نبدأ الجزء الثامن بوداع المحكمة الشرعية، وبعد أن تعترضنا أشتات من الذكريات نعود إلى السياق، فننتقل مع علي الطنطاوي في آخر وأهمّ انتقال له، إلى المملكة العربية السعودية؛ فنُمضي معه أولاً سنة في الرياض، ثم ننتقل معه إلى مكة المكرمة. ونعرج قليلاً على موضوعات متفرقة؛ كتفسير بعض الآيات، وحديث عن تعليم البنات، ووقفة مع أبي الحسن الندوي ومذكراته. ثم ينتهي بنا المطاف مع علي الطنطاوي إلى آخر الكتاب وهو يقول: "لما شرعت أكتب هذه الذكريات ما كنتُ أقدّر أن تبلغ أربعاً وعشرين حلقة، فوفّق الله حتى صارت مئتين وأربعين، وما استنفدت كل ما عندي، ولا أفرغت كل ما في ذهني، فقد جاءت على نمط عجيب، ما سرت فيها على الطريق المعروف ولا اتبعت فيها الأسلوب المألوف، فلم تجئ مرتّبة مع السنين ولا مقسَّمة تقسيم الأحداث والوقائع، وما كانت تستقيم دائماً على الجادة بل تذهب يميناً وتذهب شمالاً؛ أبدأ الحديث فلا أتمّه وأشرع في آخر فلا أستكمله، وما أدري كيف احتمل القرّاء هذا كله مني؟ وكنت أفارقكم كل خميس على أن ألقاكم في الخميس الذي بعده، ولكن فراق اليوم إلى غير لقاء"
ولد علي الطنطاوي في دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 (12 حزيران (يونيو) 1909) لأسرة عُرف أبناؤها بالعلم، فقد كان أبوه، الشيخ مصطفى الطنطاوي، من العلماء المعدودين في الشام وانتهت إليه أمانة الفتوى في دمشق. وأسرة أمه أيضاً (الخطيب) من الأسر العلمية في الشام وكثير من أفرادها من العلماء المعدودين ولهم تراجم في كتب الرجال، وخاله، أخو أمه، هو محب الدين الخطيب الذي استوطن مصر وأنشأ فيها صحيفتَي "الفتح" و"الزهراء" وكان له أثر في الدعوة فيها في مطلع القرن العشرين.
كان علي الطنطاوي من أوائل الذين جمعوا في الدراسة بين طريقي التلقي على المشايخ والدراسة في المدارس النظامية؛ فقد تعلم في هذه المدارس إلى آخر مراحلها، وحين توفي أبوه -وعمره ست عشرة سنة- صار عليه أن ينهض بأعباء أسرة فيها أمٌّ وخمسة من الإخوة والأخوات هو أكبرهم، ومن أجل ذلك فكر في ترك الدراسة واتجه إلى التجارة، ولكن الله صرفه عن هذا الطريق فعاد إلى الدراسة ليكمل طريقه فيها، ودرس الثانوية في "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا (الثانوية العامة) سنة 1928.
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان أولَ طالب من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى دمشق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال الليسانس (البكالوريوس) سنة 1933. وقد رأى -لمّا كان في مصر في زيارته تلك لها- لجاناً للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فأُلفت لجنةٌ للطلبة سُميت "اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيساً لها وقادها نحواً من ثلاث سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي كانت تقود النضال ضد الاستعمار الفرنسي للشام، وهي (أي اللجنة العليا للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال الانتخابات المزورة سنة 1931.
في عام 1963 سافر علي الطنطاوي إلى الرياض مدرّساً في "الكليات والمعاهد" (وكان هذا هو الاسم الذي يُطلَق على كلّيتَي الشريعة واللغة العربية، وقد صارت من بعد جامعة الإمام محمد بن سعود). وفي نهاية السنة عاد إلى دمشق لإجراء عملية جراحية بسبب حصاة في الكلية عازماً على أن لا يعود إلى المملكة في السنة التالية، إلا أن عرضاً بالانتقال إلى مكة للتدريس فيها حمله على التراجع عن ذلك القرار.
وهكذا انتقل علي الطنطاوي إلى مكة ليمضي فيها (وفي جدّة) خمساً وثلاثين سنة، فأقام في أجياد مجاوراً للحرم إحدى وعشرين سنة (من عام 1964 إلى عام 1985)، ثم انتقل إلى العزيزية (في طرف مكة من جهة منى) فسكنها سب
ذكريات مُلهِمة جداً .. تستحِق أن تُقرأ على مهَل وتلذُذ.
للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أسلوباً مميزاً في الكتابة والسرد، يُضحكك كثيراً ،يُبكيك أكثر، ويصدِمك طويلاً بتقريره للحقائِق والأمور التي تتحاشى التفكير فيها طويلااً!!
في هذهِ الذكَريات يسَرد الشيخ حياته وتفصَيلات لهَا بطريقتِه الجميلة، التي جاءات على عِدة حلقات كتبها أولاً في صحفية الشَرق الأوسط ومن ثم تم جمعها في كتاب لتكون في ثمانية أجزاء ماتِعة.
القِراءة للطَنطاوي تنقلك إلى عالم مُدهِش، تستوقِفك الكثير مِن الإقتِباسات، والعديد مِن العبارات المُذهِلة ..
ولقد حَاول أن يكون واضحاً ويمشي بطريقة سردية واحدة إلا أن داء الاستطراد أثر عليه .. فتجِد الحلقات بداياتها تتحدث عن موضوع ما .. وتنتهَي وقد شرق وغرب بِك الشيخ في مواضيع عدة .. لكِن هذا الاستطراد زاد من متعة القِراءة رُغم مابه مِن تكرار، إلا أنه لم يُفقِدني الدهشَة والمُتعة أثناء القِراءة .
هذه الذكريات مُحاولة من الشيخ لجمع ما أمكن من تفاصيل حياته السبعون المشتتة في سراديب الذاكرة العميقة، لكِنه حتماً لم ينجح لأنه كما يؤكد في أول تلك الحلقات : "وليس لدي أوراق مكتوبة أدون فيها الحادثة حين حدوثها وأصف أثرها في نفسي، وهذا تفريط كامل مني لم يعد إلى تداركه من سبيل. لذلك أوصي كل قارئ لهذه الفصول أن يتخذ له دفتراً يدون فيه كل عشية ما رأى في يومه."
لكِنها جاءت وقد شمِلت أجزاء كثيرة من مفترق حَياتهِ رحمه الله، وما ميّزها أنها جاءت عفوية، من قلبه إلى قلوبنا دون تكلف، حتى أنه في مواضع كثيرة يعتذِر من استطرادِه أو تكراره لأمر ما وكأنه يخشى أن نُصاب بالملل .. ويُبرر ذلِك بأنه مُصاب بالاستطراد لكثرة قراءته للجاحظ !
في الجُزء الأول يبدأ من أولى سنوات عمره .. لكِنه سرعان ما يبدأ بالإستطراد والتقديم والتأخير في الجزء الثاني وحتى الجُزء الثامن .. لم يكن مُتسلسلاً في سنوات عمره، بل قد تأتي حادثة في السنة التي كتب فيَها الذِكريات تجعَله يؤثر الحديث عنها وعن ذكرياتهِ معها بدلاً من أن يكون مُتسلسلاً مع ذكريَاته، وكأنه يُخبرنا أن تعيش ذكرياتك ولا تنعزِل عن الحياة وصرُوفها ومُتقلباتها.
أعتقد أنني أستطيع حصر ذكَرياته التي تحدث وأسهب فيها في: (المدارس والمدرسين التي تنقل بينها وتعلم وعلّم فيها، توليه القضاء وذكرياته فيه، الكتابة والخطابة والصحافة، القراءة التي كانت تملك ثلاثة أرباع حياته، العائلة والأصدقاء)
لقد أثر بي حديثه عن نفسه كثيراً، لم يكن يحاول أن يظهر مثالياً أو أنه مختلف بل تحدث بعفوية وكثيراً ما يتجنب أن يذكر المدح الذي ناله، وجدت أنه عاش حياته وكل ثانية فيها بما يجب أن يعشها المرء ..
كان قارئاً من الدرجة الأولى، ومطّلع على جديد المكتبات ، وكان شيخاً فقيها قاضياً مميزاً، وكان أباً لبناته كما يجب أن يكونوا الأباء، وكان صديقاً مخلصاً لم تمر لحظة ذكر فيها أصدقائه خاصة أنور العطار دون أن يذكُر مميزاتهم ويمدحهم بما هم أهلاً له، وكان كاتباً ذو لغة مميزة ومُبهرة، وخطيباً مفوهاً تهتز له منابر الشام !
ومع كل ذلك كان مرحاً جداً لكنه يُحب الوحدة والعُزلة! رغم ذلك إن اجتمع بأحد أضفى على المجلس نكتة ومرحاً.
ومما لفت نظَري في حياته تقسيمه وإهتمامه بالوقت وإعطاء كُل ذي حق حقهُ : "أنني لم أكن أقسم نفسي ولكن أقسم وقتي، وهذا ما يسمى عند الفقهاء (المُهايأة) .. هل سمعتم بالمهايأة؟ إذا كان للدار مالكان لا تتسع لهما ولا يمكن أن تُقسم بينهما فإنهما يقسمان الوقت، وأنا حين أكون في المحكمة أوليها انتباهي كله ولا أفكر في الجريدة ولا في المدرسة." هذه النوعية من الأشخاص يُنجِزون أكثر، ويجدون فسحة في أوقاتهم . إن قراءة سير الأشخاص الناجحين وذكرياتهم تُحفِزك أكثر، وتُلهِمك للإنجاز .. وتُعطيك دافعاً أكبر لمواصلة الحياة رُغم كُل تعثر يمُر بك.
وأخيراً آختم هذه المراجعة بما ختم به هذه الذكريات : "هذه نهاية الجزء الثامن من هذه الذكريات، ولكنها ليست نهاية الذكريات ولا أحسب الذكريات تنتهي حتى تنتهي الحياة."
طويت الصفحة الأخيرة من الذكريات...وقلبي يكاد يتفطر وأنا أقرأ كلمات الشيخ الأخيرة...فلم تكن مجرد كلمات...إنها حياة حافلة بالعطاء...بل بلسم للجراح...وعِظة لمن كان له قلب.
والذكريات بأجزائها الثمان، لمن لم يقرأ شيئا منه، لم تقتصر على حديث الذات، وهو الحديث الأجمل والأصدق والأنقى هنا، ولكنها كما وصفها الأستاذ "أحمد العلاونة" مصنف فهارس الذكريات بأنها:
وكما وصفتها حفيدته "مؤمنة":0
"هي كنز حقيقي وليست مجرد ذكريات ففي كل قصة عبرة ومعنى نتعلمه، قد نضحك منها وقد نبكي، نقرأ أخبار الدنيا وتغير الواقع، نقرأ مواقف صارمة أمام القيم التي لا ينبغي أن تتغير مع تغير الزمن، ونقرأ مسامحة ومدارة فيما يمكن أن يتغير بتغير الزمن، ما زلت أعيش في رحابها بين الفنية والأخرى، ما زلت ألجأ إليها عندما يغلبني الشوق إليه."
ما يقارب ال 3600 صفحة...من لما كان الشيخ طفلا يأخذه جده غصبا للكتّاب الذي ترك أثرا في نفسه طوال عمره، وغرس فيه كرها وضيقا من المدارس...ثم صار تلميذا يقبل على قراءة الكتب والمطالعة فيقرأ في اليوم عشر ساعات، وحتى شبّ على طاعة الله يقول كلمة الحق ولا تأخذه في الله لومة لائم، يخطب في الجموع المحتشدة، ويلقي دروسه ومواعظه في المساجد والمعاهد والإذاعة والتلفاز...وصار أديبا يشار له بالبنان وخطيبا مفوها يقود بكلماته الحشود
يتضاءل حرفي أمام شموخ حرفه وحياته...فأختم بما قاله "أحمد بسام الساعي":0
"أكاد لا أعرف قلما معاصرا ظلمته الأقلام، وأديبا عقَه الأدباء، ومحدثا أغفله المحدثون، وقمة تجاهلها المتسلقون، كمثل الطنطاوي، وإن كنا على ثقة من أنه فوق أن يكترث بهذا الظلم أو ذلك العقوق، ما دام يدرك أيه قمة تربع فوقها، وأي مكانة تسنمها في ريادة الحديث الإذاعي والواقعية الإسلامية، ثم لم يسمح لأحد بأن يمسها او يصل إليها."
ذكريات الشيخ علي الطنطاوي حافلة بالكثير...فاقرأوها يا رحمكم الله.
الطنطاوي يكتب بروحه بقلبه حتى في عفويته .. رحمه الله ..
تجد في ذكرياته ، الكلمة الطيبة ، و السيرة المثيرة و الممتعة و اللفظ الراقي النكتة و العبرة .. رجل بأمة .. قدم الكثير و
أعجبني صدقه معنا ومع نفسه فأحياناً يذم و أحياناً يوضّح ويستدرك على نفسه .. تجد لديه الفيلسوف أسحاناً - خاص عندما يتحدث عن نفسه وقت كتابة اذكريات و في بداية شبابه
بعد الانتهاء من الأجزاء الثمانية من ذكريات علي الطنطاوي استطيع ان اقول ان تقييم الناس ليس بالضرورة دليل على جمالية الكتاب واعطي هذه الذكريات نجمتان ونصف من خمسة والاسباب كالتالي
كان بالإمكان جعل الذكريات في اربع مجلدات اي نصفه فعندما تجد وخصوصا في آخر المجلدات إعادة واجترار وتكرار للذكريات من جديد
وتجد بعض الحلقات اشبه بالمقالات بل هي مقالات صحفية اكثر منه ذكريات فيصيبك السأم والملل
وإني اضع علي الطنطاوي في مصاف الأدباء لكن بدأت اشك في قوله بقراءته عشر ساعات في سبعين سنة لكنه لا يبدو ذلك من افكاره وكلامه الطويل في هذه الذكريات فهو لا يبدو مفكراً على الإطلاق رغم ايضاً كمية الأدباء والعلماء والشخصيات الرائدة في القرن العشرين الذي تتلمذ على يدهم او قابلهم او جلس في مجالسهم
هل كان متواضعاً في كتابته؟ لا اعلم
ربما لو قرأت الذكريات في فترة سابقة لوقعت في نفسي الكثير
ترك الشيخُ عليٌّ الطنطاوي مؤلفاتٍ كثيرةً من أشهرها : "الذكريات " ، وهي سلسلةٌ في ثمانية مجلداتٍ ، كتب فيها ذكرياتهُ في أسلوبٍ أدبيٍّ بسيطٍ ، إلى جانبِ السرد التاريخي لحياتهِ - رحمهُ اللهُ - ، حوت جملةً كبيرةً من الفوائدِ الأدبيةِ ، والتاريخيةِ ، واللغويةِ ، والفقهيةِ . حين بدأت القراءة في الجزء الأول ندمت ! نعم ندمت والله أني قرأت هذا الكتاب فقط في ذلك اليوم , وتمنيت أني قرأته قبل هذا الوقت بكثير فقد علمت انه قد فاتني الكثير... كانت حياة الشيخ علي الطنطاوي حياة حافلة مليئة بالدروس والعبر فقد عاش مراحل مختلفة من حياة هذا العالم بداية مع الخلافة العثمانية ثم صنوف الإستعمار ثم الوضع الحالي فوالله لهو أمر يستحق وقفة ذكرى لهذه الشخصية التي تبلورت إثر كل هذه الأحداث فهي شخصية تستحق الإهتمام وتسليط الضوء عليها والاستفادة من تجاربها الغنية رحم الله الشيخ الجليل رحمة واسعة. وقد لاحظت طيلةقراءتي للذكريات ان النص الطنطاوي له ملمسه الخاص حتى وإن كان يتحدث في أمور قد لا تهمك فهو يشد اهتمامك من حيث لا تشعر وستجد إستطراد رائع ليس له مثيل واذا كنت قد رأيت الشيخ الطنطاوي وهو يتكلم حتماً وأنت تقرأ له سيتصور أمامك وكأنه يتفوه أمامك بتلكم الكلمات التي تقرأها إنه شعور رائع وأنت تعايش هذا الشيخ الجليل. فالشيخ علي الطنطاوي - رحمهُ اللهُ - ارتبط اسمهُ في أذهاننا منذ الصغرِ من خلالِ برنامجهِ الذي كان يقدمهُ في الرائي بعنوان : " نور وهداية " وكان لهُ برنامجٌ بعد الإفطارِ في رمضان ، وكان من المعمرين ، فمات - رحمهُ اللهُ - وقد تجاوز التسعين. الشيخ الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعا نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطا كالسيف ,وفي ذلك يقول عن نفسه (( أنا من "جمعية المحاربين القدماء" هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعارك، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين)).
وفي رأيي انه لا يمكن لأحد مجاراة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في الحديث عن الذكريات, وقدرته المبدعة في إيصال الفكرة بأسلوبه الجذاب المتقن فقد أثّر بي كثيرا وهو يحكي عن تجاربه, وعن حياته هي ليست ذكرياته كفرد ... هي ذكريات وطن بعيني حالم ، و بقلم أديب ، و بفكر إسلامي ,هي ليست مجرد ذكريات بل كتاب للحياة ووصف للأحداث التاريخية, جميله هي لغة الطنطاوي – رحمه الله واعجبني جدا وجود الذكريات في حلقات منفصلة متصلة بحيث لايضر القارئ إن توقف عن قراءة الكتاب وعاد لقراءته مرة أخرى .
بعد إنهاء أول مجلد من الكتاب كتبت التعليق التالي:
كنت اظن ان هذا الكتاب مجرد ذكريات وسرد لأخبار شخصية , وعلمت بعد ذلك ان ظني غير صحيح ,وحينما انتهيت من الجزء الأول شعرت بالندم كيف أني ما قرأت هذا الكتاب منذ زمن بعيد !! .. رحمك الله يا علي الطنطاوي كم اسرتني بأسلوب قلمك المميز لاسيما تلك الاستطرادات التي مارأيت لك فيها مثيل حين انتهيت من قراءة الجزء الأول وكان في آخر حلقاته وصف للثورة السورية ١٩٢٥ م ادمى قلبي وكأني أقرأ عن سورية اليوم - كان الله في عون إخواننا وعجل بنصرهم - يؤلمني وصف دمشق ووصف مبانيها وكيف أن أغلب ماأقرأ عنه في هذه الذكريات قد هُدم اليوم. وهذالتعليق كتبته بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني: كلما تعمقت وازددت قراءة لكتاباتك شعرت أن أهم ما يجب ان يقال بعد قراءة كتاباتك هي جملة يكتبها ويدعوا لك فيها من يقرأ ما كتبت اللهم ارحم الشيخ علي الطنطاوي .
في البداية تكلم الشيخ علي عن نشأته , وعلى يد من تعلم وما أزعجني في الأجزاء الأولى كثرة الأسماء التي يذكرها الشيخ وكانت في الغالب أسماء لمدرسين تتلمذ على يدهم أو أقران وأناس كان لهم فضل عليه , وأيضا تطرق لدمشق والشام عموما وكان وصف الشيخ لها وتغنيه فيها يجعل كل قارئ يحبها . لم يركز الطنطاوي كثيرا على حياته الشخصية وتكلم عن موت أباه وأمه ولم يتعمق كثيرا في التفاصيل بل أنه ذكر ما يهم وأستطرد للأهم والأنفع للقراء من أفكار وتأملات و وعظ يحث فيه الأبناء للبر بالوالدين كما تكلم الشيخ عن ابنته الشهيدة بألم وفي أكثر من موقع من الذكريات.
تكلم الطنطاوي عن التعليم و منعطفاته في الشام وفي أكثر من بلد عربي وكان له تجارب وقصص وطرائف كثيرة ,و كان له دور فعال في محاربة المفسدين والتغريبيين الذين يحاولون تلغيم التعليم بأفكار تغريبية , وكان له أراء ومقترحات جميلة بالذات فيما يتعلق في اللغة العربية والاهتمام بها وفي القضاء وما أدراك ما القضاء كان للطنطاوي باع طويل في القضاء وكان له فضائل وحسنات كثيرة فيه , وكان حينما يتكلم عن القضاء في ذكرياته يستطرد بالحديث في احكام فقهية متعددة أيضا ذكر من القصص والنوادر كم وفير وممتع ومفيد وكان حاضر النكتة رحمه الله في كتاباته. وزار الطنطاوي مصر في فترات متباعدة ثلاث مرات أو أكثر وتكلم عن تجاربه فيها ودوره في الكتابة في في احد دور النشر وتكلم عن السعودية وكان له قصص وزيارات للملكة وكان شاهد على بدايات الدولة السعودية الثالثة وقابل الملك عبدالعزيز وعاصر خمسة من ملوك السعودية وقضى أخر عشرين سنة من حياته بل وربما أكثر في العمل بالسعودية مدرسا , وأيضا كان له برامج تظهر في (التلفزيون والراديو) السعودي وكذلك مقالات كثيرة في الصفحات السعودية وقد كان استاذا في مدن كثيرة في العراق و كان له قصص و ممتعة وسرد من أخبار هذه المدن ومن جماليات دار الرافدين ما يحببك في تلك البلاد, وكان له موقف قوي في محاربة القومية للغة العربية. كما زار دول اسلامية كثيرة في جنوب أسيا كالهند وباكستان وفي شرق أسيا كاندونيسيا للتعريف بالقضية الفلسطينية وأظهر اسلوب الرحالة اثناء الكتابة في الذكريات حول الهند واندونيسيا بل وتجاوز هذا وذهب باستطرادات تاريخية وفريدة لتأريخ كيف دخل الإسلام لدول شرق أسيا.
و زار أوروبا وتحديدا ألمانيا التي تقطن فيه ابنته وبلجيكا وكانت له أحاديث ووصف للدول هناك وله مشاركات في حملات دعوية لنشر الإسلام هناك وتكلم عن التطور هناك ومما قاله( وإن لم أكن واهم أن التطور هناك يذهل الشاب المسلم القادم للبلاد وربما ينقلب على عقبه ويفتتن بدينه و فكره , وينسى انما هذه الحياة الدنيا وزينتها وأنها ليس كل شيء , فالعقيدة والأمور الايمانية أهم وبكثير من هذه الأمور المادية.) بالاضافة لسعة اطلاعه ولمواكبته لأحداث تاريخية فانه واكب تحولات وتطورات في العمران والتقنية وفي النقل والمواصلات وفي الإعلام والنشر , بل وربما كان شاهد لها من البداية. باختصار : هذه الذكريات جمعت بين : ( العلم والتاريخ والأدب والفكر والوعظ والفقه والنوادر والقصص) وكيف لا يكون وصاحبها شيخ كتب خلاصة فهمه للحياة وهو في عمر الثمانين وأستاذ وخطيب وفقيه وقاضي وعالم وصحفي ودارس للفلسفة وأديب مثقف وحاضر النكتة وعفوي في الكتابة وقبل هذا وفقه الله في أن واكب فترة زمنية حافلة في المشاهد والأحداث المفصلية في تاريخ الأمة والعالم . في الحقيقة لم اعرف كيف اكتب هذه المراجعة ولا من اين ابدأ فالاجزاء عديدة والصفحات كثيرة ومااحتوته من فائدة عظيم وبالتالي وجدت نفسي اكتب ثم اعود لاتذكر شيئا فأكتبه لذا قد تبدوا مراجعتي مرتبكة ومشتتة أعتذر عن الإطالة في الكتابة وانما اردت ان اقول ان هذه الكتب من أجمل الكتب التي قرأتها واثرت في كثيرا رحم الله كاتبها.
بعد رحلة قاربت الأربعة أشهر رست سفينة الذكريات في ميناء الكلمات لكن رحلتها في نفس كل من قرأها مستمرة لا تنقطع. أذكر جيدا يوم قدومها هدية من رفيق الدرب فرحت بها أيما فرح لكن في قرارة نفسي كنت لا أراني أهلا بعدُ لقراءتها حتى وقفت يوما أمام الرفوف أفتح هذا الكتاب و أقلب ذاك لا يستقر لي رأي أيها ألتهم ثم سألته بكل صبيانية قل لي ماذا أقرأ فرد بكل نضج الذكريات تجهمت في الحين و لكني صممت على التحدي و انطلقت رحلتي معها في منتصف ديسمبر لم أكن حينها أراها ستتجاوز الجزء الأول لكنها سحرتني كيف لا و فيها التاريخ و الأدب و قد هيجت في داخلي حنينا و شجنا لم أعهده من قبل. ما السر يا ترى ؟ أ تراها دمشق التي رسمها الشيخ بألوان الحياة جنة على وجه الأرض؟ نعم دمشق التي لا نعرفها و التي أصبحنا نرثيها بدل التغني بسحرها أم تراها نبرة الحزن الغامضة التي سمعتها بين طيات الاوراق هي التي شدتني و دعتني لأكشف عنها ؟ أم ذلك الصبي الذي نشأ في بيت علم و فضل و قد اتخذ الكتاب صديقا أغناه عن طلب الصحبة في غيره هو الذي ذكرني بطفولتي حيث كنت لا أكترث بالصداقات بقدر ما أهتم بكل شي تقع عليه عيني لأقرأه لعله هو الذي شدني لأكمل معه رحلة أكتشف فيها نفسي التي لا أعرفها من خلاله نعم كلها أسباب دفعتني لأكمل الرحلة عازمة هذه المرة أن أتمها و هي حقيقةً تحمل في ذاتها كل مقومات الإغراء التي تجعلك لا تتركها. يقول الشيخ في إحدى الحلقات :" إنني عشت بحساب السنين ثمانين و لكن عمري بحساب ما رأيت من الأحداث الكبار مئتان رأيت حكم العثمانيين و عهد الحكومة العربية و ميسلون التي دخل علينا بعدها الفرنسيون و عهد النضال ثم الاستقلال و عهدا لا بارك الله فيه هو عهد الانقلابات و عهودا بين ذلك كثيرا ..." بالفعل هذه الذكريات تاريخ مخفي لا تجده في الكتب و لا في المحاضرات بل تجده في ذاكرة من عاش تفاصيله و خباياه. فكيف بتاريخٍ مكتوب بقلم الطنطاوي الشيخ الأديب القاضي الفقيه المعلم ... الموسوعة باختصار لكن خصلة في الشيخ أُفردها بفقرة لها خاصة ألا و هي الشيخ المتمرد. و لعل ذلك التمرد الذي في طبعه كان له بعد توفيق الله سبحانه كان له الفضل بأن صنع علي الطنطاوي الذي نعرفه تمرد على مشائخ زمانه الجامدين فهجاهم ب " رسائل في سبيل الإصلاح " فكانت بداية شهرته ثم بعد سنة أتبعها ب " رسائل سيف الإسلام " التي هجم فيها على الشبان الجاحدين فوضع نفسه بين حجريْ الرحى. و مشاهد تمرد الشيخ كثيرة جدا لا تكاد تخلو منها محطة من حياته حتى أسلوب كتابة الذكريات كان متمردا فلا تتوقعوا أنها كُتبت بالأساليب المعهودة في هذا الباب فأدعوكم لاكتشافها و إن كان كلامي عن الذكريات لا ينتهي فصدقوني أنني انطبعت بها لحد الهذيان أحيانا و البكاء الشديد أحيانا أخرى واستني كلماته في أوقات حرجة. أضحكتني روحه المرحة و مواقفه المازحة بقدر ما أبكتني محطات قاسية في حياته أشدها وقعا عليا وفاة بنان رحمها الله. جُبت معه البلدان فمن دمشق للحجاز لمصر و لبغداد و لطرف الشرق أندونيسيا و جاكرتا و تايلاندا و قبلهم الهند و باكستان و من ثم ألمانيا و هولاندا حتى استقر به الزمن في مكة المكرمة لله درك من شيخ كلماتك حية بيننا و نفائس أدبك هي عزاء فراقك ر��مك الله و رحم والديك و رحم الشهيدة بنان و شفى عاجلا غير آجل (ابنتها) حفيدتك هادية
@ كنصيحة مني لكل من سيمر على الذكريات يوما خصص لها دفترا تدون فيه الفوائد فإنها لا تخلو منها دوّن أسماء الأعلام التي غيبها عنا التاريخ المكذوب دوّن الفوائد اللغوية و الإملائية فهي كثيرة جدا. استثمر قراءتك لهذا الكتاب على المستوى المعلوماتي و كذلك على مستوى تطوير كفاءتك الأدبية و تذوق النص الأدبي و تطوير أدواتك التعبيرية الأدبية و لا تنس الشيخ من صالح دعائك
"لا أحسب الذكريات تنتهي حتى تنتهي الحياة، لأن الإنسان كلما عاش يوماً رأى مشهداً أو سمع خبراً أو مرّ بتجربة، وتمحّص الأيام هذه المرئيات وهذه المسموعات، فيأكل كثيراً منها النسيان وما بقي منها استحال إلى ذكريات"
أنهيت السلسلة مع مطلع السنة الهجرية الجديدة ١٤٤٤ مع قراء الجرد.
وانتهت رحلة الذكريات ، وما أجملها من ذكريات .. رحلة امتدت إلى الثمانين الأولى من عمره ، رحم الله شيخنا الطنطاوي رحمة واسعه و أسكنه فسيح جنانه ..
في هذا الجزء تحدث عن الكثير ولكن الغالب كان عن حياته في المملكة ، قصة إيفاده للرياض وتدريسه فيها ، ثم انتقاله إلى مكة مهوى القلوب ، سكنه في أجياد .. تجربته العريقة في التدريس ، ومقالات أخرى .. تتفرع عنها وتصب فيها ..
في هذا الجزء ، كما الأجزاء السابقة قصص ممتع و مضحك .. والكثير من العبر ..
هزتني كثيرا مقالة لبيك اللهم لبيك ، المناسبة والحديث كان مؤثرا جداً و قصيدة جاءت فيه ذكرتني بإخواننا في سوريا -وإن لم أنسهم- عدلت بعض كلماتها .. لبيك إنا عازمون على الجهاد لبيك إنا نحو "الأموي" سائرون لبيك أمدننا بنصرك يا سميع ويا مجيب لبيك حتى نسترد "دمشق" والبلد السليب وترف رايتنا على "حمص" على القطر الحبيب لبيك نصرك إن من تنصره ينصر لبيك إن كبر الخصوم فأنت يالله أكبر ..
اللهم انصرهم وسدد رميهم واجمع على الحق كلمتهم وأرنا في فرعونهم يوما أسودا كيوم عاد وثمود ..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات... أنهيت منذ قليل قراءة ذكريات الشيخ الأديب الفقيه علي الطنطاوي رحمه الله .
كنت عزمت على قراءتها لما قرأت مدونة لشاب من قحطان يُسمي نفسه فتى الجبل، وقد ذكر اسم الشيخ ومدى اجتهاده في القراءة، ثم قرأت مدونة لشاب سوري يحكي عن شعوره وهو يودع الذكريات ، فلما بدأت بها عزمت أن لا أقرأ في الليلة سوى حلقة واحدة فقط.
بدأت الذكريات في عمان، في مسجد الشهيد حسن البنا رحمه الله، تقع الذكريات في 245 حلقة، كل حلقة حوالي عشرة صفحات ... فيكون مجموعها التقريبي 2450 صفحة مقسمة لثمانية أجزاء.
يتنقل بنا الشيخ منذ أيام الدولة العثمانية العليا ثم الاستعمار الفرنسي والمقاومة الشرسة للشعب السوري له ثم الاستقلال والوحدة ثم كان ما كان
انتقل بي لكل بقاع الدنيا التي زارها ولكل المعارك التي خاضها والأخطاء والنجاحات حتى كان يخيل لي أنه بجانبي يحدثني!
لا أحب الحديث عن الحزن على انهاء كتاب، لكنه الحزن على فراق علي الطنطاوي صاحب " الحياة العريضة"، انتهت الذكريات في عام 1989، ربما كان يعتقد انها آخر أيامه فحرمنا من سنوات من ذكريات ثمينه...
كنت أقول في نفسي أني أخاف أن أبدأ في الجزء الأخير فأنتهي منه فتنتهي بعد ذلك هذه الرحلة التي عشتها بتفاصيلها ! شعور التعلق جميل لكنه مؤلم عند الفراق ! صدقوا أو لا تصدقوا .. بعد قراءتي للجزء الثامن من الذكريات .. بعد قراءتي لآخر صفحة في الذكريات نزلت دمعات حارقة لم يتحملها جلدي .. أتساءل ماذا يكون بعد ذلك ؟ مع من سأسهر ؟ من سيسليني في ليلي المظلم ؟ من سيطبطب على قلبي ؟ من؟ "تساؤلٌ و دموعُ العينِ هاميةٌ .. و القلبُ يخفقُ في الأضلاعِ وثّابا" لا غِنىً عن روحك شيخنا ! لا و الله ! لا غِنىً أبدا ! رحمة الله عليك يا أبي و جدي و شيخي .. أودِّع آخر صفحة و أنا حرَّانة الفؤاد .. تمتلأ نفسي شعراً بليغاً لكن شفتاي لا تلفظُ بيتا و لساني لا يتحرك بقافية .. لا أستطيع أن أترجم مشاعري إلا بالدعاء .. الدعاء في ظهر الغيب ..
بفضل من الله تم الانتهاء من جميع الأجزاء الثمانية من الذكريات وهنا تجدون: قراءة لكتاب ذكريات لعلي الطنطاوي بقلمي: عبدالسلام .. http://a-f-77.blogspot.com/2013/04/bl...
عشت مع ذكرياته أيام جميلة وعرفت الطنطاوي كأني كنت معه
ذكرياته ليست كباقي الذكريات، فهي تحتوي على المعلومات الجميلة والنصائح والطرائف وتاريخ دمشق والهند وتاريخنا الإسلامي وغيرها والمواعظ وكل ماهو مفيد ولا ننسى بأن اسلوبه ممتع
مراجعة ل ذكريات علي الطنطاوي عدد الأجزاء : 8 عدد الصفحات : 3250 صفحة دار الطبع : المنار ذكريات نصف قرن بل سبعين سنة وأكثر من الدعوة والكفاح والعمل والجهد والكتابة والقراءة.. كان لا بد لتلك الذكريات أن تلقى عن كاهل صاحبها لتستقر في قلب القارئ فطرحها الطنطاوي بين يديك من أجمل ما ستقرأ من المذكرات أو الذكريات بل ربما أجملها على الإطلاق.. ستطوف مع الطنطاوي عبر ثمانين سنة.. وترى الدنيا كما لم ترها من قبل.. ستلتقي بآلاف الشخصيات التي مرت على الكاتب لتتعرف على الرافعي والعقاد و قطب والمازني والزركلي ومحب الدين الخطيب والندوي والمودودي والزيات وطه حسين وغيرهم من الأدباء.. ستقرأ شيئا عن المعارك الأدبية في ذلك الوقت سيأخدك بجولة إلى الشام لتشهد عهد الأتراك ثم يحدثك عن الانتداب والمراحل التي تلت الانتداب ليأخدك بعدها في رحلة حول العالم حول كل الأماكن التي زاراها من أقصى البلاد إلى غربها ولعلها أجود ما في الكتاب.. فجمالية الطنطاوي أنه لا يصف الأحداث وصف السارد بل يصفها لك وصف السائح المتهمل حيث يقف عند الأمكنة ويسحب بيديك لتغوص فيها.. كان يقف عند كل مشهد ويحدثك عنه ويغرق في وصفه ووصف ماورائه لينقل إليك الصورة ومعنى الصورة حتى تقول كأني رأيته.. مع الطنطاوي ستخرج بملايين الاقتباسات.. وجميعها تطلب منك أن تدونها.. بت اليوم مؤمن أشد الإيمان بمقالة العقاد : أن لكل شخصية مفتاحها وبعض الشخصيات لها مفتاح واحد.. أما البعض الشخصيات المستعصية فلها عدة مفاتيح لتتمكن من الدخول إليها أو كما قال.. وعليه فإني متأكد إن كان لكل شخصية مفتاح.. فإن مفتاح شخصية الأديب والمفكر ليس كتبه أو أفكاره وإنما هي سيرة حياته الذاتية.. السيرة الذاتية تكشف لك خبايا نفس الأديب بما لا تكشفه لك كتبه..صحيح أن كتب السيرة الذاتية ليست هي عالم الكاتب ولكنها مفتاحه الشخصي ولا يمكن دخول أي عالم بدون مفتاح.. وهذه الذكريات كانت مفتاح كبير لسبر أغوار الطنطاوي والتعرف على عوالمه الداخلية ونصيحتي لكل محب للأدب للفن للتربية للقراءة للكتابة للتاريخ أن يقرأ ذكرياته.. فالرجل كتب ذكرياته بعد أن قارب الثمانين فجائت هذه الذكريات كدروس قد تحتاج عمرا كاملا لمعرفتها فقدمها لك الطنطاوي في 3 الاف صفحة فقط بالطبع لا يمكن أن تمر عليها دون أن تترك في قلبك أثر كبير فالطنطاوي عازف جيد يعرف كيف يعزف لتخترق نوناته قلبك دون استئذان رحم الله الطنطاوي فقيه الأدباء وأديب الفقهاء وأدخله الجنة مع الأبرار وجمعنا به في جنات الرضوان ✍️(ز)
"الاستقبال أمل ورجاء، والوداع نبل ووفاء، وما أكثر الآملين وأقل الأوفياء."
"كنت في تلك الأيام شديد الاعتزاز بالكرامة، آبي أموراً لا يأبى مثلها الناس، وأنكرها ولا ينكرونها، كنت أظن أنها تخدش كرامتي، ثم علمتني الأيام أن ذلك كله من الأوهام، وأن الكرامة ليست بناء واهياً تسقطه نفخة فم، أو لمسة يد، كالبيت الذي يبنيه الأطفال من قطع الخشب، أو من فارغ العلب، ولكن الكرامة عند الكرام أسطوانة من الصخر، لو هبت الرياح الأربع لما زعزعتها، وأن الذي يهتم بهذه الصغائر لا يكون كبيراً ، فلم أعد بعد أباليها، ولا أهتم بها، إلا أن أحسست نية متعمدة في الإساءة إليّ، أو قصداً إلى تحقيري، هنالك يعاودني الداء القديم، فلا أقبل ذلك من أحد مهما كان."
"ما أكثر الفصيح في العامية الشامية، على قبح لهجتها وعلى رخاوة النطق بها..."
"ما كل صحيح فصيح، ولا كل فصيح مليح."
"الناس يتحاربون منذ كانت الحروب، ولكن الفارس المسلح لا ينازل إلا فارساً مسلحاً.. ما عهدنا رجلاً شريفاً وبطلاً معروفاً، يحارب النساء والأطفال. وربما حاصر الجيش قلعة عدوه ليسلم، ولكن ما عهدنا مقاتلاً شريفاً يحاصر نساء وأطفالاً حتى يموتوا. أنا أفهم أن يمنع وصول السلاح إلى الجند المحاصرين، أما أن يمنع وصول الطعام إلى الجائعات والجائعين من النساء والأطفال، ممن لا يحمل الس��اح ولا يخوض المعارك فشيء لا نستطيع أن نفهم له معنى."
أشتات من الذكريات، كأن الشيخ يحاول التقاط ماتساقط من أيام ذكرياته حتى يكمل لنا صورة أيامه الماضية، الحج، ومواقفه، وزيارات مكة، وحديث عن أبي الحسن الندوي زدت فينا الشوق لمعرفته رحمة الله عليهما أجمعين. ولم ينسَ رحمة الله عليه أن يذكر ماكان من أمر البدء في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي وغرس البذرة الأولى له، ولم يغفل الاشتراكية والقومية وماكان من أمرهما من تفريق الأمة، ثم جاء الحديث عن الانتقال إلى مكة وظروف هذا الانتقال وكيفيته. ثم الحديث عن الإقامة في الرياض وما أصابه فيها من هم الوحدة رغم اعتياده عليها، ثم ماجاء من أمره في تدريس البنات أو إلقاء الدروس عليهن، ولم يغفل رحمه الله الحديث عن آفات الاختلاط ومغبته على الفرد والأمة .. أخيرا عرج في جواب على سؤال وارد عن عطلاته الصيفية وكيف كان يقضيها، ثم جاءت الخاتمة وظهرت فيها رغبته بالعزلة، وقراره بختم الذكريات.. رحمة الله على الشيخ، لاتمر صفحة من الصفحات عليك إلا وأنت انتفعت بها؛ إما أن تنتفع في دينك، أو دنياك، أو في لغتك وأدبك، أو في فكرك. لقد عشت أيامًا مع ذكرياته فمامللتها ولا سئمتها، بل لم أنل حتى الآن منها مايروي العطش. اللهم اغفر له وارحمه واجزه عنا خيرًا
فقدت حماسي جداً في هذا الجزء، على الرغم من أن به العديد من الحكايا خصوصاً عن المملكة ، وهو ما يجعلها قريبة أتذكر منها حكاية راديو طامي لكن النفس البشرية تمل ،، حيث ابتدأت هذه السلسلة تقريباً منذ شهرين ، بمعدل مقالينإلى 4 مقالات لكل يوم بحسب الوقت المتاح .. تقيمي لكل السيرة : متوسطة الجمال أبرز نقاط القوة بها: ذكره للأسماء و الأشاخص و الحوادث المحدةة جداً، حتى السيئة منها، وهو ما لا يوجد في كثير من كتب الشيرة الذاتية العربية التي تجامل وأيضاً بعض تأملته عن الحياة جميلة ،، و أبرز نقاط ضعفه: التكرار فإنه وإن كان مقبولاً في صحيفة فهو في "كتاب" غير مقبول كذلك نقله من صحف ومقالات كان غير ممتع على الإطلاق حيث كنت أقفز كامل المقطع المنقول ،، لكن في العموم كانت قراءة نقلتني إلى دمشق، و إلى حقبة زمنية مهمة
تنتهي اليوم وا أسفاه رحلتي الطويلة مع الذكريات التي كانت مدخلًا لي في القراءة ثم انقطعت عنها لا لملل أو سأم بل لأني أردت تقطيعها على السنين حتى لا تنقضي سريعًا. سيرة الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعريف دقيق لـ"الحياة الحافلة". رجل عاش أيام حكم العثمانيين ثم الاحتلال الفرنسي ثم الاستقلال فالوحدة مع مصر. رجل درَس في الشام وكتب في مصر ودرّس في العراق وعمل في السعودية، ودعا إلى الله في مشارق الأرض ومغاربها. رجل توفي والداه في صغره، وافتقر بعد غناه، وجرب كل أنواع الأعمال من تجارة وصحافة وقضاء. أديب الفقهاء وفقيه الأدباء. هذه الحياة الحافلة أودع الشيخ شيئًا من أخبارها في هذه الذكريات، كتبها بأسلوب رفيع قريب للقارئ بعيد عن المقلد، فجاءت تحفة أدبية لا يستغني عنها مريد الأدب ولو بلغ ما بلغ. رحم الله الشيخ الطنطاوي وغفر له وكتب ما قدم في سبيله في ميزان حسناته.
تعجبني الأحاديث المتفرقة التي تأتي على غير ترتيب كما في هذا الجزء، مثل حديثه عن "تعليم البنات"، و أعجبتني كثيرا الحلقات التي تحدث فيها عن السعودية حين قدم إليها.
أستأنست كثيييييرا بهذه السلسلة أكثر من غيرها، دخلت فيها مع الشيخ علي "الكتاب"، و خضت معه رعب تلك المرحلة المبكرة، ثم رأيته قد كبر قليلا، وصعد على المنابر في ساحات دمشق و أخذ يخطب بالجموع الغفيرة شاحذا فيهم الهمم لتحقيق الثورة السورية الكبرى!، وعندما توفي والده رأيت الحزن في عينيه، و مسحت على عينيه الصغيرتين، و خضنا مع بعض رحلة الحج الطويلة، يوم لم في تلكم الأيام طائرات!، و جلت معه في خضم الذكريات الباقية؛ إلى أن كتبت عليها النهاية، و تفرقنا.
رحلة كانت رائعة بصحبة كتاب ذكريات للأديب الفقيه :علي الطنطاوي رحمه الله هي ذكريات قلبت في ذهن القارئ كثيرا من القضايا الدينية، والفكرية، والمجتمعية، والحياتية التي تمس حياة الفرد، والأمة ككل، وأوردت نصيبا لابأس به من الذكريات في حياة الكاتب التي احتوت على جزء من تاريخ سوريا الحديث، وصاحِب هذه الذكريات جمع بين أكثر من فن، وشارك في أكثر من معترك سياسي، وأدبي، وفكري، وقد كان يواجه ذكرياته بكل صراحة، ويذكر بكل تواضع اراءه التي عدل عنها، ويورد بكل شجاعة أخطاءه التي وقع فيها،، يعالج كل ذلك بنفس متزنة، وعمق في التفكير، وبساطة في الطرح، وسلاسة في العبارة دون تكلف أو ادعاء، بأسلوب أدبي بديع.
الحمد لله حمدا كثيرا أتممت قراءة الجزء الأخير من هذه الذكريات كانت رحلة طويلة فيها الضحك وفيها البكي في التاريخ وفيها العلم فيها المزاح وفيها الجد أحسب أني لم أقرأ منذ زمن مع استمتاعي وتلهفي مع نهاية كل جزء للجزء اللذي بعده مثل قراءتي لهذا الكتاب كتاب جميل جدا وكان مفيد لي وأعتقد أنه سيستفيد منه من يريد أن يقرأ عن الحياة الأدبية والسياسية في القرن الماضي والمعارك الأدبية ومعركة القديم والجديد وما في هذا القرن الممتلأ بالاحداث وتغير الدول وتعاقبها مما لا يحدث إلا في عشر قرون فالشيخ عاش من بداية القرن لنهايته فحياته كمرآة للصراعات والتبدلات التي حدثت في هذا القرن
في هذا الجزء يضع الشيخ نقطة النهاية لذكرياته في حياته التي ملأها علماً وعملاً تعلماً وتعليماً كتابة وقراءة ، بصورة فريدة لا تكون إلا في نفر يسير في هذه الأمة .. وخاتماً اقترح أن تنفذ وصية بإعارة ترتيب هذه الذكريات بإصدار خاص وكذلك إفراد بعض المحطات الحافلة بحياة الشيخ بمؤلف خاص - على غرار ما عمل الدكتور محمود العمراني في كتابه الشيخ علي الطنطاوي قاضياً - ( مثل التعليم والكتابة و الإصلاح ... )
رضي الله عن الشيخ ورفع نزله في الجنة وجزاه عن الأمة خير الجزاء وجمعنا به في مستقر رحمته ..
ما أروع الطنطاوي، في سرده لذكرياته و استطراداته! ذكرياته الجميلة كانت تلهيني وتشغل وقتي عن الملهيات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ولكنك عندما تلهو مع ذكرياته تشعر بقيمة في حياتك عندما تنتهي منها.
الجميل أن أسلوب الطنطاوي سهل ويجعل المبتدئ يحب القراءة حتى يجعلها هواية يمارسها بحب، لم يسعني معرفته في مرحلة المتوسطة والثانوية، ولكني أرشده لكل الشباب والشابات
ذكريات تركت في ووجداني وروحي أثرًا نافعًا ، أيقظت فطرتي ، صقلت إيماني من وعثاء المادية والعلمانية ، أعادت لي أخلاق الحياة الماضية المغروسة في تربة الدين الإسلامي ، نظّفت قلمي من لحن الحداثة ، غيّرت ذائقتي الأدبية والفنيّة .. هذا حضر في ذهني الآن والباقي منقوش في الذاكرة. ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته
في خاتمة "الذكريات" وبعد أن انتهى من كتابة مئتان وخمس واربعون مقالة، ووصلت إلى ثمانية مجلدات ، كتب :
"هذه نهاية الجزء الثامن من "الذكريات"، ولكنها ليست نهاية الذكريات ولا أحسب الذكريات تنتهي حتى تنتهي الحياة، لأن الإنسان كلما عاش يوماً رأى فيه مشهداً أو سمع خبراً أو مرّ بتجربة، وتمحّص الأيامُ هذه المرئيات وهذه المسموعات، فيأكل كثيراً منها النسيان وما بقي استحال إلى ذكريات".
٨ أجزاء، ٣٢٠٠ صفحة من "الذكريات" فيها الكثير من التجارب والحكمة والبلاغة والفصاحة. ما حضر في بالي إلّا بيت واحد يوصف شعور الإنتهاء من "٨٠ سنة" من ذِكرياتِهِ
ما زالَ يدأَبُ في التاريخِ يكتُبُه … حتى غَدا اليومَ في التّاريخِِ مكتوبَا