في منتصف السبعينات، وأثناء كتابة هشام شرابي لهذه المذكرات، كان واثقاً أن العرب على عتبة حقبة تاريخية جديدة منه. وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، يدرك أنه كان على خطأ: عصر الانحطاط لم ينته، والعرب في مرحلة جديدة منه. إن هذه المرحلة بالنسبة للجيل الجديد الذي ينتمي إليه هي المستقبل الذي حلم به، مستقبل الانجازات والانتصارات التي كان سيحققها. وهو يقرأ في الصحف أخبار لبنان والعراق والثورة الفلسطينية، وتعود به الذاكرة إلى صيف 1947 في ضهور الشوير، الساعات الطوال التي كانت ورفاقه في الحزب القومي السوري في ظل أشجار الصنوبر، وفي المسير عند المغيب باتجاه غاية بولونيا، يتحدثون عن الغد وما سيفعلونه من أجل هذه الأمة وعزها، المرارة التي يشعر بها اليوم تنبع من هذه المستقبل الذي أفلت من يدهم وتحول إلى هذا الحاضر، أصبحت الحقيقة التي جمعوا حياتهم حولها رماداً لا جمر فيه. في هذه المذكرات تميز وتفرد نابعان من معاناة عقلانية وروحية، إنه انسجام الفكر مع نفسه في تحليل الواقع وتغييره في آن معاً.
Hisham Sharabi was Professor Emeritus of History and Umar al-Mukhtar Chair of Arab Culture at Georgetown University, where he was a specialist in European intellectual history and social thought. He died of cancer at the American University of Beirut hospital on January 13, 2005.
He spent his early years growing up in Jaffa, Palestine and Acre, Palestine before attending American University in Beirut, where he graduated with a B.A. in Philosophy. He then traveled to study at the University of Chicago, where he completed an M.A. in Philosophy in 1949.
Politically active from a young age, Sharabi then returned to serve as editor of the Syrian Social Nationalist Party’s monthly magazine “al-Jil al-Jadid” (The New Generation). Forced to flee to Jordan after the parties disbanding in 1949, Sharabi returned to the United States where he completed a Ph.D. in the history of culture, again at the University at Chicago. That same year, he began to teach at Georgetown University, where he gained full professorship in eleven years.
Dr. Sharabi, while an ardent supporter of Palestinian rights, was not beyond criticizing the Palestinian governing bodies. According to a story in the Washington Post[4]:"In 1999, after PLO Chairman Yasser Arafat ordered the arrests of 11 Palestinian academics who had accused his administration of 'tyranny and corruption,' Dr. Sharabi, along with Edward Said of Columbia University, signed a letter calling the arrests 'a totally unjustifiable attack on the freedom of expression.'" Nine of the lawmakers were immune from arrest, but two later accused the Palestinian police of attacking them.
He worked tirelessly to promote understanding of the Arab culture, establishing in 1973, along with several other colleagues, the Georgetown Center for Contemporary Arab Studies. In 1977, Georgetown University “awarded Dr. Sharabi the Umar Al-Mukhtar Chair in Arab Culture in recognition of his distinguished intellectual contributions and his efforts to promote Arab studies.” Dr. Sharabi formed, later that same year, the Jerusalem Fund for Education and Community Development, an organization that worked on educational, cultural and health issues of Palestinians.
He served as Chairman of Board until his death in 2005. In 1991, he formed what is now known as the Palestine Center, which serves as a think tank educating the general public on Palestinian Political Issues.
Author of 18 books and numerous articles and editorials, he is well respected as a foremost 20th-century Arab intellectual, contributing greatly to the study of Arabic culture[3]. Dr. Sharabi also published several books himself on Arabic culture and philosophy. "In honor of his work in both the European and Arab fields, the Department of history at Georgetown convened an international two-day symposium in 2002 titled ‘The Role of the Intellectual in Contemporary Political Life.’ Also named in his honor is the annual Hisham Sharabi graduate essay contest, begun by the Department's graduate students upon Dr. Sharabi's retirement in 1998.
لقد سحرتني مذكراتُ شرابي فهي الفتنةُ والغوايةُ عينُها، عندما وصلتُ للصفحةِ الستين أغلقتُ الكتابَ، وجلستُ مع نفسي قائلا إلى متى وأنا أرددُ "هذا الكتابُ من أجملِ ما قرأت" فقد كثرتْ الكتبُ التي كنت محظوظا أن تلقيَ حسنَها في قلبي وتجعلني متعلقًا بها، وإن سألني سائلٌ عن تلك الكتبِ التي سآخذها في نفي أو سجنٍ ليس بعده رجعة لعددتُه له كلها، فهي من أجملِ ما قرأتُ مذكراتُ هاشم شرابي صريحةٌ وغايةٌ في الصراحةِ، ويستبطنُ قارئُها ما يكنه صاحبُها من كآبةٍ وحزنٍ وقلقٍ وهي صفةٌ التصقت بمثقفي العربِ الذين خبروا النكباتِ وتواليَ الهزائمِ. وجدتُ فيها ذواكرَ المدن: عكا، بيروت، شيكاغو، فعكا بما حوته من مرابعِ الطفولةِ وذكرياتِ الصيفِ مع الجد والجدة الذين طُردوا من أرضهم ومنبتهم في نكبةِ ٤٨، وبيروت حيثُ الجامعة الأمريكية التي كانت عصبا رئيسا في تكوينِه الفكري، وتلك الصورةُ البانوراميةُ حول الأساتذةِ فيها وأسلوب تدريسِهم وأصحابه الذين شاطروه العيشَ والتعلمَ فيها، يذكرهم واحدا واحدا وتأثيراتِهم وحتى ما آل إليه أمرُهم، وشيكاغو حيث الدخولُ الجدي في عالمِ الفلسفة، والدخول في مقارنات بين التلميذ العربي والأمريكي وهو من الأجزاء الساحرةِ في الكتابِ. التوجهُ السياسي لصاحبِنا احتل جزءا غيرَ قليل من الذكرياتِ وكان الحزبُ السوري القومي الاجتماعي هو الحزبُ الذي انضم إليه، ولقربه من أنطون سعادة وملاصقته له فشهاداته تعتبرُ لها أهميتُها الخاصةُ، استمرَ في الحزبِ إلى أن تم ملاحقةُ الحزب واعتقالُِ أفراده واغتيالُ رئيسه، وفي فترةِ ذلك هربُ هاشم من لبنان إلى سوريا ومن ثم عمّان. المذكراتُ آسرةٌ، وتبقى مشكلتي الدائمةُ أنني لا أحب أن أعيدَ قراءةَ كتابٍ قرأتُه، وأتمنى أن يكونَ الجمرُ والرمادُ استثناءً من هذه القاعدةِ
كتاب مؤلم وملهم .. فيه الكثير من التأمل في طبيعة النفسية العربية والخيبات تجاه قضية فلسطين والمعاناة والمعلومات وأظنه يعطيك صورة واضحة عن مهاد شرابي الفكري .. وهو صريح حتى مع نفسه ..
لا أظن أنّي قرأت سيرةً ذاتيّةً مليئةً بكلّ هذا من قبل.. هذه السيرة تتحدّث عن هشام شرابي، المثقف الفلسطيني الذي كان في الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي كان بقيادة أنطون سعادة، بدايةً من حياته في عكّا، وصولاً إلى اغتيال سعادة.. كل ذلك كان مرورًا بدراسة هشام شرابي في الجامعة الأميركية في بيروت، ومن ثمّ دراسته للفلسفة في شيكاغو، والتي التقى فيها بأهم الدكاترة والمفكرين في الفلسفة والتاريخ والحضارة الأوروبية.. بدأ شرابي قوميًا بحتًا، قد يكون أقرب إلى الاشتراكية، وذلك بدءًا من انخراطه في تنظيم الحزب، والذي كان -كما يقول شرابي- تنظيمًا أخلاقيًا إلى أبعد درجة، يحمل همومًا عربيّة قوميّة شريفة واضحة، على الرغم من بعض الأخطاء التي كانت من ضمن عقيدته، والذي -في نظري- لم يتمكن قائده، سعادة، من فهمِ الواقع السياسي الصعب، والذي كان أكبر من الحزب بكثير.. ووصولاً إلى دراسته في شيكاغو، وهي التي أعطت شرّابي التفكير الناقد، والأسلوب والمنهج العلمي في البحث، وكانت تريد أن تلقّنه الليبرالية وأصولها، وقد أقول أنّها نجحت نوعًا ما، إلى أن أصبحَ شرّابي مفكّرًا مستقلاً، وذلك ما يوضحه هذا الكتاب.. شرّابي هنا، ليس مجرّد مثقفٍ عادي، فهو مثقف صاحب تجربة سياسية عميقة جدًا، وصاحب خوض فكري أعمق أيضًا، فهو من أوائل من ذهبوا للدراسة في الغرب، وهو من درس في أهم منطقةٍ في نطاقه، حيث كانت الجامعة التي ذهب لها أفضل من هارڤرد وغيرها في النطاق الذي ذهب هو إليه.. هذه التجربة، هي تجربةٌ لا يخرج منها الإنسان دون أن يكون متيّمًا بها على الرغم من الكثير مما قد لا يتفق مع شرابي فيها.. كتاب رائع.
ما اعجبني في هذه الذكريات هو درجة الشفافية التي يتكلم بها شرابي عن نفسه وعن اصدقاءه، كان صريحا في مقارنة نفسه بالآخرين وفي فشله ونجاحه وبذلك ساهم من جانبه في القاء الضوء على معاناة المثقف العربي في تعليمه وتثقفه والفارق بينه وبين المتعلم والمثقف الغربي، وايضا كان مهما حديثه عن تجربة المثقف والايديولوجيا
"جلست على أحد المقاعد الثلاثة في الغرفة وجعلت أراقب سير الشمس على الحائط. شعرت بوحشة كبيرة تبتلعني.. ورحت أذكر أيام شيكاغو.. وكيف كنت أحلم بالعودة إلى بيروت.. ها أنا في بيروت. الآن أتوق للعودة إلى شيكاغو." "لقد نبذتني يا وطني.. لن أرجع إليك.. لن أرجع أبداً.."
يا لهذه الحياة، إنها لا تعلم الإنسان دروسه بغير القسوة، حتى يعيها قلبه ويحتويها لبّه ولا ينسى منها شيئاً!
مرارات كثيرة في هذه السيرة. كأن فوضى الأماكن والأحداث والمشاعر أصابت الكتاب باضطراب في سيره هنا وهناك، بل قل بتنهدات خارجة رغم رصانة الكاتب الشديدة. لا بأس، هكذا هي الذكريات حين تجيء، وهكذا لا بد أن تكون "ذكريات مثقف عربي".
أحببت في السيرة انسيابها الهادئ في قالب من سهولة الوصف والتعابير، لم أشعر أن هشام شرابي حاول(كبعض من يكتب سيرته الذاتية) أن يتصنع مظهر الشيخ الوقور وهو يدفّ إلى مستمعيه الأغرار حكمة الحياة والتجارب، فتخرج كلماته كالطبل له صوت لكنه جلد أجوف ليس إلا.
نقدت في نفسي على هذا الأستاذ الفلسفي المتبلد أنه كان بارداً في مواضع العاطفة. فلم يذكر والدَيه بكلام له رائحة برّ ووفاء(أو حتى عقوق وحنق) بل جعلهما في آخر الهامش بشكل يُستغرب حقاً. كذلك أخوه خالد الذي أنساه سريعاً لقلة ما ينوّه به.وكذلك حبيبته كارول الأمريكية، كان وصفه للحظاته معها-وبخاصة لحظة الفراق-فاتراً كالتحدث بقصة مملة أو أمور رتيبة. وكذلك ذكر الدين كان مستبعداً عن عمد واضح من صاحب السيرة، وبقي منه أن يحلف للقارئ أنه غير متدين ليرتاح ضميره. أزعم أن هشام شرابي-في هذا الذي نقدته عليه-كان يشعر ويعرف أشياء كثيرة لم يرد لها أن تظهر في سيرته الذاتية لحاجة في نفسه، مع أنه لم يكن يتورع عن ذكر أشياء سخيفة، وأخرى ممجوجة، ولعله فعل هذا أيضاً لذات الحاجة التي في نفسه.
ذمّ أساتذته في بيروت كثيراً، وذكر تهكمهم واستهزاءهم بطلابهم، وقال: لكني لا أحقد عليهم(ص34) ثم في الصفحة التي بإزاء هذا الكلام قال:قد أغفر للذين أدين لهم بثقافتي جهلهم وغباءهم، لكني لن أغفر لهم غطرستهم، والقساوة المعنوية التي مارسوها في تثقيفي. فماذا يكون هذا الذي قال إلا الحقد؟ ناهيك أنه تسامح في الثقافة التي هي أحكم أدوات العقل، ولم يتسامح فيما رآه "غطرسة وقسوة" من أساتذته.
أما علاقة شرابي بأنطون سعادة وحزبه السوري القومي الاجتماعي فعلاقة غريبة، وكلامه عنها أغرب. إنني لا أقدر أن أقتنع بأن شرابي استغنى من عقله وقلبه عن الولاء لذلك الكيان الإيدولوجي، وعن تصديق شعارات تلك المؤسسة السياسية، على الأقل إلى حين كتابة هذه السيرة في السبعينيات. وهو وإن خفف وطأة تبعيته الفظيعة، وتملص من انتمائه بنقد سعادة أحياناً، فظاهرٌ جداً فيه أنه لم يكن مستقلاً ذلك الاستقلال الذي نقم على أساتذته في بيروت من أجله، وغير منهج تفكيره في شيكاغو بسببه، وشعرت آخر الكتاب-حين نسي قليلاً التظاهر بهذه الاستقلالية لصالح الذكريات-أنه حينما تحدث عن المنهج والموضوعية وانتقد اختفاءهما عند الأساتذة العرب في بيروت، كان منعدم الموضوعية والاستقلال والمنهج في كثير مما ذكر من مغامراته مع القوميين الاجتماعيين.
كل سيرة فلسطينية تكون مبللة بالدموع، نسأل الله فرجاً ومخرجاً لهم من هذا الضيق الخانق. كيفما اتفق لك أن تقرأ لمؤلف فلسطيني، ستجد منه في بعض كلماته مرارة الشجى القديم.
تعرفت على هذه السيرة من خلال مقال للكاتبة عائشة سلطان امتدحت فيه الكتاب كثيراً وحمستني لاقتناءه وقراءته. قد لا يكون كما توقعته، لكن استمتعت بقراءته كثيراً.
غالبا ما أبحث في السير الشخصية عن خلاصة تجارب المؤلف وانطباعه عن زمنه وتوثيقه لتفاصيل اجتماعية وسياسية وفكرية عايشها، وعصارة فكره وتجربته في الحياة بشكل عام، في هذه السيرة وجدت ذلك لكن ليس بالكثافة التي كنت أتوقعها (وهذا مأزق وقعت فيه بعد أن قرأت كتاب حياتي لأحمد أمين الذي رفع معايير السيرة الذاتية عندي!)
عموماً السيرة توثق مرحلة معينة ونواحي محددة من حياة هشام شرابي منذ التحاقه بالجامعة الأمريكية في بيروت ثم جامعة شيكاغو ثم عودته إلى لبنان ليعاصر أحداث سياسية هامة في عام ١٩٤٩ بأسلوب بسيط ومباشر وعميق في مواضع ومفصّل بكثرة في مواضع أخرى. وثق الكاتب صداقاته المتنوعة وروتين بعض فترات حياته وعلاقته الهامة بأنطون سعادة. لكن أكثر ما أعجبني هو توثيق هشام شرابي لفكره وللتغيير في طريقة تفكيره من طالب درس في مدارس شرقية تقليدية الأسلوب والمناهج إلى طالب في جامعة غربية تتبنى معايير الموضوعية والحيادية في تثقيف طلابها. بالمقابل وجدت التفاصيل التي أوردها عن فترة التحاقه بالحزب السوري القومي الاجتماعي وعلاقته بأنطون سعادة وفترة هروبه من الإعتقال كثيرة للغاية، وترجح نصف ��لكتاب ليكون توثيقا لحياة فرد حزبي أكثر منه مثقف فلسطيني عايش فترات هامة من تاريخ العرب واغترب للدراسة والتعليم طيلة حياته.
هناك بعض الفقرات الملهمة والمؤثرة التي وثقت بعضها في هاشتاق باسم الكتاب في تويتر، لكن الجملة الأخيرة في الكتاب تختصر الكثير، ربما تختصر كل حياة هشام شرابي: "لقد نبذتني يا وطني.. لن أرجع إليك.. لن أرجع أبداً"
- أعظمت فيه صدقه لمّا تكلم عن الزيف والأبهة الكاذبة والنفخة الاستعلائية التي أصابت آنذاك طلبة الجامعة الأمريكية. لا بل أنَّ هذه الأمراض أصابت في الأصل الطبقة المثقفة لذلك الجيل. أما عن انطباعي العام لمجمل السيرة فإن شخصية هذا الرجل تصيبني بالغثيان لأمرين، الأول أنه يُسقط نواقصه النفسية والفكرية على تربيته ومجتمعه وجامعته، بحيث أنه يتوهم أن الخطأ دائما من خارجه وهو في الأصل من داخله. ثانيًا له شخصية اِتكالية ذات نزعة تابعية، مع تردد وحيرة، وجبن ظاهر يتعجب المرء من بعد ذلك كيف له أن ينخرط بهذا التركيب الرقيق في الأعمال السياسية؛ ربما صدق مسعاه النبيل هو من دفعه لذلك.
- تنقسم هذه السيرة إلى ثلاثة أقسام، قسم كطالب بكالوريا متخصص بالفلسفة في الجامعة الأمريكية ببيروت، أكثر ما لفتني في هذه الفترة هو شدة حنقه الطفولي على أساتذته وبخاصة على شارل مالك. والقسم الثاني كان عن حياته كطالب دراسات عليا في جامعة شيكاغو، وهذا الجزء من السيرة هو الأمتع في تقديري. والقسم الثالث وهو الذي أخذ نصيب الأسد من هذه السيرة، كان عن ذكرياته مع الحزب القومي السوري وعن هيامه وغرامه بأنطون سعادة. إن ما يعيب هذه السيرة حقًّا هو الجانب الدعائي، حيث إن الكاتب قد أكثر من الاقتباسات لكلمات وخطابات زعيمه أنطون سعادة.
♦الحقيقة المؤلمة ، والخيبات المتتالية إلى أن يأذن الله ، سيرة موجعة لمواطن عاصر بداية الهزيمة ويحمد الله أنه لم يعاصر الانهيار الكامل للقيم والأخوة وغياب النخوة وتغليب المصالح الخاصة جدا على حساب حياة الاخ والصديق واقرب الأقربين ، نعم لقد مات العرب .
تدخل عبر هذه السيرة الى عقل هشام شرابي وتتعرف على محطات عديدة في حياته ...كتاب ثري جدا بالافكار و الاقتباسات : (الحلم اذا تحقق ، كالرغبة اذا اشبعت،يترك وراءه فراغا موحشا)
3.5* (تذكرت كم شيء ضايقوني في الكتاب - يلها شغل بأنه مكتوب من قبل رجل سس) وضع العرب يعور.... يعور كيف بعدنا متشتتين وضايعين.... صحت كم مرة وأنا أقرأ مع إني - ولأسباب يلها شغل بصداع حاد يكسر جمجمتي صارله يومين 🤨 ربي عفوك - ما كنت عاطي قرائتي لبقية الكتاب اليوم تركيزي الكلي.... كلماته الأخيرة كسرتني
لا يعيب هذا الكتاب سوى عشوائيّة سرده، لكنّه يستحقّ النجوم الخمس.. يستحقّها حقًّا.
أهم الأمور التي تحدّث عنها في الفصل الأوّل الحياة العلمية في الجامعة الأمريكيّة في بيروت. وعن علاقته بأنطوان سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، تحدّث بإعجاب عن شخصه وأفكاره، وعاد في الفصل الرابع ليتحدّث بإسهاب عن الحزب وتوجّهات "زعيمه"، ولقاءاته الأخيرة به، بعد عودة شرابي من دراسته في أمريكا سنة 49، حيث استلم تحرير المطبوعة الصادرة عن الحزب بتكليف من سعادة، والذي لم يشر إليه في الكتاب إلّا بوصفه "الزعيم". (أشار في موضع آخر من الكتاب إلى إيمانه أن الحزب وزعيمه كانا سيحرّران فلسطين لولا إعدام سعادة سنة 1949).
الفصل الثاني كان موجعًا حديثُه عن فلسطين ونكبتها ولا سيّما في حديثه عن جدّته وجدّه.. شعرت وأنا أقرأ هذا الفصل بالقشعريرة تسري في عظامي.
ثمّ في الفصل الثالث عن حياته الأكاديميّة في جامعة شيكاغو التي وصلها سنة 1947 ودرس فيها ماجستير الفلسفة. تطرّق لعلاقته -بشقّيها الشخصي والفكري- مع أساتذته. ويقارن في هذا الفصل -كما فعل في الفصل الأول- بين الحياة التعليميّة (الرجعيّة) في بيروت مع النظام العلمي المنهجي بصرامة في أمريكا. أيضًا في هذا الفصل عاد للحديث عن النكبة، لكن هذه المرّة كمتابع لها في غربته عبر ما يقرؤه من الصحف.
الجدير بالذكر أنّ المؤلف ولد سنة 1927 في يافا وتوفي سنة 2005 في أمريكا، أمّا هذه المذكرات فقد كتبها منتصف سبعينيّات القرن الماضي. ومعظمها -إن لم يكن كلّها- يدور في حقبة أربعينيّات وأوائل خمسينيّات القرن الماضي.
سمعت عن هذه المذكرات، واتتني الفرصة لقراءتها: شاب فلسطيني من عكّا- أصبح فيما بعد يوصف بأنه من كبار المثقفين العرب-، يحكي جزءاً من نشأته وفترة دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم انتقاله للدراسة في الولايات المتحدة. يمرّ كذلك على بعضِ ممّن كانوا معه، وعلاقته بأسماء كـ "انطوان سعادة" مؤسس الحزب السوري المدري وش. سيكون مفيداً أكثر لمن هو مهتم بمواضيع الأحزاب العربية وتاريخ فلسطين والمنطقة.
مذكرات للمثقف والمؤرخ هشام شرابي تطرق فيها لنشأته في يافا والنسيج الاجتماعي الفلسطيني في حقبة ما قبل النكبة، ثم وصف فيها لحظة دخوله الجامعة الامريكية في بيروت والجو الفكري في تلك الفترة ولم تكن الجامعة منذو نشأتها مجرد صرح علمي عادي، وعلى مدى 150 عاما شكّلت جزءا لا يتجزأ من ذاكرة الوطن العربي، وخرّجت أجيالا كتبت تاريخا وكانت جزءا من تاريخ مهم وفترة حاسمة في القرن العشرين، لا سيما انها حضنت بين جدران مبانيها تقلبات واضطرابات منطقة جمعت أضدادا وديانات مختلفة وتخرج من طلابها قيادات ورؤساء وقاما وفكرية وسياسية وثقافية، ذكر الكاتب كذلك مرحلة الجامعة في شيكاغو حيث إستطاع ان يكون تلميذاً لفلاسفة واساتذة في علم الاجتماع كانوا لهم اثر بالغ في نشأت الكاتب وتطرق ايضاً إلى حياته الحزبية المضطربة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وعلاقته القريبة بانطوان سعادة وكيف صور لنا الكاتب شخصية الزعيم انطوان سعادة واستطاع تحليلها عن كثب خصوصاً بعد عودته من الارجنتين واستقراره في لبنان إلى لحظة إعدامه في سوريا
الكتاب ثري بالمعلومات وكنز من الاحداث الهامة في حقبة تكاد ان تكون الأهم في القرن الماضي سطرها الكاتب بلغة آسرة وتعبير صادق، كانت سطور الكتاب تبيّن مدى صراحة هشام شرابي مع نفسه وندمه على لحظات معينة كان باستطاعته تفاديها بطريقة او بأخرى
في نهاية المذكرات تستطيع ان تستشعر المرارة والاختناق التي شعر بها تنبثق من هذه المستقبل الذي أفلت من ايديهم وتحول إلى هذا الحاضر المرير، حيث صارت الحقيقة التي جمعوا حياتهم كلها حولها مجرد رماد لا جمر فيه
لا أعلم ما الذي دفعني لقراءة هذا الكتاب، لم أقرأ لهشام شرابي قبل ذلك ولم أكن أعرفه، ربما لذكر اسمه في كتاب"اشتهاء العرب" دفعني الفضول لقراءته، ولا أعلم لماذا اخترت سيرته الذاتية. أشعر كثيرا بالملل هذه الأيام، بل من مدة أفتح الكتب وألقيها سريعا بدون تكملة قراءتها، معظم الكتب أصبحت تصيبني بالغثيان إلا فيما ندر، حتى أقرأ كتابا واحدا ويجذبني لتكملته لابد وأن أمر بعشرات الكتب المملة والمقيتة والتي لم تكن مقيتة قبل ذلك بالنسبة لي. من ضمن الكتب التي أدرجتها في رف كتبي المحببة كان هذا الكتاب، الذي يذكرني بفترة ماضية من شبابي الذي لن يعود، ��ياما أحسبها كانت حلما لم تسعفه الذاكرة لينطبع على صفحة الوجود. أيام مشاركتي في المد الثوري المصري أيام الثورة المجيدة وإطاحتها برأس الأفعى الطاغية الذي وضع البلد تحت نير الاستغلال والقهر لثلاثين عاما كانت هي زهرة شبابي الذابلة قبل أوانها. ما جذبني لذكريات هشام هو صدقه في الحكي والسرد الممتع ومعرفة حدود إمكانياته كباحث وأستاذ أكاديمي ورجل سياسي قومي ماركسي تخلى دوما عن أيدولوجيته لصالح الانسان في محاول دونكيشوتية مثالية لرأب صدع الهروب الذي كان فعلا صادقا من ناحيته تجاه أمته التي تبرأ منها لصالح وطنه الثاني أمريكا رأس اﻷفعي والشيطان الذي يحرك القوى العالمية. سيرة صادقة، صريحة، بسيطة وواضحة لفترة من فترات التاريخ العربي من وجهة نظر قومية ونوستاليجية مفعمة بالأسى.
إنها ذكريات مثقف عربي هو هشام شرابي القائل "اكتب هذه الكلمات والاحتلال اليهودي ما زال قائماً، والأنظمة الأبوية، بما فيها النظام الأبوي الفلسطيني، تهيمن على ارض الواقع، والاحباط واليأس يخيّمان على الوطن العربي كله. لكن الظلام لا تشتد حلكته الا عندما يقارب الفجر على الانبثاق. هناك بوادر فجر جديد: النظام الأبوي محتّم عليه الانهيار، والمرأة العربية تكسر قيودها، والجيل الصاعد يدخل ساحة الصراع. آخر مراحل الانحطاط تحمل في احشائها بذرة العصر الجديد".
في مذكرات الجمر والرماد وبعيداً عن منجزاته العلميه، يخوض بنا "هشام شرابي" في حياته العمليه ويدايات نصاله كمثقف عربي يشعر بالمسؤوليه اتجاه وطنه ومجتمعه وأمته، وبذلك يحكي لنا الكثير عن تجربة انضمامه (للحزب القومي السوري الإحتماعي) وتأثره بمؤسسه أنطوان سعادة وسعيه الحثيث لتوحيد الأمه السوريه وتحقيق حلم الوحده إلى أن انهار الحزب بإعدام قائده،رغم انسحاب شرابي من الحزب مؤخراً.
يحكي لنا شرابي عن اشكالية المثقف العربي ، وعن مشكلات التعليم في الوطن العربي وخصوصاً "الجامعه الأمريكيه" التي تعتبر أفض جامعه في حينها، إذ كيف كان النظام السلطوي الأبوي يخيم على عقلية "اساتذة الجامعات" مشكلاً حاجزاً بين الطالب والإستاذ ويعطل عملية الإبداع والإنتاج لدى المتعلمين.
في مذكرات "الجمر والرماد" كثيراً من الصراحه والإشارات الواضحه والحقيقه لإشكالية الأمه العربيه وتأخرها في جميع من النواحي "السياسيه-الإجتماعيه-الفكريه-الأقتصاديه" ، ولكن رغم أنها مذكرات مثقف عربي إلا أنه كما وصفها جمر خلف الرماد لابد للجمر أن يعود.
أحب فراءة كتب السير الشخصية لاني سوف أعيش مع كتابها بمراحل تكونهم الدراسي ونضوجهم المعرفي وحياتهم الاجتماعية والمهنية وكل شيء الدكتور شرابي شدني بهذه السيرة الجميلة من مراحل تهجير بيت الجد من عكا الى بقاءه وعيشه في أميركا والنافذة المفتوحة على حياته هي نافذة مليئة بالفقد والصبر وانهماكه بالايدلوجيات القومية التي كانت سمة عصر تلك الفترة
في أول يوم مع هذه السيرة قطعت مئة صفحة، وقررت أني سأختمها في اليوم الذي يليه. ولما جاء اليوم الموالي، عدلت عن هذا المسار وقررت استبقاءها معي لأطول فترة ممكنة. قرأتها في البيت ورافقتني في السيارة وآنستني في المكتبة، وهكذا حتى انقضى أسبوع ختمتها فيه.
لو أردنا أن نعنون هذه السيرة بكلمة واحدة فإنها ستكون: "الخيبة" فمنذ الصفحات الأولى تجدها تطل عليك برأسها من خلال رفض السلطات اللبنانية لطلبه تجديد إقامته في لبنان بعد أن جاءها من واشنطن تاركا خلفه الوظيفة المرموقة والاستقرار لأجل خدمة الوطن وعيش بقية العمر فيه. فيقول معلقًا: "لقد عدت لكي أعمل من أجل هذا الشعب ومن أجل هذا الوطن .. واكتشفت، كما يفعل كل مثقف عائد لخدمة وطنه، ان الشعب والوطن لا يأبها به وبأحلامه، وأن الواقع يناقض الرؤيا .."
تتميز هذه السيرة بالشفافية والبساطة، حتى في سردها، فهو لا يأخذك في خط زمني مستقيم، بل يطير بك في المكان (حيفا، بيروت، شيكاغو) والزمان (١٩٣٠-١٩٧٥) رابطا البدايات بالنهايات بانسيابية لا تخلو من عبرة وخلاصات كبرى.
فعندما يتحدث عن زميله الأمريكي في سكن الطلاب بالجامعة الامريكية في بيروت (توم شي) واهتمامه بعلم النفس ونظرياته، التي لم يكونوا يعرفوا عنها شيئا ويسخروا بها في نفس الوقت؛ مثل عقدة اوديب وتفسير الاحلام لدى فرويد، وعطشه لكل تجربة جديدة.
يمر بك بمنعرجات حياة توم وتقلباته وصولا إلى لقاءه الأخير به، في الظهران حيث مقر عمله في (شركة ارامكو)، يقول شرابي: "زرته في الظهران سنة ١٩٧١. استقبلني انا وزوجتي في المطار. ركبت في السيارة الى جانبه واخذنا نتحدث بأمور مختلفة. ووصلنا الى مرتفع في الطريق يطل على حقول البترول، وقد تصاعد اللهب من الغاز المحترق فيها. فبدا منظرا رهيبا. وقال توم: انظر الى نيران الجحيم. انها تحيط بنا من كل جانب. قالها بلهجة جدية وبصوت بارد، فالتفتُّ إليه، وقد بدأت بالابتسام، ظنا مني انه يهزل، فرأيت وجهه عابسا تتشنج عضلاته وفي عينيه بريق غريب.
وفي اليوم التالي زرته في مكتبه فحدثني عن عمله وعن اطروحته التي كان يعدها للنشر. وفي المساء تناولنا العشاء في بيته الصغير وشربنا الويسكي الذي كان يصنعها بنفسه في مرأبه. (كما كان يفعل جميع سكان ارامكو بسبب منع الخمرة في السعودية). وكانت زوجته لا تنقطع عن الكلام، فلم استطع التحدث إليه.
وعدنا الى بيروت بعد يومين دون أن أراه ثانيةً. مر أسبوعان. ثم وصلني الخبر أن توم قد انتحر. كانت زوجته قد غادرت من الظهران في طريقها الى الولايات المتحدة، فكان بمفرده. وقال الطبيب انه تناول عددا من الاقراص المنومة ووضع اسطوانة في جهاز الستيريو ثم تمدد على الاريكة في غرفة الجلوس. كانت الاسطوانة مازالت تدور على نفسها عندما وجده خادمه الهندي في صباح اليوم التالي ميتًا. على الطاولة بجانبه كان هناك رسالة قصيرة قال فيها انه قرر الانتحار عن قصد وتصميم. وطلب أن تحرق جثته بعد موته وأن تبعثر بقاياه فوق الصحراء. فنفذت الشركة وصيته بحذافيرها ونقلت جثته الى البحرين وأحرقتها هناك في الـcrematorium الوحيد في الخليج. ثم بُعثر رماده فوق الصحراء الشرقية".
شعرتُ وأنا اقرأ هذه السيرة بتعاطف وحميمية ربطتني بالكاتب، فهو لا يصور لك البحر بل يغوص معك في أعماقه، فسرده يتسم بالكشف والاعتراف، يقول عن تصوره عن نفسه أثناء دراسته في بيروت: "في تلك الايام كان كل منا يعتقد انه (فلتة) يمتاز عن بقية الناس بذكائه وفطنته. كنا على أحر من الجمر لأن ننهي دراستنا ونبدأ حياة غنية حافلة بالمغامرات والاعمال الكبيرة. ولم أكتشف خطأي وأدرك بأني لست (فلتة) إلا بعد مرور أعوام طويلة من الجهل والغرور"
ومع مافي سرده من شفافية فإنه لا يخلوا من فكرة مستخلصة أو تفسير مستنبط أو تحليل، فعندما تكلم عن بداية دراسته في جامعة شيكاغو، راح يقارن بين عقلية الطالب العربي والطالب الأمريكي فيقول: "كانت الدراسة والمطالعة والتحضير بالنسبة للطالب الامريكي مهمة اساسية تخضع لها كل الاعتبارات الاخرى. فكان ينفرد في غرفته او في زواية من المكتبة، لا يثنيه عن الدرس والمطالعة شيء، فلا يسمح لنفسه بالراحة والترفيه إلا بعد ان ينهي ما يتوجب عليه. وكان سلوك الطالب العربي على عكس ذلك تماما. كان دائما على استعداد لأن يضع كتبه جانبا اذا سنحت الفرصة لتناول فنجان قهوة مع فتاة. كان حسه بالمسؤلية مرتبطا بما هو خارج عنه، بسلطة تقف فوق رأسه، لا بدافع داخلي يلزمه ذاتيا"
ويحكي قصة صداقته بـ(مارشال هودجسون) زميله في جامعة شيكاغو، وصاحب كتاب مغامرة الإسلام، وقد ترجم حديثًا عن الشبكة العربية في ثلاثة أجزاء.
تعرّف عليه وهو يعد للدكتوراه، وكان هودجسون يمضي معظم أوقاته في مكتبة المعهد الشرقي حينها، وهو نفس المكان الذي كان يقرأ فيه شرابي. التقى به أول مرة على درج المكتبة، المكان الذي يأكل فيه هودجسون كل يوم، يتألف غذاءه عادةً من ساندويش جبنة وتفاحة أو برتقالة. فتجاذبا الحديث وتوثقت أواصر الصداقة بينهما، حتى أصبحا يتناولا نفس الغذاء على نفس الدرج بشكل دوري.
اقترح بعد ذلك هودجسون أن يمارسا نوعا من الرياضة، فالجلوس طيلة النهار يضر بالصحة ويضعف من سريان الدم، فاشتركا في مسبح الجامعة، وأصبحت السباحة نشاطا رياضيا يتخلل جدولهما.
يُكمل شرابي السرد فيقول: "بعد سنين تخرج مارشال بتفوق وعُيّن استاذا في الجامعة وأصبح رئيساً للجنة الفكر الاجتماعي .. وانقطعت الصلة بيننا بعد مغادرتي شيكاغو سنة ١٩٥١ ولم نجتمع ثانية حتى سنة ١٩٦٣، لدى عودتي إلى شيكاغو للمرة الأولى منذ مغادرتي لها .. كنت في مؤتمر حول النظام السياسي في لبنان، فخرجت لأتنشق الهواء بعد جلسة ملأى بالتفاهات، وإذا بصوت يناديني. توقفت والتفتّ إلى مصدر الصوت، فرأيت شخصا يقطع الطريق ويلوّح بيده. لم أعرفه لأول وهلة، وظننت أنه يلوح لشخص آخر. ناداني مرة أخرى، فعرفته. كان مارشال هودجسون. تصافحنا بحرارة. وتبادلنا الحديث برهةً ثم سألته إذا كان ما يزال يتسبح في الجمنازيوم فقال: -كل يوم. وفي الوقت نفسه. -وساندويش الجبنة؟ -كل يوم، ولكن ليس على درج المكتبة بل في مكتبي. -مع تفاحة؟ -مع تفاحة أو برتقالة.
في الختام: سيرة شرابي، تعبّر بشكل من الأشكال عن مسيرة جيل مثقف بأكمله، عاش بآمال كبرى وسعى خلفها بإيمان وثقة بالنصر، ولكنه اصطدم بجدار الواقع العربي التعيس وتكسرت آماله تحت مطرقته التي لا ترحم.
سيرة رائعة، سلسة جدًا، تطوي الصفحات ويمر الوقت بكل سرعة، كجلسة قهوة مع صديق عزيز مليئة بالمشاعر الصادقة والأفكار المضطربة والقلقة، الحيرة والثقة والثبات، الكثير من الأصدقاء هنا الكثير من الود والألم، نظرته للحياة والأفكار عميقة جميلة، الوحشة والإغتراب والبحث عن انتماء، أحزنني جدًا انتهاء صفحات الكتاب، تمنيت ألا تنضب الكلمات.
بع�� الاقتباسات: - الحلم اذا تحقق، كالرغبة اذا اشبعت، يترك وراءه فارغًا موحشا. - نحاول احيانا ان نقنع أنفسنا بانه يمكننا المحافظة على صداقاتنا القديمة ..لكن يغيب عنا أن الصداقات تذوي و تموت و لكننا نرفض الاعتراف بذلك و نتظاهر بأنها حية فنحملها بين أضلعنا جثثا لا حياة فيها - نهرم ونشيخ وتبقى قلوبنا على حالها، لا يغيرها الزمن، ولا يزول منها ما عانيناه من حب وألم، كلما سارت بنا السنون الى الأمام كلما اقترب منا الماضي بأحزانه وأفراحه وذكرياته. - أشياء قلة تجعل عيشنا محتملاً وأحيانًا تسبغ عليه جمالًا ومعنى وأهمها: الصداقة والحب والفن والمطالعة والعمل. - ان الحياة كانت تبدو لي غامضة مشوشة لا أقدر على تلمسها أو تذويقها ببساطة ومرح، كما كان يفعل معظم زملائي، فكان كل يوم يمر في حياتي معقدًا مليئًا بالأحاجي والأحداث المؤلمة نفسيًا.
في الغربة تبحث عن الغرباء، عن الوطن البعيد، أو عن كتاب تحاول معه تقليص عدد ساعات الّليل. حليم بركات في كتابه "غربة الكاتب العربي" عرّفني ب هشام شرابي. تحدث عنه بحب، عن هزائمه، وانتصاراته، عن أصدقائه الذين رحلوا، وعن فكرة الموت التي كانت تسكنه منذ الصغر. كانت المرة الأولى التي أبدأ فيها بقراءة سيرة ذاتية لمثقف قبل اكتشاف كتبه الفكرية. " الجمر والرماد" أو يمكن أن نقول"كيف تغيّرنا الأيام". هشام تغيّر بعد ذهابه لأمريكا. ومن منّا لا يتغيّر؟ كان شفّافا وهو يكتب عن تخلّف مجتمعه، طريقة تدريس الدكتور العربي في الجامعة، وعن النظام الأبوي الذي كان هاجسه الأكبر. تنازعته الأمكنة: بحر عكا، شوارع بيروت، وحانات شيكاغو.
القضية الفلسطينية لازمته، الحزب السوري القومي تركه إلى غير رجعة. بعد سنوات تمكّن منه المرض الخبيث ومازال حب أنطون سعادة في داخله يكبر. تخلّى عن صوفية ميخائيل نعيمة، انتقل من كيركيجار إلى نيتشه، اكتشف كارل ماركس هناك في مكتبات الغرب، وكانت أول فتاة أحبها هي كارول.
هشام لجأ للبوح، تحدث عن أشياء كثيرة تهزه في العمق، ولأن الزمن في الغربة يمر أسرع حزم حقائبه وعاد وهو يردد بعدك على بالي.
الحديث عن هذه المذكرات على طبقتين الطبقة الأولى والظاهرة هي مذكرات إنسان مرت به أحداث وأشخاص، ومن هذه الطبقة أقول قراءة الكتاب مُسليّة
لكن الطبقة الثانية يتحدث فيها شخص منهزم الروح ويتقزّم راضيّاً أمام من نَصَبَهم ليكونوا أسياده وهم يمسكون بحبل ملتف كطوق حول رقبته!
ياله من مسخ! في أماكن من الكتاب أحاول أن أقول أنه رحمه الله كان يجلد ذاته، بشكل فظيع لكنه يسارع فيقول لك بلسان عربي فصيح " أنا لا أجلد ذاتي إنما أتحدث عن جنس بشري دون أسيادي، جنس بشري مرائي كذاب يتبع عقيدة ويتبع شهواته البهيمية" قد تقول أخي القاريء أن هذا الوصف بهذا الصف لم يَرد في الكتاب، فلماذا تذكره؟ أقول لك إقرأ كلامه بل يقول هكذا وأكثر ، فلا يجد فرصة إلا وحطّ فيها على العرب وكأنهم رجس!
أعيد وأقول "رحمه الله" فقد أفضى لما قدّم والذي قدمه صورة شخص يتمارى في صورة عبد ذليل لبشر، ثم ينظر إليك بشزر ويتفاخر " ألا ترى طيبة أسيادي؟! فقد جعلوا في الطوق الذي يلف عنقي وردة!"
كتاب رائع ربما الشيء الوحيد الذي أشعرني بالملل هو استغراقه في ذكر أحداث وانتماءه للحزب السوري القومي الإجتماعي وعلاقته مع الزعيم "انطوان سعادة". ما عدا ذلك هو قمة السعادة والرونق، ذكرات ماتعة لرحلاته المختلفة، ودراسته، وعلاقته مع الناس، ونظرته للأمور، وأحداث ال٤٨ و الاحتلال الغاشم، و هلم جرا.
للمؤلف مقابلة مع محمد رضا نصر الله موجودة في اليوتيوب وفيها تفاصيل لبعض أفكاره التي ما أطال بذكرها وأكثرها جاذبية بالنسبة لي هو نظرته للعالم الغربي وعلاقته مع العالم العربي .
ابتدأت السيرة وأنا لا أعرف من هو هشام شرابي وماذا فعل في حياته إلا أنه أثار اهتمامي بصراحته ونقده اللاذع حتى وإن كان لنفسه. تحدث عن مسيرته الجامعية وابتعاثه والوحدة وما صادف من أمور وأفراد وكيف يرى كل هذا بعد النضج ومرور أعوام وعلى أني اعتقد مخالفتي له أكثر من اتفاقي معه إلا اني أحببتها.
" بعث الماضي عملية صعبة لكن لا مهرب من الماضي. واذا قصدنا التحرر الذاتي لابد من العودة إلى الماضي لكشفه وتجـاوزه. "
"لقد نبذتني يا وطني.. لن أرجع إليك.. لن أرجع أبدًا" اختتم مذكراته بهذه العبارة، إلا أنه عاد إلى وطنه بعد ذلك كما ذكر خيري منصور الكاتب في كتابه: "العصا والناي"، لكنه لم يستطع التعبير فاغرورقت عيناه بالدموع، وتلك حكاية تطول تفسرها هذه السيرة المهمة.