ليس أحب إلى قلوب القراء عامةً من مسيرة الأدباء والعظماء. وليس أحب إلى قلب القارئ العربي، خصوصاً، من سيرة كتابه المشهورين، وأدبائه النابهين، وأعلام تاريخه البارزين. وأكثر ما تكون السيرة جذابة خالدة، حين تروي حياة عظيم من العظماء، وحين يكون هذا القلم قلم كاتب فنان، ومفكر فلسفي رائد، يختصر في تجاربه تاريخ عصر، ومعاناة أمة، واتجاه حضارة، ويختصر في أسلوبه أروع أشكال البث ومناهج التعبير. وسبعون ميخائيل نعيمه، في أجزائها الثلاثة، هي ما يطمح إلى مطالعته كل قارئ، فهي سجل حافل لحياة صاحبها المديدة، وتجاربه الإنسانية والكونية، فضلاً عن أنها بريشته ذات البهاء، والإبداع، والاقتداء الفني المتميز. إنه كتاب كتب نعيمه، وكتاب من كتب السيرة الرائعة في الخزانة العربية
Mikha'il Na'ima (also spelled Mikhail Naimy; Arabic: ميخائيل نعيمة) (b.1889 in Mount Sannine in modern day Lebanon, d. 1988) was a Lebanese author and poet of the New York Pen League.
He wrote 99 books, including drama, essays, poetry, criticism, short stories and biography.
Among his best known books is the Book of Mirdad, a mystical text first published in Lebanon in 1948, which was translated into English and published in London in 1962.
The mystic Osho had this to say about The Book of Mirdad. He said, "There are millions of books in the world, but 'The Book of Mirdad' stands out far above any book in existence."
Mr. Naimy was a biographer and longtime associate of Khalil Gibran, the Lebanese writer, artist, poet, and philosopher and he penned the first Biography about him (first published in Arabic) in 1934. The biography was later translated into English and reprinted in 1950.
He was fluent in three languages: English, Russian and Arabic.
ميخائيل نعيمة 1889 - 1988 مفكر عربي كبير وهو واحد من ذلك الجيل الذي قاد النهضة الفكرية والثقافية وأحدث اليقظة وقاد إلى التجديد واقتسمت له المكتبة العربية مكاناً كبيراً لما كتبه وما كتب حوله. فهو شاعر وقاص ومسرحي وناقد متفهم وكاتب مقال متبصر ومتفلسف في الحياة والنفس الانسانية وقد أهدى إلينا آثاره بالعربية والانجليزية والروسية وهي كتابات تشهد له بالامتياز وتحفظ له المنزلة السامية.
ميخائيل نعيمة ولد في بسكنتا في جبل صنّين في لبنان في شهر تشرين الأول من عام 1889 وأنهى دراسته المدرسية في مدرسة الجمعية الفلسطينية فيها، تبعها بخمس سنوات جامعية في بولتافيا الأوكرانية بين عامي 1905 و 1911 حيث تسنى له الاضطلاع على مؤلفات الأدب الروسي، ثم اكمل دراسة الحقوق في الولايات المتحدة الأمريكية (منذ كانون الأول عام 1911) وحصل على الجنسية الأمريكية. انضم إلى الرابطة القلمية التي أسسها أدباء عرب في المهجر وكان نائبا لجبران خليل جبران فيها.
عاد إلى بسكنتا عام 1932 واتسع نشاطه الأدبي . لقب بناسك الشخروب، توفي عام 1988 عن عمر يناهز المئة سنة. وتعود جذور ميخائل نعيمه إلى بلدة النعيمة في محافظة اربد في المملكة الاردنية الهاشميه وهذا ما ذكره ميخائيل النعيمه في حوار مع الكاتب الاردني والمؤرخ روكس بن زائد العزيزي.
سبعون هي حكاية عمر لميخائيل نعيمة ورحلة عمر لن تنتسى للقارئ. بعد قرائتي لكتابه دروب بدأت في سيرته الذاتية التي وجدتها في اتساق مع كل ما ذكره في دروب. نعيمة كاتب حكيم تمتاز كتاباته بالبساطة والعمق في آن معًا. عندما كنت أقرأ له كان يلازمني شعور بالارتياح وانبساط النفس وتفسيري لذلك هو أن الكاتب نفسه نقي جدًا وواضح فتجده يُشعِر القارئ بالراحة وهو يأخذه معه في رحلة عمره المميزة هذه. كلماته بسيطة ومباشرة تكسوها الرقة والحس المرهف الذي يتأثر بكل ما حوله حيث يأخذنا من طفولته في الشخروب ويذكر مواقف لطيفة ومضحكة كذلك. فكره لامع ومتزن، هادئ ولا يفرض شيئًا على القارئ بل يأخذه في رحلة تحليلية فكرية لكل ما يجول في خاطره فتجد في كلامه كل الاقناع. نجد في طفولته اللعب والهزل والدراسة والجد والعائلة والبيت البسيط. بعد ذلك ينتقل بنا إلى روسيا حيث أكمل دراسته هناك. في روسيا يرى العجب ويبدأ رحلة جديدة أبطالها جدد. تستوقفني صراحته مع القارئ ومكاشفته لنفسه، كيف كان يتعامل مع الفتيات ويميل لهن وكيف يملن له هن كذلك، فيعيش في جهاد فكري مستمر ويذكر نفسه بكل ما يملك من مبادئ وأخلاق، شيء غاية في النبل. كما يذكر لنا صداقته بجبران خليل جبران و تأسيسه للرابطة الأدبية. ومن ثم عودته للوطن بعد عشرات الأعوام. كان يقف كثيرًا ليذكر لنا تأملاته في هذه الحياة ويشاركنا محطاته. يملك فلسفة فاتنة في مفهومه الخاص حول العائلة والصداقة والأخوة والحب والدين والوطن والأخلاق. شخصية مؤمنة متدينة بحق، تحلل المشكلات وتجد لها حلًّ. شخصية تريحك وأنت تقرأ لها. يكثر من التأمل في خلق الله وينثر الكثير من النصائح والتوجيهات بأسلوب سلس غير مباشر يخلو من الوعظ والتنظير. كانت رحلة غنية بحق، تمنيت أن لا تنتهي فقد تعلمت منه الكثير. سيرة ذاتية سيرة ذاتية من أثمن ما قرأت وتعلمت
سبعون .. من الكفاح والعيش والتأمل قطعها ميخائيل نعيمة، وأنا لم أقطع بعد ثلثها.. أن تقرأ لرجل قد جاوز السبعين، يعني أن تتلقى رسائل مبكرة من المستقبل، أن ترى الحياة بأضعاف منظارك، وأن تقرأ الأيام بأحكم من عقلك، وأن تختصر العمر في دقائق من يومك.. لم تكن سيرته صاخبة، ولم يكن أسلوبه مبهرا، فقد كان كصاحبه: هادئ، وديع، رقيق، ومتأمل كثيرا .. هذا هو الانطباع الواضح الذي ينطبع في ذهنك عن ميخائيل.. ورغم أنني لم ألتق معه كثيرا، لا في فكره ولا آرائه ولا اهتماماته ولا حتى رقته، إلا أن للسير وقعها وأثرها، ولا أظن القراء بمختلف اهتماماتهم ومجالاتهم قد يجمعون على حب مجال من مجالات القراءة مثل السير، فالسير أوراق يعرض فيها الكاتب "الإنسان" بداخله، فلا مجال للحكم أو النقد، إنه يفتح لك قلبه، ويشاركك خطرات نفسه، وبنيات أفكاره، ومكامن نفسه، حتى تصبح كأنك وإياه صديقين حميمين.. في هذا العالم المختنق بالغبار والأدخنة، الغارق في المجون والدم، كان ميخائيل دائما ما يختم تأملاته بقوله :"وإني فيه لغريب، غريب". كان غريبا، وعاش غريبا، لم يتزوج إلا الكلمة، ولم ينجب إلا الكتب، فنعم الذرية الصالحة ذريته، ونعم الغربة غربته.
شكراً لمن دلني على هذا الكتاب فمع طول هذه السيرة -ثلاثة اجزاء- هي واحدة من أجمل وأفضل السير الذاتية في المكتبة العربية..قضيتُ مع ناسك الشخروب لحظات من أجمل ما قضيتها بصحبة كتاب!
آخر المراحل وأقلها مستوى، في هذه المرحلة طغى التأمل والتفكر وعرض أفكاره ورؤاه وهي أفكار تميل إلى التصوف والإيمان بتناسخ الأرواح وغيرها وقليل من أحداث حياته التي كانت هادئة في الأصل بعد عودته إلى لبنان طلبا للهدوء بعد صخب الحياة في أمريكا. السيرة بكاملها فيها إطالة وحشو وتكرار مما أضعفها وكان بالإمكان دمجها في كتاب واحد أو اثنين على أكثر تقدير.
بعدما أنهيت هذا الكتاب بأجزاءة شعرت بأن يومي أصبح فارغ تنقصة تأملات ميخائيل/ذكرياته حديثه عن جبران خليل جبران ونسيب عريضة وعبدالمسيح وإيليا أبو ماضي وبقية أصدقاءة أمه وأبيه ونجيب ونسيب وبقية أهله سبعون سنة عشتها بذكرياتها وأفراحها وأحزانها مع ميخائيل
كان قد تبقى اربعين ورقة من هذا الجزء احتفظت بها من العام الماضي طمعاً في قراءة هذه المجموعة اطول وقت ممكن لكن كما يقول ميخائيل في خاتمة هذا الكتاب ان المسؤول عن سر النمو والاستمرارية هو المسؤول عن الانحلال ايضاً فلابد لي ان افرغ منها وهذا لا يعني الوداع الابدي اذ علني اجمتع واياها في مرحلة قادمة ، ممتنة لميخائيل على هذه المذكرات جاءت كالدليل المرشد في تلك المرحلة كما هو اسمها المراحل واضافت الكثير 🧡
لو كان لنا أن نتخلص ولو لحظة من أوهام الزمان والمكان لبان لنا كل شئ في العالم غير محدود من الشمس حتي ذرة الرمل ولرأينا البحر في قطرة الندى. ومن الخطأ أن تهرب من الناس لأنك في الواقع لاتهرب إلا من نفسك ففي كل إنسان شئ منك وفيك شئ من كل إنسان إذا كنت تحسب نفسك عاقلاً فأنت مدين بعقلك للعقلاء والجهلاء علي السواء.
رحلة فكرية وروحية رفقة أحب الأدباء العرب الي قلبي ميخائيل نعيمة "ميخو❤️" سعيدة جداً بقراءة سيرته الذاتية الشيقة "حكاية العمر" كما اختار لها كعنوان ثانوي ثلاثية شيقة وممتعة وآسرة لاتمل تمنيت ان يضيف لها مرحلة رابعة بما أن العمر امتد به لفترة اطول مما توقع ان يحياه❤️
"لقد باتت الكلمة عندي وكأنّها القدرة المبدعة التي في استطاعتها أن تخلق عوالم وأن تمحو عوالم. فما كان لي أن أرسلها كيفما اتّفق. بل كان عليّ أن أتفقّد منابتها لأعرف ما إذا كانت طاهرة أو غير طاهرة، وصادقة أو غير صادقة. وكان عليّ أن أتبصّر، قدر المستطاع، السبل التي يمكن أن تسلكها من بعد أن تفلت من لساني ومن قلمي مخافة أن تغدو سمّاً حيث أردتها أن تكون بلسماً، وحجر عثرة حيث هندمتها لتكون سلّماً. إنّها البذار أبذره في نفسي وفي النفوس التي تشتاق ما تشتاقه نفسي. وإنّها الطريق أخطّها لنفسي وللنفوس التي تتجه حيث تتجه نفسي".
وانتهت السيرةُ هنا، حزنٌ يعتريني على فقيدٍ مثل ميخائيل، حياة طويلة واكب فيها الكثير من تطورات العصر الحديث ليأتي في سيرته الثلاثية مصوّراً لقُرَّائه لقطات من حياته وسارداً من خلالها وعظاً وحكماً ثمينة. معجبةً به طفلاً هادئاً متوَّقد الذكاء، ومراهقاً نابغاً سريع التعلم، وشاباً مكافحاً في عوالم شتى ومغامراً في سهول الحياة الاجتماعية، وراشداً طحنته الحياة أيما طحن، فاختار طريق الزهد والتعفف على طريق المذلة والطلب، وبعد العودةِ من المهجر ونصاع الشَّيْب اختار حياة الناسك في كهوف الشخروب، بين طهر الطبيعة وهناء الريف. سيرة فريدة ورائعة، ولن يتجاوزني حرفهُ وفكرهُ دونما تأثير، فكأنني وجدتُ عنده الجوابَ الوافي، والسرَّ والمفتاح.
المرحلة الأخيرة من المذكرات وقعت ما بين عاميّ 1932 – 1959, ولم تكن مؤثرة كالتي قبلها, لا أدري إذا كنت أصبت بالسأم, أم أنني شعرت أن الكاتب فقد في طريقه المعنى الذي يدعو إليه ويتبناه في حياته فصار يردده كواجب يؤديه, أكثر مما هو إحساس يعايشه . امتلأت هذه المرحلة بالحديث عن عودته للوطن, وحياته في الشخروب الذي يطل على معشوقه جبل صنّين, وعن جبران صديقه في الغربة, وحكاية كتبه التي تخللت حديثه في الفترات الماضية, لكنها هنا جاءت أكثر تفصلاً .
- في هذه المرحلة يتضح إيمان ميخائيل نعميمه بفكرة تناسخ الأرواح .. - أكثر هذه المرحلة عبارات عن تأملات وتفكرات .. -بما أن ميخائيل لم يتزوج ، فهو يتقمص الرهبانية ، مع زهده وعزوفه عن الدنيا ..
لو كتَبَ لي الزمان أن أزور لبنان، لما ترددت دقيقةً واحدة في زيارة ''بسكنتا'' ورؤية الشخروب والوقوف على جبل صنين، والجلوس في معتكف ومتكأ ميخائيل الذي أسماه ''الفُلك'' الذي كان يقضي فيه عزلته ويطلق فيه نظره سابحًا في بحرِ خياله وأفكاره وتأملاته، لكن كيف ذلك وقد مضى على الشخروب أكثر من ستين عامًا! قرأت ثلاثية ميخائيل نعيمة، وهي مقسمة في ثلاثة كتب ١٢٨٠ صفحة، ما بين الطفولة والتكوين والاغتراب والتعليم والحرب والكتابة، قرأتها كاملةً فسلبت لُبيّ وهزت أعماقي وتأثرت بها أيَّما تأثُر، وأذكر أني عندما أنهيتُها أُصبتُ بِحمَّاها فذهبت أتخبط عشواء في الدور والمكتبات كمن يتخبطه الشيطان من المسّ، أبحث عن كتابٍ يسد رمق هذا الفراغ الذي تولَّدَ في نفسي ووجداني، ولكن هيهات أن يجود الزمان! فسلامٌ عليك ما هبتِ الصبا، سلامٌ من صحراء نجد إلى لبنان والشخروب الذي يحتضنُ رفاتك.
لا زلت أتذكر ''قصة السحر'' في كتابك الأول عندما كنت مع أترابك وقلت لهم؛'' انظروا، فإني سأضع هذه الحبة من الحمص في أذني هذه وسأخرجها من الآخرى''، وبثقةٍ لا تعرف الحدود أدخلتها في أذنك فكنت تنتظر دبيبها في رأسك فلم يكن، فدفعتها بقوة بإصبعك فتعذر عليك إخراجها، فظلت عالقةً في مكانها، فقضيت ليلك كله تبكي من شدة الوجع الذي سببته، ومن ألم الخيبة الذي وقَعَ في نفسك! من جراء فشل السحر، فكانت من أطول الليال. يا صاحب الشخروب لقد كان السحر الحقيقي بين أناملك، لقد سحرتنا بالقلم لا بالحمصة!
يقول محمد رجب البيومي صاحب مجلدات النهضة الإسلامية عن ميخائيل نعيمة أنه عندما يتحدث أي نعيمة؛ يرجك رجًّا، ويرتفع بك إلى عالمٍ أعلى وأضوأ، فأنتَ تتابعه في انبهار، وتشعر بعد قراءته أن شيئًا جديدًا طرأ عليك فنقلك من مكان إلى مكان، و أورثك قلقًا روحيًّا يشغل خاطرك، وتظل طيلة يومك تفكر فيما اهتدى إليه نعيمة من بوارق تسطع في أحلك الغيوم، وقد تخالفه في بعض منحاه أو في أكثر منحاه، ولكنها مخالفة من يحذر المخالفة، ويقيم لها ألف حساب، لأنه لا يجد الأدلة الكافية على اليقين، وإذا لم يترك نعيمة قارئه على صخرةٍ ثابتة مما يقول، فحسبه أن حرك خواطره، وأيقظ كوامنه الهاجعة وأفاقه من نومٍ طويل''.
على الرغم من حماسي الشديد لهذا الجزء من السيرة والعودة الي الشخروب إلا ان هذا الجزء كان الأقل تفضيلاً بالنسبة لي.
يستفتح فيه الكاتب عودته الى سفح صنين وجبال الشخروب، إلى أهله ومحبيه ويروي عدداً من الحفلات ومراسم الإستقبال التي أقيمت لأجله.
وكما عودّنا فهو مفتون بالطبيعة ولاسيما طبيعة الشخروب التي ما إن وصل إليها حتى بات يتغزل فيها بأجمل الكلمات وأروع الأوصاف.
تطرق بعدها الى عزلته في الكهف الذي اتخذ منه ملجأً لنفسه ومستودعاً لأفكاره وتأملاته وشهد على عدداً من كتاباته العظيمة.
بعد ذلك كان مرض اخيه نسيب وماكان لهذا لحدث من تأثير عميق على نفس نعيمه، ومن بعدها وفاة نسيب التي تلتها وفاة ام وابو ديب وأخيراً هيكل ، وما كان لهذا الفقد المتتالي من أثر في نفس ميخائيل ووجدانه.
اسهب نعيمه في هذا الجزء من "حكاية عمر" في وصف الطبيعة والإنسان وتأمل كثيراً في النظام الكوني ومعجزاته ودقة مجرياته.
وأخيرا اتى الكاتب على ذكر الظروف النفسية والاجتماعية والبيئية التي اثرت سلباً وإيجاباً على كتاباته لاسيما كتاب "مرداد".
اقتباس من الكتاب كتب فيه نعيمه واصفاً الذات الإنسانية: " و "أنا" هي النافذة التي تطلّ منها على ذاتك وعلى الكون الذي لا وجود له إلاّ في ذاتك. فغلى قد ما تتّسع نافذتك أو تضيق يتّسع الكون الذي تعيش فيه أو يضيق."
شارفت الرحلة على الانتهاء وحان وقت وداعنا يا جدي.. جدو ميشا..هذا لم يكن لقاءنا الأول إذ أن أحد كتبك وقع بين يدي منذ سنوات لكنني عبثاً أحاول فهمه حتى تركته. أما الآن فعدتَ مرة أخرى بنفس تفكيرك المحلل كل صغيرة وكبيرة وروحك التي تحلق بحثاً عن الحقيقة الأبدية وسر الكون الجميل، عدت نفسك لكنني أنا من تغيرت فأُعجبت بما خطّه قلبك وهمسته روحك كأنني وجدت فيك شيئا من ذاتي وتقاربا فكرياً رقيقاً. كان وقت الكون في أن جعلني أصطدم بك في هذا الوقت مثالياً أيّما مثالية، في ليالي الشتاء الباردة قرب الموقد أجلس وأسمع منك أجمل الحكايا عن حياتك وأحداث يومك وكلما جال بخاطرك ودار في أجواز فضائك..فكنت أتقلب بين ضحكة حين تلقي نكتة وحزن ودمعة حين تحدث فاجعة وما شعرت أني أقرأ كتاباً بل كأني في بيت جدي نحتسي مشروباً ساخناً في جلسة أود لو تدوم ولا تنتهي. أمّا وقد التهمت صفحات كتابك بسرعة في غضون أيام ورأيت السبعين عاماً بحلوها ومرها معك فلست أرى إلّا أن أودعك بالعبارة التي ودعك بها الرفاق :خسرنا صديقاً وربحنا نبيّاً..
من الكتب اللي تستحق انه تاخذ من وقتك هذه السيرة المتميزة من ميخائيل نعيمة واذكر بعض الاقتباسات
كيف استطعت ان تستغني عن المراة بعد عودتك من المهجر وكنت في عنفوان رجولتك؟ وجوابي انني لم استغن الا عن لحم المراة وهو اتفه ما فيها اما قلبها الذي هو منقلب الله، فيا ويل الذين يحرمون مافيه من دفء وعطف ومحبة!
فقد مات وفي عينه شبع من مفاتن الارض وليس في قلبه اي جوع لشيء من حطام الدنيا ولا اي جزع من الموت
( من اراد ان يكون فيكم سيدا فليكن للكل خادما)
وابتسامة الضمير الصافي والايمان الحي والقناعة الزاهدة في امجاد الارض وزخارفها
هائنذا أنهي قراءة الكتاب بمراحله الثلاث، خمسة عشر يومًا صحبتهُ وصحبني بورقاته ال 1248. أظنّ أنه من السير الذاتية الراسخة التي لا تتبدد مع مرور الأيام. لا تدري مع أي علم تدرج!! ولا لأي حقل تُضمّ. أشبه بموسوعة تحوي الأدب والشعر والفلسفة والدين والكيمياء والجغرافيا وعلم الاجتماع والسيكولوجيا وكلّ شيء. لغة عذبة سهلة رصينة ثابتة ماتعة لا أجد لها وصفًا محددا لروعتها ومتانة مفرداتها،كيف لا وهو ميخائيل زوج الكلمة وروحها!
ناسك الشخروب كما سمي من قبل أو ناسك الكلمة ، يتأمل هنا ويسأل ويكتب ويودع بعض من أهله ورفاقه ويذكر تجاربه في تقبل فراقهم بالموت ثم يختم بـمقالين "كيف يولد الكتاب"وهو السؤال الذي لا يعرف جوابه ناسك الكلمة، وأخيرًا"الكلمة الوليمة" يودّع بها قارئه يعلمنا فيه كيف نجمل الكلمة ونقدسها لكي نتجمل بها ونتقدس وكيف نتناول من وليمتها السخية ما يمهد لنا طريق الفهم المقدس.
يسوق لك الكاتب في هذه السلسلة عصارة تجربته الحياتية والظروف التي ساهمت في تشكيل هذا الانسان العظيم، وتحس وأن هذا الكاتب رسم لنفسه مساراً منذ ريعان شبابه ليصل الى ما وصل اليه في النهاية، كمفكر وككاتب ولكن قبل ذلك كأنسان. لن تندم ابداً بعدما تقرأ هذه الثلاثية الغنية بكل ما يشبع نهم الباحثين عن فهم هذه الحياة. خمس نجوم للثلاثية بلا تردد.
#سبعون عاماً من الكفاح يسطرها بأسلوبه الآسر ميخائيل نعيمة في ثلاث أجزاء أسماها سبعون لبلوغه حينها السبعين سنة . ميخائيل لم يتزوج الإ الكلمة ولم ينجب غير الكتب ، إنها مذكرات غارقة في اللّذة .
آخر جزء من مذكرات ميخائيل نعيمة.. المذكرات بشكل عام جميلة وأرخت لحياة أحد أشهر الأدباء العرب ممن كانوا يطلقون عليهم (ادباء المهجر ). فالحديث فيها يبدأ من نهاية القرن التاسع عشر إلى مابعد الحرب العالمية الثانية.. توقعت أن يكون الكتاب أكثر جمالا.. لكن في الجملة أعجبني
كشخصية تعيش في ذاتها أكثر من الخارج.. ارتبطت روحانيًّا بسيرة ميخائيل من أولها سيرة أخّاذه.. فُتنت بها .. سرّ فتنتها كان مزيجًا بين زخم التجارب.. كثافة روحانيّة .. لغة بسيطة فصيحة في آنٍ واحد.. تستحق أن تقرأ.