الدكتور رأفت عبد الحميد هو أستاذ تاريخ العصور الوسطى، وشغل منصب عميد كلية الآداب في جامعة عين شمس، وله العديد من الدراسات والمؤلفات منها: "الدولة والكنيسة"، و"بيزنطة بين الفكر والدين والسياسة"، و"الفكر السياسي الأوروبي في العصور الوسطى".
كتاب ممتع فعلا اعتبرة دراسة بحثية ثرية المعلومات خاصة لمن يريد ان يقرأ في تاريخ المسيحية بشكل مختصر الكتاب يتحدث عن نشأت المسيحية وتاريخ انفصالها عن اليهودية والمراحل التي مرت بها عبر القرون وكيف اصبحت علي ماهي عليه الان وكيف ان الديانة المسيحيه تاثرت بشكل مباشر وكبير بالفلسفات اليونانية الاغريقية ذات المنشأ الوثني خصوصا في القرون الاولى بعد الميلاد كما بين الكاتب من خلال الفصول السته للكتاب مدى تاثير مصر والكنيسة الاسكندرية في مراحل تطور المسيحية وابرز الكاتب دور المصريين المسيحيين في نشر مايسمى بالرهبنه او الرهبانية لبقية العالم المسيحي حيث ان منشأ الرهبانية هو في مصر الحقيقة انه كتاب قيم جدا استرجعت اثناء قراءته رواية عزازيل مثل بقية الاصدقاءالذين قرأوا الكتاب والرواية واعتقد من وجهة نظري ان د زيدان استمد من الكاتب رأفت عبدالحميد الكثير لروايته وكان تأثر د يوسف زيدان بالكاتب د رأفت عبدالحميد واضحا الكتاب تحفة تاريخية لاتمله اذا كنت من المهتمين بتاريخ الاديان تعرفت من خلاله علي معلومات جديدة ومهمة انصح به للمهتمين فقط
كتاب مهم للغاية تعرفت من خلاله على فترة من أهم فترات التاريخ بالنسبة لمصر بل وللعالم أجمع فتأثير الكنيسة المصرية وبالأخص السكندرية في العقيدة المسيحية لم يكن تأثيرًا محليًا ولكنه تأثيرًا عالميًا بدأ الفصل الأول من الكتاب بتناول التيارات الفكرية التي كانت سائدة في العصر المسيحي المصري والتي قسمها الكاتب إلى ثلاثة تيارات أساسية وهي -السلفية الوثنية- -والتيار الفلسفي- وأخيرًا المسيحية المفلسفة ثم ناقش في نهاية الفصل تيار رابع أفرد له فيما بعد فصلًا كاملًا وهو التيار الرهباني ومن خلال هذا الفصل يتضح مدى الصراع الدائر ما بين هذه التيارات وكيف أثر كل تيار في الآخر
وفي الفصل الثاني تناول الكاتب بالتفصيل نشأة مدرسة الأسكندرية اللاهوتية بادئًا بمكانة الأسكندرية الفكرية وتميزها على الجانب الغربي بسبب لسانها اليوناني الثري وتنوع المدارس الفلسفية كما تناول خلال هذا الفصل مدى تأثير الفلسفة على الفكر المسيحي سواء فلسفة أفلاطونية والتي تأثرت بها الأسكندرية من ناحية التفسير المجازي للنصوص وعدم الإلتزام بظاهر النص أو فلسفة أرسطو التي تركز على ظاهر النص والنتي تأثرت بها أنطاكية وأهم الفلاسفة الذين أعتنقوا المسيحية وكان لهم دورًا في العقيدة المسيحية مثل كلمنت وأوريجن صاحب الفكر الذي أثر في المسيحية تأثيرًا عميقًا والذي بنى اللاحثقون عليه أفكارهم وتصوراتهم اللاهوتية حتى أنه في بعض الأحيان كان الفريقان المتنازعان يزعمان أنهم يتبعون نفس الفكر الأوريجيني وقد أفرد الكاتب مساحة كبيرة جدًا لأوريجن وأفكاره لما كان لها من دور بارز في فترة الخلاف العقدي الذي حدث في القرن الرابع ثم يأتي الفصل الثالث "مصر والمسيحية" وهو الأهم في وجهة نظري فخلال هذا الفصل تم التعرض للخلافات حدثت على طبيعة المسيح ومكانته من الأقانيم الثلاثة والدور المصري في هذه الخلافات والتي استمرت طوال القرنين الرابع والخامس الميلادي بدءًا من آراء آريوس ومجمع النيقية ونشأة مصطلحات الهوموسية والهوميوسية والهوموية والأنومية والدور العظيم الذي قام به الأسقف السكندري أثناسيوس في دفاعه عن المعتقد المسيحي الأرثوذكسي مرورًا بمجمعي إفسوس الأول والثاني اللذان كانا نتيجة لأفكار اسقف القسطنطينية نسطور والقائل بأن المسيح ليس له طبيعة واحد ولكن طبيعتان متمايزاتان غير منفصلتان وأن العذراء ليست أم الإله ولكنها أم المسيح البشر ونهاية بمجمع خلقيدونية الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت إلى إنقسام المسيحية إلى خلقيدونية قائلة بطبعتين في المسيح ولاخلقيدونية "مونوفيزية" القائلة بطبيعة واحدة
وفي الفصل الرابع تناول الكاتب نشأة "الرهبانية" والتي كانت فكرة مصرية خالصة متناولًا الشخصيات التي كانت سببًا في نشأة الرهبانية (بولس أولًا ثم أنطونيوس ويليهم باخوميوس مؤسس التجمعات الديرية) والأسباب التي أدت إلى نشأتها والدور الكبير الذي لعبه الرهبان في مواجهة الأباطرة المتعاقبين والدور الذي لعبوه في المجامع المسكونية وحمايتهم لأثناسيوس المدافع الأول عن النيقية والأسقف المطارد من قبل الأباطرة الآريوسيين
وفي الفصل الخامس تحدث عن "الأسكندرية والكنيسة الأثيوبية" وتفاصيل نشأة الكنيسة الأثيوبية على يد الكنيسة السكندرية وترسيم أسقفها فلومنتيوس (السوري الأصل والساعي الأول لتأسيس كنيسة أثيوبية) على يد أسقف الأسكندرية وتبعية الكنبيسة الأثيوبية للكنيسة السكندرية والتي ظلت مسئولة عن تعيين أسقفها حتى خمسينيات القرن العشرين ودور الكنيسة الأثيوبية في الدفاع عن مسيحيي اليمن الذين تم التنكيل بهم في القرن السادس الميلادي على يد أبي نواس الحميري مما أدى إلى قدوم أبرهة الحبشي وإستقلاله باليمن بعيدًا عن أثيوبيا ومصر
وفي الفصل السادس تناول الكاتب علاقة مصر بالعرش البيزنطي والتي من الواضح أنها كانت علاقة مضطربة تعرض خلالها المصريون للإضطهاد والتنكيل من قبل الأباطرة بسبب الخلاف العقدي ما بين القسطنطينية والأسكندرية ومع ذلك ظلت مصر مهمة للأباطرة المتعاقبين بسبب أهميتها السياسية والإقتصادية وقوة مدرستها السكندرية اللاهوتية حيث كانت تُعد مصر بمثابة قبو الحنطة والمزرعة للإمبراطورية.
فى عالم الكتب ستجد بعضها يجذبك ويشدك بقوة حتى تتمنى الا تنتهى من روعة الاسلوب وجمال البيان والقدرة على الوصف والاحاطة الكلية بالموضوع، تشعر انك تطبق مقولة سقراط بان الفضيلة هى المعرفة وينتابك شعور غريب بالنشوة لاتصفه الكلمات ويتبدى لك عجز اللغة كما يقول الصوفيون،تحزن عندما تجد نفسك قد وصلت الى نهايتها ثم تبحث بقوة عما يماثلها او عن الاعمال الاخرى للمؤلف..
هذا الكتاب هو لمحة من تاريخ مصر العظيمة التى كانت يوما تؤثر فيه بقوة بل وتطعمه باعتبارها سلة غلال العالم قبل ان يدور الزمن وتصبح فى مؤخرته بل وخارجه ايضا وهو عامل مؤثر فى صناعة الرواية الاهم من وجهة نظرى فى القرن الجديد للمبدع يوسف زيدان والتى حازت على البوكر بجدارة "عزازيل" حتى انه رشح الكتاب شخصيا لواحد من اهم اصدقائى واخوتى فى الحياة ودنيا الكتب والذى اعاره لى مباشرة ..
ان المؤلف لم يتحدث فقط من الناحية التاريخية وفترة المسيحية فى مصر بل تاثيرها عليها وتداخل العلوم الفلسفية فى افكارها وطبيعتها نتيجة وجود المدارس الفكرية التى نهلت منها فقسمها الى الوثنية والفلسفية ثم المسحية المفلسفة وليس الفلسفة المسيحية والفارق كبير..
لقد امتلكت مصر الوثنية هيباتيا الفيلسوفة وعالمة الرياضيات فى تلك الفترة مع العديد من المخطوطات ومكتبة الاسكندرية العظيمة وتصادمت مع المسيحية الوليدة فى طور التكوين والنشوء وانتهت بمقتلها وتدمير المعابد الوثنية لكنها تماهت بعد ذلك مع الفلسفة ورغم الصراع وتاثيم المتفلسفين الا انها مدت المسيحية بفكرة اللوجوس او العقل الذى به ظهر كل شىء مستمدة من افلوطين المصرى والافلاطونية الحديثة المصطلح وفى الوقت الذى نالت فيه الفلسفة اللعنة فى الغرب بفضل التاثير المصرى اصبح لها قيمتها لتظهر لنا المسيحية المفلسفة وتبدا الاسئلة الوجودية فى مكانة الابن ثم طبيعته وتنتصر الكنيسة المصرية فى عدة مواقع بفضل الاعتماد على طائفة الرهبان الذين شكلوا جيشا للاساقفة قبل ان يتم تكسيرها فى مرحلة الانشقاق الكنسى لتقزيم دورها وحرمان اساقفتها ..
سنعرف الكثير عن اريوس وهرطقته كما تم تسميتها وعن اثناسيوس ضد العالم وكيف ظهرت الرهبنة فى مصر وانتشارها فى العالم المسيحى وكيف شكلت جيشا لارهاب المخالفين وحماية المضطهدين من تدخلات الاباطرة والمجامع المسكونية التى شكلت مسيحية اليوم والانشقاقات الكنسية، ارتباط الكنيسة المصرية بالاثيوبية انها رحلة شيقة تتارجح بين التاريخ والدين ..
بداية ، من المعيب أن نجهل تاريخنا وعظمة بلادنا ، إن مصر هي فجر الضمير الإنساني ، منها خرج موسى ببني إسرائيل ، وفيها تشكلت العقيدة المسيحية . كثيرون لا يعلمون أن الاسكندرية ولمدة 600 عام تقريباً كانت أهم المراكز الفكرية والثقافية في العالم ، وقد لعبت مدرسة الاسكندرية الفلسفية دوراً كبيراً في تشكيل وتطور العقيدة المسيحية ، إلى حد قول المؤرخ كرييد " أنه ليس من بلد من البلاد أثر في تطور العقيدة المسيحية مثلما فعلت مصر ، بل ليس ثمة مدينة تركت بصماتها على المعتقد المسيحي بصورة أشد عمقاً من الاسكندرية "
كانت الاسكندرية بمكتبتها العظيمة ومدرستها الفلسفية التي أنشأها بطليموس الأول صاحبة الريادة الفكر والعلوم في العالم ، ولم توجد وقتها مدرسة أخرى تعادلها في دراستها الطبيعية والعلمية في الطب والتشريح والرياضة والفلك ، وقد استفادت المسيحية من الأساس الفكري والفلسفي بعد ذلك في تأسيس المدرسة اللاهوتية السكندرية .
خرج من الأسكندرية الفيلسوف الأفلاطوني المسيحي آمونيوس ساكاس ( 174-243 م ) ، ورغم أنه لم يترك أعمالاً مكتوبة إلا أنه تخرج على يديه إثنين سيكون لهما أثراً كبيراً على العقيدة المسيحية بعد ذلك ، وهما الفيلسوف أفلوطين زعيم المدرسة الأفلاطونية المحدثة ، واللاهوتي الكبير أوريجن والذي سوف تفتح أفكاره اللاهوتية باب الجدل حول طبيعة المسيح لقرنين من الزمان .
كانت رسالة المسيح في أصلها خاصة ببني إسرائيل وحدهم ، جاء في إنجيل متي (15/24) قول المسيح " لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة " ، وأيضاً في متى (10/5) قال المسيح لتلاميذه " إلى طريق الأمم لا تمضوا " .. كانت تعاليم المسيح في البداية دعوة روحية للمحبة والسلام واطهارة ، ولم تأت بنظرية جديدة أو فكر فلسفي .
لكن المسيحية فشلت في اجتذاب بني إسرائيل ، وعانت من اليهود حصاراً واضطهاداً ، فلم يجد تلامذة المسيح بداً من الانطلاق بالرسالة إلى الأمم الأخرى والتبشير بها ، وفي عام 50 م اجتمع تلامذة المسيح في أورشليم فيما بات يعتبر أول مجمع مسكوني لحسم هذا الأمر ، وأكدوا على عالمية رسالة المسيح مستندين لإنجيل متى (28/19) " إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس " وقد انفرد متى بهذا النقل عن المسيح عن باقي الأناجيل الثلاث الأخرى .
بعد أن قررت الكنائس المسيحية عالمية الرسالة فقد واجهت معضلة كبيرة ، وهي أن تعاليم المسيح الروحية والمفارقة غير صالحة لمخاطبة شعوب وأمم يسود بها الفكر الفلسفي ، ودخلت المسيحية في صراع فكري مع الوثنية ، لذا لم يكن أمام المسيحية لتبقى سوى أن تستفيد من الفلسفة في إعادة تشكيل العقيدة وفي الرد على اتهامات الوثنيين ، وهنا كان الفضل الأكبر للأسكندرية وفلاسفتها على المسيحية .
دخل تاريخ المسيحية في الإمبراطورية الرومانية مرحلة من الغموض بعد وفاة الإمبراطور نيرون (68 م ) ،ويرجع ذلك بالأساس إلى أن المسيحية كعقيدة لم تجذب انتباه السلطات الرومانية ، بل كانوا ينظرون لها كفرقة يهودية جديدة إلى جانب الفرق الأخرى ، وعموماً فإن عدد معتنقي المسيحية حتى أواخر لقرن الرابع الميلادي لم يكن يتعدى 10% من سكان الإمبراطورية، وقد مضى وقت قبل أن تتنبه الامبراطورية إلى تمايز المسيحية عن اليهودية
وقد كان اضطهاد الأباطرة للمسيحيين ممن رفضوا الخدمة في الجيش أو ممن امتنعوا تقديم القرابين للإمبراطور كظل للإله في الأرض عائقاً أإمام بناء نسق فكري للمسيحية ، حتى إعتنق الإمبراطور قسطنطين الأول المسيحية المسمى وقام بإصدار مرسوم ميلانو عام ( 313 م ) ، لتنتهي مرحلة الاضطهاد الديني ، ويدين المسيحيون بالفضل لهذا الإمبراطور في نشر الرسالة في الإمبراطورية ، وقسطنطين هو الذي دعا وأشرف على مجمع نيقية المسكوني الأول (325 م ) والذي وضع قانون الإيمان المسيحي بعد أن إنحاز لكنيسة الأسكندرة على حساب آريوس السكندري في الجدل اللاهوتي الذي ثار حول لاهوت المسيح ، وألزم الكنائس المختلفة بما تمخض عنه .
وقد كان فيلون السكندري 20ق.م – 50 م أول وظف الفلسفة في شرح النصوص المقدسة للعهد القديم ، حتى لقد وصفه وصفه الكاتب اليهودي هرونيموس بلقب أفلاطون اليهود ، حاول فيلون أن يربط بين النصوص التوراتية التي تقوم على الوحي الإلهي والإيمان بالخالق الذي يهتم بالإنسان ، وبين الفلسفة الإغريقية الميتافيزيقية خاصة نظرية المثل عند أفلاطون .
لكن التأثير الأكبر الذي أضافه فيلون هو في إدخاله لمفهوم "اللوغوس" الفلسفي أو " الكلمة " إلى العقيدة المسيحية بعد ذلك ، كانت الكلمة عند اليهود تعني "الكلمة " أو " الحكمة " ، وفي شروحه للتوراة استفاد فيلون من أفلاطون والفلسفة الرواقية وهرقليطس والفيثاغورثية الجديدة في إعادة إنتاج مفهوم اللوغوس الفلسفي ، حيث يرى أن الكلمة (اللوغوس) تحتفظ بدرجة وسطى بين الإله وبين المخلوق ، واللوغوس عنده ليس أزلياً كالله ، كما أنه ليس فانياً كالمخلوقات ، لأنه مولود الله ، أو هو ابن الله ، أي أن اللوغوس صادر عن الله . واستفاد رجال المسيحية بعد ذلك من شروح فيلون لــ "اللوغوس" في شرح لاهوت المسيح ، ويمكن أن نتخيل أنه لولا شروح فيلون للعهد القديم ما كان لاهوت المسيح .. ويعلق (ويل ديورنت) على ذلك بالقول" إن ثمرة فلاح فيلون كان الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا" .
والفضل في ظهور المسيحية المفلسفة يعود إلى " كلمنت السكندري " ، والذي نظر للفلسفة والآداب الكلاسيكية نظرة احترام وتقدير بعكس باقي رجال المسيحية في عصره ، وتحمس لدراسة الفلسفة إلى جانب اللاهوت ، كان محباً للتراث اليوناني شديد الإعجاب بأفلاطون حتى لقد إعتبره مبشراً بالمسيح ! ، وشبه أولئك الذين ينفرون من دراسة الفلسفة ويخشونها باعتبارها شراً محضاً لا نفع فيه بـ (خوف الطفل من القناع) ، كان كلمنت السكندري يرى أن الفلسفة اليونانية " لم تكن فقط مجرد تمهيد للمسيحية ، بل هي عامل مهم في فهمها فهماً عقلانياً ، فالشخص الذي يؤمن فقط دون أن يفهم يمسي شأن الطفل إذا ما قورن بالرجل في تفكيره " . آمن كلمنت السكندري أنه لن يكتب للمسيحية الانتشار أو النجاح في الأوساط اليونانية إلا إذا خاطبت أولئك بثقافتهم ، ووجدت الكنيسة فيه مدافعا قوياً ضد الهجمات التي تتعرض لها المسيحية من جانب الوثنيين واليهود والغنوصيين ، حتى لقد سميت مدرسة الاسكندرية اللاهوتية بـ " مدرسة المدافعين " ، ويرى "شارويك" أن كلمنت قد ظهر في وقت لا تحسد عليه المسيحية بعد أن أوجدت الغنوصية فلسفة مشابهة .
كان الهدف من محاولة "كلمنت السكندري" للتوفيق بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية هو التوصل إلى مفهوم للإيمان الصحيح يقوم على العقل والحجة بما يُناسب ثقافة الأمم الأخرى ، وذلك لن يتأتى إلا بوضع المسيحية في لغة فلسفية هدفها البرهنة على أن العهد الجديد قد أكد على كل ما هو طيب في المدارس الفلسفية المختلفة ، وارتفع بها إلى مقام كريم .
كان لـ "كلمنت السكندري" تأثير كبير على تلميذه "أوريجن" زميل أفلوطين في مدرسة الأسكندرية الفلسفية ، والذي كان متعمقاً في الفلسفة ، متأثراً بأفلاطون على وجه خاص ، كان "أوريجن" على حد قول بوريفيري تلميذ أفلوطين { عالماً بالتفسيرات الرمزية المجازية للميثولوجيا الإغريقية، ومن ثم لم يجد صعوبة في تطبيق هذا المنهج في شرحه للكتاب المقدس وتفسيراته لنصوصه، مازجاً الأفكار الفلسفية اليونانية بخرافات غريبة ( يقصد التعاليم المسيحية) ، وأوريجن-والكلام لبورفيري- رغم ممارسته الحياة في نمط مسيحي مناف للقوانين الطبيعية إلا أنه في أفكاره عن الكون يبدو يونانياً } .
ولد " أوريجن" في الأسكندرية عام ( 184 م ) ، ورأس المدرسة السكندرية اللاهوتية في سن الثامنة عشر ، فسّر "أوريجن" الكتاب المقدس تفسيراً صوفياً مجازياً ، وذلك في محاولة تقديم المسيحية في قالب عقلاني في مواجهة الفكر الوثني الفلسفي ، وتأثر بالفكر اليوناني والفلسفة الأفلاطونية القائلة بأن الخلق المباشر مُحال ، واستفاد من مفهوم الفلسفة الرواقية وتفسيرات فيلون السكندري لـ (اللوغوس) ، مبتدعاً العلاقة بين الآب والإبن في مسألة اللألوهية السرمدية ، وبذلك يكون قد وضع أسس الإيمان الارثوذكثي بالثالوث المقدس ، وعلى أساس أفكاره قام الصراع اللاهوتي بين الكنائس حول طبيعة العلاقة بين الآب والإبن ، وانقسمت المسيحية إلى ثلاث مذاهب مختلفة .
كان المسيح بالنسبة لـ "أوريجن" هو الكلمة أو (اللوغوس) ، الوسيط بين الله والمخلوقات ، وبالـ "اللوغوس" خلقت كل المخلوقات ، ومن خلاله تعلم المسيحيون كيف يقيمون الصلاة للآب ، وقد ميّز "أوريجن" بين الآب والإبن ، فالمسيح (اللوغوس) ليس إلهاً حقاً ؛ إلا أنه يشارك في جوهر الآب ، وبينما توجد مشيئة واحدة للآب والإبن ، إلا أنهما حقيقتان مختلفتان ، ونفى أن تكون الكلمة أو المسيح قد خُلقت ، " لأن الإبن ولد ولم يخلق وولادته ليست في زمان بعينه ، وهو الواسطة بين الآب وسائر الخلائق، وهو الكاهن الأعظم بين الله والإنسان، هو الممثل لكل منهم لدى الأخر.
كان لأفكار وتفسيرات "أوريجن" تأثيراً كبيراً على العقيدة والفكر المسيحي لعدة قرون ، وشغلت الدوائر المسيحية والتجمعات الرهبانية ليس في مصر وحدها؛ بل في العالم المسيحي جميعه ، وعقدت بسببها المجامع الدينية لتتناول هذه الأفكار بالمناقشة والنقد والتحليل ، وانقسم المسيحيون حول أفكاره بين مؤيد ومعارض ، ويقر له الجميع من مؤيديه أو أعدائه بأنه أعظم مفكر عرفته الكنيسة المسيحية منذ أيام الرسل وحتى إنعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية (325 م )
ورغم أن "أفلوطين" المولود في أسيوط (205 م ) ليس مسيحياً ، إلا أن فلسفته كان لها تأثير كبير على العقيدة المسيحية ، حيث ظهرت الأفلاطونية المحدثة في نفس الوقت الذي كانت فيه العقيدة المسيحية تتشكل ( القرنين الثالث والرابع الميلادي ) وواجهت كلاً منهما تيارات واحدة ، وتمران بمراحل تكاد تكون متشابهة إلى حد كبير ، ومن ثم كان لابد أن تنفتح كلاً منهما على الأخرى ، تأخذ منها وتعطيها بحيث بات يصعب ليس فقط فصل ، بل تمييز إحداهما عن الأخرى ، كان أفلوطين فيلسوفاً عاش فيه أفلاطون حياة ثانية ، ويقول برترنارد راسل نقلاً عن العميد إنج{ إن الأفلاطونية جزء من البناء الحيوي للاهوت المسيحي ، فلن تجد فلسفة أخرى تستطيع أن تقترن بذلك اللاهوت دون أن يحدث بينهما تعارض، كما يستحيل استحالة مطلقة أن تفصل الأفلاطونية عن المسيحية دون أن تُمزق المسيحية تمزيقاً }
لم يكن للمسيحيين فلسفة خاصة بهم ؛ لذا كان من الطبيعي العودة إلى الفلسفة السائدة ، وكانت الافلاطونية المحدثة لها الرايدة آنذاك ، بحيث يمكن القول إن الأفكار الفلسفية عند آباء الكنيسة الأوائل كانت ذات صبغة أفلاطونية أو أفلاطونية محدثة . وقد استمرت هذه الأفكار الأفلاطونية تسيطر على الفكر المسيحي لعدة قرون ، ولم يميز الكتاب المسيحيون بين اللاهوت والفلسفة ، فلقد كان هدفهم تقديم الحكمة والعقيدة المسيحية في مفهوم أكثر شيوعاً ، بحيث يصعب تماماً على أي باحث أن يفصل بين المسيحية والفلسفة اليونانية . وكان لأفلوطين تأثيراً كبيراً على كبار مفكري المسيحية خاصة فكر القديس "أوغسطين" الذي طوع الافلاطونية المحدثة إلى المسيحية ، بل لقد طوع في كثير من الأحيان مسيحيته لأفلاطونيته .
ويتناول الفصل الثالث من الكتاب تفصيلاً الصراعات اللاهوتية بين الكنائس الثلاث الكبرى ( روما-الأسكندرية-القسطنطينية) ، بداية من معتقد آريوس ، ثم نسطوريوس ، وأخيراً بانفصال الكنيسة السكندرية عن كنيستي روما والقسطنطينية بعد مجمع خلقيدونية (451 م ) ، وهي خلافات عقيمة لعبت في إزكائها السياسة ورغبة كل كنيسة أن تنفرد بالزعامة الروحية للمسيحية ، كان الأباطرة يخشون إغضاب كنيسة الاسكندرية والتي كان لها تأثير كبير على المصريين خوفاً على حصة القمح التي تورد لروما كل عام ، وفي الصراعات بين الأباطرة ، كان من يكسب ود الأسكندرية وكنيستها له النصر في روما .
كذلك فقد استغلت الكنائس سلطة الإمبراطور في تغليب معتقد على آخر ، وكان من يكسب ود الإمبراطور لمعتقده له السيادة على الكنائس الأخرى ، بينما كان الأباطرة في رغبة لتوحيد العقيدة والكنائس المسيحية تحت سيطرتهم ولم يكن أغلبهم على وعي بالتفاصيل اللاهوتية المعقدة والنقاشات البيزنطية حول طبيعة المسيح . وكان مجمع إفسوس الثاني ( 449م ) واستخدام كنيسة الاسكندرية سلطةالإمبراطور "ثيودوسيوس الثاني" والذي كان يميل لكنيسة الاسكندرية في فرض الإيمان و المعتقد على الكنائس الأخرى ، وإذلال باقي الأساقفة من الكنائس الأخرى وما جرى به من ر��وة وإرهاب من قبل الرهبان المصريين بداية لتفسخ العقيدة المسيحية بعد ذلك ، فلم يمض عام إلا ومات الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ، وجاء مجمع خلقيدونية ليتم إذلال البطريك السكندري ، تحت حماية الامبراطور "مارقيانوس" ، لتنفصل كنيسة الأسكندرية نهائياً عن كنيستي روما والقسطنطينية ، ويخوض المصريون بعد ذلك معركة للدفاع عن استقلال كنيستهم في محاولات الأباطرة استعادة كنيسة الأسكندرية لسيطرتهم .
والملاحظ أن الأساقفة الذين هللوا للبطريك السكندري"ديوسقورس" في مجمع إفسوس (449 م ) هم نفسهم الذين انقلبوا عليه في خلقيدونية (451 م ) بعد عامين فقط، حين وجدوا في كل مر�� أن ذلك يوافق هوى الإمبراطور .
أما الفصل الرابع فيتناول ظهور الرهبانية في مصر وكيف انتشرت منها إلى باقي أنحاء العالم ، وكيف كان الرهبان يتدخلون لحماية معتقد الكنيسة وفي حماية البطريرك ، خاصة إثناسيوس .
والفصل الخامس عن العلاقة بين كنيسة الاسكندرية وكنيسة أثيوبيا ، أما الفصل السادس والأخير فهو عن أهمية مصر التاريخية اقتصادياً وسياسياً للإمبراطورية الرومانية .
كتاب ممتع فعلا اعتبرة دراسة بحثية ثرية المعلومات خاصة لمن يريد ان يقرأ في تاريخ المسيحية بشكل مختصر الكتاب يتحدث عن نشأت المسيحية وتاريخ انفصالها عن اليهودية والمراحل التي مرت بها عبر القرون وكيف اصبحت علي ماهي عليه الان وكيف ان الديانة المسيحيه تاثرت بشكل مباشر وكبير بالفلسفات اليونانية الاغريقية ذات المنشأ الوثني خصوصا في القرون الاولى بعد الميلاد بدأ الفصل الأول من الكتاب بتناول التيارات الفكرية التي كانت سائدة في العصر المسيحي المصري والتي قسمها الكاتب إلى ثلاثة تيارات أساسية وهي -السلفية الوثنية- -والتيار الفلسفي- وأخيرًا المسيحية المفلسفة ثم ناقش في نهاية الفصل تيار رابع أفرد له فيما بعد فصلًا كاملًا وهو التيار الرهباني ومن خلال هذا الفصل يتضح مدى الصراع الدائر ما بين هذه التيارات وكيف أثر كل تيار في الآخر.
وفي الفصل الثاني تناول الكاتب بالتفصيل نشأة مدرسة الأسكندرية اللاهوتية بادئًا بمكانة الأسكندرية الفكرية وتميزها على الجانب الغربي بسبب لسانها اليوناني الثري وتنوع المدارس الفلسفية كما تناول خلال هذا الفصل مدى تأثير الفلسفة على الفكر المسيحي سواء فلسفة أفلاطونية والتي تأثرت بها الأسكندرية من ناحية التفسير المجازي للنصوص وعدم الإلتزام بظاهر النص أو فلسفة أرسطو التي تركز على ظاهر النص والنتي تأثرت بها أنطاكية وأهم الفلاسفة الذين أعتنقوا المسيحية وكان لهم دورًا في العقيدة المسيحية مثل كلمنت وأوريجن صاحب الفكر الذي أثر في المسيحية تأثيرًا عميقًا والذي بنى اللاحثقون عليه أفكارهم وتصوراتهم اللاهوتية حتى أنه في بعض الأحيان كان الفريقان المتنازعان يزعمان أنهم يتبعون نفس الفكر الأوريجيني وقد أفرد الكاتب مساحة كبيرة جدًا لأوريجن وأفكاره لما كان لها من دور بارز في فترة الخلاف العقدي الذي حدث في القرن الرابع.
ثم يأتي الفصل الثالث "مصر والمسيحية" وهو الأهم في وجهة نظري فخلال هذا الفصل تم التعرض للخلافات حدثت على طبيعة المسيح ومكانته من الأقانيم الثلاثة والدور المصري في هذه الخلافات والتي استمرت طوال القرنين الرابع والخامس الميلادي بدءًا من آراء آريوس ومجمع النيقية ونشأة مصطلحات الهوموسية والهوميوسية والهوموية والأنومية والدور العظيم الذي قام به الأسقف السكندري أثناسيوس في دفاعه عن المعتقد المسيحي الأرثوذكسي مرورًا بمجمعي إفسوس الأول والثاني اللذان كانا نتيجة لأفكار اسقف القسطنطينية نسطور والقائل بأن المسيح ليس له طبيعة واحد ولكن طبيعتان متمايزاتان غير منفصلتان وأن العذراء ليست أم الإله ولكنها أم المسيح البشر ونهاية بمجمع خلقيدونية الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت إلى إنقسام المسيحية إلى خلقيدونية قائلة بطبعتين في المسيح ولاخلقيدونية "مونوفيزية" القائلة بطبيعة واحدة. وفي الفصل الرابع تناول الكاتب نشأة "الرهبانية" والتي كانت فكرة مصرية خالصة متناولًا الشخصيات التي كانت سببًا في نشأة الرهبانية (بولس أولًا ثم أنطونيوس ويليهم باخوميوس مؤسس التجمعات الديرية) والأسباب التي أدت إلى نشأتها والدور الكبير الذي لعبه الرهبان في مواجهة الأباطرة المتعاقبين والدور الذي لعبوه في المجامع المسكونية وحمايتهم لأثناسيوس المدافع الأول عن النيقية والأسقف المطارد من قبل الأباطرة الآريوسيين.
وفي الفصل الخامس تحدث عن "الأسكندرية والكنيسة الأثيوبية" وتفاصيل نشأة الكنيسة الأثيوبية على يد الكنيسة السكندرية وترسيم أسقفها فلومنتيوس (السوري الأصل والساعي الأول لتأسيس كنيسة أثيوبية) على يد أسقف الأسكندرية وتبعية الكنبيسة الأثيوبية للكنيسة السكندرية والتي ظلت مسئولة عن تعيين أسقفها حتى خمسينيات القرن العشرين ودور الكنيسة الأثيوبية في الدفاع عن مسيحيي اليمن الذين تم التنكيل بهم في القرن السادس الميلادي على يد أبي نواس الحميري مما أدى إلى قدوم أبرهة الحبشي وإستقلاله باليمن بعيدًا عن أثيوبيا ومصر.
وفي الفصل السادس تناول الكاتب علاقة مصر بالعرش البيزنطي والتي من الواضح أنها كانت علاقة مضطربة تعرض خلالها المصريون للإضطهاد والتنكيل من قبل الأباطرة بسبب الخلاف العقدي ما بين القسطنطينية والأسكندرية ومع ذلك ظلت مصر مهمة للأباطرة المتعاقبين بسبب أهميتها السياسية والإقتصادية وقوة مدرستها السكندرية اللاهوتية حيث كانت تُعد مصر بمثابة قبو الحنطة والمزرعة للإمبراطورية .
كتاب مميز ومقدمة جيدة الفترة الممتدة بين دخول المسيحية لمصر حتى دخول عمرو ابن العاص لمصر، يتناول كل الجوانب الخاصة بالديانة المسيحية والخلافات التي حدثت بين الكنائس حول طبيعة المسيح، هذه الخلافات التي أخذت الشطر الأكبر من الكتاب لعبت دور سياسي هام، وكان يتحكم فيها في بعض الأحيان الامبراطور ارضاءاً لشخص معين أو لسياسة مهينة. ولكن الجزء المميز من وجهة نظري هو الفصل الذي يتناول الرهبنه، ونضال الرهبان لحماية عقيدتهم وفكرهم حول طبيعة المسيح بل والالتفاف حول أسقف الأسكندرية لحمايته من الامبراطور .
عمل ضخم ورائع .. وفرصه ذهبيه انه نازل فى الهيئة فقط ب5 جنيهات .. بعد قرائتى لعده كتب ليوسف زيدان خصوصا عزازيل والاهوت العربى .. اكتشفت مدى تأثير الدكتور رأفت فى يوسف زيدان .. كل كتابات يوسف زيدان عن المسيحية تدور فى نفس فلك هذا الكتاب سواء كمعلومات او كاسلوب كتابى . . عامة كتاب رائع
اللي عايز يفهم اكتر عن مصر في فترة دخول المسيحية والصراع الفكري والسياسي والديني وقتها و عن عصر الهرطقات والظروف السياسية يقرا الكتاب ده لأن الفترة دي شبه مهملة تماماً في الحديث عنها