لا يزال السدّ إلى اليوم يتيم دهره، نصّا وحيدا غريبا كأول عهده، ليس كمثله في أدبنا الحديث مغامرة. طلع علينا منذ سنين، و كل ما كتب له لا حق، مفهوم المأساة يستحيل معها الفنّ صراعا بين الخلق و العدم. فكان في الإبداع تجربة خارقة و من تناهيه فيها شبهة بأشهر ما يعرف في الغرب من "تجاريب الحدود".
كاتب ومفكر تونسي. ولد في قرية تازركة بولاية نابل بتونس. وبدأ تعليمه في كتّاب القرية حيث أتم حفظ القرآن قبل أن يبدأ مرحلة التعليم الابتدائي في قربة. ثم أتم الدراسة الثانوية في المعهد الصادقي عام 1933. وفي العام نفسه، التحق بكلية الآداب بجامعة السوربون ليدرس اللغة العربية وآدابها. وتخرج منها عام 1936، وشرع في إعداد رسالته الأولى " مدرسة أبي نواس الشعرية "، ورسالته الثانية حول " الإيقاع في السجع العربي "، إلا أن الحرب العالمية الثانية قد حالت دون إتمامهما. ونشرت الثانية، لاحقاً، بالعربية والفرنسية. وقام المسعدي بالتدريس الجامعي في كل من تونس وفرنسا. وإلى جانب التدريس الجامعي، انخرط المسعدي في السياسة، حيث تولى مسؤولية شؤون التعليم في حركة الاستقلال الوطني التي التحق بها مناضلا ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعب دورا قياديا في العمل النقابي للمعلمين. بعد الاستقلال عام 1956، تولى المسعدي وزارة التربية القومية، وحيث أسس الجامعة التونسية. وقبلها، كان قد تمكن من إقرار مجانية التعليم لكل طفل تونسي. وفي 1976، تولى المسعدي وزارة الشؤون الثقافية. قبل أن ينهي حياته السياسية كرئيس مجلس النواب وبالإضافة إلى تلك المسئوليات، كان للكاتب نشاط وافر في منظمتي اليونسكو والأليكسو ومجمع اللغة العربية في الأردن. وكذلك أشرف على مجلة " المباحث " عام 1944، ثم على مجلة "الحياة الثقافية" عام 1975. كتب المسعدي أعماله الهامة بين العامين 1939 و1947. وتكشف هذه الأعمال عن التأثير القرآن على تكوينه الفكري والعقائدي وعلى أسلوبه. كما تنم أعماله عن إحاطته بأعمال المفكرين المسلمين في مختلف العصور، وبالأدب العربي القديم التي بدأ اهتمامه بها منذ مرحلة دراسته الثانوية، بالإضافة إلى اطلاعه الواسع العميق على الآداب الفرنسية خاصة والغربية عامة
هي رواية الفرد و هو مقبل على واقعه المقيت بفأس الثورة يهوي به على كل محفوظ و مألوف و محتوم، يكفر بصهباء و ملّتها، آبيا أن تكون غلاّ في عنقه و قيدا لخياله الباري و شللا لفعله، إذ يرى في إنجيلها تعويذة تمجها أسماعه و تلعنها شفاهه : "إنّي أنا الخالقة الربّة، ثم جاءتنا الملائكة و قالت : الأرض صخر و لا حياة فيها"،
أما زوجه " ميمونة " فلم يعد يغريه صوتها و كأن في حديثها سموم، "أرأيت يا غيلان. الماء إثم و سيّئة"، كلّما أنصت إليها، إستبد به القلق والشك و قطعا أحشاءه فهي شرقية جبرية و هو متمرّد نتشوي يأبى أن يذعن للحدود أو بالأحرى ينفي وجودها. الحياة عنده قيمة يجاهد لتحقيقها و الحياة عندها تصوّر. هو يسخط على واقعه و هي تأنس له. هو يخار التمرغ في وحل الشقاء و هي تأثر الالتفاف داخل شرنقتها الرومانسية المريحة.
أما ملفوظات الهواتف و الحجرات، فهي شبيهة بصوت الأبد و هو يقف ساخرا أمام الفعل الانساني، كلّما أنصت إليه إلا و تجرّعت الغصّة تلو الأخرى. فهو المطلق الذي يذوي أمامه أي معنى للوجود. هو صوت الحقيقة المنادي بالويل و الثبور...
و بطلنا النتشوي، لئن كان عليما بعبثية الوجود فإنه أبى أن تكون هاته الحقيقة حجرة عثرة تحول بينه و بين بناء سدّه. لقد أبى الركون و عيشة الدّعة التي تصبو إليها ميمونة و انبرى ينافح عن الحركة و الحياة.
أما في البرامج الاذاعية "الثقافية"، فهناك أيام في السنة، تحتفي بالسدّ. مثلا برنامج اليوم سيناقش تقديم الأستاذ فلان للسد، و في برنامج آخر سنتحدث عن تقديم علاّن. لأن النقاش امتدّ عبر السنين، و بات الحديث عن السدّ نفسه مستهلكا، لنتحدث عن الحديث عنه! ـ السدّ يقدم فلسفة جديدة يندر أن تجدها. ـ السدّ يقدّم لغة جديدة، في الواقع هو يعيد خلق اللغة العربية!
أما ما صنع أسطورة "السدّ" بنظري، فهو حتما برنامج الباكالوريا آداب!
و ها قد قرأتُ السدّ و رأيت. هل هو أهمّ نصّ أدبيّ تونسي؟ لا أجرؤ أن أقارن أهمّيّته بأغاني الحياة مثلا. لكنّه أحد أهمّ الأعمال الأدبية التونسية بالفعل.
ـ لماذا تبدو متهكما منه إذا؟ أنا لا أفهمك!
أنا قلت إنه أحد أهم الاعمال الادبية التونسية، و لم أقل إن الرجل يعيد خلق اللغة! أي كفر هذا و أي نفاق؟ لماذا يصرّون على قتل كل جميل بمبالغاتهم السخيفة؟ أية لغة جديدة خلقها المسعدي؟ و أي صياغة جديدة يراها المرء في نصّ السد؟ النصّ عاديّ منمّق مغرق في ألوان البديع أحيانا كثيرة. يستعمل معجما قرآنيا في الكثير من الأحيان لغاية في نفس الكاتب. لكن المؤكد أن السدّ ليس قصيدة "مطر" مثلا..
ـ هل تنكر العمق الفلسفيّ للمسرحية؟
أغلب النقاد الذين قرأتُ "مبالغاتهم" يقرّون أن المسرحية صورة لبروميثيوس الميثولوجيا الإغريقية. لا يوجد "جديد" هنا بقدر ما يوجد تعريب لفلسفة موجودة بالفعل. هنا أيضا أسقط في المقارنة و أنا مجبر على ذلك لسبب بسيط أن السدّ هي الأخرى تحمل عبقا وجوديا لا يخطئه أنف. أقول هي الأخرى لأنني أقارنها بمسرحية "الذباب" لجون بول سارتر، حيث نجد أيضا صراعا حاميا بين البطل البشريّ : أوريستس و كبير الآله جوبيتر. السؤال الخبيث هو : من كتب مسرحيته قبل الآخر؟ الذباب كتبت سنة 1943 أم السدّ فظهرت سنة 1955 لكن صاحبها يقول إنه انهاها سنة 1939. ربما هو مجرّد توارد أفكار لا غير، و ربما كان سارتر يحسن القراءة بالعربية، ليقرأ السدّ قبل أن ينشر، المهمّ أن المقارنة بين العملية (و هما مسرحيتان، تحمل ذات الطابع الملحميّ الأسطوريّ عن صراع البشر مع الآلهة) ليست في صالح كاتبنا إطلاقا. لذلك أفضل أن نتواضع قليلا و أن ننسّب الأمور و الأشياء. مسرحية السدّ جميلة و عميقة، لكن لا يجب تحميلها أكثر من طاقتها، و الواقع أنها فنيا ليست بتلك المتانة كما سأحاول تبيينه.
ـ و من أنت حتى تقول هذا الكلام السخيف؟ من أنت حتى تتهم أساتذة الأدب بالمبالغة و النفاق؟
أنا مجرّد قارئ آخر طبعا، مجرّد قارئ خبر جهل الكثير من "الأساتذة" و مبالغاتهم، و سخافاتهم، و تشريعهم الأدبيّ للرداءة سنة بعد سنة. و حقّ له أن يقدّم رأيا و حججا، فمن شاء أن يناقش، فهي ذي الحجج و الأفكار أمامه و ليجب عنها لا عنّي، فأنا نكرة، و لكن الحجج قد يتبناها بعضهم، و قد يكون "بعضهم" كثير..
----- SPOILER
"بل انظري إلى هذه العين البديعة تنفجر عن جنب الجبل، كيف تركوها منذ آلاف السنين تذهب فتغور مياهها و حياتها في الهاوية بمنقطع الوادي."
أعتذر عن عدم قدرتي على تعقيد الأمور، فأنا لا أفهم أعقد الأشياء حتى تبدوَ في عيني بسيطة، و البساطة في قراءة السدّ تنطلق من تحديد منبثق الدراما في هذا العمل. هذه العبارة التي قالها "غيلان" الشخصية الرئيسية، تحدّد البداية و الأصل. قرية تعاني الجفاف، و الجبل المحاذي ينعم مياها لكنّها تذهب هباء و خسرانا. الحل بناء السدّ. مهلا! إلى أين تذهب؟ هاوية بمنقطع الوادي. منقطع الوادي؟ و أين ينقطع الوادي؟ هكذا يستمرّ مسافة ثم ينقطع؟ لا شلال، و لا بحيرة و لا بحر؟ ينقطع هكذا؟ ثم أين الوادي؟ في هاوية؟ حتى "منقطعه"؟ و المكان من حوله جاف غير ذي زرع؟ أحاول أن أستذكر (أو أتخيل) واديا آهلا بالماء، يملأ الجفاف ما حوله، فأخيب. الواقع أن الصورة جغرافيا مرهقة لذلك سأذهب مذهب "هذه تفاصيل سخيفة لا داعي للانشغال بها، الأهم هي الرمزية، و الأفكار و الفلسفة من وراء كلّ ذلك" .. في الواقع، الرمزية و الافكار و الفلسفة مادامت تقدّم في الأعمال الأدبية في قالب فنيّ، فيجب احترام القالب الفني، بما فيه من سيناريو و حبكة قصصية و ادوات بلاغية و تركيب شخصيات الخ الخ.. لكن لا علينا، لننخدع كما يقول أحمد خالد توفيق..
"غيلان" سيواجه الآلهة صاهبّاءالتي ترفض بناء السدّ، لأنها.. الآلهة. أو لأنّ السدّ هو رمز قدرة الإنسان على الخلق. بشيء من التدقيق، يمكن أن نلحظ أن صاهبّاء (ربما عكس جوبتر سارتر) لا تمثل الجانب القدريّ الجبار الذي يحاول تسيير الانسان إلى حتميته، بقدر ما تمثل جانب الخنوع و التواكل و التخلّف و السكون فيه. صاهبّاء هي عزوف اهل القرية عن الفعل، و ركونهم إلى الدعاء، خوف أهل القرية من التغيير و جنوحهم إلى العادة. و العادة هنا بكل معانيها. ذلك أننا لو عدنا إلى ظرفيّة كتابة "السدّ" التاريخية، و اطلّعنا على المجتمع التونسي في تلك الفترة، فلربما فهمنا جانبا مهمّا لعلّه دفع المسعدي إلى كتابة هذه المسرحية. هذا الجانب هو انتشار الجهل و سطوة الأساطير الدينية التي تقعد التونسيين عن فعل البناء الحضاريّ. ربما عبّر عن هذه الصورة قصيدة شهيرة لنزار قباني من تلك الفترة أيضا و هي "خبز و حشيش و قمر". إن التشابه البيّن بين الفكرتين لجدير بأن يدفعنا إلى القول بتشابه الحقيقة في الأوطان العربية. لكن هذه مسألة أخرى ... المهم أنني أعتقد جازما أن هذا هو الدافع الأكبر لكتابة السدّ، لكنّ ذلك لم يمنع الكاتب من انتقاد الدين في ذاته. و هو أمر وجدته غير موفق بالمرة.
ذكرتُ سابقا إن النقاد يجمعون على الجانب الملحميّ الأسطوريّ في المسرحية الذي يحيلنا إلى الميثولوجيا الاغريقية. و هو مع ذلك جوّ عربيّ يحفل بالرموز الثقافية العربية. لكن، لنعد ترتيب الأوراق قليلا. حينما نتحدث عن الثقافة العربية، فإننا لا نعدم أسماء آلهة، و لا نعدم ميثولوجيا وثنية. و لعلّ بعضها مشابه لآلهة الأولمب أيضا. فلماذا البحث عن "صاهبّاء" ؟ ثم، هذا الابتهال المبتذل، هلهبّا صاهباء. من أين جاء به و ماذا أراد به القول؟ أما ما يحيّر النفس، فهذا التداخل المبهم بين معجم فانتازيّ (فيه ربّة لا نعرف عنها شيئا في كتب التاريخ) و معجم إبراهيميّ واضح المعالم لا يحتاج إلى جهد أو إلى تأويل (فيه قرآن و إنجيل و توراة، و فيه آدم و حواء و نوح و أنبياء) فهل كل ذلك على سبيل اكمال صورة الميثولوجيا؟ لا أظن ذلك. الدين هنا ينتقَد و يُرفض و ربما يتعرّض للتهكم أيضا. لاحظوا استعمال كلمة "إسلام" في أكثر من موضوع بمعنى الخنوع و التسليم، لكن الكتاب يصرّ على استعمال لفظة "إسلام". كما أن إنجيل الربة صاهباء ليست إلا محاولة خفيّة كما فعل الذين سبقوا المسعدي من قبلُ ثم أدركوا خطأهم، إنّ تقليد القرآن ليس إلا إقرارا بمعجزته اللغوية. و في الواقع فالمعجم القرآنيّ حاضر في أجمل مقاطع نصّ السدّ و أكثرها بوحا بأفكار المسعدي و مطامحه من وراء قصته. و هو اقرار لاشعوريّ بعبقرية النصّ القرآني الذي حاول التهكم على تقديس الناس له، و حاول جرّه إلى ساحة محكمة السخرية السخيفة.
هناك الكثير مما يقال بشأن الحجارة و ميمونة و البغل، لكنني أحب أن أتحدث أخيرا عن الربة صاهباء و ميارى. ذلك أن الربة كانت غائبة تماما عن المسرحية و كنت أنتظر لها مشهدا دراميا صاخبا مع غيلان، لكن من الواضح أنها غابت لسبب ما، أو لغير سبب. و أنا أرجح أن السبب هو تخيير المسعدي أن تظل الآلهة فكرة، وهما، لا اجابة حاسمة عن وجودها أو زيفها. أما ميارى فقد أحبطني ظهورها، و قد كنت أتخيل أشياء كثيرة بشأنها قبل قراءة الكتاب، و لنقل إنها تمثل طموح غيلان، و سعيه نحو الإنسان الأرقى، هي كائن من نور (و النار غير محمودة هنا) لا كائن بشريّ، يترك من أجلها غيلانُ ميمونةَ و جسد ميمونة الذي يدعوه إلى الاستسلام، و إلى الحياة الممتعة. و الأسئلة هنا تتعدّد بداية من النظرة التي قدّمها المسعدي للجسد، ثم للمرأة، ثم هل إن غيلان كان يحتاج إلى شيء "نورانيّ" ليتّبع طموحه و أفكاره و مواقفه؟ في نهاية الأمر، ربما لم يفكر المسعدي في كل ذلك و هو يقابل بين ميمونة الكائن البشري و الرفيق و بين ميارى التي تأتي فجأة من السماء، أو من غيلان نفسه. ربما كانت وسيلة بسيطة لايجاد دعم لبطله، لكنّني أعتقد أنه دعم غير أصيل، و أنه لو ظل وحيدا ضدّ الجميع لكانت جرعة الدراما أكبر ها هنا.
-------------- END OF SPOILER
من الاجحاف القول إن السدّ ليس كتابا ثريا. لكن الاجحاف الأكبر هو تحميله ما لا طاقة له، و هو أيضا (من الإجحاف) عدم التعرّض إلى ضعفه الفنّي و إلى أنه ليس بذلك العمل الفارق الذي جاء بفلسفة جديدة إلى العالم. إن أسوأ ما يقدّم به كتاب أدبيّ، هو ما ليس فيه من عظائم الأمور.
من أ��ظم ما كتب المسعدي، الذي يبرهن لي من خلال كل كتاب أقرؤه له أنه عبقري الأدب العربي المعاصر. ابداع لا متناه على مستوى اللغة، ورسالة فلسفية وجودية تبحث في كنه وجود الانسان على الأرض وتطرح الصراع الأبدي بين ارادة الوجود ومحدودية المادة.
السّدّ صراع خفيّ، صراع إنسانيّة ضائعة، خاطئة، غبيّة ... لا يمكن لأحد في نظري، أن يكتب كتابا كالسّد لمحمود المسعدي، عميد الأدب التونسي. قرأ طه حسين هذا الكتاب مرّتين و ذكر أنه لم يفهمه، ثم حاول مرّة أخرى و كتب منشورا في إحدى الجرائد المصرية ليتحدّث عن الكتاب، حسب نيّته، و لكن بكلّ الطّرق إلا الطّريقة الصحيحة، لقد حام حوله دون أن يدركه، و ما ردُّ المسعدي له إلا قوّة الأديب الفيلسوف. السّدّ النّظرة الفلسفيّة التي لن يدركها كثيرون، و روح ناظر متروّ و حكيم.
السد.. تجربة الوجود الإنساني والصراع مع الخوارق رواية المسعدي ودرته بامتياز فيها تجلت نزعته الإيمانية الحائرة وفي طريقة كتابتها الشبيهة بالنص المسرحي برزت قدرته على التجديد والإضافة في شتى أنماط النصوص الأدبية والسد الذي ترجم اليوم إلى لغات عديدة في العالم مازال لم يفصح بعد عن كل مكنوناته باعتباره كما يقول الأستاذ توفيق بكار تجربة من تجاريب الحدود. تلك التجربة التي قل ما تتمخض عن أديب أو يتمخض عنها الأديب اليوم.. التجربة التي نستشف من خلالها عمق المسعدي وثقله الفني علاوة على ضمئه الفلسفي أمام صمت الوجود..
رحلة وجودية تصور معاناة الإنسان الساعي للإنعتاق و الحرية في صراعه مع القوى الميتافيزيقية ! غيلان الذي رفض الواقع و حاول التمرد على الآلهة كان مصيره الهلاك ..
تحدثنا المسرحية عن ثورة غيلان و رفضه للواقع الذي يعيش فيه و الموجودات و الموروثات التي تتناقلها الأجيال دون شك أو بحث .و هو يتمرد بذلك على الآلهة و يحاول صرف الناس عنهم بإقامة " السد " . و تقوم بينه و بينها حرب وجودية لا تحتمل وجود حالة سلم ، فهي نزاع على النفوذ و الملك. و لكن ميمونة، وهي زوجته المتمسكة بالحاضر و بإيمانها ، تحاول منعه من ٱقتراف ما لا يمكن له إصلاحه و ترميمه بعد تهديمه . حقيقة أبهرتني لغته العربية و طريقة نحته للصور التي تخلو من الزخرف الكاذب . و مازاد إمتاعي هو أن هذه المسرحية قد قامت على الترميز . اذ أن المسعدي قد انتقى كلماته بدقة لتخدم كل منها هدفا معينا . مما أعجبني : " الشجاعة أن ترضى بنفسك و قصورك و نقصانك و عجزك. أن تجاهد دعوة الامكانات و تشويشها لوجدان الوجود و إغرائها بالفعل و الخلق. أن تطمح إلى الجبال و ترضى بالأغوار و الوهاد، و تأكل من الأرض الغبراء فتكون لك لذة و لا تكون لك سواها متعة... "
أثر فني خالد، ومن واجب المتحدث عنه ان ينسى المحفوظ والمبتذل والمعاف من الأساليب ليقابل ما فيه من أنات وحسرات كاسراً سدود اللفظ الجامد وحيطان العبارة الضيقة !!
لغة المسعدي ، بحره اللج الذي يغشانا بموجه و يغرينا بأن نخوض غماره أكثر من مرة لننهل من كنوزه و درره. إنه التمرجح بين الحلم والواقع ... بين الطريق المسدود ... والمطلق اللامحدود... اللذان يفضيان بنا إلينا: نحن طبيعة ميمونة و ميتافيزيقيا غيلان مجتمعان ...
A notable cross-genre literary experiment, especially format-wise, in the author's recognizable Quran-infused style. A bit unfulfilling content-wise though, a rehash of Prometheus, a collection of abrahamic religious symbology and a re-iteration of the endless human struggle against the gods of fate and oblivion via action and creation. A remarkable essay in existentialism that turned into a stylistic show of force "à la Faulkner-esque", perpetuated by awed critics, scholars, and mandatory reading lists.
تصور المسرحية الصراع بين الانسان و المطلق ، وهو صراع جسد كثيراً في الأدب بطريقة افضل من هذا العمل ، إذ أن المؤلف بعد أن صنع ربة من مخيلته لم يستطع أن يكتفي بها بل ذهب يشير إلى الأديان الإبراهيمية وزاد في محاولة محاكاة الاسلوب القرآني و إطلاق لفظة ( إسلامهم ) على استسلام عُباد صاهباء . مسرحية شعرية لطيفة لكنها جافة ، ان المسرحية وجدت لتمثل لذلك إن كانت الشخصيات لا تحركها حواراتها ولا تحركنا فإن الحل أن تصبح رواية وتعاد كتابتها
السد قصة صراع بين الانسان و الالهة او المعتقدات و المسلمات او فلنقل المجتمع و الواقع ككل. افعال غيلان ماهي الا ثورة عللى معتقدات الارضوخ و الايمان و ابرازا لقدرة الانسان على الفعل و الخلق . غيلان شخصية تدهشك بحماسها و اصرارها و قةتها . فرغم كل العراقيل و الصعاب و رغم وسوسات ميمونة الراضخة هي كغيرها .. واصل سعيه الدؤوب مضحيا بروحه في سبيل انهاء قصته اي انهاء السد
هذا أول عمل أقراه للكاتب التونسي/ محمود المسعدي، وعلى الرغم من ذلك استمتع للغاية بلغته وأسلوبه، وسأكمل بقية كتبه إن شاء الله، لما فيها من قوة أسلوب ولغة رائعة، وقد نشرت الهئية العامة للكتاب أعماله الكاملة سواء كانت أدبية أو نقدية في ثلاثة مجلدات، وقد قمت بإقتناءها في معرض الكتاب 2018
لا هي برواية الثلاث نجمات و لا هي برواية الأربع ... شيء ما بين بين ... توقعت منها أكثر ربما و لكنني عموميا راضية على المستوى اللغوي و الابداعي ... لا أزال أرى رواية تماس أفضل ما قرأت محليا تمت 14-04-2025
كتاب مثير للتساؤلات و ممتع لكنه ليس أفضل ما قرأت للمسعدي. يتابع غيلان و ميمونة فالاول في سعي دائم لاثبات قدرة الذات البشرية و الثانية مؤمنة بعجزه أمام قوة الاله.
تفاجأت حقا بنهاية هذه الرواية لم أكن اتوقعها كذلك، لكني متأكدة ان من يقرأ هذه الرواية هو يدرك في قرار نفسه مثلي انه بحاجة لإعادة قراءتها مرة أخرى و هو ما سيفتح عينيه و عقله على معاني أعمق و افكار أكثف ذات بعد فلسفي وجودي يختلج في صدر الكاتب بل يسكن في عقل كل انسان، لا يكاد يكف عن البحث عن سر وجوده و معنى لحياته. صحيح أن الكم الهائل من الكلمات التي تعد حقيقة صعبة الفهم هو ما يجعلها ذات وزن ادبي ثقيل فعلا الا انه يعرقل القارئ عن فهم المعنى سريعا، لكنها تبقى ذات لغة عربية جزلة، من جمل ما يمكن قراءته، لذلك قراءة واحدة لا تكفي.