تعرفنا الرواية في الفصلين الأولين بـ"البطل" خرج الأدب العربي والروائي المسرحي الانطوائي الذي يبدأ حياته العملية موظفاً في إحدى الصحف وتتوالى الفصول وتتعقد "الرواية" ويكثر الأبطال عندما تقع إحداهن (دنيا) في حب أحمد ربيع
رواية مرهقة للغاية ، ليس بسبب فكرتها ولا بسبب عدد صفحاتها ولكن بسبب كثرة الأحداث والشخصيات بها .. فواز حداد ينتقل بنا من مجرد حدث لشخص ما إلى شخصيات أخرى لديها من التفاصيل الحياتية ما يكفي لأن تشكل رواية قائمة بذاتها .. كانت هناك إطالة في بعض الأجزاء لدرجة جعلتني اتخطى صفحات دون أن يتأثر فهمي للرواية ومن ثم كان من الممكن الاستغناء عنها بسهولة طالما الفكرة يمكن إيصالها بسرد أقل دون حشو زائد .. الرواية تبين لنا الوجه القبيح السائد ف سوريا وكم الانتهزاية والفساد المنتشر ، ولولا ذكر " سوريا " ف الرواية لما علمت المكان التي تدار فيها تلك الأحداث نظراً لأن كافة الأماكن أصبحت واحدة من حيث الأشياء القبيحة والحرب بين الطبقات المختلفة .. التقييم النهائي ما بين نجمتين ونصف وثلاث نجوم بسبب الإطالة ..
يقوم الكاتب بكشف الصورة البشعة للمجتمع و إستفحال الفساد فيه بسرد قصة موظف بسيط و عدة شخصيات أخرى لا علاقة لها ببعضها للوهلة الأولى لكن نكتشف لاحقاً ترابطها, الكاتب يستعمل طريقة ساخرة و مضحكة أحياناً لوصف مشاهد و مواقف سوداوية و مأساوية ربّماً عملاً بالمقولة (شرّ البليّة ما يضحك).
بالنهاية ما الحياة في شرقنا الأوسط غير مأساة كوميدية ساخرة؟
مشهد عابر لفواز حداد.هذا هو الواقع و هذه هي الوقائع
يختار فواز حداد"قادة" النسق الثاني من رجال و نساء المجتمع السوري و يقدم بيوغرافيا منوعة و شهية و فضائحية عنهم، يقدم تفاصيله المثيرة و كانه يفتح جارورا في قبو فرع أمن و يستخرج الوثائق الواحدة بعد الأخرى و يقدمها بعد أن يعيد ترتيبها كعامل أرشيف حاذق دون مجاملة أو محاباة تخضع الشخصية بين يدي فواز حداد الى المرور البطىء في جهاز المسح الطبقي المحوري مصورا كل خلجة أو وجيب في شخصياته، و قد تصاب بحيرة و أنت تقرأ هذه التفاصيل هل يقوم حداد بتفتيت هذه الشخصية أم يقوم بتركيبها ثانية.
محقق، قاض، فنانة مشهورة، مدير مؤسسة "وطينة" ضخمة، أولادهم زوجاتهم و نماذج اخرى ينضدها فواز جابر في فصول روايته، و يبدأ من حيث يجب أن يبدأ مسرح صغير في شارع جانبي يحمل اسما براقا، يجلس الناقد المسرحي شبه المتقاعد ليشاعد عرضا مسرحيا، تتصاعد أحداث المسرحية و تخبو فوق الخشبة لتبدأ فصول من مسرحية أخرى تبدو هي المسرحية الحقيقة التي يحياها أحمد الشخصية القلقلة المتمسكة بوهم الحقيقة، ليبدأ من مقعدة في مسرح ابو خليل القباني رحلة تمر أمامه فيها شخصيات مجتمعية هامه تتكشف أمامه تلافيفها الدودية بعد أن تنكسر قشرتها الخارجية شديدة الصلابة.
الناقد المسرحي يجد نفسه متهما تهمة خطيرة هي التغرير بقاصر و أغتصابها، يستعمل الناقد خبرته في تفتيت النصوص ليحصل على البراءة و لكنه يكتشف أن الأمر أصعب مما يعتقد، رجل الشرطة متواطىء و المحقق متواطىء و المحاضر جاهزة و موقعة و السجن يفتح شدقية بفرح يريد إبتلاعة، وهم الحقيقة الذي يغشي عيني أحمد يدفعة لرجاء العدالة من المحكمة ليكتشف أن المحكمة شيء و العدالة شيء آخر الفرق بينهما يكمن في "كم" القاضي، الكم الفضفاض الذي يشبه كم السحرة الذين يخرجون الأرانب و الأفاعي و طيور الحمام، و تتسع الدائرة التي كشفت القاضي ذو الشخصية الصلدة المعتمدة على تاريخ "مجيد" من الولاء، لتشمل الفنانة الشهيرة التي تقدم خدمات غير فنيه و المفاجأة الصاعقة أن الضحية التي وقع عليها الجرم ليست سوى مسنن آخر في عجلة هذا المجتمع الملىء بالشروخ.
المغتصب الحقيقي شخصية مهمة أخرى حصلت على لقب "في أي بي" عبر نفس القناة تاريخ "مشرف" من الولاء، فَتُركت تمارس رياضات عنيفة مع المجتمع، و عبثت في كل مرفق من مرافقه بمنطق الملكية الخاصة، و عندما غرقت هذه الشخصية في غيبوبة غياب العقل جربت العبث بطريقة أخرى فجرى اللقاء المثير بين الشخصية ذات التاريخ المجيد و الحاضرالملبد مع "القاصر"، القاصر التي تنطبق عليها معايير المجتمع الذي يتحدث عنه فواز حداد قصورها هو قصور مجتمعي و ليس تكويني تورم ظاهري و أنتباج قد يحسبة الساذج صحة و هو في حقيقة الأمر داءا، رغم رضا الطرفين عن العلاقة إلا أنها تبدو مسخا يموج بالبذائه في تعبير آخر أو يافطة داخلية يضع فواز حداد تحتها عشرات الخطوط لتقرأ بعناية.
بذاءة العلاقة تنشر رائحة كريهة تلفح المكان و المحكمة،يخرج الناقد بريئا بمصادفة لا تحصل في مجتمع أبطاله من هذا النوع و لكنه يخرج ليبحث عن "الحقيقة"، و كضال محترف يبحث عنها في اي مكان فيعثر على المزيد من العاهات المتناثرة في جنبات المجتمع أولاد الجادور و أم راما و زوجها، و حتى الشخص الذي يفترض أن يكون سندا في كشف الحقيقة يظهر على شكل منحط صغير رغم أنه كان ضحية لمنحط آخر و لكن منحطا من عينه أخرى ينقذه. تبدأ الحكاية في مسرح و تنتهي في ذات المسرح يجلس الناقد السابق و قد أضاف لخبرته في تشريح الدراما المسرحية معرفة إضافية واقعية تقول بأن العدوى منتشره في أرجاء المكان و يلخص "الراوي" وجهة نظر البطل الناقد ببضع كلمات في آخر صفحة من صفحات الرواية تقول "يعرف بأن ليس هناك نفقا و لا ضوءا". و يبقى الستار مفتوحا على وهج هذه الكلمات.
لا توجد تقاطعات رئيسية بين الشخصيات فلكل واحدة مضمارها الخاص ،و لكنها متراصة بقوة و مترادفة مشكلة نسيجا "قويا" من نوع خاص تكاتفها غير المعلن يجعلها تطفو على السطح ناشرة جوا معرفيا و تنمويا محددا تعطي المجتمع شكله الظاهري اللامع و مَقدره على إخفاء الشروخ الكثيرة الكامنه فيه، لا تبدو هذه الشروخ قادرة على هدمه و لكنها قادرة على قيادته ليسير بإتجاه معين قد يؤدي الى جرف صخري حاد بمعنى أن الإنهيار سيكون مفجأا و عنيفا، تخفي هذه الطبقة نفسها بخبث خلف طبقة آخرى منفصلة عنها و مخالفة لها بالشكل التطوري بمعناه الدارويني، وظيفة تلك الطبقة الحفاظ على هدوىء الشوارع أطول فترة ممكنة و على تماسك االبلاد و كذلك على إتساق نغمات الأناشيد الوطنيه، لم تقترب الرواية من تلك الطبقة العليا و أكتفت بتلميح بسيط على وجودها. و كأن الكاتب يضع عليها لوما من نوع آخر.
مشهد عابر سرد مزركش بالسخرية، سخرية مزاجية وزعها الكاتب بدون قانون، عرض فيها تشكيلا مجتمعيا دون تدخل منه في عرض أسباب هذا النوع من النمو أكتفى بالعرض التفصيلي و كان وفيا "كمخبر"، وضعنا في أدق تفاصيل الصورة و أخبرنا بأن شهادات الدكتواره الصادرة من الجامعات الفرنسية و التربية الريفية البسيطة تتكافىء في هذا المجتمع فتنتج نفس "الخبث" البركاني الطافي على السطح، راقب فواز حداد مخلوقاته "تعيث"، و ألتقط لها صورا و هي تعيش، و في وسط السخرية كان شديد السوداوية عندما أختفت من الرواية شخصيات متزنه تعي ماذا يحدث و حتى الناقد البطل تحول في مراحل كثيرة الى مجرد دونكيشوت ما لبث أن تحول عن أحلامه و بصم بالعشرة لكاتب الرواية و قد رددا معا بنفس واحد "لا يوجد نفق و لا يوجد ضوء"، بمعنى لا يوجد مشكلة هها هو الواقع و هذه هي الوقائع.
■ وحيد حامد كان قال مرة إنه بيضطر يزود جرعة المشاهد والألفاظ الخارجة في الفيلم ويعمل حاجات كتير بيبقي عارف إنها هتعمل عركة مع الرقابة بس عشان تبقي العركة مركزة مع المشاهد الأبيحة والكلام الخارج والشخصيات ، وفي نفس الوقت يعرف يعدي رسائل سياسية واجتماعية ونقدية ومشاهد كاملة في مقابل اللي بيتحذف ، حيلة ذكية في زمن كان لسه في صانع سينما بيعرف يتحايل ع النظام ويستغل ثغرات وهامش حرية محدود إنه يقول حاجة للتاريخ والمستقبل ، اتفق بقي أو اختلف مع الرسايل دي بس متنكرش إنه الراجل عمل ده بنجاح منقطع النظير علي مدار سنين طويلة قوي لدرجة أحيانا كنت تحس إنه بيعمل أفلام كاملة تافهة وسخيفة وملهاش لزمة عشان بس يحط مشهد كده في النص ولا جملة حلوة ولا انتقاد عابر هييجي ناس بعد سنين طويلة من عرض الفيلم يعملوه ريلز علي الفيسبوك او انستجرام
■ هنا نفس المنطق تقريبا ، الرواية المفروض بتحكي عن ناقد مسرحي بيلاقي نفسه متورط في قضية اغتصاب قاصر ، وقصة تبدو لأول وهلة اجتماعية بايخة ، بس بتلاقي نفسك فجأة وسط مجموعة متنوعة ومختلفة من الحكايات المنفصلة المتصلة بخيط واهي ماسكة المجتمع السوري من أول رئيس الجمهورية لحد أصغر قوّاد واقف علي باب أحقر كباريه وأصغر مهرب موجود في أبعد نقطة ع الحدود ، اشتباك عام مع التاريخ والجغرافيا ونقد لاذع ودقيق بيقول إنه صاحبه يا مطّلع علي اللي بيحصل من مصادر داخل النظام ، يا مركز معاهم قوي من سنين فاتت ، يا قارئ عتيد في مصادر لاتحصي ومتابع جيد للأحداث اليومية بتفاصيلها اللي بتتنشر في الجرايد متقطعة وعلي فترات طويلة ، أحيانا بيبقي في قضية بتشغل الرأي العام وبتموت بتقادم الوقت وظهور قضايا تانية وبتتختم بسطرين جانبيين في الجرايد ، ومش دايما بتلاقي الناس مركزة مع قفلات الحواديت اللي كانت بتتفتح زمان ، دلوقتي ثقافة الترند خلت الناس مش ملاحقة ع الجديد عشان تبقي مهتمة أصلا بالقديم أو بتقفيل الحواديت أصلا
■ الرواية دي كانت الفرصة الأخيرة ليا مع فواز حداد وكنت ناوي أبطّل لانه كل اللي قرأته ليه حتي لو فيه فكرة حلوة وأسلوب ممتاز مكنش علي قدر رواية السوريون الأعداء ، هنا الرواية موضوعها جيد جدا ، لغتها سهلة رغم حشر كتير من المصطلحات والشتايم والالفاظ الخارجة بالعامية السورية ، ورغم العدد الكبير من الشخصيات والحكايات اللي بتدور حوالين القضية بتاعة الناقد المسرحي ، ورغم بعض الصفحات اللي كان فيها شوية فلسفة وحوارات مع النفس كده إلا إنها كانت ممتعة جدا وقررت أكمل باقي أعماله يوما ما يعني
سبر لعوالم أصحاب النفوذ في سوريا في أوائل القرن بطريقة سردية لاتخلو من السخرية. قصص لطالما سمعنا عنها أو عايشناها لكن لم يخطر ببالنا أن تقوم بدور البطولة في رواية فنية لكثرة ما تحمله من دناءة أشخاصها. هي عدة روايات عن اشخاص عاشو في خلفية مسرح الحياة السوري ولكن كان لهم الأدوار الرئيسية في كل تفاصيل هذه الحياة.