رحلة في التاريخ أم في الجغرافيا، أم هي خليط من كل ذلك مضاف إليها نكهة خاصة يضيفها الكاتب على موضوعاته ويجملها أسلوبه الفني الرائع. وطني السودان مختصر لكنه غني لتاريخ بلد وشعب يمثله الرجال الطيبون، الذين أهداهم المؤلف كتابه هذا. يرسم المؤلف لوحة، أي لوحة! فالانتماء، إلى هذا الوطن البعيد المنال كما يقول المؤلف أمر عسير "أن تنتمي إلى هذا الوطن البعيد المنال، ذلك أمر عسير. أن تكون سمعت زغاريد النساء في الأعراس، ورأيت انعكاسات الضوء على وجه النيل وقت الشروق ووقت الغروب". والكاتب يدين الظواهر السلبية في المجتمع السوداني إذ حيل بين عدد كبر من الرجال والنساء وبين خدمة وطنهم وهم في ذروة العمر. فهمناك ضباط في الجيش قتلوا، أو سجنوا، أو أحيلوا للتقاعد. واضطر عدد هائل من أساتذة الجامعات إلى الهجرة شرقاً وغرباً. والسبب في كل ذلك هو "الزعماء النجباء الأذكياء، الأغبياء الذين يتوهمون أن إرادة الله قد اختارتهم ليكتبوا الصيغة النهائية في سفر التكوين". وطني السودان يطرح هموم وطن شغف الجميع حباً به لأنهم وجدوا فيه وفي أهله ذلك الشيء النادر.
الناشر: يزعم بعض الإنجليز أن مفردات لغتهم مصادرها ثلاثة: الإنجيل وشكسبير ولعبة الكركت. من بين مصطلحات لعبة الكركت: "All Rounder" وتعني اللاعب "الشامل" وتطلق على اللاعب المكتمل اللياقة والذي يجيد اللعب بمهارة في كل موقع.
الطيب صالح -في رأيي- كاتب "شامل" مكنته ثقافته العميقة والمتنوعة وإطلاعه الواسع باللغتين العربية والإنجليزية على علوم اللغة، والفقه، والفلسفة، والسياسة، وعلم النفس، وعلم الأجناس، والأدب، والشعر، والمسرح، والإعلام، أن يروي، ويحكي، ويخبر، ويوصف، ويحلل، ويقارن، وينقد، ويترجم بأسلوب سهل عذب ينفذ إلى الوجدان والفكر كما تشهد هذه المجموعة من "مختارات من الطيب صالح".
The Sudanese writer al-Tayyib Salih (Arabic: الطيب صالح)has been described as the "genius of the modern Arabic novel." He has lived abroad for most of his life, yet his fiction is firmly rooted in the village in which he spent his early years. His most well-known work is the modern classic Mawsim al-hijra ila’l-shamal (1967; Season of Migration to the North), which received great critical attention and brought new vitality to the Arab novel.
Salih has not been a prolific writer; his early work, including Season of Migration to the North, remains the best of his oeuvre. He has received critical acclaim in both the west and the east. In Sudan he is without rival, and his writing has played a considerable part in drawing attention to Sudanese literature. Arabic literature has been dominated by social criticism, social realism, and committed literature depicting the bitter realities of life; Salih managed to break with this trend and return to the roots of his culture, capturing the mystery, magic, humor, sorrows, and celebrations of rural life and popular religion.
الطيب صالح أديب عربي من السودان ولد عام (1348هـ - 1929م ) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها. عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم, وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم. سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته, وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية. تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية فعدا عن خبرة قصيرة في إدارة مدرسة، عمل الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية, وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها. عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية "موسم الهجرة إلى الشمال". كتب العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى».. تعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم .. وقد حصلت على العديد من الجوائز .. وقد نشرت لأول مرة في اواخر الستينات من القرن ال-20 في بيروت وتم تتويجه ك"عبقري الادب العربي". في عام 2001 تم الاعتراف بكتابه على يد الاكاديميا العربية في دمشق على انه "الرواية العربية الأفضل في القرن ال-20.) أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصير
عشانك بقاتل الريح ،، عشانك فؤادي جريح ،، عشانك أنا مقتول ،، وبموت مقتول عشانك أنا يا بلد ،، يا نيل ،، يا ليل ،، يا سمح ،، يا زين بلدي يا حبوب يا أبو جلابية وتوب ،، وسروال ومركوب ،، وجبة وسديري ،، وسيف وسكين .. يا سمح ،، يا زين ...
لم أجد أجمل من هذه الكلمات لأبدأ بها هذه التدوينة وهي لمن يجهلها من السودانيين وغيرهم فمن كلمات الشاعر السوداني : سيد أحمد الحردلو ،، وغناء الرائع : محمد وردي رحمهما الله .. فلا أجمل من هكذا تغني ببلاد ممتدة تتعدد فيها الأجناس والقبائل ..
وقع اختياري الأسبوع الماضي على أحد كتب الطيب صالح رحمه الله وقد صادف ذلك ذكرى وفاته الرابعة في الثامن عشر من فبراير وهو كتاب " وطني السودان " وهو الكتاب رقم 7 في سلسلة مختارات والتي تحتوي على 10 كتب تم نشرها في عامي 2004 و 2005 . وهو كتابي الأول الذي أقرؤهـ للطيب صالح ولا أدري ما الذي أخرني عن القراءة له . الطيب صالح رحمه الله ذلك الأديب الذائع الصيت والمعروف بـ " عبقري الرواية العربية " لهو فخر لنا نحن السودانيين خاصةً وللعرب عامةً وقد نشرت أولى روايته الشهيرة " موسم الهجرة إلى الشمال " في عام 1966 م في البدء في مجلة ثم في كتاب مستقل وسرعان ما اشتهرت واختيرت لاحقا كواحدة من أفضل روايات القرن العشرين وترجمت إلى العديد من اللغات كما حولت إلى فلم سينمائي . ثم تبعها بعدة سنوات بعض الأعمال الروائية والمجموعات القصصية : كدومة ود حامد ، عرس الزين ، مريود وغيرها ..
يبدأ الطيب صالح رحلته في هذا الكتاب حيث صالة المغادرة " مطار الخرطوم " قائلا : " إنني لا أدري لماذا أنا حزين في هذا المكان " ومعبراً عن حبه وحزنه وسخطه من الأوضاع في آنٍ واحد بعبارة " يدهمني الحزن لأن هذه الصالة الرثة ، في هذا المطار القمئ ، في هذه المدينة المهملة ، في هذا الوطن الحبيب اللعين " و "أن تنتمي إلى هذا الوطن البعيد المنال ، ذلك أمر عسير . أن تكون سمعت زغاريد النساء في الأعراس ، ورأيت انعكاسات الضوء على وجه النيل وقت الشروق ووقت الغروب ، أن تتذكر مذاق تمر " القنديل " أول الموسم ولبن البقر الغريض ، ورغوته معقودة عليه في " الحلابات ، ذلك أمر عسير " .. يحمل السودان في قلبه ويسافر .. حيث ترك العمل في الإذاعة السودانية إلى قطر حيث وزارة الإعلام واشتغل هناك فترة حتى إنتقل بعد ذلك إلى منظمة اليونسكو بباريس ..وكان في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن قبل أن يعود إلى السودان ويعمل في الإذاعة السودانية ..
في كتابه ينتقل بنا بداية من تعجبه حول اسم السودان والتي كانت تعرف قديما بـ " سنّار " ،، يعود بنا للخلف أحيانا في لمحات سريعة تحكي عن تاريخ السودان ابتداء بالإمام المهدي واستعمار الانجليز ،، ومن ثم عهد جعفر نميري حيث وصفه بالقول " ألبسوه الطاقية ذات القرنين وأجلسوه على العرش ، زغردت له النساء وغنى له المغنون ، وقد بدا له أن الأمر قد استتب له وأنه مخلد في الأرض " ومن جاء بعده لم يكن بأحسن حالا منه ويبدو أنها صفة يكتسبها من يجلس على كرسي الرئاسة" كل يجئ بخيله وخيلائه ينادي بالإصلاح ثم يذهب ، فهم يذهبون ثلة ثلة طال الزمن أو قصر وتتلفت حولك فلا تجد إلا الخراب " كما تحدث عن الصادق المهدي و حكومة الإنقاذ .. وبين كل هذا لم ينسى أولئك الذين وضعو بصمة في حياته بشكل خاص والسودانيين بشكل عام من أمثال الشاعر والصديق : صلاح أحمد إبراهيم وهو القائل " بالله يا نجوم كيف حال إخوتي ؟ وكيف حال رفقتي ، وكيف حال شعبي العظيم ؟ شعبي الذي أحببته حب الذي عشقا . كيف تراه الآن هل تراه بات جفنه مؤرقا ؟ وهل تراه بات حبل شمله ممزقا ؟ وهل تراه بات في السجن القوا ومرهقا ؟ وهل تراه واجه النيران مثل يوم ( كرري ) فاحترقا ؟ " ... ويقول الطيب في رثاءه " ما أوسع الحزن وما أضيق الكلمات " .. وتتضمن الكتاب أيضا بعض المواقف التي واجهته في أثناء إقامته في قطر أو سفراته المتعددة من رفقاءه السودانيين ومواقف أخرى من الأجانب ونظرتهم تجاه السودان . وختم الكتاب بذكر الأحوال المضطربة في السودان عن الصراع الناتج بين الشمال والجنوب .. ولو أنه رأى ما آل إليه الحال الآن والخريطة لصعق !!
أبهرني الطيب بلغته البسيطة باستشهاداته من الشعر العربي والأمثال الشعبية وكما لم يخلو من معرفته بالأدب الانجليزي وأمثالهم .. أبهرني كذلك بحديثه عن كل هذا القدر من التاريخ في هذه الصفحات بتلك البساطة متنقلا بين المشاهد التاريخية قديمها وحديثها بسلاسة مدهشة .. وحتما سأقرأ له المزيد . أحزنني أنني أجهل الكثير عن وطني السودان .. وأستشهد بقوله " أهـ ، أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن ،، لو صدق العزم وطابت النفوس وقل الكلام وزاد العمل "
بعض الاقتباسات :
~ زاد الكلام عن الإسلام ، كثرت المساجد وضعف الإيمان / زادت المدارس وعم الجهل !
~ أيهما أفضل المستعمر الغاضب العادل ؟ أم الحاكم - الوطني - ابن البلد وهو ظلوم غشوم !
~ الاستعمار مثل مسرحيات شكسبير حيث يختلط الخير والشر بصورة متميزة !
~ كل هذه الأشياء الصغيرة أم الكبيرة التي تكبل الإنسان بقيود يشتد وثاقها يوم بعد يوم وتجعله يصمت حين يجب عليه أن يصرخ !
~ وكان الشعب مثل جمهور صامت ،، ينظر ويتعجب !
~ الأوطان لا يبينها رجل واحد ولا حفنة رجال مهما بلغ بهم الإلهام والعبقرية ولكن يبنيها مئات الآلاف من الرجال والنساء ناس أحرار في وطن حر !
~ هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالو يحلمون أن يقيمو على جثة السودان المسكين خلافة إسلامية!
~ يكون من سخرية الأمور أن حكما جاء يدعو إلى إصلاح الضمائر والنفوس يمخض أوضاعا اقتصادية قاسية تشجع على خراب النفوس !
وأخيراً
~ الأوطان هي التي تبقى وأن الهدف يجب أن يكون بقاء الوطن وليس بقاء أي حكم أو نظام !
عثرت علي الكتاب بعد عناء طويل في مدينة الخرطوم في معرض الكتاب (مفروش) وأيضا مع بقية مختارات الطيب صالح إلا أنني أخترت وطني السودان من بقية مختاراته وكانت بالفعل تستحق عناء الإنتظار .
الكتاب يحتوي علي كتابات للطيب صالح بعضها يعرض فيه مواقف سياسية والبعض يتكون من لمحات تاريخيه و يسردها بشكل مبسط وجميل كعادته
أكثر ماأعجبني أن الأفكار التي يحملها الطيب صالح للوطن في أفكار إتجاه الوطن الذي أعيش فيه الأن ,يقول الطيب صالح (الأوطان هي التي تبقى وأن الهدف يجب أن يكون بقاء الوطن وليس بقاء أي حكم أو نظام) ولكن مشكلتنا نحن أن الوطن والشعب هدفهم بقاء النظام , ويقول إيضاً “من سخرية الأمور أن حكما جاء يدعو إلى إصلاح الضمائر والنفوس يمخض اوضاعا اقتصادية قاسية تشجع على خراب النفوس ” ولسان حالنا يقول كما قاله العبقري الطيب صالح من قبل :
من أين أتى هؤلاء؟
*** السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب ؟ هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنّازحين ؟ يريدون الهرب الى أيّ مكان ، فذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم . كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين . يُعلَن عن قيام الطائرات ولا تقوم . لا أحد يكلّمهم . لا أحد يهمّه أمرهم . هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى ؟ وعن الأمن والناس في ذُعر ؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب ؟ الخرطوم الجميلة مثل طفلة يُنِيمونها عُنوةً ويغلقون عليها الباب ، تنام منذ العاشرة ، تنام باكية في ثيابها البالية ، لا حركة في الطرقات . لا أضواء من نوافذ البيوت . لا فرحٌ في القلوب . لا ضحك في الحناجر . لا ماء ، لا خُبز ، لاسُكّر ، لا بنزين ، لا دواء . الأمن مستتب كما يهدأ الموتى . نهر النيل الصبور يسير سيره الحكيم ، ويعزف لحنه القديم " السادة " الجدد لايسمعون ولا يفهمون . يظنّون أنّهم وجدوا مفاتيح المستقبل . يعرفون الحلول . موقنون من كل شيئ . يزحمون شاشات التلفزيون ومكرفونات الإذاعة . يقولون كلاماً ميِّتاً في بلدٍ حيٍّ في حقيقته ولكنّهم يريدون قتله حتى يستتب الأم مِن أين جاء هؤلاء النّاس ؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات ؟ أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب ؟ أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط ؟ أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد ، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي و المصطفى ؟ أما قرأوا شعر العباس والمجذوب ؟ أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة ، ألا يحبّون الوطن كما نحبّه ؟ إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه ؟ أجلس هنا بين قوم أحرار في بلد حرٍّ ، أحسّ البرد في عظامي واليوم ليس بارداً . أنتمي الى أمّة مقهورة ودولة تافهة . أنظر إليهم يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء ، ولو كان أمثال هؤلاء عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق . من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات ، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات ؟ هل حرائر النساء من " سودري " و " حمرة الوز " و " حمرة الشيخ " ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم ؟ هل ما زال أهل الجنوب ينزحون الى الشمال وأهل الشمال يهربون الى أي بلد يقبلهم ؟ هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب ؟ من أين جاء هؤلاء الناس ؟ بل - مَن هؤلاء الناس ؟
وطني السودان هو الكتاب رقم 7 في سلسلة مختارات للطيب صالح فكان من مقتنياتي لهذا العام من معرض الكتاب .. بالنسبة لوطني السودان فهو أول كتاب أقروؤه للطيب صالح بعد أن قرأت قليلا من موسم الهجرة الى الشمال منذ زمن بعيد ولم أعد إليها ربما أعود لاستكمالها في وقت آخر وزمن آخر وقد لا أعود ..
أجد في هذه الصورة ملخصاً جميلا للكتاب لأنها تلهمني وتجعلني أسترجع ذكريات قليلة لكنها جميلة ... الحمامة شديدة البياض والنخلة المائلة والنيل الجميل تجعلها صورة التقطت للتأمل لا غير .... الكتاب عبارة عن مقالات بعضها سياسي عن الحمكاء والظلم وبعضها اجتماعي واقعي وبعضها قد يكون عبارة عن مذكرات كتبها في مطار الخرطوم أثناء سفره كما في أُولى مقالاته ... لغة الطيب صالح سلسة بسيطة وعلى الرغم من ذلك تجعلك تتأمل فيها وتقف كثيرا في بعض جملها .. الجميل أني تعرفت على معلومات جديدة لم أكن أعرفها من قبل مثل أن السودان قديما كان يُسمى بـ "سِنّارْ" وكان السناريون معروفين في العالم الاسلامي شرقا وغربا وكان لهم وقف في المدينة المنورة والازهر الشريف وهداياهم تذهب كل عام في محمل عظيم الى مكة المكرمة ... ومعلومات تستحق المعرفة عن مدينة سواكن بورسودان حالياًفقد كانت مدينة عربية اسلامية عريقة دامت لأكثر من ألف عام وكان فيها خليطا من الثقافات والأجناس فأهلها كانوا خليطاً من سودانيي الشرق والداخل واليمنيين والحجازيين والمصريين والشوام والكثير وكانوا يتوافدون اليها طلباً للرزق ونتيجة لذلك الخليط الجميل فقد نشأت حضارة جميلة جذابة ... والكثر من المعلومات التاريخية والسياسية والاجتماعية عن السودان قديماً .. نظراً لأني قرأت الكتاب في أوقات انشغالي وفي فترات متقطعة فقد لا أكون قد وفيت وكفيت في التلخيص لذلك سأحتاج الى قراءته مرة أخرى وربما أكتب ريفيو آخر ... الخلاصة أننا نملك كنز يدعى السودان إذا أُحسِن استغلاله ...
بعض الاقتباسات التي أعجبتني : أن تنتمي الى هذا الوطن البعيد المنال ذلك أمر عسير أن تكون قد سمعت زغاريد النساء في الأعراس ورأيت انعكاسات الضوء على وجه النيل وقت الشروق ووقت الغروب . أن تتذكر مذاق تمر "القُنْديل" أول الموسم ولبن البقر الغريض ورغوته معقودة عليه في الحلابات ذلك أمر عسير .
وهؤلاء الزعماء النجباء الأذكياء الأغبياء ألا يحبون الوطن كما تحبه أنت ؟ بلى إذاً لماذا يحبونه وكأنهم يكرهونه ويسعون إلى إعماره وكأنهم مسخرون لخرابه ؟.
تنتظر وفي خيالك ذلك النسيم الذي يلاحقك من وادي النيل يحمل عطراً لن ينضب ما دمت حياً .
هؤلاء أناس أحرار في بلد حر كل واحد واثق من نفسه وواثق من انتمائه لوطنه مؤمن بأهمية العمل الذي يقوم به لا يحس أنه أقل من الوزراء أو رئيس الوزراء . " عن بريطانيا "
الأوطان لا يبنيها رجل واحد ولا حفنة رجال مهما بلغ منهم الإلهام والعبقرية ولكن يبنيها مئات الآلاف من الرجال والنساء .
هل السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان أم أنهم حجبوها بالأكاذيب ؟
تاريخ القراءة الأصلي : ٢٠٠٥ عاش الطيب صالح غالبية حياته في العاصمة البريطانية منذ نهاية الأربعينات، ولكنه عندما يعود إلى وطنه السودان فإنه يعود عودة العارف بالتفاصيل، والعاشق للجمال، والخبير بالطباع. هذا كتاب عظيم في فن الكتابة الأدبية عن الوطن. وفيه يرتحل الطيب في ثنايا تاريخ وجغرافيا وشخوص وزعامات ونساء وجامعات وقصائد وحقول السودان ولأن الطيب حكيم من حكماء العرب فهو حريص على أن لا يرتكب خطيئة المجاملة، ويظهر هذا في نقده الصارم للإسلاميين الذين تولوا حكم السودان منذ أواخر الثمانينات..يستحق القراءة حيث ستلمس وجها مختلفا للطيب صالح بعيدا عن فنه الروائي أو حتى كتبه النثرية المختلفة..يكتب هنا عن وطنه بعتاب كثير وحب عظيم ومعرفة وحكمة مشفقة
إن اسم هذه المقالات المتفرقة اسمٌ أختير بعناية، فبعد أن تقرأ - كسوداني- ما كتب عن الخرطوم وضجيج مطارات الوداع وحال النخب السودانية في بداية عهد الإنقاذ، تقرأها وأنت الآن تعايش واقعا مماثلا هو الأسوأ بلا شك، وبعد أن تقرأها ستعرف يقينا أن هذا هو وطنك، بكل ما تحضره هذه الكلمة من مشاعر متناقصة في قلبك وقلوب كل أبنائه. في حقيقة الأمر أجدني ممتنة جداً للطيب صالح، لكتابته وتأريخه لأحداث بهذه الطريقة ما كنت لأجدها إلا عنده، هو الشاهد على عصرها وهو الملاحظ بدقة للعاملين في المشهد جميعهم. يمكنني أن أقرأ آلاف المقالات من هذا النوع ومن هذه الروح العبقرية الفذة.
كتاب لطيف جدا. يتناول فيه الرائع الطيب صالح حال بلاده السودان في ماضيه وحاضره. مقارنا ما كان عليه وما آل إليه. ومفارقا بين إمكاناته وعبث المستعمر في أراضيه حتى غدا عاجزا عن استثمار تلك الموارد. واصفا كل ما ارتكبه زعماءه من أخطاء وصفها بالغبية. أدت بالسودانيين لترك وطنهم واللجوء إلى مكان يضمن أمنهم وعيشهم. كتاب مهم جدا تشعر خلال قراءته بتشابه واقعنا العربي بكل أقطاره
هذه الطوابير أصبحت سمة من سمات الخرطوم من وقت بعيد , طابور الخبز تقف فيه منذ منتصف الليل حتى طلوع الفجر , نساء حرائر ما كن ليقفن هذه الوقفة . طابور السكر , طابور الأحذية طوابيرالحلويات طوابير أمام السفارات للسفر للخروج للهروب للرحيل
لو قرأت المقتطف السابق لظننت لوهلة أنك تقف متململا في صف أحد الصفوف في أي بقعة من بقاع الوطن القارة أما المنتج الذي تقف في انتظاره فلا يهم ذكره لأن أيا كان ما تبتغيه فقد أصابته لعنة الصفوف الشيء الوحيد المتغير هو أننا في ساعة كتابة هذه المراجعة في العام 2019 ولسنا في القرون الوسطى
يتحدث الطيب صالح كسوداني اعيته سودانيته وأوجعته مطالعة هذا الوطن الكبير على سوء حظه لم يرزق سوى بعقول ضئيلة إن وجدت لتقود دفة الحكم في هذه البلاد المشؤومة منذ استقلالها قبل نص قرن كاملل
الله يا نجوم كيف حال إخوتي ؟ وكيف حال رفقتي ، وكيف حال شعبي العظيم ؟ شعبي الذي أحببته حب الذي عشقا . كيف تراه الآن هل تراه بات جفنه مؤرقا ؟ وهل تراه بات حبل شمله ممزقا ؟ وهل تراه بات في السجن القوا ومرهقا ؟ وهل تراه واجه النيران مثل يوم ( كرري ) فاحترقا ؟
وهاهو الطيب يعيد السؤال ولا مجيب لا زال الحال كما الحال والسودان هو السودان في معاناته وصراعه أماله وألامه وأحلامه التي لم تهتدي إليها سبيلا في سمفونية طويلة كئيبة من السجع يعزفها الطيب صالح حتى تكاد أوتار قلبك تنفتق ألما من شدة عزفه على وتر الألم الذي يعتريك بين السطور
يتحدث الطيب في كتابه عن السودان وأهله طباعهم وصفاتهم سحناتهم وضحكاتهم أفراحهم وألامهم سيخبرك عن البؤس الذي يعلوا وجوههم بينما لم تغيره السنون وعن البسمة الخجولة التي تتمرد على عنجهية الفقر وظلف المعيشة وقسوتها بينما ستغلق الكتاب لوهلة بعد مقاله الشهير من أين أتى هؤلاء
رأيت في الكتاب طيب صالحا اخر غير صالح الروائي رأيت مؤرخا وشاعرا مفوها وأديبا عالما وسياسيا منافحا منقحا ولكن أهم ما قرأته في هذا الكتاب هو طيب صالح سوداني الهوى يبدو أن سأستعيظ بما كتب هو ذات نفسه عندما خانته كلماته لتخونني أنا الأخر قائلا ما أوسع الحزن وما أضيق الكلمات
هذا الكتاب جاء لينكأ علي الجرح الذي لا ندري متي سيشفي ، لم يصدق العزم ولم تطب النفوس ولم يزد العمل. والسماء لم تعد صافية في سماء السودان فما أصبح يحدث فيها انعكس علي هواءها ،حجبت بالأكاذيب سابقاَ ولكنها الأن محجوبة بدخان القنابل والرصاص، ومطار الخرطوم لم يعد ممتلئ بالنازحين فهم أصبحوا ينزحون مشياً علي الأقدام اما المطار نفسه فقد كان أول من أصابه الدمار، لم يعد شئ كما كان إلا نهر النيل الصّبور وإن لم يعد يفيض فهو يسير سيرة الحكيم ويعزف لحنه القديم. قراءة ألمتني في ظل ما يدور في السودان الأن.
"أي وطن يمكن أن يكون هذا الوطن لو صدق العزم وطالت النفوس وقل الكلام و زاد العمل" "الاوطان لا يبنيها رجل واحد ولا حفنة رجال مهما بلغ منهم الإلهام والعبقرية ول��ن يبنيها مئات الآلاف من الرجال والنساء ."
الكتاب عبارة عن عدة مقالات للكاتب تنتمي لموضوع واحد وهو الوطن بدأ الكتاب بخواطر رائعة عن الوطن..أسلوب مميز في التعبير عن مكنونات النفس تجاه الوطن..وانتهى بسرد عن الماضي التاريخي للسودان..لا أخفيكم بأنه كان مملا بعض الشيء وذلك لجهلي بالأسماء والأحداث التي ذكرت فيه سعيدة بالتعرف على تاريخ السودان وبعض الأحداث التي كونته اليوم