سنة 1091م يفقد محمد أخاه الأكبر الربيع في غابات غرناطة. بعد سبع سنوات يسمع أخباراً عن رجل، ربما يكون أخاه، يتاجر بالقرمز والأعشاب الطبية بين بلسنية وقرطبة. رجل يشبهه كأنه هو، ويقيم في بلنسية. هذه المدينة تقع وراء نهر خوكار، خارج حدود الأندلس الاسلامية، وضمن أراضي الأسبان المسيحيين. رحلة محمد لن تنتهي سريعاً. من مدينة الى أخرى، ومن أوروبا الى أفريقيا الى بلاد الشام، يطارد محمد الغرناطي أثر رجل بلنسي قد يكون أخاه. رحلة طويلة كحياته، تنتهي بعد سنين في أنطاكية التي يحكمها الروم
الروائي اللبناني ربيع جابر هو واحد من تلك الفئة القليلة بلا ريب وأحد ممثليها البارزين. روايته الأولى (سيد العتمة) التي نشرها سنة 1992 وهو في العشرين من عمره فازت بجائزة الناقد للرواية ذلك العام. نشر سبع عشرة رواية ما بين 1992 و2009 أي بمعدل رواية واحدة كل عام. بطبيعة الحال ليست غزارة الإنتاج وحدها هي ما يلفت في كتاباته بل جودتها وغناها وتنوع أجوائها ومشاربها وأساليب كتابتها التي يعرفها من قرأوا أعماله الروائية أو بعضها.
Rabee Jaber (Arabic: ربيع جابر; born 1972, Beirut) is a Lebanese novelist and journalist.
His books have been translated into French, German, Spanish and Polish.
Some of his work is included in the anthology Beirut39, published on the occasion of Beirut as World Book Capital in 2009. In 2010, Jaber was on the shortlist for the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book America, also adapted for the film Amreeka.
On 27 March 2012, Jaber was announced the winner of the International Prize for Arabic Fiction (IPAF) prize also known as the Arabic Booker Prize for his book The Druze of Belgrade.
أحب الروايات التاريخية التي تتحدث عن رحلات أو سفر طويل حيث يتوغلون في العالم القديم بكل مافيه من سحر وجمال.. ربيع جابر أبدع في هذه الرواية،، أبدع في اعادة صياغة هذه التاريخ الملحمي الجميل وسرد تفاصيل الحياة اليومية لشعب الاندلس بصيغة مبسطة وموجزة ولكن غنية ومفعمة بالحياة.... رواية تراجيدية حزينة عميقة فلسفية ،،وتبرز معالم النفس البشرية التواقة للمستحيل والمتمسكة بالامل والحياة.. هنيئاً لمن يقرأ هذا الرواية وقد فتح قلبه للجمال الاسطوري والاحساس النقي.. لمثل هذه الروايات أحببت الأدب...
- بعد التدقيق يظهر ان ربيع قد اقتبس بعض المقاطع من "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" لإمام العالم زكريا بن محمد القزيوني، و"المستطرف في كل فن مستظرف" لشهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي، دون ان يشير الى هذه المقاطع وهي في الصفحات43 ، 54 و74 ورغم انني اعتقد ان الأمر قد سقط منه ولم يكن انتحالاً الا ان هذا الأمر لا يمكن تجاوزه ويسقط التقييم من نجمتين الى نجمة واحدة.
طبعاً يعود الفضل في هذا الى الصديق حسين بو مدين الذي قام ببحث الأمر ولفت نظرنا. ------
- لكل جواد كبوة، ولكل فارس غفوة و "رحلة الغرناطي" كانت غفوة لربيع جابر.. رواية سيئة ومملة بشكل كبير.
- كان يمكن ان تكون رواية ملحمية لو أتم بناءها على الرمزية التي بدأها وانتهى به: محمد (أي المسلمون) أضاع الربيع (أي الأندلس، وتعريف الربيع بأل التعريف اعتقده مقصوداً) وبدأ رحلة البحث عن هذا الضائع – المفقود، قادته الرحلة بعودةٍ الى الجذور، الى الشرق ليكتشف ان الذي ضاع مات وانتهى ليجلس على الأرض ويبكي كالنساء (كرمزية لإخيولة ما قالته والدة ابو عبدالله الثاني العشر لولدها). هذه الرمزية الجميلة في البداية والنهاية لم يستفد منها الكاتب لأن ما بين نقطة الإنطلاق ونقطة الوصول كان سيئاً جداً.
- القصة بظاهرها بسيطة، عام 1091 يفقد محمد أخاه الربيع في الغابة. بعد سبع سنوات يُشبّه رجلٌ عليه فيعطيه الأمل ان اخاه لا زال حياً يتاجر بالقرمز ويدعى "البلنسي". يبدأ رحلة البحث عنه من غرناطة الى قرطبة الى بلنسية، يقع في الأسر ويستعبد على متن سفينة يقوم لاحقاً المرابطون بتحريره وياخذوه معهم ثم لاحقاً يتابع الى تونس لسبع سنوات اخرى فالقدس فطرابلس فإنطاكية.
- أغرق ربيع نفسه وأغرقنا بتفاصيل الأمكنة والوصف الإنطباعي (ص 64 مثلاً) وصف الموائد (ص88) وصف الأعشاب (ص 34، ص104 مثلاً)، وصف المنتوجات (ص161) كما زادها بالإقتبسات من ابي بكر الرازي والكندي ولم أفهم لماذا وضع قصة بناء القيروان وما علاقتها بالنص؟!. هذا الإغراق في الوصف اتى على حساب الأحداث والسرد في النص، فلم اقدر على تقبّل ان يكون في ذات النص صفحة كاملة لوصف مائدة ومن ثم قرار زواج بجملة واحدة!! هذا البتر في السرد والإستفاضة في الوصف جعلا الرواية بطيئة الإيقاع ومملة جداً.
- بالإضافة الى ما سبق فهناك بعض علامات الإستفهام على تفاصيل الرواية منها عرض الأمير تاشفين (والأرجح يوسف بن تاشفين من كان حاكماً في زمن الرواية) على محمد ان يزوجه اخته، لم اجد في العرض اي منطق واية امكانية. كثرة الإقامة في المكان وهو المفترض انه في رحلة بحث! التوجه بعيداً عن الأندلس وخصوصاً في رحلته صوب تونس! كثرة الأحلام التي تراود محمد ومن ثم "هوب" قال له احدهم في الحلم توجّه الى هناك او قم بهذا بدل ذاك او غيره...
- ختاماً، رواية سيئة لصاحب رائعتي "الإعترافات" و "دروز بلغراد" كان يمكن ان تكون مميزة لو كثّف الرمزية فيها وقلل من الإطناب والأعشاب.
الرواية خفيفة وجميلة يبحث فيها المؤلف عن أمر تقليدي يبحث عنه العرب والمسلمون وخصوصًا العرب وهو (الفردوس المفقود).. أعتقد أن الشاب الذي يبحث اخاه هو ذلك العربي الذي يبحث فردوسه المفقود كناية عن ضياع الأندلس. علمًا أن أحاداث الرواية تخبرني أن الزمان هو زمنية الأندلس بينما المكان هو الذي يجب أن نفهمه أن يتغير.
من يدقق في مسألة المخطوط الذي يسعى له الرجل في علوم الطب هو إلتفات خطير وإسقاط عن إعادة اكتشاف الأندلس لبث روح الحياة فيها.
الرواية ليست معقدة مثل (الإعترافات) و(دروز بلغراد). لكن ما يميز الغرناطي سبر أغوار النفس البشرية. وما يعيبها – دون تقليل جودتها – ضعف المادة التاريخية الأندلسية أو لا أملك وصفه بالضعف ولنقل عدم تكثيف التاريخ رغم تاريخية العمل – النص – كموضوع رئيس.
في نهاية الرواية يعرف الأخ أن محمد (وهو إسم إسلامي بحت) كناية عن العنصر الإسلامي الذي تواجد لعدة عرون في الأندلس قد أصبح هو الآخر جزء من الماضي ويجب تقبل الأمر.
هنيئًا لك ربيع جابر بهذا العمل البسيط الفكرة العميق إنسانيًا.
لا اعرف لماذا يربطني الحنين الى اي كتاب يمت للأندلس بصلة . كنت أتمهل أثناء قراءتي لرحلة الغرناطي تمهلاً شديدا. حتى لا تفوتني الكلمات ، أسماء المدن والأماكن ، أسماء الأشياء والفواكه والأعشاب .. ابدع ربيع في وصف كلّ هذا حتى انك تخال نفسك تتنقل بين الطرقات تشم رائحة الأعشاب والزهور في محلات العطارة. يلفح وجهك النسيم الندي بين دروبها ، تسمع صوت الناس في الأسواق .. ولم تخل الرواية من وصف هذا الحنين ، الذي كان يشعر به محمد أثناء بحثة عن أخيه . هذا النوع السامي من الحب الأخوي . حينما تكون على يقين بأنك ستجد من ضلّوا عنك زمنا طويلا ، وأنهم مهما غابوا لابد من لقاء.
رائعة، رائعة... ماذا عساني أقول غير ذلك!!! إنني أعشق التفاصيل، وهذا ما وجدته في كتابات ربيع جابر...ولذلك فإنني واقعة في حبها إلى الأبد😍😍 عندما أريد قراءة أي رواية لهذا الكاتب أتوقع أن تحصل على التقييم الكامل ( أو الأعلى إن لم يكن الكامل) ... وحتى الآن لم تخيب توقعاتي هذه . إنه حقاً كاتبي المفضّل❤ رحلة الغرناطي لن تأخذ من وقتك أكثر من ساعتين... لكنك ستعيشها بكل أحداثها وتفاصيلها ... لن تملّ أبداً هذا ما أستطيع أن أعدك به🌼🌼
يبدو ربيع جابر مختلفا في رحلة الغرناطي عن روايتيه اللتين أصدرهما لاحقا والتي قدر لي أن أطلع عليها أمريكا ودروز بلغراد وذلك في أسلوبه السردي حيث إعتمد على مشاهد خاطفة وجمل قصيرة وهو ينتقل إنتقالا سريعا من مشهد لآخر يترك نهايته بعبارة مثيرة أو لنقل إنها مفتوحة تتركك تفكر في الفصل الذي يليه .. هل يمكن أن تصنف هذه الرواية من ضمن أدب الرحلات ذلك ما لا أظنه أبدا عادة ما يعطي المكان زخما للرواية خاصة إن كان الحديث مركزا عن مدينة أو منطقة ولكن ربيع تنقل ببطله سريعا بين مدينة وأخرى ولم يتوقف كثيرا إلا في أماكن محددة لم يكن للمكان فيها حضورا ولذلك بدا لي ربيع ككاتب يضع بجانبه موسوعة للأماكن يتنقل من خريطة لأخرى ملتقطا الاسم هذا أو ذاك فالمكان هنا ليس مهما بقدر رغبة الروائي بإيصال فكرة المعاناة التي وجدها الغرناطي وهو يبحث عن أخيه كذلك طول الفترة وعدم الإستسلام
من المشاهد البديعة التي استولت علي هي المشاهد التي كانت يتحدث فيها أبو يوسف لمحمد عن طائر النار وفي نفس الوقت كان محمد يتحدث مع نفسه هناك كان عالمين منفصلين حوار خارجي ومونولوج داخلي و بالرغم من وجودهما في غرفة واحدة لكن الإنتقال بين ما كان يحري في عقل الغرناطي وحوار الإثنين معا كان مسرحي جدا وعلى الرغم من ذلك وجدته فاتنا أما عن عالم الأحلام الذي أدخلنا به ربيع فقد بدأ منذ اللحظة التي قرر فيها ربيع أن يختفي شقيق الغرناطي يجب أن نلاحظ أن اسمه الربيع أيضا ! عالم الأحلام كان يشكل للغرناطي إنذارات أو تحذيرات كما يحدث في حقيقة عالم الأحلام إنها رسائل مشفرة تحتوي على الكثير من العاطفة أحيانا وكثير من الألغاز حينا آخر بل إنها ترسخ بعص الصور في الذاكرة لما حدث ولما سيحدث غير أن عالم الأحلام في العادة هو عالم غير مفهوم غامض ومع ذلك هو يشكل مفاتيح لقصة الغرناطي مع شقيقه مفاتيح قد لا تفتح كل الأبواب
إذا هي ليست رواية في أدب الرحلات فليس ما وصلني منه سوى أسماء أماكن وهي ليست تاريخية أيضا فربيع لم يتوقف كثيرا عند حدث تاريخي بعينه وإن كانت الرحلة حدثت في حقبة تاريخية ولكنها حكاية هذا الفقد الهائل عندما يختفي جزء منا نحبه ونشعر بأن حياتنا توقفت تلك اللحظة .. تلك اللحظة فقط التي توقف عندها العالم فترتبط أحلامنا وأمنياتنا بشيء وحيد أن يعود .. أن يعود فقط ولا يهم أي شيء آخر أن يظهر فجأة كما اختفى فجأة فتصبح الحياة كلها حلما وحيداوأمنية وحيدة
وعلى هذا جاءت النهاية بعد المعاناة في البحث والإنتقال والجري خلف كلمات ربيع يشق على ربيع بأن يجعل القارىء يسعد بهذا اللقاء بل إنه يكتفي بكلمات قليلة وتفسيرات أقل ويترك الباب واسعا على مصراعيه ليقول لنا جملة وحيدة
لا شيء يعود كما كان ..
هذا ما وصلني من ربيع وربما وصل لفلان غيري من الناس شيئا آخر ولكن النهايات المفتوحة أمر عظيم تتركنا نمتلىء بالأسئلة ولا يعود للإجابة أية أهمية !
بغض النظر عن عشقى لربيع جابر فالروايه تحفه . المميز فى الروايه بجانب تفاصيل ربيع جابر المعتاده هو تعمقه فى النفس البشريه ووصفه للمشاعر المختلفه بجوده الروايه تحكى عن اندلسى ضاع منه اخوه فى صباه وبعدها بعدة سنوات قرر ان يذهب للبحث عن اخيه لانه لم يفارق خياله تحكى الروايه عن رحلة هذا الاندلسى وتقلبه فى البلاد وتعرضه لمواقف حياتيه وانسانيه مختلفه. الجانب النفسى فى الروايه مبهر .بيقدم لك مناجاة انسانيه طويله تعمق فيها فى تفاصيل عميقه نخاف دائما من ان نواجها قدمها لنا المبدع فى صورة رائعه
رحلَة محمد هي رحلة تيه تمتد لأكثر من 15 عاماً رِحلة بحث عن أخٍ فُقِدَ منذ أكثر من 22 سنة . روعة ربيع جابر تتجسد بطريقة سرده وإن كانت هنا قصيرة وبسيطة جداً ليسَ غريبا أن أحبَ جملة كهذه " غادرَ تونس في موسم تفتح الأزهار " الجمَال في الإيجاز :) وهذا لإلمام المدهش بـ الجغرافيا ، مئات المدن والأنهار والقرى وفي ثلاث قارات . إلى جانب كلِ هذا الرواية مليئة بـ تلك الأشياء البسيطة والتي تغلفها لا أعرف ماذا أسميها " المنامات و الأحلام المختلطة بالحقائق ، والصوت الذي يأتي من أعماقه أو تلك اللحظات حين يتمازج الخيال والواقع في نظره " .
النهَاية خيبت أملي كثيراً ، واصابتني بالصدَمة ..بِمَ يشعرُ الكتاب حينَ يكتبونَ مثلَ هذه النهاية المبتورة والمخيبة للأمل ..
هذه الرواية تستحق خمس نجمات لولا نهايتها، ربما لم تكن تتطلب إرضاء القارئ بمعنى جعله سعياً. لكنني كقارئ كنت بحاجة لنهاية أقل مباغتة. فيما عدا ذلك، تمنيت ألا تنتهي أبداً
محمد الغرناطي ، ذو الحادية عشر عاماً ، يفقد أخاه الربيع الذي يكبره بعامين في غابةٍ وسط أدغال غرناطة ، بعد أن توغّل في الغابة باحثًا عن خروفٍ هجر القطيع . لم يعد الربيع . يبحث أهل الربيع وأقرباؤهم عنه ، لا أثر ، لا يعثرون سوى على قطعة قماشٍ انفصلت عن إزاره بسبب كثافة أشجار الغابة . فيصير الربيع ميتاً في نظرهم ، عدا نظر محمد طبعاً ، ثم وبعد سبع سنين من تلك الحادثة ، يسمع عن شخصٍ يدعى البَلَنسي ، يتاجر بين بلنسية وقرطبة ، راوده شكٌّ في أنه قد يكون أخاه الربيع ، فيعزم الأمر على البحث عنه ، وهنا تبدأ القصة ، ما الذي دفع محمد للبحث عن أخيه ؟! أهو الشعور بالذنب الذي رافقه بعد تحليلٍ من أحد الأشخاص ، قال فيه : (( لو أنك أوقدت ناراً لاستدل طريق الرجوع ، لمَ صرخت ؟ هل طننته يسمعك ؟ أو سيستدل بصوتك )) . أم أنه الحنين إلى الأخوّة ؟! وما الذي زرع عنده بارقة أمل في كونه حيًّا بعد أن اعتبر الناس الربيع في عداد الموتى ؟! كل ذلك غير مهم ، المهم أنه بحث ولم ييأس ، طال بحثه وبحثه ، طال حتى قارب الخمسة عشر عاماً ، أحياناً يكون هروبنا خلف أمرٍ ما شيئاً لا مناص منه ، رغم علمنا أننا لن نصل إليه ، لكنها طبيعة الإنسان ، لا يحب أن يكون خاوياً هائماً في الأرض بلا هدف ، هكذا كان محمد ، استمر في البحث لأنه بحث ، ويريد أن يكمل ، لأنه بدأ ، ليس لأنه يعتقد بوجود أخيه حيًّا حتى هذه اللحظة ، ثم إنه لو كان حيًّا لمَ لمْ يعد إلى غرناطة ، وهو التاجر الذي يتاجر من شرقيّ الأرض إلى غربيّها ، ليس بمقدوره العودة إلى غرناطة ؟ لا مسوّغ لذلك . تبدأ أسفار الغرناطي ، تبدأ بالاتجاه إلى قرطبة ، وانتظار التاجر ، المكوث عند عشاب أجبره على تعلم حرفة التطبيب بعد أن كان ورّاقاً ، ثم يتجه إلى بلنسية ، فيباغته العسكر الإسبان ، يقتلون فرَسه ، ويعتقلونه جريحاً مشوهاً ، يفيق من غيبوبته ، ليكون حليق الذقن مسجوناً في منارةٍ وسط البحر ، ثم يُستعبد ، يعمل جذافاً في سفينةٍ إسبانية ، فيغير عليها البربر ، ويحررونه ، يذهبون به مع بقية العبيد باتجاه سبتة على الساحل الجنوبي للمتوسط ، ويمكث فيها ، يعمل تاجر فاكهةٍ وخضار ، ثم إلى القيروان فيعمل تاجر زيتٍ وزيتون ، فيتاجر به إلى الإسكندرية ، وتراوده فكرة البحث عن أخيه بعد أن أسّس عائلةً في القيروان ، يسافر إلى بيت المقدس ، ثم طرابلس ، فأنطاكية ، بحثه كان عبثيًّا ، فوضويًّا، لا يحمل شيئاً ، لا يعرف شيئاً ، فقط كان يحفظ اسماً يدور على الناس في الشوارع ويبحث عنه (( البَلَنسي )) . الإنسان صبور ، لا يهمه الوصول إلى هدفه ، ما يهمه فقط هو أن يمتلك هدفاً يسعى إليه ، يتصبر به ، وإن لم يكن مقتنعاً به ، ما أعجب الإنسان . (( جلس محمد الغرناطي على الأرض ، كان يبكي )) بهذه العبارة اختُتمت القصة ، أحياناً اعتبار المرء ميتًا أرحم على النفس من اعتباره مفقودًا .
كتب ربيع جابر هنا رواية كالحلم، تتهادى أحداثها كأنها منام.. سعيد حيناً وثقيل أحياناً أخرى كثيرة. وتلك هي الوسيلة المثلى للتعامل مع حدث الفقد بكل مرارته وألمه ثيمة المنام، أو الحدث الطافي فوق الحواس كغيمة عابرة.. مناسبة تماماً كذلك للسياق الأندلسي الذي نبجله في الوعي الجمعي كذكرى –حلم- بديع أجمل من أن يتكرر. سياق حافل هو الآخر بلوعة الفقد غير المبررة وبرغبة دفينة في العودة لأصل لا ننتمي له. لكن ربيع جابر، الباحث والمؤرخ قبل أن يكون روائياً، يقارب الواقع الأندلسي بشكل متميز، ليجعل من المكان بطلاً بامتياز من جهة- ويجعل من اللون والرائحة والطعم أبطالاً آخرين، بحرفية متناهية، يكرسون ملامح الشرق عبر رحلة محمد الغرناطي الطويلة التي حصلت ذات زمن حافل بمكامن الصراع. بشكل ما، تبدو هذه الرواية باختزالها للزمكان وملامستها العابرة للتفاصيل، إسقاطاً على رحلة كل منا مع واقعه ورحلته الذاتية في البحث عن المفقود. إننا نكبر ونغادر أعشاش نشأتنا بحثاً عن شيء ما –رمز له ربيع جابر بالأخ الربيع- وتزداد اللوعة المتفاقمة في نفوسنا عبر السنين مع تطاول البحث عن هذا المفقود الذي علقنا بعنقه أجراس سعادتنا، على الرغم من رنين السعادة المتواصل من حولنا في كل وقت. نظل مسكونين بهاجس المفقود فيما نتعامى عن حقائق الموجودات. وفي حالات تتسامى فيها المرارة فوق المتصور، يكون المفقود المنشود هو نحن، مضموماً بين جنبي أحدنا، لكنه لا يبصره، ويواصل الرحلة حتى نهايتها التي لا نضمن أن تنتهي بالعثور على ما نبحث عنه.
"ذهب يبحث عن خروف ضالٍ، فأضاع نفسه." تلخص هذهِ العبارة الشديدة الإيجاز قصة الرواية التي يتم تلخصيها مرات عديدة و بأشكال مختلفة أثناء الرواية، إلّا أنها في هذهِ الصياغة تستخدم فعل أضاع منسوبًا للربيع نفسه، حتى لتقول في غفلة من نفسك: يضيع (الربيع) من أجل خروف؛ يا للعبث! و نبدأ الرحلة مع أخيه محمد. محمد الغرناطي، باحثًا عن الربيع الضائع. إلّا أنّ محمد الغرناطي الذي يظل منذ ضياع أخيه في حالة ذهول مستمرة عليه، يعتقد أنّ الربيع أخاه ضاع بسببه، و يبدأ باتباع أي نجم مهما وهن ضوؤه للإهتداء إلى الربيع. تاركًا وراءه والده المفلوج الذي تراجعت صحته، و أمّه التي ذابتْ روحها، و جدّه الذي وُجدت جثته في الغابة بعد بحث طويل عنه. في حالة ذهولٍ مستمر، منفصلًا حتى عن المحادثات التي تُجرى معه، متصلًا بالمنامات و الإشارات التي تلوح بالربيع، حتى صار لا يستطيع مغادرة الرأس المثقل بالذنب -الذي ودّ لو ي��فيه شعره بالكامل- إلّا حين يركب فرسه، حينها فقط يستطيع أن يتخفف، يغادر، يكون لا أحد، يركن ساكنًا إلى محسوسات و لامحسوسات الطبيعة. محمد المهجوس باستمرار بهذهِ الضّالة التي يستشعرها في الأساطير، حتى تصطبغ هي بلون الأسطورة. في رغبة مستميتة لأن يعود الربيع للأندلس، ربيعه هو، حين يضطر محمد لتمثّله من أجل أمّه، لا يتوانى عن فعل ذلك، و حتى اعتباطيًا يكون ذلك فاقدًا جدواه. في صفحات الرواية الأخيرة حينما يقول محمد لأخيه: "لم أعرف ماذا أفعل. لو أشعلتُ نارًا كنت... و يقاطعه الربيع: النار أيضًا ما كانت لتدلّني. شجرٌ كثيف يتلاصق كالجدار، ماذا تنفع النار." ب��د أن رمى باللائمة ميغيل الأسباني على محمد لكونه لم يحاول إشعالها حين قال له: "خطيئتك أنّك لا تعرف متى أخطأت. سمعت كل حكايتك. مرة تلو المرّة. و أعرف الآن أنّك لا تعرف." يثير محمد فكرة النار عند أخيه بالرداء الأحمر كي يسمع في ذاك الحوار المرتجى إجابة تريحه، مدفوعًا بتوقٍ عتيّ للتخفف من الذنب.
ٍانطوى أسلوب الكاتب على شاعرية رقيقة في تلك الجمل الموجزة التي تبدو هنا أقل صرامة مما كتب لاحقًا ربيع. وقفت عند العديد من العبارات، المُودعة على الصفحات بدعة كبيرة، يحضر فيها النهر و الشمس و الفضاء بنجابة كبيرة، و تقف وسط الحديث بين اثنين كعناصر له كلمتها الخاصة و المؤثرة. ذكرتني أحيانًا بشعر الهايكو: الضوء الأصفر استمر يسبح فوق قناة الماء. النهر يجري و الشمس تتسلق السماء. أنفاس الخريف تحرك الفضاء. تكاثف الليل مثل حبر أسود يسيل من قارورة. بات النهر يجري صامتًا في رأسه. خيّل إلى محمد أنّ المياه كلها تصبّ في عينيه. تخبط الفضاء بذيلها، و الرذاذ يتطاير حولها. عيونها برك دعة.
جمال السرد، ورشاقة الجمل التي تتنقّل بالقاريء في الزمان والمكان بخفّة طائر مراقب؛ كلّ ذلك لا يغفر للرواية فقدانها للعمق. عن أيّ شيءٍ تريد الرواية أن تحدّثنا؟! أزعم أنّي حاولت البحث والتكلّف في اقتراح محورٍ ممكن لها، ولم أجد ما يقنعني. مثل: أنّ الاغتراب يغيّر النفس، ويبدّل الأحوال والأشواق. ربما! هل من معقولية في قصّةٍ يضيع الابن الأوّل في عمر ال13 ولا يعود (ولا نجد لذلك سببًا)، و يذهب الثاني في إثره فيضيع اختياريًا، تاركًا أمّا مكلومة ثكلى، وأبًا مريضًا قعيدًا؟! الرواية جميلة كقصّة صيغت بجمالٍ فائق. غير أنّ افتقارها للحكمة أزعجني. في روايتيه(هذه و"دروز بلغراد") هنالك استسلامٌ عجيب للظروف والأقدار تظهره الشخصيات. هنالك تكرارٌ للرؤى ومحوريةٌ لها. هنالك نهايات سعيدة ومفتوحة. وهنالك جمالٌ في السرد لا يقاوم.
هذه هي قراءتي الأولى لربيع جابر و أخشى أن تكون الأخيرة !
استغرقت في قراءتها ساعتين إلا ربع بحثتُ خلالها مع محمد عن أخيه المفقود ربيع متنقلًا بين عدة مدن مِن الأندلس إلى الشام . برأيي أن الرواية ركيكه و ضعيفه مُنذ بدايتها إلى النهاية . اُعاني مِن مشكلة كبيرة مع الكاتب الذي يعمل على تكرار أكثر من جملة أو كلمة في كتاباته !
الرواية أو الحكاية فى حد ذاتها مملة جداً حتى أسلوب السرد وكثرة الاسهاب كان مزعجاً للغاية فى بعض المواضع، غير أن الجو العام للرواية وتمكن ربيع جابر من التفاصيل والوصف جعلاها الى حدٍ ما مقبولة فقط كحكاية مسلية ولا اجرؤ أن اقول مشوقة.
اممم ،، حسنا .. انتهيت الان من رحلة الغرناطي لربيع جابر ، الكاتب يعني العنوان بشكل فعلي تماما ، رحلة وصف لا رحلة حدث جاء الكتاب في 220 صفحه لكن لو اختزلنا ما ورد في الرولية لوجدناه يساوي قصة قصيرة ،، اوغل الكاتب في وصف كل شي رأته عيناه لكنه اغفل تفاصيل رحلته الطويله التي استمرت خمسة عشر عاما
كانت رحلته هو وليس رحلة البحث عن الربيع ، فلو كان فعلا يبحث عنه لما استقر في اغلب الاماكن التي استقر فيها اعترف ان الخاتمة جاءت محيره هل وجد محمد الغرناطي اخاه فعلا ! اظن انها مكتنفه ببعض الضبابيه
لكنها أي الخاتمه جاءت هذه المره في مصلحة الكاتب ذلك انه اوجد فضاء ومساحة للقارئ لـ يأول ماهيه اللقاء وهي المساحة الوحيده للقارئ في نظري حيث ان الكاتب قسم فصول الرواية لـ اجزاء وومضات سريعه للغاية لا تجعل للقارئ مجال للاندماج في وضع اللحظة الراهنه
اقيم الرواية بنجمتين ونصف نجمة ،، لا اريد ان ابخس حق الكاتب كوني انتهيت مؤخرا من رواية ثلاثية غرناطه وكنت اتوقع المزيد عن الاندلس في الحقيقة ظننت ان الرواية عن الاندلس فعلا وليس لماما كما ورد، على الرغم من ان قرائتي للكاتب ليست الاولى حيث انني بدأت بدروز بلغراد ولم اشعر كذلك بومضه الاعجاب بها عكس رأي العديد من الزملاء
الرواية بتتكون من فصول قصيرة جدًا، مش بتقول كل حاجة، وفي النص التاني كمان بتبقى أكثر خيالية، في رأيي الاختلاف بين النص الأول والتاني من الرواية هو الاختلاف في شخصية الغرناطي نفسه، وفي هدف رحلته. في الأول كانت رحلته مبنية على دوافع ملموسة، كان عارف هو بيدور على ايه وبيدور عليه فين. في النص التاني بيبقى اللي بيحركه هي رغبة داخلية تمامًا، داخلية يعني من صنع نفسه وأهواءه.
أعتقد ان كل كاتب "كبير" محتاج رواية رحلة عظيمة. رحلة الغرناطي مش رواية عظيمة، لكن رواية حلوة جدًا، كالعادة ربيع جابر بيعرف يلعب على حتت واضحة ف الطبيعة البشرية بتخلي كل رواياته جذابة- على الأقل بالنسبة لي- هو فاهم أحزان وأماني وأهوواء النفس كويس. وده أعظم حاجة فيه.
عشان كده بقول انه كان بيسخن لدروز بلجراد، دروز بلجراد هي رواية الرحلة العظيمة لربيع جابر. رحلة الغرناطي هي "تسخين"، بس تسخين حلو جدًا ف رأيي.
ذكّرتني هذه الرواية برواية حارث المياه لهدى بركات. نفس التشوّه الروائي والسرد الممل والتفاصيل العرجاء. نعم عرجاء... هذا أكثر وصف يناسب هذه الرواية. قلّة هي الأعمال التي أفشل في أن أجد فيها جملة مفيدة، أو ملفتة. رحلة الغرناطي واحدة منها لتكون، وباستحقاق مرعب، واحدة من أبشع الروايات التي قرأتها في حياتي. من أين أبدأ؟ من تاريخ المطبخ العربي والأندلسي الذي رصّه في رواية لا تتجاوز 220 صفحة؟ هل أتحدّث عن ال 700 نبتة و500 حيوان الذين شرّحهم في العمل حتّى جعلني أعود إلى الغلاف لأتأكّد إن كنتُ أقرأ رواية فعلًا أم كتاب كليلة ودمنة! هل ألوم الحبكة الساذجة واللغة الباهتة والإسهاب السيء والصفحات الفارغة من المعنى؟ صدقًا لا أعلم ماذا شعر ربيع جابر صاحب رائعتَي الاعترافات ودروز بلغراد عندما كتب هذا الكتاب الأقرب إلى "النكتة"... .
القصة أحداثها غير متماسكة وغير مقنعة، شخص هائم وكل مافيها وصف مجتزأ والكثير الكثير من أسماء المناطق في مختلف البلدان ما بين الأندلس وبيت المقدس والمغرب وتونس ،، لم أتعلق بأيٍ منها لأن لم يكن هنالك سوى الأسماء فقط !! والأحداث كذلك، لا تشعر أن هناك رابط متين يجمعها أو انتقال سلس بل يحدث كل شيء فجأة !! لم تعجبني
انا اقرأ روايات ربيع جابر بفترات زمنية متباعدة خوفاً من انهائها! احب كل ما يكتبه هذا الرجل، على الاغلب لأنني افضّل الاشخاص الذين يتميزون بشيء خاص بهم، تعرِفهُ عن بعد، كأن يكون لهم رائحة خاصة او طريقة مشي خاصة ، و ربيع له كلمات خاصة به، هوية كوّنها من لغة القاريء الام الا انها لا تشبه شيئاً تعرفه!
خيبات أمل متتالية لا تعالج روحي التي تنقبض من هكذا قراءات إلا كتاب مولانا جلال الدين " كتاب فيه ما فيه" الذي أقرأه متخللة بذلك قراءات أخرى
الرواية لم تعجبني أبدا ، فالكاتب اهتم وانشغل بوصف الحياة في تلك العصور ومظاهر الحضارة وتفاصيل المدن على حساب الحس الأدبي في الرواية ، حتى أنني وجدت نفسي أقرأ جمل متقاطعة وأقوم بجمعها مع السياق بمفردي !
أما هذا الأمر ، فهو قصة أخرى ! ، أمراء الدولة المرابطية يعرضون اخواتهن على رحالة غرناطي لا والاخير يرفضهن ويقول انه كما صار عبدا للفرنجة لا يريد ان يصير عبدا للبربر
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه آه يا قلبي ، هل يعلم حقا ما تعنيه الدولة المرابطية ! وأبهتها وعظمتها وقوة نساءها ؟!
ورغم انه لا ينفك عن وصف البربر كأنهم برابرة او متوحشين يصف دخولهم الى الاندلس بأنه سيطرة كأنها غزو لا وعائلة المالقي أعتقد قامو بقتلها " يقتلون عائلة الزوجة والاطفال !! " وعندما "نهبوا" سفينة الاسبان يقول قطعوا اذانهم وانوفهم ، مالذي يحاول ايصاله للقاريء ؟!!!
البربر همج :3 ؟؟ يعني ساعدوكم في انقاذ اشبيلية بعد ان ضاعت طليطلة بفضل ملوك الطوائف المتخاذلين ، وتريدونهم ان يعودوا من حيث أتوا ! ، والكل يعلم ان خاصة المسلمين طالبوا يوسف بن تاشفين بالسيطرة على الاندلس حماية ورعاية لها ! ، والبربر ليسوا همج وقلوبهم ليست قاسية وغير عاطفية كما تظهرها الرواية ، ألم يصل المنصور يعقوب "البربري" في معركة الارك الى طليطلة وكان سيفتحها حتى خرجت له نساء القصر حاسرات الرأس باكيات يتوسلون له بأن يترك لهم قصورهم وقلعتهم ورق قلب المنصور لهن وعاد ادراجه !
لا أفهم ما الحكمة وما علاقة تلك القصة التي رواها الغرناطي الى زوجته بسياق الرواية من اساسه ، الكلام الذي قاله عقبة بن نافع رضي الله عنه عن البربر بأنهم لا خلاق لهم ووو إلخ ، رغم ان الامر أثبت العكس هل نسى الحدث التاريخي الشهير الذي يحمل اسم ثورة البربر ، عندما ثار البربر على الامويين الذين ظلموهم وتعسفوا في حكمهم ، وبعد طردهم جميعا قاموا بتكوين ممالك ودول بربرية مسلمة لا ونشروا الاسلام أيضا وحموا حمى المسلمين ! ، مالعبرة في قول كلام كهذا في زمن أنقد فيه البربر مساجد الله في الاندلس واعراض المسلمين في الاندلس من الضياع ومن سطوة المسيحيين ! هذه وضاعة وعيب !
آه يا رأسي
عموما الكاتب غير ملم بالطبيعة الاجتماعية السائدة في بلاد المغرب في تلك العصور وهذا الشيء لا يؤهله الى اختلاق رواية تاريخية خيالية في تلك البقعة من الارض
" إنك لا تدرين معنى أن يمشي الإنسان ويمشي بحثا عن إنسان آخر حتى تتآكل في قدميه الأرض ويذوي من شفتيه القول " . وحده محمد الغرناطي عرف هذا المعنى البائس المهول في رحلته التي جابت ثلاث قارات بحثا عن أخيه الربيع ... إنها قصة ضياع مزدوجة ؛ يضيع الربيع بحثا عن خروف ضال ويضيع محمد بحثا عن الربيع ... كل مرة كان يغادر فيها محمد مدينة محلقا في الفضاء سابحا على سرجه شاعرا بالإحساس ذاته : أنه ليس هو ، أنه لا يعرف من أين يأتي ولا يعرف أين يذهب .. كل مرة كنت أتساءل لم ؟! ليس هذا شعور من يبحث عن أحد ، هذا شعور من يهرب من أحد ... لم يكن محمد يبحث عن الربيع ، كان يهرب من الربيع ؛ من ذكراه الموجعة ، من عقدة الذنب ، من أبيه المفلوج وأمه الصامتة وأخواته الحزينات ، من غرناطة التي شعر أنه ليس ثمة من يحبه ولا يريده فيها ؛ فكلهم ينتظرون الغائب المحبوب الذي لا يعود والذي تسبب هو بالذات في ضياعه ... كان محمد إذن حرا ومرتاحا في غربته لكنه لم يخترها أبدا بل فرضت عليه وهذا ما جعله دوما ممزقا بين بيته القديم وحياته الجديدة ... في رحلته الأخيرة من تونس لم يستطع الغرناطي أن يشعر بالحرية الكاملة ، ليس فقط لأنه صارت له جذور من زوجة وأطفال هناك " فقد كانت له جذور أيضا في غرناطة " ، لكن لأنه وجد الحب في تونس ، وجد من يراه أجمل مافي الحياة ولا يريد من العالم سواه ، وجد من يحبه هو بالذات ويسعد بوجوده ويتألم لفقدانه ، ربما لهذا كانت هذه رحلته الأخيرة ، ربما لهذا وجد في نهايتها الربيع كما فقده منذ سنين ليقول له جملة واحدة _ هي كل ما كان يرغبه محمد _ : اذهب إلى أولادك . فجلس محمد على الأرض وأخذ يبكي . جلس يرتاح من تعبه الطويل وأخذ يبكي بكاء من أعتق أخيرا من أسر كاد يهلك حياته . بقى أن أشير إلى ارتباط كل ما قرأت لربيع جابر بنفس الثيمة : الفقد والرحيل والضياع ثم العودة ، كأن الحياة كلها هي رحلة ضياع تعيد فيها اكتشاف نفسك حتى تجدها في النهاية والسعيد من وجد ما يسره :-)
هل هذه رحلة الغرناطي وحده، أم أنها رحلة كل واحد منا يجري وراء السراب؟! ربّما كان هذا هو السؤال المسيطر عليّ، وأنا أتجرع مع الغرناطي خيباته، وهو يبحث عن أخيه البلنسي. تحكي الرواية عن محمد الغرناطي، الذي ضاع أخوه الربيع في الغابة.. لتبدأ بعدها رحلة الغرناطي الطويلة -التي تمتد لأكثر من عشرين سنة- بحثًا عن أخيه. ما الذي دفع الغرناطي للبحث كل هذه السنين؟ أهو إحساسه بالذنب؟ أهو خوفه على أبيه وأمه؟ أم هي مجرد رغبة الأخ في إيجاد أخيه؟ تهدم أحداث الرواية كل تلك الدوافع، لأدرك في النهاية أن الغرناطي ضحى بحياته كلها بحثًا عن سراب.. ترك أباه وأمه بحثًا عن أخيه، وترك الرجل الذي علمّه صنعته بحثًا عن أخيه، وأصبح عبدًا بحثًا عن أخيه، وترك زوجته وأولاده بحثًا عن أخيه، وانتقل من غرناطة إلى قرطبة إلى بلنسية إلى المغرب إلى تونس ثم إلى القدس بحثًا عن أخيه= أخوه الذي لم يكن في النهاية سوى سراب، تنفخ في صورته كلماتُ الناس الذين يلقاهم الغرناطي قدرًا؛ لتشكل هذه الأقدار كلها حياة الغرناطي بعد ضياع أخيه. ربّما لا تحمل الرواية ذلك المعنى، ولا تحتمل هذا التأويل؛ لكنه قدري أيضًا أن أقرأ تلك الرواية في هذا الوقت بالذات لأفسرها بتلك الطريقة؛ عسى أن أقدّر الحياة التي منحنيها الله، وأكفّ عن الجري وراء السراب! وكعادة ربيع جابر.. يبهرني بالسرد دومًا، ويطوف بك في أزمنة تاريخية فلا تدري أحقيقة ما يقول أم خيال، ويأخذك من بلاد الشرق إلى بلاد الغرب وكأنك على بساط سحري، تأخذ نظرة على كل بلدة وأنت مشتاق لوصف البلدة التي تليها.. كل ذلك بلغةٍ جميلة، وسردٍ محكم، قد يكون غارقًا في التفاصيل زيادة عن اللازم، لكنه مع ذلك غير ممل ولا مخّل.