إن الكلام عن عبقرية الإنسانية الممثلة بابن خلدون وعن رسالته في تاريخ العالم ومظاهر عظمته فيما خلّفه من آثار وبصمات في عقول العلماء وخاصة في مقدمته، التي نقلب صفحاتها، والتي أنشأ فيها علماً جديداً وهو ما يسمى الآن علم الاجتماع أو السوسيولوجيا وأتى فيها بما لم يستطع أحد من قبله أن يأتي بمثله، بل عجز كثير ممن جاء بعده من الأئمة والباحثين وعلم الاجتماع أن يصلوا إلى رتبته. وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على رسوخ قدمه في كثير من العلوم، حتى لم يغادره فرع من فروع المعرفة إلا ألمّ به ووقف على كنهه. وتتوضح نقاط المقدمة الأساسية في عنوانها، فهي بحث تمهيدي للمعالجات الواسعة التي ضمتها مؤلفات ابن خلدون اللاحقة، أي أنها تقع بالنسبة للعمل قبل المقاطع الأخرى بل تتعلل أولوياتها بشكل أساسي بالنتيجة المنطقية التي تتركها على بنية البحث التالي ذاتها. وهذا يفترض فيها مبتدأ في النحو لأي خبر، والواقع أن التاريخ هو خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم.
فلقد استهلّ ابن خلدون كتابته بموضوع علم العمران وفي الوقت ذاته يستمد من هذا العرض الذاتي الموضوع الذي تتوجه المقدمة بأسرها تجاهه وهو الملك، فعلى البشر الاجتماع كي يكون باستطاعتهم تأمين ضرورياتهم من طعامهم وشرابهم والدفاع عن أنفسهم ضد وحوش الفلاة ثم إن تشكل التجمعات البشرية يفسح المجال لإمكانية زراعة المحاصيل وصناعة الأسلحة، لذا فإن الحياة البشرية نوعاً من المحال دون اجتماع البشر.
وبطريقة التسلسل المنطقي يتكلم ابن خلدون أن التاريخ يتضمن تسلسلاً نصياً بين اللاحق على السابق. إنه يبدأ بالحديث عن الشروط التي تضع أحداث التاريخ من ثمَّ يقوم بسرد أحداثه، وهذا ما دفعه لطرح مشكلة التاريخ بالدرجة الأولى. إنه يقوم بدور المعيار الذي تُقوّمُ وفقه الأخبار التاريخية المتوارثة من الماضي، مع الاتجاه لتأكيد معقوليتها أو عدم معقوليتها
Ibn Khaldūn ابن خلدون (full name, Arabic: أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي, Abū Zayd ‘Abdu r-Raḥmān bin Muḥammad bin Khaldūn Al-Ḥaḍrami; May 27, 1332 AD/732 AH – March 19, 1406 AD/808 AH) was an Arab Muslim historiographer and historian, regarded to be among the founding fathers of modern historiography, sociology and economics.
He is best known for his book The Muqaddimah (known as Prolegomena in Greek). The book influenced 17th-century Ottoman historians like Ḥajjī Khalīfa and Mustafa Naima who used the theories in the book to analyze the growth and decline of the Ottoman Empire.[2] 19th-century European scholars also acknowledged the significance of the book and considered Ibn Khaldun as one of the greatest philosophers to come out of the Muslim world.
ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي مؤسس علم الاجتماع ومؤرخ مسلم من إفريقية في عهد الحفصيين وهي تونس حالياً ترك تراثاً مازال تأثيره ممتداً حتى اليوم.
ولد ابن خلدون في تونس عام بالدار الكائنة بنهج تربة الباي رقم 34. أسرة ابن خلدون أسرة علم وأدب فقد حفظ القرآن الكريم في طفولته وكان أبوه هو معلمه الأول. شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ نزح أهله من الأندلس في منتصف القرن السابع الهجري، وتوجهوا إلى تونس وكان قدوم عائلته إلى تونس خلال حكم دولة الحفصيين.
في حديثه عن الصناعات عموماً كان عظيماً فلم يترك شيئاً لم يتحدث عنه ، ولم يترك صناعة إلا وكان ملمّا بأسسها كالتوليد مثلاً فقد أخذ يشرح فيها الطلق ومعناه وأحوال خروج الجنين كان عظيماً حقا وإن كانت لدي تحفظات على ما انتقد به ابن سينا وحديثه عن علاقة الغذاء بالطب والصحة كان شيقاًً ممتعاً
وأعجبت كثيراً بحديثه عن علم الموسيقى وصناعتها ولنبين لك السبب في اللذة الناشئة عن الغناء وذلك أن اللذة كما تقرر في موضعه هي إدراك الملائم والمحسوس إنما تدرك منه كيفية فإذا كانت مناسبة للمدرك وملائمة كانت ملذوذة وإذا كانت منافية له منافرة كانت مؤلمة فالملائم من الطعوم ما ناسبت كيفيته حاسة الذوق في مزاجها وكذا الملائم من الملموسات وفي الروائح ما ناسب مزاج الروح القلبي البخاري لأنه المدرك وإليه تؤديه الحاسة ولهذا كانت الرياحين والأزهار العطريات أحسن رائحة وأشد ملاءمة للروح لغلبة الحرارة فيها التي هي مزاج الروح القلبي وأما المرئيات والمسموعات فالملائم فيها تناسب الأوضاع في أشكالها وكيفياتها فهو أنسب عند النفس وأشد ملاءمة لها فإذا كان المربي متناسبا في أشكاله وتخاطيطه التي له بحسب مادته بحيث لا يخرج عما تقتضيه مادته الخاصة من كمال المناسبة والوضع وذلك هو معنى الجمال والحسن في كل مدرك كان ذلك حينئذ مناسبا للنفس المدركة فتلتذ بإدراك ملائمها
وأعجبت بتفتح مداركه الواضح وهو ينقل عن الأئمة ما يتعلق بالتلحين في قراءة القرآن ومعناه الحقيقي
ثانياً ملخص المجلد الثالث
تعقيب عما سبق تقديمه من الباب السادس
أما عن مراتب الفكر الإنساني فهي 1- العقل التمييزي وهو أول العقل وهو الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان، وبه يبدأ العلم وظيفته الأساسية هي تنظيم أفعال الإنسان وجعلها تقع في مواقعها من الظروف وهي تحصل بمدارك الحس والأفئدة التي هي الفكر يقول ابن خلدون تعقل الأمور المرتبة في الخارج ترتيباً طبيعياً أو وضعياً ليقصد إيقاعها بقدرته وهذا الفكر أكثره تصورات وهو العقل التمييزي الذي يحصل منافعه ومعاشه ويدفع مضاره
العقل التجريبي فهو العقل المرتبط بالتجربة في الحياة اليومية وظيفته اقتناص العلم علم ما هو صالح وعلم ما هو فاسد ويكون ذلك باستفادة المرء ذلك من أبناء جنسه فيقول الفكر الذي يفيد الآراء والآداب في معاملة أبناء جنسه وسياستهم وأكثرها تصديقات تحصل بالتجربة شيئاً فشيئاًإلى أن تتم الفائدة منها
العقل النظري يبلغ أعلى مستويات التجريد فيقوم بإنشاء التصورات التي ينتزعها من الموجودات وتكون مطابقة لها في حالتي الحضور والغياب ويصفه ابن خلدون بأنه الفكر الذي يفيد العلم أو الظن بمطلوب وراء الحس لا يتعلق به عمل فهذا هو العقل النظريوهو تصورات وتصديقات تنتظم انتظاماً خاصاً على شروط خاصة فتفيد معلوماً آخر من جنسها في التصور والتصديق ثم تنتظم مع غيره فيفيد علوماً أخر كذلك وغاية إفادته تصور الوجود على ما هو عليه بأجناسه وفصوله وأسبابه وعلله فيكمل الفكر بذلك في حقيقته ويصير عقلاً محضاً ونفساً مدركة وهو معنى الحقيقة الإنسانية
وفيما يختص بعلوم البشر والملائكة فقد رأي ابن خلدون أن هناك 3 عوالم عالم الحس الذي يشمل الحيوان والإنسان وعالم الفكر الذي اختص به البشر وما فوق مدارك الحس وهو عالم الأرواح والملائكة والذي يسمو فوق مداركنا
أعجبني كثيراً رجحان عقل ابن خلدون وهو يفرق بين الرؤيا التي قد تحدث لواحد ويتصل بها بهذا العالم الروحاني وأضغاث الأحلام التي هي صور خيالية يختزنها الإدراك في الباطن
فيقول والذات التي تحصلُ فيها صور المعلومات وهي النفس مادة هيولانية تَلْبَس صور الوجود بصور المعلومات الحاصلة فيها شيئا فشيئًا حتى تستكمل ويصح وجودها فالبشر جاهل بالطبع... وعالم بالكسب والصناعةلتحصيله المطلوب بفكره بالشروط الصناعية
أليس هذاهو جوهر الروح العلمية ؟ فالعقل هو الأساس في انتظام الأفعال الإنسانية كما يؤكد ابن خلدون على ضرورة العلم بالآراء والمصالح والمفاسد وبالعقل يحصل تصور الموجودات غائبا وشاهدا علي ما هي عليه والإنسان في الحالة الأولي قبل التمييز هو هيولي فقط-أي لا صورة له ولا صفة وذلك لجهله بجميع المعارف ثم بالعلم تكمل ذاته الإنسانية في وجودها فالإنسان جاهل بالذات وعالم بالكسب
صنّف ابن خلدون العلوم إلى علوم حكمية فلسفية صنْف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره وأن يقف عليها بطبيعة فكره ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها حتى يقفه نظره ويحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر
علوم نقلية وضعية صنف نقلي يأخذه عمن وضعه وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول لأن الجزئيات الحادثة المتعاقبة لا تندرج تحت النقل الكلي بمجرد وضعه فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل وهو نقلي فرجع هذا القياس إلى النقل لتفرعه عنه وأصل هذه العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة __________________
باقي الفصول من الباب السادس
-12- الفقه وما يتبعه من الفرائض
يقول ابن خلدون إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه وسائردلالته بما تلقوه من النبي ص أو ممن سمعه منهم ومن عليتهم وكانوا يسمون لذلك { القراء } أي : الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أُمّية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة
عندما تتدبر قليلاً لا يسعك سوى الشعور بالحسرة على حالنا اليوم أفلا تفقهون؟؟؟
-13- أصول الفقه وما يتعلق به من الجدل والخلافيات
ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، ودرس المقلدون لمن سواهم، وسد الناس باب الخلاف وطرقه لَمّا كثر تشعّب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ثم يستفيض في شرح المذاهب الأربعة
وابن خلدون يقول عن علم الفرائض أي فقه المواريث هو معرفة فروض الوراثة و تصحيح سهام الفريضة مما تصح، باعتباره فروضها الأصول أو مناسختها. و ذلك إذا هلك أحد الورثة و انكسرت سهامه على فروض ورثته فإنه حينئذ يحتاج إلى حسب تصحيح الفريضة الأولى حتى يصل أهل الفروض جميعاً في الفريضتين إلى فروضهم من غير تجزئة
ويقول عن الخلافيات هذا الفقة المستنبط من الأدلة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين ياختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بد من وقوعه و لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن الظن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم لذهاب الاجتهاد لصعوبته فاقيمت هذه المذاهب الأربعة أصول الملة وأجري الخلاف بين المتمسكين بها والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية والأصول الفقهية وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتج بها كل على صحة مذهبه الذي قلده وتمسك به
-14- علم الكلام
وهو علم يتضمن الحجاجعن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والنقلية والرد على المبتدعة
وفي الواقع لإإن هذا الفصل يرجعنا إلى ما سبق واطلعنا عليه في المقدمة السادسة من الباب الأول: في أصناف المدركين للغيب من البشر حيث تحدث ابن خلدون عن (النبوّة والوحي والكهانة والرؤيا والغيب
ونعود لعلم الكلام هنا حيث يقول وسرّ هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد ...والإيمان هو أصل وينبوع التكاليف كلها
تحدّث عن أهم أطوار العلم من خلال أهم مدارسه وأشهر شخصيات كل مدرسة ويلاحظ أنه عندما يتحدث عن الرؤيا أو ألإدراك فإنه دوماً ما يعود لما يحكم :فكره العقلي اكتساب المعرفة يخضع للنمطية
فإذا كان اثبات العقائد بالعقل لا يحصل إلا بالعقل فهل معنى ذلك أن كل ما يناقضها مشوش ؟ من خلال استدلال الكاتب ألاحظ دوماً وجود تفاعل بين النظري والتاريخي
ويقول المطلوب من التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفس، يحصل عنها علم اضطراري للنفس هو التوحيد، وهو العقيدة الإيمانية وهو الذي تحصل به السعادة، وأن ذلك سواء في التكاليف القلبية او البدنية
أهم ما يلاحظ في تاريخ علم الكلام هو تمييز ابن خلدون بين طريقتين المتقدمين \المتأخرين المتقدمين ينفرون من صور الأدّلة والأقيسة المنطقية اليونانية ومثال على ذلك أبو بكر الباقلاني والمتأخرين على عكس ذلك ومنهم الغزالي الذي يعتبره ابن خلدون مع الرازي هوأول من كتب على طريقة المتأخرين وهم يفرقون بين المنطق من حيث هو أداة للاستدلال وبين موضوعه :الطبيعيات -الإلهيات
فأرسطو يرى القياس هو صورة الاستدلال وهو هو واضع علم المنطق ولكن ليس بوصفه علماً مستقلاً بالصورة التي هو عليها الآن لكن كأداة للبرهنة وهذه القسمةشرعت للتقليد في تقييم الأشاعرةوظل هذا قاعدة عند مؤرخي الفكر الإسلامي حتى الآن -ويتضح ذلك في حديثه عنهم في الفصل التالي اللهم إلا الاعتراضات على هذا التقسيم والذي ينعكس على دراسة الأشعرية ذاتها
رأيي الشخصي أن الاستدلال على الله بالمنطق والعقل الإنساني هو قمة اللامنطق في ذاته الله لا يدرك بالعقل ثم إن العقل البشرى محدود ولا يدرك سوى الأمور المحدودة، التي تدخل في نطاقه وكثير من الملحدين وهبهم الله عقلاً مستنيراً وعلماً يدحضون به كلاميات علماء المسلمين-كلمة علماء هنا مجازاً لذا استخدام المنطق في التدليل على وجود الله هو محض عبث
-15- كشف الغطاء عن المتشابه من الكتاب والسنة
عن أصناف المتشابهات والاختلاف فيها الحروف المقطعة في الآيات القرآنية حقيقتها حروف الهجاء ويستشهد بقول الزمخشري فيها إشارة إلى بعد الغاية بالإعجاز لأن القرآن مؤلف منها
وعن الوحي والملائكة والروح والجن فاشتباهها من خفاء دلالتها الحقيقية لأنها غير متعارفةوقد ألحق بعض الناس بها كل ما في معناها من أحوال القيامة والجنة والدجال والفتن والشروط وما هو بخلاف العوائد المألوفة وهو غير بعيد إلا أن الجمهور لا يوافقونهم عليه وسيما المتكلمون
أما الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه منها ما يقتضي صحة ألوهية مثل العلم والقدرة ومنها ما هي صفة كمال كالسمع والبصر والكلام ومنها ما يوهم النقص كالاستواء والنزول والمجيء وكالوجه واليدين والعينين التي هي صفات المحدثات
السلف من الصحابة أثبتوا لله صفات الألوهية والكمال ثم اختلف الناس من بعدهم وجاء المعتزلة فأثبتوا هذه الصفات أحكاما ذهنية مجردة ولم يثبتوا صفة تقوم بذاته وسموا ذلك توحيدا وجعلوا الإنسان خالقا لأفعاله ولا تتعلق بها قدرة الله
هناك الكثير من الاستفاضة الممتعة في هذا الشأن لا أستطيع ذكر النقاط كلها لضيق المكان ولكنني أذكر ما فسره ابن خلدون عن أطوار العالم البشري وهي الأول عالمه الجسماني بحسه الظاهر وفكره المعاشي وسائر تصرفاته التي أعطاه إياها وجوده الحاضر شاهده وجداني الثاني عالم النوم وهو تصور الخيال شاهده وجداني ويقول بوجود فريقين 1- الحكماء يزعمون أن الصور الخيالية يدفعها الخيال بحركة الفكر إلى الحس المشترك الذي هو الفصل المشترك بين الحس الظاهر والحس الباطن الخيال فيها واحد سواء كانت مرائي صادقة من الله أو المرائي الخيالية الشيطانية 2- هو إدراك يخلقه الله في الحاسة فيقع كما يقع في اليقظة وهذا أليق وإن كنا لا نتصور كيفيته
والإدراك النومي أوضح شاهد على ما يقع بعده من المدارك الحسية في الأطوار
الثالث طور النبوة وهو خاص بإشراف صنف البشر شاهده المعجزة والأحوال المختصة بالأنبياء فالمدارك الحسية فيها مجهولة الكيفية عند وجدانيته الرابع طور الموت الذي تفارق أشخاص البشر فيه حياتهم الظاهرة إلى وجود قبل القيامة يسمى البرزخ شاهده ما تنزل على الأنبياء من وحي
ويختتم قائلاً هذه المدارك موجودة في الأطوار الأربعة لكن ليس على ما كانت في الحياة الدنيا وإنما هي تختلف بالقوة والضعف بحسب ما يعرض لها من الأحوال
-16- علم التصوف يرى ابن خلدون السبب في شيوع اسم الصوفية راجع إلى انه قد تفشى الإقبال على الدنيا في القرن 2هـ وبعد كثير من الناس عن العبادة وجنحوا إلى مخالطة أهل الدنيا وصار علم التصوف في الملـّة علما مدونا بعد أن كان عبادة فقط وكان المتعبد يسلك فيها مقامات عدة مثل ممقام للمريد يبتغي منه محاسبة النفس للتخلص من الحزن والهم والكسل و مقام آخر هو العبادة وهي ليست في الحالة الأولى فالعبادة ينتهي فيها المريد إلى التوحيد وهي الغاية المطلوبة للسعادة التي يبحث عنها فيقول فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقه , وعلماء الكلام في الكلام وعلماء التفسير في التفسير دوّن رجال من أهل التصوف كتبا في الورع ومحاسبة النفس
أول مراتب التجليات عندهم تجلي الذات على نفسه وهو يتضمن الكمال بإفاضة الإيجاد والظهور لقوله في الحديث الذي يتناقلونه "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفوني"
وتفصل الحقائق وهي عندهم عالم المعاني والحضرة الكمالية والحقيقة المحمدية ويصدر عن هذه الحقائق أخرى , وهي مرتبة المثال ثم عنها العرش ثم الكرسي ثم الأفلاك ثم عالم العناصر ثم عالم التركيب , هذا في عالم الرتق , فإذا تجلت فهي في عالم الفتق ويسمي هذا المذهب مذهب أهل التجلي والمظاهر والحضرات
-17- علم تعبير الرؤيا يقول السبب في كون الرؤيا مدركا للغيب فهو أن الروح القلبي وهو البخار اللطيف المنبعث من تجويف القلب اللحمي ينتشر في الشريانات ومع الدم في سائر البدن وبه تكمل أفعال القوى الحيوانية وإحساسها
وهذا الروح القلبي هو مطية للروح العاقل من الإنسان والروح العاقل مدرك لجميع ما في عالم الأمر بذاته إذ حقيقته وذاته عين الإدراك وإنما يمنع من تعلقه للمدارك الغيبية ما هو فيه من حجاب الاشتغال بالبدن وقواه فلو تجرد عن هذا الحجاب لرجع إلى حقيقته وهو عين الإدراك فيعقل كل مدرك
-18- العلوم العقلية وأصنافها
-19- العلوم العددية
-20- العلوم الهندسية
-21- علم الهيئة أي العلم الذي ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمحركة والمتحيرة ويستدل بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها لهذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية
-22- علم المنطق
-23- الطبيعيات
-24- علم الطب
-25- الفلاحة
-26- علم الإلهيات هو العلم الذي ينظر في الوجود المطلق فأولا في الأمور العامة للجسمانيات والروحانيات من الماهيات والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغير ذلك ثم ينظر في مبادئ الموجودات وأنها روحانيات ثم في كيفية صدور الموجودات عنها ومراتبها ثم في أحوال النفس بعد مفارقة الأجسام وعودها إلى المبدأ
-27- علوم السحر والطلسمات ويذكر ابن خلدون هنا السيمياء باعتبارها قريبة من مفهوم السحر والطلسمة في هذه العصور قبل أن تكون هي الأب الروحي لعلم الكيمياء الحديث
-28- علم أسرار الحروف يرجع ابن خلدون هنا إلى المتصوفة وإلى مغالاتهم-على حد تعبيره في شروحهم لأسرار الحروف والأرقام -29- الكيمياء
-30- إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
يقول ابن حلدون أن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات أو العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فتجريد المعقولات من الموجودات الخارجية ممكن فيما هو مدرك لنا ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يأتي لنا برهان عليها في إثبات وجودها إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوالها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها هو أمر غامض
-31- ابطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها
-32- إنكار ثمرة الكيميا واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها وهو هنا يتحدث عن منتحلي صناائع كتحويل المعادن إلى ذهب وغيرها من أمور لا تجلب سوى الخسارة والعيش في حياة الأوهام -33- المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف وإلغاء ما سواها
1- استنباط العلم بموضوعه وتقسيم أبوابه وفصوله 2- أن يقف على كلام الأولين وتآليفهم فيجدها مستغلقة على الأفهام ويفتح الله له في فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيره 3- أن يعثر المتأخر على خطأ في كلام المتقدمين ممن وبعد في الإفادة صيتة ويستوثق في ذلك بالبرهان الواضح 4- أن تكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبة في أبوابها فيقصد المطلع على ذلك أن يرتبها
5- أن تكون مسائل العلم مفرقة في أبوابها من علوم أخرى تلخيص المؤلَّف الذي يكون من أمهات الفنون
-34- كثرة التواليف في العلوم عائقة عن التحصيل 1- مما أضر بالناس في تحصيل العلم كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعاليم ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باستحضار ذلك وحفظه وهي كلها متكررة والمعنى واحد ولو اقتصر المعلمون بالمتعلمين على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك بكثير وكان التعليم سهلا ومأخذه قريبا
-35- كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم
-36- وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته
-37- العلوم الإلهية لا توسع فيها الأنظار ولا تفرع المسائل
-38- تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية في طرقه
-39- الشدة على المتعلمين مضرة بهم
-40- الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم
-41- العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها العلماء لأجل ما تعودوه من تعميم الأحكام وقياس الأمور بعضها على بعض إذا نظروا في السياسة افرغوا ذلك في قالب أنظارهم فيقعون في الغلط كثيرا ويلحق بهم أهل الذكاء من أهل العمران لأنهم ينزعون بثقوب أذهانهم إلى مثل شأن الفقهاء من الغوص على المعاني والقياس والمحاكاة فيقعون في الغلط
-42- حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم
-43- العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصرت بصاحبها في تحصيل العلوم عن أهل اللسان العربي
-44- علوم اللسان العربي أركانه أربعة وهي اللغة والنحو والبيان والأدب ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة -45- اللغة ملكة صناعية اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعانى وجودتها وتصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حالا ومعنى الحال أنها صفة غير راسخه ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة -46- لغة العرب لهذا العهد مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير
-47- لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها للغة مضر
-48- تعليم اللسان المضري
-49- ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم
-50- تفسير لفظةالذوق في مصطلح أهل البيان وتحقيق معناها وبيان أنها لا تحصل للمستعربين من العجم لفظة الذوق يتداولها المعتنون بفنون البيان ومعناها حصول ملكة البلاغة للسان وقد مر تفسير البلاغة وأنها مطابقة الكلام للمعنى من جميع وجوهه بخواص تقع للتراكيب في إفادة ذلك فالمتكلم بلسان العرب يتحرى الهيئة المفيدة لذلك على أساليب وينظم الكلام على ذلك الوجه جهده فإذا اتصلت مقاماته بمخالطة كلامهم حصلت له الملكة في نظم الكلام -51- أهل الأمصار على الإطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم أبعد عن اللسان العربي صعب حصولها
-52- انقسام الكلام إلى فني النظم والنثر
-53- لا تتفق الإجادة في فني المنظوم والمنثور معا إلا للأقل
-54- صناعة الشعر
-55- صناعة النظم والنثر في الألفاظ لا في المعاني
-56- حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ
-57- بيان المطبوع من الكلام والمصنوع وكيف جودته أو قصوره إذا قالوا: الكلام المطبوع فإنهم يعنون به الكلام الذي كملت طييعته وسجيته من إفادة مدلوله المقصود منه لأنه عبارة وخطاب ليس المقصود منه النطق فقط بل المتكلم يقصد به أن يفيد سامعه ما في ضميره إفادة تامة هذه الصنعة موجودة في الكلام المعجز في مواضيع متعددة مثل {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى}
-58- ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر وذلك لما تفشى بين الشعراء من قرض الشعر لمديح ملوك العجم وغير ذلك فصار غرض الشعر في الأغلب إنما هو الكذب والاستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للأولين وأنف منه لذلك أهل الهمم والمراتب من المتأخرين وتغير الحال وأصبح تعاطيه مذمة لأهل المناصب الكبيرة
انتهيت مع ابن خلدون في رحلة طويلة ، كنت أحاول من خلالها اكتشاف سرّ بقائه وبقاء مؤلفاته، ولم أجد سوى الصدق وإحترام من يتوجه إليهم. هو لم يحترم قارئه الحالي وإنما تعداه لعصور لاحقة، فقد كتب في الخاتمة:
"ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين يغوص من مسائله على أكثر ما كتبناه"
هذه العبارة ولو أنها أتت في الختام إلا أنها بحد ذاتها مقدمة تفتح للأجيال القادمة مجالاً للتطوير. فالتطوير هو الهدف الحقيقي من كل ما كتبه. تطوير العرب ، وحياتهم، تطوير فكرهم ومجتمعهم، تطوير اللغة العربية.. ولو أننا قد نجد بهذه العبارة ميل للإعتزاز والافتخار بنفسه لما أنجزه حين قال: بمن يؤيده الله بفكر صحيح وعلم مبين، إلا أننا نجد أنه هذا ما ينقصنا بعد النكسات الفكرية وما استتبعها من نكسات أخرى على جميع الأصعدة. فما ينقصنا هو "فكر صحيح وعلم مبين" لنكمل مسيرته ومسيرة أمتنا.
وإذا بنا وللأسف نجد أنّ فكر ابن خلدون لم يصلنا إلاّ من خلال كتب ومراجع ودراسات قام بها متخصصون راحوا يفلسفون ما كتب ويجدوا لها أبعادًا شائكة لم يكن عبد الرحمن خلدون يهدف إليها. باختصار من أراد الاطلاع على فكر هذا العقل النيّر عليه النهل منه مباشرة، وليبني كل واحد وجهات نظره بما يمليه عليه فكره ووعيه. فأسلوبه سهل ممتنع ، هدف إلى الشرح والايضاح بأسلوب مبسط بغية أن يستوعبه كل مستوى فكري. نشعر بهذا الميل من خلال الاستعانة بأدلة وبراهين وأمثلة. تبويبه كان منطقيًا كما أنّه لم يطل الشرح في كل فصل لأنه حرص على إعطاء المفيد. ولو أنّه في بعض الأحيان تمادى في ايضاح بعض الأمور الجغرافية والحسابية والشعرية، وكأنه يترك لكل صاحب "ملكة " الإكتفاء بإشباع ميوله.
و"ملكة" أو ملكات" هي الموهبة الفطرية التي أسهب في الحديث عنها في الجزأين الثاني والثالث، وقد كانت له وجهة نظر في هذا الأمر، فقد أصر أن يوجه المرء جهده نحو ملكة واحدة لأن التعاطي مع عدة ملكات يفسدها. كما أنه شدد على أن ما يقوي الملكة أو الموهبة ويجعلها مترسخة، هي المواظبة على ممارستها وعدم إهمالها. ومن الملكة ركّز ابن خلدون على معاني "العصبية" التي يعتقدها البعض مصدرًا لمعنى"التعصب"، بداية لم أقرنهما ببعض ورحت أحاول إبعاد نفس المعنى عن الكلمتين. و بعد الكثير من البحث أدركت بأن كلمة "تعصب" قد يكون فعلاً أساسها ومصدرها كلمة "العصبية" أي جماعة أشخاص متحدين بحكم الدين والبيئة والمجتمع.
لقد ذكر ابن خلدون في الأجزاء الثلاثة الكثير من المعاني والشروحات عن التاريخ الإسلامي والجغرافيا العربية والإسلامية، كما تطرق لشرح العديد من العلوم التي لازلنا نتلقاها بنفس الشرح الذي أظهرها به. كما أنه كثيرًا ما كان يتقرب من القارىء عبر إعطاء أمثلة من مواقف حصلت معه وهي غالبًا ما تكون طريفة. وانا اقرأ هذه المجلدات كان يمر عليّ وقت أشعر برغبة في تحضير شراب دافىء والاستمتاع بقراءته، وكأنني أتحدث معه، فهو فعلاً كان يُحدّث فكري ويحترمه ويحاول أن ينير عقلي لأفكر بطريقة حضارية ، متطورة تحلل وتناقش وتعتمد على وعيها وفطرتها لتقدير الأمور وقبولها أورفضها. ومن هنا كان تعلقي به ورغبتي في قراءة المزيد من مؤلفاته كلما شعرت بفراغ وملل. فأنا أشعر بأننا وصلنا لزمن انبرى فيه الفكر من الوجود وما عاد علينا إلا اللجوء لأمثال ابن خلدون القلائل للتحدث معكم عبر عبق الكتب المصفرّة.
لقد استسخف وبأسلوب منطقي وعلمي أعمال الشعوذة والتنجيم والتبصير، ووسائل النصب والاحتيال وحتى ذكر طرقها. منذ قليل كنت أنتقد الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن هذه "المقدمة" ولم تتح لنا المجال للنهل منها مباشرة، وهاأناذا أفعل مثلهم، أستفيض في شرحه دون أن أشعر بالرغبة للتوقف. لكن أعتقد أنّه علي أن اتوقف وأنهي، مع أنني حين وصلت للنهاية شعرت بالانقباض لفراقه، لكنني اكتشفت أنه باق من مئات السنين سواء بالمقدمة أم بغيرها من كتبه، فانشرحت وأنا أعلن انتهائي من القراءة.
وقررت أن أختم بهذا المقطع الذي توجه به -على ما أعتقد لكل انسان يرغب بقراءة كتابًا ما أو حتى نصًا أوفكرًا عاديًا أو تعجيزيًا- وسأكتبه لأنني أعتقد أنه درس مهم في الوعي الفكري والاستسلام للحدس الذي ينير ولايخيّب ثقتنا بعقلنا:
"ربما وقف الذهن في حجب الألفاظ بالمناقشات، أو كثر في اشتراك الأدلة بشغب الجدل والشبهات فقعد عن تحصيل المطلوب. ولم يكد يخلص من تلك الغمرة إلاّ القليل ممن هداه الله تعالى. فإذا ابتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتياب في فهمك أو تشغيب بالشبهات في ذهنك، فاطرح ذلك، وانبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات واترك الأمر الصناعي على جملة، واخلص إلى فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه، وسرّح نظرك فيه وفرّغ ذهنك للغوص على مرامك منه واضعًا قدميك حيث وضعها أكابر النظار قبلك، متعرضًا للفتح من الله تعالى كما فتح عليهم من رحمته وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون... والله علّم وأنتم لاتعلمون... وما العلم إلاّ من عند العزيز الحكيم"
إنها إحدى نصائح عبد الرحمن ابن خلدون مقتبسة من "المقدمة" الجزء الثالث
(في العلوم و أصنافها و التعليم و طرقه و ما يعرض ي ذلك كله من أحوال وفيه مقدمة ولواحق ) هذا المجلد أبرز وجه مغاير لابن خلدون المؤرخ السياسي والاجتماعي و صدقاً هو لا يقل أهمية رغم أنه وجه خفي عن القارئ بحكم شهرة و ارتباط اسم ابن خلدون بعلم الاجتماع ، وقد يواجه غير المتخصص عليماً في سبر بحور هذا المجلد ،ولكنها تبقى متعة وتنوير وفوائد لا تحصى ..
الباب 12: الفقه و ما يتبعه من الفرائض الباب 13 : أصول الفقه وما يتعلق به من الجدل و الخلافيات في الباب 12 و 13 فصّل قواعد الفقه و أصوله مبتدأً بتعريفه فالفقه هو ( الفقه هو معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة و الإباحة ،وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة ) تحدث عن الخلافات بين السنة و الأئمة و تلك تبعة من تبعات قلة التعليم في ذلك الوقت ، فلم يكن كل الصحابة أهل الفتيا بل المتخصصون منهم فقط في حفظة القرآن و العارفين بدلالاته ونسخه و منسوخه لما كان لهم من صلة وطيدة برسول الله أو مما سمعوه من المقربون منه ممن سبقوهم من الصحابة و يسمّون بـ ( القراء ) ، وعندما عظمت شوكة المسلمين ونهلوا من العلم ما نهلوا و انكشف غُمّة الأمية عنهم بدوأ ينخرطون في تدارك ما فاتهم من أمور دينهم و أصبح الفقه صناعة وعلماً و استبدل القراء بـ ( الفقهاء والعلماء ) ،و تطرق لنشأة المذاهب حيث كان الفقه ينقسم لطريقتين ، الأولى طريقة أهل الرأي والقياس ( العراق ) وطريقة أهل الحديث ( الحجاز ) علم الفرائض : الفرائض جمع فريضة (العبادات والعادات والمواريث ) كما أشار ابن خلدون و هنا فرّق بين علم الفرائض المواريث وهو أحد أهم العلوم الإسلامية اصطلاح مستحدث أثار اللبس بينه و علم الفرائض الذي انبثق في بدايات الإسلام وأختص بأحكام مغايرة رغم التقارب اللفظي بينهما و اختلاف الماهية بينهما ، فعلم المواريث ( الفرائض ) وهو علم يُعنى بتركة الميت وميراثه من حيث تقسيمها على مستحقيها .
الباب 14 : علم الكلام
الباب 15 : كشف الغطاء عن المتشابه من الكتاب والسنة و ما حدث لأجل ذلك من طوائف سنية ومبتدعة في الاعتقادات
بعد استيفاء النقاش في أبواب الفقه بالخلافيات والجدل والمناظرة والإقناع بالحجج والأدلة يستكمل ابن خلدون نقاشه في علم الكلام و ("علم الكلام وهو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية، بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة.") ويقوم هذا العلم بشكل رئيس على التوحيد و يتنزه بمتعلميه عن التقليد و يرسخ القوة النظرية المُفضية للإيقان و التوحيد والتصديق بالأحكام الشرعية باعتبار المتداول والمتبحر في هذا العلم هو القوة المؤثرة في نصر العقيدة ضد إي خلاف إلحادي أو انشقاق ديني (لأن مسائل علم الكلام إنما هي عقائد متلقاة من الشريعة، كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل ولا تعويل عليه، بمعنى أنها لا تثبت إلا به. فإن العقل معزول عن الشرع وأنظاره. وما تحدث فيه المتكلمون من إقامة الحجج، فليس بحثاً عن الحق فيها ليعلم بالدليل بعد أن لم يكن معلوماً كما هو شأن الفلسفة، بل إنما هو التماس حجة عقلية تعضد عقائد الإيمان ومذاهب السلف فيها، وتدفع شبه أهل البدع عنها، الذين زعموا أن مداركهم فيها عقلية. وذلك بعد أن تفرض صحيحة بالأدلة النقلية كما تلقاها السلف واعتقدوها، وكثير ما بين المقامين. وذلك أن مدارك صاحب الشريعة أوسع لاتساع نطاقها عن مدارك الأنظار العقلية، فهي فوقها ومحيطة بها لاستمدادها من الأنوار الإلهية، فلا تدخل تحت قانون النظر الضعيف والمدارك المحاط بها. فإذا هدانا الشارع إلى مدرك، فينبغي أن نقدمه على مداركنا ونثق به دونها، ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو عارضه، بل نعتقد ما أمرنا به اعتقاداً وعلماً، ونسكت عما لم نفهم من ذلك ونفوضه إلى الشارع ونعزل العقل عنه".) موقف ابن خلدون المعارض لعلم الكلام جاء على شقين ، فهو متصالح و متعارض في آن مع علم الكلام بوصفه علم من العلوم المقصودة و الآلية ( وهو الوحيد الذي اندرج تحت المسميين ) كما سيرد في الباب ٣٧ ( في العلوم الآلية لا يوسع فيه الأنظار و لاتفرغ فيه المسائل )
وسبب تعارضه مع التعاطي بهذا العلم دون داعٍ أو تعلة وواسع إطلاع هو إن منهجي هذا العلم المتأخرين حوّروه فخُلط بالفلسفة و هذا ما عابه من وجهة نظره و أعتقد أنه في هذه الحالة سيندرج تحت بند الجدل الكلامي او السفسطة بغية أثبات الحجة دونما تعقل أو روية و في رأيي طغت النزعة الفقهية على ابن خلدون و عمّم على هذا العلم هالة جامدة هي أقرب للمعارضة دون إتاحة الفرصة للخصم بشرح وجهة النظر هي أقرب للتعصب و إن كانت تنطوي على أبعاد سليمة بفطرتها
لقد استشهد ابن خلدون بهذه الآية بالذات في الباب الذي يلي باب علم الكلام و هو بعنوان (كشف الغطاء عن المتشابه من الكتاب و السنة وماحدث لاجل ذلك من طوائف سنية و مبتدعة على الاعتقادات ) ��لمتشابهات هنا جاءت بمعنى مضطربة الدلالة مقابل المحكمات الواضحة الدلالة من الآيات و الخلل بحسب الآية الكريم ة هو الإستعاضة عن المحكمات بالمتشابهات و هذا بالتحديد ما رمى له ابن خلدون
كما أبرز ابن خلدون أن الادلة العقلية عاجزة عن إيصال الإنسان إلى كنه التوحيد وشله هذا الأمر بمبدأ العلية الأرسطي بوضعه التوحيد في خانة المعلول الذي لا حيط بمعناه اللا متناه بواسطه علم متناه و نسبي مثل هذا العلم الكلامي وهو أحد ادوات الانسان للوصول للأدراك بكنه التوحيد وليس كلها أتمنى أن أكون أوضحت فكرتي بشكل سهل و لم أزد المسألة تعقيدا ً
كما تحدث في هذا الباب عن أموار العالم البشري الذي اتحدت حقيقة الإنسانية بين أطوار البشر فالتخالف كذلك بينها حاصل وموجود وحدد الأطوار البشرية ـ الطور الأول ( الجسماني بحسه الظاهر وفكره المعاشي و سائر تصرفاته التي أعطاها إياه وجوده الحاضر )
ـ الطور الثاني (عالم النوم و هو تصور الخيال بإنفاذ تصوراته جائلة في باطنه فيدرك بحواسه الظاهرة مجردة الأزمنة و الأمكنة و سائر الأحوال الجسمانية ، و يشاهدها في مكان ليس هو فيه )
ـ الطور الثالث ( طور النبوة ) ويختص بالمتسامين من طور البشرية لطور الملكية وتنزيل الوحي و تكليفهم بهداية البشر .
ـ الطور الرابع ( طور الموت وهو مغادرة أشخاص البشر لعالم ما قبل القيامة ( عالم البرزخ ) يتنعمون ويعذبون بحسب أعمالهم إلى يوم القيامة الكبرى .
الباب 16 : علم التصوف ( هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة ، و أصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة و التابعين ومن بعدهم طريقة الحق و الهداية ،و أصلها العكوف على العبادة و الانقطاع إلى الله . صدّر الباب بسبب تسمية المتصوف ( الصوفية ) بهذا الاسم وهو المشتق من لبس الصوف كرمزية دالة على الزهد والتقشف ونبذ مظاهر الترف الدنيوي وبين الفروق والتشابه بينه كعلم والعلوم الأخرى التي وحدتها الأهداف والمواضيع ولكنها متباينة وكل منهم ينحى لمنحى مختلف ، فهنالك العلوم العقلية والنقلية كما يقول ابن خلدون ، وبافتتاحه هذا الباب بوصف ( الحادثة في الملة ) فتقييم ابن خلدون لهذا العلم هو كظاهرة وضعيّة اجتماعية و دينية من قبل مريدين سعوا للكمال عبر التقرب لله و الاجتهاد عبر مراحل تأملية بعيداً عن التلقين والسلطان التقليدي ، و ذكر الحلاج وكيف أفتى الفقهاء و أكابر الصوفية بفرزه ضمن قائمة المتأخرين في الصوفية الذي جردوها من معناها الحقيقي باسم التطوير ( على حسب رأي ابن خلدون ) ففي حين ناددى أهل العقائد والحديث والفقه بأن الله متباين مع مخلوقاته ، قال المتكلمين أنه لا متباين ولا متصل مع مخلوقاته ، و قال الفلاسفة أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، انفرد المتأخرين من المتصوفة هنا بأنه متحد مع مخلوقاته أو هكذا فُهموا العلم عند الله .
الباب 17 : علم الرؤيا (هذا العلم من العلوم الشرعية وهو حادث في الملة عندما صارت العلوم صنائع وكتب الناس فيها وإما الرؤيا والتعبير لها فقد كان موجودا في السلف كما هو في الخلف وربما كان في الملوك والأمم من قبل وإلا فالرؤيا موجودة في صنف البشر على الإطلاق ولابد من تعبيرها ( وصف ابن خلدون هذا العلم أو الهِبة بالأحرى بالعلم المتوارث والذي لم تناقلته الأجيال عبثاً ، واستشهد بنبي الله يوسف و امتلاكه لحاسة الرؤيا ، وقسم الرؤى لرؤيا صادقة وأضغاث أحلام وفرّق بينهما و بين أهم الكتب التي سبقته أو من نتاج معاصريه والتي تناولت هذا العلم بحذافيره ، والمفصلية التي يشترك بها الوحي مع الرؤى و دلائل الرؤيا الصادقة وما يثبتها في عقل الإنسان .
الباب 18 : العلوم العقلية و أصنافها وهي في صلب طبيعة النوع الإنساني من حيث أنه يمتلك الفكر الذي ينقله من طور معرفي وفكري لطور أعلى معرفة وحكمة ، ومن العلوم العقلية ( الفلسفة والحكمة ) قسمها لأربعة أقسام ـ علم المنطق ـ هم علم يعصم الذهن عن الخطأ في اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة المعلومة .وهو تحقيق الحق في الكائنات نفياً وثبوتاً بمنتهى فكره ، إما القسم الثاني فهو النظر في تلك الكائنات المحسوسة ومكوناتها من المعدن والنبات والحيوان و الأجسام الفلكية ويسمى ـ بالعلم الطبيعي ـ أو تخطي النظر للمحسوسات والمكونات في تلك الكائنات والتوجة مباشرة لما وراء الطبيعة من الروحانيات وهذا ما يسمى ـ بالعلم الإلهي ـ و القسم الرابع والأخير هو النظر في المقادير ويسمى بعلم ـ التعاليم ـ ويشمل (الهندسة) علم المقادير المنفصلة والمتصلة ( والموسيقى ) علم نسبة الصوت و النغم و (الأرثماطيقي) علم الكم المنفصل أو العدد و ( علم الهيئة ) تعيين أشكال الفلك السيارة منها والثابتة
الباب 19 :العلوم العددية معرفة خواص الأعداد من حيث التأليف على التوالي أو بالتضعيف و يتضمن هذا الباب شرحاً شاقاُ لمبادئ علمية كثيرة مثل ( الحساب والجبر والمقابلة والمعاملات و الفرائض )
الباب 20 :العلوم الهندسية علم المقادير المتصلة مثل (الخط والسطح والجسم ) أو المنفصلة كالأعداد وعوارضها ، ذكر ابن خلدون أهم الكتب المترجمة اليونانية مثل كتاب أوقليدس ( الأصول والأركان ) وهو شروح مبسطة لأساسيات أولي لهذا العلم . ـ هندسة الأشكال الكرية و المخروطات ـ و ـ المساحة ـ و ـ المناظر ـ كلها فروع الهندسية أدرجها مرفقة بأسماء أهم المؤلفين العرب الذين تناولوا هذا العلم ابن الهيثم
الباب 21: علم الهيئة (الازياج) علم حركات الكواكب الثابتة والمتحيّرة وعملية رصد الكواكب وأهم الأدوات التاريخية لرصدها وفائدة الرصد ، ويتبرم ابن خلدون للإعراض من قبل العرب عن هذا العلم إلا القلة بينما يكرس اليونانيين جهودهم لتدارسه ( وظهور الترجمة في ذلك العهد بوصول المؤلفات للعرب خطوة إيجابية بالفعل و إن لم تكن مستثمرة بالشكل المطلوب ) ويحدد أفلاك الكواكب بالثمانية أفلاك الأزياج ـ صنعة حسابة على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب وطريقة حركته وسرعته وبطئه و استقامة و رجوع ، تختص بمعرفة التواريخ والأيام والشهور والسنين ، يُعرف من خلاله الآثار كنوع من التنبوء و الفراسة بالحوادث التي ستقع في المستقبل للإنسان والدول والملل و المناخ العام ، ورغم أنه في باب قادم سيذمّ التصديق بالسحر إلا إنه يصف هذه الصناعة بالشريفة والتي تتكفل مزاولتها بالتقدم البشري في مجال الفلك فبه تم تحديد حسابات دقيقة لظواهر مثل هلال رمضان و الخسوف والكسوف ، وهذا يشمل علم الهيئة والأزياج معاً الباب 22:علم المنطق قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود المعرّفة للماهيات و الحجج المفيدة للتصديقات ، يتطرق ابن خلدون في هذا الباب للإدراك الحسي الذي يتصف به الحيوانات المشتركة ويختلف الإنسان عنها بالإدراك الكلي ( إدراك الكليات ) وبهذا الإدراك الكلي لما حوله يستطيع الإنسان تصور الماهيات للموجودات فقط وهو إدراك قاصر وفطري و أولي و ليصل الإنسان لمرحلة العلم الحكمي يجب أن يشحذ هذا التصور بالتصديق و وجمع الكليات بالتأليف ليصل للصورة الذهنية المفيدة لمعرفة الماهية الحقيقية للموجودات ، تحدث عن كتب المنطق وهي ثمانية / الأجناس العالية و القضايا التصديقية ، القياس وصوره ، البرهان ، الجدل ، السفسطة ، الخطابة ، الشعر .
الباب 23:الطبيعيات علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من سكون فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية و ما يتولد منها من إنسان وحيوان ونبات و معدن ،
الباب 24 :علم الطب صناعة تنظر في الأبدان من حيث المرض والصحة ، والمرض الذي يلم بكل عضو من أعضاء الإنسان وعلامة نضج المرض أو قبوله للدواء من خلال عدة دلالات مثل النبض و السحنة والفضلات ،
الباب25 : علم ال الباب 29 : الكيمياء علم ينظر في المادة التي يتم بها تكوين الذهب والفضة بالصناعة ويشرح القوة التي تتبلور بواسطة العمل الذي يوصل إلى تلك المواد ، والعمل يتجزأ هنا إلى ( تقطير وتصعيد وتجميد الذائب و إمهاء و ما إلى ذلك ) و كل تلك العمليات ستستخرج ( الإكسير ) الذي يلقى بدوره على معادن أخرى غير الذهب و الفضة ولكن تلك المعادن مستعدة تلقائياً لقبول صورة الذهب أو الفضة ، وقد خصّ بعلم الكيمياء جابر بن حيان ( علم جابر ) ولقبه ( بإمام المدونين ) وكذلك الطغرائي و الغزالي ، ويصقل المريدين وطلاب هذا العلم معرفتهم بعلم الكيمياء فتراهم يتصفحون المكونات كلها بعد معرفة أمزجتها و قواها لعلهم يعثرون على المادة المستعدة لذلك ، حتى في فضلات الحيوانية كالعظام والريش والشعر والبيض والعذرات فضلاً عن المعادن ، ولتكن أولوياتهم التحلي بثلاث خصال ( هل تكون ؟ من أي شيء تكون ؟ كيف تكون؟ ) كانطلاقة تحفيزية لعالم الكيمياء المثير . الباب 30 : في إبطال الفلسفة وفساد منتحليها بعض من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله ( الحسي و ما وراء الحسي ) تُدرك ذواته و أحواله وأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية و الأقيسة العقلية و أن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع هؤلاء هم الفلاسفة ( جمع فيلسوف ) وهو باليونانية ( محب الحكمة ) ، والفلاسفة هم من وضع علم المنطق و هو النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل أنما هو للذهن الصور المنتزعة من الموجودات الشخصية ( وتنقسم لصور منطبقة على جميع الأشخاص ـ المعقولات الأوائل ـ الأجناس العالية ـ المعقولات الثواني ) ، كما تحدث عن مذهب أرسطو وهو تقدم التصور وتوقف التصديق عليه ـ و ذلك بمعنى علم الشعور ـ وليس بمعنى العلم التام ، ونراه يتناقض مع الكثير من الآراء الفلسفية ويحلل العمران الفلسفي المتراكم على مر العصور ويعيد تركيبه بصوره مغايرة لما سبقه من فلاسفة غرب و عرب و كأنه بذلك قد آخى بين العمران البشري والفلسفي ( أرسطو أفلاطون ابن رشد الغزالي ابن سينا وغيرهم ) و يجدر بالقارئ هنا التوسع في المنابع المدرسية التي استقى منها فلسفته و كيفية تمكنه من التبحر في تراجم كتب أولئك الفلاسفة .
الباب 31 : في إبطال صناعة النجوم و ضعف مداركها وفساد غايتها وهو الضد من علم الهيئة و يتبنى عكس أهدافه الشريفة النبيلة ، فصناعة النجوم التي يشوبها الفساد و الضعف في زعم منستبي هذه الصناعة لمعرفة المستقبل الغيبي ، وحين حرمت الشريعة هذه الصناعة التي بات مريدوها يزحفون مندسين في قعر بيوتهم لمواصلة دراسة هذه الصناعة بشكل متكتم و صعب التحصيل المعرفي ومما لا شك فيه أن هذه الصناعة لم تتوقف بل تحوّرت واتخذت أشكال أكثر قابلية للتوسع و التغلغل في المجتمعات رغم المحاذير الدينية منها .
الباب 32 : في إنكار ثمرة الكيمياء و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها يتحدث ابن خلدون في هذا الباب عن الطامعين بقطف ثمرة الكيمياء بالدلس والغش بتمويه معرفي ينتحلونه ليتوهم الناس من حولهم بأنهم قادرون كيميائياً وهم أصحاب صنعة حقيقيون ، وفي ذلك غش و ابتزاز لأموال العامة مدفوعين بقناع طلب المعيشة التي تضاءلت مواردها في وجوههم و قتر رزقهم وتكاسلوا عن نيله بالطرق الطبيعية مثل الفلاحة والصناعة إلى آخره . الباب 33: في المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف و إلغاء ما سواها ( البيان إنما يكون بالعبارة ، وهي الكلام المرّكب من الألفاظ النطقية التي خلقها الله في عضو اللسان مرّكبة من الحروف ، وهي كيفيات الأصوات المقطعة بعضلة اللهاة و اللسان ليتبين بها ضمائر المتكلمين بعضهم لبعض في مخاطباتهم ) و البيان هو ركيزة الكتابة وعمادها لذلك هو الرتبة الأولى ، بينما جاء الكلام المنطقي في الرتبة الثانية ، وينقسم البيان لنوعين ( معارف وعلوم ) تطرق ابن خلدون في هذا الباب لأنواع الخطوط مثل ( الخط الحميري ـ المسند ـ ، الخط السرياني ـ النبط ـ ، الخط العبراني ـ كتابة بني عابر بن شالخ وبني إسرائيل ـ ، الخط اللطيني ـ كتابة الروم ـ ) مقاصد التأليف سبعة (استنباط العلم بموضوعه وتقسيم أبوابه وفصوله و تتبع مسائله ، كتب المعقول والمنقول ، التدقيق في كتب المتقدمين و توثيق الخطأ بالربهان والدلالة ، إتمام النقص إن وجد ، ترتيب وتهذيب مسائل العلم ، تنظيم جملة العلوم بطريقة فنية كما فعل الجرجاني والسكاكي والجاحظ ، تلخيص إي اسهاب في مسائل العلوم المأخوذة عن الأقدمين وحذف المتكرر مع عدم الإخلال بقيمة النصوص الأصلية . ) . الباب 34:في أن كثرة التواليف في العلوم عائقة عن التحصيل كيف تضر كثرة التواليف في تحصيل العلوم بحيث يشق على المتعلم الإلمام بها فيقع القصور لتشعب العلوم ومخزونها المعلوماتي إلا ما ندر من أولئك الطلاب .
الباب 35:في أن كثرة الاختصارات الموضوعة في العلوم مخلة بالتعليم . ( الزائد أخو الناقص ) الإسهاب في العلوم بقدر ما هو مضر فالاختصار أيضا مخل بقيمة العلم و مناقض للأساسيات المكتسبة من وراءه ، وقد ذكر ابن خلدون أمثلة لبعض منتهجي تلك الوسيلة مثل ( ابن الحاجب في كتابه ـ الفقه و أصول الفقه ـ ، و ابن ملك في العربية و غيرهم ) وقد قدّر علة الاختصار بأنها إقحام باشر لمريد العلم بالنتيجة الغائية من وراء العلم مما يخل موازين طلب العلم و التدرج نحو الغاية الأساسية من وراءه بشكل طبيعي دونما تكلف ، و يتوه في دائرة تكرار الاختصارات دون تحصيل الفائدة والقيمة .
الباب36 :في وجه الصواب في تعليم العلوم و طريق إفادته وهو عدة طرق مثل التدرج في طلب العلم والشرح والبيان المجافي للتلقين ، و حذر ابن خلدون من الخلط بين علمين مما فيه من انتكاسة بينة لكلاهما دون الإلمام بهما بشكل صحيح ( و ربما لو كان العلمان مرتبطان ببعضهما يا ابن خلدون فلا يتعارضان لكان أبلغ للفائدة من وراء جمعهما معاً ) الباب 37:في أن العلوم الآلية لا يوسع فيها الأنظار و لا تفرغ فيها المسائل صنف ابن خلدون العلوم لنوعين ( علوم مقصودة ، وعلوم يتم الاستغاثة بها كوسيلة لشرع العلوم المقصودة واستكمالها ) وهنا نبه من مغبة التفرغ للتجادل والتكلم والبحث وراء العلوم الوسيلة ( النوع الثاني ) وماله من تأثير على النهل والتفرغ التام للعلوم المقصودة ( النوع الأول .
الباب 38: في تعليم الولدان و اختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية في طرقه تناول ابن خلدون في هذا الباب طرق تعليم الأمصار المختلفة لتعليم القرآن الكريم و ذكر أربعة أمثلة ( أهل المغرب و أهل الأندلس و أهل افريقية وأهل المشرق )
الباب 39 :في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم ويوضح فيه فضيلة الرفق بأصاغر المتعلمين وتأثير التعسف و الشدة فيهم من حيث توليدهما لحالة من القهر وقصر الباع الدراسي وكراهية استمرارية التحصيل و استشهد بقول الخليفة عمر بن الخطاب ( من لم يؤدبه الشرع فلا أدب له ) لما في ذلك من تجاوز الحد الشرعي في التأديب من آثار سلبية مباشرة وجانبية في مسيرة الفرد التعليمية و حياته ككل .
الباب 40 : في أن الرحلة في طلب العلوم و لقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم . لما في ذلك من مباشرة التعليم ونهل العلم من مناهله الطبيعية والاحتكاك بالوسط العلمي الذي يشحذ ويصقل المعارف ويربي في دواخل النفوس الثقة والمواجهة والمحاججة و الجدل .
الباب 41 : في أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة و مذاهبها . حيث أن السياسي مجبور على الاحتكاك الواقعي مع أمور الحياة ومجرياتها ، وهي استنباط لأحداث خفية شفافية التوقع حيالها بينما العالم هو الناظر الفكري المقتفي لمستحلبات المعاني الحسية و تجريدها وقولبتها وليس معنياً بمادة أو جيل أو أمة أو أحداث .
الباب 42 :في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم . يوضح لنا ابن خلدون كيف أن الرعيل الأول من المسلمين العرب كانوا يلقبون بالقراء نسبة لاكتفائهم بالقراءة دون الكتابة لأنهم ـ من أهل البداوة ـ لذلك كان حملة العلم من العجم وإن كانت أصولهم عربية لكن مرباهم و نشأتهم أعجمية ، ويستدّل بقول الرسول الكريم ص : ( لو تعلّق العلم بأعناق السماء لناله أهل فارس ) ، وأما ما عايش من العرب للحضارة فقد غشيت أبصارهم الرياسة كما في الدولة العباسية .
الباب 43 :في أن العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصّرت بصاحبها في تحصيل العلم من أهل اللسان العربي . عجمة اللغة هي ما قصده ابن خلدون وليس عجمة النسب ، والعجمة كما أوردها تختص بكل من يتحدث سوى العربية من فرس و روم و ترك و فرنج وبربر ، ولا ينجو من هذا العصف إلا من كان دؤوبا لتحصيل العلم ومتمرن بشكل جدي صاحب السعي الحثيث الذي يخوله سعيه ل ( تمكن الملكة ) .
قال لي صديق غزير الاطلاع من قرأ مقدمة ابن خلدون فقد كفته علما! لم افهم عندما اخبرته انني شرعت في قراءة هذا الكتاب ماذا يعني ، فكيف بكتاب واحد ان يكفيك علما، لكنني الان فهمت ما قاله جيدا (وش منبهر ) من انا كي اقوم بتقييم هذا الكتاب للعالم الجليل ابن خلدون،هذه العقلية الفذة التي لم استطع في كثير من الاحيان فهم مقدمته ليس من ناحية اللغة فقط (التى كانت من اجمل الاشياء في هذا الكتاب ) و لكن من ناحية المفاهيم العلمية فقد اضطررت في كثير من الاحيان ان اتابع فيديوهات كي اعي ما يقول . ناهيك عن علم الاجتماع الذي أسسه و هو لا يختلف كثيرا عن علم الاجتماع في عصرنا هذا من حيث طرق البحث و الاسقصاء . الكلام و التعليق لا يستطيع ان يفي ما في هذا الكتاب من علم غزير !!!!! لازم يتقري مرتين و تلاتة مرات ...........
من الكتب المفيدة جدا حيث تحدث فيها أبو زيد عبدالرحمن بن خلدون عن كيفية قيام الدول والممالك والحضارات ونقد الكتابات التاريخية الأسطورية بطريقة عقلانية ، هذا الكتاب مفخرة للتراث الإنساني والعربي بشكل خاص فقد كان الأساس لظهور علم الإجتماع وفيه تجد النقد التاريخي الذي قل من كان في عصره أو من سبقه في إعمال ذلك ، ولقد صدق ابن خلدون عندما قال أن كتابه فتح له لم يطرق أحدا بابه
في هذا الجزء من المقدمة يتعرض ابن خلدون -رحمه الله- لكيفية ارتقاء الفكر الإنساني ، و نشأة العلوم ، و للتعليم و طرقه ، و يستطرد في الحديث عن العلوم و تفصيلاتها و مراجع كل علم على حدة و موضوعه
سأكتب مراجعة كاملة للثلاثة أجزاء إن شاء الله ، و الشكر موفور للدكتور المححقق على عبدالواحد على جهده و إخراجه للمقدمة على هذه الصورة الطيبة
مقدمة ابن خلدون هذا الكتاب من الكتب العربية التي إذا لم يقرأ أحد بعض فصوله يكون على الأقل قد سمع به. هذا كتاب أعتقد أن كل معني بالثقافة العربية من (قريب) أن يقرأه.. أقول من قريب ولم أقل : (أو من بعيد) فأولئك (البعيد) ذلك أعصى من أن يحبوه.
عندما كتب ابن خلدون مقدمته أرادها مقدمة (تعريفية) لكتابه الكبير التاريخي (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر). أعتقد أن ابن خلدون لاحظ حجم المعرفة وكثرت ما كتب في المقدمة فواصل الكتابة في المقدمة وتعمق أكثر فيما كتب من نظرته للعمران البشري (علم الاجتماع) والتاريخ والعرب والبداوة والحضارة ليصبح لدينا هذا الكم المعرفي من مابتنا نسميه اليوم بعلم الاجتماع. فمقدمته هذه في الأساس هى مقدمة كما ذكرنا لتاريخه الكبير (العبر) فيما بعد وفي العصر الحديث عد الكثير من المصنفين أن المقدمة كتاب منفصل والآخر عدها بمثابة الجزء الأول من كتابه التاريخي الكبير.
يعتبر تحقيق (د. علي عبد الواحد وافي) عضو المجمع الدولي لعلم الاجتماع. خير نسخة محققة في (4 أجزاء) استغرقت سنوات : 1376 – 1382هـ / 1957 - 1962م. لجنة البيان العربي، وهنالك نسخة من تحقيق (عبد السلام الشدادي)، عن خزانة ابن خلدون، بيت الفنون والعلوم والآداب، الدار البيضاء، 2005م. فكلا النسختين أعتنت بنشر فصول و(فقرات) ناقصة من الطبعات السابقة المنتشرة في دور النشر.
خصص ابن خلدون مقدمته بصفة عامة لمناقشة الظواهر المورفولوجية من خلال مناقشة بنية المجتمع.
فيبدأ أول مقدمته في فضل علم التاريخ وهذا كما قلنا لغايته التأليفية وهي كتاب التاريخ. وقد وضع لنا مباحثين ومهتمين بالتاريخ أسس في منهج علم التاريخ هي قائمة ليومنا هذا، ثم تحدث عن طبيعة العمران (علم الاجتماع) وهنا حديث غاية في الأهمية عن الحضارة وأثرها في منبت البدوي والحضري والأمم الوحشية والقبائل وعن أصول المدنيات في المجتمعات وهذه الفصول من أروع فصول الكتاب.
فيما بعد يتناول ابن خلودن حديث مهم عن الدول والملك والخلافة كمنصب "حكم” والمراتب السلطانية ونظم الحكم وشئون السياسة، وكل هذا جديد على العقلية العربية وعلي نهج التأليف لذا عد الكتاب سابقة. ويواصل كتابته في التعريف بالبلدان ومفهوم العمران داخل البلدة والأمصار، ثم ما يتواجد فيها من سبل العيش والكسب (العمل)، ثم العوم وأصنافها. وكل باب من هذه الأبواب مقسمة ومفصلة. نعم لم يحلل ابن خلدون ظاهرة العمران الاجتماعي وذلك لعدم نضوج تلك العقلية العربية في تلك القرون حتي علي مستوى دول أوربا لكن وصوله لهذه المرحلة من تقرير "واقعات العمران البشري”، و"أحوال الاجتماع الإنساني" هي في حد ذاتها تقدم. كان ابن خلدون في كتابه هذا يطمح لتبيان ارتباط الأسباب بمسسلتها والمقدمات بنتائجها اللازمة التي تنبيء بحدوث نتائج معينة.
من نظريات ابن خلدون في المقدمة : من نظريات ابن خلدون : لا يحصل الملك وقيام الدولة إلا بالعصبية والقبيلة. قد تستغني الدولة والملك عن العصبية والقبيلة بعد استقرار دولتها .. وهذا فعلاً حتي في تاريخ المشيخات الخليجية إذا ما ربطنها بهذه النظرية. الدعوة الدينية تمنح القوة للدولة أكثر من العصبية وهذا قد نقيسه علي بلاد أوربا ��ثناء سيطرة الكنيسة والدول الإسلامية في مراحلها المبكرة. الأوطان كثير القابئل والعشائر يكون من الصعب القدرة في السيطرة عليها كدولة قوية. حدد ابن خلدون أن للدولة عمر زمني. مثل ذلك كالشخص مولد وطفولة ومراهقة وشاب وعجز وموت، وهذه من أكثر النظريات التي تخيف الدول العربية خصوصًا لمكانة مقدمة ابن خلدون في العقلية العربية. الأمم الوحشية أكثر قدرة على التغلب، وأعتقد مرد ذلك لخلو هذه الجماعات من مبدأ الإنسانية. ولع المغلوب بتقليد الغالب. الأمم الغالبة عندما تصير في ملك غيرها هي أسرع للفناء. أن الفلاحة من معاش المستضعفين.
وهنالك الكثير من الظواهر التي يناقشها ابن خلدون.. أٍول يناقشها ولا يحللها أو يعيدها لأصل الأول وليس هذا خللاً في معرفية ابن خلدون بقدر ما هو ولادة هذا العلم الجديد(العمران البشري : علم الاجتماع) في ذلك الوقت. ووصول ابن خلدون لهذه الظواهر بسبب تقدم العقلية العربية في الأندلس والمغرب العربي ليس لإحتكاكه بأوروبا فأوربا ماتزال في ضعفها ولم تنهض بعد إلا بما وصل لها من علم الأندلس وعلوم سابقة من العصر العباسي الأول. لكن العقلية العربية نضجت فتجاوزت مراحل الكتابة الدينية والتاريخية البدائية فأصبحت تقارن وتعيد قراءة التاريخ والظواهر بدرجة أعلى لا نقارنها بدرجة ما بعد القرن الثاني عشر الهجري ولكنها تقدمت عما سبقها من قرون.
سبق ابن خلدون بعلمه في كتابه هذا الكثير من المفكرين الغربيين والعرب المعنيين بعلم الاجتماع حتى نظريات (Auguste Comte - أوغست كونت) الذي جاء بعهد بفرابة (4 قرون) عاشت في زمنها ثورة حقيقية في علم الاجتماع وانطفأت في العصر الحديث بينما ماتزال نظريات ابن خلدون قائمة أمام عيننا (( وهذا )) إما لخلال في تركيبة المجتمع العربي / الإسلامي وعدم تطوره، أو أن نظرياته مكتوب لها الإستمرارية وفق العلقية العربية وثمة فرق بين النقطتين.
أنهيت بحمد الله قرائته للمرة الثانية على ما أتمه فيه المحقق من جهد كبير .. وهو كتاب لا يتجاوز ولا غناء لطالب النهضةو الساعي في فهم التاريخ والواقع عنه .. فهو الذي إليه مرجع الأنظار في هذا المضمار فيما يخص أحوال الشرق وخصوصياته، وما فهمها أحد مثلما فهمها ابن خلدون، على أنك لا تجد فيمن لحقه من العلماء والمفكرين من نسج على منواله وجاء بتتمة مقدمته هذه على وفق زمانه وأحواله .. وهو نقص علينا نحن تبعته و علينا مغبته..
فهل من طالب ينهج نهجه ويلزم غرزه فيما قال فيستأنف مقدمته في أحوال الشرق لهذا العهد الآخذة في الاضمحلال، فنحن نرى الساعين في نهضة الأمة في هذا العهد مجمعين -على اختلافهم- على نبذ قوانين ابن خلدون والعمل وفق على وفق المبادئ المثالية يحذون بذلك حذو أفلاطون .. ولو قدر لهم أن يفهموه كما فهمه -في ظني- مكيافيللي وأن يتبعوا أنظارهم في النتائج التي توصل لها ويظفوها ما وسعهم في مساعيهم لربما اختلف الحال ..