What do you think?
Rate this book


360 pages, Paperback
First published January 1, 1984
قال رسول الله - صلى الله علية وسلم -: «يُؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة. فيُصبغ في النار صبغة. ثم يُقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا. والله يا ربّ. ويُؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا. من أهل الجنة. فيُصبغ صبغة في الجنة. فيُقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا. والله يا ربّ. ما مر بي بؤس قط. ولا رأيت شدةً قط»
كان حذاؤها الموحل بيدها. و كفها على موضع الضربة في بطنها. و تحت أقدامها مسامير. و على ظهرها خشبة. و من حولها كلاب تهر. هي منبوذة من العالم. تسير فيه كتلة من القهر و العجز معا. جلست بين الحقول. على تخم لا يمر به أحد. هنا تستعيد شعورها بالحياة و بالزمن. سيكون في وسعها بمنجاة من العيون. أن ترفع رأسها و تلقي نظرة على ما حولها. على داخلها. على ماضيها و حاضرها. أن تتأكد أنها لا تزال إنسانة. و أنها لا تزال قادرة على مواجهة الناس. و على تقبل الأذى و احتماله. ستحتمل المزيد في سبيل الذين هناك. في البيت الضائع بين الحقول. إنما عليها أن تواري كل شيء هنا. تطمره في الأرض نبتة قهر. غرسة حقد. نواة غضب. للزمن المقبل. حين يكبر الصغار. و يحصلون على رزقهم بأنفسهم.
⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️
لم تسأله فورا عن غيابه الطويل و عما وقع له في سفرته. لسوف يشتم إن فعلت. سيقول لها: اعترضي على حكم الله. و يسكتها بنزق عصبي تعرفه و تخشاه. و في المساء أو الصباح سيتحدث عن المصاعب التي واجهها. و سيترك جانبا في الظل. و هو الجانب الذي تحوم حوله شكوكها و تصدق دائما. شكوكها التي تقول أنه شرب و سكر و نام. و سنعرف نحن حين نكبر هذا الثالوث المصائبي للأب الذي يشرب حيثما تسنى له. و يسكر كلما شرب. و ينام في أي مكان. و لو في الفلاة أو الخمارة. تاركا نفسه و ما معه لرحمة المارة و العابثين و المخمورين.
هذا الأب الطيب الذي لا يتكلم في فضول. و لا يسأل عن طعام أو كساء. و يجابه الموت بما يشبه انتفاء حاسة الخوف. و يرفض الضيم باندفاع من لا يحسب حسابا للعواقب. يهون في حال السكر. يصبح رخوا كقطن أمام زجاجة عرق. و ضعيفا محكوما بشهوته أمام امرأة.
⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️
و لقد هزتني نجاة الأم على يد تلك الأرملة حين سمعت قصتها للمرة الأولى. أيقظت فيّ بقايا صور هاجعة. فتحت عيني على هاوية العدم التي كنا منها على الشفير. و على المجاعة التي حملت الوباء إلى البلدة. و الكارثة التي سببها الحرير الهندي. و الهجرة التي تلتها. و الحقول الجرد. و الأشجار المقطوعة. و الأسر النازحة. و رياح الشتاء و ظلماته و أمطاره و وحوله و برده و خوفه.
⭐️⭐️⭐️⭐️⭐️
عائلة في مهب الريح. شجرة قلعت من أرضها. و جذورها المعرضة للهاجرة جفت. الغربة ليست وطنا. و الصفصاف لا ينمو في الصحراء. كنا صفصافة في صحراء. الغبار الأحمر مثارا بالإعصار. و الشمس الحارقة. و أم و ولدان. و أب خائب. و ريف فقير. فقير إلى درجة أن الجوع و المرض و الخرافة في كفة. و ظلم الإقطاع في كفة مقابلة. و كل فلاح يدب تحت ثقل الكفتين. يشيلهما في مشجب عصوي. على نقرته المدملة. كالقن الصيني. و ينتظر الراحة في الموت. حيث لا يستطيع سيده. بعد. أن يأمره بالنهوض و بالعمل. أو يجلده بالسوط و يعذبه بالتجويع.