تشكل المرأة - فى قصص راسبوتين - حجر الزاوية، إذ تمثل حالة الفعل استمراريته، ديمومته، قوته النشطه المحفزة. لكن المرأة العجوز تصبح هى الحكمة، الذاكرة، ببعديها الروحى والفسيولوجى. فلديه عدد هائل من العجوزات اللائى يحملن فى آن واحد العادات والتقاليد الشعبية والصور الشخصية، والطبائع الروحية والنفسية. وهن فى الوقت نفسه يرتبطن بموضوع الحياة - الموت لدى راسبوتين ليس موضوع رحيل وفناء بقدر ما هو موضوع تفكير وتأمل فيما تبقى.
See also: Валентин Распутин Valentin Grigoriyevich Rasputin (Russian: Валентин Григорьевич Распутин; born March 15, 1937 in village of Ust-Uda in Irkutsk Oblast, Russian Federation) was a Russian writer. He was born and lived much of his life in the Irkutsk Oblast in Eastern Siberia. Rasputin's works depict rootless urban characters and the fight for survival of centuries-old traditional rural ways of life. Rasputin covers complex questions of ethics and spiritual revival.
ليس مصادفة أن تأتي معظم مؤلفات فالنتين راسبوتين بنهايات مفتوحة مثل بداياتها. فهو يبدأ وكأن هناك شيئا ما قديما قد حدث ، أو مازال يحدث ، أوان صداه لايزال يطن في الذاكرة. بعد ذلك ينتهي العمل على الورق ، ولكن دائما هناك شيئا ما سوف يحدث. ففي رواية "عش وتذكر" لا أحد يدري مصير أندريه جوسكوف ، النهاية مفتوحة تماما، بل ويمكن لأي كاتب آخر أن يكتب رواية كاملة عن مصير هذا الانسان. وفي «المهلة الأخيرة " نظل نفكر ونتألم: من من أولاد العجوز ( أنا) سيحضر دفنتها، إن راسبوتين يترك الأمر لكل منا على حدة ليواجه نفسه بذلك السؤال. وفي معظم مؤلفاته نجد ما يسمى بالصلاة الأخيرة أو صلاة الوداع ، صلاة الوداع لـ"ناستينا" في «أعش وتذكر" ، وللعجوز في "المهلة الأخيرة ، وللعجوز أيضا في قصته القصيرة "العجوز" ، وفي قصته "لا أستطيع ". يشكل موضوع الحياة والموت عند راسبوتين أهمية كبيرة لدرجة أنه يكاد يصير موضوعا قائما بذاته. فلديه دائما شيء ما يخرج ، أو أحد ما يذهب ، يرحل من العالم والحياة. هنا الكثير الذي يذهب لكي يتذكره الانسان والكثير الذي يبقى أيضا لكي يفكر فيه الانسان.. من هنا كان هذا الحوار الذي أجراه معه في موسكو أشرف الصباغ فالنتين جويجوريفيتش ، ظلت وسائل الاعلام لفترة طويلة تحتفل بعيد ميلادك الستين ، فهل جعلك ذلك تشعر بثقل السنوات؟ ويحجم ما قدمته من ابداع ثقافي ، وبالكفاية الذاتية؟ وهل تحقق كل ما كنت تود تحقيقه عموما، أم لديك بعد ما لم يتم انجازه لأسباب ما؟ أنا لا أعرف ذلك الكاتب الذي يمكنه أن يقول إنه قد قام بانجاز كل ما كان يجب أن ينجزه فصنعتنا التي ليست مقصورة على مهمة محددة تدفعنا دوما الى الشك في اكتمال النتائج الابداعية هناك عشر سنوات - فترة السبعينات - في حياتي الابداعية كانت كثيفة الانتاج للغاية ، حيث كتبت تقريبا الجزء الأكبر من انتاجي الأدبي. أما السنوات العشر التالية لها - بل وحتى أكثر منها - فقد صرفت ، كما يقولون ، على النشاط الاجتماعي. كان من الضروري الدفاع عن بحيرة "بايكال "، وبشكل عام عن تلوث البيئة والايكولوجيا، كان من الضروري أيضا الدفاع عن رموز التاريخ والثقافة ، وبشكل عام عن الثقافة نفسها، وكلمة "ضروري" هذه دفعتني الى تأجيل العمل الأدبي، وان كان كل ذلك بطبيعة الحال نسبيا، فقد كانت هناك بعض القصص ، ورواية "الحريق " ثم كتاب "مقالات عن سيبيريا". والكتاب الأخير خرج بصعوبة بالغة اذا ما تحدثنا عن جمع عادته ، ولكنه على أية حال كتب بسعادة والهام. وأعتقد أن هذه المقالات يمكن أن تعد نوعا من أنواع الفنون. ولكن مع الأسف ، فكتاب "سيبيريا... سيبيريا" لم يقرأه إلا القليلون ، حيث صدر في بداية سبتمبر 1991م ، في فترة مخزية بتاريخنا ، وفي نسخ قليلة لم تصل الى القراء ، بعد ذلك ، وفي وقت متأخر وقع الكتاب في أيدي التجار الذين قاموا بتوزيعه بأسعار عالية. ومع ذلك فقد انشغلت أكثر بالأدب الاجتماعي قبل أغسطس 1991م ، وبعده أيضا. حيث أقبل زمن الاضطرابات والأهوال الاجتماعية ، والكتاب الروس - كما هو معروف دائما - دخلوا هذه الحركة بأعداد ضئيلة ، وكنت أرى بالنسبة لنفسي على الأقل أن تجنب الدخول فيها أمر مستحيل من المعروف (وكما يقال عادة) أنه من أجل ممارسة الابداع الأدبي بشكل كامل يجب التفرغ التام له. وبالتالي يطرح الكثيرون سؤالا هاما. هل الأدب الاجتماعي ضروري؟ وما الذي يدفع الكاتب الى طرح منهج الرواية جانبا والتوجه مباشرة الى الناس. ومن أمثال ذلك أعمال "لا أستطيع الصمت " ، "جزر سخالين " ، "الوفاق "؟ هل هذه خصوصية روسية؟ فعادة ما ينحي الكتاب الكبار وراياتهم ويتخلون عن الابداع الأدبي ليتوجهوا مباشرة الى الدعية أو المواعظ على اعتبار أن التأثير الفني - الأدبي الخالص على المجتمع ليس كافيا بالنسبة لهم. وما لتالي يحاولون تغيير مجرى الأحداث عن طريق الممارسات الحياتية نفسها ان الأدب الروسي لم يكن أبدا في غنى عن الأدب الاجتماعي. وأعتقد أنه لا يمكن الاستغناء عنه إطلاقا ، لقد بدأ الأدب الروسي بالأدب الاجتماعي تحديدا، فمثلا "كلمة عن حرب ايجوريف " و" كلمة حول موت الأرض الروسية " ما هي الا أدب اجتماعي ، فكم كان تاريخنا صعبا ومأساويا، وكم كانت حياتنا متوترة ومشحونة ، وكم كانت فضاءاتنا عظيمة وشاسعة الأمر الذي جعل الكلمة الهادئة غير مسموعة ، ومن هنا فلا أحد من مبدعينا الكلاسيكيين تمكن من الاستغناء عن الأدب الاجتماعي، لقد ظل تشيخوف يشعر كما لو أنه متهم أمام المجتمع الى أن كتب "جزر سخالين وديستويفسكي" في "يوميات كاتب " أخرج نفسه من بين الأقواس كفنان ، وظهر كانسان روسي وكاتب عظيم بدون تحفظات ، ولو لم تكن "مختارات من المراسلات مع "الاصدقاء" لظل جوجول في الأدب عبارة عن عجوز رافض وحسب ، وانسان ذي روح غامضة حالكة - ولكن فجأة تتفتح هذه الروح بصفاء وسعادة في صلاتها التي لم تكن أبدا في الأستطراد الوجداني الذاتي وحسب ، وانما كانت في جوهرها استطرادا اجتماعيا - فثم كان جوجول الوطني عظيما حقا ان الفنان في عمله الأدبي يضع أبطاله في عالم مختلق قريب من الواقع ولكنه ليس واقعيا. وهذا العالم يسمح للفنان أن يتحدث عن الانسان والحياة بشكل أكثر عمقا واتساعا ، وبصورة حسية ملموسة ، وأكثر امتاعا وتشويقا مما هي عليه في الحقيقة ، ولكن عادة ما تأتي في ابدا عات الكاتب لحظات ، كما في حياة الناس مراحل ، تتطلب لا فنانا أو كاتبا، وانما شاهدا ومفكرا، وحاليا يمكن ذكر العديد من أسباب انصراف الناس عن القراءة قراءة الأدب بالذات ، وعلى ضوء حديثنا يمكن الاشارة الى سبب واحد هام ، وهو أن الحياة الآن أفظع بكثير ، وأقسى من تلك التي يقدمها الأدب ، والمسألة تتطلب وقتا من أجل التغلب على هذا التنافر نتذكر جميعا المؤتمر العام للكتاب ، الذي ثارت فيه ضجة عالية ونقاشات حادة بخصوص الكاتب والسياسة ، فهل يمكن للكاتب الروسي أن يكون بمعزل عن السياسة؟ أم أن عدم الاهتمام بالسياسة هو في حد ذاته سياسة بالنسبة لشرائح معينة من الكتاب؟ انني أعرف جيدا أن هذا الجدل يدور في ورح كل كاتب ، ولكن الكاتب لا يمكنه أن يجد أي شيء محترم في السياسة ، وفي نفس الوقت فالابتعاد عن السياسة أمر قاتل للموهبة. فهل أكون مخطئا اذا قلت أنه لا داعي الى تلك الاستجابات الفورية وردود الأفعال القوية على مختلف الأحداث السياسية ، وأن يتفرغ الكاتب فالنتين راسبوتين لأعمال أدبية جديدة يمكنها أن تكون أكثر تأثيرا على القاريء؟ يمكن أن تكون الفائدة أكثر للأدب ، ولي أيضا على المستوى الشخصي، فلا شيء يقضي على الانسان في هذا العالم مثلما يقضي عليه الصراع مع تلك القوى الخفية - الهائلة - التي ليس لها عنوان أو ملامح محددة. ولكن تعال لنتصور: في عامي 91-1992م لو لم أكن أنا وبيلوف ورازوف وفلا سوف وكوجينوف وكونيايف وبوندارينكو، تصور: أنه لو كنا قد ارتأينا جميعا أنه من المريح لنا أن نمارس فقط عملية الابداع الأدبي، فهل يمكن أن نتصور أي أفكار كانت الممكن أن تسيطر وتتسيد في روسيا الآن ، وبأي لغة كانوا سيجبرون روسيا على الكلام. فنتذكر معا: "الوطنية - صفة الأوغاد" (تشيرنيتشينكو). "روسيا قادرة على انجاب العبيد فقط " (يوري أفاناسييف). لنتذكر بأي سخرية وتهكم كانوا يتحدثون عن مقالتي المقدمة في الحرب الوطنية العظمي. ان كل ذلك كان قريبا من كونه أيديولوجيا الدولة / الحكومة والى ممارساتها. وكان من الطبيعي الا يسمح العديد من الأدباء بذلك ، وأن يقفوا معا ضده ، ولا أحد كان بإمكانه أن يحل محلنا في تلك المعركة. واذا كانت السلطة غير الوطنية بلا تحفظات - مضطرة اليوم للحديث عن الأفكار الوطنية ، فليس هذا بفضل جامعة هارفارد ، وانما هذا فضل ومأثرة صحف مثل "اليوم " و"الغد" ، انها مأثرتنا الجماعية ، ومأثرة هؤلاء الذين من أجل روسيا تركوا مكاتبهم ومختبراتهم ولكن ماذا عن الكتاب الذين قاتلوا في المقدمة ولم يعودوا من الحرب؟ أين كان من الممكن الاستفادة منهم بشكل أكبر؟ لا ، ان روسيا تعرف أكثر كيف يمكننا أن ندبر أمورنا ونتصرف ، وتعرف أكثر من يمكنها دعوته ، والى أين تبعث به معنى ذلك أن الأمر ليس مصادفة حين يلتف جميع المطالبين بالسلطة حول مسألة الوطنية ، بداية من يلتسين وتشيرنوميردين الى ليبيد وزيوجانوف ولوجكوف حتى تشوبايس انهم مضطرون لأن يكونوا وطنيين ، وخاصة تشوبايس. ولاسيما اذا كنا نتصور أن ذلك من صميم قلبه. ولكن أين كانت وطنيته عندما باع روسيا بعدة قطع من الفضة لهذا ولذاك مثل يهوذا عموما ففي الأدب الروسي يوجد شيء ملموس خلافا لأي أدب آخر، وهو أن الأدب عندنا كان دائما أوسع من الفن ، وكان تعبيرا عن مصائر الناس. هذا الأدب وجد ليس من أجل تسلية القاريء ، وانما من أجل لضمه في ، أو ضمه الى الجسد الروحي الوطني لقد اتفقوا في روسيا ، في العهود القيصرية ، وكذلك في المرحلة السوفييتية على أن الأدب لم يكن أبدا قضية خاصة وفردية ، وانما كان على الدوام يعيش في براكين السياسة ، يتنبأ ، ينذر، يلعن ، يفضح ، يمجد ، يبصر، كما أن الكاتب لم يكن أبدا انسانا فرديا منكفئا على ذاته ومعزولا. ولذا فقد كانوا يحترمونه ويخافونه. واضطهاد الأدب والتنكيل به في مختلف العصور يعتبر في نفس الوقت اعترافا قويا ودامغا به ، واثباتا لمكانته الاجتماعية الرفيعة. أما اليوم ، وخاصة في وسائل الاعلام - الديمقراطية - يطلق نداء غريبا جدا: الأدب لا يجب بالضرورة أن يكون محط اهتمام الناس جميعا، وأن الكتابة عملية ذاتية وخاصة تماما، وبالتالي فعدم اهتمام الناس بالطبع والنشر والقراءة شي ء طبيعي ، حيث أن الكاتب في النهاية يكتب بدافع ذاتي ومن أجل ذاته ويكفي أن يقرأ له عدة أشخاص وليس بالضروة كل الناس يمكن لوسائل الاعلام ، ولبعض الكتاب أن يتصوروا أنفسهم كما يشاؤون ، وأن ينادوا بأية مباديء يريدونها. ومع ذلك فلا يمكن أن تكون لهم أية علاقة بالأدب الروسي. فهم لديهم قلوب أخرى. وكلمات أخرى، وأصول أخرى، ومواهبهم تتصف بالتعالي والازدراء والسلبية ، أو في أحسن الأحوال تكون شخصياتهم الابداعية وانطلاقاتهم الأنانية بعيدة تماما عن التربة الوطنية الروسية ولا تتلاءم معها في ذات الوقت. ومن الطبيعي ، فمن أجل أن ينصبوا من أنفسهم ورثة للادب الروسي ، كان من المطلوب أن يعلنوا عن موته ، والآن على كل المستويات ، وفي المجموعات والشرائح وبالنسبة لجميع المواهب الابداعية يتكرر شيء واحد فقط وبشكل شرير ومغرض ، لقد مات الأدب الروسي (بمعنى أنه مات مثل التيار الروحي والأخلاقي الذي يصكك جذورا ضاربة في عمق مصير الانسان الروسي) ، لقد خبت المياه في بحر الأدب ، وصار هذا البحر- في وقتنا الحاضر - مجرد قناة رفيعة وجافة أيضا يمكن أن نرى فيها كاتبا أو اثنين لا أكثر، ولنتذكر معا، منذ عدة سنوات وقبل البدء من جديد في اعادة بناء معبد المسيح المنقذ على أنقاض حمام السباحة الشهير، تجمع هناك عبدة الشيطان والشاذون جنسيا وراحوا يمارسون طقوسهم الوضيعة ، وفعلوا ما فعلوه ، وجدفوا ما جافوه ، من أجل تلويث هذا المكان المقدس. ومع ذلك فقد ارتفع المعبد واعتلاه الصليب ، وذاب عبدة الشيطان والشاذون... وهذا ما حاولوا عمله مع الأدب الروسي ، أرادوا منعه ، ولكن دون جدوى فطالما هناك روسيا، فلسوف يكون هناك على الدوام أدب روسي روسيا القديمة التي تتجسد في وعيك تعتبر هي الملاك الحارس لروسيا اليوم ، تظهر دائما في أزمنة الانحطاط مثلما كان في الحرب الوطنية العظمي.. وهي التي تضفي الصبغة الروسية على جميع المشاريع الأممية - الكونية ، مشاريع التحولات الضخمة ، ومهما كانت الانقلابات التي جاءت من أعلى ، فروسيا القديمة - الحقيقية تسير في طريقها الخاص.. تعطي صبغتها المميزة للجان الاقليمية ، واللجان البلدية.. تنمو وتتأصل في الجيش ، وتتغلغل في الصواريخ والفضاء، تجرب الأسلحة وتشيد ميادين الرماية والمدن العلمية والمصانع ، ومع كل ذلك فالأدب الروسي كان هو مسمار الأمان لروسيا ولسانها المعبر، فقد جاءت ثورة 1971 م عام بالتروتسكيين الأمميين الى السلطة ، بأفكارهم حول الثورة العالمية ، وبأن روسيا يجب أن تختفي ، ومرت عشرات السنين ، وظهرت روسيا القومية /الوطنية مرة أخرى. يبدو أن ذلك سوف يحدث مرة ثانية الآن ، وسوف تقوم روسيا القديمة بتغيير مجرى الأحداث. فالسلطة العليا في عام 71 19 م كان من السهل القضاء عليها، وطار كل المشوهين من العاصمة سانت بطرسبورج وقتها الى باريس ولندن وبراج وهاربن مديرين ظهورهم الى "سمو" الامبراطور، ولكن روسيا القديمة جمعت امبراطورية روسية جديدة أكثر جمالا وعظمة ، والآن ، مرة ثانية ، كان من السهل القضاء على السلطة السوفييتية ومرة ثانية تعلو أصوات الكآبة والانكسار والذعر، مرة ثانية يبدو القطاع المهيب للدولة منزوع الارادة من أجل المقاومة في عام 1917 ، وفي 1991م جاءت الى السلطة مجموعات علوية غير راضية ، ولكن على الأقل ففي عام 17 19م كانت هناك سلطة لديها أفكار، أما في عام 1991م فلم تكن هناك سوى المطامع والنزوات ، في عهد بريجنيف تحول الحزب من حزب شيوعي الى حزب وصولي نفعي - انتهازي - يحتوي على مجموعة الليبراليين (الطابور الخامس) التي لم تستطع الصمود فهربت تجر من خلفها ذيول العار. فمثلا يلتسين وياكوفليف وجيدار وبوربولس وتشوبايس كانوا جميعا مشوهين شيوعيا، ولا مبدئيين كونهم مع جناح ما على حد سواء مع جناح آن مما جعل منهم مجموعة واحدة متحدة. وهذا أمر لا يثير الدهشة اطلاقا. لكن الخارج من نطاق الفهم هو كيف تقع مثل هذه الدولة الضخمة تحت سيطرتهم. ومن البديهي يمكن تصور التفسيرات ، مع أنها قد طرحت مسبقا ولكن هذه التفسيرات نفسها لا تساوي أي شيء بالمقارنة مع ما حدث ، فلم يحدث أبدا أن كانت روسيا القومية وفي تاريخها كله ، بهذا القدر من غياب الارادة وخاصة مثلما حدث في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ولكن كيف ترى أنت مشاركتك في السلطة ، ومشاركتك في مجلس الرئاسة في فترة حكم جورباتشوف؟ هل كان ذلك مفيدا بالنسبة لك ، وبالنسبة للمجتمع؟ من الممكن تخمين أحاسيسك حينما وافقت على الاشتراك في مجلس الرئاسة: لابد أن يكون هناك انسان فعال ومؤثر في الاتجاه القومي. فهل نجحت هذه المحاولة؟ لم تنته مشاركتي في السلطة بأي شيء. كانت دون جدوى على الاطلاق. انني بكل خجل أتذل حواراتي مع جورباتشوف (ذهبنا مرتين الى جورباتشوف ، أنا وفاسيلي بيلوف. وتحدثت أنا معا ثلاث مرات على انفراد) حول التحول الثقافي والأخلاقي الذي سبق التحول الحكومي ، بدا لي أنني قابلت تفهما كاملا ولكن لم يتغير أي شيء. وأنا بالمناسبة ، غير مؤمن اطلاقا بأن جورباتشوف منذ البداية ، مع وصوله الى المكان الأول في الدولة ، قد فكر في عملية تدمير الدولة ولكنه كان أقل مما فكر فيه بخصوص "البيريسترويكا" (بالطبع ليس هو الذي فكر فيها، وعموما ففي أغسطس ا 199م أظهر أيضا أنه جبان)، وأخذ يسلم موقعا بعد آخر، بالاضافة الى أنه لم يكن واثقا في قدراته ، وكان أنانيا ولديه احساس عال بالذات ، وقد أدارت رأسه فكرة المجد لأشهر انسان في العالم ، ومن أجل ذلك ضحى مرة أخرى بمصالح روسيا عندما ضحى بالاتحاد السوفييتي ، وبحلفائه الذين حذروه من الأخطار ولدرجة أنه ضحى حتى النهاية - بل وبصق على الذين كانوا في داخل جهازه وخارجه أيضا. لقد ذكرتني بالتأثير القومي، بمعنى تأثير النخبة القومية في تلك الفترة ، وهذا هو المضحك في الأمر حيث إنها لم تكن موجودة بشكل متكاتف في الجهاز الأعلى للسلطة ، ولنتذكر مؤتمر الكتاب في 1989. والذي تم فيه اختيار ما أطلق عليهم نواب الشعب عن طريق القائمة لنتذكر كيف جاهد الليبراليون بأظافرهم وأسنانهم لشق طريقهم الى هذه القائمة ، وبالتالي أزاحتنا منها، ولقد حاولوا دفعي بالقوة الى هذه القائمة في حين لم يوافق فيكتور أستافيف مباشرة ، أما فاسيلي بيلوف فراح يفكر (وانضم الى قائمة أخري). وبالنسبة الى يفتوشينكو وتشيرنيتشينكو فلم يتمكنا من المرور الى هذه القائمة ، ولكنهما تمكنا من التحرك على مستوى الأقاليم ، ومن البديهي فقد حالفهما الحظ ، انني أود بذلك القول أن القوى اللاقومية كانت تعد لانقلاب وأحسوا وقتها بالامكانيات المتوافرة لديهم ، لقد كنا نناقش ونتحدث عن العدالة ، أما هم في ذلك الوقت أسسوا مجموعة دولية تخريبية وديمقراطية ، تماما ، من أجل انهيار الاتحاد السوفييتي ولكن الانشقاق الأدبي قسمكم الى قطبين متباعدين والى أدبين لا يمكن لهما أن يتلاقيا أبدا. هل بالفعل كان حتميا؟ وعلى الرغم من أنها كانت عملية منظمة ، بالطبع لم تكونوا أنتم الذين نظموها وانما يفتوشينكو وأتباعه ، فهل من الممكن الاستمرار على هذا الحال؟ وهل الأكثر راحة أن يعيش الانسان في وسطه فقط ويلتقي مع من يماثلونه فقط في الفكر، أما من الضروري أن تقوموا بعملية تقارب جديدة ، وادماج جديد لاتحادي الكتاب؟ الانشقاق كان حتميا ، مثله مثل أي شيء أثناء أية ثورة. وقد جاء في اتجدد معاد للقومية بأحداث 1989، 1991م. فإذا كان الجزء الأول من الأدب كونيا، استخف بكل ما هو قومي، وخاصة بكل ما هو روسي ، فإن الجزء الثاني مثل مضمون وروح هذا القومي، فأية أخوة يمكن أن تكون في ذلك؟ ففي التليفزيون جعلوا كل من تشيرنيتشيكو ويفتوشينكو يتناوبون في دوريات من أجل القضاء التام على أي تيار يمكن أن يشير ولو من بعيد الى الاتحاد السوفييتي الملعون ، وروسيا الملعونة ، وبعدها راحوا ينكلون بنا جميعا، لقد كان الانشقاق في الأدب حتميا ولا مفر منه. وأعتقد أن ذلك مجد للغاية. فكل حزب أدبي أخذ طريقه والآن لا أحد يخفي مبادئه وأهدافه ، ولا أحد أيضا يخلط بيننا. ان كلا منا يعبد إلها مختلفا، ونحن الآن قد بدأنا الافتراق كل في طريقه، ربما يكون ذلك مبكرا ولكنه سيتحقق. عموما فبيننا وبينهم روسيا المدمرة والمكللة بالعار، مع المسعورين لن يتحقق شيء، ولكن لدينا علاقات جيدة مع الكتاب ذوي وجهات النظر المعتدلة ، ومع المواهب غير الشريرة ، وأعتقد أنهم لم ينحازوا الى أية مجموعة مهما كانت ، ومهما كان الأمر ولكن ماذا يحدث الآن مع الأدب نفسه؟ لماذا لا يتعاطى أحد الأدب الآن تقريبا؟ أين ذهب ملايين القراء؟ لماذا ضاعت الرغبة لدى الكثيرين في الكتابة؟ هل شعر الكتاب باستنفاد الأفكار وتلاشيها، وأنه لا يوجد ما يستحق الكتابة عنه ، أم أنهم لا يعرفون ماذا سيحدث غدا، ولا يعرفون الى أين تسير روسيا، وماذا - بعد انتهاء حضارة كاملة حضارة الاتحاد السوفييتي - سيحدث بعد ذلك - الآن لا أحد يعرفه هل ما هو موجود حكم ملكي أو جمهورية برلمانية ، أم ديكتاتورية قومية أم استعمارية ، لا يمكن الآن التكهن بأي شيء ولو حتى لمدة ستة أشهر الى الأمام ، الكتاب لا يعرفون الى أين يمكنهم ارسال أبطالهم ، ولا يعرفون في الوقت نفسه لغة جديدة من أجل أن يعمل الكاتب لابد أن يشعر بالحاجة الى كتبه. والأدب - عملية مزدوجة تجري في علاقة تبادلية بين الكاتب والقاريء. الكاتب قد أفرغ يديه لأن القاريء قد رفع يديه عن الكتاب. خلال عدة سنوات انغمست روسيا تماما في مستنقع من العفن والعار والخوف ، والألم المتواصل. ولن نتحدث عن الصراع المستمر من أجل الحصول على لقمة العيش ، ولكن الجو المؤلم للدولة ، الذي يعذب الانسان ، لا يتيح الفرصة للقراءة ، هل تلاحظ كيف تغير أسلوب الكتاب ، ولغة الخطاب؟ لقد أصبحت لغة قلقة متوترة ، مضطربة وغير انسيابية ، وكل شي ء ليس في مكانه ، بما في ذلك الروح والقلب معا. اضافة الى أن القاريء أصبح يخاف الكتاب ، وليس صحيحا أنهم نقلونا كليا الى منظومة قيم وأذواق أخرى، فالوقاحة وعبادة الشيطان والقسوة والرياء، والكذب عن روسيا، والأصنام الجديدة في رداء قطاع الغرق والمجرمين والمومسات والأشكال الأخرى من الشذوذ لا يتقبلها القاريء الروسي. والسوق يطرح عليه كميات هائلة من هذا الأدب بالتحديد، وتدعمها منظومة الاعلانات وما يقف وراءها من مؤسسات وجهات ضخمة مشبوهة ، فماذا تريدون من القاريء! انه يفعل الشيء الصحيح برفضه هذا الادب ، ويحجبه الثقة عنه كله باعتباره ثمرة فاسدة في سلة واحدة مع غيره ، وسوف يبدأ القراءة بمجرد أن تعود الحياة الى شكل أكثر هدوء وطمأنينة ، وبمجرد أن يفصح الأدب عن عظمته ورسالته ودوره في مصائر الناس ، وعن حبه وعذاباته ومعاناته تجاه الانسان. سوف يعود القاريء، ولكنا سيكون قارئا آخر، ذلك القاريء الذي يحتاج الى أشياء أخرى من الأدب ، أفكار أخرى، ونوعية أخرى للتعامل مع الحياة ، فبعد عام 1917م كان على الأدب أن يؤكد نفسه ، فظهر شولوخوف ويسنن وبعدهما بولجاكوف وبلاتونوف ، هؤلاء الذين كان على القاريء أن يتعامل معهم جميعا، وبالتالي فمن المفروض علينا أن نكتب اذا كنا نريدهم أن يقرأونا، فروسيا لا يمكن انتزاعها عن الكتاب تقولون أنه بعد الثورة ظهر شولوخوف ومايكوفسكي ويسنن وبلاتونوف وبولجاكوف هؤلاء الذين كان يقبل عليهم القاريء. فهل توجد اليوم أسماء جديدة يمكنها أن تجتذب القاريء؟ وبعد أكثر من عشر سنوات من البيرسترويكا ، هل يوجد في روسيا جيل جديد من الأدباء الروس؟ أم أنه مجرد احساس بأن هناك أدبا روسيا جديدا؟ أنا لا أعرف هذه الأسماء. وهذا لا يعني أنها غير موجودة. أعتقد أن الجيل القادم سوف يأتي بعد يوري كازلوف وألكسندر سيجين. هذا الجيل سيكون جيل فنانين يصبون في مطلع القرن الثالث والعشرين ، ويدركون تلك اللوحات والحقائق التي لم يتوافر لنا ادراكها وعموما سوف نعود بعد ذلك الى قضية القاريء الروسي ، ولكن كيف ترون الآن مكانة الكسندر سولجينيتسين؟ وهل هو ممتع وهام بالنسبة لك؟ ان أية قيمة كبيرة تثير من حولها آراء مختلفة ، وتصنع علاقات صعبة ، والكسندر ايسايفيتش قيمة ضخمة جدا، وهذا ما لم أشك فيه أبدا - منذ ظهور "يوم واحد في حياة ايفان دينيسوفيتش" وحتى آخر لحظة. ومن الرائع أنه عاد الى روسيا ، ومرة ثانية يعيش فيها، فمن أجل أن نسمع هذه الأرض الحبيبة ، حقيقتها وألمها ، يجب أن ننشأ ونعيش فيها ، وبقلوبنا. سولجينيتسين اليوم ليس هو سولجينيتسين اذا ما قارناه بذلك الرجل العائد الى الأرض الروسية بعد عشرين عاما من الفراق. أن تقويماته ومقولاته ، وآخر مقالاته تتحدث كلها عن ذلك. واتضح أن الذي أطاح بالشيوعية هو اليوم في السلطة ، وهما معا يطيحان بروسيا. أن سولجينيتسين لم يعترف بذلك مثل فلاديمير مكسيموف ، انها علاقة تبعية مباشرة وأعتقد أنه يفهمها جيدا. ولكن من ناحية أخرى يجب الاتفاق مع عمله المكتوب بعنوان ،اكيف يمكننا بناء روسيا»، فالزمن أثبت أنه كان على حق ولقد دعا الى الاتحاد الفيدرالي بين روسيا وبلا روسيا وأوكوانيا وشمال القوقاز. ولكن ليس لكم اليوم الا أن تحلموا فقط. واتضح فعلا أنه كان على حق في تكهناته ومع ذلك فهناك "النقاط " والمواقف التي أواصل فيها خلافي مع سولجينيتسين. أنا لا أستطيع أن أفهم ، أو أقبل تعظيمه لكتاب (تيار "الدون الهاديء")، فبفضله هو تم توزيعه في جميع انحاء العالم ، ومن ثم عادت "الأغنية " القديمة بخصوص اثارة الشكوك حول شولوخوف. في روسيا أدب عظيم ، ومهما كان عدد الكتاب العظماء فيها، فلا يجب أن يشعر أحد منهم بالضيق أو المزاحمة ، فلكل يوجد مكان أنا لا اتفق معه بخصوص الشيشان ، اننا باعطاء الشيشان نعطي شمال القوقاز كله. وبالإستغناء عن شمال القوقاز ، فإننا لا نصب الماء على البارود وانما نصب البنزين على النار، في جميع الانفصاليين من الفولجا حتى سيبريا، وبذللك نضع مستقبل روسيا موضع الشك هل تقصدون مخاطر الحرب الأهلية؟ أم أن أسباب هذه المخاطر في طريقها الى الزوال يساورني احساس بأننا قد تجاوزنا مخاطر الحرب الأهلية ، كان من الممكن توقع ذلك في عام 1993، وبعده أيضا أما الآن فذلك بعيد عن التصور. ان الجميع مضربون عن الطعام (وأقصد هؤلاء الذين يمكنهم المطالبة بحقوقهم)، والجميع - أيضا - يتم اسكاتهم بهبات ومنح لا تسد رمقهم ، وفي الحقيقة غير مفهوم ، هل هذه حكمة ، أم غريزة الدفاع عن النفس ، أم هو فقدان القدرة على الحياة ، القضية تتلخص في أن الغرب لو أمرنا باقامة حرب أهلية فسوف ننفذها بالطبع ليس من أسفل ، وانما من أعلى وبالتالي سيحصل يلتسين على جائزة نوبل العالمية ان القوى الشعبية والقادة ، رهن نداء اللحظة التاريخية الحتمية ، ولكن لنعتبر الآن أنها لم تحن بعد. يمكن للذاكرة أن تستعيد من التاريخ 250 عاما من الاحتلال التتاري لروسيا. ولكن ماذا حدث؟ لقد هبت روسيا ، هب الروس من تحت الأرض ، وجدوا السلاح والعدة والعتاد، واستعادوا روسيا، ان روسيا "التحت أرضية " غير نائمة ، انها تحافظ على نفسها بالصبر والاحتمال ، وهي
قصص ممتعة للغاية، ملهمة، عبقرية، رائعة. إنما هكذا تكون القصص القصيرة كما أظن.. لا بداية ولا نهاية بل وهكذا القصص الطويلة أيضًا، كلها عبارة عن لقطة مهما طال زمن اللقطة. فعلى كل حال لم تنتهي الحياة لنعلم ماذا تعني البداية وكيف تكون النهايات. ففي هذه الإستمرارية التي نعيش فيها لا يمكننا إلا أن نكتب لقطاتنا هكذا، بلا بداية وبلا نهاية. إن كنت ترى ذلك أيضًا فستجد ضالتك هنا عند فالنتين، وإن كنت لا ترى ذلك فعليك بقراءة راسبوتين لتعرف كيف ذلك رائعًا.
فرصة جيدة للتعرف على أدب راسبوتين. الكاتب يهتم بالكتابة عن كبار السن فتجد قصة العجوز التي تريد توثيق أنها ساحرة قبل ان تموت. شيء من قبيل ترك ذكرى ما مهمة في الحياة. كما تجد قصة في المستشفى وهي جعلتني أتمهل في قراءة الكتاب لطولها المبالغ فيه وتشتتها بين فكرة المرض وانتظار الموت و تحولات روسيا ما بعد انهيار الشيوعية. القصص الأفضل هي رودولفيو ولقاء. فالأولى عن المراهقة وتقلباتها وضعف الرجال امام فكرة الحب. والثانية تسير بنظام التداعي. لقاء بعد زمن يتخلله استعراض ذكريات وكشف عن جمرات متقدة تحت الرماد.