تدور أحداث هذه القصص في حيز جغرافي محدود هو حي شعبي في أي مدينة عربية، يزيد عن حدوده ليصبح فلكاً اجتماعياً. أما العملية السردية الرائعة فتحدد ملامحه المضحكة المؤلمة، بدقة فائقة. عالم زكريا تامر القصصي نعبر إليه من خلال لغة في منتهى الجمال والسلاسة، ويتجسد ذلك في أسلوب سردي ذي إيقاع موسيقي جذاب
English: Zakaria Tamer زكريا تامر أديب سوري وصحفي وكاتب قصص قصيرة، ولد بدمشق عام 1931، واضطر إلى ترك الدراسة عام 1944. بدأ حياته حدادا في معمل انطلق من حي "البحصة" في دمشق. يكتب القصة القصيرة والخاطرة الهجائية الساخرة منذ عام 1958، والقصة الموجهة إلى الأطفال منذ عام 1968. يقيم في بريطانيا منذ عام 1981.
سبق له أن عمل في وزارة الثقافة ووزارة الإعلام في سوريا، ورئيساً لتحرير مجلة "الموقف الأدبي"، ومجلة "أسامة"، ومجلة "المعرفة". كما ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب في سوريا أواخر عام 1969 وكان رئيسا للجنة سيناريوهات افلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا.
شارك في مؤتمرات وندوات عقدت في بقاع شتى من العالم. وكان رئيسا للجنة التحكيم في المسابقة القصصية التي اجرتها جريدة تشرين السورية عام 1981، والمسابقة التي اجرتها جامعة اللاذقية عام 1979، وكان عضوا بلجنة المسابقة القصصية بمجلة التضامن بلندن. ترجمت كتبه القصصية إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية والألمانية.
. وكالعادة يكتب زكريا قصص بأسلوب سردي أخاذ وجميل، ويستمر في معالجة قضايا الواقع العربي سواء اجتماعية أو سياسية، المشكلة معالجة القضايا أصبحت مكررة في كتبه، وبعده الرمزي في بعض المواقف أصبح أيضًا مكرّر، حرية، عدالة، الشرف، وإلخ
من يُريد قراءة كُتب زكريا تامر يحتاج لمخيّلة مدهشة لتضاهي مخزونه من الخيال. .
حكايات لطيفة خفيفة الظل كروح صاحبها استمتعت وانا انتقل بين حكاية وأخرى كمن ينتقل في روض الورود
كل حكاية لها رمزية خاصة بها تغلف المعنى من ورائها ترصد معاناة الطبقة المسحوقة للشعب السوري لذلك نحب رائد القصة السورية وعميد الأدب الساخر لذلك نحب زكريا تامر
يبدأ زكريا تامر (أو يواصل) في هذا الكتاب رحلته في تعريّة النفاق الاجتماعي والاخلاقي الذي يقوم به الناس والذي سيتجلى بأبهى صورة في كتابه التالي "تكسير ركب" وإن كنت أشعر أن هذه التعرية للمجتمع هي جزء من النظرة التشاؤمية التي يحملها الكاتب بشكل عام للحياة والتي تتجسد في القصة الأخيرة من الكتاب والمعنونة بال"حكاية الأخيرة" : الحكاية الاخيرة للكتاب والحكاية الأخيرة للسيرة البشرية بأسرها.فالكاتب يرى أن الإنسان هو سبب كل الشرور ولن يعود للأرض سكونها إلا بالخلاص منه. ***** بكل الأحوال يبدأ الكتاب بآية قرأنية من سورة يوسف: "قال يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك". - سورة يوسف الآية الخامسة. وتبدأ الحكاية بوصف الراوي لحارة قويق وأهلها وصفاتهم وطبائعهم وسمعتهم.قبل أن ينطلق من خلالها في سرد حكايات أفرادٍ منها عبر 59 قصة قصيرة مرقمة ومعنونة, في حكاياتٍ تغلب عليها السوداوية التي تميز الكاتب وبأسلوبه المتأثر بالتيار التعبيري.إذا أخذنا قصة الأدغال على سبيل المثال نلاحظ كيف يتميز الكاتب من خلال أسلوبه التعبيري المفعم بالترميز والإيحاء:
الأدغال
جرت في المقهى مباراة صاخبة في لعبة الكونكان بين معروف السماع ورشيد القليل، كثر مشاهدوها وتطايرت في أجوائها التعليقات الحماسية الساخرة المتحدية، وانتهت بهزيمة رشيد، فتباهى معروف بانتصاره، ونصح خصمه بلهجة ممازحة بمواصلة التدرب ليل نهار قبل اللعب مع أساتذة مثله. فاغتاظ رشيد، ومزق أوراق اللعب، وقذف بها إلى الأرض، ونصح معروف السماع بصوت مرتفع سمعه كل رواد المقهى بأن يخجل قليلاً ولا يتمادى في التباهي أمام رجال يعرفون جسم أخته أكثر مما تعرفه أمها. فأحنى معروف رأسه، ولم يفه بكلمة، وأنصت لأصوات هامسة يسمعها عادة وحده. همس الأرنب: (اهرب تنج). همست النعامة: (دفن الرأس اليوم يليه دفن بقية الجسم غدًا). همس الضبع: (من لا يأكل يؤكل). همست الحية: (ملمسي ناعم، والموت في أنيابي). همس الذئب: (إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الخراف). همس الغراب: (لكم أنا مشتاق إلى النعيب!). ولم يتكلم الأسد، واكتفى بالزئير الحانق متأهبًا للانقضاض على فريسته. ونهض معروف واقفًا كأنّه يهمّ بمغادرة المقهى، وفجأة لطم رشيدًا لطمتين على خده الأيمن وخده الأيسر، فبوغت رشيد وبهت إذ كان يتوقع شتائم متبادلة يليها تماسك بالأيدي يليه تدخل الوسطاء. واستل معروف سكينه بحركة سريعة، وطعن رشيدًا في صدره وعنقه ثلاث طعنات، فصاح رشيد: (أخ! قتلتني!). وابتعد الأسد عن فريسته ملطخ الفم بالدماء، وغادر معروف المقهى هاربًا ويده لا تزال ممسكة بالسكين التي تقطر دمًا. وتنبه وهو يركض بأقصى سرعة إلى أنه وحيد أبويه، لا أخت له ولا إخوة. **** يطرح الكاتب من خلال هذه القصة فكرة جرائم الشرف , معرّيًا مرتكبيها ومظهرًا اياهم على حقيقتهم, مضخّمًا في إظهار العصبية التي تسيطر على المجتمع دون أن يبوح بشيء من ذلك على لسان شخصياته أو من خلال سرده بل بأسلوب ذكي مختزل, وكل ما كان مختزلًا فتح للقارئ أفاقًا أوسع أمامه متشابهًا في ذلك مع فرانز كافكا مازجًا الواقع بالخيال والخيال بالواقع, بأحداث لا تحدث في الحياة اليومية لكن ليس من المستحيل وقوعها وببعض الصور الكابوسية التي تظهر من حين لآخر في حكاياه. زكريا تامر يتبوء بأريحية كرسيه كأفضل من كتب القصة القصيرة في العالم العربي وقد أجاد في هذا الكتاب الذي أعتبره من أفضل ما كتبه والذي ختمت به قراءة مجموعات زكريا تامر القصصية كلها, ولم يتبقى لي سوى قصته القنفذ ومقالاته المحموعة في كتاب هجاء القتيل لقاتله..
قاسية حارتك وأهلها يا زكريا تامر .. مليئة بالمرارة والعنف والنفاق والظلم ؛ والأسوأ أنها تمثل الكثير من الحقيقة .. وربما كلها ..
الكتاب مجموعة من 59 قصة مليئة بالرمزية والتكثيف , مكتوبة بلغة جميلة بليغة الإيجاز .. أحببت أغلبها واسمتعت بقراءتها أكثر من تجربتي السابقة مع الكاتب في (دمشق الحرائق) رغم تشابه الأجواء ؛ ربما ما يميز هذه المجموعة هو سرعة السرد ولمسات السخرية الظاهرة في بعض القصص القابلة لذلك .. 3.5 * .................................................... بعض قصص المجموعة:
1 - الإجازة: رحب دياب الأحمد بتكاثر الكتب في بيته، وازداد ابتهاجاً عندما خرج من صفحاتها رجال ونساء وأطفال، تكلموا معه، وشربوا من قهوته، ودخنوا من سجائره،وأكلوا من طعامه، وناموا في سريره، واستحموا في حمامه، واطلعوا على مذكراته الخاصة الملأى بالشكوى والسخط، ومزقوها بأيدٍ مرحة، وصنعوا منها قبعات وزوارق وطائرات، ونجحوا في إغرائه بالرحيل معهم إلى أرضهم الخضراء، ففحص الأطباء ملياً جسده الساكن، وقرروا أنه مصاب بإغماء لن يصحو منه، واستغربوا وجهه المطمئن الضاحك ..
2- الساحر: أُوثقت يدا طفل في الخامسة من عمره خلف ظهره، وعُصبت عيناه الخضراوان بقطعة قماش قاتم، ووقف قبالته خمسة جنود وقفة استعداد متنكبين بنادقهم متأهبين لتنفيذ الجديد من أوامر ضابطهم المتوقعة. وتعالى صوت ضابطهم آمرًا، فسددوا بحركات سريعة فوهات بنادقهم نحو قلب الطفل، وأمرهم ضابطهم بإطلاق النار، واختلط صوت الضابط الصارم الآمر بضحكة ندت عن الطفل، وبلغت مسامع الجنود الخمسة، فتذكر الأول زوجته الجميلة حين تضحك، وتذكر الثاني سريره قرب نافذة مطلة على نهر، وتذكر الثالث شارعًا مشجرًا يمشي فيه مثرثرًا مع صديق، وتذكر الرابع يوم كان صغير السن يعلمه أبوه صيد السمك على شاطئ بحر، وتذكر الخامس أمه تكبر في السن فجأة يوم مرض. وبادر الجنود الخمسة إلى إطاعة الأمر العسكري، وأطلقوا نيران بنادقهم على صدر ضابطهم الذي تهاوى أرضًا مثقوبًا خمسة ثقوب دامية، وانتظروا غير آسفين أن تُطلق النار عليهم، ولكنهم ظلوا أحياء ومات كل آمر بإطلاق النار..
3- الوطن المفدى: كانت إحدى الأشجار قوية كثيرة الأغصان , تقف ليل نهار في الحديقة الخلفية لأحد البيوت من دون أن تظفر بأية راحة, وزاد تعاقب الفصول قوتها , فغلظ جذعها ونمت أغصانها وارتفعت عاليا في الفضاء ممتدة إلى كل الاتجاهات , وبوغت أحدها بأن نموه أدناه من نافذة كبيرة من نوافذ البيت , فحسدته الأغصان الأخرى لأنه سيرى ما لن يتاح لها أن تراه. وتعود الغصن أن يرقب ما يجري في داخل الغرفة , فيشهق متعجبا أو متألما أو متحسرا أو مستنكرا أو يئن أنين مريض يحتضر , ولكنه كان يرفض التكلم مع الأغصان الأخرى عما يراه بحجة أنه مشغول بمتابعة ما يجري في داخل الغرفة ولا وقت لديه للثرثرة , ولما حاول في أحد الأيام أن يحدث الأغصان ملخصا ما رآه , عجز عن التكلم , وتنبهت الأغصان فجأة إلى أنها كلها أغصان فتية نضرة مغطاة بالأوراق الخضر بينما هو غصن واهن ذابل جاف أجرد شاخ مبكرا , وما لبث أن يبس متوقفا عن مراقبة ما يجري في داخل البيت , وتهاوى أرضا منفصلا عن شجرته ليلة هبت ريح عاصفة , ولم يحاول أي غصن فيما بعد الاقتراب من نوافذ البيت.
4- الحكاية الأخيرة: اتهم رواد المقهى الحكواتي ذا الشعر الأبيض والوجه الشاحب المتجعد والشاربين الكثين بأن كل ما لديه من حكايات بات معروفا ومملا يرهق الآذان والرؤوس , وطالبوه بحكايات مثيرة تسلي فعلا , فلم يرد الحكواتي بكلمة واكتفى بالصمت المتكبر والابتسام الهازئ , وعندما خف ضجيجهم , تكلم بثقة ووعدهم أن يروي لهم حكاية غريبة لم ترو من قبل , ستجعلهم ينامون كأنهم لا يزالون أجنة في بطون أمهاتهم , فساد الصمت في المقهى , وحدق رواد المقهى إلى الحكواتي بنظرات فضولية مترقبة , وعندئذ ابتسم الحكواتي ثانية ابتسامته الهازئة , وابتدأ يروي حكايته الجديدة , فنام رواد المقهى , ونام أخ يهمّ بقتل أخيه , ونام سكان الكرة الأرضية , ونام الحكواتي , ونبت العشب على سطح الإسفلت , وبنت العصافير أعشاشها فوق صفيح السيارات , وباضت الحمائم على أجنحة الطائرات المجللة بالغبار , وتسكعت الغزلان والفيلة والنمور في الشوارع بخطوات متكاسلة.
5- قبر خاو: كان الجنرال رجلاً ذا رئتين ومعدة وأمعاء غليظة وأمعاء دقيقة وكبد وشرايين ملأى بالدم الأحمر، ولا يختلف عن غيره من الرجال إلاّ بكونه جنرالاً في جيش محارب في بلاد ليست بلاده. وكان الجنرال كثير الضجر من مهنته الخالية من الإثارة، ويحلم بأن يعمل يومًا في مزرعة لتربية البقر والغنم أو في مستشفى للمعوقين والمسنين. وكان الجنرال صارمًا كثير الاكتئاب، لا يبتهج إلاّ حين يتخيل عصفورًا صغيرًا يحاول الطيران ويخفق، ولا يبتهج إلاّ حين يتخيل جنوده المطيعين لأوامره يحتلون القرى والمدن متنافسين على هدمها وقتل سكانها، ولا يبتهج إلاّ حين يتخيل أنّه يزود جنوده بأسلحة قادرة على إبادة مئات الألوف في ثوان، فلا يحاولون استخدامها حتى لا يحرموا قتل أعدائهم ببطء وتشف. وابتهج في أحد الأيام ابتهاجًا مختلفًا حين تنبه إلى أن شعرًا جديدًا أسود بدأ ينبت في رأسه ويحل محلّ الشعر القليل الأشيب، وتباهى به دليلاً على الرجولة وعودة الشباب. وتزايد نمو شعر جسمه مغطيا الجلد بطبقة كثيفة خشنة، وتبدل شكل وجهه تدريجيا. وحاول في إحدى الليالي أن يستسلم للنوم، فأخفق، وأحس بقوة غامضة تجتاح كل جسده، فقفز من سريره، وتمطى أمام المرآة وهو ينظر إليها مليا، فرأى أنّه قد صار ضبعًا ذا مهابة مغطى بشعر كثيف، واستحالت أظفار يديه إلى مخالب وأسنانه وأضراسه إلى أنياب. فاستمتع بتبدله، ودهمه جوع لا يقاوم، فانقض على عنق زوجته التي كانت نائمة، وقتلها قبل أن تصحو، ولكنه لم يستسغ لحمها المترهل القاسي، فتركها مشمئزًا، ووثب على ابنها الرضيع المبتسم إبان نومه، وأُعجب بلحمه الطازج الغض. وكان أحد حراس الجنرال واقفا خارج غرفة النوم مشدود القامة وإصبعه على زناد بندقيته تأهبًا لأي حدث طارئ، فبوغت بضبع يخرج من الغرفة ملطخًا بالدماء، فبادر إلى إطلاق النار عليه، وأرداه قتيلاً، فتراكض بقية الحراس مضطربين متصايحين، وعثروا على بقايا الزوجة وابنها، ولم يعثروا على الجنرال، فساد اعتقاد بأنّ الضبع أكله بأكمله، ولم يترك منه ما يحتاج إلى قبر.
6- يوم أشهب: تمرّن شكري المبيض مع زملائه في السجن تمارين رياضية لا تخلو من العنف، غايتها الحفاظ على سلامة صحته، فأدت إلى إصابة جسمه بالكثير من الرضوض والكدمات والجروح. ومارس شكري المبيض هوايته في شي الكستناء، الفاكهة المفضلة لديه، فأحرقت النار أصابع يديه وقدميه وظهره وصدره وبطنه. وحاول شكري المبيض حلاقة ذقنه صباحًا بينما كان منهمكًا في الاستماع إلى ما يقدمه مذياعه من نشرات أخبار وأغان، فأخطأت يده اليمنى الممسكة بموسى الحلاقة، ولم تخلص جلد الوجه من شعر لا لزوم له، وذبحت بحركة طائشة العنق من الوريد إلى الوريد، فنُقل شكري المبيض توّا إلى أفضل مستشفى، وهناك حاول الأطباء إصلاحه، فعجزوا، ووضعت جثته في كيس من قماش متين، وسلمت إلى سيارة توزع الموتى يوميا على بيوت أهاليهم. ولم يواجه سائقها أي مشقة في الاهتداء إلى بيت أهل شكري المبيض في حارة قويق، ولكنه بوغت به خاليا منذ شهور. فأبوه مقبوض عليه بتهمة التشرد والتسول، وأخوه يحاكم لسطوه على أموال الدولة، وأمه مسجونة لاعتدائها الشفوي على أعراض نساء محترمات، وأخته معتقلة لأنها تتعمد ألا تعبر عن فرحتها أو حزنها. وسأل سائق السيارة الجيران عن أقرباء شكري المبيض، فأخبروه أن عمه هاجر إلى أميركا، وخاله وأبناءه وبناته إلى كندا، وابن خالته إلى أستراليا، وخالته تعمل خادمة بدبي. فسأل السائق عن عناوين أصدقائه، ولكن كل الذين قيل عليهم إنهم من أصدقاء شكري المبيض أقسموا شاحبي الوجوه أنهم ليسوا بأصدقائه، ولم يتبادلوا معه كلمة واحدة، ولو رأوه اليوم مصادفة لما عرفوه. فخجل شكري المبيض من السائق، وانتهز فرصة انشغاله بشراء خضراوات وفاكهة طلبتها زوجته، ولاذ بالفرار، واختبأ في بيت أهله منتظرًا عودتهم ليدفنوه مطلقين الزغاريد ابتهاجًا بخروجه من السجن.
7- الأغصان: ذهب بلال الدندشي إلى مدرسته كعادته في صباح كل يوم، ووصل إليها متأخرًا، ودخلها وهو يرتعد خوفًا من معلمه وتوبيخه الفظّ الساخر. ولكنه وجد التلاميذ نائمين والمعلمين نائمين، فحاول إيقاظهم، فلم يستيقظ أحد. وسئم الجلوس وحده، فتثاءب ونام، ورأى في أثناء نومه أنه نائم في مدرسة تلاميذها نائمون نومًا عميقًا غير مبالين بصيحات معلميهم الغاضبة. وأيقظته أمّه من نومه، وحثته على الإسراع حتّى لا يتأخر عن مدرسته، فهرول قاصدًا مدرسته ليجد معلميها مقتولين وتلاميذها يلعبون مرحين، ولم يلعب معهم لأن أمّه أيقظته من نومه ليذهب إلى مدرسته. فارتدى ثيابه على عجل، وغادر البيت من دون أن يأكل، وهرع إلى مدرسته وجلس في صفه بين التلاميذ متأهبًا لما سيحدث. ودخل المعلم الصف بوجه عابس وعينين صارمتين، فحدّق إليه التلاميذ الصغار بنظرات ملأى بالكراهية، وتهامسوا فيما بينهم بكلمات مبهمة، فصاح بهم غاضبًا: (اخرسوا). فصمت التلاميذ فورًا، ووضع المعلم محفظته المهترئة على سطح طاولته، وفتحها، وأخرج منها رزمة من الأوراق لوّح بها قائلاً للتلاميذ: (أتعرفون ما هذه الأوراق? هذه أجوبتكم المكتوبة ردّا عن سؤالي عن المهنة التي ستختارونها حين تصيرون رجالاً). واقترب المعلم من سلة المهملات، ولوّح بالأوراق ثانية، وقال للتلاميذ: (هذه أجوبة لا تستحق حتى الصفر). ورمى الأوراق في سلة المهملات بحركة المتخلص من قمامة مقززة، وقال لتلاميذه: (علّمتكم طوال أيام النشيد الوطني الرسمي لترددوه في الحفلة التي ستقام بمناسبة انتهاء العام المدرسي، وسأمتحن اليوم قدرتكم على الحفظ، والويل لمن يخفق). فتهامس التلاميذ متذمرين، فزعق بهم معلمهم بصوت حانق: (اخرسوا). فسكت التلاميذ، وقال لهم معلمهم: (سأعدّ من الرقم واحد إلى الرقم ثلاثة، وحين أصل إلى الرقم ثلاثة تبادرون إلى ترديد النشيد بصوت واحد. هيا استعدوا. واحد.. اثنان.. ثلاثة). فتبادل التلاميذ النظرات الغامضة، وشرعوا في إنشاد مقطع من أغنية غرامية معروفة بأصوات عالية حماسية محافظين على اللحن الأصلي للنشيد الوطني، فصاح بهم معلمهم: (اخرسوا). فاندفع التلاميذ نحوه كطلق ناري، وضربوه، بمساطرهم وكتبهم ودفاترهم وأقدامهم طالبين إليه أن يخرس. فبوغت المعلم بما حدث، وصاح غاضبًا مستنجدًا، فلم يأتِ أحد من المدرسة لنجدته. وترنح وارتمى على الأرض بعد أن أصيبت عظام ساقيه بضربات موجعة، وحاول أن يقاوم ويهدد ويتوعد ويصبر، ولكن ألمًا طاغيا أجبره على البكاء والتوسل إليهم أن يكفوا عن ضربه، فلم يبالوا بتوسله، ولم يتوقفوا عن ضربه إلاّ عندما أذعن ولم يعد يصدر عنه أي صوت. فأوثقوه بحبال أعدوها سلفًا، وأمروه بترديد النشيد الوطني، فبادر إلى إطاعة أمرهم، وردد النشيد الوطني بصوت متحشرج مرتجف، فسدّوا آذانهم بأصابعهم متأففين. وانفصل بلال الدندشي عن التلاميذ، ووقف قبالتهم مقلدًا وقفة معلمهم، وصاح بهم بلهجة مرحة آمرة: (واحد.. اثنان.. ثلاثة). فتعالت أصوات التلاميذ تردد النشيد الوطني متآلفة متناسقة، وتوحدت في صوت واحد خرج من نوافذ المدرسة ليتحوّل موجًا ..
قصص هزيلة، نقلات سردية غير محسوبة تحاول الغرابة لكنها تجافي الذائقة الأدبية، قيل لي إن زكريا تامر لن يكف عن إضحاكك، لككني كنت أتلوى من المغص أو أكاد كلما رأت محاولة للإضحاك باردة وشديدة التقليدية.
مش عارفة ... كل م أقرا كتب لتامر بحس إني مش مبسوطة و لا مستمتعة... بظل اتسائل طول ما انا بقرا عن الفكرة الرئيسية اللي عاوز الكاتب يوصلها وهو انا فاهماها ولا لأ.. وهي الحكاية ايه؟؟ وبجد ده كاتب مشهور اوي و بيتقال عنه انه سلس طب اش معنى انا اللي مش فاهمه حاجة و اول ما اخلص المجموعة القصصية انسى كل حاجة اتكتبت فيها وما افتكرش ولا حتى صورة فنية وحدة؟ هو العيب في قرايتي ولا في اسلوب الكاتب؟ وليه ما بيحصليش كده مع كتاب قصة قصيرة تانيين زي محمود و ماركيز و كالدويل؟ انا ما كنتش عاوزة احكم على تامر من اول مجموعة قريتها بس الواضح انه اسلوبه واحد في كل المجموعات ومش حقدر استفيد من كتاباته زي ما كنت متوقعة.
مجموعة قصصية متوسطة الجودة بعضها يحوي رمزية راائعة لكن الغالب على القصص الابتذال والجنسانية لا أدري حقا لم كلما قرأت لأديب عربي ندمت وعزمت عدم تكرار التجربة المرأة والجنس فقط حاضران في كتاباتهم هل هو الكبت؟ أم التفاهة؟ أم فراغ العقل من الهمم وعظائم الأمور؟ صدق القائل: (الإنسان نصفان ، نصف أعلى ونصف أسفل ، النصف الأعلى فيه العقل والقلب (العلم والإيمان) والنصف الأدنى فيه البطن والفرْج (الشهوات) ... فإن تحرّك النصف الأعلى هدأ النصف الأسفل، وإن اشتغل النصف الأدنى تعطّل النصف الأعلى ! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ شيخنا عبد الرحمن السنوسي حفظه الله نقلًا عن شيخه عبد الرّزاق عفيفي رحمه الله
مجموعة قصصية القصص ذات المغزى المفيد معدودة على الأصابع والباقي معظمه يدور حول المرأة والجنس بأسلوب وضيع الاختصار والإيجاز ينبغي أن يُقرن مع فكرة قوية وإنسانية وعميقة حتى يكون سحراً وبياناً وهذا مالم يكون موجوداً في هذه القصص إلا القلة القليلة
طبعا هناك عدة قصص لم افهم مغزاها ورمزيتها فالغموض الزائد لم يكن يروقني فيه
والله الادب العربي مسخرة يا جماعة. المؤلف مهووس بموضوع الاغتصاب. وهذه القصص اذا من الممكن تسميتها بقصص فهي اقرب الى بدايات روايات فاشلة او قصص مكتوبة على ورق حمام.
اسلوب مميز للكاتب والو طابع خاص ... الجدير بالذكر انوكل القصص فيه سوداوية لا تخلو من السخرية و صادم ب التركيز على النوازع الشريرة للانسان ... بس مع هيك في تفاوت بين قصة و التانية ... في قصص بتترك بالواحد أثر جمالي لانها مبدعة رغم بشاعتها بينما في قصص تانية ما بتترك غير شعور البشاعة ذاتو ..... حبيت حوار الذات ل بعض الشخصيات او حوار الشخصية مع الاشياء
أسقط الواقع بلغته الفذه واستعرض الحالة الاجتماعية والاخلاقية التي يعيشها مجتمعه لديه خيال غير محدود يخرجني في كل مرة عن رتابة الحياة التي أعيش، فأعيش في عوالمه كأنني طفل صغير تطير روحه مع طيارته الورقية !
مجموعة قصصية مدهشة بحق، الرمز فيها عال للغاية خصوصا في آخرها، بها إسقاطات عبقرية وجميلة، لن تكون قراءتي الأخيرة لزكريا تامر بإذن الله فهو كاتب مبدع بحق.