستعد لرمي نفسه من إحدى عمارات عدل في الطّرف المقابل للرصيف الذي كان يقف عليه، صرخ في استغراب: - انظروا.. فرفع من كانوا حوله رؤوسهم وتسمروا في مكانهم يبحلقون. تساءل أحدهم: - ماذا يفعل، هل سيلقي بنفسه من العمارة؟ ردّ عليه آخر: - ربما هو واقف لغرض ما تساءل ثالث: - أي عمل هذا وهو يقف على حافة السّطح؟ واستمرت التّعاليق والتّساؤلات دقائق دون أن تتوقف، فكلما وقف أحدهم طرح سؤالاً أو علق بشيء، فيجيبه الآخرون بما يعلمون أو بما لا يعلمون، ولكن التّساؤلات سُرعان ما توقفت حين ألقى حليم بنفسه أخيراً، ليفسح المجال للتعليقات ويقطع الطّريق على أسئلة المحتشدين السّخيفة. فأخيراً تأكد النّاس أن الرّجُل وقف على الحافة لينتحر..) الفصل الثّاني: ص 77، 78، 79. من رواية «يوم رائع للموت» لـ سمير قسيمي
لا افهم كيف لكاتب محترم ان يقلل من قيمته بعرض مثل تلك الكلمات الفاسدة و التي لا يجوز ان تقال حتى في الشارع فكيف بخطها في كتاب يشتريه الاف القراء و المثقفين . لا انكر ان موضوع الرواية كان جميلا الى حد ما الا ان سخافة الكاتب و رغبته في الانحطاط الى ذلك الوضع دفعني للتسائل ..هل هو جاد حقا ؟؟؟ الكتاب هم صورتنا امام الشعوب الاخرى لذا ارجو حقا ان يعطوا صورة جميلة و ليس مجرد تفاهات ركيكة بذيئة لا يجوز اقحامها في اي عمل ادبي
صديقي سمير المجنون، هناك تقاطع مع قصّةُ موتٍ مُعلَن لماركيز ؛ سواء في الفكرة المحوَّرة مع إختلاف ضمير السّرد، و مضاعفة الحبكة في هذه الرواية ، كنوع من المفارقة ، لكن كِلا الرّوايتين تشتركان في جعل العادي مدهشًا بإستعراض التلاعب بالزّمن الروائي/الكتابي؛ و ذلك سِرٌ لو تعلمون عظيم و الله !
أولُ عملٍ له ، يثبتُ أنه روائيٌ لا يتعلم ، بل مخضرَم
رواية تختلف عن ما قرأت قبل ـها تحكي عن لحظات انتحار لا يكتمل عن الـ أشياء التي نفعل ـها ..؛لـ أن الحياة أرغمتنا عن الوظن الذي يبصق الأحلام والواقع الماسأوي الذي يقطع كل الطرق
لغة بسيطة شخصيات تستحق تتبعها صغيرة الحجم في ـها بعض الألفاظ السيئة