يحكي حكواتي لجمهور مقهى شعبيّ حكاية المملوك الذي ضيّع رأسه في معمعة الصراع على السلطة. ويستخدم ونّوس تقنيات اللعبة والحكاية التي تولّد حكايةً أخرى، وتقنيّة المسرح داخل المسرح، بحيث تبدو الأمور وكأنها لعبٌ ينقلب إلى جد.
سعد الله ونوس ، (1941-1997) مسرحي سوري . ولد في قرية حصين البحر القريبة من طرطوس . تلقى تعليمه في مدارس اللاذقية. درس الصحافة في القاهرة (مصر)، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية. كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقى في سوريا. في أواخر الستينات، سافر إلى باريس ليدرس فن المسرح.
مسرحياته كانت تتناول دوما نقدا سياسيا اجتماعيا للواقع العربي بعد صدمة المثقفين إثر هزيمة1967 ، في أواخر السبعينات، ساهم ونوس في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعمل مدرساً فيه. كما أصدر مجلة حياة المسرح، وعمل رئيساً لتحريرها. في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982، غاب ونوس عن الواجهة، وتوقف عن الكتابة لعقد من الزمن. عاد إلى الكتابة في أوائل التسعينات.
في 15 أيار (مايو) 1997، توفي ونوس بعد صراع طويل استمر خمس سنوات مع مرض السرطان.
لا أبالغ إن قلت أني دخلت في نقاش طويل مع سعد الله ونوس بعدما أنتهيت من قراءة مسرحية رأس المملوك جابر؟ ماذا كنت تريد يا سعد الله ونوس من شعب هذه المسرحية المسكين ؟؟ وماذا كنت تعتقد أنه بإمكانه أن يفعل؟؟ هذا النقاش ما لا يمكن إختصاره في ريفيو وسأكتبهه قي وقت لاحق إن شاء الله.
رأس المملوك جابر من اجمل المسرحيات التي قراتها في حياتي وإنها لتعادل مسرحيات هاملت وتاجر البندقية ورميو وجوليت لشكسبير!!
أي عبقرية كان يحملها سعد الله ونوس ومحمد الماغوط وممدوح عدوان؟؟ إن كتاباتهم سابقة لأوانهم ،إحتجنا لفهمها 40 سنة ،وإنها لتثمر الآن حتى دون أن يقرأها البعض..!
سعد الله ونّوس , أين مضيت في هذا الزمن الصعب , كأنّك بيننا , كأنّك رسول العاصفة و هاجس التاريخ الذي أقام على سباته عقودا ... رحمك الله لو كنت بيننا لترى أنهار الدم و الحريّة في هذا الوطن , الكثير من الاقنعة التي تتهاوى .... رحمك الله , كم كنّا لنحتاجك في ساعات الولادة لتفهم من تسلّق اسمك يطعنك فيه بقلبك معنى ولادة الوطن و الإنسان و الموتى الذين يمشون على رصيف حيادهم ... ___
" من ليل دمشق* الطويل نحدّثكم من ليل الموت و الجثث نحدّثكم . تقولون .. فخّار يكسّر بعضه .. و من يتزوّج أمّنا نناديه عمّنا .. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك . لكلّ واحدٍ رأي ... و تقولون هذا رأينا . لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا : هذا رأينا . لكن إذا التفتّم يوماً , و وجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم . الرجل الرابع : إذا عضّكم الجوع و وجدتم أنفسكم بلا بيوت . زمرّد : إذا تدحرجت الرؤوس , و استقبلكم الموت على عتبة صبح كئيب . المجموعة : إذا هبط عليكم لي ل ثقيل و مليء بالويل لا تنسوا أنّكم قلتم يوما فخّار يكسّر بعضه ... و منيزوّج أمّنا نناديه عمّنا . من ليل دمشق* الطويل نحدّثكم من ليل الموت و الجثث نحدّثكم ... " * في الأصل بغداد لكن عُدّلت لضرورة الثورة ! _____
في بغداد مشهد لمجموعة واقفة تنتظر أمام الفرن لتأمين خبزهم لعدة ايام بعد انتشار خبر الخلاف بين الخليفة والوزير وذلك جزء من الحوار بينهم
المجموعة : كل الظواهر تؤكد ان العاصفة ستهب بين لحظة وأخري واذا أتت، ما علينا إلا ان ندخل بيوتنا ونغلق نوافذها جيدا الرجل الرابع : هل احد يعرف سبب الخلاف أو توتر الأوضاع؟
المجموعة : وكيف لنا أن نعرف لماذا يختلف السادة وما علاقة امثالنا بذلك المهم ان ناخد الخبز ونذهب لبيوتنا كله فخار يكسر بعضه البعض ومن يتزوج امنا نناديه عمنا
============ ============ الرجل الرابع : وحق الله أظن أنه من الضروري ان نسأل عن السبب ويكون لنا رأي فيه
المجموعة : ايها الرجل تثير شؤونا خطيرة عواقبها وخيمة الضروري بالنسبة لنا هو الخبز والامان لا سبب الخلاف سلامة أولادنا اغلي من الدنيا كلها وما علاقتنا ابعد عن الشر وغن له
============ ============ الرجل الرابع : وحق الله لا اخالفكم الرأي ولكن طريق الخبز والأمان وااسفاه يمر في هذا السؤال
المجموعة ولماذا يمر فيه اتأمل ان يكون الخلاف لتحسين احوال الرعية او تخفيض الضرائب
============ ============
الرجل الثالث : سأقول لك شيئا عشت عمرا طويلا لأعلم كيف تجري الأمور هنا، مهما اشتدت الخلافات بين سادتنا وفرقت بينهم المصالح فإنهم يظلون متفقين علي شئ واحد هو الا نتدخل نحن العامة في شؤونهم وخلافاتهم ولو فعلنا لتوحدوا فورا واتجهوا بكل قواهم نحونا وبعدها تمتلئ السجون ويختفي الرجال المجموعة : ولهذا خير ما نفعله ان نخفي رؤوسنا بين اكتافنا لا رأينا ولا سمعنا
============ ============
وفي النهاية بعد الاجتياح الجميع : معا الي الجمهور من ليل بغداد العميق نحدثكم من ليل الموت والويل والجثث نحدثكم تقولون فخار يكسر بعضه ومن يتزوج امنا نقول له يا عمنا لا احد يمنعكم ان تقولوا هذا ولكن اذا التفتم يوماً ووجدتم انفسكم غرباء في بيوتكم اذا عضكم الجوع ووجدتم انفسكم بلا بيوت اذا تدحرجت الرؤوس واستقبلكم الموت علي عتبه صبح كئيب لا تنسوا انكم قلتم يوماً فخار يكسر بعضه ومن يتزوج امنا نقول له يا عمنا
سعد الله ونوس يعلم جيدًا الشعب وسيكلوجيته، السلطة وسياستها، والمسرح ولعبته. ما لفت نظري إضافة لقوة استشراف ما سيؤول إليه المجتمع السوري، هو تمكنه من لعبة المسرح نفسها وتوظيف تقنيات مسرحية عديدة. من جعل الجمهور جزء من العرض، أو عرض مسرحية داخل مسرحية. وهو ما أعطى للمسرحية قوة تأثير فوق قوتها.
مع أن حكاية الفيل مقتبسة من التراث الأدبي التركي ، إلا أنه يبقى لسعد الله ونوس براعته وأسلوبه الخاص في إعادة إخراجها مسرحياً...ه فبطل المسرحية (زكريا) هو نفسه نصر الدين خوجا بطل الحكاية الأصلية، وهو الشخصية التراثية الشعبية في تركيا والتي يقابلها في تراثنا العربي شخصية جحا ..ه مسرحية لطيفة لكن النص جاء فضفاضاً على مقاس الفكرة...ه
في مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" يهيننا سعد الله ونوس، يهين الشعب، يهين المجتمع، يهين الأمة. ويعلي شأن الملك، وشأن الحاكم وفيله. على سعد الله ونوس أن يكون رحيماً بنا، فنحن ضعاف القلوب لا نتحمل هذه الجرعة من القسوة.
أما في "مغامرة رأس المملوك جابر"
ينهي في هذا المقطع سعد الله ونوس مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر, بطريقة يتنبأ فيها بكل ما سيحدث وما لم يحدث لهذا الشرق البائس في المستقبل, آه كبيرة بحجم كل الألام يا سعد الله:
"من ليل بغداد العميق نحدثكم . من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم . تقولون .. فخار يكسر بعضه .. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا .. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك . لكل واحد رأي وتقولون .. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا . لكن إذا التفتم يوما . ووجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم . .
الرجل الرابع : إذا عضكم الجوع ووجدتم أنفسكم بلا بيوت . .
زمرد : إذا تدحرجت الرؤوس . واستقبلكم الموت على عتبة صبح كئيب .
المجموعة : إذا هبط عليكم ليل ثقيل وملئ بالويل لا تنسوا أنكم قلتم يوما : فخار يكسر بعضه .. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا
من ليل بغداد العميق نحدثكم . من ليل الويل والموت والجثث نحدثكم ."
من دليل بغداد العميق نحدثكم. من ليل الويل و الموت و الجثث نحدثكم. تقولون .. فخار يكسر بعضه .. و من يتزوج أمنا نناديه عمنا .. لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا ذلك. لكل واحد رأي و تقولون .. هذا رأينا لا أحد يستطيع أن يمنعكم من أن تقولوا هذا رأينا. لكن إذا التفتّم يوماً، و وجدتم أنفسكم غرباء في بيوتكم .. إذا عضّكم الجوع و وجدتم أنفسكم بلا بيوت .. إذا تدحرجت الرؤوس. و استقبلكم الموت على عتبة صبح كئيب. إذا هبط عليكم ليل ثقيل و مليء بالويل لا تنسوا أنكم قلتم يوماً. فخار يكسر بعضه .. و من يتزوج أمنا نناديه عمنا من ليل بغداد العميق نحدثكم, من ليل الويل و الموت و الجثث نحدثكم.
الفييييل يا ملك الزمان .. عندما أرى عنوان المسرحية ، من المسرحيات التي يجب أن تدرس للاطفال قبل الكبار ..
هنا نج�� القول الذي يبدأ في التحول الى مرحلة الفعل لكنه يظل منقوصا، مرتبكا لارتباط الفاعل بعقود من الخوف والقمع .. لدرجة ان التحرر الذي ينشده يصير انسحاقا ..
مع أنّني قرأت هذه المسرحية قبل 6 سنوات تقريباً، إلّا أنّني لازلت أرى فيها واقعاً لا يتغيّر... أحداثُها تطبّق على كثير من المواقف في حياتنا وان لم تصل إلى المستوى السياسي وكانت في حدود حياتنا العمليّة أيضاً. رائعة.
ممثل ٧: هل عرفتم الان لماذا توجد الفيلة؟ ممثلة٣: هل عرفتم الان لماذا تتكاثر الفيلة؟ ممثل٥:لكن حياتنا ليست الا البداية ممثل ٤: عندما تتكاثر الفيلة تبدأ حكاية اخرى الجميع : حكاية دموية عنيفة وفِي شهرة اخرى سنمثل جميعا تلك الحكاية
برغم إنقضاء حوالى حوالى 7 سنوات على قراءة هذه المسرحية (الفيل يا ملك الزمان) إلا اننى اتذكر كل تفاصيلها، أتذكر تماوج الروح الجمعية صعوداً بالشجاعة وهبوطاً بالتخاذل امام الملك
تروي واقع كل شعب سكن وخضع حتى اعتلى ملوكه مناكبه، تروي حكاية مؤلمة، حكاية هذا الزمان، وزمان ماض وزمان يأتي بعده، حتى "ينتفض الشعب إلى حكاية الظاهر كأنه يراها".
تعتبر مسرحية رأس المملوك جابر من أهمّ الأعمال الأدبية لما بعد النكسة، ولقد قرأتها على هذا الأساس. فإذا بي أفاجأ بعمل تعليميّ متواضع يقترح عكس ما يدّعيه. يحاول ونّوس استئناسا بمسرح بريشت أن يخلق فضاءً مسرحيا تفاعليا يمتزج فيه الجمهور والممثلون. ولئن اعترف ونّوس في تقديم العملِ أنه مضطر إلى تصنّع هذا التفاعل (فهو مستحيلٌ عفوا) لضمان التسلسل الدراميّ، فإنك ترى في كلّ مقال وتحليل، احتفاءَ النقّاد بتفاعلية العمل المسرحيّ كآلية تحفّز المتفرّج على التفكيرِ الواعي، في مقابل المقاربة التقليدية القائمة على التماهي والتفاعل اللاواعي. ولكن، ما الذي يحتاج الجمهور إلى التفكير فيه بخصوص المسرحية؟ ألا تقدّم المسرحيّةُ استنادا إلى رمزيّة الحكواتيِّ، إجاباتٍ جاهزةً في قالب أمثولةٍ تعليميةٍ بسيطةٍ؟
فأما المملوك جابر، فقد غامرَ بحثا عن منفعةٍ شخصيةٍ وخسر رهانَه، وأمّا الشعبُ فقد رفع يديْه عن الشأن السياسيِّ تبرُّؤا وتجنّب اتّخاذ موقفٍ، فنال جزاءه من القتل والاضطهادِ. وهكذا تتجلّى رسالةُ ونوس الأخلاقية للشعب: يجب أن يعدّل سلوكه، فذلك هو السبيل الوحيدُ للنجاة على ما يبدو. إن التأمل البسيط في أمثولةِ المملوكِ جابرٍ ورأسه، تؤكّد وضوحا مدى سذاجة كاتبها، وسذاجة رؤيته الإصلاحية (بل الثورية). فأما المملوك، فما كان يمكن أن يحصل لو لم يكتب الوزيرُ عبثا طلب قتله. وماذا لو حافظ على فطنته وأصر على معرفة ما يكتب فوق رأسه أيضا؟ وأما الشعب، فأنّى له أن يتخذ موقفا والطرفان المتصارعان على الحكم أحدُهما أشرُّ من الآخر؟ وبأية عصبيّةٍ سوف يقدر أن يفرضَ رأيَهُ أمام جيوشٍ نظاميّةٍ لا قِبلَ لها به؟ طبعا، في هذا المستوى، نتذكّر أننا إزاءَ أمثولةٍ رمزيّةٍ تُحيلُنا إلى الحقبة المعاصرةِ. وأن الشعب موضوع الإدانة ليس أهل بغداد القرن الثالث عشر، بل الشعوب العربية في القرن العشرين. والحقيقةُ أنّ سعد الله ونّوس لا يبذل جهدا كثيرا في مواراةِ هذه الإحالةِ، إمّا باستعمالِ مفرداتٍ عصريّةٍ أو بتعويض المفاهيم القديمة بأخرى حديثةٍ. بعبارة أخرى، فالنصّ يذكّر المشاهد في كلّ لحظة بحقيقتِه التمثيلية، خصوصا مع استعمال الحكواتي والتبئير أو الحكاية داخل الحكاية، من أجل كسرٍ مستمرّ لتقنيات التماهي والتطهير وغيرها مما يحدث عادةً مع العمل الفنيِّ. وبالتالي، دفعٍ متواصل نحوَ تواصلٍ عقلانيٍّ واعٍ مع عناصر المسرحية. ولكن، وهل تحتاج مسرحية رأس المملوك جابر إلى كلّ هذه التقنية؟ وهل تحتاج قصةٌ تقوم على الأمثولة، أي على القصةِ القصيرةِ المثالِ وعلى العبرةِ في خواتيمها، إلى جهدٍ عقليٍّ كبير لفهمها؟ وهل كان مفيدا تمثيلُ عرب القرن العشرين داخل دولهم القطرية الحديثةِ بأهل بغداد القرن الثالث عشر؟ أعني هنا من منظور سياسيٍّ لأنه غرض القصة وغاية عبرتها. فالدولة الامبراطورية القائمة على شوكة الدين أو المذهب أو القبيلة، تختلف تماما عن الدولة القومية الحديثة القائمة على العقد الاجتماعي، وبالتالي فأسباب نجاحها تختلف أيضا. يقف ونّوس عند قرار المملوك جابر باستغلال فطنته (المشكوك بها في النهاية) وذكائه بحثا عن مصلحته الفردية، موقفَ المتّهِمِ، ويجعل من سلوكِه علّةً أساسيّةً للواقعِ العربيِّ المعاصرِ. والحال إن المملوك ليس إلا نتاج واقعه. يطالب ونّوس الشعب من الاعتبار من جابر ونبذ الخلاص الفردي، ولكنه لا يلمح بأي شكل إلى مسار الخلاص الجماعي السليم، اللهمّ إذا كان يعتقد أن الجنة تقع خلف محطة الهبّة الشعبية الثوريّة مباشرة. يمكنني أنا القادمُ من مستقبلِ زمن كتابة هذه القصة، أن أؤكد لونّوس أن مجرد الانتفاض لا يكفي، وأن الشعب بحاجة إلى أكثر بكثير من مجرّد القدرة على قلب نظام الحكم…
تسبق مغامرة رأس المملوك جابر، مسرحية قصيرة اسمها "الفيل يا ملك الزمان"، قصيرة جدا ولكنها أكثر طرافة وتأثيرا. تفترض القصة أن الشعب مسؤولٌ عن بطش الحكام الذي تمثّل في فيل ملك الزمان، وذلك بإحجامه عن مساندة مثقفيه ومعاضدتهم في مجهوداتهم لإقامة العدل، وتقويم سلوك الحاكم. إنها أمثولة واضحة العبرة فيها الكثير من الوعظ الأخلاقيّ تماما مثل مغامرة رأس المملوك جابر. ثمّ إنها تضاهيها قليلا في مستوى سذاجة الطرح: يخرج زكرياء رمز المثقف، ليقود شعبه مثل موسى، في مواجهة ملك الزمان، والشكوى من الفيل، رمز البطش والظلم والخراب. يستعمل الأدب والفنّ والتعليم، وكلُّ غايته إزالة خطر الفيل. الفيل يا ملك الزمان، هو مشكلةُ وزكرياء وشعبه، إذ لم يستطع أن يفهم أن مشكلته الحقيقية ليست الفيل، بل هي ملك الزمان نفسه، الفرعون الذي واجهه موسى، لا جنوده أو سحرته.
لا أبالغ، ولا أنحاز لسوريّتي إذا قلت أن سعد الله ونّوس هو واحدٌ من أعظم كتّاب المسرح الذين مرّوا في تاريخ هذا الفن، ولمزيدٍ من الإنصاف دعوني أقول أنّه واحدٌ من أهمّ عشرة كتّابٍ مسرحيين في البشرية جمعاء وذلك بحسب ما سمعته من أساتذة الأدب في الجامعات وفطاحل اللغة والفكر في الأماسي الفكرية والنّدوات الأدبية، سعد الله ونّوس الذي عاجله سرطان البلعوم بالموت بعد خمس سنواتٍ من الصراع المرير كان حتى عام 1997 أبرز مرشّحٍ لجائزة نوبل، فكانت المسارح وكتّابها والعاملين عليها في كلّ العالم يتهيّؤون كلّ عامٍ لاستقبال هذا الخبر العتيد لكنّ الجائزة وفي كلّ مرة تُعطى لغيره فتتهامس أروقة الأدب وكواليس المسارح عن سبب حجبها عنه وصرفها إلى غيره وما في الأرض أحقُ بها منه (نتحدث هنا عن كتّاب المسرح فقط) ، في هذه المراجعة السريعة أحدّثكم عن خبايا إحدى أشهر مسرحياته- وكلّ مسرحيّاته شهيرة- وهي: الفيل يا ملك الزمان.
_ تُعتبر هذه المسرحية القصيرة نسبيّاً (33) صفحة من أقصر المسرحيّات العربية وأشدّها اختزالاً وعفوية، تحكي قصّة فيلٍ أهوج تعود ملكيّته لملكٍ مغفّلٍ هو أهوج منه وأرعن، هذا الفيل الفالت يتعدّى على أملاك النّاس ومحالهم فيخرّ عليها ويخربها، ويُفسد ما فيها من بضائع ويعبث في جدران بيوتهم الفقيرة وينطحها فتسجد سقوفها فوق رؤوسهم الحزينة، ازدادت الأمور احتداماً عندما غار الفيل على أطفالٍ يلعبون في إحدى عرصات المدينة فوطئ بطن أحدهم فقتله من ساعته، وما تركه حتى خرجت أمعاؤه الدامية من فمه الصغير، هنا قرّر أهالي المدينة أن يستجمعوا قوّتهم ويدخلوا على الملك يلتمسون منه رجاءً ملحّاً وهو أن يقيّد فيله أو يعصمهم منه بحبسه في حديقةٍ بعيدة، وبعد حديثٍ وحوارٍ طويل اتفق النّاس على مطلبهم وحفظوا ما سيقولونه أمام الملك وذهبوا إليه.
_ دخل النّاس بوابة القصر مشفوعين بالحرّاس فأدهشهم البهو والعرش، والطنافس والفرش، والعسس والحاشية، والأقمشة المبرقشة، والأفرشة المزركشة، والحرير والديباج، والزاج في الزجاج، والجواهر والعاج، والصولجان والتاج، فأُسقط في أيديهم وهالهم ما رؤوا، فأُلجمت ألسنتهم عن الحديث ونسوا ما جاؤوا لأجله، ونابهم صيامٌ عن الكلام، فاستنطقهم الملك وهم في ضياعٍ وشرود، حتى تكلّم أجرأهم وقال من هول دهشته عكس ما اتفقوا عليه بعد أن خشي على رقبته أن تطيح أمامه من سطوة الجبروت الذي رآه، فطلب من الملك أن يسعى بتزويج الفيل لأنهم يخشون عليه كآبة الوحدة وكي يستكثروا من نسله الحسن، فضحك الملك وفرح بما سمع فوافق لهم على مطلبهم وعيّن المتكلم سائساً للفيل خادماً له، وخرج النّاس وقد زاد همّهم همّاً وشعروا أنهم ما فعلوا شيئاً غير أنهم صبّوا زيتاً فوق لهيب مصيبتهم.
_ المسرحيّة رمزيّة جدّاً وأظنّ أنّ ونّوس أراد ايصال رسالةٍ مفادها المثل الشهير (يافرعون مين فرعنك_ مالاقيت من يردّني)، وهذا المثل معروف في الأمصار ويُقال في كلّ بلدٍ بحسب لهجة شعبه، وفيه يردّ الكاتب سبب تسلّط الحكّام لا لجبروتهم بل لضعف شعوبهم واستكانتها، وقد مُثلت المسرحية كثيراً ووجدت في (يوتيوب) فيديوهاتٍ كثيرة لا أنصح بها، كلها مؤداة بطريقةٍ طفولية أشبه بالمسرح المدرسي وتسيء إلى النص الأصلي.
_ في مراجعةٍ لاحقة بعون الله أتحدّث عن مسرحية (رأس المملوك جابر)، والمسرحيّتان صدرتا في كتابٍ واحد عن دار الآداب في 168 صفحة من القطع المتوسط، وهما تحفتان أدبيّتان أنصح كل من لم يقرأ في هذا الفنّ أن يبدأ بهما.
مسرحية الفيل يا ملك الزمان، من القصص الجميلة والرائعة والاستثنائية، وأظنها ملهمة لكاتب آخر (ممدوح حمادة) في قصته حول الميكرفون والإذاعة وتغيير مدير الناحية في مسلسل الخربة. ولي الشرف أنني خلال المرحلة الجامعية، قد عملت عليها بالإعداد لنص مسرحي وحقق نجاحا كبيرا. مسرحية رأس المملوك جابر تمتاز بدقة العبارة ككل مسرحيات سعد الله ونوس.