يضم هذا الكتاب ستا وعشرين دراسة شائقة لشخصيات لعب معظمها دورا هاما فى حياة المؤلف على مدى أكثر من سبعين عاما.
وقد التزم حسين أحمد أمين فى حديثه عنها بأمرين: الأول: أن يكون الحديث قاصرا فى معظمه على ما خبره بنفسه منها وعاينه، دون ما سمعه عنهاأو قرأه. والثانى: هو بيت الشاعر الإنجليزى تشوس الوارد فى "حكايات من كانتربرى": ما كل الأوانى فى قصر الأمير مصنوع من الذهب أو الفضه فالصورة يوردها بغضونها وتجاعيدها، بمحاسنها ومساوئها.
الدبلوماسى المخضرم، والكاتب الإسلامى المعروف، وابن العلامة الراحل الأستاذ «أحمد أمين» صاحب «فجر الإسلام وضحاه» وشقيقه الأصغر هو أستاذ الاقتصاد اللامع فى «الجامعة الأمريكية» الدكتور «جلال أمين»
كتاب عبقري في الوصف واختيار ما يروى واستخلاص ما فيها من عبر
تكلم فيها عن : زكي نجيب محمود - يوسف شاهين - عبد الرحمن بدوي- محمود مرسي - عباس العقاد - طه حسين - أبيه أحمد أمين - حسن البنا - سيد قطب - صافي ناز كاظم - السادات - وأخرون
ينصح بقراءة كتب أخرى لحسين أحمد أمين قبل قراءته
لقد توفي الفذ حسين أحمد أمين عام 2014 وقد رثيته بهذا المقال:ـ
الأسلوب اللغوي لحسين أمين كالعادة في مستوى تاني..بس الأهم هي طريقته في تناول الشخصيات إللي بيحكي عنها في الكتاب دون تضخيم ومبالغة في ذاتهم أو الإساءة لمن اختلف معهم. سرد لا تنقصه الصراحة حتى في نقل بعض ما قاله أشخاص قابلهم في حياته سلبًا عن والده. استمتعت بوصفه الرهيب لمعضلة وعبقرية شخصية صافيناز كاظم وتحليله لشخصية أسامة الباز بشكل أخص. حقيقي كانت قراءة ممتعة لكتاب مهم كان أكبر كتير من توقعاتي عند بدء قراءته.
شعور غريب، أحببت الكتاب ولم أحب المؤلف! رغم أن هذا الكتاب هو أوّل (وإن شاء الله: آخر) كتاب اقرأه له، وأما المؤلف فهو ابن أحمد أمين، صاحب فجر وضحى وظهر الإسلام، وأما تلك الشخصيات التي عرفها فهي طائفة واسعة جميلة من الاسماء، منهم العقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين ومحمود شاكر وعبد الرحمن بدوي وغيرهم، وحديثه عنهم جميعًا جميل ومثير للاهتمام للغاية، ولا سيما فصل أبو فهر "محمود شاكر" الذي يُقرأ ألف مرة دون ملل، فقد زاره بصحبه عميد الناشرين محمد المعلّم، ثم: هل لي أن اسألك عن علاقتك بوالدي كيف كانت؟
ابتسم ابتسامة خبيثة ثم قال: فوّت!
لا يا أستاذ شاكر، لن أفوّت
لم أكن أحبه
- لحظة صمت –
ولِمَ؟
ما كل هذه الأسئلة المحرجة؟ تريد أن تعرف لماذا لم أكن أحبه؟ حسنًا، لم أكن أحبه لأنه كان رجلاً خبيثًا داهية
لم يكن ثمة رجل أطيب قلبًا ولا أبسط من أبي!
وانفجر شاكر ضاحكًا ولدهشتي البالغة إذا بمحمد المعلّم هو أيضًا يشاركه الضحك لقولي إن أبي كان طيب القلب .. قال المعلّم: لا تؤاخذني يا حسين بك، ولكن المرحوم الدكتور أحمد أمين لم يكن طيب القلب على الإطلاق، ولا كان رجلاً بسيطًا
كيف؟! كيف؟!
وهنا أجابه أبو فهر إجابة مسهبة نقد فيها المذهب الذي اتخذه أحمد أمين في كتابه سلسلة تاريخه للإسلام ووقوعه في فخّ المستشرقين الذي أذعن لآرائهم دون وازع أثناء كتابته لتاريخ دينه
وأما لماذا لم أحب المؤلف، فهذا سببه تلك الصفحات التي تحدث فيها عن سيرته المهنية في الإذاعة والمقالات الإسلامية التي كان يكتبها في مجلة أكتوبر، والتي خلالها شعرت بشيء بل بأشياء غير مريحة بشأنها حرّكت اتجاهًا سلبيًا ضده مع أني كنت مهيّأ لأن أحبه بسبب جمال حديثه السابق عن الشخصيات
اول تجربه مع الكاتب بعتبرها مش بطاله ,طلعت بتجربه الكاتب مع شخصيات ادبية وسياسية ليها ثقلها زي تجربته مع العقاد والسادات وزكي نجيب محمود وحسن البنا وكل واحده كان ليها مميزات وعيوب ميعرفهاش غير الي عاصرهم وقعد معاهم
كتاب اكثر من رائع، أجمل ما في الكتاب ان حسين احمد امين مش بيحكم على الشخصيات اللي بيتكلم عنها غير قليل جدا لكن الاساس هو انة بيحكي عن مواقف و حوارات دارت بينة و بين شخصيات الكتاب يعني مش بيتكلم عن الشخصيات دي بناء على مواقفهم العامة مثلا لا هو مجرد بيسرد مواقف و محاورات ذات مغزى كانت بينة و بين شخصيات الكتاب. في رايي اهم الشخصيات كانوا: 1- أحمد أمين -2- الشيخ مصطفى عبد الرازق-3- سيد قطب -4- الشيخ حسن البنا -5- ابراهيم باشا عبد الهادي -6- عباس محمود العقاد -7- حسن الكرمي و صباح محيي الدين -8- محمود مرسي -9- أنور السادات -10- رجاء النقاش -11- محمد محمود شاكر -12- ارنولد هوتينجر -13- فرج فودة -14- صافي ناز كاظم -15- قصة خضرة
يمكن أجمل ما في الكتاب ابتعاد المؤلف حسين أمين عن تقديم صورة مثالية أو جامدة خالية من الروح للشخصيات اللي اتكلم عنها ،بل كان حريص على تقديم الصورة واقعية وبشرية تنبض بالحياة، بكل محاسنها وعيوبها كما خَبَرها وعايشها بنفسه-حتى لو الكلام ده عن والده-،وايراد تفاصيل صغيرة في بعض المواضع ممكن تبان ملهاش لازمة لكنها من أهم عناصر حيوية نصوص الكتاب ، وده في نظري هو سر حلاوة الكتاب اللي ممكن تقرا صفحاته ال225 في جلسة واحدة بدون أي شعور بالملل. أكتر فصول عجبتني في الكتاب كانت فصول : أحمد أمين ،زكي نجيب محمود ، إبراهيم عبدالهادي ، محمود شاكر ، فرج فودة ،يوسف شاهين،صافي ناز كاظم
عند قراءاتك لهذا الكتاب حاول ألا يكون هدفك التعرف علي الشخصيات التي تحدث عنها الكاتب فحسب،ولكن التعرف أيضاً علي شخصية المؤلف حسين أحمد أمين (الليبرالية /العلمانية) فهذا واضح في عدة مواقف له مع تلك الشخصيات وعملية استشفافها يسيرة بالنسبة للقراء الحصيف المتمكن، فقد عرفني المؤلف بذاته -وهو الذي لم يتكلم بصيغة الأنا علي مدار مادة الكتاب - مثلما عرفني علي العديد من الشخصيات سواء شخصية أدبية، فنيه، سياسيه، دبلوماسية. كتاب جدير بالقراءة، ودائماً حسين وجلال أمين لا يخيبان ظنك في أسلوبهم القصصي والأدبي الفخم، وكما يقولون "ابن الوز عوام".
قلت في مستهل مقالي إني سأُورِد الوقائع دون تعليق.. غير أني أختمه بتساؤل واحد: هذه الموهبة المصرية التي شاء الحظ أن يلتقطها وأن يجلوها، هل هناك المئات أو الآلاف أو عشرات الآلاف من أمثالها في ريف مصر، وغير ريفها، مما يرزح في أغلال الجهالة والأحوال الاجتماعية المُتردِّية، وتأبَى الظلمات له أن يظهر نوره، وينتظر اليوم الذي تمتدُّ يد الحَظِّ إليه أيضًا لتأخذ بيده؟ فإن كانت الإجابة بالإيجاب، فعلى عاتق مَنْ تقع مسئولية هذه الخسارة المفجعة وهذا الإهدار لثروة مصر؟ ❝
This entire review has been hidden because of spoilers.
الكتاب اكتر من راائع في جوانب عدة لغة سلسة ممتعة تناول لشخصيات واسماء كبيرة بصورة بشرية طبيعية فرأيناهم بصفاتهم الانسانية الطبيعية في بعض تعاملاتهم اليومية النقاشات التي رواها الكاتب بينهم وبين الشخصيات المختارة أوضحت اختلاف هائل في الافكار ويحسب للكاتب عرضه هذه الافكار كماهي دون ان يخاول ان يؤثر في القاريء لي فع لاتخاذ موقف مساند لرأيه هو بالعكس في أماكن كثيرة في الكتاب كان رأي الشخصية حضوره ومنطقه أقوى من رأي حسين أمين كلقائه مع محمود شاكر رحم الله الجميع
تروقني هذه الكتب وأضرابها؛ لأن نفسي معلقة بهذه الحقبة التاريخية الباذخة، وإن كنت اليوم في منتصف القرن الحادي والعشرين لكأني بين ظهراني هؤلاء الأدباء الأفذاذ وأنا أحد صحبهم وحاضر ناديهم، سقى الله تلك الأيام، ورحم الله تلكم الأفهام.
وإن كنت سأقول شيئًا فإن ابن أحمد أمين سلخ أبا فهرٍ وشواه، وظني أنه ما أبعد النجعة فيما ذهب إليه!!
أما ختام الكتاب بخضرة فختام جميل، وشخصية يجب الوقوف عندها طويلًا
أول مرة أقرأ لحسين أمين.. مع العلم أنني قرأت أكثر مؤلفات والده أحمد أمين وأخيه جلال أمين.. أسلوبه جميل وأقرب لكشف علاقات وقصص شخصية حصلت له مع شخصيات لا يمكن تجاهل تأثيرها على المشهد المصري والعربي بشكل عام.. استمتعت بقراءته وأتمنى أن أقرأ أكثر للكاتب..
حسين أحمد أمين موهوب حقيقي في الوصف …يشعرك أنك تشاهد فيلم سينمائي لا يغفل اى تفصيلة ..لم اتفاجىء بحديثه عن سيد قطب و حسن البنا و ان كان الحديث عن زكي نجيب محمود و محمود شاكر والعقاد فاجأني بشدة ..
كتاب عظيم من كاتب بارع و ابن كاتب كبير و أخو كاتب عبقرى. أسلوب رائع و مواضيع متنوعة و شيقة، ثقافة عالية و إلقاء الضوء على شخصيات عظيمة ما كنا نعرفها بأسلوب سلس يجرى فى رشاقة و خفة.
لم أستطع الحصول على هذا الكتاب وأجزم أنه كتاب رائع أتمنى لو يتم توفيره على النت خاصة أنه لايتوفر ورقيا. هذه أحد فصول الكتاب عن صافي ناز كاظم :
لأناتول فرانس قصه قصيره تنزل فيها جماعه من الرهبان من ديرها بالصحراء إلى أقرب بلده منه ؛ فيشاهدون فى سوقها أحد الحواه وقد احتشد الناس حوله يرقبونه و هو يتجرّع الجاز ثم يخرج من فمه ألسنة النار ؛ و يقف على رأسه ثم يلقى فى الهواء بيده اليمنى خنجرا إثر خنجر يلتقطه باليد اليسرى فى حركه دائريه سريعه خارقه.
و إذ ينتهى العرض الرائع و يتهيّأ الحاوى للانصراف ؛ يقترب أحد الرهبان منه و يدخل فى حديث معه ليقنعه بتفاهة شأن أعمال الحواه ؛ و بأن الله إنّما خلق الإنسان لعبادته لا لقضاء عمره فى الوقوف على رأسه و إخراج النار من فمه و بأنه لا سبيل أمامه للنجاه بروحه إلاّ إن هو سلك طريق الرهبان و انضم إلى جماعتهم فى ديرهم يصلّون و يتدارسون و يتعبّدون. و يقتنع الحاوى بحديث الراهب فيبدى أسفه و يذرف دموع الندم ثم يمضى معه من فوره إلى الدير فيلبس زىّ الرهبان و يتبنّى أسلوب حياتهم و يصلى صلاتهم و يصوم صومهم و يتعهّدونه بالرعايه و التوجيه و الإرشاد.
و يبدو الرجل لشهرين أو ثلاثه سعيدا بحياته الجديده. غير أنه بمضىّ الأيام يلاحظ الرهبان أنّه قد بدأ يفقد شهيته للطعام و أن ذهنه يشرد أثناء تلاوة الصلوات و أن جسمه قد نحل وبدت على سحنته علامات الحزن و الاكتئاب. فما حلّ الشهر الخامس حتى بدأ يتجنب صحبتهم و يطيل من ساعات انفراده بزنزانته ؛ لا يشاركهم العباده إلا فى القليل النادر فإن فعل فقلبه ليس وراء لسانه و ذهنه شارد فى ملكوت غير ملكوت السماء. ثم إذا بالرجل يعتكف نهائيا فى حجرته لا يفارقها ؛ فيضطر الرهبان أن يأتوا إليه كل يوم بطعامه يتركونه خارج الباب فلا يفتح بابه ليأخذه إلا حين يأوى رفاقه ليلا إلى مخادعهم للنوم.
و يستبد حب الاستطلاع بالرهبان فيقررون التجسس عليه ليروا ما يفعله الرجل فى خلوته. و إذ يقتربون من بابه على أطراف أصابع القدم و ينحنى أحدهم عند ثقب المفتاح لينظر إلى داخل الزنزانه منه إذا به يرى الرجل و قد وقف على رأسه أمام أيقونة للعذراء و المسيح الطفل يلقى فى الهواء بالخناجر سراعا ثم يلتقطها بخفّه و قد قاده اعتقاده إلى أن خير سبل العباده هو استخدام مواهبه الفريده ؛ فأراد أن يُدخِل السرور على قلب العذراء و المسيح بأعمال الحواه التى مهر فيها !
تقفز هذه القصه التى قرأتها منذ عشرات السنين إلى ذهنى كلّما قارنت بين كتابات صافى ناز كاظم فى الإسلاميات و كتاباتها فى غير الإسلاميات. هذه المرأه الموهوبه الفذّه ؛ لا فى مجال النقد المسرحى و السينمائى و الأدبى فحسب ؛ ولا فى ميدان الكتابه وحده ؛ بل و فى محاكاتها البديعه للشخصيات التى تعرفها ؛ من صوت و حركات و مسلك ؛ بحيث تنفذ بك خلال ثوان قليله من هذه المحاكاه إلى أعمق أغوار الشخصيه التى تقلّدها ؛ و إلى حقيقة جوهرها و لبّ موقفها من الحياه .. هذه المرأه التى لا تستمع إلى غنائها إلاّ و آمنت بأنّه كان بوسعها أن تصبح من أبرز المغنيات ؛ و لا تجلس منصتا إلى حديثها إلاّ أثارت من الضحك ما تدمع له عيناك ؛ أو تمسك بطنك بكلتا يديك .. هذه المرأه التى تحدّث يوما "مصطفى نبيل" رئيس تحرير مجلّة "الهلال" إلىّ و إلى أخى "جلال" فقال :
" كلّكم ؛ كلّكم يا معشر كُتّاب مجلّة "الهلال" أستطيع أن أخمّن من خلال عناوين مقالاتكم -ومن قبل أن أقرأها- ما ستكتبونه فيها ؛ إلاّ صافى ناز كاظم ؛ ليس بمقدورى أبدا أن أخمن ما ستقول!" ..
هذه المرأه الفريده ؛ و هذه الفنانه من قمّة رأسها إلى إخمص قدميها ؛ نسيج وحدها ؛ تلك التى خلقت الرعب بمقالاتها النقديه فى قلوب الجميع فأضحوا يعملون ألف حساب لها خشية الوقوع فى براثنها ؛ أو أن تصيبهم لسعه من لسانها. هذه المرأه ؛ كيف تسنّى لها مع قوّة قريحتها أن تضلّ الطريق على ذلك النحو الذى لمسناه فى قصّة "أناتول فرانس" ؛ فتحسب أن كتاباتها الضحله فى الإسلام ؛ و مجادلاتها المتعثره حوله ؛ و أحاديثها الغثّه فيه ؛ هى أهم ما سيبقى لها فى الرصيد الختامى لصاحبها ؛ و أنّها إنّما حققت ذاتها ووجدت نفسها حين ارتدت الحجاب ؛ و أبت أن تصافح الرجال ..
ثمة مع ذلك ما يشفع لها. فقد وقع فى مثل هذا الوهم الكثيرون من الكُتّاب قبلها ؛ و سيقع فيه الكثيرون بعدها .. لن أذكر "تولستوى" الذى تحوّل بعد كتابته لرائعتيه "الحرب و السلام" و "أنا كارنينا" إلى الكتابه الدينيه. فقد بقيت موهبته بعد هذا التحوّل قائمه ساطعه فى كل ما يكتبه من روايات و قصص و مقالات و كتب تتّخذ من الدين قاعده أساسيه لها .. و لن أذكر "باسكال" الذى نعى عليه "نيتشه" تحوّله عن الرياضيات التى نبغ فيها و أوصلته إلى اختراع أول شكل من أشكال الكمبيوتر ؛ إلى الكتابه فى الدين. فقد خلّف لنا فى كتابيه الدينيين الأخيرين "الرسائل" و "الأفكار" أثمن دُرّه فى عقد الأدب الفرنسى .. غير أنّى سأذكر "بنجامان كونستان" الذى قضى عشرات السنين فى تأليف كتابه عن تاريخ المسيحيه ؛ ظانا أنّه بكتابته قد ضمن لنفسه مكانه خالده فى تاريخ الفكر ؛ فلم يعد الكتاب يُطبع أو يٌقرأ فى يومنا هذا ؛ و إنّما يذكر الناس مؤلفه بفضل روايته القصيره الرائعه "أدولف" التى لم يستغرق تأليفه إيّاها غير خمسة عشر يوما ؛ كتبها على سبيل التسليه ولملء أوقات فراغه ؛ ولم يكن هو نفسه يرى فيها أىّ فضل يؤهلها للنجاح !
قد نسيت صافى ناز كاظم قولة علىّ بن أبى طالب "قيمة كل امرئ ما يُحسن" .. و ما كنّا ننعى عليها كتاباتها الإسلاميه لو أنّها كانت متمكنه من موضوعها تمكّنها من النقد و الكتابه الأدبيه .. ولا نحن بمطالبين الشيخ "يوسف القرضاوى" مثلا أو بناصحيه بالتحوّل عن الكتابه الإسلاميه إلى النقد المسرحى .. غير أن قلّة حصيلة صافى ناز كاظم من المعارف الدينيه ؛ و تكرّر وقوعها فى أخطاء تاريخيه و فقهيه لا يقع فيها غير عوام الناس ؛ و اعتمادها فى تلقّى الكثير من تلك المعارف على الغثّ من الكتب الدينيه الحديثه ؛ و إذ أُفاجأ عند زيارتى لها فى بيتها بخلوّ مكتبتها الخاصّه من معظم أمّهات الكتب الإسلاميه ؛ و كأنّما أدلف إلى ورشة نجّار فلا أرى فيها من معدّات حرفته غير منشار قديم تآكلت أسنانه بفعل الصدأ ؛ كل ذلك يدفعنى دفعا إلى التحسّر إذ أجدها تخوض فيما لا شأن لها به ؛ بل و تفضله على ما هى فريده فى بابه ! كانت ضآلة حصيلتها من المعارف الدينيه هى سبب هزيمتها المُنكَره فى جدالها على الهواء مع النائبه الأردنيه "توجان الفيصل" فى برنامج تليفزيونى خليجى أذيع على الهواء ؛ و شاهد الجمهور فيه صافيناز و هى تغادر الاستوديو فجأه غ��ضبه لاعنه ؛ و المذيع يحاول عبثا أن يثنيها عن عزمها ؛ فتتذرّع بحجّة أن "توجان" جاوزت حدود الأدب ! وبوسعى أن أذكر لها لو أنها أصرّت على طول باعها فى الإسلاميات قصة إسحق الموصلى إذ دخل مجلس القاضى يحيى بن أكثم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ؛ ثم تكلم فى الفقه فأحسن ؛ و تكلم فى الشعر و اللغه ففاق من حضر. ثم سأل القاضى : أفى شئ ممّا ناظرت فيه نقص أو مطعن؟ قال : لا. قال إسحق : فما بالى أقوم بسائر هذه العلوم قيام أهلها ؛ و أُنسَب إلى فن واحد ؛ هو الغناء ؛ قد اقتصر الناس عليه؟ قال القاضى : يا أبا محمد ؛ هل أنت كالفرّاء و الأخفش فى النحو؟ قال : لا. قال : فأنت فى اللغه ومعرفة الشعر كالأصمعى و أبى عبيده؟ قال : لا. قال : فأنت فى علم الكلام كأبى الهذيل العلاّف؟ قال : لا. قال : فأنت فى قول الشعر كأبى العتاهيه و أبو نواس؟ قال : لا. قال : من هنا نُسِبت إلى ما نُسِبت إليه ؛ لأنّه لا نظير لك فى الغناء ؛ و أنت فى غيره دون رؤساء أهله ! ليس هذا فحسب. بل إنّه حتى فى الميدان الذى تقدم لنا فيه رائعه إثر رائعه ؛ و دُرّه تلو دُرّه ؛ تجد مواقفها الدينيه تنعكس أحيانا على نقدها فتحول بينها و بين الرؤيه الواضحه ؛ و تحجب عنها مواطن القوه فى العمل الفنّى ؛ لا لشئ إلاّ لما تلمسه من المؤلّف من موقف فكرى أو دينى أو أخلاقى يختلف عن موقفها .. فهى تصرخ مندّده بمسرحية "سعد الله ونوس" العظيمه "طقوس الإشارات و التحوّلات" بسبب تعاطفه مع شخصيه ثانويه لديها شذوذ جنسى. أو تخسف الأرض برواية "سناء بكر" الرائعه "البشمورى" بسبب تعاطفها مع أقباط "مصر" إبان محنتهم فى عصر الخليفه المسلم "المأمون". و ترد إلىّ غاضبه مسرحيتى "الإمام" عن الإمام على بن أبى طالب إذ تلمس فيها انحيازا إلى جانب "معاويه" الذى تمقته .. فهى نادرا ما تصبر على اختلاف معها فى الرأى .. و قد انعكس هذا أيضا على علاقاتها بالكثيرين ؛ حتى بات من المألوف لكل من جلس معها أن يسمعها تلعن هذا و تندّد بذاك ؛ و أن يراها تسخر من "عمرو" أو تقلّد "زيدا" تثليدا يثير الضحك منه و الازدراء له .. وهو أمر دفعنى مرّه إلى أن أروى لها قصّه وردت فى رواية "كانديد" لفولتير ؛ عن كيف انبهر "كانديد" أثناء زيارته مع أستاذه "بانجلوس" لأحد المشاهير ؛ إذ يسمع الضيف طعنا فى كل ما يرد و من يرد ذكره فى الحديث ؛ فإذا هو يهتف بعد خروجه فى إعجاب : ما أعظمه من فيلسوف ! ما من شئ يعجبه أو يرضى عنه ! فأجابه "بانجلوس" بقوله :"لا يا صديقى. أقوى المعدات ما تهضم كل ما دخل إليها لا ما تلفظ كل لقمه تصلها"!
ثمّة استثناءات بطبيعة الحال تتعلّق بمن تخالفهم فى الرأى ؛ أو تمقت مواقفهم الفكريه. و قد كنت لحسن حظى من بين هذه الاستثناءات. فعلاقتى بها منذ عرّفتنى زوجتى بها -وكانت زميله لها فى دار الهلال هى علاقة صداقه حميمه ؛ بل هى من أعزّ الناس علىّ ؛ لا أتخيّل الكون خاليا منها ؛ أو أتصوّر خلقه فى غنى عن تألّقها و ألمعيتها .. وقد يرجع جانب كبير من فضل استمرار صداقتنا هذه إلىّ لا إليها. ذلك أنّها كثيرا ما هاجمتنى و تهاجمنى فى المجلات و الصحف ؛ و تسفّه كتاباتى و أفكارى .. و تتناول طعام العشاء عندى يوما أو أتناول طعام العشاء عندها ثم تكتب المقال اللاذع ضدّى فى اليوم التالى. فما كنت لأبحث فى مقالاتها تلك إلاّ عن جانبها الفنّى ؛ أو ألقى اهتماما إلاّ إلى روعة التعبير فيها. فإذا بى كثيرا ما أجدنى أتّصل بها تليفونيا لأهنئها على توفيقها فى سبابها لى ؛ فترد بقولها و هى تضحك :
موش كده بذمّتك؟ موش بذمّتك مسحت بيك الأرض ؟!
تُهدى إلىّ أحد كتبها الضحله فى الإسلاميات فتكتب فى إهدائها :"إلى ابن عمّى حسين أحمد أمين. و الهدف الرئيسى من إهدائه إليك إغاظتك. فإذا تمّ المراد ؛ تمّ الهناء ؛ و إذا أعجبك الكلام ؛ أمرى إلى الله!" و نقابل معا فى حفل بدار الأوبرا الدكتور "سعد الدين ابراهيم" فتفاجئه بقولها :
"حسين أمين باكره أفكاره بس ماباكرهوش هوّه .. إنّما انت باكرهك و أكره أفكارك ومابطيقش أشوف وشّك!"
ثمّ تنهال عليه بسباب غليظ يدفع ابنتها "نوّاره" إلى الابتعاد سريعا عن مكاننا و هى تلطم خدّيها فى انزعاج شديد .. أو ها هى ذى -قبل طلاقها من الشاعر أحمد فؤاد نجم- تستوقفنى و زوجتى أمام دار الهلال لتنقل إلينا خبرا هاما :"اسكتوا !! موش نجم استحمى امبارح و اكتشفنا بعد ما استحمى و غسل وشّه إن عنده حسنه فى خدّه اليمين!". و قد كان خليقا بها مع كل هذه الحريه التى تسمح بها لنفسها فى التعبير عما فى صدرها من كراهيه أو نقد أو سخريه تجاه الآخرين ؛ أن تسمح للآخرين ولو بقدر بسيط من مثل هذه الحريه تجاهها .. غير أن الحال هو بخلاف ذلك. فهى بقدر ما تطرب لثناء الناس عليها و على ما تكتبه ؛ تستشيط غضبا من أى انتقاد لها أو مساس بها .. وقد هالنى أن أسمع من مصدر موثوق به أنّها انفجرت فى البكاء حين قرأت هجوما عليها بقلم "فريده النقّاش" فى صحيفة "الدستور" ؛ فى نفس العدد من الجريده الذى نشرت فيه صافى ناز هجوما عنيفا علىّ ! توقّع الناس ممّن يقرأون هجومها علىّ ولا يعرفون أنّنا صديقان حميمان ؛ أنّى أحمل لها كراهيه عميقه. فكانوا لا يتحرّجون من سبّها فى حضرتى ؛ مطمئنين إلى أنّى سأتعاطف معهم. فعل ذلك كل من الدكتور "مراد وهبه" و الدكتور "منى أبو سنّه" أثناء رحله لثلاثتنا إلى "تونس" فى "فبراير" 99 فلمّا رأيانى أضحك و أنبرى للدفاع عنها و أمتدحها ؛ اعترتهما الدهشه و بُهِتا ؛ و قطعا حديثهما عنها على نحو اضطرّنى لتفسير موقفى: قلت مجيبا على وصف الدكتور "مراد" لها بالأصوليه المتعصبه:
-إن من بين المعانى التى تنطوى عليها الأصوليه رفض الآخر. وهى تمقت أفكارى ولا ترفضنى .. ومن بين المعانى التى ينطوى عليها التعصب الدينى نفور من أتباع الديانات الأخرى .. وثمة أقباط كثيرون أعرفهم تعتبرهم من أعز أصدقائها و أقرب الناس إليها؛ سرّها عندهم و عندها سرّهم .. و هى أبسط الناس فى عاداتها و أسلوب عيشها. تعيش مع ابنتها "نوّاره" وهى محجبه مثلها ؛ فى مسكن متواضع نجحت مع ذلك فى إضفاء طابعها الشخصى عليه ؛ و ملأته بما يُحيى فى نفسها ذكريات الماضى ؛ فأضحى أشبه ما يكون بمتحف روحى .. لا تمتلك سياره. بل ولا تمتلك إلاّ ما يكفى لسدّ رمقها. وهى مع ذلك تأبى أن تضطرها الحاجه إلى التفريط فى استقلالها الفكرى بتملّق السلطه أو بيع القلم. فإن أتتها مكافأه كبيره على كتاب أو مقال ؛ سارعت بشراء تذكرتين لها و ابنتها بأربعمائة جنيه لحضور التمثيليه اللبنانيه "آخر أيّام سقراط" .. بها الكثير من طبائع الأطفال ؛ و سرعة تقلّب مشاعرهم. فهى تصبّ فى مقالاتها ألذع الهجاء لجابر عصفور مثلا ؛ فإن هو رحّب باقتراحها إقامة احتفال بذكرى خالها العزيز "محمد فريد أبو حديد" ؛ تحوّل موقفها منه مائه و ثمانين درجه ؛ و صارت تمتدحه لنا و كأننا فاقدو الذاكره. وهى تكيل الثناء كيلا على مطلّقها أحمد فؤاد نجم فى كل مناسبه ؛ وتنشدنا فى جلساتنا أشعاره و كأننا لم نقرأها عشرات المرّات .. فإن دعانا أخى "جلال" إلى حفل تكريم فى داره لنجم و الشيخ إمام ؛ اعتذرت هى عن الحضور و أرسلت "نوّاره" نيابة عنها ؛ مع توصيتها الحارّه لها بألاّ تسمح لأبيها بأن يكثر من الشراب.
خلاصة القول أنّها كاتبه لا يماثلها كاتب ؛ و امرأه لا تشابهها امرأه. متعبه فى جميع الحالات. غير أنّها كفيله بمجرد وجودها أن تشيع فى الكون بهجه ؛ و أن تملأه صخبا و ضجّه .. كل ما يسعنا أن نفعله إزاءها هو أن نبتهل إلى الله عزّ و جلّ أن يوفّقها و يهديها فيصرفها عن الحديث فى الإسلاميات.