نبدأ هذا الجزء، الخامس، باستكمال الحديث عن الحياة الأدبية قبل خمسين عاماً، وهو حديث يجرّنا إلى ذكريات أدبية متنوعة. ثم ننتقل فجأة إلى ذكريات جزائرية، ثم إلى ذكريات فلسطينية. وهذه الذكريات تنقلنا إلى قضية فلسطين، فنجدنا وقد انتقلنا مع علي الطنطاوي إلى القدس لنحضر "مؤتمر القدس الإسلامي"، ثم لا نلبث أن نجد أنفسنا في وسط الرحلة دون أن ندري؛ ننتقل من القدس إلى بغداد، ونمر بالموصل وإربل، ثم نتوقف طويلاً في كراتشي. وهذه الوقفة الطويلة تنقلنا -بلا تكلف- إلى الاستماع لعلي الطنطاوي وهو يروي لنا "قصة باكستان" الممتعة، ثم وهو يحدثنا الحديث الشيق عن دهلي، الفردوس الإسلامي المفقود. ثم ننتقل فجأة من الهند والسند لنجد أننا قد صرنا في دمشق في يوم الجلاء، وإذا بسلسلة جديدة من الموضوعات يولّد بعضها بعضاً: الجلاء يذكّر بالاستعمار وأساليبه، وهذا يذكّر بإفساد التعليم والأخلاق على الطريقة الفرنسية، وهذه تذكّر بمعركة دروس الديانة في مدارس الشام، وهذه جرّت إلى الحديث عن الدعوة إلى الاشتراكية والعبث بالمناهج أيام الوحدة؛ فما انتهينا من هذا الجزء إلا ونحن نَلِجُ عهد الوحدة ونقرأ عن عبد الناصر كيف استقبلته دمشق ووزيرِه كمال الدين حسين كيف التقى به علماء الشام، ثم نختمه بالخطبة التي هزت دمشق!
ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
في عام 1963 سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّساً في "الكليات والمعاهد" (وكان هذا هو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود). وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على أن لا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها (وفي جدّة) خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة (من عام 1964 إلى عام 1985)، ثم انتقل إلى العزيزية (في طرف مكة من جهة منى) فسكنها سب
رحمك الله يا شيخ علي وأسكنك فسيح جنانه وجزاك عنّا خير الجزاء ..
هذا الجزء بالتحديد من الأجزاء الدسمة والحافلة بالمعلومات و الأخبار والحقائق ، باختصار هو (تأريخ) ، تحدث الطنطاوي عن شتى المواضيع و أخص بالذكر : مؤتمر القدس ، الجهود التي بذلت لإسترجاع فلسطين ، الجولة حول العالم (عبر الدول الإسلامية) للتعريف بقضية فلسطين ، يتخلله الحديث عن مواقف مضحكة ومؤثرة عن هذه الرحلات ، ثم كان الختام بالحديث عن جلاء المستعمر عن سوريا ، و التغيرات التي حلت بسوريا ، و آثار الإستعمار والدفاع عن الفضيلة ..
الجزء مليء بالفوائد ، والحقائق ، التي يجب أن يطلع عليها الإنسان المسلم والعربي بشكل خاص .
على هامش المراجعة : ذكر مجموعة من الكلمات التي شهد تعريبها ،مثل : عفوي ، عبقري ..
8 أشهر اعترضتها قواطع وشواغل. وها قد عدت؛ لأُتمّ آخر 22 صفحة! وكعادتي؛ لا أستطيع أن أُعطي كتابًا من كتب الطنطاوي -رحمه الله-، أقلّ من 5 نجوم. رحمه الله وأكرمه ..
أكثرَ الشيخ في هذا الجزء من نقولاته من مقالاته وخطبه القديمة، والتي كثير منها منشور في كتبه الأخرى. هذا بالإضافة إلى أنه استطرد في كل موضوع ثم استطرد في الموضوع المستطرد ثم يستطرد في الموضوع المستطرد في الموضوع المستطرد! أعلم أن هذا من أسلوبه رحمه الله لكنه في هذا الجزء جاوز الحد.
وعلى العموم، ذكريات الطنطاوي لا يمكن أن تقيم أي جزء منها بأقل من ثلاث نجمات، لأنك لن تخرج منه بغير فائدة كبيرة.
في هذا الجزء ... يتابع شيخنا حديثه الماتع ...و إن خرج عن خط سير الذكريات ... فكان في هذا الجزء كلام عن الجزائر و فلسطين ... و حديث عن مؤتمر القدس ... ورحلة الشيخ للدفاع عن قضية فلسطين .... ثم كلام عن تبدل الأحوال و تغيرها ... و دفاع عن الفضيلة التي قتلت ... فياحزن القلب و أسفه ...
رحمك الله شيخنا ... و رحم كل من ذكرته في ذكرياتك ... من شيخ و أستاذ و من عامل و من عابد ....و جزاكم الله عن أمتنا خير الجزاء ....
بفضل من الله تم الانتهاء من جميع الأجزاء الثمانية للذكريات وهنا تجدون: قراءة لكتاب ذكريات لعلي الطنطاوي بقلمي: عبدالسلام ... http://a-f-77.blogspot.com/2013/04/bl...
"المدارس هي الإشارة التي تعرف منها إلى أين يكون اتجاه الأمة وكيف تكون حالها في غدها " المحاربة الناعمة للأخلاق والقيم باختراق التعليم هي الحرب الأكثر ضررا على مجتمعاتنا الإسلامية .. فنحن في غفلة عنها
كعادة شيخنا الفاضل يجمع بين : المتعة ، الثفاقة ، الأدب ، التاريخ وأنا اقرأ الكتاب وأرى الانفتاح في سوريا أشعر بأننا نحن من بعدهم :) وهاهم الآن يعودون إلى دينهم وفطرتهم السليمة التي فطرهم الله عليها
هذا الجزء يلعب فيه الشيخ -رحمه الله- دور الأديب المؤرخ لرحلاته ولتاريخ اوطاننا والبلاد التي زارها وعرض أمور صدمتني حد الذهول خاصةً كلامه عن الحضارة الاسلامية في الهند وغيرها الكثير الكثير .
كنت أحسب أن الشيخ علي الطنطاوي قد توفي! وإن كان حياً فلا أحسب أنه كان سيقرأ مراجعاتي للأجزاء السابقة!!
فبعد أن حدثتكم في مراجعة الجزء الماضي عن انزعاجي من كثرة خروج الشيخ عن الخط الزمني للذكريات؛ فإذا بي أتفاجأ به مجيباً عن هذا في بداية هذا الجزء فقال: "لامني قوم وقالوا إني أخرج من خطّ الذكريات المتّبَع فلا أسلكه، بل أمشي في طريق جديد. وأنا أعترف بهذا، لأنني لم أُرِد أن أكون كسائق السيارة الذي لا ينظر إلاّ إلى الأمام، بل كراكبها الذي يتلفّت يمنة ويسرة ويرى ما يمرّ به من مشاهد ويصف ما يرى. لست كالجندي المرسَل في مهمّة مستعجَلة فهو يسرع إلى قضائها، بل كالسائح المتمهل الذي يرى ويسمع ليستمتع ويستفيد."
وأنا هنا أعلن عن تراجعي عن ذلك الموقف، راضياً بهذا الجواب وتقديراً لهذا الرد. فأنا أرضى بأن أكون سائحاً مع الطنطاوي حسبما يشتهي ويريد، فهو الدليل والمرشد الذي ارتضيت، وهو الأديب الذي أحببت.
في هذا الجزء مررنا أنا والسياح الكرام برفقة دليلنا البارع على عدة محطات. بدأنا من المكان الذي انتهينا منه في الجزء الذي خلا، فقضينا جزءً من الوقت في أفياء الأدب وذكرياته. لمسنا فيها جانباً مما كان سبباً في تكون شخصية دليلنا. رأينا شيئاً مما يمكن أن يكون في الحماسة الأدبية فألهبت قلوبنا وصبت العزيمة في نفوسنا. اكتشفنا في تلك الأفياء أن لأديبنا قديم وجديد، كما للشافعي -رحمه الله- قديم وجديد، فوقفنا على معالم الجديد وعرفناه، ووقفنا على معالم القديم وعرفناه.
ثم أكملنا المسير لنصل إلى موطن حدث جليل. حضرنا المؤتمر الوحيد الذي حضره دليلنا (مؤتمر القدس). حدثنا عنه وأرانا شيئاً مما كان فيه، ثم شرعنا في السير إثر ما كان بعد المؤتمر، فبدأنا رحلتنا التي قُطع فيها ربع محيط الأرض في سبيل فلسطين. بدأنا من العراق، فمررنا بمدنها وأهلها، وتعرفنا عليهم، وعلى مكان فلسطين من قلوبهم، مررنا بإربل والموصل والبصرة وبغداد. ولا يظن ظان أن ما رأيناها في العراق هنا مقاربٌ أو مشابهٌ لما رأينها في الجزء الذي مضى فيكون تكراراً مملاً، لا والله، فهنا لذة وهناك لذة، ولذات الأدب لا تنقضي. فبين الرحلتين سبعة عشر عاماً. وفي الأولى كان معلماً وفي الثانية كان داعياً.
ثم ارتحلنا إلى كراتشي، ورأينا بها العجب، وشاهدنا فيها من الصور واللمحات ما لم نرأه في حياتنا، وحدثنا الدليل الحاذق عن تاريخ تلك البلاد، وعن ذلك الفردوس الاسلامي المفقود "الاندلس المفقودة"، حدثنا عن الاستعمار وعن وكلاء الاستعمار. كيف أظهروا قرونهم وفجورهم؟ كيف مكنوا الهندوس من رقاب المسلمين فزهقت أرواحهم وبلت أجسادهم؟
وما كدنا نكمل تلك الرحلة التي بدأت وما كدنا نكمل مسيرنا حتى عاد الدليل إلى تلك العادة التي رضينا بها معشر السياح، أو على الأقل رضيت أنا بها. فما من بدٍ منها. فذهب ليحدثنا عن يوم جلاء المستعمر من أرض الشام، واسترسل في حديثه عن جرائم الاستعمار الفكري التي ما جليت ولا أفلت إلى يومنا هذا. حدثنا عن مولد الفسوق، وعن موت الحياء والفضيلة. شهدنا تبدل المدارس وتغير غاياتها، وشهدنا موت العلم فيها! شهدنا الدمعات وهي تسيل على خد مرشدنا ألماً. تألمنا معه، وكان ألمنا أعظم فنحن الذين شهدنا ما لم يشهده دليلنا فنحمد الله عز وجل أن قد ذهب الطنطاوي إلى ربه حتى لا يرى ما وصلنا إليه. ونسأله جل في علاه أن يصلح أحوالنا وأن يهدينا. رحم الله الطنطاوي رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.
في الجزء الخامس من هذه الذكريات تحدث الشيخ علي الطنطاوي عن رحلته مع رابطة العالم الإسلامي التي ابتدأت من مؤتمر القدس، وزار خلال هذه الرحلة العديد من البلدان كالعراق وباكستان وإندونيسيا، وحدثت له أحداث وحكايات مثيرة فيها.
ما يتميز فيه هذا الجزء عن بقية أجزاء الذكريات هي الخطب الجميلة البليغة من الشيخ علي الطنطاوي، فكانت رحلته مع رابطة العالم الإسلامي مليئة بالخطب العظيمة، وأيضًا قضية رقص السماح الذي أضافوه إلى المناهج الدراسية فألقى فيها الخطب الرنانة مدافعًا عن دينه.
وتحدث عن تاريخ الهند، وعجبت كل العجب عن هذا التاريخ الإسلامي العظيم المنسي في دهلي لا دلهي كما يقول الطنطاوي، وهو لشيء محزن جدًا أن ننسى أبطال من أبطال الإسلام، وحضارة كاملة قامت على الإسلام بسبب الاستعمار الذي يمحو التاريخ وينسيه أصحابه.
وأخيرًا تحدث عن وحدة سوريا ومصر، وكيف استقبلت سوريا جمال عبدالناصر واستبشروا به خيرًا إلى أن خذلوا بالأكاذيب المزيفة والخطب الرنانة.
الجزء الخامس من ذكريات علي الطنطاوي.. بدأه متصلًا بحال الأدب في القرن الماضي، واستطرد كثيرًا إلى مواضيع مختلفة، منها سفرهم إلى شرق آسيا، وثورة الجزائر، و جرائم فرنسا في سوريا، ومؤتمر القدس، ثم أطال الكلام عن الانحلال كيف بدأ وأين منشؤه، وعن مدارس البنات وكيف تحولت إلى هادمة للفضيلة، وتكلم عن الانقلاب على الملك فاروق، وكيف استبشروا به ثم تبين أنه انقلاب إلى الشيوعية، ثم عن الوحدة، وختم بحلقات عن ذهابه إلى مصر وما حدث فيها من مقابلة جمال عبدالناصر والوزراء هناك، ثم عاد إلى المدارس والانحلال.
أرخ الشيخ في هذا الجزء لبداية دخول الفسوق والانحلال الأخلاقي في سوريا ووقوفه شامخاً في ميدان الدفاع عن الفضيلة وصيانة الأعراض ، رحمه الله ورضي عنه وجزاه عن الأمة خير الجزاء .. وتحدث كذلك عن مؤتمر القدس الإسلامي وما أعقب ذلك من زيارات لعدد من الدول بغرض التعريف بالقضية الفلسطينية ..
هذا الجزء شهادة على مرحلة ما بعد الاستعمار وخطورتها، والرعيل الأول ممن قاد البلد بمسمى الوطنية والتقدم. جهاد العلماء بالكلمة وعدم اليأس، والعمل الجاد للحفاظ على اللغة العربية. وأيضا أحببت أحاديث الرحالة في بلاد الشرق الأقصى والمواقف الطريفة.
الأدب هو البثّ، والأديب كالمرأة الحامل، لا يزال يثقل عليها حملها حتى ولادتها، والأديب لا يستريح حتى يُلقي إلى القُرّاء وِقْر الفكرة فيشاركوه في حملها. أمّا إن كان أحسنَ في هذا أو أساء فأمرٌ قلّما يهتمّ بمثله الأدباء. ١٦٤ص
جزء خامس، وتشوّق لقراءة كل ماورد فيه.. هكذا بدأت القراءة؛ لايزال الشيخ يستطرد وهي عادته التي لم تنقطع حتى توفاه الله تعالى، تكلم عن فلسطين وعن الجزائر وعن مؤتمر القضية ثم طاف بنا ونحن فيها ليتحدث عن شخصيات هامة التقى بها أو سمع بها وعرف عنها، ثم عاد ليصف لنا رفقاء الرحلة وخط سير الرحلة، شوّقنا إلى بغداد فشعرنا أننا فعلًا لم نكن قراء حين تحدث عن بغداد وتدريسه فيها بل كنا زوارًا ومقيمين.. وهانحن نعود إليها يحدونا الشوق، ويلفّنا الحنين. يؤكد الشيخ في حديثه عن القضية التنبيه على وضع المال في مواضعه وكالعادة يكبر الشيخ في عين القارئ حين يذكر أنه لطالما امتنع عن أخذ المال بل كان يحضّ على التبرع دون أن يكون هو من يستلمه، بل يوجه المتبرع للمقر والمكان، بعد أن يذكره بعظم التبرع وأجره. نقلنا في مسيره إلى وصف رحلته فصرنا في كراتشي، صوّرها لنا كأنا نراها رأي عين، وصرنا نرى بين السطور سوادًا لأولئك الشعوب المسلمة المنسية، أعز الله الإسلام وأهله، وردهم إليه ردًا جميلًا. في منتصف الرحلة يعود ينا الشيخ إلى الشام وذكرى الاستقلال، ثم لايتمكن من الخروج من هذه الذاكرة لأنها تجر أخواتها، فيذكر الفضيلة، والحرب عليها، والمحاولات المتكررة لإفساد شابات الأمة وشبانها، وفتح باب الإختلاط والعري، والمناكير التي حلّت بعد العفاف والستر.. رحمة الله على الشيخ، ورحمة الله على أيامه، كأنه يصف مانحن فيه، وماآلت إليه الأمور وماكان يخشاه على شباب الأمة من الفجور وانتشار الفواحش، وتطبيع المعاصي وفشوّها، لكن الأمة تمرض ولا تموت، وهي عائدة بحول الله إلى طريق الهدى والاستقامة والتقى والعفاف.. أخيرًا.. تتمة للرحلة ووصف للهند وثقافتها وشعبها، وحديث شيّق عن كيف جاء " الاستخراب لا الاستعمار" وعن بطولات المسلمين فيها وما أنشأوه فيها من الحضارة.. أخيرًا : أساليب المستخرب وكيف استغلالهم للصغار وتدريسهم، وبث السموم فيهم، وتقليص مواد الدين، وإفساد اللغة والعقيدة بكل سبيل وكل طريقة. اللهم ارحم علي الطنطاوي ووسع مدخله وآنس وحشته واجزه عن الأمة خيرًا
بعد الانتهاء من الأجزاء الثمانية من ذكريات علي الطنطاوي استطيع ان اقول ان تقييم الناس ليس بالضرورة دليل على جمالية الكتاب واعطي هذه الذكريات نجمتان ونصف من خمسة والاسباب كالتالي
كان بالإمكان جعل الذكريات في اربع مجلدات اي نصفه فعندما تجد وخصوصا في آخر المجلدات إعادة واجترار وتكرار للذكريات من جديد
وتجد بعض الحلقات اشبه بالمقالات بل هي مقالات صحفية اكثر منه ذكريات فيصيبك السأم والملل
وإني اضع علي الطنطاوي في مصاف الأدباء لكن بدأت اشك في قوله بقراءته عشر ساعات في سبعين سنة لكنه لا يبدو ذلك من افكاره وكلامه الطويل في هذه الذكريات فهو لا يبدو مفكراً على الإطلاق رغم ايضاً كمية الأدباء والعلماء والشخصيات الرائدة في القرن العشرين الذي تتلمذ على يدهم او قابلهم او جلس في مجالسهم
هل كان متواضعاً في كتابته؟ لا اعلم
ربما لو قرأت الذكريات في فترة سابقة لوقعت في نفسي الكثير
أنهيت للتو الجزء الخامس من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي وانا سعيدة بأن تعرفت على مرحلة جديدة من حياة الشيخ ليست مرتبطة بدمشق وعشقها .... ففي هذا الجزء يصنف الشيخ الأديب انواع الحياة الأدبية في البلدان العربية وخاصة في المغرب العربي ثم ينتقل الى مهمته الجديدة التي تم انتخابه من اجلها ألا وهي التعريف بقضية فلسطين حول العالم ... فيروي لنا ما صادفهم في رحلاتهم الى باكستان والهند وبغداد وغيرها ... ويستطرد حول تاريخ الهند القديم ...
ثم يتحدث عن ذكرى الجلاء في سوريا لتكون هذه النقطة نقطة انحراف في هذا الجزء عن المسار المحدد له والذي من المفترض ان يشمل كل البلدان التي زارها الشيخ من اجل مؤتنر التعريف بالقضية الفلسطينة .. ليتحول الجزء الى مسار مختلف تماماً.. ليس الجزء فقط بل ان شخصية علي الطنطاوي نفسها يطالها التحول ايضاً فينتقل من علي الطنطاوي المدرِّس والقاضي الى علي الطنطاوي مفتعل المشاكل ههههههههه بالمعنى الجيد طبعا ... علي الطنطاوي الذي لم يستطع ان يوافق على المنكرات التي اجتاحت سوريا والبلاد العربية بعد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي ... الذي لم يستطع أن يغض الطرف عن الحرية الكاذبة التي تريد تحرير الانسان من وجه واستعباده من وجه آخر ... لم يستطع أن يتجاهل الدعوات الشديدة الى الاختلاط المؤدي الى الانحلال الاخلاقي وضياع المبادئ والفضيلة .. والكثير غيرها ....
لقد كان شخصاً بعيد النظر .. استطاع أن يستشفَّ ما ستُقبل البلاد عليه لو وافقها وشد على يدها في اتباع الحريات المزعومة .... وللاسف فقد اقبلت على مساوئ كثيرة نعيشها الآن .. و لا اظن أن الدفاع عن الفضيلة قد آتى أُكله لا في ذلك الوقت ولا في وقتنا الحالي ...
هذا ليس تشاؤما بل واقعا ... لقد عمل ما يملي عليه ضميره ودينه و أظنه يأخذ ثوابه الآن من ربه أما من استجاب له فقد كسب و أما من حاربه فقد ظلم نفسه ...
تناول في هذا الكتاب ذكريات في سفرة لمؤتمر القدس والتعريف بالقضية الفلسطينيه ، حيث سافر بغداد و إربل وكراتشي و باكستان .
ثم عاد الى ذكر امور اجتماعيه واخلاقيه ظهرت في المجتمعي الشامي كالتفسخ والاختلاط السيء الذي ظهر فيها بعد يوم الجلاء ، ومحاولة المشايخ بكل الجهود محاربة هذه الظواهر ..... وذكر يوم استقبال الشعب السوري لجمال عبد الناصر ، وكيف ان الوحده لم تكن خيرا على سوريا .
يخرج شيخنا الجليل من خط الذكريات المتبع، ويمشي في طريق جديد، متحدثا ثانية عن الحياة الأدبية العربية قبل نصف قرن من عام 1354 هـ، والتي بدأها في الجزء السابق...ثم يتحدث عن حكايته مع القلم، وعن أسلوبه الأدبي الذي تميز به ولم يقلد به أحدا...ضاربا لذلك أمثلة من أسلوبه الحماسي، والعاطفي، والقصصي، وأسلوبه في الترسل...مشيرا إلى كتبه ببعض من فقراتها
ويفيض علينا رحمه الله من ذكرياته عن الجزائر ومجالدة الفرنسيين فيها، وجهادهم بكلمة الحق التي يصدح بها ولا يخاف فيها لومة لائم.
وأما فلسطين فقد كانت حاضرة بقوة من خلال رصد بعض من ذكرياته حول الاحتلال فيها، وأسباب النصر على اليهود...وينقلنا من عام 1945 إلى عام 1953 ليحدثنا عن رحلته من أجل فلسطين...لحضور مؤتمر القدس الإسلامي...ومشاهداته خلال رحلته في كل البلاد التي زارها...وما دار في أروقة المؤتمر ورأيه فيما تمخض عنه من قرارات ذهبت أدراج الرياح!!!!0
ثم يقطع شيخنا الحديث ليعود أدراجه إلى الشام، فقد حلت ذكرى الجلاء وكان لا بد من كلمات، وكعادته شيخنا يستطرد ليتحدث عن مخلفات الاستعمار في أرضنا وأثر ذلك على ضياع الفضيلة وانتشار المنكرات، بل وبيد أذناب الاستعمار من أهل البلد أنفسهم.
ثم يعود للحديث عن الوحدة بين مصر وسوريا واستقبال دمشق لجمال عبد الناصر في ذلك اليوم...وما تركته الوحدة من آثار على جوانب الحياة كافة في البلدين.
جزء مهم من الذكريات أرخ فيه الشيخ للعديد من الأحداث السياسية في تلك الفترة...وبين رأيه فيها...وهو من القلة التي أثق برأيها دون تردد لما عرف عنه من صدق إيمان وإخلاص وولاء لكلمة الحق وحدها
استطرد الشيخ في هذا الجزء من الذكريات وذكر عدة مواضيع متداخلة واختلط الحابل بالنابل , ولكن استطاع تداركها في الاخير . الكتاب جميل جدا وافضل ماشدني فيه أنه يتحدث بي لسان واقعنا المعاصر , وتحدث عن رحلته من أجل نصررة فلسطن وتحدث عن أيام الوحدة معا مصر وبين الخافي والمستور وتحدث عن الجلاء الفرنسي وعن مواضيع جميلة جدا