"عندما خلق الله العالم، فإن أول ما خلق هو الأسفار"… هل حقا كانت هذه الرؤية لأحد أبطال الفيلم اليوناني "تحديقة يوليسيس"، أم أنها لمخرج الفيلم ثيو انجيلوبولوس وقد تجسدت على لسان إحدى شخصياته السينمائية؟ إلى أي مدى شكلت الرحلة، المغامرة، الاكتشاف، المعرفة، والأسطورة هاجسا انعكس بشكل محوري في أفلام ثيو انجيلوبولوس السينمائية؟ وما هي الحدود التي تفصل ثيو انجيلوبولوس عن شخصياته ومواضيع أفلامه؟
يمنحنا كتاب "عالم ثيو انجيلوبولوس السينمائي" الصادر حديثا عن وزارة الثقافة والإعلام في البحرين2009، متعة التعرف على إجابات هذه الأسئلة وغيرها من الأمور التي تقربنا من عالم المخرج اليوناني ثيو انجيلوبولوس، بما تحمل كلمة عالم من معنى، حيث يقدم الكتاب إحاطة شاملة بشخصه وبأعماله، أعدها وترجمها الناقد البحريني أمين صالح، واستند في إعداده هذا بشكل رئيسي إلى مجموعة مقابلات أجريت مع المخرج، بالإضافة إلى بعض الدراسات النقدية حول أفلامه، مما يمنح تكاملا لصورة ثيو انجيلوبولوس التي نتلمس ملامحها عبر الكتاب.
مواليد 1950، المنامة، البحرين. خريج الثانوية العامة سنة 1967 يكتب القصة القصيرة، الرواية، الشعر، السيناريو السينمائي والتلفزيوني، المسرحية. مترجم، ومهتم بالسينما بشكل خاص. صداراته:
"التاريخ الآن صامت. ونحن جميعاً نحاول أن نجد الأجوبة بالحفر داخل ذواتنا، ذلك لأن من الصعب جداً أن تعيش في صمت. عندما لا يكون هناك نمو تاريخي، يشعر المرء بإغواء لا يقاوم يدفعه لتركيز البؤرة على ذاته، في سياق الأزمة التي اعترضت الاستمرارية التاريخية"
"أنا لا أحقق أفلاماً لإرضاء أو إمتاع أحد ما. بالنسبة لأفراد مثلي، الأفلام هي ببساطة أسلوب حياة. عندما أتحدث عن حياتي فإنني أتحدث بالضرورة عن حياتي "في الأفلام". بمعني، أن تحقيق الأفلام هي حياتي الثانية، الحياة الموازية، أحب كلمات فوكنر التي تقول بأن العالم مخلوق من أجل أن يكون رواية.. في حالتي، أود أن أصدق بأن العالم مخلوق لأن يكون فيلماً"
"نحن نعيش في أزمنة مضطربة حيث غياب القيم. حالة من الانقباض والكآبة ترافق التشوش والارتباك. لكن الأسئلة التي يطرحها الناس على أنفهم لا تزال ذاتها: من أين جئت،إلى أين أنا ذاهب؟.. أسئلة عن الحياة والموت والحب والصداقة والشباب والشيخوخة. أنا متشائم ومتفائل، على حد سواء، بشأن قدرتنا على إيجاد مخارج من إضطراب زمننا. لكنني، عميقاً، أتمنى أن يتعلم الناس من جديد كيف يحلمون. لا شئ أكثر حقيقية من أحلامنا"
"إن المعركة هي دائماً معركة الذات، الذات ضد كل ما هو جائر ومتقلب. يجب على الفرد أن يحارب دائماً ضد كل شئ في هذه الحياة، لأن هناك الوهم بان ثمة معنى، لكن ليس هناك أي معنى، المعركة هي الحياة نفسها"
" يجب أن أقول أيضاً بأنني لا أشعر بأن كل الأعمال التي تحطم الأرقام القياسية ينبغي أن تقلقنا كثيراً. بعض الأفلام ربما تكون ناجحة على نحو ساحق، لكن سرعان ما تتعرض للنسيان. أفلام أخرى لا يشاهدها إلا القلة لكنها تترك بصمتها على تاريخ السينما"
" دائماً أقول إن أفلامي هي بمثابة جامعة أدرس فيها. لقد تعلمت كثيراً من أفلامي .. هي أمتعتي الشخصية ، هي سلسلة من الجلسات في التحليل النفسي." أنجيليوبولوس
يقول ميلان كونديرا غاية الرواية هي " أن تكتشف ما تستطيع الرواية وحدها أن تكتشفه"- أفلام أنجيليوبولوس تعمل بطريقة مماثلة كما يرى أمين صالح .
أثر الأدب بشكل عميق في تجربته الفكرية وفي نموه النفسي والعقلي.
-في الأدب الروسي كان مغرم بكل من: دوستويفسكي وتشيخوف و تولستوي ، لدرجة انه كان يتحجج بالمرض للجلوس في المنزل عوضاً عن الذهاب للمدرسة حتى يتسنى له قراءة "الأخوة كارامازوف "- وفي الأدب الفرنسي شعر بقربه من ستندال. وبعدها اكتشف كل من سارتر وكامو. في الأدب الأمريكي تأثر ب-والت ويتمان، همنجواي، شتاينبك، فولكنر وباسوس. عموماً في الرواية تأثر بعمق ب- جيمس جويس، ستاندال، بلزاك وفولكنر. وفي اليونان كان محباً لأعمال بابديامانتيس والذي كما يقول غير معروف حتى في اليونان. - الشعر كما يذكر كان المؤثر الأول والرئيسي في حياته- تأثر ب-جورج سيفيريس وهو شاعره المفضل ، كما كان معجباً بشعر كافافي، أوديسوس إيليتيس في اليونان. كما أغرم ب- إليوت، ريلكه وآخرون. -في الموسيقا أبدى اعجاباً في البداية ب-فن العظيم موزارت وبعد اطلاعه ع العديد من المؤلفين الموسيقيين مال لكل من باخ وفيفالدي.
كان أنجيليوبولوس مولعاً بشبابه بالأفلام البوليسية وقصص التحري ك- أفلام جون هيوستون، هوارد هوكس، والش بولانسكي ، كما كان مغرماً بالأفلام الاستعراضية + أفلام إيليا كازان. و فيما بعد شدته السينما الفرنسية وأفلام جودار و ألان رينيه؛حيث أغرم بجودار. كما تأثر بالمخرج الإيطالي أنطونيوني. و أعجب بأعمال المخرج السويدي العظيم إنغمار برغمان.
ترك دراسة المحاماة/ القانون وسافر الى فرنسا والتحق بمعهد "الإيديك " لدراسة السينما- أطلق عليه زملاؤه ب- ألان رينيه الجديد. عانى في بدايته من دراسة السينما وطرد من معهد " الإيديك" السينمائي قبل نهاية عامه الأول. لأنه كان يثير بسلوكه المتمرد غضب بعض من أساتذته على الرغم من ذكائه وتميزه الذي شهد له به أصحابه و عدد من الأساتذة الآخرون الذين كانوا يعتبرونه تلميذهم المفضل، وكذا المؤرخ والناقد جورج سادول الذي اعترض كذلك على طرده حيث كان وقتها يعمل في التدريس في ذات المعهد .
التحق فيما بعد بدورة للتدريب على تقنيات "سينما الحقيقية" بإشراف وتدريب المخرج جان روش وهو النوع السينمائي الذي اشتهر به. وحقق تحت إشرافه عدداً من الأفلام الوثائقية.
يقول : " كل هواجسي تدخل أفلامي وتغادرها، مثلما تفعل الآلات الموسيقية التي تعزفها الأوركسترا في حفل موسيقي. إنها تدخل وتخرج . وتصمت فقط لكي تعاود الظهور فيما بعد. نحن محكومون بأن نعمل مع هواجسنا."
" نحن في الواقع نحقق فيلماً واحداً فقط، نكتب كتاباً واحداً فقط.. الباقي مجرد تنويعات وأشكال خارجية تعكس الثيمة ذاتها ." يذكر أن فيلمه الأول ( إعادة بناء) يحوي كل الثيمات التي طورها في ما بعد.
-ذكر انه يؤمن بالدعابة، لكنها تتجلى في أفلامه كدعابة تهكمية .
-المنفى كانت ثيمة سياسية وإجتماعية تتكرر في أفلامه.
-إنه لا يقدم السيناريو بوصفه تدويناً لما يظهر على الشاشة وإنما كعمل قائم بذاته والذي يمكن تذوقه لتضميناته الثقافية والسياسية و الفكرية .
-وعلى خلاف جميع المخرجين المونتاج الحقيقي في أفلامه يكون للصوت وليس الصورة التي تأخذ منه وقت طويل في التنفيذ. هو يفضل المشهد الصامت ع الحافل بالحوار، فالحوارات في أفلامه قليلة، وشخصياته غالباً ماتكون ساكنة . يفضل تصوير مشاهده في لقطة طويلة واحدة مديدة ومستمرة وقد تستغرق دقائق طويلة، غالباً مع حركة كاميرا مصاحبة بطيئة ومدروسة بدقة وإحكام. يميل إلى استخدام اللقطات العامة، حتى في المواقع الداخلية. بارع جداً في تكوين المشاهد والصور.
-شاركه كاتب السيناريو الإيطالي الكبير تونينو جويرا كتابة أغلب أفلامه.
*أنجيلوبولوس لا يوظف تقاليد السينما السردية وفق النمط الهوليوودي السائد، بل يقوض الزمن لإشراك المتفرج في سرد القصة ويجعله ضمن نسيجه، فهو مدرك ان صانع الفيلم/المخرج هو من يخلط ويخلق تعاقبات الزمن. وهو ينظر إلى الموقع ( موقع التصوير) بوصفه شخصية وحبكة؛ يذكر أنه استغرق سنة كاملة في البحث عن قرية نائية لتصوير فيلمه ( الإسكندر الأكبر) في فصل الشتاء.
-الزمن يمثل ثيمة رئيسية في جميع أفلام أنجيلوبولوس . "تحضر فيها الأبعاد الثلاثية للزمن/ تلاعب حر بالزمن" -ونرى ذلك بوضوح من خلال أبطال أفلامه ؛ كيف يسبر الأزمنة الذاتية لها عبر الحدث.
- الضوء - المطر- الطبيعة كانت لعبة أنجيلوبولوس السينمائية.
-وظّف حس المسافة بأبعادها السينمائية المزدوجة.
-لم تخلو أفلامه كذلك من السوريالية، كما اتسمت بالعمق. تلمس بها و بوضوح التأثير "البريشتي"-عن خلق حالة التغريب.
-جسّد في أفلامه الثقافة الإغريقية بكل ما تحمله من عراقة. ( التراجيديا الإغريقية - الميثولوجيا الإغريقية). كما ركز على الهوية بما تحمله من هواجس. إنه يكشف الزوايا الأكثر إعتاماً من التجربة اليونانية. " الوعي بالتاريخ ".
-كما وظّف كذلك و في جميع أفلامه ثيمة الأب؛ يقول أنجيلوبولوس :"في كل أفلامي هناك شخصية تبحث عن أبيها .. لا أعني فقط الأب الحقيقي إنما مفهوم الأب كعلامة أو معنى أو رمز لما نحلم به. هذا يعني أن البحث عن الأب في الواقع هو محاولة يقوم بها المرء للعثور ع هويته في الحياة." -بتصرف
-كما أنك تلمس شخص أنجيلوبولوس وحياته الخاصة وما اعتراه من معترك (داخلي/خارجي) في جميع أفلامه. " فيها يستجوب المخرج ذاته وفنه."
-ان أفلامه تطرح هذا النوع من التساؤل : *"كيف يمكننا أن نؤسس مجتمعا يزدهر فيه الفرد بلا خوف ولا قمع ؟ كيف يمكن تأسيس نوع مختلف من التجمع البشري؟ كيف يمكن إذابة التعارض بين الفرد والجماعة ؟"
*أنجيلوبولوس :حسب تعبير مايكل ويلمنجتون – هو "أحد ألغاز السينما المستعصية على الحل". جمع بين الواقعي و المسرحي- وتعد السينما التي يقدمها سينما داعية وباعثة لفعل التأمل مبتعداً عن الحركة والاثارة التي تميزت بها السينما الهوليوودية.
- نظرة على بعض أفلام أنجيلوبولوس الشهيرة والمتمثلة ب- الثلاثيات :
-الثلاثية الأولى (ثلاثية التاريخ) وهي كالتالي : الممثلون الجوالون" ،"أيام 36" والصيادون" وهي من الأفلام المؤثرة لأنجلوبوليس والتي صورت على حد قوله تحت تأثير ماركس وفرويد وبرشت- رصد من خلالها الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي مرت بها اليونان عبر محطات تاريخية هامة و مفصلية. في"الممثلون الجوالون "-صوّر من خلاله التجارب التاريخية المؤلمة، التي عصفت بالتاريخ الانساني لليونان وبشكل زمني غير متسلسل ك- الفاشية وموسوليني والاحتلال الألماني .
- بعد خمس سنوات من تصويره ل-(ثلاثية التاريخ) حقق ثلاثيته الثانية وأسماها ( صمت التاريخ) -وفي ثلاثيته هذه التاريخ والسياسية يتحركان نحو الخلفية، أصبح تركيزه فيها أكثر على الشخصيات - النظرة إلى الإنسان ك-فكر- نفس وعلاقتهما معاً في صوغ شكل العلاقة بالذات؛ و بوصفه "حقيقة الكون المركزية." و أفلام الثلاثية هي : رحلة إلى كيثيرا 1983 ،(يمثل صمت التاريخ)- مربي النحل 1986 ، (يمثل صمت الحب)-و منظر في السديم 1988،( يمثل صمت الخالق).
-منذ فيلم ( رحلة إلى كثيرا) وما تبعته من أفلام لاحقة عمل مع الفنانة والمؤلفة الموسيقية إيليني كاريندرو في تأليف موسيقا أفلامه.
-في ثلاثيته الثالثة بدأ حلقة جديدة في تصوير أفلامه وأعتبرها مرحلة وجودية ، أي كرّس مفاهيم الوجود في ثيمات الثلاثية . أبدى اهتمام بالحالة العامة ،مصير دول البلقان . و تحرر من خلالها من وهم السياسة-ركز على المصير الإنساني و تعامل مع الحدود والمنافي(الداخلية والخارجية )/ والبحث عن المركز المفقود. وبدى مصير أبطاله هناك ك- إسقاط لمصير اليونان ذاتها. والثلاثية كانت كالتالي :"خطوة اللقلق المعلقة"، "تحديقة يوليسيس"، "الأبد ويوم واحد". وظّف من خلالها عدة أساطير ك-هوميروس ودانتي وأسطورة يوليسيس ورحلاته، كعناصر تتصل بالبناء والموضوع .
-ثلاثية المرج الباكي ، كانت آخر ثلاثية قدمها أنجيلوبولوس في العام 2004 كتجربة استثنائية، اتسمت بالحس الملحمي-وسردت التاريخ اليوناني بدايةً من القرن ال-20 حتى زمننا الحاضر- عبر التجربة الجماعية للأفراد.( السبر العميق للعلاقات الانسانية).
وأختم بِمَا قاله أنجيلوبولوس : " العالم يحتاج إلى السينما الآن أكثر من أي وقت مضى. هي ربما الشكل الهام الأخير من أشكال مقاومة العالم المتدهور الذي ��عيش فيه."
ثيو,ثيو,ثيو أعشقه وأعشق كل أفلامه وأعشق كل ما يقوله.. هذا المزج بين الماضي والحاضر في أفلامه,اللقطات الطويلة,الترافلينج,اللغة الشعرية,موسيقى إيليني كاريندرو...تأثّري به في كل محاولاتي "التصويرية"
أول مخرج يموت وأكون واعيًا لموته,من أسوء الليالي التي مرّت عليّ في حياتي.. عند موت أنتونيوني وبيرغمان في نفس اليوم في 2007 لم يكن وعيي السينمائي قد تشكل بعد وحتى الآن مكانة أنتونيوني وبيرغمان رغم عبقريتهما لا تعادل نصف مكانة أنغيلوبولوس لديّ.. الكتاب جميل عبارة عن تجميع لمقابلات مع ثيو وتصنيفها,أمين صالح يستحق الشكر على ما يقوم به في سبيل السينما
انهيت هذا الكتاب مؤخراً وقد أعجبني بشدة، وحمسني لقراءة المزيد من الكتب عن السينما الكتاب عبارة عن ترجمة وترتيب للعديد من المقالات والحوارات التي تخص المخرج اليوناني انجيلوبولوس وقد قام أمين صالح بترتيبها في صيغة فصول تبدأ بسيرة انجيلو ثم تنتقل لمناقشة أهم الثيمات التي تناولها في افلامه وطريقته قي كتابة السيناريو، التعامل مع الممثلين، الموقع، الكاميرا وكل ما له علاقة بالسينما. الكتاب كشف رائع لمخرج فريد من نوعه ولم اطالع قبلا اي من افلامه. اثارت اهتمامي الثيمات التي ركز على عرضها في افلامه: الرحلة بحثا عن الذات، العلاقة مع الوطن والمنافي والحروب. التعالق مع التاريخ اليوناني والاساطير الاغريقية. أيضاً الشخصيات في افلامه مثيرة للاهتمام بعمقها الانساني. يتضمن الكتاب أيضاً عرضا لجميع افلامه، وذلك من خلال الحوارات التي اجريت معه حول هذه الافلام. وقد شعرت اثناء قراءة تلك الفصول اني اشاهد جميع افلامه دفعة واحدة بكل كثافتها وعمقها فأخذت استراحات قصيرة قبل ان أعاود القراءة. تحمست لمشاهدة أفلامه قبل الانتهاء من قراءة الكتاب، ولم يكن العثور على تورنت سهلاً، فهذا المخرج ليس رائجاً كمخرجي هوليوود، ولكني تمكنت من تحميل فيلم (تحديقة يوليسيس) واستمتعت البارحة بمشاهدته. الفيلم بهدوء مشاهده يمنح الفرصة لتواصل انساني حسي مع الحياة داخل الفيلم، ورغم اني شاهدته على شاشة صغيرة كانت لتقتل انجيلوبولوس كمداً، لكني استمتعت بالمشاهد، بالاماكن، بالحوارات المدهشة وبالقصة الفريدة للمخرج السينمائي الذي يذهب في رحلة بحث عن اول فيلم يوناني تم تصويره قط، انه يذهب في رحلة بحث عما لم يتم التيقن أبدا من وجوده. يجب أن أقول ان قراءة الكتاب ساعدتني على الفهم والاستمتاع. على سبيل المثال فإن الحديث في الكتاب عن أهمية لحظات السكون والصمت ساعدني على فهم لحظات طويلة لا يحدث فيها شيء على الشاشة، لكنها من صميم الحياة، وهي لحظات احتاجها للتأمل وللغوص في عمق اللحظة.
كتاب رائع ومخرج مميز يستحق مشاهدة المزيد من أفلامه.
لم أفكر أبداً في قراءة كتاب عن السينما .. اعتقد أن جمالية السينما في مشاهدتها .. لا في القراءة عنها .. لكن لو كنت سأقرأ عن سينمائيين .. فلن تخرج قراءتي عن اثنين .. اندريه تاركوفسكي .. وثيودوروس انجيلوبولوس .. عندما أنهي مشاهدة جميع أفلامهما اعتقد أنه سيبق لدي النهم لمعرفة الكثير عنهما .. ذلك أن مايقدماه في سينماهما شيء لايوصف من الشاعرية والجمال .. اضافة إل امتلائها بالرمزيات .. سأعود عندما أقرأ هذا الكتاب - ان شاء الله - .. لكن اعتقد ان ذلك لن يكون قريباً :)
جميل جداً ، إطلاق إسم عالم ثيو السينمائي هو دلالة على تفرد هذا المخرج بأسلوبه الخاص عن البقية ، هو ليس متميز فقط ، هو متميز عن المتميزين أيضاً ، جمالية هذا الكتاب أنه لايعرض كل شيء بصورة سردية من أمين صالح ، بل هو سيرة من امين صالح ومن ثم حديث مقتضب من ثيو عن كل شيء ، عن السينما ، التصوير ، اليسناريو ، الأفكار والنصوص ، الممثلين ، ومن ثم يبدأ بالحديث عن أفلامه تباعا برؤية نقدية من أمين صالح وترجمة لكلام ثيو عن كل فلم بشكل منفصل ، أصبحت أشاهد فلماً لثيو ومن ثم ارجع للكتاب لأقرأ ماقاله ثيو عن الفلم وعن تلك الأفكار المتناثرة بعمق وتفرد ، جميل أنصح بقراءة لكل من هو مهتم في السينما الفريدة
كتاب رائع وقيم جداً، من الناحية النقدية ومن ناحية القيمة الفكرية والفنية لأعمال الكبير أنجيلوبولوس، واقع اليونان، كل التخوم والحدود بكل أشكالها السياسية الإنسانية الوجودية القيمية كلها نقرأ عنها في هذا الكتاب. اقتباسات من الكتاب: "أن تكون لاجئاً٬ هي حالة داخلية أكثر مما هي حالة خارجية، ثمة أوقات يكون فيها الصمت إلزامياً لنا لكي نصغي إلى الموسيقى وراء قطرات المطر، فإن ما نعنيه حقاً هو أن كل النظريات السياسية الطنّانة٬ المدّعية٬ هي عقيمة. كلها تخفي الموسيقى الحقيقية التي تبعثها الحياة." "هناك أسباب أخرى لوضع مراسل تلفزيوني في القصة. عند نقطة معينة هو يقول أن كل ما كان يفعله في الماضي هو أن يصور الناس. هذا يعبّر عن موقف نقدي لذاته ولمهنته. السينما بخلاف التلفزيون٬ تحاول أن تتخطى ذلك٬ أن تصل إلى الأعماق المظلمة الكامنة خلف سطح القصة والأفراد." "في كل أفلامي هناك شخصية تبحث عن أبيها.. لا أعني فقط الأب الحقيقي إنما مفهوم الأب كعلامة أو معنى أو رمز لما نحلم به. إن الأب يمثل ما نريده أو ما نؤمن به. هذا يعني أن البحث عن الأب هو في الواقع محاولة يقوم بها المرء للعثور على هويته في الحياة". "إنهم يتخلصون من الثلج في السماء٬ والذي يعني أنهم يبيعون كل ذكرياتهم.. الجزء الأفضل من ماضيهم". الفيلم يبدأ وينتهي باللقطة ذاتها: الفرقة تنتظر أمام محطة قطار لكي تؤدي المسرحية في بلدة أخرى. وهذا لا يعني ضمنا بأن التاريخ يعيد نفسه حرفيا٬ ذلك لأن المشاهد تعرض مراحل زمنية مختلفة وأفراد الفرقة يختلفون في السن. إنهم عاجزون عن إراقة الماضي٬ وعن تغيير المسرحية أو تغيير طريقتهم ورؤيتهم. إنهم يستمرون في تقديم العرض٬ حاملين حقائبهم البالية٬ متنقلين من قرية الى أخرى ومن بلدة الى أخرى." "ثمة شيء آخر٬ تلك الأرض قديمة جدا تاريخيا٬ وغنية ثقافياً٬ جذورها تمتد إلى العصور القديمة. إنه أمر محزن ومقلق على نحو رهيب أن تراقب٬ في عجز تام٬ العديد من الناس وهم يتركون هذه الأرض.. وحالما يغادرون٬ تكفّ الحضارة كلها عن الوجود. بالطبع لم يكن سهلاً العيش على هذه الأرض، لكن بطريقة أو بأخرى هم عاشوا هنا سنوات وحافظوا على بقائهم." أريد من أفلامي أن تعطي المتفرج الإحساس بكونه ذكياً ومتقّد الذهن٬ أن تساعده على فهم وجوده الخاص٬ أن تمنحه الأمل بمستقبل أفضل٬ أن تعلّمه كيف يحلم ثانيةً." "أنا مجرد طفل٬ وأنت الأب الذي يروي لي القصص. إذا عرفت كيف ترويها جيدا فسوف ألعب لعبتك". ماستروياني يقول أنه لا يفهم الممثلين الذين يتوقعون أن يشرح لهم كل شيء عن الشخصيات التي يؤدونها قبل البدء في تصوير الفيلم٬ والذين يحتاجون إلى تفسيرات وشروحات منطقية لكل ما يفعلونه في الفيلم. إن ماستروياني يطلق سراح نفسه٬ سامحا لنفسه أن تنجرف مع جريان القصة. *الممثل مجرد أداة في الفيلم٬ والذي يتعيّن عليه أن يصمد أو يقع حسب جدارته." "لقد علمونا٬ ونحن أطفال٬ بألا نطلق سراح ذواتنا٬ بألا ندع أنفسنا تنطلق.. أظن أن هذا النمط من التربية يسلب منا قدرتنا على التكيّف مع الحياة. نصبح صارمين جدا، صارمين أكثر مما ينبغي تجاه حياة لا تقتضي مثل هذه الصرامة. إننا نحارب الحياة بطرائق خاطئة٬ بدفاع خاطئ عن النفس. نحن مليئون بالأدراج.. درج للطفولة ٬ درج لمرحلة الشباب.. وهكذا." "علينا أن نقرّ بحقيقة أن حال السينما اليوم٬ خارج الولايات المتحدة٬ تعكس أيضا حال العالم الذي نعيش فيه. وعلى هذه الجبهة ينبغي أن نحارب في سبيل الدفاع عن ثقافاتنا٬ لغاتنا الخاصة٬ تقاليدنا وخصائصنا الوطنية." " السلطة لاتفسد اليمين فحسب بل اليسار أيضاً." "ما الذي يعنيه انبثاق اليد من البحر؟ ما الذي نستنتجه من تصفيق الأهل لأصدقاء في استحسان فيما يقفون حول القبر؟ أي ضرب من الزفاف ذلك الذي يتم عبر نهر يمثّل التخم بين بلدين يضمران العداء لبعضهما؟ ما الذي نفهمه من لقطة طويلة ممتدة لمئات من اللاجئين الصامتين الأشبه بالتماثيل والذين يقفون جامدين في أرض ألبانية فيما هم ينوون دخول اليونان مرة أخرى بصورة غير شرعية؟" " الشعر أكثر أهمية من التاريخ٬ ذلك لأن التاريخ يذكر ما حدث فحسب بينما الشعر يهتم بما كان وما هو ممكن." "لست مبشّرا ولا أريد أن أعلّم الناس. إني أحاول أن أجد طريقا من الهيولية إلى الضوء. نحن نعيش في أزمنة مضطربة حيث غياب القيم. حالة من الانقباض والكآبة ترافق التشوّش والارتباك. لكن الأسئلة التي يطرحها الناس على أنفسهم لا تزال هي ذاتها: من أين جئت٬ إلى أين أنا ذاهب؟.. أسئلة عن الحياة والموت والحب والصداقة والشباب والشيخوخة. أنا متشائم ومتفائل٬ على حد سواء٬ بشأن قدرتنا على إيجاد مخارج من اضطراب زمننا. لكنني٬ عميقا٬ أتمنى أن يتعلم الناس من جديد كيف يحلمون. لا شيء أكثر حقيقية من أحلامنا." " أعتقد أنك كلما كنت واثقاً من عملك في البداية، تكون أكثر قابلية لخيانة نفسك، واحتمال التخبط يكون وارداً أكثر". " إنك تحقق فيلماً لكي تفهم بوضوح ماهو غامض في وعيك". " السينما ليست مجرد وسط تعبيري، إنها شكل من أشكال الحياة"
"في البدء كانت الرحلة بعد ذلك جاء الشك والحنين" وسينما ثيو انجيلوبولوس تحديقة في كل هذه العناصر التي تشكل عالما الحسي .انها رحلة في أعماق الروح والحياة والزمن تتأمل في الذاكرة والهوية والتخوم التي تفصل الإنسانية بأسلوب سينمائي مفرط في الشاعرية وعالم بصري شديد الخصوصية والذاتية يقوم على لقطات طويلة ترصد فيها كاميراه بحميمية صور أشبه بلوحات رسام بارع، يضيف إلى سحرها الموسيقى العذبة لرفيقة دربه إليني كارايندرو. كتاب الأستاذ أمين صالح إبحارعميق في عالم ثيو السينمائي أحد أهم المخرجين المؤلفين في تاريخ السينما، والمثقف العضوي المدافع في أفلامه عن يونان حر ضد حكم الجنرالات الفاشي وعن أوروبا موحدة وعن وعي جماعي تنويري وإنسانية متصلة .فهو المؤمن بقدرة السينما على تحقيق كل ذلك فهي الشكل الأخير للمقاومة بالنسبة له ساهم في بناء شخصيته الثقافة اليونانية المكثفة من مسرح وشعر.. وولعه بالأدب وتوجهه اليساري الذي ميز عصره، ..قبل أن يكتشف السينما ويقرر هجرة دراسة القانون والتخصص فيها في فرنسا ويعود لليونان ليصنع أول أفلامه الطويلة "إعادة بناء" سنة 1970 وفي هذا العمل البديع من خلال بحث جاد وشغف كبير للناقد أمين صالح محاولة للإلمام بكل تفاصيل سينماه من السيرة الذاتية ..بالغة التأثير في أفلام مرورا برؤيته وافكاره وأسلوبه السينمائي في كل مكوناته انصح بقرائته فهم أول كتاب يجبرني على قراءة نسخة إلكترونية كاملة, وقبل ذلك أوصي بمشاهدة أفلام ثيو شاعر السينما الأقرب لقلبي واهمها "الخلود ويوم" "تحديقة يولسيس" "منظر في السديم" و "المرج الباكي _____ من أيامي المجيدة مع حبيبي ثيو 20 - 24 جانفي 2017
برأيي هذا العالم خلق لكي يكون فيلما "- ثيو انجيلوبلوس"
ابتدأت مسيرة معرفتي بهذا المخرج الفذ , عبر صديق لي , الذي نصحني بمشاهدة واحد من أفلامه المسمى بـ : " الأبدية و يوم و واحد " .
ثيو انجيلوبلوس , اليونان في بؤرة كاميرا , يونان التاريخ و هوميروس و الاوديسة , يونان الحرب الأهلية و ما خلفت بعدها من تشرد و ضياع و بحث عن الوطن ..
هذا البحث هو مركز قضايا أفلام ثيو , البحث عن الوطن , الحب , الأب , السعادة , الروح , النفس .. كلها مواضيع بلورها ثيو انجيلوبلوس بتصوير شاعري , تأملي , سوريالي أحيانا و رمزي ..أي أنك حين تشاهد فيلما أخرجه ثيو , فتوقع لقطات طويلة و ثابتة , مناظر طبيعية أقرب إلى الضباب و الرمادية , تأمل عميق يجعلك تفهم أشياء و لا تدرك أخرى .. هذا هو ثيو , الذي يترك لك الخيار في بلورة الصورة كما تريد أنت , و ليس كما يريد هو ..
هذا الكتاب , للمترجم و الكاتب , امين صالح , هو عبارة عن مقابلات , أجريت مع المخرج حيث يلقي الضوء على مسيرته الناجحة لدى اكثر النقاد عالميا و أهمهم و طبعا ليس لدى عامة المتفرجين الذين قد يملوا سينما ثيو لعمقها ..
شكرا لك صديقي , شكرا لأمين صالح الذي أتاح لنا الفرصة كي ندخل في عالم ثيو اكثر و أكثر ..
عند أنجيلوبولوس العالم مخلوق ليصير فيلمًا ، والأفلام لاتهتم بمجرد الترفيه وحده، السينما ليست مجرد وسط تعبيري إنها شكل من أشكال الحياة، سينما أنجيلوبولوس تحاكي الإنسانية وتقدم أعمالا تسمح بالتأمل والتفكير في قضايا شائكة لذا فهي قادرة على الصمود في أزمنة متعددة ، سينماه باحثة/مسافرة/مفكرة والإنسان عنده دائم الحركة، جوّال باحث عن شيء ما، مهجوس بغاية لا تدعه يهدأ أو يتوقف. أحببت أنجيلوبولوس وعدسته الجمالية ولقطاته التي تشبه اللوحات الفنية وأحببت شاعريته ومساحات التأمل التي لا تكف عن التوالد في ذهني بعد كل فيلم أشاهده لا سيما الأبدية ويوم واحد ، أحببت موسيقى إليني كاريندرو التي ترافقنا معه فتربط أعماله واحدا بالآخر في رحلة البحث التي لا تتوقف وسط عالم معطوب لا يدري إنسانه كيف يحتمل العيش فيه.
مع العظيم ثيو ، الشعور الوحيد اللي أشعر به طوال أفلامه ، هو بأن العالم ممطر والريح تعصف وأنك داخل ملابس مبللة يقطر منها الماء، تشعر بالبرد في عظامك بينما الشمس بعيدة وراء ضباب كثيف ولا مكان لتستريح فيه. يد قلبي تمتد لتصافح جمالك المعروض يا انجليو .